المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رد الشيخ الدكتور الحسن العلمي على الافتراءات الظالمة على عائشة رضي ال



أبو سلمى المغربي
12-16-2010, 09:06 PM
كشف اللثام عن أباطيل مقال صحيفة الأيام في حق الصحابة الكرام

أ.د أبو جميل الحسن العلميعضو المجلس العلمي- القنيطرة

طالعتنا صحيفة الايام المغربية في عددها 448 بتاريخ 28 أكتوبر 2010 بمقال تحت عنوان "عائشة : الحياة المثيرة ﻷشهر زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم" أعده أحمد أمشكح، وقد ألفيته مقالا مليئا بالأكاذيب وروايات الزور والبهتان في اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالتحريض على قتل عثمان رضي الله عنه، وأن أخاها محمد بن أبي بكر هو الذي قتله برمح رماه به، وأنها جهزت جيشا عظيما وخرجت إلى البصرة للانتقام من علي رضي الله عنه وقتاله في معركة الجمل، لما كان في نفسها من غيظ تجاه علي الذي أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بتطليقها كما زعم صاحب المقال إثر حادثة الإفك . وأنها قادت حربا خفية بين علي ومعاوية ، ولما بلغها مقتل علي رضي الله عنه على يد عبد الرحمن بن ملجم، سجدت لله شكرا، اعتمادا على روايات المبطلين وضعفاء الإخباريين والمؤرخين الروافض التي روج لها أحبار الشيعة نقلا عن أسلافهم.
ضجة إعلامية متزامنة مع حملة الشيعة على الصحابة

وقد سبق لصحيفة الأيام أن نشرت في عددها 442 بتاريخ 16ـ22 شتنبر 2010 مقالا من هذا القبيل، ملأه صاحبه بعجائب ظاهرة العوار، في مسألة إحراق المصاحف زمن عثمان رضي الله عنه في عمود (أول الحكاية)، بعنوان:كيف أحرق عثمان بن عفان القرآن ـ على هامش التهديد الذي أطلقه القس الامريكي بشأن دستور المسلمين)، وقد تولى الرد على هذا المقال أحد الباحثين يعرف بشعيب الدكالي في منتدى "الملتقى المغربي للقرآن الكريم" بمقال تحت عنوان "جريدة الايام، نافذة شيعية أم أخطاء مطبعية؟ دفاعا عن عثمان رضي الله عنه” فجزاه الله خير الجزاء.
ثم طالعتنا الصحيفة هذه الأيام بهذا الغثاء الحائل تحت مظلة الإثارة الإعلامية والبحث التاريخي، ولسنا ندري ما سر هذا الاهتمام بالنبش في تاريخ الصحابة في هذه الأيام?! بعناوين ظاهرها البحث العلمي وباطنها بث السموم والشبه والأكاذيب التاريخية المغرضة الرائجة في روايات المؤرخين الشيعة لعلها تجد لها رواجا في أوساط العوام وبعض المثقفين المغترين بمثل هذه الأساطير مع ضعف البصر بصناعة نقد الآثار التي قل من يحسنها اليوم من أبناء المسلمين .
وذلك في وقت تعالت فيها صيحات الحاقدين على الصحابة من سدنة حضارة بني ساسان، وأحبار الشيعةالذين جعلوا القرآن والسنة عضين ، واتخذوا نصوصهما المصرحة بعدالة الصحابة وراءهم ظهريا، وصاروا يرمونهم بالعظائم، ويتهمون سادات الخلفاء وزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها بما تشيب له الولدان عجبا!! من رميها بالزنا، رغم نزول القرآن ببراءتها من فوق سبع سماوات، وأنها من أهل النار كما زعم الملا الرافضي ياسر الحبيب في محاضرة عنوانها "عائشة في النار” صال فيها دون حياء ، بأدلة باردة جوفاء وأقسم الأيمان المغلظة على أن عائشة الآن تعذب في نار جهنم . بدعوى أنها كانت تشتم النساء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها "لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ"1وأنها هي التي سمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلته، وأنها قاتلت الإمام علي المعصوم عند الشيعة فأوجب لها ذلك دخول النار!!.
ولما استنكر علماء السنة هذه الحملة المسعورة، وثارت ضجة إعلامية في البلدان الإسلامية دفاعا عن أم المؤمنين زعمت وسائل الإعلام الشيعية أن المرشد الأعلى للثورة علي خامنائي أفتى بتحريم الإساءة ﻷمهات المؤمنين، ورموز أهل السنة، مع أنه لم ير أحد من علماء الأمة هذه الفتوى ، وإنما هي خديعة سياسية وإعلامية لذر الرماد في العيون وامتصاص غضب أهل السنة، وإلا فسيكون ذلك ردة من المرشد الأعلى عن مذهب الرافضة.
إنما آفة الأخبار رواتها

وآفة صاحبنا كاتب المقال الاغترار بنقول الإخباريين وزخارف المؤرخين الشيعة التي وجدت لها مداخل إلى كتب المؤرخين أمام تساهلهم في النقل، وعدم تشددهم في الرجال والأسانيد كما هو الشأن عند أئمة الحديث.
ومع تقدم العصور ، لجأ بعض المؤرخين إلى التخلص من منهج النقل بالأسانيد لطولها وتشعبها واختاروا منهج الترسل في الكتابة التاريخية، وركب ذلك المغرضون فتصرفوا في الأخبار، وخلطوا الحق بالباطل ، وشوهوا كثيرا من حقائق التاريخ، كما نبه إلى ذلك المؤرخ الناقد شمس الدين السخاوي حيث قال : «وبالجملة فالمؤرخون كغيرهم من سائر المصنفين في كلامهم الخمير والعفين ، والسعيد من عدت غلطاته واشتدت سقطاته .. نعم قد ظهر كثير من الخلل ، وانتشر من المناكير ما اشتمل على أقبح العلل ، حيث انتدب لهذا الفن الشريف من اشتمل على التحريف والتصحيف ، لعدم إتقانهم شروط الرواية والنقل ، وائتمانهم من لا يوصف بأمانة ولا عقل ، بل صاروا يكتبون السمين مع الهزيل ، والمكين مع المزلزل العليل »2
ثم استمر ذلك التشويه في العصر الحديث ، بعد أن تسور علم التاريخ من لم يشم له رائحة ، وتصدى للكتابة في تاريخ أعلام الصحابة وعلماء الأمة والخلفاء والأمراء الفاتحين االمجاهدين طائفة لا صلة لهم بعلوم الإسلام ، ولا معرفة لهم بشروط النقل والرواية ، وغالب ثقافتهم عن الإسلام وأهله ما اتصل سنده بمؤلفات التائهين من الإخباريين والقصاص، و المستشرقين وغيرهم فإن راموا الأصالة رجعوا إلى مصادر تاريخية لم يتحر أصحابها في النقل ، ونقلوا الأخبار على علاتها ، وقالوا لنا : هذا تاريخكم الإسلامي ، وبذلك عم الفساد ، ودخل سيل من التحريف والكذب مجال التاريخ الإسلامي ، صار يلقن لطلبة العلم والناشئين من أبناء المسلمين في المدارس والجامعات على أنه تاريخ الأمة وفكرها. وقديما قال شاعر المعرة :
هل صح قول من الحاكي فنقبله أم كل ذاك أباطيل وأسمارُ
أما العقول فآلت أنه كذب و العقل غرس له بالصدق إثمار
من تكلم في غير صناعته أتى بالعجائب

إن البحث في مجال التاريخ والأخبار علم صلف لا يسلس قياده لكل أحد، ومن تسوره بغير عدة أتى بالعجائب والغرائب التي يضحك منها الصبيان، وتلك آفة كثير من الكتاب الصحفيين والروائيين والأدباء المعاصرين الذين يهجمون على الكتابة في مجال التاريخ الإسلامي، دون إحكام لقواعد علم الرواية وتخريج الآثار، وغربلتها ونخلها قبل التنظير وبناء الأحكام عليها . وقد أُثر بين علماء الأمة “إن كنت ناقلا فالصحة أو مدعيا فالدليل”. وصاحبنا لم يكلف نفسه عناء البحث العلمي الرصين، بل ألفيته يقمش روايات وأساطير مزرية بمقام الصحابة رضي الله عنهم من كتب الوراقين ومؤلفات الكذابين الشيعة ككتاب "شرح نهج البلاغة” لابن أبي الحديد، حشرها في هذا المقال دون أدنى روية أو تأن من أجل التمحيص والنقد العلمي .
ومن غابت الأخبار عنه وكان دينه دين الإمامة قال بالأوهام
ومادة صاحبنا في هذا المقال أساطير الشيعة الروافض، وشبه مستقاة من مراجع لا يوثق بها في نقل أخبار التاريخ الإسلامي لاسيما تاريخ الصحابة، علاوة على الضعف العلمي الظاهر الذي أوقعه في العجائب ، ومن ذلك :
قول صاحبنا : “زد على ذلك أن مصحف زيد بن ثابت كان على العموم خاليا من التحريف” 3 وهذا لا يقوله عاقل يؤمن بحفظ الله للقرآن، ﻷن عبارة على العموم توحي بوجود شيء من التحريف دسه الصحابة وتسرب إلى المصحف العثماني، كما يدعيه المغرضون من الشيعة4.

- كما ألفيته يستدل بالأحاديث الموضوعة ، والآثار المكذوبة التي يمتح فيها من كتب الوراقين والكذابين كشرح نهج البلاغة وغيره، حيث قال “ وخصوصا وأن الرسول قال في أكثر من حديث : خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء” وهو حديث موضوع وسنده مقطوع. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " لا أعرف له إسنادا ولا رأيته في شيء من كتب الحديث إلا في النهاية لابن الأثير ذكره في مادة ح م ر ولم يذكر من خرجه ورأيته في الفردوس بغير لفظه وذكره عن أنس بغير إسناد بلفظ خذوا ثلث دينكم من بيت الحميراء " 5.
وقال ابن القيم -رحمه الله :"وكل حديث فيه "يا حميراء" أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق مثل : يا حميراء لا تأكلي الطين فإنه يورث كذا وكذا وحديث : (خذوا شطر دينكم عن الحميراء) 6.
وهكذا تتبع صاحبنا أكاذيب الروافض وشببهم الشائعة في ذم عائشة رضي الله عنها، وبثها في هذا المقال في صحيفة سيارة يقرأها الخاص والعام، بحيث لو تخابثت شيعة إيران ولبنان وتحايلوا لبث مثل هذه الشبه والسخافات في منبر إعلامي مغربي كما هو ديدنهم في سائر البلاد الإسلامية ضمن خطة تصدير الفكر الشيعي لما وجدوا حيلة وسيلة أحسن من هذه المقالات التي تنشر بأقلام محسوبة على أهل السنة حتى يكون الاغترار بها أبلغ وتأثيرها في نفوس العوام أوقع.
فرية مطالبة عائشة وحفصة بميراثهما زمن عثمان

زعم صاحبنا أن سبب غضب عائشة وتحريضها على قتل عثمان كان بسبب منعها من ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن عثمان، ونقل عن ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قوله “جاءت عائشة وحفصة ودخلتا على عثمان أيام خلافته وطلبتا منه أن يقسم لهما إرثهما من رسول الله صلى الله عليه وآله. وكان عثمان متكئا فاستوى جالسا وقال لعائشة: أنت وهذه الجالسة جئتما بأعرابي يتطهر ببوله وشهدتما أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: نحن معشر الانبياء لا نورث فإذا كان الرسول حقيقة لا يورث فماذا تطلبان بعد هذا، وإذا كان الرسول يورث لماذا منعتم فاطمة حقها ؟ فخرجت من عنده غاضبة وقالت: أقتلوا نعثلا فقد كفر”7.
وهذا كذب صراح، إذ لم يثبت تاريخيا أن عائشة وحفصة طالبتا بميراثهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كانتا على علم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم “ نحن معشر الانبياء لا نورث ”.
وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد كتاب لا يوثق به في نقل أخبار التاريخ الإسلامي ﻷن صاحبه رافضي كذاب ومتلون يميل مع كل ريح، وأصل الكتاب مكذوب على الإمام علي رضي الله عنه، مما وضعته الشيعة ونسبوه إليه رضي الله عنه. وإلا فليورد لنا الكاتب إسنادا صحيحا لهذه القصة، فإن هذا العلم مسلسل بالأسانيد، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء.
وكيف يُظن بفقية نساء العالمين وأحد المكثرات من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن تجهل هذا، أو تتجرأ على المطالبة بميراثها، وقد سبق لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن طالبت بميراثها زمن أبي بكر رضي الله عنه فذكرها بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في أن الأنبياء لا يورثون، ولو كان لنساء النبي صلى الله عليه وسلم حق في الميراث، لطالبن به زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولم تتأخر عائشة وحفصة في المطالبة بميراثهما إلى زمن عثمان، بناء على خبر ابن أبي الحديد الرافضي المعتزلي، وقد عُلم “أن الرافضة أكذب الطوائف في الإسلام”.
فرية تحريض عائشة رضي الله عنها على قتل عثمان

زعم صاحب المقال أن إحراق عثمان للمصاحف كان سبب غضب عائشة رضي الله عنها وتحريضها على قتل عثمان ، حيث قال “وستصف عائشة زوجة النبي خطوة الإحراق بغير السديدة، وتقول قولتها الشهيرة في ما اعتبره الدارسون لتاريخ الإسلام تحريضا على مقتل عثمان بن عفان : اقتلوا نعثلا فقد فجر، اقتلوا نعثلا فقد كفر”8
وهذه فرية حاكها المؤرخون الشيعة، بناء على ما كان يطلقه رؤوس الفتنة على عثمان ، قال ابن الأثير في النهاية “كان أعداء عثمان يسمّونه نَعْثَلا تشبيها برجل من مِصر ، كان طويل اللحية اسمُه نَعْثَل‏.‏وقيل‏:‏ النَّعْثَل‏:‏ الشيخ الأحْمَقُ وذَكَرُ الضِباع‏‏” (النهاية في غريب الحديث5 \79 )
وقد ساقها الطبري من طريق نصر بن مزاحم الرافضي الوضاع ،عن سيف بن عمر التميمي الكذاب ، و قال الطبري : كتب إلي علي بن أحمد بن الحسن العجلي ان الحسين بن نصر العطار قال حدثنا أبي نصر بن مزاحم العطار قال حدثنا سيف بن عمر عن محمد بن نويرة وطلحة بن الأعلم الحنفي قال وحدثنا عمر بن سعد عن أسد بن عبد الله عمن أدرك من أهل العلم أن عائشة رضي الله عنها “لما انتهت إلى سرف (9)راجعة في طريقها إلى مكة لقيها عبد بن أم كلاب وهو عبد بن أبي سلمة ينسب إلى أمه فقالت له مهيم قال قتلوا عثمان رضي الله عنه فمكثوا ثمانيا قالت ثم صنعوا ماذا قال أخذها أهل المدينة بالاجتماع فجازت بهم الأمور إلى خير مجاز اجتمعوا على علي بن أبي طالب فقالت والله ليت ان هذه انطبقت على هذه إن تم الامر لصاحبك ردوني ردوني فانصرفت إلى مكة وهي تقول قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه فقال لها ابن أم كلاب ولم فوالله إن أول من أمال حرفه لانت ولقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولي الأخير خير من قولي الأول فقال لها ابن أم كلاب :
فمنك البداء ومـنك الغير * ومنك الرياحومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لـــــــنا إنهقد كفر
فهبنا أطعناك في قتله * وقاتلهعنــــدنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكـــسف شمسنا والقمر
فانصرفت إلى مكة فنزلت على باب المسجد فقصدت للحجر فسترت واجتمع إليها الناس فقالت يا أيها الناس إن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما ووالله لأطلبن بدمه 10،
وهي رواية واهية إسنادها مظلم، فنصر بن مزاحم الرافضي كذاب ، قال فيه العقيلـي “كان يذهب إلى التشيع وفي حـديثه اضطراب وخطأ كثـير” 11 وقال الذهـبي “رافضي جـلد، تركوه وقال أبو خيثمة: كان كذابـاً، وقـال أبو حاتم: واهي الحديث، متروك، وقال الدارقطني: ضعيف”12 وقال الجوزجاني: كان نصر زائغاً عن الحق مائلاً، .. وقال الحافظ أبو الفتح محمد بن الحسين: نصر بن مزاحم غال في مذهبه”13
وسيف بن عمر كذاب، قال فيه ا بن معين، وابن أبي حاتم : ضعيف الحديث ، وقال النسائي : كذاب ، وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات، وقال الدارقطني : متروك، وقال ابن عدّي : عامّة حديثه منكر 14 .
وعلى ذلك فهذه رواية لا يعول عليها ولا يلتفت إليها علاوة على مخالفتها للروايات الصحيحة المناقضة لها. وهذا الكلام السجع أعرض عنه أعلام المؤرخين من أئمة الحديث، لأنه مناقض لصريح قول الله تعالى: محمد رسول الله، والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم (15). وليس من الرحمة والرضوان أن يكفر الصحابة بعضهم بعضا، ويتنابزوا بأبشع الألقاب، فتشبه عائشة عثمان رضي الله عنه بذكر الضباع .وتسمية عثمان بنعثل لم يُعرف إلا على ألسنة قتلة عثمان رضي الله عنه، وأول من سماه بها جبلة بن عمرو الساعدي 16.
وقد بين الحافظ ابن كثير أن ما يرويه المؤرخون من تحريض عائشة للناس على قتل عثمان باطل مدسوس عليها، حيث قال: « قال أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة عن مسروق قال: قالت عائشة حين قتل عثمان: تركتموه كالثوب النقي من الدنس ثم قتلتموه؟ فقال مسروق هذا عملك: أنت كتبت إلى الناس تأمرينهم أن يخرجوا إليه، فقالت: لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا، قال الأعمش: فكانوا يرون أنه كتب على لسانها، قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح إليها، وفي هذا وأمثاله دلالة ظاهرة على أن هؤلاء الخوارج قبحهم الله زوروا كتبا على لسان الصحابة إلى الآفاق يحرضونهم على قتال عثمان (17).
محمد بن أبي بكر بريء من دم عثمان رضي الله عنهما

زعم صاحبنا أن محمدا بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه هو الذي قتل عثمان، حيث قال: “كما حاصروه أربيعين يوما ليصيبه محمد بن أبي بكر، أخ عائشة بحربة أردته قتيلا”18
ومحمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان من صغار الصحابة ولد عام حجة الوداع، وترعرع في حجر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لأنه كان تزوج أمه. وقد خرج على عثمان يطلب ولاية مصر فولاه عليها أول الأمر؛ حقناً للدماء، وتسكيناً للدهماء، وإخماداً للفتنة. وقد صح عند المؤرخين أنه كان ممن اغتر بشائعات الثوار من أعراب الأمصار فثار على الخليفة عثمان وكان مع من حاصروه ودخلوا عليه يوم الدار وأخذ بلحيته، فوعظه عثمان فا ستحيى وندم وتخلى عن الحصار واعتزل الثوار.
وقد سئل سالم عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن محمد بن أبي بكر: "ما دعاه إلى ركوب عثمان؟ فقال: الغضب والطمع، قيل: ما الغضب والطمع؟ قال: كان من الإسلام بالمكان الذي هو به، وغَرَّه أقوام فطمع، وكانت له دالة فلزمه حق، فأخذه عثمان من ظهره ولم يداهن، فاجتمع هذا إلى هذا، فصار مذمماً بعد أن كان محمداً"19.
وقال ابن عبد البر: وقيل إن محمدًا شارك في دم عثمان، رضي الله عنه، وقد نفى جماعة من أهل العلم والخير أنه شارك في دمه، وأنه لما قال عثمان، رضي الله عنه: (لو رآك أبوك لم يرض هذا المقام منك). فخرج عنه وتركه، ثم دخل عليه من قتله، كما نقل عن كنانة مولى صفية بنت حيي، رضي الله عنها، وكان ممن شهد يوم الدار- أنه لم ينل محمد بن أبي بكر من دم عثمان، رضي الله عنه، بشيء”20
وقال ابن كثير: “ وروى سعيد بن المسيب: أن محمد أبي بكر دخل على عثمان فأخذ بلحيته، فقال له عثمان - رضي الله عنه -: أما والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني، فتراخت يده"(21). فاستحيا محمد من قوله، وأفاق من سكرته، وظهر له خطؤه، فتذمم من ذلك، وغطى وجهه حياءً، ورجع وحاجز دون عثمان يحميه فلم يفد ذلك؛ لأنه كان بعد فوات الأوان، وتمكن أهل الفتنة والأهواء” 22.
و لو كان محمد بن أبي بكر ممن شارك في قتل عثمان ﻷخذه علي رضي الله عنه بجريرته، ولم يجرؤ على تقريبه منه، إذ لا يُظن بعلي رضي الله عنه أن يتخذه في جنده وعماله لو كان باء بمقتل عثمان كما زعم المغرضون، وقد ولاه على مصر في خلافته رضي الله عنه ، ولم يكن حازما في أمره فغلبه أهل مصر على أمره وانفض عسكره من حوله ومات بمصر عام 38 هـ.
وكان الذي تولى كبر قتل عثمان رضي الله عنه رأس الثوار "الغافقي بن حرب المصري أمير الحملة، ومعه وكنانة بن بشر التجيبي، وسودان بن حمران، وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وحكيم بن جبلة البصري، ومالك بن الحارث الأشتر “ قال الطبري : “ثم لما أقنعهم الشيطان بالجرأة على الجناية الكبرى كان الغافقي أحد المجترئين عليه وضربه بحديدة معه وضرب المصحف برجله فاستدار 23. ثم أجهز عليه كنانة بن بشر التجيبي بنصل ، قال محمد بن الحارث بن هشام المخزومي المدني ت سنة 43 قال : "الذي قتل أمير المؤمنين عثمان هو كنانة بن بشر بن عتاب التجيبى" 24.
دعوى خروج عائشة لقتال علي رضي الله عنهما في معركة الجمل

وهي فرية مثل أختها روجها الإخباريون، حيث وضعوا في روايات أحداث موقعة الجمل كثيرا من الأباطيل ، منها أن طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم جندوا جيشا عرمرما، وخرجوا طلبا للفتنة وتخذيل الناس عن علي الذي استأثر بالخلافة دونهم .
فقد ذكر ابن الأثير أنهم خرجوا إلى البصرة واستولوا عليها وبايعهم الناس فطلبوا محاربة علي ، قال الأثير :"وبايع أهل البصرة طلحة والزبير فلما بايعوها ، قال الزبير : ألا ألف فارس أسير بهم إلى علي أقتله بياتا أو صباحا قبل أن يصل إلينا ، فلم يجبه أحد ، فقال : إن هذه للفتنة التي كنا نحدث عنها"(25).
وروى الطبري من طريق أبي مخنف أن عائشة أرسلت إلى أهل البصرة تأمرهم بالخروج على علي رضي الله عنه والرواية عن مجالد بن سعيد قال :"لما قدمت عائشة رضي الله عنها البصرة كتبت إلى زيد بن صوحان : من عائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابنها الخالص زيد بن صوحان ، أما بعد : فإذا أتاك كتابي هذا فاقدم فانصرنا على أمرنا هذا ، فإن لم تفعل فخذل الناس عن علي"(26).
وجاء المفلسون في علم الرواية ممن لا يحسنون إلا الصياح والنعيق بالأخبار الباطلة وقالوا : “إن عائشة خرجت ابتداء لحرب علي لما كان بينهما من الأحقاد القديمة لأنها سمعت قول علي للنبي صلى الله عليه وسلم "النساء غيرها كثيرات" في حادثة الإفك ، ولأنها كانت تريد الخلافة لأخيها محمد ، وناصرها طلحة والزبير لكونهما لم يبايعا عليا طمعا في الخلافة(27). وهي الفرية التي رددها صاحب المقال.
وقد أجاب المحدثون عن هذه الترهات والأباطيل وأثبتوا بصحيح الأسانيد ا أن طلحة والزبير قد بايعا عليا ورضيا بخلافته ، وأنهما إنما خرجا مع عائشة إلى البصرة للمطالبة بدم عثمان والصلح بين المسلمين ، فقد نقل ابن حجر عن المؤرخ الثقة عمر بن شبة ما رواه في كتابه "أخبار البصرة" عن معركة الجمل ، وذكر أنه أخرج من طريق المغيرة عن إبراهيم عن علقمة قال : "قال الأشتر رأيت طلحة والزبير بايعا عليا طائعين غير مكرهين"(28).
وفند ابن حجر أباطيل المؤرخين الشيعة الذين أرادوا إظهار علي رضي الله عنه في صورة المظلوم الذي اصطدم بفتنة الناقمين عليه طلحة والزبير وعائشة الطامعين في الخلافة حسب زعمهم ، حيث قال :"إن أحدا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة ولا دعوا إلى أحد منهم ليولوه الخلافة"(29) . ويقصد بذلك أنه لم يثبت على وجه صحيح يعتمد عليه ، إذ كل ما ورد في ذلك من الأخبار كان من قبل الشيعة الروافض كأبي مخنف وغيره.
وقد وجه ابن حزم سبب خروج أصحاب الجمل إلى البصرة وبين أن حرب الجمل كانت مكيدة بيتها أعداء الإسلام من أجلاف الأعراب والمنافقين أتباع عبد الله بن سبأ الذين تورطوا في قتل عثمان رضي الله عنه ، فقال :"وأما أم المؤمنين والزبير وطلحة رضي الله عنهم ومن كان معهم فما أبطلوا قط إمامة علي ولا طعنوا فيها ، ولا ذكروا فيه جرحة تحطه عن الإمامة ، ولا جددوا بيعة لغيره...فقد صح صحة ضرورية لا إشكال فيها أنهم لم يمضوا إلى البصرة لحرب علي ولا خلافا عليه ولا نقضا لبيعته ، فصح أنهم نهضوا للبصرة لسد الفتق الحادث في الإسلام من قتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ظلما ، وبرهان ذلك أنهم اجتمعوا ولم يقتتلوا ولا تسابوا ، فلما كان الليل عرف قتلة عثمان أن الإراغة والتدبير عليهم فليتوا عسكر طلحة والزبير وبذلوا السيف فيهم فدافع القوم حتى خالطوا عسكر علي ... وكل طائفة تظن أن الأخرى بدأتها بالقتال واختلط الأمر اختلاطا لم يقدر أحد على أكثر من الدفاع عن نفسه ... فكلتا الطائفتين مصيبة في غرضها ومقصدها مدافعة عن نفسها"(30).
وقد ساق ابن كثير الحافظ المؤرخ هذا الخبر حيث قال :"واطمأنت النفوس وسكنت ، ورجع كل فريق من الجيشين ...وباتوا بخير ليلة ولم يبيتوا بمثلها للعافية ، وبات الذين أثاروا أمر عثمان بشر ليلة باتوها ، قد أشرفوا على الهلكة ، وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها حتى اجتمعوا في السر على إنشاب الحرب"(31).
فتلك هي تحقيقات المحدثين والمؤرخين النقاد لهذه الوقائع، فلا يضر التاريخ الإسلامي بعدها أقوال المبطلين. ولو أن صاحبنا كان مؤيدا مع الجرأة الصحفية بالعلم والفهم وحسن القصد لكان أولى له أولاها، بأن يلزم غرز التحقيق العلمي الرصين، بالرجوع إلى أمهات مصادر التاريخ الإسلامي المنقح، ومراجعة تحقيقات أعلامه النقاد كابن العربي المعافري، والذهبي وابن كثير والحافظ ابن حجر، إذن لاتضح له المنهج، وسلم له المخرج، ولكن لله الأمر من قبل ومن بعد، فقد ابتلي هذا التراث الإسلامي بكثرة المجترئين والمتهافتين، الذين سرعان ما يتساقطون أمام وهج أنواره وغرابيل أعلامه، والله تعالى يقول (فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
والحمد لله رب العالمين


1 - يقصد حديث أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِي قَصِيرَةً فَقَالَ لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ قَالَتْ وَحَكَيْتُ لَهُ إِنْسَانًا فَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ إِنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ، أخرجه أبوداود، 4232 – والترمذي في السنن : 2426.

2 الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ :111.

3 - صحيفة الأيام عدد 448، 28 أكتوبر 2010م، ص : 22 .

4 - وقد صنف في ذلك النوري الطبرسي كتابه “فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب” طبع في إيران

5 - كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للحافظ العجلوني : 1/ 450 .

6 - المنار المنيف في الصحيح والضعيف : لابن القيم 60 ، وانظر المصنوع في الحديث الموضوع للملا علي القاري : 98 .

7 - صحيفة الأيام عدد 448، 28 أكتوبر 2010م، ص : 22 .

8 - صحيفة الأيام عدد 448، 28 أكتوبر 2010م، ص : 22 .

9 - وهو موضع على ستة أميال من مكة على طريق مرو .

10 - تاريخ الأمم والملوك للطبري 3 / 477 ، وانظر " الكامل في التاريخ لابن الأثير : 3/ 100 .

11 - الضعفاء للعقيلي (4 /300) ترجمة رقم (1899)

12 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال للذهبي 4 /253 .

13 - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي : 13 /283)

14 - ميزان الأعتدال في نقد الرجال : 2/ 255.

15 - سورة الفتح الآية : 29 .

16 - تاريخ الأمم والملوك للطبري: 4 /365.

17 -"البداية والنهاية لابن كثير : 7 /195

18 - صحيفة الأيام عدد 448، 28 أكتوبر 2010م، ص : 22 .

19 - أخرجه الطبري في تاريخه (2-681) وابن عساكر في تاريخ دمشق (39-305) .

20 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر : 3/ 1366

21 - أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (2-300) برقم (2363) وابن عساكر في تاريخ دمشق : (39-418).

22 - انظر: البداية والنهاية لابن كثير : 7-149.

23 - تاريخ الأمم والملوك للطبري 5 : 130 .

24 - تاريخ الأمم والملوك للطبري 5 : 132 .

25 - انظر "الكامل في التاريخ" : 3 /112.

26 - "تاريخ الطبري" : 4 /472.

27 - انظر : عمر فروخ ، "تاريخ صدر الإسلام" : 118 . و "علي وبنوه" لطه حسين : 25 ، 26.

28 - انظر "فتح الباري" : 13 /55.

29 - المصدر السابق : 13 /56.

30 - "الفصل في الملل والأهواء والنحل" : 4 /158.

31 - "البداية والنهاية" : 7 /240.

من مواضيع عبد الرحمان المغربي في المجلس العلمي
مابال ملتقى المذاهب الفقهية والدراسات العلمية!
أحسنت الحكومة : لا علاقة مع الروافض
هذا رد العلامة الحسن العلمي على نحلة التصوف الضال بالمغرب
ساعدوني رجاءا
واحسرتاه على الروض الباسم