المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المنهج ... حقيقته وكنهه !!



د . عبدالباقى السيد
11-18-2010, 05:43 PM
حيا الله الأحبة
بداية وحتى نشعر باننا نؤدى بعض ما علينا لإسلامنا ولمنهجنا ووجهتنا وطريقتنا
كلمة المنهج ماذا يعنى بها المسلم ؟
وماذا يعنى بها كل من يرددها ؟
كثيرا ما نسمع المنهج الظاهرى !!!
فلان ليس عنده منهجية!!!
هذا لا يمتلك آلية المنهج المنضبط !!!
الظاهرية ليست مذهبا بل هى منهج !!
ظننت أن الجميع ممن يرددون هذه الكلمة يعون كنهها وحقيقتها ، ولكن خاب ظنى لاحقا عندما استمعت وقرأت للبعض فوجدت من يردد هذه الكلمة أبعد ما يكونون عن معناها الأصيل إلا ما رحم ربى .
بعض من يشتهون الشهرة تراهم يقولون منهجنا الذى درج عليه الأوائل ، وهو لا يعى ما المنهج ؟
ومن هم الأوائل اصلا ؟
وهكذا سيطرت الكلمة على قطاع عريض من النخب المثقفة بل ومن أنصاف المثقفين ، ومن أدعياء العلم والثقافة ، وكل يدعى وصلا بليلى .

المنهج يا سادة فى اللغة العربية وفى نظائرها من اللغات الأوربية كلمة مشتقة من كلمة يونانية كان أفلاطون يستخدمها بمعنى البحث أو النظر أو المعرفة ، ومعناها فى الأصل الطريق والخطة .
فالمنهج هو الطريقة والوجهة التى يسلكها من يعمل فى أى حقل من الحقول العلمية تجريبية كانت أو نظرية .
والمنهج قديما كان واضحا ليس فى حاجة لإبراز معناه ، ولكن نظرا لتقادم الزمان وبعد الناس عن الطريق القويم فى التحصيل ، وجدنا من يطنطن حول المنهج ولا يعرف معناه .
ولذا خرج علينا من ليسوا بمسلمين ليعلمونا حقيقة المنهج الذى ما علموا كنهه وحقيقته إلا بالوقوف على تراثنا الإسلامى الاصيل ، وإنما هى بضاعتنا ردت إلينا .
فهذاديكارت الذى راح يحرض الناس على ضرورة استخدام المنهج وإظهار قيمته نراه يفوه بالآتى : " خير للإنسان أن يعدل عن التماس الحقيقة من أن يحاول ذلك من غير منهج"

ثم راينا تعريفات للمنهج استحدثت فى عصر النهضة مفادها أن المنهج " طائفة من القواعد العامة التى تنظم المعلومات والأفكار من أجل الوصول إلى الحقيقة العلمية "
وفى الواقع إن وضع القواعد لدراسة علم ما هو مظهر من مظاهر الاستناد إلى علم المنطق ، إذ نلاحظ أن قواعد علم المنطق الاساسية التصور والبرهان والمنهج .

ومن ثم يمكننا ان نقول إن المنهج هو " فن التنظيم الصحيح لسلسة من الأفكار العديدة من أجل الكشف عن الحقيقة حين نكون بها جاهلين ، أو البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها عارفين ".

ولقد بزت فى عصرنا الحديث وقبله بفترة وجيزة صياغة لعدة مناهج وهى :
1- المنهج الاستدلالى أو الرياضى ، وهى منهج يستخدم فى العلوم الرياضية ، ويقوم على البرهان .
2- المنهج التجريبى ن وهو خاص بالعلوم الطبيعية ، ويقوم على الملاحة والتجربة ، ومن أوائل من نبه عليه فى حضارتنا الإسلامية هو جابر بن حيان.
3- المنهج الاستردادى المستخدم فى العلوم الإنسانية ، ومنها التاريخ ، ويقوم استرداد الماضى وإعادة تكوينه .

ولا شك ان من يقرا هذا الكلام سيبادر بالسؤال :
وأين المنهج الذى نستخدمه فى الشريعة الإسلامية ؟
اين منهج السادة الظاهرية؟
أين منهج دعاة السلفية ؟
أين منهج من يزعم التجديد والإبداع فى العلوم الشرعية ؟

فأقول له : إن هذه المناهج الثلاثة السابقة كانت لها أصول فى حضارتنا وتاريخنا الإسلامى ن وهى اصلا مقتبسة من موروثنا الثقافى والفكرى والحضارى ، ولكن عندما صاغها الغرب أرادها لغير علوم الشريعة ن فراح يوجهها وجهة خاصة ، هذا المنهج لعلوم كذا ، وهذا لكذا .
ومن ثم رأينا بعض من غفل عن حقيقة العلم راح يردد على جهالة " إن علوم الشريعة لا منهج لها اصلا "
فاتخذ من هذه المناهج المصاغة حجة على الإسلام والشريعة ، وحقيقة الأمر التى تناسها من وضع هذه المناهج وسار على دربهم من المستشرقين والمتغربين أن علوم الشريعة تقوم على نفس هذه المناهج السابقة .

فالاحكام الشرعية إنما تقوم على الديل والبرهان قال تعالى " قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" وهذا هو أصل عمل المنهج الاستدلالى الذى خصصوه لعلوم الرياضيات .
كما أن العلوم الشرعية واستنباط الأحكام من أدلتها فى حاجة لملاحظة سياقات اللغة ومراميها ، والتدقيق فى الروايات واخيبار صحيحها من سقيمها .
وأخيرا فإن المنهج الاستردادى معمول به أيضا فى علوم الشريعة إذ إن هناك من الفتاوى والروايات ما لابد من التحقق من أصلها ومدى صحتها ، وذلك لنخرج بحكم صحيح قائم على رواية صيحة لا مغمز فيها ، ومن ثم نعود للماضى نحاور الروايات ونقارن بينها لنخلص بالحكم الصحيح .

فالمنهج يا سادة -تلكم الكلمة- كى تقفوا على حقيقتها ، لابد ان تعرفوا أنها تقوم على آليتين .
الأولى : آلية جمع المادة العلمية من مظانها ومصادرها الاصلية ، ثم تصنيف ما تم جمعه ، ثم تمحيصه تمحيصا دقيقا للكشف عن ما هو صحيح ممن هو مزيف .
الثانية : ترتيب هذا المجموع بعد فحصه وتمحيصه ، وذلك باستخدام الحجج والبراهين ، فضلا عن إعمال العقل .

فهاتان آليتان جليتان لكل من يتشدق بكلمة المنهج والمنهجية ، فمن وعاهما وعمل بمقتضاهما كان على طريق قويم أى على المنهج الصحيح الذى بدانا هذه المقالة لأجله .
وهذا الذى فصلناه آنفا إنما هو الاصل الذى دعانا إليه ربنا فى محكم التنزيل .
فقال ربنا مستنفر هممنا وداعيا المؤمنين بالتثبت " إن جاءكم فاسق بنا فتبينوا"
فهذا تحريض للتحري والتحقق والتدقيق فى كل مسألة .
ثم امرنا بالدليل والبرهان فقال تعالى "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"
ثم دعانا للعمل بالمظان التى لاشك فيها ولا لبس فقال " فإن تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول .." الآية .

يتبع إن شاء الله مع تفصيل حول مناهج العلوم المختلفة ، وآلية كل علم فى تطبيق المنهج .
ودمتم بخير .