المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رد شبهة حول حديث من تعزّى بعزاء الجاهلية



أبو لؤي التونسي
10-29-2010, 01:16 PM
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستهديه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيّئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له، ثم أما بعد:
الحديث:
عن أبي جميلة الأعرابي عن الحسن عن عُتي ابن ضمرة قال : رأيت أبيا وتعزى رجل بعزاء الجاهلية ، فأعضه ولم يكن ، قال : قد أرى الذي في أنفسكم إني لم أستطع إذ سمعتها أن لا أقولها ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه ولا تكنوا"

الراوي: أبي بن كعب المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - لصفحة أو الرقم: 269
خلاصة حكم المحدث: رجاله ثقات


شرحه:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة: ومعنى قوله (من تعزى بعزاء الجاهلية) يعنى يعتزى بعزواتهم وهي الانتساب إليهم في الدعوة مثل قوله يالقيس ياليمن ويالهلال ويالاسد فمن تعصب لأهل بلدته أو مذهبه أو طريقته أو قرابته أو لأصدقائه دون غيرهم كانت فيه شعبة من الجاهلية حتى يكون المؤمنون كما أمرهم الله تعالى معتصمين بحبله وكتابه وسنة رسوله فإن كتابهم واحد ودينهم واحد ونبيهم واحد وربهم إله واحد لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم واليه ترجعون. انتهى كلامه

رد الشبه حول الحديث:

قال المبطلون أن في الحديث تفحّش في الكلام فتزببوا قبل ان يتحصرموا، فبدءا عرف النّبي صلّى الله عليه و سلّم برفعة خلقه و سمو سريرته و قد زكّاه الله في خلقه في قوله: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُق عَظِيم .. فقبل البعثة كان يكنّى بالصادق الامين و تلك شهادة و كانت البعثة التي قال عنها النّبي صلّى الله عليه و سلّم: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .. و قرن النّبي صلّى الله عليه و سلّم الفلاح في الإختبار بسمو الأخلاق فقال عليه الصلاة و السلام: أكثر ما يدخل الناس الجنة، تقوى اللّه وحسن الخلق . و قال عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم: إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من شيءٍ أثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلقِ ، وإن الله يبغضُ الفاحش البذي.. و الحديث في فضائل المتخلّقين عديدة و كان لهذا أثر في أرض الواقع فلم يكن القول خلاف الفعل فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً. وكان يقولُ:" إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً"، متفق عليه. و قالت أمّنا عائشة رضي الله عنها عن خلق النّبي صلّى الله عليه و سلّم: كان خلقه القرآن..
و عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: ما مسستُ ديباجاً ولا حريراً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممتُ رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد خدمتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فلما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلتهُ: لم فعلتهُ؟ ولا لشيءٍ لم أفعلهُ: ألا فعلت كذا؟. متفق عليه... و الأحاديث كثيرة كثيرة فخلقه صلّى الله عليه و سلّم أثنى عليها الكافر و المؤمن وكل من عايشه شاهد و كل من قرأ السيرة النّبوية العطرة بعناية علم ذلك و بداهة هذا الحديث وجب حسن فهمه فالسقوط في اللغط قصد تشويه سيرة خور ما بعده خور و بحول الله نرد على العقول الخربة فنقول أن الحديث نفسه ليس فيه أي كلمة من فحش الكلام فقول أبي رضي الله عنه : كنا نؤمر إذا الرجل تعزّى بعزاء الجاهلية فأعِضّوه بِهَنِ أبيه ولا تَكْنُوا.. في الحديث جاء بلفظ هن و هي كـــــــــــــنايــــــة لشيء و لم يصرّح بذلك و قد قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث: و الهن بالتخفيف والتشديد كناية عن الشىء لا تذكره باسمه. وهذا لا عجب فقد قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءا من العذراء فى خدرها وكان إذا كره شيئا عرفناه فى وجهه.. فلم يناقض حياءه او خلقه الذي عرف به فلم يصرّح بالأمر و استعمل الكـــــــنــايــة خـــــــــــــــــــــاصة والأمر لا يتعلّـــــق بالحــــــــــدود و هي التي لا يقبل معها الكناية و إنّما التصريح و قد قال الشنقيطي في أضواء البيان: فانظر كيف سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك النداء « عزاء الجاهلية » وأمر ان يقال للداعي به «اعضض على هن أبيك» أي فرجه، وأن يصرح له بذلك ولا يعبر عنه بالكناية. فهذا يدل على شدة قبح هذا النداء، وشدة بغض النبي صلى الله عليه وسلم له.... واعلم أن رؤساء الدعاة إلى نحو هذه القومية العربية: أبو جهل، وأبو لهب، والوليد بن المغيرة، ونظراؤهم من رؤساء الكفرة. وقد بين تعالى تعصبهم لقوميتهم في آيات كثيرة. كقوله: قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا {المائدة: 104}، وقوله: قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا {البقرة: 170}، وأمثال ذلك من الآيات، انتهى كلامه.
نستخلص مما ذكر أن الحديث خال من اي فحش، لكن يقول البعض إن كان الحديث خال من فحش فهو يسمح به و يأمر الأتباع بالسب و جسّد ذلك في قول سيدنا أبي بكر الصدّيق رضوان الله عليه: أعضض بظر اللات... قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة: قال أهل العلم: يجوز التصريح باسم العورة للحاجة والمصلحة.انتهى كلامه... و بالتّالي أهل الأهواء جزّؤوا معنى السماح و لكن هل هذا السماح مطلق بلا ضوابط؟ قطعا لا فلا يكون إلا بعد الكلام الطيّب اللين فإن أبى المرء إلا العناد وكانت المسألة ضرورية لذكرها صارت مستوجبة كما أن المسألة تعود تقديرية فلو كان الجلد أو الحبس رادع لمن ظلم نفسه لكانت أحق من الإيذاء اللفظي زد أن هذا الإيذاء ليس هامشي و إنّما له معنى فمن تفاخر بأصله يذكّر بأصله الحقيقي فهو إيذاء كعقوبة (و هل هناك عقوبة لا تأذي؟) لردع (و هل هناك عقوبة لا تهدف لردع؟) و لتفكّر ... فالأمر بالعض أي لزوم و طبعا هذا أمر ليس فعليا و إنّما تذكير شديد اللهجة فالتحقير بعد المكابرة سلاح ناجع خاصة وأن المصلحة جماعية فالمكابر يعود عن غيّه و لا يحصل الشقاق العرقي بين أبناء الأمّة و كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: من العلماء من قال: إنَّ هذا يدل على جواز التصريح باسم العورة للحاجة والمصلحة.. و دليل أن الأمر لا يتعدّى إيذاء تذكيري إن صح التعبير فقول أبي بكر رضي الله عنه اعضض بظر اللات وكما تتعبر تصريح بذكر العورة فاللات صنم فهو مجرّد حجر و لا بظر له فالأمر عاد وهمي ولا حقيقة له فانتفت بذلك الشبهة، وحتى نتبين حسن تقدير المسألة هنا من قبل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فإن الأصنام في قريش نحتت على أشكال آدمية ليتعبد بها فاستعمل أبو بكر التحقير لهذه الأصنام حتى يذكر الطرف الآخر أن الآلهة لا ينبغي أن تكون لها عورة، فالعورة نقص والنقص محال عند الآلهة وهذا سبب وجيه لقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولربما سمعوه فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ حين ذكرهم في هذه الجزئية فهي مسألة تقديرية كما قلنا وحسب الحال ولا ينبغي إطلاقها أبدا.
فالأمر هنا واضح صريح أنه مسالة تقديرية فلكل مقام مقال و لكل حادث حديث فمثلا كما نؤمر بالإحسان للمسلمين رحماء بينهم نكون في معاقبة الزاني أشدّاء و لا تأخذنا فيهم رأفة في دين الله....فمن تعزّى على غيره و حقّر من شأن الآخر تقدير عقوبته التحقير من شأنه بإيذائه و هذا في نظرة ثاقبة ما هو إلا قصاص فكما آذى يؤذى.

و كما لا يجب إغفال أمر هــــــــــــــــــــــــــــام أن ما نجده في السيرة هو بلسان العرب فبعض من أقوالهم كانت دارجة لزجر لا لسب كقول ثكلتك أمّك فيقابل بقبح صنيعه بقبح القول لكن إذا بحثنا عن معنى ثكلتك أمّك لن تجد معنى واضح و هو فقط تعبير دارج يعرف به الرفض، وتستطيع أن تلتمس هذا الأمر في زماننا الحاضر فبعض الكلمات تعتبر منافية للأخلاق في دولة أو حتى مدينة في حين تجدها تقال بلا ريبة في مدينة أخرى فهي مسألة عرف ومسألة عادة ولو كان الحديث محل لريبة لذكرت من قبل المشركين وانتشرت.
إن الأمر قد يكون هيّن لبعض الجهلة و لكن غفل هؤلاء عن الأمر الإلهي بالتمسّك بالإسلام و شكر نعمة الله على التأليف بين القلوب فقد قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ... فليس من شكر النّعم التعزّي بعزاء الجاهلية و ليس من الإعتصام بحبل الله ترك الإسلام خلف الظهور و التناحر و التفاضل في سفه الأمور... و كلما عظم الأمر عظمت العقوبة فذنب كبير لا يمكن بحال أن تكون عقوبته هينة أو خلّ التوازن و رغم ذلك من حلم الإسلام أن العقوبة لا تكون إلا مع الإصرار و المكابرة.
إن فقهنا هذا المعني علمنا أن الحديث لا يناقض زجر النبي صلى الله عليه و سلّم عن السباب في قوله : سِباب الْمسلم فسوق وقتاله كفر.. أو قوله صلى الله عليه و سلّم: ليس المؤمن بطعان ولا بلعان ولا الفاحش البذئ.. و في هذا المقام استشهد بقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمة واسعة: فمتى ظلم المخاطب لم نكن مأمورين أن نجيبه بالتي هي أحسن.انتهى كلامه ..و أنقل: وعليه، فإن كان الموقف يستدعي التصريح بمثل هذا اللفظ إيثارا للمصلحة ودفعاً للمفسدة فلا حرج في ذلك، ولا تعارض بينه وبين نهي النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وأحمد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بطعان ولا بلعان ولا الفاحش البذئ. بدليل قوله تعالى: {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} (148) سورة النساء وأيضاً لو كان فيه مخالفة لنهاه النبي عن ذلك بل أقره وهو صلى الله عليه وسلم لا يقر على باطل.
نستخلص من الأمر أن المسألة هي قولة مقيّدة لا تقال إلا في ذاك الموقف دون غيرها و لا تقال إلا بعد تقدير الموقف أي إن كان يلمس من تغيير قد يطرأ على المرء إن قيلت في وجهه و هذا يعود لفراسة المرء وما تعارف عليه القوم فإن خشي السوء فلا يلفظ بالقول و هذا قد درّب عليه المسلم قبل فقد قال صلّى الله عليه و سلّم: يا أبا ذر ! كيف أنت إذا كنت في حثالة ؟ وشبك بين أصابعه ، قلت : يا رسول الله ! فما تأمرني ؟ قال : اصبر اصبر اصبر ، خالقوا الناس بأخلاقهم ، وخالفوهم في أعمالهم و قال صلّى الله عليه و سلّم: يا ابن عباس لا تحدث قوما حديثا لا تحتمله عقولهم. و قال صلى الله عليه و سلّم: عاتبوا أرقاءكم على قدر عقولهم. و بالتالي يكون المسلم بين خيار القول إن كان مستبعدا للمفسدة أو البحث عن باب آخر كقول يدل على قول يبلّغ ذات المعنى او اللجوء إلى ولي أمر المسلمين ومقاضاة الشخص لدرء الفتنة


من مدونة الرد الصارخ على الشبهات
http://radsar5.blogspot.com/2010/09/blog-post_20.html