المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقتبس من دروس النابلسي -العدل-



كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
12-31-2010, 08:29 PM
: العدل فقد اتفقت الأمة على إطلاق هذا الاسم على الله تعالى وهو مصدر عَدَلَ يَعْدِل عدلاً فهو عادل، عُدِلَ عن اسم الفاعل عادل إلى المصدر العدل، فمن أسمائه جل جلاله ؛ الحَكَمُ العَدْلُ، هذا المصدر أقيم مقام الاسم، كأن تقول الرب بدل الراب، والبَر بدل البار، والرضا بدل الراضي، والعدل بدل العادل، إذاً فاعلم أن أحد أسماء الله الحسنى العدل.الحقيقة أن الله سبحانه وتعالى عدل في خلقه، وعدل في تشريعه وعدل في أمره التكويني، وفي أفعاله، أي عدل في خلقه وعدل في أمره وعدل في فعله، خلق وأمر وفعل فعدل فهو عدل.
عدل في خلقه، فمكان اليد مناسب جداً، و في موقع متوسط، و الشيء المعتدل الذي هو بين الإفراط والتفريط، فمفتاح الكهرباء مثلاً إذا وضع في مكان يتناسب مع أهل البيت، فالأب ييحرك يده إلى مستوى معين فيطالعه، و الأم والابن وجميع من في البيت يستعملونه براحة فهذا المكان معتدل، ولو كان مرتفعاً لاحتاج الأمر إلى سلم، ولو كان منخفضاً مع الأرض لاحتاج الأمر إلى أن ينبطح الإنسان ليتألق المصباح، أما أن يكون هذا المفتاح في مكان معتدل بين الارتفاع والانخفاض فهذا المكان اسمه مكان معتدل، والاعتدال من العدل والاعتدال هو التوسّط، ودائماً التوسّط هو الموقف الأكمل بين الإفراط والتفريط.
و لو أن الإنسان رأى في كأس الماء كل الكائنات الحية لما شرب الماء، فلو أن العين بلغت من الدقة بحيث ترى كل شيء لاستحالت حياتنا شقاءً، ولو أنَّ العين بلغت من ضعف الرؤية ألا ترى الشيء الخطر لهلكنا، إذاً في الحالة الأولى إفراط وفي الثانية تفريط، فعتبة الرؤية لها حد معتدل، فالله سبحانه وتعالى عدل في خلقه.
وأما عن عتبة السمع، فهناك أصوات لا تسمعها، ولو سمعتها لما نمت الليل، فالموجات الصوتية تتخامد، وليست كالأمواج الكهرطيسية التي لا تتخامد، وقد أطلقت مركبة إلى كوكب المُشتري وبقيت مركبة الفضاء تطير في الفضاء بسرعة أربعين ألف ميل في الساعة، فقضت ست سنوات إلى أن وصلت، وأَرسلت منه رسائل بالراديو، وكما يقولون فإن الأمواج الكهرطيسية لا تتخامد بل تبقى سِعَتُها هيَ هيَ، لذلك فهذه الأمواج الكهرطيسية هي سبب البث الإذاعي، والفاكس والتلكس، فالأمواج الصوتية العادية تتخامد، ولو كانت كالأمواج الكهرطيسية، لسمعت في دمشق وفي هذا المسجد كل صوت في الأرض، كصوت أمواج البحار، ومعامل الفولاذ، وانفجارات البراكين، ولأصبحت الحياة مستحيلة، إذاً عتبة السمع وتخامُد الأصوات هذا خلق معتدل، بين الضجر الذي لا يُحتمل وبين الضعف الذي لا يقابل إذاً:
((إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ))
(سورة القمر)