المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ابن رشد الفيلسوف العقلاني



د. هشام عزمي
10-25-2010, 06:47 AM
ابن رشد الفيلسوف العقلاني
سلطان العميري

يصدّرُ ابن رشد على أنه الفيلسوف العقلاني في التراث الإسلامي , ولكن عقلانية ابن رشد تتبدد أمام آراء أرسطو , وتخور قواه العقلانية أمام مقالاته , فهو لأرسطو مجرد مقلد يحاول أو يفهم ما يقوله معلمه فقط , لأنه أقنع نفسه بأن الحق لا يخرج عما قاله أرسطو .

فهو يرى أن أرسطو أبرزته العناية الإلهية , وأنه بلغ أقصى الكمال الإنساني حيث يقول عنه : “ما أعجب شأن هذا الرجل , وما أشد مباينة فطرته للفطر الإنسانية , حتى كأنه الذي أبرزته العناية الإلهية لتوقفنا معشر الناس على وجود الكمال الأقصى في النوع الإنساني”([1]) .

ويرى أنه ليس للبشر مجال إلا الاختلاف في فهم أراه فقط فيقول: ” أرسطو هو أصل كل فلسفة، ولا يمكن الاختلاف في غير تفسير أقوله، وفي النتائج التي تستخرج منها “([2])،

ويؤكد على أن أقوال أرسطو تمثل الحقيقة المطلقة , حيث يقول : ” إن مذهب أرسطو هو الحقيقة المطلقة، وذلك لبلوغ عقله أقصى حدود العقل البشري، ولذا فإن الحق أن يقال عنه: إن العناية الإلهية أنعمت به علينا لتعليمنا ما يمكن أن نتعلمه “([3]) .

ولأجل هذا خطأ الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة في أكثر من ثلاثين موطنا وكانت حجته هو أن الغزالي خالف أرسطو .

ويدعو إلى تسميته بالرجل الإلهي لا بالرجل البشري , فانظر إليه يقول في معرض مدحه لأرسطو: ” والواقـع أن جميع هـذا اجتـمع في رجل واحد، وهـذا أمـر عجيب خارق للعادة، وهـو إذا امـتاز على هذا الـوجه يستـحق أن يُـدعى إلهياً أكثر من أن يدعى بشرياً “([4]) .

ويحمد الله على أن أنعم على البشرية بأن أوجد فيهم رجلا مثل أرسطو , بل يذكر أن الله أشار إليه في القرآن فيقول في تعبيره عن غلوه فيه : ” نحمد حمداً لا حد له ذاك الذي اختار هذا الرجل (أرسطو) للكمال، فوضعه في أعلى درجات الفضل البشري، التي لم يستطع أن يبلغها أي رجل في أي عصر كان، وأرسطو هو الذي أشار الله إليه بقوله: ” ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء” “([5]).

فهذه الصور من الغلو تبين لنا مدى الاستلاب المعرفي الذي كان يعيشه ابن رشد الفيلسوف , ويظهر مقدار الخلل المنهجي الذي كان يعيشه في فلسفته التي تصدر على أنها مثال العقلانية العربية !!
وهذا ما دعى طه عبدالرحمن على أن يحكم على مؤلفات أرسطو الفلسفية بأنها محرقة للفكر الفلسفي العربي .

([1]) تلخيص كتاب البرهان , لابن رشد (213)
([2]) ابن رشد والرشدية، لرينان (71).
([3]) المرجع السابق، نفس الصفحة.
([4]) المرجع السابق، نفس السابق.
([5]) المرجع السابق، نفس السابق.

أمَة الرحمن
10-25-2010, 06:51 AM
ما أعجب شأن هذا الرجل , وما أشد مباينة فطرته للفطر الإنسانية , حتى كأنه الذي أبرزته العناية الإلهية لتوقفنا معشر الناس على وجود الكمال الأقصى في النوع الإنساني


إن مذهب أرسطو هو الحقيقة المطلقة، وذلك لبلوغ عقله أقصى حدود العقل البشري، ولذا فإن الحق أن يقال عنه: إن العناية الإلهية أنعمت به علينا لتعليمنا ما يمكن أن نتعلمه


والواقـع أن جميع هـذا اجتـمع في رجل واحد، وهـذا أمـر عجيب خارق للعادة، وهـو إذا امـتاز على هذا الـوجه يستـحق أن يُـدعى إلهياً أكثر من أن يدعى بشرياً


نحمد حمداً لا حد له ذاك الذي اختار هذا الرجل (أرسطو) للكمال، فوضعه في أعلى درجات الفضل البشري، التي لم يستطع أن يبلغها أي رجل في أي عصر كان

غلو غريب يكاد يصل إلى حد التقديس.

Vampire2020
10-25-2010, 07:56 AM
غلو غريب يكاد يصل إلى حد التقديس.

نعم الأنبهار الحضارى والتبعيه الفكريه ليست مقتصره على هذا العصر الذى نعيشه فقط!! ..فالفليسوف المسلم ابو حامد الغزالى ذكر سبب الحاد وتأثر المسلمين كثيرا بسبب الفلسفه اليونانيه..بسبب ان العرب انبهروا حضاريا بما وصل اليه اليونانيين واخذوا كل ما قدمه عظماء اليونانيين والاغريق على انه مسلمات لايمكن الشك فيها ولايمكن التفكير فيها !!

وقد ذم ذلك وذكره الفليسوف الغزالى فى كتابيه الشهيرين....(المنقذ من الضلال -وتهافت الفلاسفه)

مع العلم ان رد ابن رشد على الغزالى كان بعد وفاه الغزالى !!...وكان ردا متهافتا فيه محاباه شديده لمعلمه ارسطو!! وسيده الذى خنع وخضع لفكره وسلم به كأنه وحى من السماء!!!

وهناك الكثيرين من امثاله:-
فنرى كل منهم تبنى ان يكون تلميذ لاحدهم من فلاسفه اليونان..كالفرابى وابن رشد وابو اسحاق الكندى وابن سينا...وابو بكر الرازى...وحاكم المسلمين نفسه المأمون .(صاحب قضيه خلق القرآن الشهيره).والمعتزله ايضا!!!!

وهه التبعيه الفكريه والانبهار الحضارى دائما يحدث فى الشعوب المتأخره ثقافيا واعلميا واقتصاديا...وهذه التبعيه الفكريه تؤدى الى انصهار الفكر المحلى وان يصبح فكر غير منتظم وغير ثابت ...

وهذا ظاهر وجلى فى ظاهره عبد الله القصيمى..وطه حسين ..وفؤاد زكريا ..ونجيب محفوظ وغيرهم وكيف هم انبهروا بحضاره الغرب واخذوا كل افكارهم على انها مسلمات فكريه لاشك فيها...!

والقليل فقط الذى استيقظ من هذا الانبهار والتأثر الحضارى !!
ومن امثله ذلك دكتور مصطفى محمود

ان فى كتاب (رحلتى من الشك الى الايمان) للدكتور مصطفى محمود العباره التاليه التى تدعوا الى التأمل((..وكان ما يصلنا من انباء العلم الغربى باهرا يخطف ابصارنا...وكنا نأخذ عن الغرب كل شىء*...الكتب والدواء والدواء والملابس والمنسوجات والقاطرات والسيارات وحتى الاطعمه المعلبه!!.. حتى قلم الرصاص!!.. والدبوس والابره !!..وحتى نظم التعليم ...وقوالب التأليف الادبى من قصة و مسرحية و رواية حتى ورق الصحف .و حول أبطال الغرب و عبقرياته كنا ننسج أحلامنا و مثلنا العليا .. حولباستير و ماركوني و رونتجن و أديسون .. و حول نابليون و إبراهام لنكولن ..و كرستوفر كولمبس و ماجلان ....كان الغرب هو التقدم .

و كان الشرق العربي هو التخلف و الضعف و التخاذل و الإنهيار تحت أقدام الاستعمار و كان طبيعي أن نتصور أن كل ما يأتينا من الغرب هو النور و الحق .. و هو السبيل إلى القوة و الخلاص .!!)**

وماحدث قديما عند الفلاسفه المنتسبين الى الاسلام..حدث فى اوروبا فى عصر ما قبل النهضه وما بعض النهضه.. وعصر التنوير الذى كان به تأثر كبير بفلسفه ابن رشد والفلاسفه المسلمين والعلم الاسلامى الذى انتقل الى الغرب عن طريق الاندلس فى ازمنه سابقه لذلك. ويحدث اليوم فى عصرنا الحالى نتيجه لتأخر المسلمين وتقدم الغرب المادى !
----------------------------------
لذلك ظاهره الانبهار الحضارى والتأثر والتبعيه العمياء..ظاهره متكرره ..وهى من اسباب الالحاد فى عصرنا الحالى

كما كانت سابقا فى اوروبا سببا فى ايمان البعض كالمنتسبين الى المدرسه والفكر الرشدى..وفلاسفه كبار ك..(ديكارت-بريجسون-ليبيتز)

وظهور مذاهب دينيه جديده بسبب تأثر الغرب بعقيده المسلمين ...كالبروتستانتيه التى اسسها مارتن لوثر كينج..نتيجه لتأثره بالدين الاسلامى..ونبذه لفكره صكوك الغفران..وغيره من الافكار الوثنيه التى كانت مرفوضه قطعا فى الاسلام

--------------------
**-رحلتى من الشك الى الايمان-دكتور مصطفى محمود-طباعه دار اخبار اليوم 2001

ابو علي الفلسطيني
10-25-2010, 05:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


وهه التبعيه الفكريه والانبهار الحضارى دائما يحدث فى الشعوب المتأخره ثقافيا واعلميا واقتصاديا...وهذه التبعيه الفكريه تؤدى الى انصهار الفكر المحلى وان يصبح فكر غير منتظم وغير ثابت ...

جزاك الله خيرا اخي فامبير ... لكن ربما هذا الامر ينطبق على الوقت الحاضر اما قديما ايام خلافة المأمون وما تبعها فقد كانت الحضارة الاسلامية في اوجها كما لا يخفى ... فمجرد تخبط الفلسفة اليونانية وقراءة العرب لها لاول مرة _ برايي _ هو ما أدى الى نشوء علم الكلام والتشتت الذي حصل ... اكثر من كونه تبعية وتاخر ... والله اعلم واحكم

Vampire2020
10-25-2010, 06:28 PM
جزاك الله خيرا اخي فامبير ... لكن ربما هذا الامر ينطبق على الوقت الحاضر اما قديما ايام خلافة المأمون وما تبعها فقد كانت الحضارة الاسلامية في اوجها كما لا يخفى ... فمجرد تخبط الفلسفة اليونانية وقراءة العرب لها لاول مرة _ برايي _ هو ما أدى الى نشوء علم الكلام والتشتت الذي حصل ... اكثر من كونه تبعية وتاخر ... والله اعلم واحكم

نعم بارك الله فيك..لكن لانغفل ان تطور العلوم على يد المسلمون كان بعد نقل التراث اليونانى...وانا هنا لااقصد انحطاط اقتصادى او تردى ثقافى للدرجه الموجوده الآن..ولكن هذا ايضا يندرج تحت مسمى الانبهار الحضارى..فكما رأيت حضرتك لأنبهار المسلمون والعرب بعلوم اليونانيين والاغريق..تأثروا حتى بفلسفتهم الوثنيه!!..واصبح منهم الملحدين..واصبح منهم من يؤمنون بأزليه الماده ويتخذ ارسطو وسقراط وافلوطين بمثابه نبى مرسل من السماء!!..كما فعل ابن رشد والفاربى..

**وابو بكر الرازى(الطبيب) الذى انكر النبوه لمجرد ان هذه تخالف رأى ارسطو وافلوطين وفلاسفه اليونان والاغريق (وكان يرى ان النبوه فيها ظلم من الله للعباد وتفرقه)..هذا على حد قوله!!**

فأنا لم اقول ان الحضاره الاسلاميه كانت ضعيفه بل كانت فى مرحله نهضويه كبيره...وغالبا فى مراحل نقل التراث الحضارى للشعوب يسقط الكثيرون فى هاويه التبعيه الفكريه والانبهار والتأثر الحضارى الذى يعطل ملكات النقد عند المتأثرين بذلك لدرجه ان يتقبل اللامعقول!!..كمثال ابن رشد الذى ذكره واصهب فيه الدكتور هشام بارك الله فيه


فمصطلح الانبهار والتأثر الفكرى والتبعيه الفكريه ليس مقتصرا على تأثر بفكر حضارى معاصر ..بل قد يكون تأثر بتراث حضارى وثقافى

كما حدث للبعض من المسلمين عند نقل التراث اليونانى والاغريقى***

ولاينكر احد ان بدايه الابداع تبداء بالنقل ثم بالاضافه والزياده ثم الابتكار..ثم الاختراع...وهذا ما فعله علماء المسلمون مع التراث اليونانى والاغريقى..ولكن ما ننكره هنا هو نقل كل شىء السىء والجيد الطيب والخبيث!...كنقل الانعام..بدون ان نفهم ما يضرنا وما ينفعنا..وان ننقل مايفيدنا فقط ونترك مايضرنا..

وهذا ما وقع فيه الكثير من الفلاسفه المنتسبين الى الاسلام...حيث انه من تأثرهم وانبهارهم الحضارى بالحضاره اليونانيه..تأثروا بهم حتى فى علوم الدين !!..وعلى آثره نتج علم يسمى علم الكلام للرد على الفلاسفه والمنطقيين
وظهرت فرقه المعتزله والاشاعره....ولكن لاننكر ان نقل اسس علوم الطب والرياضيات والهندسه عند اليونانين كان له تأثير مفيد فى تقدم حركه العلم فى عصر الدوله العباسيه

وظهرت فرق اخرى كالجهميه ..و أخوان الصفا والقرامطه ..وهم كانوا منحرفين عقديا لدرجه كبيره حتى ان الكثير من اهل السنه اخرجوهم من الدين!

وهذا المقصود استاذى الفاضل بالأنبهار الحضارى والتبعيه الفكريه عند الفلاسفه المنتسبين للأسلام...والله اعلم

شكرا على اضافه حضرتك القيمه..بارك الله فيك وزادك علما ونفعنا بعلمك

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
-----------------------------
المصدر **من تاريخ الالحاد فى الاسلام** دكتور عبد الرحمن بدوى 1993

هناك خلط دائم بين ابوبكر الرازى المنكر للنبوه(لادينى) بمصطلح اليوم..وبين العالم الجليل المسلم فخر الدين الرازى(الاشعرى)

صاحب كتاب **التفسير الكبير ومفاتيح الغيب** وجب التنويه حتى لايحدث خلط بين الاثنين
-----------------------
***-الغزو الفكرى دكتور محمد جلال كشك...1966.(.من تعريفات الغزوالفكرى للدكتور محمد جلال كشك)
-----------------------

يحيى
10-25-2010, 07:23 PM
حياكم الله

كلام سلطان العميري في "الرشدية" كلام وصفي أنهاه بموقف حكمي أعتمد فيه كما يظهر على إستنتاج (لا تحليل) الدكتور عبد الرحمان طه, و مثل هذه القراءات لا نستفيد منها أي شيء بتاتا, أو بالأحرى هذه القراءات إعادة مضغ ما قيل و قيل ثم قيل, أو قل إنها عملية إجترار.

القراءات التي يمكن أن نستفيد منها هي تلك القراءات الاستشكالية و النقدية التي لا تكون الهدف في ذاتها, بل تستهدف وضع اللبنات الأولية الضرورية لقيام فسلفة (حكمة) مستقلة تخدم الفكر الإسلامي (لا الاسلام, فالاسلام يخدمه مراجعه القطعية الثبوت و الدلالة), و هذا لا يأتي إلا بدراسة أسباب الأخطاء التي وقعت فيها "الرشدية" و "الغزالية" و الحول دون السقوط في نفس الخطأ مع الفلسفة النقدية الأوروبية (الفرنسية, الالمانية, الانجليزية و الايطالية) مرة أخرى كما حدث هذا و للأسف مع الجابري و أركون و غيرهم.

أقول إن موقف العميري الحُكمي اعتمد على استنتاج طه عبد الرحمان, و ليس تحليله لأن تحليله يصب في القراءة الاستشكالية و النقدية التي نحتاجها, فلو لخص العميرى ذلك التحليل لكان أفضل, فالدكتور طه عبد الرحمان وفقه الله في كتابه الحق العربي في الاختلاف الفلسفي على سبيل المثال يوضح أبعاد خطورة الانتاج الفكري للآخرين على الاستقلالية في الفكر عندما ينطلق المقلد من تصورات فاسدة. الخطأ الذي تغلغل فيه ابن رشد على سبيل المثال لا يعود حقيقة إلى الانبهار بما وصل إليه الآخر, و لو كنا نعتقد ان الحضارة لها دور كبير في تثبيت معالمها (فلولا التخلف الذي نتمخض فيه الآن على جميع الأصعدة مع هيمنة المنهاهج الخطابية و غياب الفهم الحضاري بإنعكاسات كل هذا على البلورة السيوسيوثقافية في مجتمعاتنا, و ما تحول الحوار بجميع أشكاله إلى حوار تنطعي طائفي بدل الحوار المنهجي الحضاري إلا حبة من قبة, لكان حالنا غير الحال), لكن الخطأ الحقيقي يكمن في تصور المشائيين المسلمين للعقل و الخلط بين العقل و التعقل أو بين العقلية و العقلانية, ثم تصور الفلسفة على أنها علم العلوم و أنها عالمية كونية, و هذه تصورات لا أساس لها من الصحة, فالعقل ليس تعقلا, إذ أن ركائز العقل الأولية تكمن في الفطرة الغريزية في البشر و هذه عالمية, بينما التعقل وليد بيئته يتأثر باللغة و تركيباتها و تطبيقاتها الأدبية و الثقافية, و يتأثر أيضا بالسياق التاريخي.

البيئة الثقافية مع لغتها إلى جانب السياق التاريخي و السياسي يشكلان معًا الخطوط الكبرى للفكر (أي المنظومة المعرفية) بحيث لا يتستطيع الإنسان أن يقرأ مفهوما فلسفيا معينا بروح نقدية دون الرجوع إلى أساسياته في المعرفة (حدودها, قيمتها و منبعها) و هذه الأساسيات بدورها لا تُفهم بشكل واضح إلا بالتعرض لخطوطها الكبرى التي تشكلها البيئة و السياق.

عياض
10-25-2010, 08:23 PM
بل تستهدف وضع اللبنات الأولية الضرورية لقيام فسلفة (حكمة) مستقلة تخدم الفكر الإسلامي
ان كنت فهمتك صح...فقد وضعت يدك على مكمن الداء دون ان تقصد..فالداء هو هذا نفسه الذي تصفه بالدواء..فالداء الذي اصاب الأولين من المأمون الى ابن رشد هو استبطانهم اصلا لوجود حكمة مستقلة عن الوحي فيما اتى به الوحي..ثم بعدها لما رأوا تنافضها الصريح مع ظواهر الوخي حاولوا التوفيق بينها و بين الوحي بأن يجعلوا مرجعية الوحي صامتة و مرجعية الحكمة متكلمة و ان وصفوها بأنها خادمة للوحي..لكن الحق يقال و مع ابن رشد على الخصوص ظهر انهم يريدون لهذه الحكمة المستقلة الهيمنة على الوحي او تنحيته جانبا فكثر اختلافهم على نبيهم و صار الحال الى ما ترى..و لهذا كثر نعي السلف عليهم بان لا يبحثوا عن غير الوحي فقد كفيتم..و اصل كل ذلك في كتاب الله ان السابقين من قبلنا لم يختلفوا الا من بعد ما جاءتهم البينة..فلم يقنعوا بهذه البينة و مضوا يبحثون عن بينة اخرى مستقلة ..محققين بذلك ما نبأهم به نبيهم صلى الله عليه و سلم من انهم سيسري فيهم داء من قبلهم من الأمم و سيتبعون خطواتهم حذو القذة بالقذة...حتى ان دخلوا جحر ارسطو المظلم لدخلوه...

يحيى
10-25-2010, 09:37 PM
وضعتَ الأسد في قفص العصفور أستاذنا عياض
فلا الأسد لهذا القفص و لا هذا القفص لهذا الأسد
لكن سأترك قراءة الموضوع جانبا و أركز على العنوان فقط
هنا أقول لك أنا لم أدعي الحاجة إلى إستقلال فلسفتنا عن الوحي
بل عن ما في إنتاج الآخرين الفكري المُنطلِق من تصورات فاسدة

..

إن الفكر الإسلامي هو فكر بشري و إن كان يعتمد على تصورات و مفاهيم إسلامية
لكنه في الأخير تفكير بشريُُّ, كما أن الشريعة الإسلامية إسلامية, لكن تطبيقها بشري .. !!

بمساعدة فلسفة مستقله يمكن وصف جوانب فكرية إسلامية و على أساسها إجراء عملية الإستناج
في جميع المجالات التي يشملها الفكري الإسلامي:
الفن, الثقافة, الأدب, الاقتصاد, السياسة, العلم, التقنية, المنطق, تطور اللغة ..
هذا الوصف يحمل في ذاته ما عواقب معينة, حتى لو لم تظهر بشكل صريح في الوصف
فأنت إن قمتَ بوضع شروط محددة لنتجية ما, و تصوغ الحالة التي تناسب هذه الشروط
فعندها تكون النتيجة حتمية تحتاجها لدراسة فكرة ما, و لا يمكن هنا أن تستبعد الوحي
بل يتمكن لك صيغة فكرة فلسفية لا تتعارض مع الوحي بل تنطلق من العام و المجمل فيه
في حدود المقاصد الكلية و التركيبات القيمية, حسبك هذا المثال (في المنطق):
القرآن والقياس المنطقى . (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=3072)
أبو مريم

هذا لا يساعدك فقط في قراءة آيات قرآنية في إطار فلسفتنا المستقلة
بل تفتح لك الطريق لتجعلها متبلوة في قالب حضاري يُصاغ من أجل الإنفتاح على الآخر
و الاستفادة من الآخر, ثم الأهم من كل هذا هو وضع إطار مرجعي من أجل حوار متحضر
مع الآخر.

أرجو أن تُخرج ذلك الأسد المسكين من القفص الذي حبسته فيه ..

تحياتي

عياض
10-26-2010, 01:10 AM
لا بد انك لم تلاحظ قولي اخي يحيى :وجود حكمة مستقلة عن الوحي فيما اتى به الوحي.....لا فيما لم ياتي لبيانه..فزعمك ايها الفيلسوف اليوناني ان لك نظرة الى فلسفة الحياة او فلسفة العلوم قد اقبلها منك ما دمت تتكلم عن مقارنات بين القدرة العقلية عندي كبشر و القدرة عندك كبشر مثلي..لا ان تقارنها بالقدرة العلمية عند من هو اعلى مني و منك..المشكلة ان هؤلاء الفلاسفة و اتباعهم يستبطنون ان لا وجود في رسالتنا لقدرة علمية فوق قدرة البشر..لهذا فكلامهم يكون متجها مباشرة للهجوم بصلافة و كبر ما هم يبالغيه على الجانب الالهي باعتبار انه ليس الا مجهودا بشريا..و ان لم تحس بتمردهم على الدخول الى هذا القفص فأنت لا تعرفهم و لاتعرف معنى استقلالية حكمتهم يا عزيزي..و لهذا حين تتعمق في مقاصد الفلاسفة على حد تعبير اشهر تلامذتهم و اخبرهم بهم..تجد انهم يصرحون ان لا وحي و لا يحزنون..و انما هي كذبة متقنة من الرسل الذين ما كانوا الا حكماء ادركوا ان تسيير العوام الى ما فيه صالحهم لا يتم الا بالكذب عليهم...و لهذا اول ما يتجلى ذلك هي في النزعة القوية عندهم في توفيقاتهم المزعومة بين حكمتهم و حكمة الشرع بوضع الشرع تحت حكمتهم لا العكس بدعوى ان حكمتهم قطعية و حكمة الشرع ظنية..
و اضرب لك مثالا على فئران حكمتهم التي لا تريد دخول القفص حتى يتبين لك الفرق بين ما ذكرته عن الغزالي من استحباب اخذ المومن الحكمة انى وجدها حين تكون ماخوذة لدعم بينات الشرع ...و ما يذكره ابن رشد و غيره مما يدعونه قطعيات مقدمة على الوحي و يخضع لها الوحي ..
فمثلا من ابسط المحاور و اعمقها في آن هي تأسدهم على قوانين المعرفة في القرآن..فأنا اقبل مثلا ان يأتيني ارسطو و يزيدني بعدا معرفيا في طريقة التعامل البشرية التي طورتها في قياس الشمول..بما ان الشرع لا يتعارض معه في كثير من قياساته ..فآخذ من ارسطو و يأخذ مني..و نتعاون على البر و التقوى في مثل هذا القياس من الحسابات الفلكية مرورا بحسابات التفريعات القانونية و انتهاءا بحسابات الذكاء الصناعي...لكن حين يأتي متأسدا و يحاول قصم ظهورنا و تسديد لكمات الى وجوهنا زاعما حصر المعرفة في قياس الشمول و طريقته و يستخف بقياس التمثيل و انواع القياسات المذكورة في القرآن بزعم انها خطابية و جدلية لا تفيد اليقين.. لأ بقى...الأسد هنا نروضه حتى يدخل القفص الذي يزعم انه اضيق منه..و نريه ان هذا القفص يسعنا و يسعه..بما اننا جميعا بشر...و نبين له انه هو من يضيق في القفص اذ يحجر واسعا انطلاقا من غروره العرقي اليوناني او تقليده الأعمى لهم و يقصر الحق فقط على نوع واحد من البراهين يزعم انه هو المقنن له و المخترع لتوصيفه..بل ونزيد من تهشيم وجهه و تحطيم راسه ببيان ان برهانه الذي يزعم قطعيته اكثر ظنية من قياس الشمول الذي دل الشرع عليه و انه اكثر اصالة و تجذرا في الواقع المحسوس منه لكون مادته منه..فبهذا يتبين الفرق ممن ياتينا بحكمة من حكم الناس و البشرية جمعاء دل عليها الوحي و اعتبرها او سكت عنها و سعى لوضعها تحت اصل من اصوله و اخضعها لهيمنته...و بين من سعى الى ان يجعل هذه الحكمة هي الأصل و هي القاعدة و ما دونها لها تبع بما فيه ظواهر الوخي و كلياته و هو فعل صاحبنا ابن رشد و اصحابه من قبله...

أمَة الرحمن
10-26-2010, 02:49 AM
حوار بين الأخ يحيى و الأخ عياض؟!

لن نعدم من الفائدة :sm_smile:

زينون الايلي
10-27-2010, 07:21 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.انا لم اقرا كتب ابن رشد لذا ارجوا ان كان ممكنا ان تعطوني بعض ارائه التي انحرف بها عن العقيدة الاسلامية. وشكرا.

عياض
10-27-2010, 10:23 PM
أكبرها تنظيره الغنوصي العميق و الأول فيما يبدو لي للمبادئ العلمانية الحديثة من فصل الدين عن الحياة العامة فيما سماه بيان الاتصال بين الشريعة و الحكمة ..فهو و ان اقر بتحكيم الشرع..الا انه جعله كأي شرع ممكن الاستغناء عنه حالما يترقى الشعب و يصل الى درجة المعرفة الفلسفية المطلوبة و جعله كخيار بين الخيارات فضلا عن جعل الشرع في نفس الأمر و حقيقته شرعا بشريا مغلفا بغلاف الهي كاذب و بذلك نفث اوائل القوالب الحديثة لنظريات الأنسنة ونزع القداسة عن المعطى الانساني اليومي..

عمر الأنصاري
10-28-2010, 01:47 AM
بالمناسبة، والشيء بالشيء يُذكر

رأي ابن رشد بوجود حقيقتين، الحكمة (الفلسفة) والوحي (القرآن والسنة) كان سببا مُباشرا في ظهور العلمانية الغربية

خصوصا بعد ترجمة أعمال ابن رشد وشروحه إلى اللغة اللاتينية

طبعا هذا القول عند تطبيقه في الإسلام فلن تجد تعارض، فالعقل الصريح لا يُخالف النقل الصحيح، لكن ابن رشد جعل الفلسفة حكما على القرآن، وعوض أن يُدعن العقل للوحي، جعل الوحي يُدعن للعقل، والمصيبة هي تلك الآراء الفلسفة التي ومع قلتها إلا أنها فاسدة، بيِّن فسادها

لكن نقل هذا الفكر الرشدي للغرب، وانبهاء الغرب أنذاك بما وصل إليه المسلمون، كان سببا في بداية الصراع بين الكنيسة والفكر، وأولى هذه التناوشات بدأت بالاعتقاد بوجود حقيقتين، حقيقة لاهوتية، وحقيقة أخرى (كلاهما حق) لكن ما أن استطاعت العلمانية تثبيت أقدامها حتى سحبت البساط من تحت أقدام الكنيسة لتسقط سقطة على قفاه ولا طاقة لها بالنهوض

فخر الدين المناظر
10-28-2010, 03:58 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المرجوا اولا التأكد من صحة تلك المقولات في أرسطو خاصة وان المصدر

ابن رشد والرشدية، لرينان

وبعدها فالكلام عن ابن رشد طويل جدا ...

د. هشام عزمي
10-31-2010, 12:03 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المرجوا اولا التأكد من صحة تلك المقولات في أرسطو خاصة وان المصدر

ابن رشد والرشدية، لرينان

وبعدها فالكلام عن ابن رشد طويل جدا ...

حياك الله يا دكتورنا الكبير المناظر ..
وقعت على نص طويل لابن رشد في تلخيص الآثار العلوية يحوي آراءه في أرسطو ..
ويبدو في النص المغالاة الزائدة عن الحد فعلاً ..
يقول رحمه الله إن أرسطو لم يخطيء في هالة الشمس والقمر وأنه ينبغي أن (( يُفهم الأمر عن أرسطو في هذه الأشياء ، لا أنه قصّر قي ذلك و ترك شيئا يجب ذكره في هذا العلم و لا في غيره . فسبحان الذي خصّه بالكمال الإنساني،و كان المُدرَك عنده بسهولة ، هو المُدرَك عند الناس بعد فحص طويل و صعوبة كثيرة .و المُدرك عند غيره بسهولة خلاف المدرك عنده . و لذلك كثيرا ما ينشأ للمفسرين شكوك على أقاويل هذا الرجل ، ثم يتبين بعد زمان طويل صواب قوله ، و تقصير نظر الغير ، بالإظافة إلى نظره . و بهذه القوة الإلهية التي وُجدت فيه كان هو الموجد للحكمة و المتمم لها . و ذلك شيء يقل وجوده في الصنائع ، أي صناعة كانت ، فكيف في هذه الصناعة العظمى ؟ . و إنما قلنا أنه الموجد و المُتمم لأن ما سلف لغيره في هذه الأشياء ليست تستأهل أن تُجعل شكوكا على هذه الأشياء ، فضلا عن أن تكون مبادئ . و إذ قد تبين هذا ، فإذن ليس في أقاويل أرسطو شيء يحتاج إلى تتميم ، كما زعم أبو بكر بن الصائغ-ابن باجة- . نعم فيها أشياء كثيرة لم يفهمها هو و لا نحن بعده ،و بخاصة في الكتب التي لم تصل إلينا فيها أقاويل المفسرين . و لذلك كان الواجب عليه أن يستعمل الفحص عن كلامه لا بتلك الأشياء الخارجة عن طريقة التعليم )) ص145-146 .
ولله الأمر من قبل ومن بعد .

عياض
10-31-2010, 12:28 AM
سبحان الله..لا يقبل اخضاع كلام ارسطو البشري لشيء خارج عن كلامه...و لكن يقبل اخضاع كلام الله لغير كلامه..لو اضيف هذا لكلامه في الغنوصية لتبين ظاهرا ازدواجية الشخصية عند ابن رشد...

أصولية
10-31-2010, 01:09 PM
ليه متحاملين على ابن رشد هو يعظم الشريعة وله مؤلفات مفيده كبداية المجتهد وغيره
ثم ان العلماء لم يكفروه
وجزاكم الله الخير

عياض
10-31-2010, 07:08 PM
كنت أنتظر كلاما كهذا ممن له صلة رحم بابن رشد.:)):.و هو ما يؤكد فعلا مقولة ان العلم رحم بين أهله ...فما ان تظهر كلاما في ابن جني او الزمخشري حتى بنابذك اللغويون..و ما ان تظهر كلاما في ابن الخطيب او في المسعودي حتى يعاجلك المؤرخون ..و في حالة ابن رشد و الحق يقال انه من افضل الفلاسفة نهجا و اسلمهم دينا و احسنهم طريقة..و ما ذلك الا لما ذكرته من اخذه بحظ وافر من نور الوحي.فأثر عليه و عصمه من كثير من الزلل.و لهذا ما زالت المالكية على غلظتها في مسائل الأسماء و الأحكام تحفظ له قدره ..و منهم من يلحقه بجده في تحرير ما عليه المذهب و معرفة المعتمد فيه..و كتابه البداية كما ذكرت من الكتب النادرة في معرفة الخلاف العالي و اسبابه و مآخذه..
الا ان الرجل له وجه آخر يكاد يكون منفصما عن وجهه الشرعي..و قد بين بنفسه حال هذا النفاق و ذكر اصوله عنده و لم يجب نهجه..من ترك ما لله لله و ما لقيصر لقيصر حتى انه مال فيه الى القول بقدم العالم.. و ان تعظيم الشريعة لا يكون الا لخداع الجمهور و مسايرتهم و السيطرة على حركاتهم و الا فانها ليست حقا في نفسها عنده..و لهذا حط عليه اهل الايمان و بينوا عواره..و لهذا كل من تعرض لنقد ابن رشد للغزالي بانصاف جزم ان ابن رشد ما زاد على ان مكن الغزالي من رقبته..فحجة الاسلام كان يشير الى مواطن الخلل في فلسفة المشائين من خلال نقدها نقدا عاما خارجيا...و ابن رشد لفرط غلوه في ارسطو و تقليده له ما كان يستطيع رؤية اطار خارج اطار الفلسفة الأرسطية.. فيحاول رد التنازع مع الغزالي الى مبادئ الفلسفة المشائية الأولى مع ان الامام الغزالي لا يسلم بها اصلا في هذا الموضع و ان استصحب ابن رشد تسليمه بها في مواضع اخرى..فالغزالي كان اعمق شكا من ابن رشد و اكثر وجودية مما لم يستطع معه الأخير ان يتلمس معه موطن النقد و الذي سيتلمسه بقية المفكرين المعالجين لشروحه على ارسطو و خلاصة فلسفته التي نقلها الراهب توما...و المقصود ان ما يذم به ابن رشد يكاد يضعه على الحافة و ليس هو من جنس الفلاسفة المقرمطين الملحدين بالمرة كالسهروردي و ابن سبعين و الحلاج و ابن الراوندي و الرازي..لكنه ايضا ليس من ائمة الدين و لا فلسفته اصل التنوير و التعقل..و هذا المقصود من هذا الشريط فيما يظهر لي..و الله أعلم

نور الدين الدمشقي
10-31-2010, 07:23 PM
اخي الحبيب واستاذي عياض:

الا ان الرجل له وجه آخر يكاد يكون منفصما عن وجهه الشرعي..و قد بين بنفسه حال هذا النفاق و ذكر اصوله عنده و لم يجب نهجه
هل تقول ان ابن رشد كان كافرا او منافقا؟ انا انكر عليه تعظيمه لأرسطوا ولكن هل وصل الى الحال التي يذكر فيها جوانب سوءه دون ان تذكر جوانب فضله وعلمه؟ هلا بينتم بارك الله فيكم.

عياض
10-31-2010, 09:58 PM
ابن رشد اخي الغريب هو سائر في ذلك على منوال المعلم الثاني و الشيخ الرئيس و الطوسي و اضرابهم و ان كان اقل غلوا منهم و اقرب الى الاسلام كابي البركات و البيروني ..من تعظيم الشريعة و بيان انها الأفضل لسياسة الناس و الخلق و قد يذهب امثلهم طريقة الى انها في باب العمليات اصلح و انفع لتسيير الأمور العامة من حكمة الفلاسفة و قوانين البشر و تحقيق المدينة الفاضلة و هو ما يعنونه من تقريب حكمة الأوائل الى تعاليم الأنبياء كما فعله الفارابي و ابن رشد ..الا انهم في الباطن يقولون ان لا حقيقة لكل ذلك..و ان الأنبياء ليسوا الا فلاسفة و حكماء كبار رأوا ان المصلحة في السياسة لا تكون الا بالكذب على الجماهير..و ان ما اخبروا به من الايمان باللله و ملائكته و رسله و اليوم الآخر و المعاد و القدر لا حقيقة له في نفس الأمر و امثلهم طريقة كابن رشد يانف من القول بانها كذب الى القول بانها امثال مضروبة للتخييل و تقريب الأمور لما وقر في نفسه من تعظيم الوحي ..و ان البرهان دل على خلاف ذلك و ان الأنبياء لم تخبر الناس بذلك لعجز الجماهير عن تلمس البرهان و فهمه و ميل العقلية الجماهيرية الى التجسيد و نفورها من التحريد الملازم للبراهين المنطقية بزعمهم و عجزها عن تعقله ..و ابن رشد اميل الى تصديق النبوة في نفس امر النبوة دون ما اخبرت به..و البقية هم اقرب الى نفي حقيقة النبوة من الأصل..و هو كفر صريح كما ترى ..و ان كان ابن رشد في رده على الغزالي يخرج اقوالهم في هذا و في بقية ما كفرهم به الغزالي من انكارهم لعلم الباري بالجزئيات و قدم العالم و نفي معاد الأجسام مما اجمع عليه المسلمون ..اخرجه ابن رشد على الأصل في الاختلاف على تكفير منكر الاجماع..و هو تخريج باطل رده عليه من طائفته المالكية الامامين ابن دقيق العيد و الامام الشاطبي فاجادا ..
و يخرجه ايضا بن رشد محتجا في كل ذلك بحديث علي حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله...و هو عليهم لا لهم ..اذ ما يتكلمون به لم ينقل عن النبي صلى الله عليه و سلم فكيف يكون تكذيبه تكذيبا للنبي صلى الله عليه و سلم؟؟ و انما يكون تكذيبه مما لا يحتمله عقل العوام هو فيما صح نقله عن النبي صلى الله عليه وسلم لفظا و معنى و اشتهر عنه ..فان حدث به بعض الناس فربما لم يعقله فيكذبه فيحسن ان لا يحدث به ..فاين هذا من ذاك؟؟
و لتقسيمهم الناس في ذلك الى عامة و خاصة في مقابلة علومهم البرهانية بزعمهم ..تراهم يتكلمون في الفلسفة و الغيبيات على اصل الخاصة الذي ذكروه فان تكلموا في الفقه و لوازمه تكلموا بعلم العامة ...و لهذا كثر فيهم الاباحية و ترك الصلاة و شرب الخمر و ان كان منهم كابن رشد من لم يخالط من ذلك شيئا و بعضهم الآخر كابن سينا و الطوسي من أثر عنهم الرجوع عن هذه الاعتقادات و لزوم اقوال الأنبياء و تعظيمها و المواظبة على الصلوات و بقية شعائر الدين..و الطريف ان ابن رشد للمتأمل في تصرفه يجده يسلك في الغيبيات طريقة اهل الباطن متأثرا بكلام ابن باجة كما لاحظه شيخ الاسلام و غيره و يسلك في الفقهيات طريقة اهل الظاهر متأثرا بكلام ابن حزم كما لاحظه المراكشي و غيره.. و مما يتصل بهذا الباب من الطرافة في القول بالباطن و الظاهر و يبين ماخذ ابن رشد فيهما انه رد على الغزالي كتابه في اصول علوم الخاصة بالتهافت و اخنصر كتابه المستصفى في اصول علوم العامة ...فسبحان من جمع بين النقيضين :):



بالنسبة لبقية كلام رينان فهو و ان كان كلاما ظاهر الترجمة الا ان اصوله مبعثرة في كلام ابن رشد و لعلها اشد وقعا مما في الرشدية..اذ يبدو ان الترجمة لطفتها ...و تجد بعضه علاوة على ما قدمه الشيخ هشام..في تنايا الرسائل المجموعة في المتن الرشدي التي يقول فيها : فما أعجب شأن هذا الرجل وما أشد مباينة فطرته للفطر الإنسانية حتى كأنه الذي أبرزته العناية الإلهية لتوقفنا معشر الناس على وجود الكمال الأقصى في النوع الإنساني محسوسا ومشارا إليه بما هو إنسان ولذلك كان القدماء يسمونه الإلهي وان ليس في أقاويل أرسطو شيء يحتاج إلى تتميم و أن نظره فوق جميع الناس..

د. هشام عزمي
10-31-2010, 10:39 PM
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=22967

يحيى
11-02-2010, 06:01 AM
أخي الحبيب عياض
اعذرني فأنا أشعر و كأني أتكلم في واد, بينما أنت تعلق في واد آخر.

بالنسبة للاستقلالية التي تكلمت عنها لم اشر الى الوحي لا من قريب و لا من بعيد, و بعد أن تدخلتَ و قلتَ لي ان المشكلة في فلسفة مستقلة عن الوحي فيما جاء به الوحي, قمت بالرد عليك و قلت انا لم اذكر الوحي بادئ ذي بدأ و لا أدعو الى فلسفة مستقلة عن الوحي, ثم رجعت لتؤكد لي أن الكلام هو في الاستقلالية عن الوحي فيما جاء به الوحي و هذا كلام أو تدخل يجعلني لا أرى من أي قشه أو جوقة أمسك بها كلامك لأرد عليه في سياق الحديث عن الفلسفة المستقله.

أنا أقول نحتاج إلى فلسفة مستقله عن الفلسفات الأخرى لأن الفلسفة ليست عالمية و أن أي موضوع فلسفي غير مستقل عن اللغة و السياق التاريخي و الاجتماعي, فإذا حدث أننا اتفقنا مع أي فيلسوف في الأرض, في التاريخ, في مرجعية منطقية مشتركة, فهنا أيضا نقع في الخطأ إذا أخذنا هذه المرجعية بفلسفتهم, إذ لابد من التعبير عنها بفلسفتنا و سياقنا الخاص لنضعها و نشكلها في فلسفة خاصة. الخطأ الذي وقع فيه الفلاسفة المسلمون من قبل و بعض المفكرين في العصر الحديث هو اعتقاد فاسد في طبيعة العقل و التعقل و عدم التمييز بينهما, ثم في تركيبية اللغة الفلسفية و إقصاء السياق المؤثر.

بمعنى أن ردك أخي ممكن يكون سؤال أو تساؤل في صيغة تعليق, و هذا ممكن, لكن ليس له أي علاقة بكلامي لا من قريب و لا من بعيد. ثم هب أني أتكلم في استقلالية او عدم استقلالية الفلسفة الخاصة عن الوحي, فإن التفريق بين الوحي و الوحي فيما جاء به الوحي تفريق لا معنى إلا من زاوية واحدة فقط و هو أن تفرق بين ماء جاء به الوحي بشكل و اضح و ما جاء به بشكل ضمني, و إلا فإن قولي لا أدعو الى فلسفة مستقلة عن الوحي يكون بالأحرى الوحي فيما جاء به الوحي فتكون فيما جاء به الوحي زيادة اضافية بلا معنى.

الفلسفة الخاصة نحتاجها أيضا في الفكر الإسلامي أي فيما جاء به الوحي, لرفع اللغة الخطابية و الجدالية إلى حالة التجريد بحيث تكون مقولة قرآنية معينة مثلا قابلة للتطبيق خارج ظاهرها الخطابي, فإذا رجعت إلى أول مثال في المقالة التي كتبها الدكتور ابو مريم عن القياس المنطقي في ميزان الغزالية نجد ان حوار ابراهيم عليه السلام مع النمروز يمكن رفعه الى حالة برهانية قابلة للتطبيق على حالات أخرى, ففي المنطق مثلا:

كل من يتسطيع أن يقرأ ما ينتمي للمجموعة 1 يستطيع أن يقرأ (أ) (ب) (و) (ت) و (ث)
يأتي شخص معين و يدعي أنه يستطيع أن يقرأ ما ينتمي للمجموعة 1
تطلب منه قراءة ((ب)) فيتبين أنه لا يستطيع قراءة ((ب)) و بهذا يهدم ادعاءه.
فتقول له يمكن أن يكون باستطاعتك قراة ما ينتمي الى المجموعة 1, شرط ((ب)) ليس من المجموعة.

أو

تحصل عندك معرفة عن النجار الكرسوي, هذا باستطاعته صنع كرسي بخاصياته 1,2,3 و 4
يأتي شخص يدعي أنه يستطيع ان يصنع كرسي, فيصنعه بكل خاصياته إلا خاصية 3
فتستنتج أنه يمكن أن يكون نجار, لكن ليس نجارا كرسويا ..

و يمكن أن تضع أي شيء آخر بدل الاستطاعة أيضا ..

إذا كان هذا ممكن في المنطق, فهو ممكن أيضا في فلسفة العقل, الفلسفة الثقافية, فلسفة اللغة, فلسفة التاريخ .. الخ.

عساف
11-03-2010, 05:28 AM
اذا كان لايوجد تناقض بين العقل والنقل .. فما الداعي للحساسية المفرطة تجاه الفلسفة والمنطق وكل من اشتغل بهما . فالغزالي قد يكون وقع في زلات قد تكون اشنع من التي وقع فيها ابن رشد مثلا. . اذا أخطأ أي انسان سواء كان ابن رشد او غيره . يبين خطأه .. بمقدار شناعة هذا الخطأ .. ولكن لا ترفض كل اجتهاداته لوقوعه في الزلل في مسألة أو عدة مسائل . ومن المؤكد أن وصفه لارسطو بهكذا عبارات فيه دلالة على حالة انصهار تام بينهما. ولدى أرسطو مالديه من الكفريات . ولكنه يبقى مفكر رائد اجتهد فأخطأ في جهة وأصاب في أخرى .

عياض
11-03-2010, 06:41 PM
شعورك صحيح مائة بالمائة أخي يحيى..فقد كان على أن أتنبه الى الاحتمال الذي ذكرته من معنى الاستقلالية..لكن ما دفعني في الجهة المقابلة هو اننا نتكلم عن اناس زعموا استقلالية الصواب عن الوحي..فكانت الموافقة هي ما اوحت لي بتفسير اجمال الكلمة بهذا المعنى الذي فعلا بعد بيانك يبدو في واد آخر..و صدق الامام احمد اكثر اختلاف الناس من اشتراك الأ سماء..جزاك الله خيرا على ما أفدت

عياض
11-03-2010, 06:46 PM
بالنسبة للحساسية المفرطة من الفلسفة و المنطق ...فسببها هو نفسه سبب الحساسية منها عند علماء الأبستمولوجيا العلمية فيما بعد حين سينتقل اليها عدوى هذه الحساسية المفرطة..و السبب في نظري هو كثرة ما في قواعدها من تحكم يؤدي الى القول على الله و على خلقه بغير علم..و ما تقوله عن ابن رشد هو سبب ما قلنا ان اهله من المالكية وهم كما هو معروف قانونيون صارمون جفاة قساة في الوزن و المكيال خاصة المغاربة منهم..ورغم ذلك حفظوا له قدره و لم يسووه بغيره ممن لم يكن لهم حسناته...

عساف
11-03-2010, 08:44 PM
" المعرفة الحقة هي الوصول الى التعرف على الذكاء الذي يتحكم في كل شيء...من خلال كل شيء " هرقليطس.!

يحيى
11-11-2010, 02:11 AM
اذا كان لايوجد تناقض بين العقل والنقل ..
أخي الكريم عساف, هذه الجملة غير صحيحة إذا أطلقتها. :):
نقول "لا تعارض بين العقل الصريح و النقل الصحيح", فليس كل عقل صريح و لا كل نقل صحيح, لذلك نجد أن ما يميز الحضارة الإسلامية العظيمة في التفكير العقلاني ليس نقل التراث الاغريقي-الفارسي-الهندي-الصيني و الممارسة فيه كما يعرف كثير من الغربيين هذه الحضارة و ينقل عنهم جهلاء المسلمين تلك التعريفات حيث نجد أسماء كابن سينا و ابن الهيثم و بعض الفنونيات و الأشكال المعمارية في القمة, لا, هذه مجرد مظاهر جانبية من مظاهر الحضارة الإسلامية. الذي يميز هذه الحضارة حقيقة عند الحديث عن التفكير العقلاني هو أولا تحديد موضع الإنسان و تبيين تكريمه ثم توجهه إلى ما يتناسق مع فطرته و يريحه في دينه و دنياه لدى الإجابة على الأسئلة الخالدة من أنت؟لم؟إلى أين؟, ثم "علوم الحديث" و ما صاحب هذه العلوم العظيمة من ممارسات فكرية نقدية تمحيصية في جميع الجوانب المتعلقة بنقل النقل و حفظه.

تتسائل:

فما الداعي للحساسية المفرطة تجاه الفلسفة والمنطق وكل من اشتغل بهما.
الحساسية الشمولية خطأ, و الإنبهار الشامل خطأ أيضا, و الشاهد عندنا هو إختلاف الفلاسفة بينهم كما بين ذلك مصححي المفاهيم الإسلامية (إبن تيمية) (إبن حزم) و (حجة الإسلام أبي حامد الغزالي) -رحمهم الله- في أكثر من موضع. تنبه, نجد إبن تيمية في درء التعارض يذكر إنقسام الشيعة إلى فرق فنقل عن الباحثين من وجد أنهم إنقسموا إلى أكثر من 70 فرقة, ثم يضيف أن الفلاسفة متمزقون و مفترقون أكثر من هذا, و هذا صحيح و ما يسمى عند الغربيين "تطور التفكير الفلسفي" ليس إلا تغيير موضع نقطة في حلقة كل نقطة تأتي تدفع الأخرى إلى الأمام و تترك الثانية إلى الوراء, فكل متفسلف يقيم فلسفته على أنقاض و نقض الفلسفة "الأخرى" و هكذا دواليك في حلقة تعود ثم تعود نفس النقطة فيها في نفس الموضوع بإشارات و تعابير لغوية أخرى, لكن المضمون هو هو لا يتخلف و التصور هو هو لا يتنوع, فقط اللغة الخيالية و التعبير اللغوي و ربط الإشكالات الفكرية بالواقع المُعاش هي الأشياء التي (تظهر شكليا) تتغير.

يحيى
11-11-2010, 02:17 AM
شعورك صحيح مائة بالمائة أخي يحيى..فقد كان على أن أتنبه الى الاحتمال الذي ذكرته من معنى الاستقلالية..لكن ما دفعني في الجهة المقابلة هو اننا نتكلم عن اناس زعموا استقلالية الصواب عن الوحي..فكانت الموافقة هي ما اوحت لي بتفسير اجمال الكلمة بهذا المعنى الذي فعلا بعد بيانك يبدو في واد آخر..و صدق الامام احمد اكثر اختلاف الناس من اشتراك الأ سماء..جزاك الله خيرا على ما أفدت
لا عليك يا شيخ عياض, و جزاك الله خيرا.

زينون الايلي
11-14-2010, 08:05 PM
بعد نفي ابن رشد و احراق الكثير من كتبه اصدر ابو جعفر المنصور بيانا يحرم فيه الاشتغال بالفلسفة ; ومنذ ذلك الحين الى يومنا هذا انقطع العرب عن التفكير الفلسفي حيث لم يؤسسوا ولو مذهبا فلسفيا واحدا منذ وفاة ابن رشد وحتى القرن الواحد و العشرين . لقد حرم ابو جعفر المنصور الفلسفة فقط ولم يحرم الاشتغال بالطب و الرياضيات و الفلك و الكيمياء لذلك من اليسير فهم ترك العرب التفكير الفلسفي ولكن لماذا تركوا سائر العلوم العقلية واكتفوا فقط بعلوم الشريعة?

عياض
11-14-2010, 09:40 PM
بعد نفي ابن رشد و احراق الكثير من كتبه اصدر ابو جعفر المنصور بيانا يحرم فيه الاشتغال بالفلسفة ; ومنذ ذلك الحين الى يومنا هذا انقطع العرب عن التفكير الفلسفي حيث لم يؤسسوا ولو مذهبا فلسفيا واحدا منذ وفاة ابن رشد وحتى القرن الواحد و العشرين . لقد حرم ابو جعفر المنصور الفلسفة فقط ولم يحرم الاشتغال بالطب و الرياضيات و الفلك و الكيمياء لذلك من اليسير فهم ترك العرب التفكير الفلسفي ولكن لماذا تركوا سائر العلوم العقلية واكتفوا فقط بعلوم الشريعة?
يا صباح الخير أخي جواد...
لو اطلعت أكثر على تاريخ الفلسفة في امتنا لوجدت ان الأمر على خلاف هذه النظرة السطحية التي ربانا عليها المستشرقون..بل الذي حدث بعد ابن رشد هو العكس..مزيد من الانتاج الفلسفي و ضمور تام في العلوم الشرعية بشقيها النقلي و العقلي...تطور مهول في النقل الفلسفي و العقلي الفلسفي...و خفوت و انغلاق و انسداد في العقل الشرعي و النقل الشرعي...و لا أدري ان كنت تعلم عن كبار الفلاسفة بعد ابن رشد و كيف احتلوا مرتبة علماء الشرع...لاأذكرك بالطوسي و ابن عربي و ابن حمويه و القونوي السهروردي و ابن سبعين و السعد و الأرموي و التلمساني و الشيرازي و فيضي و النابلسي و الكوراني و ووووووووووو.. ممن جاء عصر الانحطاط مباشرة بعدهم ان بدأ الجمهور بتقديمهم و تقديم تطويرهم العظيم للفلسفة على الجهود المثناترة للمتخصصين في تطوير العقل الشرعي في ظل سيطرة الفلاسفة و العرفانيين على المرجعية الفكرية للعقل العربي الاسلامي...

عياض
11-14-2010, 10:07 PM
و مما يجب ان يحسب للشيخ ابن رشد..أنه كان من الأفراد القلائل بعد عصر القرون الثلاتة الأولى الذين كانوا يقدرون معنى الحرية في الاسلام و يأنفون من التفريط فيها للطمع في مال او جاه او منصب او تلميعا لسلطان او حاكم او مشهور.. مشابها في ذلك لقلة من الشخصيات التي بلغت الغاية في هذا المعنى كخصمه حجة الاسلام الغزالي او المفكر الحنبلي ابن عقيل او الامام الثوري الهروي او الموسوعي ابن تيمية ممن تلمس في حياتهم كيف استخدموا الشغف المعرفي كأداة لتحقيق مستوى الحرية الذاتية على المستوى الفردي التي كان يتمتع بها الصحابة و من بعدهم و من ثم الانطلاق الى استغلال ما لديهم في تلمس الأهداف الجماعية و صياغة الصورة الجماعية لمجتمعاتهم المتفردة عن بقية المجتمعات البشرية.....

الأمير شبيب
11-14-2010, 10:41 PM
وقد ذم ذلك وذكره الفليسوف الغزالى فى كتابيه الشهيرين....(المنقذ من الضلال -وتهافت الفلاسفه)
؟؟؟؟؟؟؟

متعلم أمازيغي
11-14-2010, 10:52 PM
لله در مفكرنا الجليل الدكتور طه عبد الرحمن، إنه يرى أنه لا شئ أضر بالفلسفة من التقليد، و الحق أن ابن رشد مع ذكائه يظل من أشد الفلاسفة تقليدا، ما هي هذه الاسهامة النوعية التي قدمها ابن رشد للفلسفة الإسلامية العربية غير اجترار كلام أرسطو؟
تحدث الدكتور طه عبد الرحمن كثيرا عن "السؤال المسؤول" في مقابل سؤال الجدل الذي عرف به سقراط و سؤال النقد الذي عرف به إيمانويل كانط،، و هذا السؤال البديل الذي قدمه مفكرنا للخروج من عنق زجاجة التقليد يعني به أن الفيلسوف ينبغي أن لا يخوض في أية إشكالية و لا يطرح أي سؤال فضلا عن الجواب عنه، إن لم تكن لأمته حاجة فيه، اللهم ما فيه إبداع، و هذا الإبداع يشترط فيه أن يكون مرتبطا بالإشكاليات التي تستفز الكيان الفكري لأمة معينة، إن طه لأنه يربط الفلسفة بالأخلاق فإنه يرى في طرح السؤال مسؤولية عظمى..

فأي أسئلة طرح ابن رشد؟

يحيى
11-14-2010, 11:15 PM
بعد نفي ابن رشد و احراق الكثير من كتبه اصدر ابو جعفر المنصور بيانا يحرم فيه الاشتغال بالفلسفة ; ومنذ ذلك الحين الى يومنا هذا انقطع العرب عن التفكير الفلسفي حيث لم يؤسسوا ولو مذهبا فلسفيا واحدا منذ وفاة ابن رشد وحتى القرن الواحد و العشرين . لقد حرم ابو جعفر المنصور الفلسفة فقط ولم يحرم الاشتغال بالطب و الرياضيات و الفلك و الكيمياء لذلك من اليسير فهم ترك العرب التفكير الفلسفي ولكن لماذا تركوا سائر العلوم العقلية واكتفوا فقط بعلوم الشريعة?
هذا إذا فرضنا فهما معينا للفلسفة و المشروع الفلسفي فيمكن عندها أن نقترب من إستنتاج كهذا, و هو ما يفعله بعض المستشرقين المتعصبين كما يلاحظ شيخنا عياض بشكل صحيح و هؤلاء عندما يكتبون عن الحركة العقلية أو العقلانية في تاريخ الإسلام فإنما يركزون على أفرادا آستخدمهم المفكريين الاوروبيين في عصر التنوير لمواجهة "الكنائسية" التي كانت وقتذاك بمثابة "الفرعونية" و "الكهنوتية" و "الكسروية" التي تناولها القرآن الكريم بالنقد و التجريح, مع فارق بينهم طبعا فتوماس أكوينا أخذ من إبن رشد التوفيق بين الدين و الفلسفة, أخذ من حجة الإسلام الغزالي التفكير العقلاني في الدين, بينما أخذت مدرسة الرشدية في فرنسا مثلا العقلانية المجردة من إبن رشد, و أخذ جون لوك العقلانية الانسانوية من ابن طفيل و إذا تتبعنا سيرة الحركيين التنويرين سنجدهم كلهم اعتمدوا مشاريع فلسفية-سياسية لفلاسفة مسلمين (سواء من كان مسلما بالحضارة و الثقافة أو بالعقيدة) و هذا ما يعترف به حتى ألد أعداء الدين في أوروبا اليوم Jonathan Irvine Israel الذي يدعو إلى تطبيق العالمانية الشمولية في الغرب.

هذا النوع إنما لسان حاله يريد أن يقول هذا هو الطريق للنهضة يا مسلمين و هم غالبا إنما يقصدون الطريقة التي فهم بها التنويريون مشاريع المسلمين و كأن التنويريون إنما تقدموا في الحقل المادي بهذه الأفكار, يمكن أن نقول أنها ساهمت في مواجهة "الكنائسية" لكن نحن لا نحتاج إليها فنحن لم نمر بنفس التجربة فتخلفنا اليوم ليس سببه الدين بل الدين يكاد ينعدم في الحياة العامة و كأنه انحصر في المسجد و التطبيقات الفردية على مستويات متفاوتة, و عندما تقرأ لمثل هؤلاء فلا يستبعد أن تترك إنطباعا مثل هذا الذي نقرأه الآن, مع العلم أن العكس هو الصحيح.

بعد إبن رشد ظهر كثير من الرموز اشتغلوا بالفلسفة أي بالفكر العقلاني سواء في الدين أو خارج الدين, أما في الدين فظهرت حركات تجديدية أعادت للدين صفاءه و نقاءه, و اشتغلوا في نصوص الدين ليبينوا ما الصحيح و ما السقيم منه, كما أنهم اشتغلوا في مناهج فهم النصوص فكانت هناك أفهاما تعمل العقل لتبين العلاقة بين فهم النص و طريقة تطبيقه في الواقع.

و لابد أن نلاحظ إختلاف كبير بين المستشرقين في تناول تاريخ الفكر العقلي و العقلاني عند المسلمين, فها هو المستشرق الهولندي Michiel Leezenberg مثلا لا يتحدث عن فيلسوف أو فكرة فلسفية عند المسلمين إلا و حاول أن يجد لها أثرا و أصلا في فلسفة اليونان و كأنه يريد أن يقول أن المسلمين لم يفعلوا إلا قص و لصق باللغة العربية لكن مع ذلك هو يختلف عن كثير من المستشرقين الآخرين فيضع حجة الإسلام الغزالي و شيخ الإسلام إبن تيمية و صدر الدين الشيرازي في كتابه بينهم.

أما المستشرق البلجيكي Herman De Ley فعند حديثه عن الفكر الإسلامي العربي نجده يرى أن السلفية الإصلاحية بقيادة الأفغاني و عبده محمد و من جاء بعدهم إنما هي إمتداد للفكر الإعتزالي أي الفكر العقلاني في الإسلام.

و قلما تجد بينهم (إلا في مقالات متناثرة) من يربط الحركة الفلسفية في تاريخ الإسلام بالمنهاج العلمي الذي تم تطويره على يدي البيروني و إبن الهيثم, و كأنهم طبعا يريدون أن يقولوا لنا إن هذا المنهاج هو من صنيعة كيبلر و غاليليو و كوبارنيكوس ... !!!!! فلماذا لا يكتبون عن هذا التفكير المنهجي العلمي و يقولوا هذا هو الطريق؟ لأن السيد الذي يريد أن يبقى سيدا لا يمكن أن يعطي الحرية لعبيده عندما يكون العبد هو الركيزة الاساسية في بقاءه سيدا و هم لن يتركوا اي بلد خاضع لهم يتطور سواء كان البلد ذو توجه إسلامي في السياسة أو توجه قومي أو يساري.

لا أستطيع أن أحصر لك أصحاب المشاريع الفلسفية أو المواقف الفلسفية بعد إبن رشد, لكن إذا نظرنا إلى العصر الحديث فسوف نجد حركات فلسفية إسلامية, مثلا أصحاب مشاريع فلسفية كريني غينون و حسين نصر (في التصوف) أو عبد الوهاب المسيري و عبد الرحمان طه (في نقد الفلسفات الدهرية), إحياء الفكر المقاصدي عند الدكتور أحمد الريسوني و هذا الفكر إنما هو في الحقيقة حركة عقلية في فهم النص و ربط أي تطبيق معين بالتطورات التي لها أثر على الفهم و التطبيق, ثم نجد أصحاب مواقف فلسفية مثل محمد الغزالي السقا و مالك بن نبي و علي عزت بيغوفيتش ووو.. و القائمة تطول.

و لا يمكن لنا أن نقول أن الإكتفاء بعلوم الشريعة هو اظهاد او إبعاد للفكر العقلي في الشريعة, العكس هو الصحيح, فالشريعة يمكن أن تقرأها قراءة تستخرج منها كنوز و يمكن أن تقرأها قراءة تستخرج منها تحديات لكل الشرائع و النظم البشرية و هذا و ذاك لا يتم إلا بعقل نافذ يدخل في فحوى الأحكام و الحِكم.

بالنسبة لي و عندما أنظر في كتاب الاتجاهات المعاصرة في دراسة السنة النبوية في مصر و بلاد الشام للدكتور محمد عبد الرزاق اسود أراه مليئا بنماذج تعكس حركية التفكير العقلاني في النصوص و حول النصوص.

الأمير شبيب
11-14-2010, 11:53 PM
أليس كتاب اسحق نيوتن الذي تضمن قوانين الحركة اسمه : المباديء الرياضية لفلسفة الطبيعة ؟

حسام الدين حامد
11-17-2010, 06:53 PM
أليس كتاب اسحق نيوتن الذي تضمن قوانين الحركة اسمه : المباديء الرياضية لفلسفة الطبيعة ؟

بلى، ما علاقة هذا بالموضوع؟

زينون الايلي
11-19-2010, 02:04 AM
السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته اخي عياض وعيدكم مبارك سعيد . في نظري ان فلاسفة ما بعد ابن رشد كابن عربي و ابن سبعين لم يكونوا فلاسفة بالمعنى الحقيقي بل كانوا متصوفين اكثر من كونهم فلاسفة; و في رايي ان انتاجهم الفلسفي كان ضعيفا . اذكر و ثيقة قراتها في كتاب للتاريخ تخص بعض القوانين المتبعة في نظام التدريس في جامع القرويين جاء فيها : اما من اراد ان يخوض في علم المنطق وعلم الكلام و كتب الفلاسفة و كتب غلاة الصوفية فليفعل ذلك في داره مع اصحابه اللذين لا يدرون بانهم لا يدرون ; ومن تعاطى ما ذكرنا في المساجد ونالته عقوبة فلا يلوم الا نفسه. يبرز لنا هذا النص مدى القمع و المنع الذي تعرض له التفكير الفلسفي بعد ابن رشد. بالنسبة للعلوم العقلية فلا ادري هل تعرضت هي الاخرى للتحريم فلا ادري ما السبب الذي جعل المسلمين يعرضون عنها فهل يمكنك يا اخي ان تفيدني في هذا الشان جزاك الله خيرا ?

عياض
11-20-2010, 03:41 AM
نعم نعم..قد تجد ذلك في القرويين و الزيتونة و الأزهر و غيرها معلنا....لكن ابحث و ستجد حالها كحال الدساتير العربية..فرغم رفعهم شعار عقد الأشعري و مذهب مالك و طريقة الجنيد السالك ...فالمنطق المشائي و الفلسفة الأفلوطينية كانت مبادئها حاضرة و مهيمنة على آليات المناهج المعرفية لشتى العلوم من الفقه و اصوله الى اللغة و التصريف..فضلا عن انها نفسها كانت لها دروس قائمة بنفسها في هذه الجامعات لكن متقنعة بعناوين مؤلفات دينية او ثيوصوفية لكنها في الجوهر تفكير فلسفي يمكن ان يصنف في الذروة من جهة تفهمه لمقاصد الفلاسفة الأولين في رؤيتهم للعلاقة بين الوعي و العالم ..و هذا هو نفسه النهج الذي دعا اليه دعاة التوفيق كالفارابي و ابن سينا و خصوصا ابن رشد اخذت به هذه الأمة بينما عدوتها رأت ما فيه من العطل فأخذت بخلافه و تجاوزته الى ما هو خير منه..فكان الحال على ما ترى...
فعلا اتفق معك انه في القرون المتأخرة توقف التطوير نهائيا في شروح كتب المنطق و شروح الكتب الفلسفية و الثيوصوفية..فالتطوير كان متوقفا تماما في كل شيء..و لكن هذا لا يعني انه توافق مع موت ابن رشد..فالفلسقة في عهده و بعده بقرون قد تطورت مع بقية العلوم برفعها الى مستويات اعلى من الترابط بين عناصرها و بينها و بين الوعي الجمعي ما أظن ابن رشد نفسه كان يحلم به.. لكن ألا يبدو غريبا ما يدعيه المستشرقون و من بعدهم الحداثيون ان لاحظنا ان هيمنة الفلسفة و المنطق الأرسطي على المشهد الثقافي الاسلامي من الهند الى المغرب قد تزامنت زيادة الهيمنة هذه بشكل غريب مع نقصان التطوير و زيادة الجمود طردا و عكسا؟؟

سؤال اظن البحث فيه و التأمل قد يقود الى مفتاح المسألة الشائكة التي حيرت المؤرخين الموافقين و المخالفين...لم تأخر المسلمون و تقدم غيرهم و انتقل المشعل في نفس اللحظة الني كانوا فيها في اوج تطورهم التكنولوجي؟؟؟

عياض
11-20-2010, 03:58 AM
الذي يميز هذه الحضارة حقيقة عند الحديث عن التفكير العقلاني هو أولا تحديد موضع الإنسان و تبيين تكريمه ثم توجهه إلى ما يتناسق مع فطرته و يريحه في دينه و دنياه لدى الإجابة على الأسئلة الخالدة من أنت؟لم؟إلى أين؟
كلام متين لا أدري لم لم أتنبه له حين قرأته اول مرة..بارك الله فيك اخي يحيى..

عياض
11-20-2010, 05:03 AM
اما القول ان ابن عربي و ابن سبعين و اضرابهما كابن هود و التلمساني و القونوي و السهروردي المقتول لم يكونوا فلاسفة ان عني انهم لم يكونوا فلاسفة فقط فصحيح..اما انهم ليسوا كذلك او ان باعهم في الفلسفة و تأسيس و تطوير مذاهبها ضعيف..فهو كلام من لم يعرفهما و لا عرف منطلقاتهما و لا مداهما الذي وصلا اليه..و من عاشرهما حق المعاشرة علم انهما يعمدان الى اصول الفلسفة الأولى منذ نشأتها في الأناضول رأسا بنقاوة لم يصل اليها من قبلهما..و مذاهبهما من جهة التوفيق بين موارد الغنوصية في نظرية المعرفة و الأدلة عليها و حل الاشكالات الواردة عليها يتجاوز الاطار اليوناني ليمزجه ببراعة بالاطار الهندي و الفارسي فضلا عن مزجهما بين الاطارات اليونانية المتناقضة كالاطار الأفلوطيني المحدث و الاطار المشائي و مذاهب اللذة اليونانية و العددية الروحية للفيثاغوريين ما لن تجد معه جديدا في مذاهب اللاحقين عليهم كسبينوزا او حتى نيتشه ..

د . عبدالباقى السيد
12-04-2010, 11:02 AM
حيا الله الأحبة
موضوع أكثر من رائع ، ونقاش ماتع .
بارك الله فى الأحباب الحكيم عياض والفيلسوف يحيى والدكتور هشام عزمى والحبيب متعلم أمازيغى .... وكل من شارك وساهم فى الموضوع
بداية لست فيلسوفا ايها الأحباب - وإن كنت وقفت على شاطىء بحر الفلسفة وأخذت منها بطرف - لذا لن أقف وقفات فلسفية بصدد هذا الموضوع ، وإنما لى وقفات تبيانية لبعض الأمور ، وإن شئتم فقولوا طروحات استشكالية فى موطن وتبيانية فى آخر .

أولا : ذكر الأخ عياض فى بعض مشاركاته أن ابن رشد الحفيد تأثر بابن حزم فى أمور وهذا حق وتبيانه فى التالى أن ابن رشد كان من أوائل من نقل فقه الظاهرية بحيدة ودقة بعد ابن عبدالبر ، واتضح ذلك جليا فى كتابه بداية المجتهد ، ولعل مرد ذلك إلى أن ابن رشد نشأ فى ظل دولة ظاهرية النزعة ، وكان ابن رشد قاضى قضاتها فى عهد المنصور الموحدى ، ومستشارا للتعليم فى عهد عبدالمؤمن بن على جد المنصور .

ثانيا : أن الذى أمر بإحراق كتب ابن رشد ليس أبوجعفر المنصور ، وإنما هو أبويوسف يعقوب المنصور بن يوسف بن عبدالمؤمن بن على فقيه بنى عبدالمؤمن .
ومرد ذلك أسباب كثيرة بيناها فى كتابنا الظاهرية والمالكية وأثرهما فى المغرب والأاندلس فى عهد الموحدين ، منها السياسى والعقدى والمذهبى والشخصى ، ومنها التحريض من قبل فقهاء المالكية وبعض أهل الظاهر .

ثالثا : من واقع كلام ابن رشد عن النبوة وعن الغلو فى ارسطو وفلاسفة اليونان وانتقاده لأهل الظاهر والمالكية الذين قصرا معرفة وجود الله على الوحى فقط هل من الممكن ان نعتبر كلام فقهاء المالكية الذين تقدموا بمحضر بسطوا فيه طوام ابن رشد للمنصور الموحدى صحيح فى مجمله ، وإن كنا ضعفنا بعض الأقوال والاتهامات التى وردت فى هذا المنشور كدعواهم عليه أنه كذب بالريح التى أهلكت عاد ؟
أم أن الخط الذى سار فيه فقهاء المالكية وقتها كان خطا نمطيا تقليدا ، وسبب عداء الفلسفة وأهلها جملة ؟

رابعا : أن ابن رشد فى كتابه فصل المقال كان متبعا لابن حزم فى نهجه بالتوفيق بين الحكمة والشريعة ، ولقد حاول ابن حزم من قبل ابن رشد تذليل المنطق والفلسقة ، وزج بهما ضمن العلوم التى صنفها فى برنامجه التعليمى فى رسالته الماتعة " مراتب العلوم" ، وإن كان الأمر ازداد بالنسبة لابن رشد لأن الخليفة يوسف بن عبدالمؤمن نفسه هو الذى طلب تلخيص كتب أرسطوا وشرحها وتقريبها للناس ، وانتحى لهذه المهمة ابن رشد بعد ان رشحه ابن طفيل لها .
والسؤال هل ما ذكره ابن رشد من غلو فى أرسطو كان لإرضاء الحاكم ؟
أم كان ذلك بعد وفاة يوسف من خلال تنقيحاته وزياداته التى أدخلها على كتبه وشروحه؟
ودمتم بخير

عساف
12-04-2010, 11:08 AM
ودمت بألف صحة وعافية

أبو يحيى الموحد
07-22-2011, 02:21 AM
للرفع
جزى الله الاخوة خير جزاء... و رفع قدر اخينا فامباير رحمه الله

واسطة العقد
09-30-2013, 03:30 AM
دفعني رافاييل للتنقيب اكثر عن ابن رشد :):
لكن ثمة امر لا افهمه، المفترض حسب الرواية الرسمية ان عصر النهضة بدأ بعد الاحتكاك بالتراث اليوناني و "استعادة" التراث الفلسفي.. لكن بنفس الوقت ما كان يعاني منه علماء ذاك العصر هو الفلسفة المدرسية التي نشأت اصلاً من تقديس افكار ارسطو و التي تذكرني لحد ما بعلم الكلام الاسلامي، الحقيقة هذا التاريخ و الاتصال يبدو لي مشوشًا و مليئًا بالاحكام المسبقة.. و بغض النظر عن افكار ارسطو فإن عصور التنوير كانت غنية فلسفيًا، فما موقع الفلسفة هنا بين الشر المحض الذي يصوره البعض و الخير المحض الذي يصوره البعض الاخر؟

elserdap
10-02-2013, 01:33 AM
عصر التنوير لم يكن عصر فولتير كما يسميه ول ديورانت في قصة الحضارة ولم يكن عصر مارتن لوثر كما يحب أن يسمع الأنجلوساكسون ولم يكن عصر إعادة التنقيب في تراث اليونان كما يحب أن يسمع الفلاسفة والشعب اليوناني الفقير ولم يكن عصر روجر بيكون وفرانسيس بيكون كما يحب أن يسمع العلماء ولم يكن كل هذه الأمور مجتمعة .. عصر التنوير كان إفراز خمسة قرون من البحث عن الذات والتجربة الأوربية الفاشلة في شتى الأصقاع والحروب التي لا تنتهي في كل قرية في أوربا لم يكن يوجد شيء يسمى ألمانيا ولا شيء يسمى روسيا حتى العام 1800 وكانت موسكو قرية حقيرة تدفع الجزية لإمارة القرم كل عام بانتظام حتى العام 1800 وكانت أوربا كلها محل تجارب لا تنتهي وصراعات لا تنتهي ولم يكن التنوير شمعة أضاءت فجأة ولا كنز مكنون في كتابات أرسطو ظهر فجأة بل كان رحلة طويلة شاقة قاسية للغاية في العقل الأوربي طيلة 500 عام .
ولم يحدث التنوير إلا في مرحلة لاحقة لقلة الحروب والصراعات الداخلية فبدأ يظهر فائض مادي وبشري وثقافي وعقلي تم استغلاله لا إراديا في إنشاء حضارة سميت فيما بعد الحضارة الأوربية في عصر التنوير ولم تظهر مؤلفات أرسطو ولا الكتاب المقدس نفسه إلا بعد مطبعة جوتنبرج ... ولذا يمكنني تسمية كل مؤلفات أرسطو وكل فلسفات أوربا بأنها خراج حميد ظهر في جسد رحلة التنوير الأوربية لا يزيد الأمر على ذلك ولا ينقص .

وإذا أُتيح لأي أُمة من الأُمم أو لأي صقع من الأصقاع أن توفر فائض بشري وعقلي وثقافي يمكنها أن تُنشيء حضارة تضاهي حضارة التنوير الأوربي ولم تكن الحضارة العباسية والعثمانية إلا نتيجة إفراز هذا الفائض .

BStranger
10-02-2013, 04:40 AM
لم يوضح احد حتى الآن: لماذا توقفت العلوم المادية اذا تم توقيف الفلسفة فقط؟

واسطة العقد
10-02-2013, 01:14 PM
ﻻ ارى ان الفلسفة مرتبطة بالعلوم التجريبية، المصريون كانوا متدينين ﻻ فلاسفة و كانت لهم حضارة، كذلك اغلب الشعوب الوثنية الشرقية. . قد تطلق عليه فلسفة شرقية الآن لانك تنظر من الخارج لكنه ليس اﻻ ديانة، الشرقيون عظماء :): .
الفلسفة فكر نظري بحت، العلم تجريبي مادي عملي.. ﻻ ترابط، و الكلام عن ان الفلسفة توسع الفكر و تجعله حرا ليخترع الخ ﻻ اراه الا لغوا، الفلسفة بحث بالوجوديات و ما وراء المادة, العلم بحث بما يوجد بين يديك، هذا يذكرني بمن يقول " الحرية شرط الإبداع و التقدم العلمي" مع ان العلم قفز قفزات هائلة تحت سلطة طغاة، الأدباء كذلك و الشعراء، بل حتى الفنون رعتها الكنيسة و البرجوازية.
أستاذ سرداب الم تكن كتب ارسطو موجودة باوربا منذ 1200 تقريبا؟ ام انك عنيت انه و لقبل ذاك التاريخ كانت كتبه محصورة عند اللاهوتيين؟

ابو علي الفلسطيني
10-02-2013, 10:30 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

في العصور الوسطى كان ثمة صراع بين اتباع ارسطو وافلاطون ... فيميل اصحاب الاولى للعقل فقط ويحاول اصحاب الثانية التوفيق بين العقل والنقل ... اما اللاهوتيين فلم يهتموا بالفلسفة كثيرا ولعل اول من اهتم بها واطلق ما يسمى بالفلسفة المسيحية هو القديس اوغسطين
في كتاب عبد الرحمن بدوي رحمه الله "فلسفة العصور الوسطى" تفصيل ماتع وشيق