المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرؤيا الصالحة



عمـاد البيــه
12-28-2010, 01:05 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين , اللهم صلى على محمد و آله و أصحابه و تابعيه بإحسان إلى يوم الدين.


عن أبي هريرة رضي الله عنه ‏قال: ‏
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ "‏لم يبق من النبوة إلا المبشرات قالوا وما المبشرات قال الرؤيا الصالحة"
رواه البخاري

عن ابن عباس:
أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم قال "إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرَى له"
رواه أحمد و مسلم و أبو داود و النسائي.

عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري:
أنه سمع رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول‏ "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة"
رواه البخاري.

‏عن ‏ ‏أنس بن مالك: ‏
‏أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏"الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة".
رواه أحمد و البخاري و مالك.

‏عن ‏ ‏أبي سعيد الخدري: ‏
‏أنه سمع النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏ ‏"إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره".
رواه أحمد و البخاري.

عن أبي قتادة قال:
‏سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول‏ "‏الرؤيا من الله والحلم من الشيطان فإذا حلم أحدكم حلما يكرهه ‏ ‏فلينفث ‏ ‏عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره"
رواه مسلم و أبو داود و مالك و الترمذي و صححه

الأحاديث المتقدمة تبين أن الرؤيا الصالحة هى مما بقى من النبوة في هذه الأمة و هى من المبشرات لمن يراها.
و لما كانت الرؤيا الصالحة بهذه الصفة و لما كان هناك أكثر من نوع من الرؤى يختلط في كثير من الأحيان بعضها على الناس فكانت الحاجة لتناول موضوع الرؤيا بشئ من التفصيل

و نرجوا من الله أن يهدينا للحق و يوفقنا في إدراكه و في إيصاله.



هناك ثلاثة مباحث في شأن الرؤيا:

المبحث الأول: ما هي الرؤيا الصالحة التي هي من المبشرات ؟

المبحث الثاني: الرؤيا الصادقة التي فيها مكروه يتحقق هل هي من الله أم من الشيطان؟

المبحث الثالث: تعبير الرؤيا



المبحث الأول: ما هي الرؤيا الصالحة التي هي من المبشرات ؟
ما هي الرؤيا الصالحة ؟ كيف نحكم على رؤيا أنها صالحة و أنها جزء من النبوة كما ورد في الحديث؟

هل هي الرؤيا الصادقة التي تتحقق, أم هي الرؤيا التي فيها ما يسر المرء , أم هي أى رؤيا يراها المؤمن؟

إن الروايات و الألفاظ التي جاءت في الرؤيا كثيرة فتارة "الصالحة" و أخرى "الحسنة" و أخرى أكثر تقييدا "الحسنة من الرجل الصالح" و أخرى أكثر تعميما "رؤيا المؤمن" و أخرى أكثر تعميما "رؤيا المسلم".

و لذا كان هناك بعض الخلاف فى تحديد معناها



قال أبو الوليد سليمان بن خلف في شرح حديث "الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة":

قوله صلى الله عليه وسلم الرؤيا الحسنة يحتمل - والله أعلم - أن يريد به الصادقة ويحتمل أن يريد به المبشرة.

(المنتقى شرح موطأ مالك - كتاب: الجامع - باب: ما جاء في الرؤيا)



كما قال ابن حجر:

‏ قوله ( الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح ) ‏

‏هذا يقيد ما أطلق في غير هذه الرواية كقوله " رؤيا المؤمن جزء " ولم يقيدها بكونها حسنة ولا بأن رائيها صالح ووقع في حديث أبي سعيد " الرؤيا الصالحة " وهو تفسير المراد بالحسنة هنا. إنتهى كلامه

(فتح الباري بشرح صحيح البخاري - كتاب: التعبير - باب: رؤيا الصالحين)



و يظهر أن الصحيح هو أن الرؤيا الصالحة المقصودة هي المبشرة و لسيت هي الرؤيا الصادقة التي تتحقق بخير أو شر و ذلك لعدة أسباب:

أولا: وصفها في الحديث بأنها من المبشرات يستلزم أنها تبشر بخير و على ذلك فقول كثير من أهل التعبير أنها قد تحمل إما بشارة أو إنذار فيه نظر إذ أن الإنذار عكس البشرى و على ذلك لا يجب القول بأن الرؤيا الصالحة التي وصفها الحديث بأنها من المبشرات (المنبئات بالخير) بأنها تشمل أيضا عكس المبشرات وهي المنبئات بالشر.

و قيل: أن المنذورة قد ترجع إلى معنى المبشرة لأن من أنذر بما سيقع له ولو كان لا يسره أحسن حالا ممن هجم عليه ذلك فإنه ينزعج ما لا ينزعج من كان يعلم بوقوعه فيكون ذلك تخفيفا عنه ورفقا به.

قلت: و لكن مثل ذلك لا يسمى بشرى.



ثانيا: قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي في صحيح مسلم و مسند أحمد و سنن أبي داود و النسائي "إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو تُرَى له"

فعبارة "تُرَى له" دليل على أن المقصود بها الرؤيا المبشرة بالخير إذ لو كان المقصود بها الرؤيا التي تقع أو تتحقق أيا كانت فإن فضلها في هذه الحالة سيعود دائما على من رآها فقط.

وعلى سبيل المثال لو أن أحدا رأى في المنام أن أخا له سيرزق بمولود فتحققت و رزق أخاه بمولود فلمن إذن ينسب فضل هذه الرؤيا؟ لو كان المقصود بها صدقها ففضلها إذن يرجع لمن رآها , كذلك لو رأى أن أخاه قد أصابه مكروه و وقع هذا المكروه فإنها أيضا سيرجع صدقها لمن رآها , إذن في كلتا الحالتين عاد صدقها على الرائي. فإذن كيف يمكن أن يعود فضلها إلى من شوهد في الرؤيا و ليس بالضرورة على من شاهد الرؤيا إلا أن يكون معناها "الرؤيا المبشرة بالخير" فهذه هي التي يمكن أن يراها المسلم أو ""تُرَى له" كما جاء في الحديث.



ثالثا: أن صدق الرؤيا يقع للكافر أيضا كما يقع للمسلم و قد وردت أمثلة من القرآن و الأحاديث على هذا أشهرها:

- ما جاء في سورة يوسف في رؤيا ملك مصر و كان كافرا

"وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ" - يوسف: ٤٣

و فسرها نبي الله يوسف عليه السلام:

"قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ" - يوسف: ٤٧- ٤٩

قال القرطبي:

هَذِهِ الْآيَة أَصْل فِي صِحَّة رُؤْيَا الْكَافِر , وَأَنَّهَا تَخْرُج عَلَى حَسَب مَا رَأَى.

(تفسير القرآن العظيم للقرطبي - سورة: يوسف آية: ٤٨)



و بالتالي فلا يقال أن المبشرات قد تأتي للكافر فالمبشرات من الفضل الذى لا يكون إلا للصالح أو المسلم.

قال تعالى "أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" - يونس: ٦٢-٦٤

قال الحافظ بن كثير في قوله " لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة " قال

" "الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له

و قد ذكر بن كثير في ذلك عدد من الروايات.

قيل أيضا أن الرؤى تكثر في الصالحين و تقل في غيرهم

تعقيب:

و لكن لم يثبت هذا عن كثير من الصالحين من الصحابة و غيرهم بل من الأنبياء أيضا

فنبي الله يوسف عليه السلام لم يرى في حياته إلا رؤيا واحدة

و لو كانت كثرة الرؤى دليلا على كثرة الصلاح لكان نبي الله يوسف عليه السلام أولى بها

كذلك كثير من الصحابة لم يثبت أنهم رأوا رؤى و بعضهم رأى رؤيا واحدة أو إثنتين في حياته.



قد يسأل سائل: ألم تأتي أحاديث تبين فضل الرؤيا الصادقة لذات صدقها بغض النظر عن كونها تحمل أمرا سارا.

- فقد روى البخاري و مسلم في صحيحهما ‏عن ‏ ‏عائشة ‏ ‏رضي الله عنها ‏ ‏أنها قالت: ‏

‏"أول ما بدئ به رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح".

- كذلك ما رواه البخاري عن ‏محمد بن سيرين ‏ ‏أنه سمع ‏ ‏أبا هريرة ‏ ‏يقول ‏ ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏

"إذا اقترب الزمان لم تكد تكذب رؤيا المؤمن ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة وما كان من النبوة فإنه لا يكذب"

- كذلك الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه ‏عن ‏ ‏أيوب السختياني ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن سيرين ‏ ‏عن ‏ ‏أبي هريرة ‏‏عن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ "‏إذا ‏ ‏اقترب الزمان ‏ ‏لم تكد رؤيا المسلم تكذب وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا ورؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة"

فيقال هذه الأحاديث تبين أن صدق الرؤيا في ذاته فضل لصاحبها و لذلك وصفت بأنها من النبوة لأنها تنبئ بشئ من الغيب و هي مما حظى به الأنبياء.



و الجواب:

لا خلاف أن الرؤيا الصالحة المبشرة بالخير من الله هي صادقة الخلاف أنه ليس كل رؤيا صادقة تكون مبشرة و بالتالى ليس كل رؤيا تتحقق يقال أنها رؤيا صالحة و أنها من النبوة.

فأما الحديث الأول فليس فيه أن من رؤى النبي الصادقة ما كان غير سار

و أما الحديثان الآخران و غيرهم بنفس المعنى فإنه يلزمنا الجمع بين "لم تكد تكذب" و بين "وأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا" إذ أن الأولى في ظاهرها تشير لعدم إحتمال وقوع الكذب أو وقوعه على الندرة و الثانية إلى وقوع الكذب ولكن بدرجات متفاوتة حسب صدق الرائي

- قال الحافظ بن حجر

لم تكد إلخ فيه إشارة إلى غلبة الصدق على الرؤيا وإن أمكن أن شيئا منها لا يصدق , والراجح أن المراد نفي الكذب عنها أصلا لأن حرف النفي الداخل على " كاد " ينفي قرب حصوله والنافي لقرب حصول الشيء أدل على نفيه نفسه ذكره الطيبي. (فتح الباري بشرح صحيح البخاري - كتاب: التعبير - باب: القيد في المنام).



- كذا قال المباركفوري في تحفة الأحوذي:

لم تكد ‏

أي لم يقرب.

(تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي - كتاب: الرؤيا عن رسول الله - باب: أن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة).



- كذا قال القرطبي في تفسير قوله تعالى "إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا"

لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا.

أي من شدة الظلمات . قال الزجاج وأبو عبيدة : المعنى لم يرها ولم يكد ; وهو معنى قول الحسن . ومعنى " لم يكد " لم يطمع أن يراها. وقال الفراء : كاد صلة , أي لم يرها ; كما تقول : ما كدت أعرفه . وقال المبرد : يعني لم يرها إلا من بعد الجهد ; كما تقول : ما كدت أراك من الظلمة , وقد رآه بعد يأس وشدة.

(تفسير القرآن العظيم للقرطبي - سورة: النور آية: ٤٠).



فالظاهر من الحديث أنه في الزمان المشار إليه فإن أي رؤيا يراها المسلم هي صادقة و من جهة أخرى يبين أن مدى صدقها يعتمد على صدق الرائي فييفهم من ذلك أن الخلل و الكذب قد يدخل على رؤيا المسلم الذي لا يتصف بالصدق في حديثه , و للجمع بين القولين:

ينبغي أن يقال الرؤيا التي لا تكذب هي تمميزا لها عن أضغاث الأحلام و هذا مقيد بأنها تأتي بأمر حسن و أن ظاهرها ليس فيه ما يكره الرائي أو يقلقه لأنها لو كانت فيها مثل هذا كانت حلم من الشيطان و ليست رؤيا و الدليل على هذا الحديث الصحيح

"إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان"

و هذا يرجح تفسير " ‏إذا اقترب الزمان" بأنه زمن المهدي أو زمن نزول عيسى عليه السلام , أورد ذلك بن حجر في شرح الحديث فقال:

"وقيل إن المراد بالزمان المذكور زمان المهدي عند بسط العدل وكثرة الأمن وبسط الخير والرزق"

وقال القرطبي في " المفهم " : والمراد والله أعلم بآخر الزمان المذكور في هذا الحديث زمان الطائفة الباقية مع عيسى بن مريم بعد قتله الدجال , فقد ذكر مسلم في حديث عبد الله بن عمر ما نصه " فيبعث الله عيسى بن مريم فيمكث في الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة , ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضه " الحديث . إنتهى كلامه

(فتح الباري بشرح صحيح البخاري - كتاب: التعبير - باب: القيد في المنام)



و أما معناها فقد يكون على حقيقتها كما جاءت في المنام و قد تصح بتأويل و درجة تأويلها تختلف حسب وضوحها فيكون هذا هو المراد بأصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا فيكون الصدق هنا عائد على وضوح الرؤيا للتعبير.



قد يعقب السائل: هذا معناه أنه لم يكن في رؤيا الأنبياء الصادقة مايزعج أو ينذر بمكروه فكيف ذلك و خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام رأى أنه يذبح ولده إسماعيل فهذا بالطبع شئ لا يحب أحد أن يفعله لإبنه , و كذلك رؤيا النبي صلى الله عليه و سلم في نحر البقر فأول البقر على من قُتِلَ من الصحابة يوم أحد. أيضا جاء في الحديث الصحيح - مدرجا من كلام بن سيرين أو أبي هريرة - "وكان يعجبهم القيد ويقال القيد ثبات في الدين" و القيد شئ يكرهه في الغالب الشخص في يقظته فهذا معناه أن الرؤيا و إن كان ظاهرها شئ لا يستحسنه الرائي إلا أنها قد تكون رؤيا صالحة منبأة بخير.



و الجواب:

- أما رؤيا إبراهيم عليه السلام فكانت رؤيا أمر و ليست رؤيا إخبار و هذا معروف عند أهل العلم فرؤيا الأمر هي من التشريع يأتي فيها أمر من الله تعالى و لذلك كان جواب ولده إسماعيل عليه السلام "قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ" (سورة: الصافات آية:١٠٢) و هذا لا يكون إلا للأنبياء و الرسل فهذا النوع من الرؤيا و هذا الجزء من أجزاء النبوة قد ذهب بوفاة خاتم الأنبياء و المرسلين. و أما الجزء الباقي في هذه الأمة فهو رؤيا الإخبار و البشارة و هذا يدل على مبدأ هام أيضا لا يعلم فيه خلافا بين أهل العلم و هو أنه:

لا يجوز أخذ تشريع من الرؤيا حتى و لو كانت صادقة.

و سيأتي تفصيل أكثر لهذا في الجزء الثالث من هذا البحث و هو تعبير الرؤيا.



- و أما رؤيا النبي فهذا نص الحديث عند البخاري:

‏عَنْ ‏ ‏أَبِي مُوسَى أُرَاهُ عَنْ النَّبِيِّ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَال

"رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ ‏ ‏مَكَّةَ ‏ ‏إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا ‏الْيَمَامَةُ ‏ ‏أَوْ ‏ ‏هَجَرٌ ‏ ‏فَإِذَا هِيَ ‏ ‏الْمَدِينَةُ ‏ ‏يَثْرِبُ ‏ ‏وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهِ خَيْرٌ فَإِذَا هُمْ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ ‏ ‏أُحُدٍ ‏ ‏وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ مِنْ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بِهِ بَعْدَ يَوْمِ ‏ ‏بَدْرٍ"

و عند أحمد:

‏عَنْ ‏ ‏جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ‏ ‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏ ‏قَال

"رَأَيْتُ كَأَنِّي فِي ‏ ‏ دِرْعٍ ‏ ‏ حَصِينَةٍ وَرَأَيْتُ بَقَرًا مُنَحَّرَةً ‏ ‏فَأَوَّلْتُ ‏ ‏أَنَّ ‏ ‏الدِّرْعَ ‏ ‏الْحَصِينَةَ ‏ ‏الْمَدِينَةُ ‏ ‏وَأَنَّ الْبَقَرَ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ قَالَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ لَوْ أَنَّا أَقَمْنَا ‏ ‏بِالْمَدِينَةِ ‏ ‏فَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْنَا فِيهَا قَاتَلْنَاهُمْ"

واضح من متون الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم وجد في هذه الرؤيا خيرا يسره و الدليل قوله بعد ذكر البقر "وَاللَّهِ خَيْرٌ" , و جاء في رواية في مسند أحمد عن بن عباس "‏وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ فَبَقَرٌ وَاللَّهِ خَيْرٌ" و في رواية بن إسحاق "وَإِنِّي رَأَيْت وَاَللَّه خَيْرًا , رَأَيْت بَقَرًا" و أما الرواية التي جاء فيها "تَأَوَّلْت الْبَقَرَ الَّتِي رَأَيْت بَقْرًا يَكُون فِينَا" فهذه رواية مرسلة فلم تأتي هذه الزيادة "بَقْرًا يَكُون فِينَا" في الروايات الصحيحة.



- و أما بخصوص الرؤى التي تأويلها عكس ظاهرها كالقيد يفسر بالثبات في الدين و كما يقال الضحك يفسر بالحزن و البكاء بالفرحة و ما شابه ذلك فإننا إذا فرضنا أن شخصا لا يعلم أن تأويل البكاء هو الفرحة - هذا على افتراض أن تأويلها كذلك - و رأى في المنام أنه يبكي فلما استيقظ كره ذلك فعمل بما جاء في الحديث الصحيح "وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد" فاستعاذ من شرها ولم يذكرها ظنا منه أنها من الشيطان و حتى لما يتحقق تأويلها و يرزق بفرحة في حياته فلن يعلم إذن أن هذه الفرحة هي تأويل رؤياه , إذن رؤياه هذه لم يكن لها معنى و بالتالي هل يجوز القول أن شخصا يرزق برؤيا صادقة ثم تنسب إلي الشيطان ثم عندما تتحقق لا يدرك ذلك؟ لا يبدوا هذا جائزا أن يقال , إذن الذي يجب أن يقال هو:

أن الرؤى التي تأول بضدها لا تأتي إلا لمن يعلم تأويلها.

و إلا فإنها تأتي بصورة أخرى يعلم منها الرائي جملة على الأقل إن كانت سارة أو مكروهة , فالثبات في الدين مثلا ليس بالضرورة أن يأتي في صورة قيد إن كان الرائي لا يدري أن القيد ثبات في الدين بل يراه شيئا مكروها لكنه يمكن أن يأتى في صور أخرى كثيرة و هكذا بالنسبة لكل رؤيا تؤل بنقيضها , و الله تعالى أعلم.

عمـاد البيــه
12-28-2010, 01:08 AM
المبحث الثاني: الرؤيا الصادقة التي فيها مكروه يتحقق هل هي من الله أم من الشيطان؟
علمنا أن الرؤيا الصالحة هي التي تحمل بشارة للرائي و علمنا أنها أيضا صادقة من جهة أنها رؤيا صحيحة من الله و ليست حلما من الشيطان أو أضغاث أحلام فيمكن أن نطلق عليها الرؤيا الصادقة الصالحة أو بعبارة أخرى الرؤيا الصادقة التي فيها بشارة.

لكن ماذا عن الرؤيا الصادقة التي فيها مكروه يتحقق؟

بالعودة إلى حديث:

"إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره"

فإن قلنا أنها من الله فكيف و الحديث يقول أن الرؤيا التي يكرهها الرائي تكون من الشيطان؟ و إن قلنا هي من الشيطان فكيف إذن تكون صادقة و تتحقق؟ و هل يمكن أن يصدق و يتحقق حلم من الشيطان؟



بعض من أقوال المفسرين في هذا الحديث:

استثنى الداودي من عموم قوله " إذا رأى ما يكره " ما يكون في الرؤيا الصادقة لكونها قد تقع إنذارا كما تقع تبشيرا وفي الإنذار نوع ما يكرهه الرائي فلا يشرع إذا عرف أنها صادقة ما ذكره من الاستعاذة ونحوها.



قال الحكيم الترمذي : الرؤيا الصادقة أصلها حق تخبر عن الحق وهو بشرى وإنذار ومعاتبة لتكون عونا لما ندب إليه.



قال القاضي عياض : يحتمل قوله الرؤيا الحسنة والصالحة أن يرجع إلى حسن ظاهرها أو صدقها , كما أن قوله الرؤيا المكروهة أو السوء يحتمل سوء الظاهر أو سوء التأويل.



قال ابن حجر: قوله في حديث أبي سعيد ( وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان ) ظاهر الحصر أن الرؤيا الصالحة لا تشتمل على شيء مما يكرهه الرائي , ويؤيده مقابلة رؤيا البشرى بالحلم وإضافة الحلم إلى الشيطان , وعلى هذا ففي قول أهل التعبير ومن تبعهم إن الرؤيا الصادقة قد تكون بشرى وقد تكون إنذارا نظر , لأن الإنذار غالبا يكون فيما يكره الرائي , ويمكن الجمع بأن الإنذار لا يستلزم وقوع المكروه كما تقدم تقريره , وبأن المراد بما يكره ما هو أعم من ظاهر الرؤيا ومما تعبر به.



قال القرطبي في " المفهم " ظاهر الخبر أن هذا النوع من الرؤيا يعني ما كان فيه تهويل أو تخويف أو تحزين هو المأمور بالاستعاذة منه لأنه من تخيلات الشيطان , فإذا استعاذ الرائي منه صادقا في التجائه إلى الله وفعل ما أمر به من التفل والتحول والصلاة أذهب الله عنه ما به وما يخافه من مكروه ذلك ولم يصبه منه شيء.

(فتح الباري بشرح صحيح البخاري - كتاب: التعبير- باب: الرؤيا من الله)



و الآن تعليق على الأقوال السابقة:

أما إستثناء الداودي من عموم قوله " إذا رأى ما يكره " ما يكون في الرؤيا الصادقة فهو يستثني حالة خاصة من المعنى العام و لكن هذا يستلزم معرفة كل منهما بوضوح حتى يمكن إستثناء الخاص من المعنى العام فالعام هنا هو "ما يكرهه الرائي" و الخاص هو "أن تكون الرؤيا صادقة" , ففي هذه الحالة كيف يمكن التأكد من أن الرؤيا صادقة حتى تستثنى من عموم المكروه؟ فالداودي نفسه قال في تفسيره "إذا عرف أنها صادقة" فيكون التعقيب على تفسيره: و كيف يعرف أنها صادقة و ليست من الشيطان؟

فالمفروض أن ظاهر الرؤيا هو الذي يحدد مدى صدقها و ليس العكس.



قول الحكيم الترمذي بأن الرؤيا الصادقة أصلها حق تخبر عن الحق وهي بشرى وإنذار ومعاتبة فهذا لا خلاف عليه لكنه لا يجيب عن التساؤل الذي نحن بصدده.



قول القاضي عياض "يحتمل قوله الرؤيا الحسنة والصالحة أن يرجع إلى حسن ظاهرها أو صدقها , كما أن قوله الرؤيا المكروهة أو السوء يحتمل سوء الظاهر أو سوء التأويل" أقول: المفهوم من الحديث أن المقصود حسن أو سوء ظاهرها و ليس تأويلها و إلا للزم أن هذا الحديث المخاطب به فقط هم المعبرون الذين يمكنهم معرفة التأويل و ليس كذلك فالحديث موجه لعموم المسلمين.



و أما قول ابن حجر في الشق الأول من حديثه "وعلى هذا ففي قول أهل التعبير ومن تبعهم إن الرؤيا الصادقة قد تكون بشرى وقد تكون إنذارا نظر , لأن الإنذار غالبا يكون فيما يكره الرائي" قلت: هذا على فرض أن رؤيا الإنذار تأتي في صورة مكروهة للرائي , و لكن ما المانع أن تأتي في صورة لا بأس بها و مع ذلك يكون تأويلها فيه مكروه. أما في جمعه بين الأمرين بقوله "المراد بما يكره ما هو أعم من ظاهر الرؤيا ومما تعبر به" فهذا القول فيه غموض لم أقف على مقصده , إن لم يكن سوء الرؤيا في ظاهرها ولا في تأويلها ففي ماذا إذن؟ و ماذا سيكون "الأعم" الذي أشار إليه.



قول القرطبي هنا أجد أنه الأقرب للفهم و الأكثر إتفاقا مع لفظ الحديث و هو "أن هذا النوع من الرؤيا يعني ما كان فيه تهويل أو تخويف أو تحزين هو المأمور بالاستعاذة منه لأنه من تخيلات الشيطان".



نستخلص من ذلك أن كل ما اشتمل في ظاهر الرؤيا على ما يكرهه الرائي من ضيق أو حزن أو قلق أو فزع و ما إليه فهي ليست رؤيا صادقة و إنما حلم من الشيطان.

أما الرؤيا الصادقة التي تأويلها مكروه فلابد أن تأتي في ظاهرها بشكل لا يكرهه الرائي فلا يضيق ولا يحزن ولا يخاف و إنما يرى أمرا إما خيرا أو ليس بسار ولا بمكروه في ذاته و لكن بين هذا و ذاك و من ثم يمكن أن يعبره أو يعرف تعبيره فيما بعد و يعرف إن كانت تبشر بخير أو تنذر بمكروه , و الله تعالى أعلم.



يجب أيضا التنويه على أمر هنا و هو أن الأحلام التي من تخيلات الشيطان فليس ما ورد في الحديث من الإستعاذة منها و عدم ذكرها لأحد هو مخافة أن تقع إذا عبرت كما يظن البعض فهي ليست رؤيا صادقة و لن تقع سواء حدث بها صاحبها أو لم يحدث.

و إنما الإستعاذة هي من الشيطان و كيده و ما يريده من تحزين الإنسان و جعل الحلم سببا لإدخال القلق عليه و عدم ذكرها لأحد هو لأن الأصل في الرؤيا أنها من الله و أن الإخبار عنها إخبار عن أمر من الله فلا يجوز أن ينسب إلى الله ما كان من تلاعب الشيطان و ليس لأن الإخبار عنها سيجعلها تتحقق و الأدلة على ذلك كثيرة منها:



- ما رواه مسلم في صحيحه عن جابر قال

"جاء أعرابي إلى النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج ‏ ‏فاشتددت ‏على ‏أثره ‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏للأعرابي ‏ ‏لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك" وقال سمعت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏بعد يخطب فقال لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه.

إذن فتسميته لهذا الحلم تلعب دليلا أنها ليس فيها حق يخشى وقوعه.

و مع ذلك تجد بعض العابرون يتكلمون في كتبهم على قطع الرأس , ويجعلونه دلالة على مفارقة الرائي ما هو فيه من النعم , أو مفارقة من فوقه , ويزول سلطانه , ويتغير حاله في جميع أموره , إلا أن يكون عبدا فيدل على عتقه , أو مريضا فعلى شفائه , أو مديونا فعلى قضاء دينه , أو من لم يحج فعلى أنه يحج , أو مغموما فعلى فرحه , أو خائفا فعلى أمنه , قلت سبحان الله من أين أتوا بهذا؟! و كيف يأولون شيئا ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه و سلم قال أنه من تلعب الشيطان؟



- ما رواه مسلم أيضا في صحيحه عن ‏ ‏أبي قتادة

عن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏أنه قال ‏ "الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان فمن رأى رؤيا فكره منها شيئا ‏ ‏فلينفث ‏ ‏عن يساره وليتعوذ بالله من الشيطان لا تضره ولا يخبر بها أحدا فإن رأى رؤيا حسنة فليبشر ولا يخبر إلا من يحب".

فقال "ولا يخبر بها أحدا" بعد ما ذكر أنها لا تضره فعدم الضرر متقدم في الذكر عن عدم الإخبار بها إذن فهو ليس مترتبا عليه.



- قول أبو سلمة الذي رواه مالك في الموطأ بعد أن سمع هذا الحديث

‏"إن كنت لأرى الرؤيا هي أثقل علي من الجبل فلما سمعت هذا الحديث فما كنت أباليها"

ففيه أن الرؤيا في ذاتها هي التي كانت تثقل عليه مما يكدره و يقلقه و ليس أنها كانت تتحقق و هذا واضح في كلامه.

عمـاد البيــه
12-28-2010, 01:11 AM
المبحث الثالث: تعبير الرؤيا
هناك أربعة فصول في هذا المبحث

الفصل الأول: تعبير الرؤيا أغلبه علم أم إلهام

الفصل الثاني: مدى صحة القول بأن الرؤيا تقع على ما تعبر به و أنها لأول عابر

الفصل الثالث: هل يصح أن يبنى على الرؤيا أمر من أمور الدين أو الدنيا

الفصل الرابع: رؤيا النبي صلى الله عليه و سلم



الفصل الأول: تعبير الرؤيا أغلبه علم أم إلهام

يقول أهل التعبير و بعض الفقهاء أن الرؤيا علم مختص بذاته كباقي علوم الشريعة من الفقه و علم الحديث و يطلقون على هذا "فقه الرؤيا" و أنه يستحب المعرفة به و يستحب لمن يرى رؤيا أن يسعى لتأويلها و من أهم أدلتهم على ذلك:



- ما رواه البخاري في صحيحه و أحمد في مسنده و غيرهما عن سمرة بن جندب ‏رضي الله عنه ‏ ‏قال ‏كان رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مما يكثر أن يقول لأصحابه ‏ ‏

"هل رأى أحد منكم من رؤيا"

قال فيقص عليه من شاء الله أن يقص.



هذا صحيح عن النبي صلى الله عليه و سلم لكن ليس فيه أنه أمر أو حث غيره على تعلم التأويل ولا سؤال غيره عن تعبير الرؤيا فلم يرد أى حديث أو خبر عنه بذلك فيما أعلم , كذلك لم يرد حديث عن تعليم النبي صلى الله عليه و سلم أمته التأويل و معاني الرموز في الأحلام كما علم أمته الوضوء و الغسل و الصلاة و الصيام و مناسك الحج و الأذكار و الأدعية و السنة في الطعام و الشراب و دخول الخلاء و و سائر الأحكام اللهم إلا الحديث الذي أورده ابن ماجه في سننه ‏عن ‏ ‏يزيد الرقاشي ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏قال ‏‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏"اعتبروها بأسمائها وكنوها بكناها والرؤيا لأول عابر" و قد تعقب الحديث السندي في شرحه قال:

وفي الزوائد في إسناده يزيد بن أبان الرقاشي وهو ضعيف.

هذا الحديث ضعيف و فيه أكثر من علة في سنده و سيأتي تفصيل ذلك في الفصل التالي.

قد يقال السنة ما جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم قولا منه أو عملا أو تقريرا و كما نقتدي به في

الوضوء و الصلاة كذا نأول الرؤيا كما كان يؤلها.



تعقيبا على ذلك أقول:

هذه السنن تؤخذ إما كما هي أو بالإستنباط و في كلا الحالتين هناك أصل ثابت و واضح يمكن الرجوع إليه و هذا لا ينطبق على الرؤيا لأن ليس كل ما يؤله صلى الله عليه و سلم لشخص يصلح لآخر بل ليس كل تأويل لشخص يصلح لنفس الشخص فى رؤيا أخرى فإذا كان الإعتبار للرمز فالرمز تأويله يختلف من رؤيا لأخرى , فالبقر مثلا أوله يوسف عليه السلام في رؤيا ملك مصر بالسنين بينما كان تأويله فى رؤيا النبي صلى الله عليه و سلم المؤمنين يوم أحد , فأي حكم في تعبير الرؤيا يؤخذ من تأويل النبي صلى الله سيكون ظني

و العلم لا يبنى على ظنون بل يبنى على حقائق ثابتة يمكن الرجوع إليها و الإستشهاد بها.



من الدلائل أيضا على أن التأويل ليس كمثل باقي العلوم الشرعية التي يجب التفقه فيها ما أخرجه الشيخان في صحيحهما - و اللفظ للبخاري - عن بن عباس رضي الله عنهما كان يحدث

أن رجلا أتى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال ‏ ‏إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف السمن والعسل فأرى الناس يتكففون منها فالمستكثر والمستقل وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء فأراك أخذت به فعلوت ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فعلا به ثم أخذ به رجل آخر فانقطع ثم وصل فقال ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها فقال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏اعبرها قال أما الظلة فالإسلام وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف فالمستكثر من القرآن والمستقل وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به فيعليك الله ثم يأخذ به رجل من بعدك فيعلو به ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به ثم يأخذه رجل آخر فينقطع به ثم يوصل له فيعلو به فأخبرني يا رسول الله بأبي أنت أصبت أم أخطأت قال النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏ أصبت بعضا وأخطأت بعضا قال فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت قال لا تقسم.



نستخلص من الحديث أمرين:

الأول: أن أبا بكر رضي الله عنه و أرضاه على علو قدره و سمو علمه و هو صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم و خليفته قد أخطأ في تأويل بعض الرؤيا , فالخطأ في غيره بالطبع أولى و أقصد هنا كثرة الخطأ في غيره لأن الخطأ في ذاته وارد في أي علم.



الثاني: أن أبا بكر رضي الله عنه و أرضاه عندما أقسم على النبي صلى الله عليه و سلم أن يبين له خطأه لم يجبه النيي لذلك و قال "لا تقسم" , فلو كان من العلم الشرعي لما كتم النبي عنه الإجابة , فكما هو معروف في الأصول لا ينبغي تأخير البيان عن وقت الحاجة.



من الأمور التي تجدر الإشارة إليها هنا كتاب تفسير الأحلام المنسوب لابن سيرين و المنتشر بين كثير من الناس والصحيح ان هذا الكتاب المتداول ليس من تأليف ابن سيرين

فمع كثرة ثناء العلماء على ابن سيرين وفي تراجمهم له لم يذكر أحد منهم قط انه ألف كتابا لتفسير الاحلام هذا بالإضافة إلى أن بن سيرين وبرغم معرفته بالكتابة فإنه لم يكتب بنفسه بل كتب عنه تلامذته. وقد تكلم عن ذلك مشهور حسن سلمان في كتابه " كتب حذر منها العلماء " وكذلك كتاب آخر بعنوان " منتخب الكلام في تفسير الأحلام "، وخلُص إلى عدم صحة نسبة الكتاب إلى ابن سيرين. والصحيح ان هذا الكتاب هو للعالم الفقيه الشافعي عبد الملك بن محمد الخركوشي النيسابوري المعروف بـأبي سعد الواعظ، المتوفى سنة ٤٠٧ هـ , و قيل أن الوحيد الذي نسب الكتاب لابن سيرين هو ابن النديم صاحب كتاب فهرست و خالفه جماعة العلماء في ذلك فالقول الذي عليه أهل العلم أن هذا الكتاب ليس لابن سيرين و لم يؤلف ابن سيرين أي كتاب في تفسير الأحلام و روى عنه أنه كان يسأل عن مائة رؤيا فلا يجيب إلا أن يقول لصاحبها "إتق الله في اليقظة لا يضرك ما رأيت في منامك".

لا شك أن للرؤى الصادقة تأويل و لكن التأويل في الغالب من بواطن الأمور و يحتاج إلى إلهام أكثر من مجرد العلم بالرموز , و أما إدراك تأويلها فيتم عندما تتحقق هذا إن كانت الرؤيا صادقة و ليست من أضغاث الأحلام التي لا تأويل لها.



الفصل الثاني: مدى صحة القول بأن الرؤيا تقع على ما تعبر به و أنها لأول عابر

وردت أربعة أحاديث في وقوع الرؤيا على ما تعبر به



الحديث الأول:

عن يعلى بن عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏وكيع بن عدس ‏ ‏عن ‏ ‏عمه ‏ ‏أبي رزين ‏قال

قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏

"الرؤيا على رجل طائر ما لم ‏ ‏تعبر ‏فإذا ‏‏عبرت ‏وقعت قال والرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا

من النبوة قال وأحسبه قال لا يقصها إلا على واد أو ذي رأي"

رواه الخمسة إلا النسائي و اللفظ لأحمد.



تعقيب:

هذا الحديث ضعيف سندا و متنا

أما من جهة السند:

فقد إنفرد به وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين العقيلى و انفرد به عنه يعلى بن عطاء.

يعلى بن عطاء ثقة

لكن وكيع بن عدس (و يقال أيضا وكيع بن حدس) و كنيته أبو مصعب العقيلي مجهول.

قال عنه الإمام الذهبي: وكيع بن عدس عن عمه لا يُعرف، تفرد عنه يعلى بن عطاء

(الميزان للحافظ الذهبي - باب: وكيع)

قال عنه بن قطيبة: مجهول

قال عنه بن القطان: مجهول

(تهذيب التهذيب للحافظ بن حجر - باب: وكيع)

قال الحافظ بن حجر في تقريب التهذيب: مقبول من الرابعة

و معنى "مقبول" عند ابن حجر أنه يقبل فقط كمتابعة على حديث صحيح أما عدا ذلك فغير مقبول , كما نص عليه في مقدمة الكتاب.

ابن حبان هو الوحيد الذى ذكره في الثقات - و يعرف عن ابن حبان التساهل في إستخدام عبارات التوثيق.



بالإضافة لذلك فقد روى وكيع بن عدس عن عمه أحاديث منكرة ضعفها كثير من أئمة الحديث منها:

ما أخرجه أحمد و الترمذي و ابن ماجه و اللفظ لأحمد

‏عن ‏حماد بن سلمة ‏ ‏قال أخبرني ‏ ‏يعلى بن عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏وكيع بن حدس ‏ ‏عن ‏ ‏عمه ‏ ‏أبي رزين العقيلي ‏ ‏أنه قال

يا رسول الله ‏ ‏أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق السموات والأرض قال

"في عماء ‏ ‏ما فوقه هواء وتحته هواء ثم خلق عرشه على الماء"

و قد حير الحديث من أراد تفسيره فقال البعض العماء هو السحاب و أن لفظ "ما فوقه هواء" تعود على السحاب

قلت: و كيف يكون هناك سحاب قبل خلق السموات و الأرض؟ و إن وجد فيكون في الحديث تجسيم لله أنه في سحاب و هو لا يجوز قوله.

و قال البعض: العماء يعني ليس معه شئ

قلت: في هذه الحالة على من يعود لفظ "ما فوقه هواء"؟

كذلك أسلوب الحديث فيه من السجع ما لا نعهده في أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم.

فوكيع بن عدس مجهول الصفة و أحاديثه فيها نكارة.



أما من جهة المتن:

قول "الرؤيا على رجل طائر ما لم ‏ ‏تعبر ‏فإذا ‏‏عبرت ‏وقعت"

المفهوم منه أنها إذا لم تعبر لا تقع و هذا بالطبع مخالف للواقع فالأخبار و الروايات كثيرة عن تحقق الرؤى بدون تعبير و من أمثلة ذلك:

- رؤيا عثمان بن عفان قال: إني رأيت رسول الله في المنام وأبا بكر وعمر وإنهم قالوا لي: « اصبر فإنك تفطر عندنا القابلة » رواه أحمد في مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه.

فقتل في ذلك اليوم رحمه الله و رضي عنه , فوقعت بدون تأويل.



- رؤيا عمر بن الخطاب في الآذان

ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة فبينما عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس إذ رأى عمر بن الخطاب في المنام لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا للصلاة . فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي رأى ، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك فما راع عمر إلا بلال يؤذن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخبره بذلك قد سبقك بذلك الوحي.

رواه أحمد في مسند عثمان بن عفان رضي الله عنه

رويت بألفاظ مختلفة بمعاني مشابهة , اللفظ هنارواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل من طريق عبيد بن عمير الليثي أحد كبار التابعين و له شاهد في حديث في سنن أبي داود بسند متصل و فيه

وكان ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما قال ثم أخبر النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم" ‏ ‏فقال له ما منعك أن تخبرني فقال سبقني ‏ ‏عبد الله بن زيد ‏ ‏فاستحييت

فهذه الرؤيا تحققت إما بأن الوحي سبق بها أو بأن النبي صلى الله عليه و سلم أقرها لعبد الله بن زيد و ليس تعبير.

قد يقال:

رؤيا عثمان بن عفان و عمر بن الخطاب أولها كل منهما لنفسه فوقعت كما أولاها.

أجيب:

هذا لا يكون تعبيرا لكنه تأويل في الذهن فقط و التعبير لغة لابد أن يكون شفهيا

قد يقال أيضا و من يدري لعل كل منهما عبرها لأهله و لم يبلغنا ذلك؟

أجيب:

رواية عمر بن الخطاب واضح فيها أنه ذهب للنبي صلى الله عليه و سلم ليقصها عليه و يعبرها له النبي صلى الله عليه و سلم لأنه و هو فيهم كان الصحابة يسألونه عن رؤياهم.

ثم أنه في زماننا يرى البعض رؤيا ولا يسئل عنها ثم يجدهها تحققت بدون تعبير.



إذن فحديث "الرؤيا على رجل طائر ما لم ‏ ‏تعبر ‏فإذا ‏‏عبرت ‏وقعت" لا يصح سندا ولا متنا.



الحديث الثاني:

ما رواه ابن ماجه في سننه قال ‏حدثنا ‏ ‏محمد بن عبد الله بن نمير ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبي ‏ ‏حدثنا ‏ ‏الأعمش ‏ ‏عن ‏ ‏يزيد الرقاشي ‏ ‏عن ‏ ‏أنس بن مالك ‏ ‏قال ‏قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏

"‏اعتبروها بأسمائها وكنوها بكناها والرؤيا لأول عابر"



تعقيب:

هذا الحديث أيضا ضعيف فقد تفرد به يزيد بن أبان الرقاشي و هو ضعيف قدري.

و فيما يلي بعض من أقوال أهل الحديث في تضعيفه كما أوردها الحافظ بن حجر في "تهذيب التهذيب":

- يحيى بن سعيد: كان لا يحدث عنه

- وقال البخاري: تكلم فيه شعبة

- وقال إسحاق بن راهويه عن النضر بن شميل: قال شعبة لأن أقطع الطريق أحب إلى من أن أروى عن يزيد

- وقال أبو داود عن أحمد: لا يكتب حديث يزيد قلت فلم ترك حديثه لهوى كان فيه قال لا ولكن كان منكر الحديث وكان شعبة يحمل عليه وكان قاصا

- وقال بن أبي خيثمة عن بن معين: رجل صالح وليس حديثه بشيء

- وقال معاوية بن صالح والدوري عن بن معين: ضعيف

- وكذا قال الدارقطني والبرقاني

- قال الآجري عن أبي داود: رجل صالح سمعت يحيى يقول رجل صدق

- قال يعقوب بن سفيان: فيه ضعف

- وقال النسائي: متروك الحديث

(تهذيب التهذيب للحافظ بن حجر - باب: يزيد)



كما أن الأعمش الذي روى عن يزيد الرقاشي هذا الحديث معروف بالتدليس يؤخذ منه الحديث فقط عندما يصرح بالتحديث (أي عندما يقول حدثنا فلان أو أخبرنا فلان) أما عندما يروي بلفظ (عن فلان) فيكون في حديثه شبهة تدليس.



الحديث الثالث:

أخرج الحاكم في مستدركه من طريق يحيى بن جعفر البخاري عن عبدالرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة – عبدالله بن زيد الجرمي – عن أنس قال قال رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم

"إن الرؤيا تقع على ما تعبر ، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها ، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً أو عالما"ً صححه الألباني.



تعقيب:

هذا الحديث ضعيف و مردود سندا و متنا

أما من جهة السند:

فالحديث الأصل فيه أنه مرسل و وهم من ذكر أنس بن مالك في سنده و الدليل أن الحاكم رواه من طريق عبد الرزاق و عبد الرزاق في مصنفه رواه مرسلا , و هذا هو سند عبد الرزاق:

أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فذكر الحديث. (مصنف عبد الرزاق: جزء 11 – صفحة ٢١٢ ).

إذن ليس فيه ذكر أنس إذن هو مرسل فأبو قلابة من التابعين و ليس من الصحابة فلم يسمع من النبي صلى الله عليه و سلم.

و المرسل ضعيف ولا يحتج به عند عامة أهل الحديث إلا إذا كان الذى روى الحديث مرسلا يعرف عنه أنه لا يأخذ إلا من الثقات أمثال سعيد بن المسيب و محمد بن سيرين فهؤلاء بعض أهل الحديث يصححون مراسيلهم لأنهم لا يأخذون إلا عن الثقات و أما الذي أرسل هذا الحديث هو أبو قلابة و معروف عند المحدثين أن أبا قلابة يأخذ أحاديثه من الكل لا يختار الثقات فقط لذا فمراسيله لا يؤخذ بها.

قال الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن عبد البر في كتابه (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد):

فمراسيل سعيد بن المسيب ، ومحمد بن سيرين ، وإبراهيم النخعي عندهم صحاح ، وقالوا :

مراسيل عطاء والحسن لا يحتج بها لأنهما كانا يأخذان عن كل أحد وكذلك مراسيل أبي قلابة وأبي العالية. إنتهى كلامه.

كذلك جاء عن محمد بن سيرين أنه لم يكن يأخذ بمراسيل أبي قلابة , أورد ذلك العقيلي من حديث بن عون قال ذكر أيوب السختياني لمحمد بن سيرين حديثا عن أبي قلابة فقال:

"أبو قلابة رجل صالح ولكن عمن ذكره أبو قلابة؟"

ومثل هذا حديث عاصم عن ابن سيرين قال: كانوا لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة بعد.

و روي في الحلية من طريق ابن مهدي عن ابن لهيعة أنه سمع شيخًا من الخوارج يقول بعدما تاب:

إن هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذون دينكم – فإنا كنا إذا هوينا أمرًا صيرناه حديثًا. اهـ

قال الشيخ السخاوي: ولذا قال شيخنا: إن هذه – والله – قاصمة الظهر للمحتجين بالمرسل، إذ بدعة الخوارج كانت في مبدأ الإسلام. والصحابة – متوافرون ثم في عصر التابعين فمن بعدهم وهؤلاء إذا استحسنوا أمرًا جعلوه حديثًا وأشاعوه فربما سمع الرجل الشيء فحدث به ولم يذكر من حدثه به تحسينًا للظن فيحمله عنه غيره ويجيء الذي يحتج بالمقاطع فيحتج به مع كون أصله ما ذكرت ولا حول ولا قوة إلا بالله.

(فتح المغيث للسخاوي)



أما من جهة المتن:

أولا: الحديث الصحيح الذي سلف ذكره عندما عبر أبوبكر الصديق رؤيا فقال له النبي صلى الله عليه و سلم

أصبت بعضا و أخطأت بعض""

فالمفهوم بذلك أن لها معنى واحد يصيب في فهمه المعبر أو يخطئ.



ثانيا: أن الرؤيا ليست دائما تنبئ بالمستقبل حتى يقال إنها تقع على ما تعبر بل أحيانا تكون إخبار للرائي بحاضره أو بحاله و هناك أحاديث صحيحة في ذلك منها:

- رؤيا عبد الله بن عمر التي وردت في البخاري التي رأى فيها ملكان و قالا له "نعم الرجل أنت لو كنت تكثر الصلاة"

‏فقال ‏ ‏نافع ‏ ‏فلم يزل بعد ذلك يكثر الصلاة.

فهنا لا يقال أنها تقع حسب قول المعبر لأنها تخبر بحال قائم بالفعل قبل أن يسأل الرائي المعبر.

- ما جاء في الحديث الصحيح مدرجا أن القيد ثبات في الدين

فهذا مثال آخر أن الرؤيا قد تنبئ بشئ حاصل في الحاضر أو في الماضي للرائي فهل يقال أن المعبر يمكن أن يغير ما هو حاصل أو يغير الماضي بتعبيره.



الحديث الرابع:

ما رواه الدارمي في سننه قال أخبرنا ‏ ‏عبيد بن يعيش ‏ ‏حدثنا ‏ ‏يونس هو بن بكير ‏ ‏أخبرنا ‏ ‏بن إسحق ‏ ‏عن ‏ ‏محمد بن عمرو بن عطاء ‏ ‏عن ‏ ‏سليمان بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏عائشة زوج النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قالت: ‏

"كانت امرأة من أهل ‏ ‏المدينة ‏ ‏لها زوج تاجر يختلف فكانت ‏ ‏ترى رؤيا كلما غاب عنها زوجها وقلما يغيب إلا تركها حاملا فتأتي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فتقول إن زوجي خرج تاجرا فتركني حاملا فرأيت فيما يرى النائم أن ‏ ‏سارية ‏ ‏بيتي انكسرت وأني ولدت غلاما أعور فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏خير يرجع زوجك عليك إن شاء الله تعالى صالحا وتلدين غلاما برا فكانت ‏ ‏تراها مرتين ‏ ‏أو ثلاثا ‏ ‏كل ذلك تأتي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فيقول ذلك لها فيرجع زوجها وتلد غلاما فجاءت يوما كما كانت تأتيه ورسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏غائب وقد رأت تلك الرؤيا فقلت لها عم تسألين رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يا أمة الله فقالت رؤيا كنت ‏ ‏أراها فآتي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأسأله عنها فيقول خيرا فيكون كما قال فقلت فأخبريني ما هي قالت حتى يأتي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأعرضها عليه كما كنت أعرض فوالله ما تركتها حتى أخبرتني فقلت والله لئن صدقت رؤياك ليموتن زوجك وتلدين غلاما فاجرا فقعدت تبكي وقالت ما لي حين عرضت عليك رؤياي فدخل رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وهي تبكي فقال لها ما لها يا ‏ ‏عائشة ‏ ‏فأخبرته الخبر وما تأولت لها فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏مه يا ‏ ‏عائشة ‏ ‏إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فاعبروها على الخير فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها فمات والله زوجها ولا ‏ ‏أراها إلا ولدت غلاما فاجرا"



تعقيب:

سندا:

الحديث ضعيف فيه محمد بن إسحاق و هو كثير التدليس و ممن قال أنه يدلس الإمام أحمد بن حنبل فلا يؤخذ بحديثه إذا عنعن و لم يصرح بالتحديث.

كذلك من روى عنه و هو يونس بن بكير ضعفه بعض أئمة الحديث منهم النسائي قال ليس بالقوي وقال مرة ضعيف.

قال علي بن المديني كتبت عنه وليس أحدث عنه.

وروى أبو عبيد عن أبي داود قال ليس هو عندي حجة يأخذ كلام بن إسحاق فيوصله بالأحاديث.

(سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي)



متنا:

كيف أن المرأة تقول للسيدة عائشة "رؤيا كنت ‏ ‏أراها فآتي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فأسأله عنها فيقول خيرا فيكون كما قال"

ثم السيدة عائشة تخالف تأويل رسول الله صلى الله عليه و سلم و تأولها بالشر مع أنها نفس المرأة و نفس الرؤيا.



فليس في أحاديث هذا الباب ما يصح مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه و سلم.



فإن قيل: هذه الأحاديث و إن كانت ضعيفة فهي تقوي بعضها بعضا.

أجيب: هذا لو لم تكن مخالفة للأحاديث الصحيحة و لا تخالف ما هو مشاهد و معروف في الواقع , فهناك حتى في هذا الزمان من يرى رؤيا و تتحقق بدون أن يعبرها له معبر , إذن فهذه الأحاديث الضعيفة لا تنجبر.

قال الإمام بن الجوزي:

إذا رأيتَ الحديث يباين المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع.

(تدريب الراوي للسيوطي جزء ١ – صفحة ٢٧٤ )



فالصحيح أن الرؤيا إن كانت صادقة فإنها واقعة بأمر قضاه الله و كتب في اللوح المحفوظ و كما جاء في الروايات يأتي به ملك الرؤيا للرائي في منامه إما على حقيقته أو بأمثلة , و المعبر بعد ذلك يحاول فهمها ثم يصيب أو يخطأ في تأويلها و ربما أصاب بعضا و أخطأ بعض , و ليس المعبر هو الذي يوقع الأقدار.

ولا يرد القضاء إلا دعاء.



الفصل الثالث: هل يصح أن يبنى على الرؤيا أمر من أمور الدين أو الدنيا

كما بينا سابقا فإن هناك اتفاق بين أهل العلم على أنه

لا يجوز أخذ تشريع من الرؤيا.

و ذلك يشمل أيضا رؤيا النبي صلى الله عليه و سلم فلو رأى أحد في منامه أن النبي صلى الله عليه و سلم أمره بشئ مخالف للشرع فلا يجوز له أن يفعله , و كما ذكرنا أن رؤيا التشريع إنما كانت فقط للأنبياء و المرسلين أما جزء النبوة الباقي في هذه الأمة فهي المبشرات فقط و هي تخبر و تؤنس الرائي ولا تأتيه بتشريع جديد أو مخالف للشرع.

و ذكر بعض العلماء أسبابا أخرى

- أن الدين إكتمل بقوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم"

- أن القلم رفع عن النائم فمن رفع عنه القلم لا يأتيه أمر أو نهي

- أن النائم مهما كانت رؤياه واضحة ليس في حالة ضبط تمكنه من حفظ و استيعاب ما يسمعه في منامه



هذا في أمور الدين , فما الحال بالنسبة لأمور الدنيا؟

هل يصح الإعتماد على الرؤيا في أمور الدنيا؟ هل يصح أن يترتب على الرؤيا المضي في أمر أو الإحجام عنه أو الحكم على أمر أو الحكم على شخص؟



- بداية لابد من التأكيد على أمر هنا و هو أنه

لا يمكن التأكد من أن الرؤيا صادقة إلا إذا تحققت

فكثير من الرؤى تكون من حديث النفس و ليست حقيقية , كما أن الشيطان له مدخل كبير في المنامات - كما قال الشيخ مشهور حسن سلمان في فتوى له - و يؤثر فيما يرى النائم أحيانا من تلاعب و تخيلات كما أن للنفس دور أكبر في الرؤى فقد قال بعض أهل العلم أن أكثر أحلام الناس هي من حديث النفس.



قال الشيخ مشهور حسن سلمان أيضا في فتواه:

"وكل رؤيا يمكن أن يكون للشيطان فيها نصيب، إلا صورة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: {من رآني في المنام فقد رآني حقاً فإن الشيطان لا يتمثل بي}، ودققوا في قوله في أول الحديث: {من رآني}، وفي آخره: {فإن الشيطان لا يتمثل بي}، فقد ترى صورة النبي صلى الله عليه وسلم وتسمع صوت الشيطان، فإن العصمة في الصورة صورة النبي صلى الله عليه وسلم وليس في السماع سماع صوته صلى الله عليه وسلم، فبعض الناس يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي كذا وكذا، ويكون الذي قاله ما له وجود في الدين، فالرؤيا تكون حقاً، لكن الصوت الذي سمعه من الشيطان". إنتهى كلامه

فالشيطان يمكن أن يأتي للنائم بأحلام ليحثه فيها على سوء أو ليصرفه فيها عن خير, كما أن إستحسان النفس لشئ أو تخوفها منه قد يظهر في صورة حلم للنائم و بالتالي:

لا يصح الترتيب على المنامات في أمور الدنيا.



و تجدر الإشارة في هذا المقام إلى صلاة الإستخارة و مدى صحة إرتباطها بالرؤيا؟ هل الرؤيا بعد الإستخارة دليلا يؤخذ به في تحديد ما هو خير أو شر للإنسان؟

هناك قول سائد بين كثير من الناس أن الإستخارة تجاب عندما يتبعها رؤيا في المنام تكون فيها الإجابة.

و هذا لم أجد له دليلا لا من حديث ولا من أثر عن الصحابة.

و وجدت أن كثير من أهل العلم و الفتوى قالوا أن هذا الإعتقاد لا أصل له ولا يوجد رابط

بين الإستخارة و الرؤيا

و فيما يلي بعض أمثلة لأقوال العلماء لما يفعله الإنسان بعد صلاة الإستخارة:



- فقال بن عبد السلام : يفعل ما اتفق

ويستدل له بقوله في بعض طرق حديث بن مسعود وفي آخره ثم يعزم

وأول الحديث " إذا أراد أحدكم أمرا فليقل

- وقال النووي في " الأذكار " : يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح به صدره .

واستدل له بحديث أنس عند بن السني:

" إذا هممت بأمر فاستخر ربك سبعا ثم انظر إلى الذي يسبق في قلبك فإن الخير فيه "

تعقبه بن حجر بأن إسناد هذا الحديث واه جدا.

- قال بن حجر: والمعتمد أنه لا يفعل ما ينشرح به صدره مما كان له فيه هوى قوي قبل الاستخارة , وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر حديث أبي سعيد " ولا حول ولا قوة إلا بالله".

(فتح الباري بشرح صحيح البخاري - كتاب: الدعوات - باب: الدعاء عند الاستخارة)



- قال الشيخ مشهور حسن سلمان في فتوى له: ولا يوجد صلة بين صلاة الاستخارة وبين الرؤيا.



فكما رأينا أنه لم يرد قول بأن الرؤيا من نواتج الإستخارة و تأتي فيها الإجابة للمستخير

و لو تمعنا أكثر في حديث الإستخاره سنجد دليلا على أن الرؤيا ليست إجابة للمستخير فدعاء الإستخارة في الحديث جاء فيه

"اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه"



فالدعاء صريح في أنه يقول "فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه" و لم يقل "و بينه لي" و هناك فرق

فلو كانت الرؤيا تصلح إستجابة للإستخارة لكان الدعاء فيه الرجاء بتبيان الخير أو إيضاحه.

و لكن الدعاء فيه ثلاثة أشياء يرجوها المستخير في أمره و هي:

- أن يقدره الله له

- أن ييسره له

- أن يبارك له فيه (أي بعد أن يقوم به أو يناله)



هناك روايتان يستشهد بهما البعض على صحة الحكم على أمر من أمور الدنيا من الرؤيا , رواهما عبد الله بن أبي شيبة في مصنفه و هما:



الرواية الأولى

قال ابن أبي شيبه حدثنا بن فضيل عن عطاء بن السائب قال : حدثني غير واحد أن قاضيا من قضاة الشام أتى عمر فقال : يا أمير المؤمنين ، رأيت رؤيا أفظعتني ، قال : ما هي ؟ قال : رأيت الشمس والقمر يقتتلان ، والنجوم معهما نصفين قال : فمع أيتهما كنت ؟ قال : كنت مع القمر على الشمس ، فقال عمر وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة فانطلق فوالله لا تعمل لي عملا أبدا ، قال عطاء : فبلغني أنه قتل مع معاوية يوم صفين.

ملحوظة: يوم صفين هو اليوم الذي نشبت فيه معركة بين علي بن أبي طالب و معاوية بن أبي سفيان في أمر ولاية الشام عندما قرر علي بن أبي طالب عزل معاوية و أبى معاوية أن يعزل إلا أن يأخذ علي بن طالب بالقصاص من قتلة عثمان بن عفان أولا.

عندما قرأت هذه الرواية لم أستبعد أن يكون من رواها شيعي , و سبحان الله لقد وجدت أنه كذلك.

فقد رواها بن فضيل عن عطاء بن السائب

بن فضيل هو محمد بن فضيل بن غزوان

و هذه من ترجمته في سيرأعلام النبلاء للحافظ الذهبي:

- قال أبو داود السجستاني كان شيعيا متحرقا

- و علق على هذا الحافظ الذهبي قال: تحرقه على من حارب أو نازع الأمر عليا رضي الله عنه وهو معظم للشيخين.

- وقال الحسن بن عيسى سألت بن المبارك عن أسباط وبن فضيل فسكت فلما كان بعد ثلاثة أيام قال يا حسن صاحباك لا أرى أصحبنا يرضونهما.

فهذا الراوي لما ثبت أنه شيعي و متحرق فإن أي رواية له في علي بن أبي طالب أو من خالفوه و على رأسهم معاوية بن أبي سفيان تكون بالطبع مجروحة و هذا من المعروف في الجرح و التعديل.



الراوي الثاني في الرواية هو عطاء بن السائب

و عطاء بن السائب وثقه كثيرون لكن أورد الإمام الذهبي عن كثير من أهل الحديث أنه اختلط في آخر زمانه و ممن روى عنه بعد الإختلاط بن فضيل

- وقال العجلي كان شيخا قديما ثقة روى عن بن أبي أوفى ومن سمع منه قديما فهو صحيح منهم الثوري فأما

من سمع منه بأخره فهو مضطرب الحديث منهم هشيم وخالد بن عبد الله وكان عطاء بأخرة يتلقن إذا لقن لأنه كان غير صالح الكتاب

- وقال أبو حاتم كان محله الصدق قديما قبل أن يختلط ثم تغير حفظه , في حديثه تخاليط كثيرة وما روى عنه بن فضيل ففيه غلط واضطراب رفع أشياء كان يرويها عن التابعين فرفعها إلى الصحابة.



هناك أيضا إنقطاع في السند بعد عطاء بن السائب

إذن راوي شيعي روايته مجروحة رواها عن من إختلط و اتفق المحدثون على أن أحاديثه كانت مغلوطة و مضطربة في هذا الوقت رواها الأخير عن مجهول , فهذا سند لا قيمة له.



كذلك متن الرواية نفسها لا يقبل لأن المعبر إذا استدل بآيات القرآن فإنه يأتي بآيات فيها أسماء الرموز التي وردت في الرؤيا , أما في هذه القصة فإن القاضي رأى الشمس و القمر فأتى عمر بن الخطاب بآية فيها الليل و النهار! فكيف لم يأتي بآية فيها الشمس و القمر و هي آيات كثيرة؟ قال تعالى "وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا" (نوح: ١٦).

أيضا ‏ القمر في رؤيا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كان تأويله أنه النبي صلى الله عليه و سلم و أيضا أبو بكر و عمر فقد روى مالك في الموطأ ‏أن ‏ ‏عائشة زوج النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قالت ‏

‏"رأيت ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي فقصصت رؤياي على ‏ ‏أبي بكر الصديق ‏ ‏قالت فلما توفي رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏ودفن في بيتها قال لها ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏هذا أحد أقمارك وهو خيرها".

إذن هذه الرواية مردودة سندا و متنا.



الرواية الثانية

قال بن أبي شيبه حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن عامر قال : أتى رجل أبا بكر فقال : إني رأيت في المنام كأني أجري ثعلبا قال : أنت رجل كذوب ، فاتق الله ولا تعد.



مجالد هو مجالد بن سعيد

و قد أورد الحافظ الذهبي في ترجمته ما يلي

- قال البخاري كان يحيى بن سعيد يضعفه

- وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يروي له شيئا

- وكان أحمد بن حنبل لا يراه شيئا يقول ليس بشيء

- وقال عمرو بن علي سمعت يحيى بن سعيد يقول لعبيد الله أين تذهب قال أذهب إلى وهب بن جرير أكتب السيرة يعني عن أبيه عن مجالد قال تكتب كذبا كثيرا لو شئت أن يجعلها لك مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فعل

- وقال بن معين لا يحتج به وقال مرة ضعيف

- وقال أبو حاتم لا يحتج به

- وقال أبو سعيد الأشج شيعي

- وقال الدارقطني ضعيف

(سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي)

و يتضح أن الراوي شديد الضعف فلا تؤخذ روايته فضلا عن أن يحتج بها

فهذه رواية مردودة لا تصح

إذن يتضح أنه لا يوجد خبر أو أثر صحيح أو مقبول في جواز ترتيب أمر من أمور الدنيا على الأحلام.



الفصل الرابع: رؤيا النبي صلى الله عليه و سلم

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ‏سمعت النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏

‏"من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي" ‏

‏قال أبو عبد الله ‏ ‏قال ‏ ‏بن سيرين ‏ ‏إذا رآه في صورته

رواه البخاري



عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏

"من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي"

رواه الجماعة إلا أبو داود و النسائي , و في البخاري بلفظ "فإن الشيطان لا يتخيل بي"



‏عن أبي هريرة رضي الله عنه سمعت رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏يقول ‏

‏"من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ‏ ‏أو لكأنما رآني في اليقظة ‏ ‏ولا يتمثل الشيطان بي"

رواه أحمد و مسلم و أبو ادود

قال الشيخ شمس الدين بن القيم رحمه الله تعليقا على الحديث الأخير: ولم يشك البخاري فيه , بل قال " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة , ولا يتمثل الشيطان بي " . ‏

وفي الصحيحين من حديث أبي قتادة قال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من رآني في المنام فقد رأى الحق " . ‏

وأخرجه البخاري من حديث أبي سعيد , وزاد " فإن الشيطان لا يتكونني " . ‏

وفي لفظ له في حديث أبي قتادة " فإن الشيطان لا يتراءى بي " . ‏

وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " من رآني في النوم فقد رآني . فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي" . ‏

وفي لفظ آخر " فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبه بي"

(تعليقات الحافظ بن قيم الجوزية لحديث أبي داود كتاب: الأدب باب: ما جاء في الرؤيا)



قال الحافظ بن حجر في شرح الحديث الأول:

كان محمد - يعني ابن سيرين - إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال : صف لي الذي رأيته فإن وصف له صفة لا يعرفها قال : لم تره وسنده صحيح.

ووجدت له ما يؤيده : فأخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب " حدثني أبي قال : قلت لابن عباس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قال : صفه لي

قال : ذكرت الحسن بن علي فشبهته به , قال : قد رأيته " وسنده جيد

ويعارضه ما أخرجه بن أبي عاصم من وجه آخر عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

من رآني في المنام فقد رآني , فإني أرى في كل صورة "

وفي سنده صالح مولى التوأمة وهو ضعيف لاختلاطه , وهو من رواية من سمع منه بعد الاختلاط ...

وقال النووي قال عياض : يحتمل أن يكون المراد بقوله فقد رآني أو فقد رأى الحق أن من رآه على صورته في حياته كانت رؤياه حقا , ومن رآه على غير صورته كانت رؤيا تأويل . وتعقبه فقال : هذا ضعيف بل الصحيح أنه يراه حقيقة سواء كانت على صفته المعروفة أو غيرها انتهى , ولم يظهر لي من كلام القاضي ما ينافي ذلك , بل ظاهر قوله أنه يراه حقيقة في الحالين . لكن في الأولى تكون الرؤيا مما لا يحتاج إلى تعبير والثانية مما يحتاج إلى التعبير. إنتهى كلام ابن حجر

(فتح الباري بشرح صحيح البخاري - كتاب: التعبير - باب: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام)



قال الإمام النووي في شرح الحديث الثالث:

قوله صلى الله عليه وسلم : ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة , أو لكأنما رآني في اليقظة ) ‏

قال العلماء : إن كان الواقع في نفس الأمر فكأنما رآني فهو كقوله صلى الله عليه وسلم : " فقد رآني " أو " فقد رأى الحق " , كما سبق تفسيره , وإن كان سيراني في اليقظة

ففيه أقوال :

أحدها المراد به أهل عصره ,

ومعناه أن من رآه في النوم , ولم يكن هاجر , يوفقه الله تعالى للهجرة . ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عيانا.

والثاني معناه أنه يرى تصديق تلك الرؤيا في اليقظة في الدار الآخرة ; لأنه يراه في الآخرة جميع أمته من رآه في الدنيا , ومن لم يره .

والثالث يراه في الآخرة رؤية خاصته في القرب منه وحصول شفاعته ونحو ذلك . والله أعلم. إنتهى كلام النووي

(صحيح مسلم بشرح النووي - كتاب: الرؤيا - باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم من رآني في المنام فقد)



مما سلف يتبين أن هناك إتفاق بين أهل العلم على أن رؤيا النبي صلى الله عليه و سلم لابد أن تكون على صورته الحقيقية و أما إن رآه على غير صورته فإنها قد تحتاج إلى تعبير.



الأمر الآخر في هذا المقام هو قوله "فسيراني في اليقظة" فقد إختلف الكثيرون فيه , و يلاحظ أن من الناس من أسرف في فهم هذه المقولة فادعى أن النبي صلى الله عليه و سلم يأتي حقيقة في اليقظة للإنسان و يكلمه و يسمعه و يصافحه و إلى مثل ذلك ذهبت الصوفية أو بعضهم , و يطلقون عبارة "حضرة النبي" على المجلس الذي يزعمون أنه يحضره النبي صلى الله عليه و سلم و يكلمونه و يسلمون عليه , كما أجحف البعض الآخر و أنكر بأي حال أنها تعني أن يراه شخصا في يقظته فقالوا "فسيراني في اليقظة" معناها "فكأنما رآني في اليقظة" ولا يخفى ما في هذا من الإجحاف و تحميل الكلام على معنى لا يناسبه فالقول أن "فسيراني في اليقظة" معناها "فكأنما رآني في اليقظة" خطأ لا تقبله اللغة ولا يقبله الفهم , أيضا من ذهب إلى أنها تعني يراه يوم القيامة فكل أمة سترى نبيها يوم القيامه سيراه المؤمن و الكافر فلا تبقى خصوصية إذن و القول بأنها ستكون رؤية خاصة عن قرب هو معنى بعيد جدا و متكلف.



و الذي يتضح هنا أنها تعني أحد أمرين



الأمر الأول:

هو القول الذي نقله الإمام النووي أن المراد به أهل عصره , ومعناه أن من رآه في النوم , ولم يكن هاجر , يوفقه الله تعالى للهجرة ورؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة عيانا.

ربما قال قائل: لكن اللفظ هنا عام ليس فيه تخصيص لأهل عصره

أجيب:

اللفظ العام يأتي أحيانا و يكون مقصود به الخصوص و من أمثلة ذلك ما رواه مسلم في صحيحه ‏عن ‏ ‏عبد الله بن واقد ‏ ‏قال ‏

‏نهى رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ‏

‏قال ‏ ‏عبد الله بن أبي بكر ‏ ‏فذكرت ‏ ‏ذلك ‏ ‏لعمرة ‏ ‏فقالت ‏ ‏صدق ‏ ‏سمعت ‏ ‏عائشة ‏ ‏تقول ‏ ‏دف ‏ ‏أهل أبيات من أهل ‏ ‏البادية ‏ ‏حضرة الأضحى زمن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏"ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقي" فلما كان بعد ذلك قالوا يا رسول الله

إن الناس يتخذون ‏ ‏الأسقية ‏ ‏من ضحاياهم ‏ ‏ويجملون ‏ ‏منها ‏ ‏الودك ‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏وما ذاك قالوا نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال

"إنما نهيتكم من أجل ‏ ‏الدافة ‏ ‏التي ‏ ‏دفت ‏ ‏فكلوا وادخروا وتصدقوا" ‏

فهنا عندما قال "‏ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقي " كان لفظه عاما في أى زمان و لكنه لما سأل بعد ذلك أوضح أنه كان يقصد عيد الأضحى في ذاك العام فقط من أجل الدافة التي دفت.

ملاحظة: الدافة التي دفت المراد بها هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة.



الأمر الثاني:

أن يكون قوله "فسيراني في اليقظة" عاما للأمة في الدنيا و ليس يوم القيامة و لكن لا يستلزم ذلك أن تتعدى مجرد الرؤية إلى الكلام و المصافحة و غير ذلك فقد يرى صورة له مثلا أو يرى شبيها له في اليقظة فيكون ذلك دالا على أن الذي رآه في المنام هو النبي صلى الله عليه و سلم , خصوصا في الأزمنة المتأخره كزماننا حيث لا يتسنى لأحد أن يتأكد من صورة النبي التي كان عليها حتى لو قرأ كثيرا في أوصافه فالأوصاف المقروءة أو المسموعة قد يشترك فيها مئات الأفراد و مع ذلك يكون لكل منهم شكلا مختلفا عن الآخر تماما و هذا من طلاقة قدرة الله تعالى و معجزاته في خلقه.



و هناك شواهد لهذا من الأحاديث و الأثار منها:

- ما رواه ابن أبي جمرة عن ابن عباس أو غيره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فبقي بعد أن استيقظ متفكرا في هذا الحديث فدخل على بعض أمهات المؤمنين ولعلها خالته ميمونة فأخرجت له المرآة التي كانت للنبي صلى الله عليه وسلم فنظر فيها فرأى صورة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ير صورة نفسه.

ذكر هذه الرواية الحافظ بن حجر في الفتح.

- الحديث السالف ذكره الذي أخرجه الحاكم من طريق عاصم بن كليب " حدثني أبي قال : قلت لابن عباس رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام قال : صفه لي , قال : ذكرت الحسن بن علي فشبهته به , قال : قد رأيته " وسنده جيد.

فالرائي هنا رأى شبيها له في اليقظة و هو الحسن بن علي رضي الله عنهما.

و الله سبحانه و تعالى أعلم.



الخلاصـــة



- الرؤيا ثلاث: رؤيا صادقة و رؤيا من الشيطان و رؤيا من حديث النفس.



- الرؤيا الصادقة تقع للصالح و الفاسد و الكافر أيضا.



- الرؤيا الصالحة هي الرؤيا المبشرة بالخير و ليست هي أي رؤيا تصدق أو تتحق

و لهذا وصفت في الحديث الصحيح بأنها من المبشرات يراها المسلم أو ترى له.



- إذا رأى الإنسان ما يحب فهي رؤيا من الله يحمد الله عليها و يحدث بها من يحب

و إذا رأى ما يكره فهي من الشيطان فاليستعيذ بالله منها و لا يذكرها لأحد.



- تأويل الأحلام إلهام أكثر منه علم و لا ينبغي للمرء أن ينشغل بكل رؤيا و يسعى لتعبيرها

فإن رأى خيرا إستبشر و حمد الله و إلا فلا يلقي لها بالا.



- التعبير ليس سببا في تحقق الرؤيا بل هو فقط محاولة لفهمها قد يصيب و قد يخطأ

فالرؤيا إن كانت صادقة فهي خبر من اللوح المحفوظ تتحقق سواء عبرت أو لم تعبر

و إن لم تكن صادقة فتعبيرها لا قيمة له و لا يجعلها تتحقق.



- لا يجوز أخذ تشريع و لا الحكم على أمر من أمور الدنيا من الرؤيا

فلم يأتي بهذا أي حديث أو خبر يصح عن النبي صلى الله عليه و سلم أو أصحابه

كذلك لا يمكن التأكد من صدقها فللشيطان مدخل في الرؤى و لحديث النفس فيها مدخل أكبر.



- رؤيا النبي صلى الله عليه و سلم حق فمن رآه على صورته الحقيقية فقد رآه

و من رآه على غير صورته فيمكن أن تأول.



و لله الحمد و المنة



المراجع

- القرآن الكريم

- تفسير القرآن لابن كثير

- تفسير القرآن للقرطبي

- كتب الأحاديث السبعة

- سنن الدارمي

- مستدرك الحاكم

- مصنف بن أبي شيبة

- فتح الباي بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني

- صحيح مسلم بشرح النووي

- المنتقى شرح موطأ مالك

- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري

- مصتف عبد الرزاق

- كتب حذر منها العلماء لمشهور حسن سلمان

- منتخب الكلام في تفسير الأحلام لمشهور حسن سلمان

- الميزان للحافظ الذهبي

- سير أعلام النبلاء للحافظ الذهبي

- تهذيب التهذيب للحافظ بن حجر

- تقريب التهذيب للحافظ بن حجر

- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لعبد الله بن عبد البر

- فتح المغيث للسخاوي

- تدريب الراوي للسيوطي

- تعليقات الحافظ بن قيم الجوزية

اخت مسلمة
12-28-2010, 03:37 AM
بارك الله فيك على هذا البحث الطيب النافع
وفقك الله

عمـاد البيــه
12-28-2010, 04:06 AM
بارك الله فيكِ أختي الكريمة و جازاك خيرا و وفقنا جميعا لما يحب و يرضى آمين