المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فلسفة العدم و الإرادة في تفسير "الشر"



يحيى
11-11-2010, 09:20 PM
قال تعالى:
الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ () وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ () وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ () وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ () وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ () رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ.

لماذا لا نقرأ "و الذي يمرضني و يشفين"؟

هذا سؤال يطرح سؤال آخر عن الشر و فاعله و لمن يُنُسب؟ هل يُنسب لله و إذا أنسبناه لله فكيف نجمع بين هذا و صفات الله التي كلها صفات كمال؟

أعرف أن هناك إختلافات بين المتكلمين (المعتزلة مثلا) و الفلاسفة و الجمهور (الاشاعرة مثلا) في تفسير الشر من الناحية الأخلاقية و الانطولوجية, لكن ما قرأته حقيقة لبعض الباحثين كان مجرد إشارات و لم يصل لدرجة أن تكون رسالات كاملة توضح الفوارق الحقيقية بينهم. و لا أعرف كذلك الفروقات الجوهرية بين الكلاميين و الفلاسفة و أهل الحديث في الموضوع.

هنا أريد أن أطرح الموضوع في صيغة تساؤلات على أساس فلسفة (العدم) و (الإرادة).

العدميين ينكرون وجود أي قيمة في الوجود الخارجي, فلا خير و لا شر في الأشياء في ذاتها, ما نعتبره خير أو شر كالرحمة و الجمال و الضرر و العبث كلها أشياء ذاتية و ليست موضوعية و لا موضوعية ذاتية. (أنظر فلسفة نيتشه)

أما الملاحدة الماديين و هم أهل الإختزال و التحليل فيؤمنون أيضا بنفس الشيء -حتى لو لم يعترفوا بذلك بشكل صريح- لأن أي شيء تراه خيرا أو شرا ليس كذلك في الأساس. الصحة و السقم مثلا أشياء يمكن إختزالها في بنياتها الأساسية المادية التي تخضع لقوانينها فلا يكون هناك نظام و لا عبث, لا ظلم و لا عدل. (أنظر فلسفة دانيال دينيت)

هنا أطرح سؤال آخر و هو: هل للشر وجود انطلوجي حقيقي؟ هل يمكن أن تكون فلسفة العدم صحيحة في قضية الشر أي الشر من أنفسنا فقط؟ يعني هل كل شيء خير و ما نراه (من أنفسنا) شرا إنما هو في حقيقته لحكمة ربانية و هدفها الحقيقي خير؟ نحن نعرف أن وجودنا البشري العقلاني الحر إنما للعبادة و العبادة من عدمها يتوقف عليها جزاء أو عقاب, أي جنة أو نار, فهل يمكن أن تكون هناك رغبة في الجنة و عدم الرغبة في النار إن لم يكون هناك إحساس بالشر؟ و هل يمكن أصلا أن يكون هناك تكليف لو لم يكن هناك إحساس بالشر؟

نحن نحس بالشر (مع عدم وجوده الانطولوجي) لتتم حقيقة العبادة التكليفية, كما أننا نعتقد أن في الكرسي الذي نجلس عليه طبائع و أن فينا القوة عندما نقعد منه و أنه هناك بيننا سببية لتتم أيضا العبادة التكليفية مع أن الحقيقة أنه لا حول و لا قوة إلا بالله... لكن كما أرى أنا و فهمت, هنا وجود فرق بين إبن رشد و إبن تيمية من جهة و بين الجمهور من جهة أخرى, فشيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله يقول: [[ ومن الناس من ينكر القوى والطبائع كما هو قول أبي الحسن ومن اتبعه من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم وهؤلاء المنكرون للقوى والطبائع ينكرون الأسباب أيضا ويقولون : إن الله يفعل عندها لا بها فيقولون : إن الله لا يشبع بالخبز ولا يروي بالماء ولا ينبت الزرع بالماء بل يفعل عنده لا به (المصدر (http://www.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?ID=592&start=0&idfrom=980&idto=980&bookid=22&Hashiya=2)) ]].

فهل هناك فعلا شر و طبائع و علل و قوى في الأشياء أم أننا نتعود على ذلك و نستشعره ذاتيا فقط لتتم حقيقة العبادة التكليفية؟

كما فهمت أنا, و غير متأكد لكن لا بأس مادام الموضوع مطروح للنقاش و ليس فيه تقرير أي شيء, هناك أيضا فرق بين المسلمين في تفسير الوجود و ما يتميز به من خصائص و صفات. البعض يقول أن ما هو موجود مقتضى صفات الله, أي أن الوجود و ما فيه من خير مقتضى صفات الخلق و العدل و الرحمة, أما ما فيه من غير خير هو مقتضى العدل و القهر و الجبروت و التعذيب و كلاهما مقتضى الإرادة و الحكمة, بينما الآخرون يرون أنه إرداة الله فقط و ليس حتى مقتضى الإرادة بل الإرادة نفسها أي أن الخلق مثلا ليس مقتضى صفة الإرادة بل هي الإرادة عينها, و كما نعرف هذا طرح أيضا إشكاليات فلسفية لم تُحل في نظري -بسبب دخول أرض ليست بأرض العقل و لا النقل(1)- فمنهم من قال أن الله لم يزل و لا يزال بذاته و صفاته الفعلية فيثبتون مقتضيات هذه الصفات أزلا فالله لم يزل خالقا حيث ان هنا الفرق بينهم و بين الفلاسفة يكمن في إثبات المخلوقات كل مخلوق سبقه عدمه أما الفلاسفة فلا يرون أن العالم يسبقه عدم, في حين أن الآخرين يقولون أن الله خلق الخلق بإرادة أزلية و هنا إشكالية أخرى فإذا كان بين وجود الله الخالق و المخلوق أزل فهذا يؤدي لاستحالة التسلسل كما يؤدي إلى إثبات وجود الزمن الأزلي أيضا فتثبت وجود قديمين و إن لم يكن هناك زمان قبل الخلق فإن المخلوق لم يسبقه عدم, و نفس الشيء في تسلسل الحوادث إلى ما لا نهاية كل حادث سبقه عدم إذ تضع هذه الحوادث في سلسلة زمنية و إلا لا معنى لقبل و بعد نهائيا.

المهم أن الإرادة تختلف عن المشيئة فإذا لاحظت في القرآن أن الإرادة تأتي غير ما تأتي فيه المشئية فالمشئية تأتي مع الفعل و الشيء, أليس هو كذلك؟

ما الإرادة و هل يمكن أن تكون هناك إرادة إن لم يكن هناك إختيار في الفعل بين أشياء متنوعة؟
أرى أن الله خلق الخلق فوضع فيه الخلق صفات يمتاز بها كالوجود أي الثبات بأبعاد منها ما نعرف و منها ما لا نعرف قد يصل إلى ما لانهاية من الأبعاد, فالإرادة إذن تكون بإيجاد خاصية (أ) في الوجود (ب) و عدم إتصاف (ب) بــ (أ) لا يعني إتصاف (ب) بعكس (أ) و إنما يعني عدم (أ). مثلا يعطي الله صفة الرحمة للبقرة و هذه إرادة الله في إيجاد البقرة و إعطائها صفة الرحمة, فإن قامت البقرة بحفظ عجلها و تنظيفه و تغذيته نقول الله فعل, لكن ماذا إن قامت البقرة بتجويع إبنها و إهماله و ربما ركضه؟ هل نقول الله فعل؟ لا نقول الله فعل بل الله لم يفعل و هذه هي الإرادة عينها فلا تكون الإرادة إلا إذا حصل هذا.

هل يمكن أن تكون هناك إرادة إن لم يكن الفعل و عدم الفعل؟

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



____
(1) مرة اتصل بي استاذ جامعي (و هو شكوكي) على منتدى أوروبي أشترك فيه و سألني "هل أنت فعلا تعتقد أنك تحاور هنا ملاحدة؟". قلت لهم نعم, و من هم هؤلاء إذن؟ قال لي هم ليسوا ملاحدة و إنما مستلحدين فالملحد شخص عبقري و مفكر إلى أقصى الحدود حتى وصل إلى درجة أنه أدخل عقله فيما هو ليس في ميدان العقل فكانت النتيجة عكسيا أنه وقع في اللاعقلية و هي الإلحاد, أما الشخص المؤمن فلا يقع في اللاعقلية و إنما في الإستسلام. هؤلاء الذين تحاورهم لم يظهر منهم إلى حد الآن شخص عبقري يمكن أن نقول أنه وصل إلى درجة من التفكير العقلاني بحيث خرج بتفكيره من ميدان العقل.

Mahmoud Muhammad
11-11-2010, 09:43 PM
الملحد شخص متكبر ومتعجرف تعجبه نفسه وليس عبقريا
بالمناسبة لا يوجد شىء إسمه ملحد بمعنى انه على يقين من عدم وجود إله
بل الملاحدة متشككون فى وجود الله بدليل قوله تعالى : وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون .