المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأدلة الندية في إثبات نبوة خير البرية عليه الصلاة والسلام



ساري فرح
12-24-2010, 12:24 AM
الأدلة النديَّة في إثبات نبوة خير البريَّة عليه الصلاة والسلام
بقلم بسام زوادي
المشرف على موقع
www.call-to-monotheism.com
ترجمه وحرره
أيمن بن خالد الشافعي

بسم الله الرحمن الرحيم

تعتبرُ صحةُ نبوةِ محمدٍ- صلى الله عليه وسلم- المحورَ الأساسيّ الذي يقومُ على أساسِهِ بنيانُ دينِ الإسلامِ، لإنّه لو افترضنا جدلاً صحةَ دعوى من ينفي حقيقةَ نبوةِ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فإنّ ذلك يعني عدمَ صحةِ الدينِ تباعاً. بينما متى ما أقيمتْ الحجةُ على إثباتِ صحةِ نبوة النبيِ محمدٍ- صلى الله عليه وسلم- فإنّ ذلك يعني أيضاً صحةَ الدينِ الذي أتى بهِ.

لمْ يشهدِ التاريخُ تسجيلاً وتدويناً شاملاً ودقيقاً لأحداثِ حياةِ بشرٍ كما حدثَ مع النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- الذي نقلَ التاريخُ لنا صفاتِه وحركاتِه وحتى همساتِه بشكلٍ يجعلكَ تراه كأنه أمامَك ماثلاً بينَ ناظريكَ. ولعلَّ في هذهِ التفاصيلِ ما يشفي الغليلَ ، فالنبيّ محمـدٌ -صلى الله عليه وسلم- لم يكنْ مجردَ نبيٍّ بلْ كان أنموذجاً ناجحاً للأبِ والزوجِ والتاجرِ والقائدِ والمحاربِ والمشرّعِ والخطيبِ المتحدثِ. فالمسلمونَ على الإطلاق ودون أدنى شك يعتقدونَ جزماً بأنّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أكثرُ الشخصياتِ تأثيراً، وهذا أمرٌ يعتقدهُ حتى العديدُ منْ غيرِ المسلمينَ أيضاً. فالسيدُ "مايكل هارت" صنفَ النبيَّ محمداً- صلى الله عليه وسلم- على أنّهُ الشخصُ الأكثرُ تأثيراً في تاريخِ البشريةِ ، وفي ما يلي اقتباسٌ لكلماتِهِ في ما يخصُّ النبيَّ محمداً صلى الله عليه وسلم:

"من المحتمل أنّ اختياري لشخصيةِ محمدٍ ليكونَ على أعلى قائمةِ الأشخاصِ الأكثرِ تأثيراً أثارَ دهشةَ بعضِ القراءِ وأثارَ تساؤلاتِ البعضِ الأخرِ، لكنّه الرجلُ الوحيدُ في تاريخِ البشريةِ الذي استطاعَ النجاحَ بشكلٍ تامٍّ على المستوى الديني والدنيوي معاً."
Michael Hart, From the 100, a Ranking of the Most Influential Persons in History, page 3

في البدايةِ أودُّ تقديمَ ما أراهُ "الأدلةَ الحيثيةَ" التي تثبت نبوةَ الرسولِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، والتي ستناقشُ وتجيبُ عن المسائلِ والتساؤلاتِ المهمةِ التاليةِ: هل قامَ النبي محمدٌ صلى الله عليه وسلم بتأليفِ القرآنِ؟ وهل كان هناكَ أي دوافعَ تدفعُه لبدءِ ديانةٍ جديدةٍ ؟ وهل كان بالفعلِ مخلصاً؟ وهل قام بنسخِ دينهِ من الكتبِ الأخرى كالإنجيلِ؟ ثم سأنتقلُ بعد ذلك لتقديمِ وعرضِ ما أراهُ "الأدلةَ الواقعيةَ" التي تثبتُ نبوةَ النبيِّ محمدٍ- صلى الله عليه وسلم- حيثُ ستناقشُ هذه الأدلةُ النصوصَ القرآنيةِ والنبويةَ التي تم إثباتها في وقتٍ لاحقٍ بشكلٍ علميٍّ، والنبوءاتِ التي أتت بها ومن ثم تحققت، بالإضافةِ إلى اجتيازِ النبيَّ صلى الله عليه وسلمَ اختبارَ الكذبِ، ثم سأقومُ بمناقشةِ ما إن كان الإسلامُ نتيجةً لعملِ الشيطانِ أم لا.

في النهايةِ، سأطلبُ من القارئ العزيزِ جمعَ الأدلةِ السابقةِ بنوعيها (الحيثيةِ والواقعيةِ) معاً من أجل تقريرِ ما إن كانت هذه الأدلةُ جميعاً تقدمُ دليلاً قطعياً على نبوةِ النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم أم لا!

يتبع...

ساري فرح
12-24-2010, 02:32 PM
عدمُ استطاعةِ الرسولِ محمد - صلى الله عليه وسلم- تأليفَ كتابٍ مثلِ القرآنِ:

من أشهر الحججِ التي يحتجُ بها المسلمون لإثباتِ الإعجازِ الإلهيِّ في القرآنِ الكريمِ، في أنّ اللغةَ العربيةَ المستخدمةَ في القرآنِ الكريمِ من الإتقانِ والدقةِ والبلاغةِ ما يجعلُه من المستحيلِ أن يقومُ النبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم بصياغتهِ أو بتأليفهِ . بالرغمِ من وجاهةِ هذه الحجةِ وقوتها إلا إنّ تمريرهَا اليومَ لا يبدوا مقنعاً للكثيرِ وذلك لأن معظمَ الناسِ في يومِنا هذا لا يجيدونَ فنونَ اللغةِ العربيةِ وبالتالي سيصعب ُعليهم التحققُ من صحةِ هذه الحجةِ المقامة عليهم . بل أنّ هذا الحال ينطبقُ على معظمِ العربِ أنفسهِم، وأنا منهم ، فالكثيرُ يجهلونَ اللغةَ العربيةَ الفصحى والتفاصيلَ الدقيقةَ للإعرابِ وما إلى ذلك من فنونِ اللغةِ مما يجعلنا نفتقرُ الكفاءةَ والقدرة لإعطاءِ الأراء ِ أو اطلاق الأحكامِ على محتوى القرآنِ بشكلًّ علميٍّ سليم. أما في عهدِ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم-لم يكنْ الأمرَ كما هو الحالُ اليومَ ، فالعربُ حينها كانوا أسيادَ اللغةِ العربيةِ، ويفقهونَ أسرارَها وفنونَها.. لذلك فإنّهُ مِنَ المفيدِ الاستدلال بشهاداتِهم وأرائِهم ومقالاتهم في القرآنِ حينَها.

لقد كان تأثرُ العربِ بالقرآنِ شديداً وواضحاً لدرجةِ أنّهم اعتبروا هذا التأثيرَ من السحرَ، يقولُ الله تعالى في القرآنِ الكريمِ:
{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} ( سورة سبأ: آية 43 ). وفي هذا دليلٌ واضحٌ بأنّ العربَ في مكةَ كانوا يعتقدونَ بوجودِ تأثيرٍ خارقٍ للقرآنِ عليهم. كما أنهم اتهموا النبيَ صلى اللهُ عليه وسلم بأنه شاعرٌ، لكنّ القرآنَ جاءَ مفنّداً هذا الإفتراءَ بقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} (سورة يس: آية رقم 69) وفي هذا دلالةٌ قويةٌ على أنّ النبيَ صلى الله عليه وسلم لم يستطعْ تأليفَ هذا الكتابِ، لإنّ القرآنَ صرّحَ لأهلِ مكةَ بأنّ النبيَ صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلمُ الشعرَ! كما أنّ النبيَ صلى الله عليه وسلم كان معروفاً لأهل مكةَ في ذلك الوقتَ، فهو بالكادِ سافرَ مرةً أو مرتينِ خارجَ مكةَ خلالَ فترةِ حياته هناك، وعليه، فإنّ فرصةَ تعلمه الشعرَ ستكونُ مستحيلةً وإلا لاستطاعَ أهل مكةَ الذين عاشوا معه طيلةَ حياته إثباتَ ذلك عليه! وأنّى لهم ذلك! لذا فإنّ في هذا دليلٌ قويٌّ على أنّ النبيَ صلى الله عليه وسلم لم يكنْ يعلمُ الشعرَ أو على الأقلِ بلاغةَ اللغةِ العاليةِ المستعملةِ في القرآنِ الكريمِ. بالإضافةِ لكل ذلك، فالنبيّ صلى الله عليه وسلم كان في الأصلِ أمياً لا يقرأُ ولا يكتبُ، يقول الله تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} ( سورة العنكبوت: آية 48-49). ففي هذه الآيةِ تقريرٌ لقضية عدم قدرةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم على القراءةِ والخطِّ، والسببُ هيَ مشيئةُ الله سبحانه وتعالى ، حتى لا يتكلمَ الناسُ بشكلٍ يسيءُ لشخصِ النبي صلى الله عليه وسلم كأن يتهموهُ بكتابة القرآنِ أو نسخِه من كتبٍ أخرى وما إلى ذلك من اتهاماتٍ باطلةٍ ، كما أنّ بطلانَ هذه الدعوى وهذا الاتهامَ يظهرُ جلياً في هذه الآيةِ، لأنّ المذكورَ فيه لو لم يكنْ واقعاً يعلمُه القاصي والداني، لاستطاعَ مشركو أهلِ مكةَ تفنيدَ هذه الآيةِ واتهامَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالكذبِ.

لقد كان الوليدَ بن المغيرةِ يُعتبرُ من ألدِّ وأشدَّ أعداءِ النبي صلى الله عليه وسلم في ذاك الوقتِ ، ومن أشهرِ شعراءِ قريشٍ ، مما حدا بقريشٍ أن تطلبَ منه سماعَ ما يقوله النبيُّ صلى الله عليه وسلم حتى يتمكنوا من فضحِه ، خصوصاً إنْ لحنَ في كلمةٍ أو أخطأَ في وزنٍ ، وما إلى ذلك مما يوهنُ دعوى النبي صلى الله عليه وسلم لكن ما أن سمعَ المغيرةُ القرآنَ، حتى قال لقريشٍ:
"فوالله مافيكم رجلٌ أعلمُ بالأشعارِ مني ولا أعلمُ برجزِها وبقصيدِها مني ، والله مايشبُهُ الذي يقولُ شيئاً من هذا، واللهِ إنَّ لقولِه الذي يقولُ حلاوةٌ وإن عليه لطلاوةٌ وإنه لمثمرٌ أعلاهُ مغدقٌ أسفلُه، وإنه ليعلو وما يُعلَى عليه".
[أنظر تخريج أحاديث الإحياء للحافظ العراقي: 1\ 346: قال العراقي " رواه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس بسند جيد" ، لباب النزول للسيوطي: حديث رقم 319: قال السيوطي " إسناده صحيح على شرط البخاري"، والمستدرك للحاكم، حديث رقم 3872 ، ، قال الحاكم " هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري و لم يخرجاه.]

إذنْ، يمكننا القول بأننا نملك الآنَ شهادةً من أحدِ خبراءِ اللغةِ العربيةِ والشعرِ المجاهرين بشدةِ عَداوَتهِم للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، تفيدُ بأنَّ القرآنَ له تركيبةٌ عجيبةٌ وفريدةٌ من نوعِها. لكنّه لمن للأسف الشديد، أنّ الوليدَ بالرغمِ من كل ذلك عاندَ الحقّ الذي اعترفَ به بأمِّ لسانهِ ولم يدخلِ الإسلامَ ، بل زادَ ذلكَ مِن عنادِه واتهاماتِه للرسولِ صلى الله عليه وسلم بالرغمِ مما شهدَ به له.

قدْ يحاولُ البعضُ الاعتراضَ على ما أسلفْنا بالقولِ بأنّ هناك بعض الناسِ ممن لم يُـثِرِ القرآنُ إعجابَهُم أيضاً، فلماذا لا يأخذُ برأيهم ويُعتبرُ به في هذه الحالِ أيضاً؟

قلتُ : في الحقيقةِ ، السؤال الذي يجبُ طرحُه بدايةً هو: ما هيَ أسبابُ هؤلاءِ التي دفعتهم لتبنّي مثلِ هذا الرأيِ؟ هل استطاعوا بموضوعيةٍ وأمانة علميةٍ إثباتَ أي أخطاءٍ في القرآنِ أو عدمِ وجودِ ما يميزُ القرآن؟ أم أنّ ارَائهم كانت فقط لمجرد أنّهم لم يرغبوا بسماعِهم القرآن أو لإنهم يفضلون سماعَ شئٍ آخرَ ؟

لقدْ قمتُ باقتباسِ الوليدِ بن المغيرةِ ، الخبيرِ الفذِّ في مجالِ الشعرِ واللغةِ ، الذي شهدَ بصدقِ بتميّزِ وتفرّدِ القرآنِ بعد ما سمعه وأنّه لا يشبهُ قولَ بشرٍ! كما أنّني بينتُ كيفَ أنّ مشركي مكةَ اعترفوا بأنفسِهم بالتأثيرِ العجيبِ الذي تركَه القرآنُ عليهم حتى سمّوا ذلك سحراً! لكنْ مع إقرارِهم بكل ذلكَ لم يقرّوا بالقرآنِ، لماذا ؟ هل مجردُ عدمِ الرغبةِ بقبولِ وتقبّلِ القرآنِ يعتبرُ حجةً معتبرةً لتفنيدِ تفرّدِ القرآنِ وتميّزهِ ؟ الإجابةُ ستكونُ بالطبعِ لا، ولتوضيحِ الأمرِ دَعني أَضربُ مثلاً: هلْ يُعقلُ أن يأتيَ أحدٌ فيقولَ: أنا لا أحبُّ النصرانيةَ ولا أحبُّ مبدأَ أنّ النصرانيةَ تؤمنُ بأنّ الربَّ يأتي بصورةِ إنسانٍ ثم ماتَ من أجلِ تحريرِ الجميعِ من الخطايا، ولهذا أرى كل ذلك سبباً مقنعاً لرفضي النصرانيةَ !! بالطبعِ سترفض مثل هذا المنطق والتعليل، وقس على ذلك جميعِ الدياناتِ والاعتقاداتِ. لذا ، فإني آملُ أن يتجنبَ غيرُ المسلمينَ الاستناد إلى مثلِ هذه الحُججِ الواهية والأقوالِ المتحيّزةِ والعاطفيّةِ ضدَّ القرآنِ، خصوصاً وأنّهُ من الجديرِ بالذكرِ، أنّ هنالكَ العديدُ من المستشرقينَ الذين مدحوا لغةَ القرآنِ.

يقول المستشرقُ البريطانيُّ (Forster Fitzgerald Arbuthnot) في كتابِه المعروفِ "بناءُ القرآنِ والإنجيلِ":

"يمثُّلُ القرآنُ من الناحيةِ الأدبيةِ اللغةَ العربيةَ النقيّةَ الذي تمّت كتابةُ نصفِه بشكلٍ شعريٍّ ونصفِه الآخرِ بشكلٍ نثريٍّ. كما قد قيلَ أنّ النّحْويينَ في بعضِ الحالاتِ اعتمدوا القواعدَ الإعرابيّةَ بما يتناسبُ مع بعضِ الآياتِ والتعابيرِ المستخدمةِ. وبالرغمِ من المحاولاتِ العديدةِ لإنتاجِ وتأليفِ كتابٍ بنفسِ جودةِ القرآنِ إلا أنّ جميعَ هذه المحاولاتِ باءت بالفشلِ"
[F. F. Arbuthnot, The Construction of the Bible and the Koran, page 5]

أمّا المستشرقُ الأسكتلنديُّ الأصلِ المصريُّ المولدِ (Hamilton Gibb) فإنه يقولُ في كتابِه "بحثٌ تاريخيٌّ عن الإسلامِ":

"...لا زالَ أهلُ مكةَ يطالبونَ محمداً بمعجزةٍ ، حيثُ جاءَ محمدٌ بكل شجاعةٍ وثقةٍ بالقرآنِ ليؤكدَ المهمةَ التي جاءَ بها. وكما هو حالُ كل العربِ حينها، فقد كان العربُ في وقتِها خبراءُ في اللغةِ العربيةِ والبلاغةِ . لذا لو كانَ القرآنُ من تأليفِه لاستطاعَ أيُّ شخصٍ في ذلكَ الوقتِ تأليفَ كتابٍ مثلهُ. فها هو قد تحدّاهم بأن يأتوا بعشرِ آياتٍ مثلِه، فإن لم يستطيعوا (ومن الواضحِ أنّهم لم يستطيعوا ذلك) فدعاهم أن يقبلوا القرآنَ دليلاً ومعجزةً ظاهرةً"
[H. A. R. Gibb, Islam-A Historical Survey, page 28]

كما أنّه قالَ أيضاً:

"كان للقرآنِ تأثيراً غيرَ محدودٍ على تطوّرِ الأدبِ العربيِّ بجميعِ نواحيه، فالمحتوى الأدبيُّ واللغويُّ وميزانُ القوافي باتَ أثرُه واضحاً في جميعِ الأعمالِ الأدبيةِ اللاحقةِ سواءً كان ذلك بشكلٍ كبيرٍ أو صغيرٍ. كما لم تستطعِ الكتاباتُ النثريةُ في القرنِ اللاحقِ أو في الكتاباتِ السابقةِ مضاهاةَ الخصائصِ اللغويةِ المميزةِ للقرآنِ، لكنها كانت -على الأقل- نتيجةً للمرونةِ التي أضفاها القرآنُ على اللغةِ العربيةِ التي يمكنُ لها أن تتطورَ بسرعةٍ وتتكيفَ في نفسِ الوقتِ مع احتياجاتِ الحكومةِ الإمبراطوريةِ والمجتمعِ المتّسعِ"
[H. A. R. Gibb, Arabic Literature-An Introduction, page 36]

يقول (Paul Casanova) مدرسُ اللغةِ العربيةِ في كليةِ فرنسا:
"كلما طُلبَ من محمدٍ تقديمَ معجزةٍ تدلُ على صدقِ رسالته، كان يقومُ بقراءةِ آياتٍ من القرآنِ الذي لا مثيلَ له في الإتقانِ كدليلٍ يثبتُ أنّ هذا القرآنَ هو وحيٌ سماويٌّ. في الحقيقةِ، حتى بالنسبة لغيرِ المسلمين، فليس هنالكَ شئٌ أكثرُ روعةً لهم من لغةِ القرآنِ التي تتميزُ بشموليةِ الفهمِ واستيعابِ جهارةِ الصوتِ... إنّ وفْرةَ وكمالَ كلماتِ القرآنِ والإيقاعاتِ والقوافي المستعملةِ أدتْ إلى تحولِ الكثيرِ من العدائيينَ والمشكّكينَ إلى مناصرينَ مسلمينَ"
[Paul Casanova, “L’Enseignement de I’Arabe au College de France”, Lecon d’overture, 26 April 1909]

أما (Edward Montet) فإنه يقول:
"كلُّ من له معرفةٌ بالقرآنِ باللغةِ العربيةِ يتفقونَ على مدحِ جمالِ هذا الكتابِ الدينيِّ، فعظمته من السموّ لدرجةٍ لا تمكن أي ترجمةٍ للقرآنٍ لأي لغة أوروبيةٍ من جعلنا نقدّرهُ حقَّ قدرهِ"
[Edward Montet, Traduction Francaise du Coran (French Translation of the Qur’an), Introduction, page 53]

(John Naish) يقول في كتابه "حكمة القرآن" :
" إنّ لغةَ القرآنِ العربيةَ تملكُ جمالاً مغرياً أخّاذاً ، وجاذبيةً خاصةً تظهرُ في دقة العباراتِ، وجمالِ الأسلوبِ، والإيجازِ البليغِ للجملِ، والتي في الغالبِ على قافيةٍ موزونةٍ، مما يجعلُ القرآنَ يملكُ قوةً وطاقةً متفجرةً لا يمكنُ التعبيرُ عنها من خلالِ ترجمةِ الجملِ كلمةً كلمةً" .
[John Naish, M. A. (Oxon), D. D., The Wisdom of the Qur’an, preface viii]

(Alfred Guillaume) يقول في كتابه "الإسلام":
"للقرآنِ نغمٌ ذو جمالٍ لا يمكنُ تصوّرهُ وقافيةٌ ووزنٌ يسحرانِ الآذانَ. العديدُ من النصارى العربِ يتحدثونَ عن الأسلوبَ القرآنيِّ بإعجابٍ، وأغلبُ المستشرقينَ يعترفونَ بتميزِ القرآنِ...إنّه من الممكنِ التأكيد بأنّه لا يوجدُ هنالك في الأدبِ العربيِّ الواسعِ والخصبِ في الشعرِ والنثرِ ما يمكنُ أن يقارنَ بالقرآنِ"
[Alfred Guillaume, Islam, pages 73-74]

هنالكَ الكثيرُ من التصريحاتِ التي أستطيعُ تقديمَها هنا لإظهارِ مدحِ المستشرقينَ، والمتخصصينَ في اللغةِ العربيةِ والحضارةِ العربيةِ، للقرآنِ الكريمِ واعترافهم بأنّه لا يوجدُ ما يمكنُ أن يقارنَ به، لكن في ما قدمته هنا ما يكفي ويُغني لتوضيحِ هذه الفكرةِ. بالتأكيدِ، فإنّنا نلاحظُ في ما سبقَ أدلةً قويةً ومعقولةً تثبتُ بأنّ النبيَّ محمداً صلى الله عليه وسلم لم يقمْ بتأليفِ القرآنِ الكريمِ.

يتبع...

ساري فرح
12-25-2010, 11:14 PM
اعتقادُ النبيِّ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - التامِّ بنبوّتِهِ

كانَ للرسولِ صلى الله عليه وسلم ابناً يُسمّى إبراهيم وقد تُوفيَ وعمرُه لم يتجاوزِ السنةَ والنصفَ مما أصابَ النبي صلى الله عليه وسلم بحزنٍ شديدٍ. بل إنَّه في يومِ وفاةِ ابنِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم حدثَ كسوفٌ للشمسِ ، فقد ثبتَ في الصحيحِ أنّ المغيرةَ بن شعبةَ قال: كُسفتِ الشمسُ على عهدِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يومَ ماتَ إبراهيمُ فقال الناسُ كُسفتِ الشمسُ لموتِ إبراهيمَ فقالَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - (إن الشمسَ والقمرَ لا ينكسفانِ لموتِ إحدٍ ولا لحياتِه فإذا رأيتم فصلوا وادعوا اللهَ) [صحيح البخاري: 2\153]. ولعلك تتأملُ هنا كيفَ أنّ الصحابةَ أخطئوا في اعتقادهم حينها بأنّ الشمسَ إنما انكسفتْ لموتِ ابنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم. وفي هذهِ الإشارةِ لطيفةٌ ودقيقةٌ لا بدَّ من التنبِّه لها، وهي أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لوكانَ مدّعياً لنبوتِه – كَما يَزعمُ البعض- لاستغلَّ هذا الموقفَ لصالحِه خصوصاً مع وجودِ مثل هذا الاعتقادِ دون وجودِ أي محاولةٍ أو جهدٍ منه لتمريرِه لهم. بل على العكس، فما حصلَ حينها كان خلافُ ذلكَ، فقد صرّحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بشكلٍ مباشرٍ نفيهُ أن تكسفَ الشمسُ أو يخسفَ القمرُ لموتِ أحدٍ من الناسٍ! ففي هذا الموقفِ نرى صدقَ النبوةِ المحمّديةِ عندما نطقَ بالصدقِ بدلاً من محاولةِ استمالةِ الآخرينَ أو إثارةِ إعجابهم من خلالِ تأكيدِ ما اعتقدوه خطأً.

كما وقعتْ حادثةٌ أخرى بعد هجرةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ، حينما كانَ أهلُ مكةَ يخططونَ لتدبيرِ محاولةِ اغتيالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مما جعلَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يتخذُ حرساً حتى أنزلَ اللهُ عز وجل الآيةَ التاليةَ: }يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{ (المائدة : 67 ). بعدَ نزولِ هذهِ الآيةِ الكريمةِ أخبرَ النبيُّ- صلى الله عليه وسلم -حرّاسَه بأن يتوقفوا عن حراستهِ لوعدِ اللهِ عز وجل له بالحمايةِ [أنظر: سنن الترمذي: 3046، قال الشيخ الألباني - رحمه الله – في صحيح الترمذي (3046): "الحديث صحيح من رواية عائشة"، والمستدرك للحاكم (3221) وصححه الحاكم اسناده في المستدرك وكذلك الذهبي في التلخيص، تفسير ابن كثير: 3\145 وصحح اسناده الشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير 1\710]. فلو لم يعتقدْ ويؤمنْ بصحةِ نبوته فهل تظنُّ أنه سيتخلى عن حرسِه مع علمِه بوجودِ الخطرِ ومحاولةِ اغتيالِه ؟ الإجابةُ ستكونُ بالطبعِ ، لا.

كما قد رُوِيَ عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما في تفسيره الآيةَ الكريمةَ }وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا{(الإسراء : 79 ): "{ ومن الليل فتهجد به } بقراءةِ القرآنِ والتهجدِ بعد النومِ { نافلة } فضيلةً { لك } ويقالُ خاصةً لك" [أنظر تنوير المقباس من تفسير ابن عباس: 1\240]. فالسؤالُ الذي يطرحُ نفسَه الآن، لماذا يفرض النبيُّ صلى الله عليه وسلم على نفسهِ القيامَ في الليلِ ويثقلُ نفسَه بهذه العبادةَ إن لم يؤمنْ ويعتقدْ جزماً بصحةِ ما كان يوحَى إليه؟!

وفي حادثةٍ أخرى، حينما اتُهمَت أمّنا عائشةُ بنتُ أبي بكرٍ رضي الله عنها زوجُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم زوراً بالزّنا في حادثةِ الإفكِ المشهورةِ ، ظلَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وزوجُه يعيشانِ هماًّ لم ينفرجْ إلا بعد أن أنزلَ اللهُ عز وجل آياتِ البراءةِ من هذهِ الاتهاماتِ الشنيعةِ! [أنظر كتب التفسير: تحت سورة النور، آية رقم 11]

أليسَ من المنطقِ أن يقومَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بسرعةٍ بتأليفِ آياتٍ لتبرئةِ زوجهِ وتخليصِ نفسهِ من ذلك الهمِّ والقلقِ وشكوكِ الناسِ في خيانةِ زوجهِ له، لو كان القرآنُ من تأليفهِ ؟ لكنّ ذلك لم يكنْ، وما ذلك إلا دليلٌ على أنّ القرآنَ كان يُوحَى إليه، لذلكَ انتظرَ الوحيَ الإلهيَّ طيلةَ تلك المدةِ ليفصلَ في القضيّةَ.

إنّ تحدّي العربِ بالقرآنِ بدأَ بتحدّيهم بأن يأتوا بمثلهِ، ثم كان التحدّي أن يأتوا بعشْر سورٍ من مثله، ثم أصبح التحدّي بأن يأتوا بسورةٍ واحدةٍ على الأقلِّ من مثل القرآنِ: يقول الله عز وجل في محكمِ تنزيله: }وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ{( البقرة: 23)، أيضاً (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ، فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ{ (الطور: 33-34). لكني كما ذكرتُ مسبقاً، فإني سأتجنبُ طرحَ مسألةِ الإعجازِ اللغويِّ للقرآنِ لعلمي المسبقِ أنّ القرّاءَ لا معرفةَ لديهم باللغةِ العربيةِ وبالتالي لن يستطيعوا الحكمَ على قضيةِ تحدّي القرآنِ للبشرِ بأن يأتوا بمثله. لذلك، فإنّ السؤالَ الذي أودُّ طرحَه في هذا المقامِ، هل يُعقلُ أن يأتيَ رجلٌ يدّعي النبوةَ زوراً بتأليفِ كتابِ ثمّ يتحدّى أبرعَ الشعراءِ واللغويّين لإيجادِ خطأٍ واحدٍ فيه؟ هل يوجدُ رجلٌ عاقلٌ لا يفقه شيئاً في علمِ الميكانيكِ يقومُ بتحدّي خبراءِ الميكانيكِ العاملينَ في شركةِ مرسيدس أو bmw بأن يجدوا له أخطاءاً في تخصصِ الميكانيكِ؟ ألا يُظهرُ هذا التحدّي ثقةَ النبي صلى الله عليه وسلم بالوحيِ المنزّل عليه؟

نعم، قد يظنُّ البعضُ بأنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان مخلصاً في اعتقاده ودعواه، لكنَّ هذا الإخلاصَ والصدقَ لا يمنعُ من أنّ ما اعتقده كان خاطئاً وليسَ كما كان يُظَنُّ (وهذا أيضاً مما سأفنّده في هذا المقالِ لاحقاً)، لذا فإنَّ أقلَّ ما يُقالُ في هذه الحالةِ، أنّه كان مخلصاً في دعواه، أليس كذلك؟!

يتبع...

ساري فرح
12-26-2010, 04:52 PM
انتفاءُ الدوافعِ التي يمكنُ أن تجعلَ النبيَّ- صلى الله عليه وسلم - يخترعُ دينَ الإسلامِ

لم يكنْ لدى النبيِّ صلى الله عليه وسلم أيَّ سببٍ أو دافعٍ مقنعٍ يدفعُه لاختراعِ دينٍ مثلِ الإسلامِ. لكن قد يجادلُ بعضُ المشكّكينَ ويدّعونَ أنّ الدافعَ من وراءِ اختراعِ دينِ الإسلامِ من أجلِ أن يتمكّنَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم من الحصولِ على العديدِ من الزوجاتِ، وهذه دعوى ضعيفةٌ جداً وغيرُ مقنعةٍ وذلك لأن الناسَ قبلَ الإسلامِ كانوا يعيشونَ في مجتمعٍ يسمحُ بالتعدّدِ، ولو كان الأمرُ كما يدّعون لتزوجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بمن شاءَ وكما يشاءُ دون الحاجةِ لأن يأتيَ بدينٍ جديدٍ! مما جعلَ البعضَ الأخرَ من المشكّكينَ والناقدينَ بطرح بعض الدوافعِ والأهدافِ الأخرى التي يظنونها أسباباً دفعت النبيَّ صلى الله عليه وسلم لاختراعِ هذا الدينِ، وهذه الأهداف هي على حدِّ زعمهم هي الحصولُ على المالِ أو المجدِ أو لتوحيدِ العربِ تحتَ دينٍ واحدٍ بما أنهم كانوا يعيشونَ حالةً من الصراعِ الدائمِ. لذا، دعونا نتدارسُ سوياً .. هل لهذه الدعاوى المزعومَة أصلٌ من الصحةِ أم لا.

1) هل حقاً كان الدافعِ والهدفِ هو من أجل الحصولِ على المالِ والثروة؟

عندما كانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم متزوجاً من خديجةَ بنتِ خويلدٍ رضي الله عنها كانتْ حياتِه في رغدٍ وراحةٍ لحدٍ ما. إلاّ أنّ مستوى حياتِه تدهورَ بشكلٍ ملحوظٍ من بعد البدءِ في دعوته، لذا فإنه من المثيرِ للاهتمامِ ملاحظةُ كيف أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أصبحَ يعيش حياةَ فقرٍ وبمعاييرَ أبسطَ من بعدِ نبوته. لقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عمرَ بن الخطابِ- رضي الله عنه - قال: "دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى حَصِيرٍ فَجَلَسْتُ فَأَدْنَى عَلَيْهِ إِزَارَهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَنَظَرْتُ بِبَصَرِي فِي خِزَانَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا أَنَا بِقَبْضَةٍ مِنْ شَعِيرٍ نَحْوِ الصَّاعِ وَمِثْلِهَا قَرَظًا فِي نَاحِيَةِ الْغُرْفَةِ وَإِذَا أَفِيقٌ مُعَلَّقٌ - قَالَ - فَابْتَدَرَتْ عَيْنَاىَ قَالَ ‏"‏ مَا يُبْكِيكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ‏"‏ ‏.‏ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَمَا لِي لاَ أَبْكِي وَهَذَا الْحَصِيرُ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِكَ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ لاَ أَرَى فِيهَا إِلاَّ مَا أَرَى وَذَاكَ قَيْصَرُ وَكِسْرَى فِي الثِّمَارِ وَالأَنْهَارِ وَأَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَفْوَتُهُ وَهَذِهِ خِزَانَتُكَ ‏.‏ فَقَالَ ‏"‏ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَنَا الآخِرَةُ وَلَهُمُ الدُّنْيَا ‏"‏ ‏.‏ قُلْتُ بَلَى" [صحيح مسلم: كتاب الطلاق: حديث رقم 3507]. وهذا الحديثُ الصحيحُ دليلٌ دامغٌ على أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يعشْ في قصرٍ أو لم يجلسْ على الأسرّةِ الفاخرةِ والناعمةِ. لكنّ بعض الناسِ قد يتساءلُ: ألم يكنْ هناك الكثيرُ من الأموالِ التي تم الحصولُ عليها كغنائمَ من الحروبِ والمعاركِ؟ هذا صحيحٌ، لكن كما هو واضح فإنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يستعملْ ما جاءَه من أموالٍ ليترفّه بها، بل أنفقَها على الفقراءِ [أنظر: صحيح البخاري: كتاب الخمس: حديث رقم 326. (( عن عمر بن الخطاب  قال: إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْفَىْءِ بِشَىْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ ـ ثُمَّ قَرَأَ ‏{‏وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏قَدِيرٌ‏}‏ ـ فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ، وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ قَدْ أَعْطَاكُمُوهُ، وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ، فَعَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ حَيَاتَهُ].

2) هل كانَ السعيُ وراءَ الشهرةِ والمجدِ هو الدافعُ ؟

يجادلُ بعض المشكّكينَ في الإسلامِ بأنّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لم يردّ مالاً، بل أرادَ الحصولَ على التبجيلِ من الناسِ حتى يُرضي غرورَه ويَرضى عن نفسه. لذا، دعونا نمحّص ونقيمُ هذا الادعاءَ.

خلالَ الفترةِ التي عاشَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم كان للشعراءِ مكانةٌ عاليةٌ عند الناسِ، وذلكَ لما كانوا يمتازوا به من فصاحةٍ وبلاغةٍ تذهبُ بالعقولِ، وكما وضحنا من قبلُ فإنّ الناسَ كانوا يعترفونَ بالتميّز والتفرّد اللغويّ للقرآنِ الذي لا مثيلَ له، لذا إن كان القرآنُ يمتازُ بهذا الجمالِ الفريدِ والفصاحةِ التي لا مثيلَ لها، أليسَ من المنطقِ أن يَنسبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا الكتابَ لنفسه بدلاً من غيرهِ ليحصلَ بذلك على المجدِ كما يزعمُ البعضُ ؟!! لقد كان الشعراءُ يُمدحون لشعرهم وأعمالهِم، فلماذا لم يغتنمِ الرسولُ صلى الله عليه وسلم الفرصةَ ليحصلَ على المدحِ والمجدِ إن كان قد ألّفَ القرآنَ؟ حتى وإن افترضنا جدلاً أنّ هنالك شخصاً ما ساعدَ الرسولَ صلى الله عليه وسلم على تأليفِ القرآنِ، لماذا لم يقمْ ذلك الشخصُ – المـُفترضُ – بالظهورِ واغتنامِ الفرصةِ للحصولِ على المدحِ والمجدِ بدلاً من الرسولِ صلى الله عليه وسلم ؟!!

هنالك العديدُ من المواقفِ والأحداثِ التي تفنّدُ هذا الادعاءَ وتثبتُ تواضعَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وحرصَه على أن لا يغالي المسلمونَ في مدحِه والاطراءِ عليه، فقد ثبتَ عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه أنه سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : ‏"‏ لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ" [صحيح بخاري: كتاب أحاديث الأنبياء: حديث رقم 654]‏‏. كما أنّه نهَى ومنعَ المسلمينَ من الوقوفِ له كما يفعلُ الفرسُ بملوكهم، حينما كانوا يقفون له عند قدومِه إجلالاً واحتراماً [أنظر طرف الحديث عند سنن الترمذي: حديث رقم 2754: قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وانظر طرف الحديث الأخر في سنن أبي داود: حديث رقم 5230، وقد حسنه الحافظ ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح: 4\336]. بل إنّ في القرآنِ الكريمِ آياتٍ عديدةٍ حملتْ في مضمونها عتاباً وتوجيهاتٍ وتصحيحاتٍ مباشرةً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في عدة مواقفَ، فمثلاً أثناءَ المرحلةِ المكيةِ، وفي خضمِّ انشغالِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في دعوةِ أشرافِ قريشٍ للإسلامِ – لعلمه أنّ دخولَهم في الإسلامِ يعني دخولِ مَن تحتَهم من الناسِ – أتاهُ ابنُ أمِّ مكتومٍ ، الرجلُ الأعمى الفقيرُ، يسأله عن الإسلامِ وهو لا يدري بانشغالِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم فعَبَسَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم في وجهه ثم أعرض عنه، فنزلت آياتٌ مباشرةٌ تعاتبُ فيها الرسولَ صلى الله عليه وسلم على تصرّفه مع ابنِ مكتومٍ [أنظر: القرآن الكريم: سورة عبس: الآية رقم 1-11].

إنّ تصرّفَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم في ذاك الموقفِ يمكنُ فهمُه وعذره فيه، فقد وازنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بينَ المصلحةِ المتحقّقةِ من دعوةِ أشرافِ مكةَ للإسلامِ والتي كانتْ أعظمَ وأهمَّ للدينِ والمصلحةِ المتحققةِ من التكلمِ مع الرجلِ الذي كان أصلاً مسلماً في ذلك الوقتِ. كما أنّه كان باستطاعةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم التحدثُ مع الأعمى في وقتٍ لاحقٍ لانشغالِه في ذلك الوقتِ. لذا، إن كانَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم قد ألّـفَ القرآنَ ، فلمَ ينتقدُ نفسَه لأخطاءٍ لم ينتبهْ لها أحدٌ! فحتى الأعمى لم يكنْ ليرَى عُبوسَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم في وجههِ! وعندما صلّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أحدِ منافقي المدينةِ ، نزلَ الوحيُ بآيةٍ تنهاهُ عن ما فعلَ، يقولُ اللهُ عز وجل {وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} (التوبة: 84).
وقد ثبتَ أيضاً أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ساعدَ أصحابَه في حفرِ الخندقِ بنقلِ الرملِ [صحيح بخاري: كتاب الجهاد: حديث رقم 89، صحيح مسلم: كتاب الجهاد: حديث رقم 4442]، وهذا يدلُّ على أنّ شخصيةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لم تكنْ من النوعِ الذي يسترخي في الظلِّ ويدعُ أتباعَه يقومونَ بالعملِ كلِّه كما هو صنيعُ الملوكِ، الذين يَعتبرونَ مشاركَةَ أتباعهِم في مثلِ هذه المواقفِ نوعاً من الإهانةِ لمنصبهِم وأنّ على أتباعهم أن يبجِّلوهم ويعظِّموهم وينزِّهوهم عن أعمالِ العامةِ.

ليس المقصودُ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ليس مكرّماً من قِبَل المسلمينَ، فالمسلمون يصلّونَ على النّبي ويسلّمونَ عليه تسليماً في جميعِ الأوقاتِ. لكنِ السؤالُ الذي يجبُ على كلَّ شخصٍ أن يسألهُ هو : هلْ يُعقَلُ أن يخترعَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم ديناً فقط ليجعلَ الناسَ ينطقونَ بأفواههِم جملةَ: "اللهمَّ صلِّ وسلمْ على نبيِّك محمدٍ"؟! لو أرادَ شخصٌ ما أن يخترعَ ديناً فإنّه حتماً سيريدُ من الناسِ أنْ يكرموه ويبجّلوه بشكلٍ مميزٍ! بينما لا نجدُ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ أحداً أبداً بأن يعاملوه بشكلٍ مختلفٍ ، مما يجعلُ دعوى المخالفِ بأنّ طَلَبَ المجدِ والتكريمِ كان الدافعَ لسيدِ الخلقِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم لا صحةَ لها على الإطلاقِ، خصوصاً وأنّ معظمَ المديحِ الذي يحصلُ عليه وقعَ بعدَ وفاته وليسَ خلالَ حياتَه.

3) هل توحيدُ العربِ هو الدافعُ ؟

يحاولُ بعضُ المشكّكينَ والنّاقدينَ للإسلامِ وصفَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأنه رجلٌ قومي، لم يرغبْ بالمالِ والجاهِ والمجدِ ، بل سعى لتوحيدِ العربِ تحتَ رايةٍ واحدةٍ . فقدْ عاشَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حقبةً امتازتْ بالنزاعاتِ والصّراعَات بين القبائلِ العربيةِ ، لكن مع ظهورِ الإسلامِ اتحدتِ القبائلُ واختفتِ النزاعاتُ. ولعلَّ هذا الذي جعلَ البعضَ يعتقدُ بأنّ ذلك هو السببُ الذي دفعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم لاختراعِ دينِ الإسلامِ ! لذلك سنقومُ في ما يلي بتقييمِ هذه الدّعوى لنخلصَ إلى مدى صحّتِها أو بطلانِها.

أولاً: طلَبَ أهلُ مكةَ في بدايةِ الدعوةِ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تغييرَ وتحريفَ الوحيِ، يقولُ اللهُ عز وجل في محكمِ التنزيلِ: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (يونس: 15-16). لو كان هدفُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم هو استمالةُ العربِ من أجلِ توحيدِهم لقَبِل أن يغيَّر الوحيَ ليكونَ كما أرادوه، لكنّه صلى الله عليه وسلم كان صريحاً وصادقاً ولم يكنْ هدفُه الحصولُ على أتباعٍ من العربِ أو إرضائِهم، فقد كان حريصاً على تبليغِ الرسالةِ كما هي والانصياعِ لأوامرِ اللهِ عز وجل.

ثانياً: لم يعتقدِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنّ العربَ هم أعلى رتبةً من غيرهِم لأنهمْ عربٌ، بل إنّ معيارَ التقوَى ومخافَةَ اللهِ هو مقياسُ الأفضليةِ عندَ اللهِ، فقدْ قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى" [مسند أحمد بن حنبل: حديث رقم 22978، وصحح الشيخ شعيب الأرنؤوط اسناده]

كما لا يخفَى على عاقلٍ أنه لو كانَ الهدفُ من وراءِ دعوةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم هو توحيدُ العربِ لكان من الأسهلِ والأيسرِ له، لتحقيقِ هذا الهدفِ هو الدعوةُ لعبادةِ الأصنامِ التي كانَ المشركونَ العربُ عاكفينَ عليها في ذلكَ الوقتَ!! بل لماذا قَبِلَ إسلامَ غيرِ العربِ أمثالِ سلمانِ الفارسيِّ إن كان الدينُ فقط وُجِدَ لتوحيدِ العربِ ؟

لذلكَ نلاحظُ مرةً أخرى دعوَى أنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم اخترعَ الدينَ من أجلِ توحيدِ العربِ لا أصلَ لها من الصحةِ وليستْ حجةً مقنعةً على الإطلاقِ.

يتبع...

ساري فرح
12-27-2010, 11:49 PM
هل قامَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم بالاعتمادِ على الشرائعِ السابقةِ مثلَ الإنجيلِ؟

يجادلُ العديد من المشكّكينَ في الإسلامِ بأنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تعلّمَ الإنجيلَ من ابنِ عمِّ زوجته الأولى، ورقةٍ بنِ نوفلٍ ، أو من إحدَى زوجاته أمثالَ جويريةَ أو صفيةَ أو ماريةَ القبطيّةَ. لن أقومَ بتفنيدِ كلِّ نقطةٍ في هذا الموضوعِ ، لأنّ هذه الدعاوَى تم الردُّ عليها مسبقاً في العديدِ من المواقعِ الإلكترونيّةِ والكتبِ والتي يمكنُ الرجوعُ إليها والنّظرُ فيها. إلّا أنّي سأقومُ بطرحٍ عامٍّ لنقطتينِ كردٍّ على هذه الدَّعوَى، فأقولُ:

أولاً: الإتيانُ بمعلوماتٍ موجودةٍ من قبلُ لا يعتبُر أو يشيرُ إلى وجودِ غشِّ أو نسخٍّ:

إنّ ذكرَ القرآنِ لقصصِ الأنبياءِ: موسى عليه السلام أو داود عليه السلام والتي توجدُ أيضاً في الإنجيلِ لا يعني بالضرورةِ أنها منسوخةٌ منه، فمن المحتملِ جداً أنّ هذهِ القصصَ لم يتمَّ تحريفُها في الإنجيلِ فبّقِيّتْ ثم أتى القرآنُ ليثبتَ صحةَ هذهِ القصصِ، خصوصاً وأنّ هَذِه إحدى وظائفِ القرآنِ، يقولُ اللهُ عز وجل وفي محُكم التنزيلِ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} (المائدة: 48).

ثانياً: كيف تمكّنَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم من عدمِ الوقوعِ في الخطأِ على الإطلاقِ إنْ كان قد نَسَخَ أو نَقَلَ من الكتبِ الأخرى؟

لو صحتْ دعوَى أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كانَ ينقلُ من الكتاب المقدس بشكلٍ أعمَى، فإنّه من المنطقِ أيضاً أنّه نقلَ أيضاً بعضَ الأخطاءِ الموجودةِ في الكتاب المقدس أيضاً. فعلى سبيلِ المثالِ، يطلقُ الكتاب المقدس لقبَ "الفرعون" على الملكِ في زمنِ يوسفَ عليه السلام [انظر: سفر التكوين: الفصل 41، الايات أرقام 16، 25، 28]، بينما هذا اللقبُ أُطلقَ لأولِ مرةٍ من قِبَل المصريينَ على الحاكمِ من العائلةِ الحاكمةِ الثامنةِ عشرَ (1295 قبل الميلاد) في فترةِ المملكةِ الجديدةِ [لمزيد من التفاصيل أنظر مقالة "دقة القرآن في مقابل خطأ الإنجيل: ملوك وفراعنة مصر" على الرابط التالي: www.islamic-awareness.org/Quran/Contrad/External/josephdetail.html]. بينما إذا نظرتَ في القرآنِ فإنكَ تجدُ أنّه يُطلقُ على الحاكمِ في ذلكَ الزمنِ لقبَ العزيزِ [انظر: القرآن الكريم: سورة يوسف: الآيات رقم 43، 50، 54، 72، 76]، وعليه تجدُ أنّ استخدامَ الكتاب المقدس للقبِ الفرعونِ هو مفارقةٌ تاريخيةٌ، بينما لا تجدُ في القرآن أيَّ مفارقةٍ تاريخيةٍ.

فالكتاب المقدس على سبيلِ المثالِ يذكرُ أنّه لا يوجدُ أي شئٍ يمكنُ أن يتفادَى حرارةَ الشمسِ [كتاب المزامير ، الفصل 19 ، الآية 6] مما يظهرُ عدمَ معرفةِ مؤلفِ بضخامةِ الكونِ وكيفَ أنّ هنالكَ أشياءَ كثيرةً لا تصلُ إليها حرارةُ الشمسِ، بينما القرآنُ لا يذكرُ شيئاً مشابهاً لما هو في الكتاب المقدس، بل إنّ القرآنَ يذكرُ خلافَ تلكَ المعلومةِ عندما تتحدثُ الآياتُ عن الظلامِ الموجودِ في أعماقِ البحارِ وكيفَ أنّ هذهِ الأماكنَ لا يصلُها شعاعُ الشمسِ [القران الكريم: سورة النور: آية رقم 40]. يحتوي الكتاب المقدس، في جزءِ العهدِ القديمِ [أنظر: أخبار الأيام الثاني] على وجهِ الخصوصِ معلوماتٍ متعلقةً بعلمِ الأنسابِ حيثُ تقترحُ هذهِ المعلوماتُ أنّ الجنسَ البشريَّ ظهرَ أولَ مرةٍ للوجودِ قبلَ 6200 إلى 7300 سنة، بينما تشيرُ الحفرياتُ والأحافيرُ البشريةُ المكتشفةُ بوجودِ الجنسِ البشريِّ قبلَ ذلك الوقتِ بكثيرٍ!!

• "إنّ الجماجمَ المتحجرةَ لشخصينِ بالغينِ وطفلٍ واحدٍ في منطقةِ عفار في شرقِ اثيوبيا، يقدّر عمرها ب 160 ألف سنة، مما يجعلها أقدمَ الأحافيرِ المعروفةِ للجنسِ البشريِّ" [Robert Sanders, "160,000-year-old fossilized skulls uncovered in Ethiopia are oldest anatomically modern humans", UC Berkley News, 11 June, 2003, Available: http://www.berkeley.edu/news/media/releases/2003/06/11_oldest-humans.shtml].
• "كشفَ العلماءُ مؤخراً عن ثلاثِ جمامجمَ يعودُ عمرُها لـ160 ألف سنة تمَّ اكتشافها في أثيوبيا، مما يجعلُها أقدمَ الأحافيرِ المحفوظةِ للإنسانِ الحديثِ" [Rick Callahanm, "160,000-Year-Old Skulls Found", CBS News, June 11 2003, Available: http://www.cbsnews.com/stories/2003/06/11/tech/main558166.shtml].
• "إنّ الأحافيرَ التي تمَّ اكتشافُها قبلَ 38 عاماً في أفريقيا هي في الحقيقةِ أقدمُ بـ 65000 سنة مما كانَ يُتوقعُ من قبلُ. مما يعيدُ فجرَ البشريةِ الحديثةِ 35000 سنة إلى الوراءِ" [Hillary Mayell, "Oldest Human Fossils Identified", National Geographic News, February 16, 2005, Available: http://news.nationalgeographic.com/news/2005/02/0216_050216_omo.html].

من ناحيةٍ أخرى، فإنّ القرآنَ والأحاديثَ الصحيحةَ لم يشيرا إلى هذه النقطةِ مطلقاً، مما يؤكّدُ أنّه لو قامَ النبي صلى الله عليه وسلم بنسخَ الكتاب المقدس أو الاعتمادِ عليه لنسخٍ أو اقتباسٍ من هذه التواريخِ خصوصاً وأنّها متفرقةٌ في الكتاب المقدس. لذلك، وبعد فحصٍ وتمحيصٍ لادّعاءَ النسخِ من الإنجيلِ، فإننا نجدُ أنّ الأدلةَ تدلُّ على خلافِ الادّعاءِ المقترحِ وبأنّ الدلائلَ تدعمُ صدقَ النبوةِ المحمديةِ.

القرآنُ والسنّةُ يتوافقانِ مع العلمِ الحديثِ

هناك العديدُ من الآياتِ والأحاديثِ الصحيحةِ التي أثبتَ العلمُ الحديثُ صحتَها وصدقَها، حيث يستحيلُ على رجلٍ مثلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يعلمَ بهذه الحقائقِ. هنالك الكثيرُ من الأمثلةِ التي يمكنُ أن أطرحَها في هذا المقامِ لكني سأكتفي بعشرةِ أمثلةٍ فقط:

مدارُ القمرِ:

يقولُ الله تعالى: }وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ{(يس: 39-40). من المعلومِ أنّ القمرَ لا يدورُ ضمنَ مدارٍ منتظمٍ كأقمارِ الكواكبِ الأخرى، فالقمرُ يدورُ حولَ الأرضِ، لمنه في بعض الأحيانِ يكونُ في المقدمةِ وفي بعضِ الأحيانِ يكونُ في المؤخرةِ، كما أنّه يتحركُ مع الكرةِ الأرضيةِ حولَ الشمسِ. في الحقيقة إنّ مسارَ القمرِ في مدارِه يتخذُ شكلاً ثابتاً مثلُ حرفِ "S" باللغةِ الإنجليزيةِ (انظرِ الصورة هنا)، وقد وصفَ القرآنُ هذا المدارَ بالعرجونِ القديمِ والذي يتخذُ نفسَ شكلِ هذا الحرفِ (انظر صورة العرجونِ هنا).


أمواجٌ تعلو أمواجاً

قال الله تعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (النور:40).

اكتشفَ العلماءُ مؤخراً وجودَ أمواجٍ في أسفلِ البحرِ، حيثُ تحدثُ هذهِ الأمواجُ بين الطبقاتِ المائيةِ ذاتِ الكثافةِ المختلفةِ، وتغطي هذهِ الأمواجُ قاعَ المحيطاتَ والبحارَ لأنَّ كثافةَ الماءِ في الأسفلِ أعلَى من كثافةِ الماءِ أعلاه. فالأمواجُ الداخليةُ في عمقِ البحارِ مشابهةٌ للأمواجِ التي تحدثُ على سطحِ البحرِ، حيثُ يمكنُ أن تتكسّرَ هذهِ الأمواجُ كما هو الحالُ في الأمواجِ التي تظهرُ على سطحِ البحرِ. لا تستطيعُ العينُ المجردةُ تمييزَ أو معاينةَ هذهِ الأمواجِ الداخليةِ، فهذهِ الأمواجُ يتمُّ العثورُ عليها من خلالِ دراسةِ تغيّرِ درجةِ حرارةِ أو ملوحةِ الماءِ في الموقعِ. [M. Grant Gross, Oceanography, A View of Earth, 6th ed. (Englewood Cliffs: Prentice-Hall Inc.: 1993), p. 205, cited in Harun Yahya’s Miracles of the Qur’an]

عسلُ أنثى النحل
يبينُ اللهُ عز وجل في كتابهِ العزيزِ في سورةِ النحلِ في الآياتِ (68-69) أنّ مهمةَ أنثى النحلِ بناءُ الخلايا وجمعُ الطعامِ، وهذهِ المهامُّ ليستْ من مهامِّ ذكَرِ النحلِ الذي مهمتُه الرئيسةُ هي تلقيحُ ملكةِ النحلِ. إنّ افتراضَ أنّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم هو الذي قامَ بتأليفِ القرآنِ، يعني أنّه كانَ يملكُ فرصةً من ثلاثِ فرصٍ حتى يتمكنَ من معرفةِ الجوابِ الصحيحِ ، فقد كانَ بالإمكانِ أن يخطأَ وأن يقولَ أنّ تلكَ المهامّ هي من مهامِّ الذكرِ أو الأنثى والذكرِ! إنّ هذهِ الحجةَ لوحدِها دونَ الحججِ والقرائنِ الأخرى قدْ لا تكونُ قويةً جداً لأنّ بعضَ الناسِ قد يشيرونَ إلى مصادرَ أخرى موجودةٍ قبلَ الإسلامِ تقولُ بتلكَ المعلومةِ! إلا أنّه بالرغمِ من ذلكَ، فإنّ هذهِ الحجةِ تعتبرُ دليلاً حيثياً لإنّ هذا الرأيَ لم يتبناهُ الجميعُ من قبلُ.

طبقاتُ الأرضِ السبعةِ
عَنْ سَالِمٍ، عَنْ اَبِيهِ ـ رضى الله عنه ـ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ مَنْ اَخَذَ مِنَ الاَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اِلَى سَبْعِ اَرَضِينَ" [صحيح البخاري: كتاب المظالم: حديث رقم 634]. إنّ التعبيرَ المستخدمَ في هذا الحديثِ يشيرُ إلى التقسيمِ الطبقيِّ حولَ مركزِ الأرضِ وكما نعلمُ فالأرضُ تتكونُ من سبعِ طبقاتٍ هي:
1- القشرةُ
2- الغلافُ الصخريُّ
3- نطاقُ الضعفِ الأرضيِّ
4- الوشاحُ الأعلى
5- الوشاحُ الأدنى
6- النواةُ الخارجيةُ
7- النواة الداخليةُ

وزنُ الغيومِ
هل من الممكنِ أن يكونَ للغيومِ وزنٌ وهي تطيرُ في الهواءِ مثلَ بالونٍ مملوءٍ بغازِ الهيليومِ ؟ مثلُ هذا السؤالِ يمكنُ أن يطرحه شخصٌ غيرُ متعلمٍ قبلَ 1400 سنةٍ ، لكنّ اللهَ عز وجل أشارَ إلى أنّ للغيومِ وزناً منذ ذلكَ الوقتِ، يقولُ اللهُ عز وجل في محكمِ تنزيله: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (الأعراف: 57) ويقولُ سبحانه أيضاً: {هُوَ الَّذى يُريكُمُ البَرقَ خَوفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ} (الرعد: 12). ونحنُ نعلمُ اليومَ أنّ للغيومِ وزناً خلافاً لما كانَ يعتقدهُ الناسُ من قبلُ.

تشكّلُ الحليبِ (اللبن)
يقولُ اللهُ عز وجل في القرآنِ الكريمِ: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ} (النحل: 66). تأملْ هذهِ الآيةِ ثم اقرأْ ما يقولُه العلمُ الحديثُ عن عمليةِ تكوّنِ الحليبِ في الضّرعِ : "تتشكّل أغلبُ مكوّناتِ اللبنِ أو الحليبِ في ضرعِ البقرةِ نتيجةً لعمليةِ الهضمِ التي تحدثُ للموادِّ الأوليةِ حيثُ تنتقلُ هذه الموادُّ عبرَ الدمِ إلى ثديِ الحيوانِ حتى يتمَّ توفيرُ اللبناتِ الأساسيةِ لعمليةِ الأيضِ" [Pieter Walstra, J. T. M. Wouters, T. J. Geurts, Dairy Science and Technology, 2nd Edition, page. 7].

السائلُ المنويُّ هوَ الذي يحدّدُ جنسَ المولودِ
يقول الله عز وجل في القران الكريم: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى، فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى} (القيامة: 37-39). إنّ هذهِ الآيةَ تصرّحُ بأنّ السائلَ المنويَّ هوَ الذي يحددُ جنسَ المولودِ ، وهو موافقٌ لما أثبته العلمُ الحديثُ بأنّ جنسَ المولودِ يتحددُ حسبَ الكروموزم الموجودِ في السائلِ المنويِّ للرجلِ الذي يتّحدُ مع بويضةِ المرأةِ.

النجمُ المشعُّ (نجمُ البولسار)
يقولُ اللهُ عز وجل في القرآنِ الكريمِ : {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ} (الطارق: 1-3).
يصفُ القرآنُ في هذهِ الآيةِ نجماً يحملُ صفةَ الطرقِ. ففي عامِ 1960 تم اكتشافُ أنّ نجمَ البولسارِ يطلقُ أشعةً لاسلكيةً تنتِجُ أصواتاً تشبهُ صوتَ طرقَ البابِ. لسماعِ هذهِ الأصواتِ الناتجةِ من النجمِ الرجاءُ مطالعةُ هذا الرابط.
كيفَ يمكنُ لرجلٍ ألّفَ القرآنَ قبلَ قرونٍ عدة أن يعلمَ بخاصيةِ هذا النجمِ؟

ميزةُ الاستشعارِ الموجودةِ في الجلدِ
يقولُ اللهُ عز وجل في كتابهِ الحكيمِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} (النساء: 56).
في هذهِ الآيةِ دلالةٌ صريحةٌ على أنّ موحيَ القرآنِ كانَ على علمٍ بأنّ الجلدَ هوَ الذي يحوي مستشعراتِ الألمِ! ففي الآيةِ تم ربطُ الإحساسِ بالألمِ بالجلدِ كما هو ظاهرٌ بنصِّ الآيةِ.

الرياحُ الملقّحةُ
يقول الله عز وجل في كتابه الحكيم: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} ( الحجر: 22).
لم يزلِ الاعتقادُ سائداً حتى القرنِ العشرينِ بأنّ دورَ الرّياحِ هو تحريكُ السحابِ والغيومِ لتصبحَ على شكلِ أمطارٍ. لكنّنا الآن بتنا نعلمُ بأنّ الرياحَ تقومُ بمهمةِ نقلِ اللقاحِ أيضاً. قامَ هارونُ يحيى بشرحِ هذه المهمةِ في كتابهِ "القرآنُ يقودُ إلى العلمِ" فقالَ:
"يوجدُ هنالكَ عددٌ لا نهائيٌّ من فقاقيعِ الهواءِ التي تعلو سطحِ البحارِ والمحيطاتِ ، والتي تنتجٌ بسببِ رغوةِ الماءِ. عندما تنفجرُ هذهِ الفقاعاتُ، تتطايرُ الآلافُ من الجزيئاتِ الصغيرةِ والتي يبلغُ قطرها 100 مليميتر في الهواءِ. تختلطُ هذهِ الجزئياتُ، التي تُعرفُ باسمِ الهباءِ الجويِّ، مع الغبارِ القادمِ من الأرضِ الذي تحملهُ الرياحُ إلى الطبقاتِ الجويةِ العليا. عندِ صعودِ هذهِ الجزيئاتِ إلى الأعلى فإنها تلامسُ بخارَ الماءِ هناكَ والتي تتركزُ حولَ هذهِ الجزيئاتِ لتتحولَ بعدَها إلى قطراتِ ماءٍ صغيرةِ الحجمِ. تتجمّعُ هذهِ القطيراتُ لتشكلَ السحبَ والغيومَ لتسقطَ بعد ذلكَ إلى الأرضِ على شكلِ أمطارٍ. لذا كما هو ملاحظٌ، فإنّ الرياحَ تقومُ بتلقيحِ قطراتِ الماءِ العائمةِ في الهواءِ بالجزئياتِ التي تحملُها من البحارِ والتي بدورها تساعدُ في تكوّنِ الغيومِ المحمّلةِ بالمطرِ" [القرآن يقود إلى العلم، هارون يحيى: أنظر الرابط هنا لقراءة المزيد http://www.harunyahya.com/the_Quran_leads_the_way_to_science05_1.php].

يتبع...

ساري فرح
01-01-2011, 03:38 PM
تحقّقُ النبوءاتِ المذكورةِ في القرآنِ والسنةِ النبويةِ

إنّ تحققَ النبوءاتِ التي جاءَ ذكرُها في القرآنِ والسنّةِ النبويّةِ الصحيحةِ دليلٌ آخرُ على صدقِ نبوةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم فهنالكَ المئاتُ من النبوءاتِ التي ذكرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم وتحققت، إلا إني سأورد تسعَ نبوءاتٍ فقط للاختصارِ:


النبوءةُ الأولى:

يقولُ اللهُ عز وجل في محكمِ تنزيلهِ: {غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} (الروم:2-4).
نزلَت هذهِ الآياتُ تقريباً في عام 620 بعد الميلادِ، أيْ بعدَ سبعةِ سنينَ من انتصارِ الفرسِ المجوسِ على البيزنطيينَ النصارى في عامِ 613-614 بعدَ الميلادِ. كانتْ هذهِ الهزيمةُ مفجعةً ومدمّرةً للبيزنطيينَ بشكلٍ يوحِي أنّه لنْ تقومَ لهم قائمةٌ بعدَ ذلك اليومِ. فبعدَ انتصارِ الفرسِ على البيزنطيينَ في أنطاكيا عام 613، قامَ الفرسُ بالسيطرةِ على دمشقَ وطرسوسَ وأرمينيا والقدسِ التي اعتبرَها البيزنطيونَ فاجعةً حقيقةً فقد دمّرَ الفرسُ حينَها كنيسةَ القيامةِ واستولى الفرسُ على الصليبِ الذي يُعتبر شعارَ النصارى. بالإضافةِ لكلِّ ذلكَ، فقد كانَ وجودُ الشرقِ أوروبيينَ والألمانَ والأفارَ يُعتبرُ تهديداً خطيراً للإمبراطويةِ البيزنطيّةِ. فالأفارُ وصلوا حدودَ القسطنطينيةِ، مما دعا الإمبراطورَ هرقل أن يأمرَ بصهرِ الذهبِ والفضةِ الموجودِ في الكنائسِ لتحويلهِ إلى نقودٍ حتى يتمكّن من تغطيةِ نفقاتِ جيشهِ. إلا أنّ ذلكَ لم يغنِ شيئاً مما جعلهم يصهرون تماثيل البرونز أيضاً حتى يتمكنوا من صنعِ المزيدِ من النقودِ. تمرّد العديدُ من القادةِ على هرقلَ مما جعلَ الدولةَ البيزنطيةَ على حافةِ الانهيارِ، خصوصاً وأنّ العراقَ ومصرَ وفلسطينَ وسوريا وأرمينيا واليونان كانت تابعةً للبيزنطيينَ قبلَ أن يتمَّ احتلالُهم من قِبَلِ الفرسِ المجوسِ. [Warren Treadgold, A History of the Byzantine State and Society (Palo Alto, CA: Stanford University Press: 1997), pp. 287-99, cited in Harun Yahya’s book The Miracles of the Qur’an]

توقّعَ الجميعُ الدمارَ للبيزنطيينَ باعتبارِ جميعِ هذهِ الظروفِ، مما جعلَ نبوءةَ انتصارهِم، المذكورةِ في القرآنِ الكريمِ، في فترةٍ لا تقلُّ عن 3 سنواتٍ ولا تزيدُ عن تسعِ سنواتٍ المذكورةِ في الآياتِ خلالَ 3 – 9 سنواتٍ مستحيلةِ الحدوثِ لذلكَ لم يصدقِ العربُ وقتَها أنّ هذا ممكنٌ أن يحدثَ ، إلى أن جاءَ عامُ 622 بعدَ الميلادِ حينَ استطاعَ هرقلُ تحقيقَ عددٍ من الانتصاراتِ على الفرسِ حتى تمكّنَ من الانتصارِ تماماً في عام 630 للميلادِ.

النبوءةُ الثانيةُ

عن أَبُي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى". [صحيح بخاري: كتاب الفتن وأشراط الساعة: حديث رقم 234]

شَهِدَ العديدُ من العلماءِ بوقوعِ هذه الحادثةِ، ومن هؤلاءِ العلماءِ:

- الإمامُ النوويُّ في شرحِه لصحيحِ مسلمٍ (18\28)
- ابنُ كثيرٍ في البدايةِ والنهايةِ \ الفتن والملاحم (1\14) حيثُ ذكرَ أكثرَ من روايةٍ منْ أكثرِ من شخصٍ ممن يقطنونَ بصرى أنهم شاهدُوا أعناقَ الإبلِ منَ النارِ التي ظهرتْ في الحجازِ.
- الإمامُ القرطبيُّ في كتابه التذكرةُ، صفحة 636 حين ذكرَ أنّ هذهِ النارَ استطاعَ المارُّ رأيتَها من مكةَ وجبالِ البصرى.
- الحافظُ ابن حجرٍ العسقلانيُّ في كتابِه فتحُ الباري (13\79).

النبوءةُ الثالثةُ

عَنْ اَبِي هُرَيْرَةَ، اَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ‏"‏ لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ...‏ وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ" [صحيح بخاري: كتاب الفتن وأشراط الساعة: حديث رقم 237].

لا يخفَى أنّ هذهِ النبوءاتِ قد تحقّقتْ، ففي العقدِ المنصرمِ فقط ، تُوفّيَ العديدُ من العلماءِ العظماءِ أمثالَ الشعراويّ والألبانيّ وابن عثيمينَ وابنَ بازٍ وغيرهم. مما جعلَ أهلَ العلمِ الذين لا زالوا على قيدِ الحياةِ في يومنا هذا قلةً مقارنةً مع الحالِ في السابقِ حينَ كان يوجدُ المئاتُ بل والآلافُ من العلماءِ يعيشونَ في نفسِ الفترةِ.

أمّا في ما يخصُّ التطاولَ في البنيانِ فإنّ هذهِ النبوءةَ كانتْ تشيرُ على وجهِ الخصوصِ للعربِ [أنظر مُسند أحمد: حديث رقم 2775، وقد صحح الشيخ الألباني هذا الحديث في السلسلة الصحيحة تحت حديث رقم 1345، كذلك صحح الحديث الشخ أحمد شاكر في تحقيقه للمُسند]. فاليومَ، نرى هذه النبوءةَ ظاهرة ًللعيانِ في المدنِ العربيةِ كدبيّ والرياضِ حيث أصبحَ العمرانُ مسألةً تنافسيةً وبغرضِ التفوقِ والتميزِ!

النبوءةُ الرابعةُ:

عن اَبُي مَالِكٍ ـ الاَشْعَرِيُّ، قال: سَمِعَتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏ لَيَكُونَنَّ مِنْ اُمَّتِي اَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ" [صحيح بخاري: كتاب الأشربة: حديث رقم 151]. وأنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: "وَاِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِكُمْ قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ وَبِالدَّجَّالِ وَبِالشَّفَاعَةِ وَبِعَذَابِ الْقَبْرِ وَبِقَوْمٍ يُخْرَجُونَ مِنْ النَّارِ بَعْدَمَا امْتَحَشُوا‏" [مسند أحمد: حديث رقم 151، وقد صححه الشيخ أحمد شاكر اسناده].

إنّنا اليومَ نرى العديدَ من الليبراليّينَ ودعاةَ التجديدِ يجيزونَ لبسَ الحريرِ والألاتِ الموسيقيةِ، بل لم يتوقفِ الأمرُ عندَ هذا الحدِّ فتنازلوا عن الحدودِ حتى يُظهروا سماحةِ الدين للغيرِ، على حدِّ زعمِهم، فأخبروا العامةَ بأنَّ الإسلامَ لم يُشرِّعْ حدَّ الرجمِ للزاني المحصَنِ! كما أنّ هنالكَ بعضُ المعتزلةِ الذينَ رفضوا الاعتقادَ بأنّ المسلمَ لا يخلدُ في النارِ! مما يثبتُ لنا بالدليلِ القاطعِ صدقَ نبوءة النبيِّ صلى الله عليه وسلم في ما يتعلقُ بأمورٍ معينةٍ قد أتتْ على الوصفِ الذي ذكرَه.

النبوءةُ الخامسةُ:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلاَتٌ مَائِلاَتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لاَ يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ‏"‏ [صحيح مسلم: كتاب الباس والزينة: حديث رقم 5310]‏.‏

أليسَ ما ذُكرَ في هذا الحديثِ صحيحٌ وواقعٌ في زمانِنا؟ انظرْ من حولِكَ ، فلباسُ النساءِ بعيدٌ كلَّ البعدِ عن الاحتشامِ والسِّترِ! وتأملْ كيفَ أنّ هذهِ الأحوالَ لمْ تكنْ على عهدِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم أو ظاهرةً في تلكَ الفترةِ مما يؤكّدُ صدقَ النبوةِ فهذا الحديثُ من علاماتِ صدقِ النبوّةِ لما فيه من علاماتٍ وإشاراتٍ لما سيقعُ ، وقدْ وقعَ.

النبوءةُ السادسةُ:

عَنْ اَنَسٍ، اَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ‏" [مسند أحمد: حديث رقم: 11931، وقد صحح الشيخ الألباني في صحيح الجامع: حديث رقم 5895].‏
في هذا الحديثِ إشارةٌ خاصةٌ على وجهِ التعيينِ في أنّ التّباهي سيكونُ في المساجدِ، بل في التّطاولِ ورفعِ بنيانِها وهذا ظاهرٌ في روايةِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏"‏ مَا اُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ ‏"‏‏.‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى." [سنن أبي داود: كتاب الصلاة: حديث رقم 448]‏

لقدْ كانَ مسجدُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في عهدِه صغيراً وبسيطاً في بنيانِه، فالناسُ حينَها لم يزرعْ حبَّ الدنيا في قلوبِها ولم يتوقّعوا أنّه سيأتي يومٌ يكونُ جُلُّ اهتمامِ المسلمينَ بالتّباهي في بناءِ المساجدِ المزخرفةِ. إنّ هذهِ النبوءةَ واقعةٌ في يومِنا هذا في العديدِ من الدّول، ولنأخذ على سبيلِ المثالِ دولةَ الإماراتِ العربيةِ، فتكلفةُ مسجدِ الشيخِ زايدٍ في مدينةِ "أبو ظبي" تعادلُ 600 مليون دولارٍ حيثُ سيكونُ ثالثَ أكبرِ مسجدٍ في العالمِ. ولتسهيلِ الأمرِ، كلُّ ما عليكَ فعله هو إجراءُ بحثٍ على الإنترنت بطباعةِ "مساجدَ مزخرفةٍ" وستجدُ العجبَ العجابَ.

النبوءة السابعة

عَنْ أَنَسٍ، قَالَ لأُحَدِّثَنَّكُمْ حَدِيثًا لاَ يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا، وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ...‏" [صحيح بخاري: كتاب العلم: حديث رقم 81].

لم يكنْ في عهدِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ممكناً تخيّلُ أنّ المستوى الأخلاقيّ سينحدرُ لدرجةِ أنّ الزّنا سيظهرُ وينتشرُ، ونحنُ اليومَ نرى هذا الشيءَ يحدثُ في العلنِ، في الأفلامِ وفي الطرقاتِ وفي الشواطئِ التي أعدّتْ خصيصاً لمثلِ هذه الأمورِ كما هو الحالُ في بعضِ الدولِ.

النبوءةُ الثامنةُ:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ اَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ‏"‏يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ اِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَاَعُوذُ بِاللَّهِ اَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا اِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالاَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي اَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا..." [سنن ابن ماجه: حديث رقم 4009، وقد صحح الشيخ الألباني في صحيح ابن ماجه تحت حديث رقم 3246].

اليومَ نرى هذا واقعاً، فالأمراضُ الجنسيةُ المعديةُ التي ظهرتْ في عصرِنا لم تكنْ معروفةً قبلَ 50 سنةٍ من الآن! فتأملْ

النبوءةُ التاسعةُ :

عَنْ مَالِكِ بْنِ اَبِي مَرْيَمَ، قَالَ دَخَلَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ فَتَذَاكَرْنَا الطِّلاَءَ فَقَالَ حَدَّثَنِي اَبُو مَالِكٍ الاَشْعَرِيُّ، اَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ‏"‏لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ اُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا" [سنن أبي داود: كتاب الأشربة: حديث رقم 3680].

إنّ الفؤادَ ليحزنُ لرؤيةِ الكثيرِ من المسلمينَ اليومَ يدمنونَ شربَ الخمرِ ويعصونَ اللهَ، فالأمرُ اليومَ كما أخبرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم فالخمرُ اليومَ يُشربَ ولا يسمّى باسمِه فهو اليومَ يُطلقُ عليه المشروباتُ الروحيةُ أو يُعرفُ باسمه التجاريِّ بل إنّ البعضَ ليخففَ من وطء الاسمِ على نفسِه أصبحَ يسمِّي الخمرَ بالكأسِ والمشروبِ، واللهُ المستعانُ!

يتبع...

ساري فرح
01-02-2011, 04:33 PM
اجتيازُ النبِيِّ- صلى الله عليه وسلم - فحص الصدقِ وقابليّةُ الخطأِ

يُعرف هذا الاختبارُ باللغةِ الإنجليزيةِ (Falsifiability ) وهوَ عبارةٌ عن الاحتمالِ المنطقيِّ لإظهارِ خطأٍ ما لا يُحتمَلُ خطأُه عن طريقِ الملاحظةِ والتجاربِ الحسيةِ. (انظر هنا). إنّ حقيقةَ أنّ الإسلامَ يعرضُ فرصةً بسيطةً وسهلةً للتأكدِ من صحتِه ثم يستطيعُ اجتيازَ هذا الفحصِ لهو دليلٌ قويٌّ للغايةِ على صحتِه .

في ذاتِ مرةٍ، أتى اليهودُ يتبجحونَ بأنَّهم شعبُ اللهِ المختارُ وأنهم سيذهبونَ للجنةَ، فأنزلَ اللهُ الآيةَ التاليةَ متحدِّياً إياهمْ تمنّي الموتِ إن كانوا صادقينَ في زعمِهم، يقولُ اللهُ- عز وجل - في القرآنِ الكريمِ: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (البقرة: 94-95). إلا أنهمْ لم يجرؤوا على فعلِ ذلكَ أبداً بالرّغمِ مِن أنّ كلَّ ما كانَ عليهم فعلُه هو تمنّي الموتِ، فبفعلهمْ هذا سيتمكنونَ من الطعنِ في صدقِ النبوّةِ المحمديةِ والتنزيلِ في نفسِ اللحظةِ ولمَـَا آمنَ أحدٌ بمحمدٍ- صلى الله عليه وسلم- بعدَ ذلكَ. وإن تحدّيهم وعدمَ قدرتهمْ على فعلِ التحدّي بالرغمِ من بساطته لهو دليلٌ دامغٌ على قوّة التنزيلِ والرسالةِ وأنّ مثلِ هذا التحدّي يستحيلٌ أن يَصدرَ إلا من اللهِ - عز وجل - فهو الذي يعلمُ ما كانَ وما سيكونُ. فلو كان عندَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أدنى شكٍّ في صدقِ نبوّته لما كانت لديهِ الشجاعةُ ليعطيَ أشدَّ وألدَّ أعدائِه مثلَ هذا التحدّي البسيطِ الذي من خلالِه يستطيعونَ تفنيدَ دعوتِه!

يقولُ ابنُ كثيرٍ في تعقيبهِ على هذه الحادثةِ:

" قالَ محمدٌ بن إسحاقٍ عن محمدٍ بن أبي محمدٍ عن عكرمةَ أو سعيدٍ بن جبيرٍ عن ابنِ عباسٍ- رضيَ اللهُ عنهُ - يقولُ اللهُ تعالى لنبيِّه محمدٍ- صلى الله عليه وسلم- : {قلْ إنْ كانتْ لكمُ الدّارُ الآخرةُ عندَ اللهِ خالصةً من دونِ النّاسِ فتمنّوُا الموتَ إنْ كُنتُمْ صادقينَ} أيِ ادعوا بالموتِ على أيِّ الفريقينِ أكذبَ فأبوا ذلكَ على رسولِ اللهِ- صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- {ولن يتمنوهُ أبداً بما قدمتْ أيديهمْ واللهُ عليمٌ بالظالمينَ} أي بعلمِهمْ بما عندَهم من العلمِ بلْ والكفرِ بذلكَ ولو تمنّوهُ يومَ قالَ لهم ذلكَ ما بَقيَ على الأرضِ يهوديٌّ إلا ماتَ. وقال الضّحاكُ عن ابنِ عباسٍ : فتمنّوا الموتَ ؛ فسلُوا الموتَ، وقالَ عبدُ الرّزّاقِ عن مّعْمَرٍ عن عبدِ الكريمِ الجزريِّ عن عكرمةَ قولَه : فتمنّوا الموتَ إن كنتم صادقينَ قال : قال ابنُ عباسٍ : لو تمنّى يهودٌ الموتَ لماتوا ، وقالَ ابنُ أبي حاتمٍ : حدّثنا أبي حدّثنا عليٌّ بن محمدٍ الطنافسيّ حدّثنا عثامُ : سمعتُ الأعمشَ قالَ : لا أظنّه إلا عن المنهالِ عن سعيدٍ بن جبيرٍ عن ابنِ عباسٍ قالَ : لو تمنّوا الموتَ لشرقَ أحدُهم بريقِه وهذهِ أسانيدُ صحيحةٌ إلى ابنِ عباسٍ".

هلِ الإسلامُ من عملِ الشيطانِ؟

بعدَ بحثِ جميعِ الأدلةِ الظرفيّةِ والحقائقِ المتعلقةِ بنبوةِ المصطفى صلى الله عليه وسلم وإثباتِ صدقِ النبوّةِ يلجأُ المنكرونَ بشكلٍ يائسٍ إلى زَعمِ أنّ الشيطانَ هوَ الذي أخبرَ محمداً صلى الله عليه وسلم عن جميعِ الحقائقِ العلميةِ والنبوءاتِ المستقبليّةِ. فالنّصارى يزعمونَ أنّ الإنجيلَ يقولُ بأنّه سيكون هنالكَ أشخاصٌ يدّعونَ النبوّةَ زوراً وسيخدعونَ الناسَ بالمعجزاتِ والعجائبِ [انجيل متى: الفصل 24، المقطع 24]. وعلى هذا الأساسِ فهم يدّعون أنّ النبيَّ محمداً صلى الله عليه وسلم واحدٌ من هؤلاءِ الأشخاصِ. إلاّ أنّه لسوءِ حظِّ النّصارى، فإنهم لا يستطيعونَ اتخاذَ هذا المنحى في النقاشِ، لأن ادّعاءَ أنّ الإسلامَ من عملِ الشيطانِ وأنّ النصرانيةَ هي الدينُ الصحيحُ لا يستقيمُ ، كما لا يمكنُ للديانتينِ أن يكونا صحيحين في نفسِ الوقتِ، لماذا؟

يذكر إنجيلُ مارك (مرقس)، الفصلُ الثالثُ، المقاطع 22-26 قصة كيفَ أنّ عيسى عليه السلام كانَ يطردُ الأرواحَ الشريرةَ والشيطانَ من الناسِ، بينما اتّهمهُ اليهودُ بأنّه يفعلُ ذلك بمساعدةِ من الشيطانِ، إلا أنّ عيسى عليه السلام ردّ عليهم وأظهرَ بطلانَ زعمِهم بقولِه أنّ الشيطانَ لا يستطيعُ إخراجَ شيطانٍ آخرَ. لذلكَ، فإننا نستطيعُ أن نقولَ بناءاً على ما قالهُ عيسى عليه السلام في الإنجيلِ، بأنّ ذلكَ أمرٌ لا يستطيعُ فعلهُ رجلٌ يدّعي النبوةَ كذباً، وهذا ما على النصرانيِّ أن يؤمنَ به. لذا فإني سأقدمُ الآن معضلةَ تواجُه النصارى الذين يزعمونَ أنّ الإسلامَ من عملِ الشيطانِ، فقد ثبتَ في الحديثِ الصحيحِ أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم عملَ على طردِ الأرواحِ الشريرةِ (الشيطانِ) من أحدِ الأطفالِ [مسند أحمد: 4\ 170، وقد صححه الشيخ شعيب الأرنؤوط] ومن أحدِ الصحابةِ رضي الله عنهم [سنن ابن ماجه: حديث رقم 3538، وقد صحح الشيخ الألباني الحديث في صحيح ابن ماجه، تحت حديث رقم 2858]. كما أنّ القرآنَ أثبتَ فعاليتَه كرقيةٍ لطردِ الشيطانِ من جسمِ الإنسانِ و منعِ تأثيرِه عليهِ، يقولُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ:

" فقدْ جرّبَ المجرّبونَ الذينَ لا يُحصّوْنَ كثرةَ أنَّ لها(يعني آياتِ القرآنِ الكريمِ ) منْ التأثيرِ فى دفعِ الشياطينِ وإبطالِ أحوالهمْ مالا ينضبطُ من كثرتِه وقوتِه فإنِّ لها تأثيراً عظيماً في دفعِ الشيطانِ عن نفسِ الإنسانِ وعن المصروعِ وعنْ من تعينهِ الشياطينُ مثلِ أهلِ الظلمِ والغضبِ وأهلِ الشهوةِ والطربِ وأربابِ السماعِ -المكاءِ والتَّصدِيةِ- إذا قُرِئتْ عليهمْ بصدقٍ دَفعتْ الشياطينَ وبطلتِ الأمورُ التى يُخيّلها الشيطانُ ويبطلُ ما عند إخوانِ الشياطينِ من مكاشفةٍ شيطانيةٍ وتصرفٍ شيطانيٍّ" [مجموع الفتاوى: 19\55].

وقد استعملَ الإمامُ أحمدُ بن حنبلٍ الرقيةَ منَ القرآنِ [أنظر كتاب عالم الجن والشياطين للدكتور عمر الأشقر 209-210] وما زالَ الحالُ حتى يومِنا هذهِ يُعالج الناسَ من مسِّ الشيطانِ بالقرآنِ الكريمِ.

لذلكَ، على النّصارى تقديمَ توضيحٍ منطقيٍّ وعقلانيٍّ لكلِّ الأدلةِ التي قدّمناها لإثباتِ صدقِ نبوّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم إن كان عندهم فعلاً حجةٌ بعدَ كلِّ ما سبقَ!

قدْ يأتي البعضُ ويسألُ: أليسَ ممكناً أن تكونَ كلتا الديانتينِ النصرانيةُ والإسلامُ من عملِ الشيطانِ؟ أقولُ في ردِّي على ذلكَ أنّه لا توجدُ ديانةٌ تقدمُ أدلةٌ وبراهينُ على صحِّتها وصدقِها أكثرُ من الإسلامِ. لذلكَ، إن أصرَّ البعضُ أنّ الإسلامَ من عملِ الشيطانِ فإنهُ يجبُ عليهمْ اعتقادُ أنّ بإمكانِ الشيطانِ أن يأتي بدينٍ أقوى حجةً من دينِ اللهِ وهذا يستحيلُ طبعاً.

أختمُ في نهايةِ هذا المقالِ بأنّ الأدلةَ الموضوعيةَ والعقلانيةَ (مع الابتعاد عن العواطفِ والتفكيرِ المنحازِ) يقودُنا إلى استنتاجِ أنّه لا إلهَ إلا اللهُ وأنّ محمداً صلى الله عليه وسلم رسولُ اللهِ.


للتّواصلِ مع الكاتبِ ولطرحِ أيِّ أَسئلةٍ: b_zawadi@hotmail.com

تم بحمد الله
أخوكم المحب أبو مريم (الثاني)

يارب ارحم حالي
01-02-2011, 06:12 PM
هل هناك مصادر لسيرة محمد تناقلها من لم يعتنقوا بما جاء به إلى يومنا هذا؟

هنالك العديدُ من المواقفِ والأحداثِ التي تفنّدُ هذا الادعاءَ وتثبتُ تواضعَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وحرصَه على أن لا يغالي المسلمونَ في مدحِه والاطراءِ عليه، فقد ثبتَ عن عمرَ بنِ الخطابِ رضي الله عنه أنه سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : ‏"‏ لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ" [صحيح بخاري: كتاب أحاديث الأنبياء: حديث رقم 654]‏‏. كما أنّه نهَى ومنعَ المسلمينَ من الوقوفِ له كما يفعلُ الفرسُ بملوكهم، حينما كانوا يقفون له عند قدومِه إجلالاً واحتراماً [أنظر طرف الحديث عند سنن الترمذي: حديث رقم 2754: قال الترمذي: حديث حسن صحيح، وانظر طرف الحديث الأخر في سنن أبي داود: حديث رقم 5230، وقد حسنه الحافظ ابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح: 4\336]. بل إنّ في القرآنِ الكريمِ آياتٍ عديدةٍ حملتْ في مضمونها عتاباً وتوجيهاتٍ وتصحيحاتٍ مباشرةً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في عدة مواقفَ، فمثلاً أثناءَ المرحلةِ المكيةِ، وفي خضمِّ انشغالِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في دعوةِ أشرافِ قريشٍ للإسلامِ – لعلمه أنّ دخولَهم في الإسلامِ يعني دخولِ مَن تحتَهم من الناسِ – أتاهُ ابنُ أمِّ مكتومٍ ، الرجلُ الأعمى الفقيرُ، يسأله عن الإسلامِ وهو لا يدري بانشغالِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم فعَبَسَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم في وجهه ثم أعرض عنه، فنزلت آياتٌ مباشرةٌ تعاتبُ فيها الرسولَ صلى الله عليه وسلم على تصرّفه مع ابنِ مكتومٍ [أنظر: القرآن الكريم: سورة عبس: الآية رقم 1-11].
والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين‏
ان من سب الله _والعياذ بالله _ يُقتل ، أما إذا تاب فلا يقتل
أما من سبَّ النبي _صلى الله عليه وسلم _ ، يُقتل وإن تاب .

ابن النبلاء
01-02-2011, 08:03 PM
يارب ارحم حالي
ارجو ان ترحم حالك اولا الناس تبحث عن النجاة وانت تبحث عن غيره! لديك المصادر الاسلامية الصحيحة النقية الموثقة التى لاتعرف الامم لها مثيلا ونظيرا (منهج علمي رصين )
حق الله مبني على المسامحة
ام حقوق العباد فلاندري عنها
لو ان رجلا سرق سيارتك ثم تاب هل هذا يكفي؟
ولكن لو ان رجلا ترك الصلاة ثم تاب فقد تاب الله عليه
هناك حقوق لله وحقوق للعباد وبينهما فرق
وعموما شكرا على ازالة توقيعك