أبو لؤي التونسي
10-26-2010, 09:45 AM
يقول أرسطو: التفكير مستحيل دون صور .. و بالتالي الإنتاج الفكري الإنساني مقترن أساسا بعالم الصورة و هذا ما يقرّه علم الإدراك فالصورة التي نتلّقاها من جملة المحسوسات تسكن عقلنا و إن كانت منطلق التفكير فهي من زاوية أخرى وضع حدود للمخيّلة البشرية فالإنسان كونه طبع على مكونات الطبيعة ببصره لا يمكن أن يطبِّع نفسه على ما يخالف بل و يتجاوز قدراته البصرية و بالتالي هنا نعود لنقطة هامة ألا و هي أن التفكير الإنساني محدود نعم هو في إتّساع و لكنّه لن يخرج عن كونه متناه لكن الإبداع يتجسّد في لوحات تتجاوز المخيّلة البشرية لتنتج صورة لوهلة تظنّها لم تكن من عالمنا فتستشعر صورة هذه المرّة لا تراها بالبصر و إنما بعين البصيرة فتتجاوز ظاهر الصورة و سرّها إلى سحر الصورة و المعاني الساكنة بين تفاصيلها لعل هذا السّحر نسمّيه القوة الروحية الغير منظورة و التي أخرجت الإنسان من كونه يتعامل مع قوالب جاهزة و هي الصور التي وجد بينها إلى التعايش في تلكم الصور برؤية فنّية جمالية مبدعة و اكتساب هذه الخاصية التي جعلت الإنسان يتفوّق على الطبيعة تنبّهنا كون الإنسان لا كباقي الطبيعة مجرّد مادّة و إنّما قوة روحّية مكوّنها الرئيسي الجمال
المشكل اليوم أن الإنسان مصر على تغييب هذا المكوّن الأساسي لذاته و جعله مادّة خالية من كل أبعاد جمالية فلسنا ببعيدين عن اليوم الذي يفسّر فيه الحزن بكونه عبارة عن نقص الصديوم في الدم من دون ذكر أنّه ألم معنوي لحدث ما و لسنا ببعيدين عن تحليل الشعور بالنشوة بكونه ارتفاع الأدريالين في الدم دون المرور على الحادث المعنوي و بالتالي تتنتفي كل الأبعاد الإنسانية التي جعلت الإنسان يتميّز عن باقي المخلوقات إلى مجرّد مادّة ... و هنا الإنسان أمام معادلة صعبة و هي المراوحة بين المّادة و الروح. لكن يخيب أمل المرء بالتحليلات الإلحادية و التي أنركت الروح جملة و تفصيلا و رسّخت الحياة الروبوتية للبشر و تناست كون المادّة المكوّنة لطبيعة بنظرهم إن قدرت على إيجاد الحياة (و هذا مستبعد) فإنها حتما لا تقدر على إيجاد حياة ساحرة أو أن توجد بعد جمالي في النّفس البشرية دون باقي مكوّنات الطبيعة و التي تعمل ضمن نظام مركّب يوجد بينها علاقات فيزيائية و بيولوجية ... إلخ دون استشعار سر هذه العلاقات و البعد الفنّي في ذلك ألسنا أمام حتمية كون الإنسان المادي إن لم يحتج إلها ليخلقه لم يكن في غنى عن خالق لروح من صفاته الجمال فيزرع فيه تلكم الموهبة التي ميّزته عن باقيي الموجودات؟؟
إن النّاظر في حال المؤمن بعلاقته مع الطبيعة يعلم يقينا أنّه تجاوز الملحد بخطوة فهو لا يقف عند التحليل العلمي و الذي لا غنى عنه و ما نعبّر عنه بالفكر إلى خطوة أهم و أرقى و هي التفكّر فكيف لملحد مثلا أن ينظر بعين جمالية لكون يراه مجرّد معادلة حسابية؟؟ يقول الغزالي رحمه الله في كتابه قذائف الحق: إن ميلاد برتقالة على شجرة أروع من ميلاد " سيارة " من مصنع سيارات يحتل ميلاً مربعاً من سطح الأرض . ولكن الناس ألفوا أن ينظروا ببرود أو غباء إلى البدائع لأنها من صنع الله، ولو باشروا هم أنفسهم ذرة من ذلك ما انقطع لهم ادعاء ولا ضجيج أليست هذه النّظرة المادية فعلا تستحق أن تسمّى نظرة غبية أفقدة الموجودات المعاني الجمالية التي تحتويها؟؟
فالإسلام جاء ليخلق الحياة في كل موجودات الطبيعة و رسم جملة من العلاقات الثنائية بين الإنسان و الطبيعة و تعايش جمالي يتجاوز الفائدة المادية يقول النورسي: تصور نفسك قبل مجيء نور القرآن، في ذلك العصر الجاهلي، وفي صحراء البداوة والجهل، فبينما تجد كل شيء قد أسدل عليه ستار الغفلة وغشيه ظلام الجهل ولف بغلاف الجمود والطبيعة، إذا بك تشاهد بصدى قوله تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ﴾(الحديد:1) أو ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾(الإسراء:44) قد دبّت الحياة في تلك الموجودات الهامدة أو الميتة بصدى ﴿سَبَّحَ﴾ و﴿تُسَبِّحُ﴾ في أذهان السامعين فتنهض مسبحةً ذاكرة لله. وإن وجه السماء المظلمة التي تستعر فيها نجوم جامدة، والأرض التي تدبّ فيها مخلوقات عاجزة، تتحول في نظر السامعين بصدى ﴿تُسَبِّحُ﴾ وبنوره إلى فم ذاكر لله، كل نجم يشعّ نور الحقيقة ويبث حكمة حكيمة بالغة. ويتحول وجه الأرض بذلك الصدى السماوي ونوره إلى رأس عظيم، والبر والبحر لسانَين يلهجان بالتسبيح والتقديس، وجميع النباتات والحيوانات كلمات ذاكرة مسبحة حتى لكأن الأرض كلها تنبض بالحياة..انتهى كلامه
الإسلام أرسى هذه النظرة الجمالية الفنّية بشكل رائق بديع فجاء بكتاب بليغ بلفظ سلس يعتمد على أسلوب متميّز تفرّد به دون سواه و بمعاني فسيحة فتحت أمام القارئ آفاق ما كان ليبلغها قبل و هذا التألّق القرآني قال عنه النورسي: إن القرآن قوت وغذاء للقلوب، وقوّة وغناء للعقول، وماء وضياء للأرواح، ودواء وشفاء للنفوس، لذا لا يملّ.. إنه حق وحقيقة وصدق وهدى .إنتهى كلامه .. بل استشعر الأمر الكافر ما إن سمع هذا الكلام فقال الوليد بن المغيرة: إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه . إنتهى كلامه ...
و هذا ما انعكس على حال المسلمين و الذين لم يكتفوا بالعيش في هذا العالم بل لمعايشته و التأثير فيه و التأثّر به فكان حالهم خلاف أحوال غيرهم فلمّا خاطبهم الله قال في كتابه: يا أيّها الذين آمنوا اذكروني أذكركم و اشكروا لي و لا تكفرون (خطاب مباشر)... لا كما خاطب بني إسرائيل الذين غيّبوا الجانب الروحي فقال لهم: يا بني إسرائيل اذكروا نعمتى التي أنعمت عليكم و أنّي فضلتكم على العالمين (خطاب مصلحي فبنو إسرائيل تحرّكهم الفائدة المادّية).فالتربية المتوازنة بين المادة و الروح تنعكس على حال المرء مع جملة النواميس الكونية و تخلق إنسان متوازن يفوق الطبيعة دون التمرّد عليها
المشكل اليوم ضاع من بين أيدينا هذا المعنى و ضيّعنا هذه الخاصية فاتبعنا تربية فنّية لم توازن بين الفطرة الإنسانية فشوهته و ما اتّبعنا العلوم الدنيوية لتحليل المواد غاية استشعار السحر الجمالي الكامن بها و بالتّالي عدنا من حيث انتهى الآخرون و خلقنا عالما مادّيا غير أن الغرب يفهم تفاصيله و نحن نجهلها و نحاول بشتى الطرق إشباع متطلبات المادة و نهمل طلب الروح التي آمنا بها و لكن لم نعمل يوما لأجلها فعادت حتى تحليلاتنا للمسائل الدينية على هذا المعيار المخالف للأصل (الأصل هو الموازنة) فنشغل عن جمال الطبيعة بقبح الأرقام
المشكل اليوم أن الإنسان مصر على تغييب هذا المكوّن الأساسي لذاته و جعله مادّة خالية من كل أبعاد جمالية فلسنا ببعيدين عن اليوم الذي يفسّر فيه الحزن بكونه عبارة عن نقص الصديوم في الدم من دون ذكر أنّه ألم معنوي لحدث ما و لسنا ببعيدين عن تحليل الشعور بالنشوة بكونه ارتفاع الأدريالين في الدم دون المرور على الحادث المعنوي و بالتالي تتنتفي كل الأبعاد الإنسانية التي جعلت الإنسان يتميّز عن باقي المخلوقات إلى مجرّد مادّة ... و هنا الإنسان أمام معادلة صعبة و هي المراوحة بين المّادة و الروح. لكن يخيب أمل المرء بالتحليلات الإلحادية و التي أنركت الروح جملة و تفصيلا و رسّخت الحياة الروبوتية للبشر و تناست كون المادّة المكوّنة لطبيعة بنظرهم إن قدرت على إيجاد الحياة (و هذا مستبعد) فإنها حتما لا تقدر على إيجاد حياة ساحرة أو أن توجد بعد جمالي في النّفس البشرية دون باقي مكوّنات الطبيعة و التي تعمل ضمن نظام مركّب يوجد بينها علاقات فيزيائية و بيولوجية ... إلخ دون استشعار سر هذه العلاقات و البعد الفنّي في ذلك ألسنا أمام حتمية كون الإنسان المادي إن لم يحتج إلها ليخلقه لم يكن في غنى عن خالق لروح من صفاته الجمال فيزرع فيه تلكم الموهبة التي ميّزته عن باقيي الموجودات؟؟
إن النّاظر في حال المؤمن بعلاقته مع الطبيعة يعلم يقينا أنّه تجاوز الملحد بخطوة فهو لا يقف عند التحليل العلمي و الذي لا غنى عنه و ما نعبّر عنه بالفكر إلى خطوة أهم و أرقى و هي التفكّر فكيف لملحد مثلا أن ينظر بعين جمالية لكون يراه مجرّد معادلة حسابية؟؟ يقول الغزالي رحمه الله في كتابه قذائف الحق: إن ميلاد برتقالة على شجرة أروع من ميلاد " سيارة " من مصنع سيارات يحتل ميلاً مربعاً من سطح الأرض . ولكن الناس ألفوا أن ينظروا ببرود أو غباء إلى البدائع لأنها من صنع الله، ولو باشروا هم أنفسهم ذرة من ذلك ما انقطع لهم ادعاء ولا ضجيج أليست هذه النّظرة المادية فعلا تستحق أن تسمّى نظرة غبية أفقدة الموجودات المعاني الجمالية التي تحتويها؟؟
فالإسلام جاء ليخلق الحياة في كل موجودات الطبيعة و رسم جملة من العلاقات الثنائية بين الإنسان و الطبيعة و تعايش جمالي يتجاوز الفائدة المادية يقول النورسي: تصور نفسك قبل مجيء نور القرآن، في ذلك العصر الجاهلي، وفي صحراء البداوة والجهل، فبينما تجد كل شيء قد أسدل عليه ستار الغفلة وغشيه ظلام الجهل ولف بغلاف الجمود والطبيعة، إذا بك تشاهد بصدى قوله تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ﴾(الحديد:1) أو ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾(الإسراء:44) قد دبّت الحياة في تلك الموجودات الهامدة أو الميتة بصدى ﴿سَبَّحَ﴾ و﴿تُسَبِّحُ﴾ في أذهان السامعين فتنهض مسبحةً ذاكرة لله. وإن وجه السماء المظلمة التي تستعر فيها نجوم جامدة، والأرض التي تدبّ فيها مخلوقات عاجزة، تتحول في نظر السامعين بصدى ﴿تُسَبِّحُ﴾ وبنوره إلى فم ذاكر لله، كل نجم يشعّ نور الحقيقة ويبث حكمة حكيمة بالغة. ويتحول وجه الأرض بذلك الصدى السماوي ونوره إلى رأس عظيم، والبر والبحر لسانَين يلهجان بالتسبيح والتقديس، وجميع النباتات والحيوانات كلمات ذاكرة مسبحة حتى لكأن الأرض كلها تنبض بالحياة..انتهى كلامه
الإسلام أرسى هذه النظرة الجمالية الفنّية بشكل رائق بديع فجاء بكتاب بليغ بلفظ سلس يعتمد على أسلوب متميّز تفرّد به دون سواه و بمعاني فسيحة فتحت أمام القارئ آفاق ما كان ليبلغها قبل و هذا التألّق القرآني قال عنه النورسي: إن القرآن قوت وغذاء للقلوب، وقوّة وغناء للعقول، وماء وضياء للأرواح، ودواء وشفاء للنفوس، لذا لا يملّ.. إنه حق وحقيقة وصدق وهدى .إنتهى كلامه .. بل استشعر الأمر الكافر ما إن سمع هذا الكلام فقال الوليد بن المغيرة: إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق ، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه . إنتهى كلامه ...
و هذا ما انعكس على حال المسلمين و الذين لم يكتفوا بالعيش في هذا العالم بل لمعايشته و التأثير فيه و التأثّر به فكان حالهم خلاف أحوال غيرهم فلمّا خاطبهم الله قال في كتابه: يا أيّها الذين آمنوا اذكروني أذكركم و اشكروا لي و لا تكفرون (خطاب مباشر)... لا كما خاطب بني إسرائيل الذين غيّبوا الجانب الروحي فقال لهم: يا بني إسرائيل اذكروا نعمتى التي أنعمت عليكم و أنّي فضلتكم على العالمين (خطاب مصلحي فبنو إسرائيل تحرّكهم الفائدة المادّية).فالتربية المتوازنة بين المادة و الروح تنعكس على حال المرء مع جملة النواميس الكونية و تخلق إنسان متوازن يفوق الطبيعة دون التمرّد عليها
المشكل اليوم ضاع من بين أيدينا هذا المعنى و ضيّعنا هذه الخاصية فاتبعنا تربية فنّية لم توازن بين الفطرة الإنسانية فشوهته و ما اتّبعنا العلوم الدنيوية لتحليل المواد غاية استشعار السحر الجمالي الكامن بها و بالتّالي عدنا من حيث انتهى الآخرون و خلقنا عالما مادّيا غير أن الغرب يفهم تفاصيله و نحن نجهلها و نحاول بشتى الطرق إشباع متطلبات المادة و نهمل طلب الروح التي آمنا بها و لكن لم نعمل يوما لأجلها فعادت حتى تحليلاتنا للمسائل الدينية على هذا المعيار المخالف للأصل (الأصل هو الموازنة) فنشغل عن جمال الطبيعة بقبح الأرقام