المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التسلسل الموضوعي في بناء البرهان



أبو القـاسم
01-08-2011, 09:53 PM
*الأصل المستقر في عامة بني آدم أن الله فطرهم على الإقرار بتوحيد الرب جل وعز..بمعنى أنه ركز في نفوسهم اعتقاد وجوده وأنه واحد سبحانه وتعالى وعلى قبول الإسلام جملة(وهو ما يفسر أنه أسرع الأديان انتشارا رغم كل ما يبذل من جهود هائلة لهدمه منذ كان في مهده)* ..كما في قوله سبحانه: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) , وكما في حديث أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة واقرؤوا إن شئتم " فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله " )

*فإذا انحرفت هذه الفطرة (لسبب من الأسباب حتى بلغت بصاحبها أن يزعم إنكار وجود الله وهو منتهى الانتكاس الفطري, فلا وجود حقيقي للإلحاد عبر التاريخ سوى ما كان في العصر الحديث بعد حقبة الثورة الصناعية والانقلاب على الدين النصراني لما في الدين نفسه من تناقضات صارخة يمجها العقل بداهة ولكونه بطبيعته معاديا للعلم مع ما انضاف من تسلط رجال الكنيسة الرهيب على تفاصيل الحياة وتكلمهم باسم الرب بزعمهم فكانت كل وجرائمهم تقدم للناس على أنها بتوكيل رسمي من الله سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا)

*فحينئذ نعمد إلى التدليل على وجوده سبحانه بالأدلة المنطقية الكلية وأدلة العناية الجزئية وغير ذلك مما لايمكن للعقل السليم الذي يدعي أنه يبني النتائج المنطقية بناء على المقدمات الصحيحة المتناسقة أن يجحده ,ولهذا تجد كثيرا من الملاحدة في أمثال هذه الأدلة ينتهون إلى أن يقولون هناك قوة خلف العالم لكن ما أدري ماهي..فيسلم لك ويتلاعب بالألفاظ ,لأنه لو لم يسلم افتضح تناقضه

*فإذا انتهيت إلى هذا القدر, تناقشه في الدين الحق..فإن كان يرى أنه لابد من دين حق ,فيكفي أن تثبت له بطلان أصول الأديان:الوثنية-اليهودية-النصرانية ..وهذا ميسور لأنها تنضح بالخرافات والتناقضات التي ينكرها أي عاقل ,فإذا بطلت ..ثبت صحة دين الإسلام بناء على الاستبعاد للخطأ..وهذا منهج عقلي لايمكن إنكاره..كما لوقلت: اعتبر هذه المجموعة: (س,ص,ل,ك) ,ثم قلت : (ن) تساوي إحدى هذه المتغيرات ,ولكنها ليست س ولا ص ولا ك..فما (ن)؟ الجواب عند جميع من له ذرة عقل:ن=ل

*فإن كان ينكر أنه لابد من دين حق وحيد,فهذا يعني أن آثار الإلحاد ما تزال مستحكمة في عقله..وساعتها وبعد أن اعتقد بوجود الله تعالى, يقدم له الأدلة على صحة الإسلام بحسب ما يناسب تخصصه وتوجهه, فإن كان ذا اهتمام بالعلوم الطبية ونحوها يقدم له ما في المنقول الصحيح من دلائل النبوة في هذا ,وإن كان ذا اهتمام بالتاريخ تقدم له أدلة تتعلق بالنبوءات ..إلخ ومقارنة ذلك مع ما يقوله أهل الأديان الأخرى ..فبضدها تتميز الأشياء ..ولا مانع من حشد كل ما يعد دليلا أو بعض دليل ,مراعاة لاختلاف فهوم الناس ومداركهم ,والحقيقة الكلية يمكن بناؤها من أبعاض أدلة بحيث إذا اجتمعت معا ائتلف منها برهان حقيقي
ولهذا تجد بعض الناس لديه قدر جيد من الصفاء الفطري فحين سئل عن سبب إسلامه قال:كنت في شقاء وبحثت عن السعادة فلم أجدها إلا في الإيمان أي الإسلام..فهذا آنس نداء الروح ولبى النداء..وانسجم مع صراخ فطرته فيه ,وعرف الطريق بهذا اليسر
فمثله كمثل شخص يقود عربته فلما رأى مؤشر الحرارة ينادي ..أوقف العربة ,وأصلح الخلل إما بنفسه أو بوساطة خبير

والله الموفق للحق
-----
*والله الذي لا إله غيره لو بذلت هذه الحرب الضروس ضد أي دين آخر لانقرض من مدة..ولولا أنه الدين لما عظم أكثر كلما حاربوه أكثر

طالب العفو
01-09-2011, 03:30 AM
السلام عليكم

اذا تبين لي من الحوار ان من يحاورني مراوغ او معرض

هل يحق لي ان اعرض عنه (اتوقف عن الرد التفصيلي)

واعرض عليه الاسلام عن طريق القران

يعني اتيه بالايات التي تخاطب العقل

فان قبلها فبها ونعمت

وان رفضها فقد تجنبت شره ولم اتوقف عن دعوته

أبو القـاسم
01-09-2011, 04:47 AM
نعم بارك الله فيك أخي المكرم طالب العفو..مادمت بذلت معه أسباب الدعوة الصحيحة وقدمت له الحجج ثم هو يرواغ ,أو يتعالى ويلعب ويتسلى ..فدعه,وتأمل قول الله تعالى:
-(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )
وقوله سبحانه:
- (إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )

يحيى
01-09-2011, 04:55 AM
الأستاذ الفاضل أبو القاسم المقدسي
اسمح لي اطرح عليك سؤال يتعلق بنقطة مهمة في مقدمة موضوعك الذي نشكرك على وضعه بارك الله فيك.
س- هل الفطرة معرفة(علم) أو الخِلقة التي يُخلق عليها الآدمي تؤهله لاكتساب المعرفة الصحيحة (عن طريق التجربة) مع نموه بحيث يعرف من خلالها على الصانع و وحدانيته؟

أبو القـاسم
01-09-2011, 05:46 AM
أحسن الله إليك أخي الفاضل يحيى
الفطرة =ملكة راسخة في النفس تؤهل صاحبها لقبول الحق إذا عرض عليه بحق إذا كان انحرف وتحمله على الإسلام طواعية قبل الانحراف. وهي من أجل نعم الله سبحانه وتعالى,أما كونه يستجيب لنداء فطرته أو لا..فشيء آخر ..فأنت ترى مثلا أن المرأة الكافرة الفاجرة التي تمارس البغاء ,توقن(على الأقل في أول الطريق) في دخيلة نفسها أن هذا سبيل مرذول مقبوح..فلا تجد منهن من إذا سئلت عن وظيفتها تقول على سبيل الفخار: زانية أو متاجرة بشرفي!..هذا الأصل ومن شذ لا عبرة به فهو ينشأ من تكدس النكت السوداء على قلب صاحبها حتى تنطمس فطرته بالكلية
والله أعلم

طالب العفو
01-09-2011, 03:03 PM
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم

" وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ " الاعراف 172

وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى حدثنا حسين بن محمد حدثنا جرير يعني ابن أبي حازم عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال

أخذ الله تعالى الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون الأعراف 172

صححه الحاكم
تعليق شعيب الأرنؤوط : رجاله ثقات رجال الشيخين غير كلثوم بن جبر من رجال مسلم وثقه أحمد وابن معين وذكره ابن حبان في الثقات وقال النسائي ليس بالقوي . ورجح ابن كثير وقفه على ابن عباس


قال تعالي : " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " الروم 30

قال البخاري رحمه الله تعالى حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي عمران قال سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال
يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدى به فيقول نعم فيقول أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا أن تشرك بي ورواه مسلم وغيره

فوجود الفطرة امر غيبي خبري
اخبرنا به في نص شرعي

ثم وجد كثير من العقلاء هذه الفطرة في انفسهم
وبالنظر في اعمال غيرهم
وخاصة فيمن بعد عن الشرائع وانعزل عن الناس
تجد فيهم توجه للسماء وايمان بالمؤثر الغيبي

لكن الله اختار ان يكون الاختبار بعد الرسالة
يعني لا يحاسبنا علي هذه الفطر
الا اذا لاقت الشرع فصدقته او كذبته

فاثباتها نقلا وعقلا متوافر
والاحتجاج بها لا يوافق الشرع والعقل فيما اظن

قال تعالي:" مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً " الاسراء 15

أبو القـاسم
01-09-2011, 04:46 PM
أخي العزيز طالب العفو..كنت أظنك تسأل فإذا أنت معترض.فهلا كنا مباشرين؟ ,أفضل من هذا الأسلوب
على كلٍ: الاحتجاج بالفطرة مثبت في القران والسنة وهو من طريقة علماء أهل السنة والجماعة
وهو مما يميز طريقتهم عن المتكلمين..وليس هذا مجال بيانه
وأما مسألة تفسير الميثاق فهذا مما وقع فيه الخلاف فقيل المراد الفطرة وهو قول ابن تيمية وجماعة
وهذا لا ينقض الموضوع مهما كان المقصود به,لأن الفطرة ثابتة بالشرع ..وحينئذ الاحتجاج بها حق
فالله يقول عن كتابه "وجاهدهم به جهادا كبيرا" أي بالقران ..وهي ثابتة بالحس الشعوري المطرد الذي لا ينكَر
وهذا من الأدلة المعتبرة
والله الموفق

حسام الدين حامد
01-09-2011, 08:03 PM
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرًا، ومن هذه المدارسة بين أهل الفضل نستفيد..

يقول الشيخ الألباني رحمه الله:
(إنه ليلوحُ لي أننا وإن كنّا لا نتذكرُ جميعًا ذلك الميثاقَ الرباني -وقد بيَّن العلماءُ سببَ ذلك- فإن الفطرةَ التي فطر اللهُ الناسَ عليها -والتي تشهدُ فعلًا بأن الله هو الربُّ وحده لا شريك له- إنما هي أثرُ ذلك الميثاق، وكأن الحسنَ البصريَّ رحمه الله أشار إلى ذلك حين روى عن الأسودِ بنِ سريعٍ مرفوعًا "ألا إنها ليست نسمةٌ تولد إلا وُلدت على الفطرة ... " الحديث، قال الحسن عقِبه ولقد قال الله ذلك في كتابه "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ... "الآية أخرجه ابن جرير 15353 ، ويؤيدُه أن الحسن من القائلين بأخذِ الميثاقِ الوارد في الأحاديث، كما سبقت الإشارةُ إلى ذلك، وعليه فلا يصحُّ أن يقالَ إن الحسنَ البصريَّ مع الخلف القائلين بأن المرادَ بالإشهادِ المذكورِ في الآية إنما هو فَطْرَهم على التوحيد).


والاحتجاج بها لا يوافق الشرع والعقل فيما اظن

هذه الجملة مبناها فيما يظهر على أن المقصود بالميثاق الفطرة، ولكن الجملة غير دقيقة حتى مع هذا القول، فإن الذين يفسرون الميثاق بالفطرة، لا يقولون إنّه لا يجوز الاحتجاج بها شرعًا وعقلًا، وإنما يقولون إنّها ليست حجة مستقلة يترتب على مخالفتها بمفردها العقاب، وهذا يوافق فيه القائلون بأن الميثاق هو الفطرة أولئك الذين قالوا إن الفطرة أثر باقٍ من آثار الميثاق.

يقول الشنقيطي رحمه الله:
(والآياتُ القرآنية مصرِّحةٌ -بكثرة- بأن الله تعالى لا يعذبُ أحداً حتى يقيم عليه الحجةَ بإنذارِ الرسل، وهو دليلٌ على عدم الاكتفاءِ بما نصَبَ من الأدلة وما ركَز من الفطرة، فمن ذلك قولُه تعالى "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولاً"؛ فإنه قال فيها "حتى نَبْعَثَ رَسُولاً" ولم يقل حتى نخلُقَ عقولاً ونُنصِّبَ أدلةً ونُركزَ فطرة، ومن ذلك قولُه تعالى "رُسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل" الآية ، فصرح بأن الذي تقوم به الحجةُ على الناس ، وينقطعُ به عذرُهم هو إنذارُ الرسل، لا نصْبُ الأدلةِ، والخلقُ على الفطرة).

وقد فصّل ابن تيمية رحمه الله في درء التعارض في الكلام عن الفطرة وإثباتها والاحتجاج بها، ومما قال:
(النفس لا تخلو عن الشعور والإرادة، بل هذا الخلوُّ ممتنعٌ فيها، فإن الشعورَ والإرادةَ من لوازم حقيقتِها، ولا يُتصورُ أن تكونَ النفسُ إلا شاعرةً مريدة، ولا يجوزُ أن يقال إنها قد تخلو في حق الخالق تعالى عن الشعور بوجودِه وعدمِه، وعن محبته وعدم محبته، وحينئذٍ فلا يكونُ الإقرارُ به ومحبتُه من لوازم وجودِها، ولو لم يكن لها معارض، بل هذا باطل، وذلك أن النفسَ لها مطلوبٌ مرادٌ بضرورة فطرتِها، وكونُها مريدةً من لوازم ذاتها، لا يُتصورُ أن تكون نفسُ الإنسانِ غيرَ مُريدة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم أصدقُ الأسماءِ حارثٌ وهمّام، وهي حيوانٌ وكل حيوانٍ متحركٌ بالإرادة، فلابد لها من حركةٍ إرادية، وإن كان كذلك فلابد لكل مريدٍ من مراد، والمراد إما أن يكونَ مرادًا لنفسه أو لغيره، والمرادُ لغيره لابد أن ينتهي إلى مرادٍ لنفسه، فيمتنعُ أن تكون جميعَ المراداتِ مراداتٍ لغيرها، فإن هذا تسلسلٌ في العلل الغائية، وهو ممتنع، كامتناعِ التسلسلِ في العلل الفاعلةِ بل أولى، وإذا كان لابد للإنسان من مرادٍ لنفسه فهذا هو الإلهُ الذي يؤلهُه القلب، فإذًا لابد لكل عبدٍ من إله، فعُلم أن العبد مفطورٌ على أن يحب إلهَه) ومن شاء الاستزادة فليرجع لدرء التعارض ففيه كثير من الفوائد.

يحيى
01-09-2011, 09:06 PM
بارك الله في الأساتذة حسام الدين حامد, طالب العفو و أبو القاسم المقدسي. جزاكم الله خيرا :emrose:

إسمحوا لي لأسأل عن طريقة المناقشة (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، و يتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ) فأنا لا غالبا لا أتعلم إلا بهذه الطريقة, أرجو أن لا يكون في هذا الأسلوب سوء أدب مع أساتذتنا و مفكرينا المحترمين.

أخي أبو القاسم المقدسي, إذا كان القصد بالفطرة "ملكة نفسية .." أو أي شيء آخر غير الخِلقة التي يُخلق عليها البشر تؤهله لكسب المعرفة عن طريقة التجارب الخاصة (بالحواس) التي نستسقي منها القواعد العامة (بالأفئدة), فيظهر لي و الله أعلم أن الأخ طالب العفو معه حق: الفطرة أمر غيبي خبري.

المثال على الخِلقة: أرى شيء ثم أؤمن بوجوده, فهذا العلم علم فطري, لكن أكتسبه بالتجربة و أسلم به دون البحث عن دليل (ما تراه = موجود / ممكن موجود), و لم أخرج من بطن أمي و هذا العلم مغروس في نفسي, بل نفسي أو خِلقتي خُلقت لتقبل هذه الحقيقة ((ما تراه = موجود / ممكن موجود)) بمجرد البدأ في التعامل مع الواقع عندما يبدأ الوعي بالنمو... و يجب أن تكون كذلك و إلا حصل تعارض مع الآية الكريمة:
{{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}}
ما نقوله هنا في وجود الموضوع, نقوله أيضا في تطابق التصور مع الإدراك (به يحصل العلم), و في وجودنا أيضا ..

لماذا نستنتج بالعقل قاعدة عامة من تجربة خاصة؟ مثال: لماذا نستسقي السببية (معرفة عقلية) من تداعي الأسباب (=الارتباط و هي تجربة خاصة), ثم نستخدم هذه السببية في حياتنا (في القانون مثلا حيث نعاقب المجرم و لا نقول أن الجريمة حصلت بلا سبب!!)؟؟؟ الجواب: الخِلقة (اي النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق، ففطرة الإنسان هي ما فُطر، اي ما خُلق عليه الإنسان ظاهراً وباطناً، اي جسداً وعقلاً - إبن عاشور)، لكن لا نقول أن هذه المعرفة العقلية أولية، هي أولية من حيث أن الإنسان يكتسبها منذ أول وهلة يبدأ فيها وعيه بالنمو، لكن ليست أولية بمعنى أنها معرفة فطرية مخلوقة لأن هذا التصور للفطرة يصطدم مع الآية الكريمة:
{{والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}}
أليس كذلك؟؟؟

أبو القـاسم
01-10-2011, 12:35 AM
أخي يحيى..إن كنت مسلماً, فالأمر بين ..وتقدم الكلام في احتجاج الله تعالى بها
وإن كنت غير مسلم..فالاحتجاج بها إحالة إلى الحس المطرد عند جميع البشر..فجميع الناس تأنس من نفسها حقيقة الفطرة هذه
فترتاح بالإيمان وتضطرب بقدر البعد عنه والشواهد في ذلك لا تحصى..وتميز عامة الناس أصول الأخلاق الحسنة والأخلاق المرذولة كما تميز بين اللبن والخمر ,وقد استدل بمقتضى الفطر هرقل حين سأل أبا سفيان"هل يرتد أحد منهم سخطة لدينه"..وكان الجواب المعروف:لا,فإنك لا تجد في التاريخ من عرف الإسلام ثم تركه عن قناعة عقلية بذلك..بل يرتدون لمغريات ..ولو قدر وجود من اقتنع بأنه باطل على التنزل الجدلي فهذا شاذ لا ينقض القاعدة الأصلية ..وأدعوك لقراءة النص القيم لابن تيمية الذي نقله الدكتور حسام الدين حفظه الله تعالى,واعلم أن الاحتجاج بها لا ينفع كل أحد نعم..وهذا ليس بشيء فكثير من الأدلة يردها الناس لعدم تصور محل الدلالة أو غير ذلك
والله الموفق

يحيى
01-10-2011, 01:31 AM
أستاذنا أبو القاسم, حفظك الله
نحن لا نختلف في وجود كلمة 'فطرة' في القرآن الكريم:

(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)
هل نستدل بالفطرة أو لا نستدل؟ ممكن, لكن ما هي هذه الفطرة؟
هل أجد الجواب في كلام إبن تيمية رحمه الله؟ فيما نقله الاستاذ حسام الدين أرى كلاما حول النفس, أم يريد بالفطرة النفس؟ إذن يجب أن نقرأ ما قبل و ما بعد هذا الكلام لنرى أين يقول شيخ الاسلام هذا الكلام و كيف يستدل عليه, و هل النفس أيضا علما / معرفة؟ لا يمكن, الإنسان يخرج من بطن أمه "لا يعلم شيئا" و هذا نص صريح واضح لا لبس فيه من القرآن الكريم.


وتميز عامة الناس أصول الأخلاق الحسنة والأخلاق المرذولة
نعم لكن كيف نميز؟ بالتجربة (يضر أو لا يضر) و السمع (الخبر: خبر من آخرين جربوا كما نعرف أن السم يضر و نحن لم نشربه, أو خبر إلهي صحيح الموثوق نتعلم من خلاله الحسن و القبيح, و هذا الخبر يؤكد أو يرفض ما نتوصل إليه بتجاربنا الخاصة التي نتسخلص منها أحكام عامة بعقولنا, و حقيقية ليس هناك شيء غير الخبر الإلهي يمكن أن نتأكد به في أي شيء يخطر في بالك), أليس كذلك؟ أم تريد أن تقول بوجود 'شيء معرفي' مخلوق في الانسان يتعرف من خلاله تلقائيا على الحسن و القبيح؟
ممكن, لكن كيف تجمع بين هذا التصور و التجربة التي يمكن أن تقوم بها الآن مع أي طفل تعطيه أي شيء قبيح حسن مضر نافع يأخذه أو يشربه فتجده يتفاعل بإيجابية؟ و كيف يمكن أن نجمع بين هذا التصور و ما يقوله الله في القرآن ((والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا))؟؟

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
01-10-2011, 02:05 AM
جاء في كتاب (( تعريف عام بدين الإسلام )) لعلي الطنطاوي رحمه الله :
ولقد قرأت في مجلة ( المختار ) ، المترجمة عن مجلة ( ريدرز دايجست ) ، مقالةٌ نشرت أيام الحرب ، لشاب من جنود المظلات ( يوم كانت المظلات والهبوط بها شيئاً جديداً ) يروي قصته فيقول : إنه نشأ في بيت ليس فيه من يذكر الله أو يصلي ، ودرس في مدارس ليس فيها دروس للدين ، ولا مدرّس متدين ، نشأ نشأة ( علمانية ) مادية ، أي مثل نشأة الحيوانات التي لا تعرف إلا الأكل والشرب والنكاح ، ولكنه لما هبط أول مرة ، ورأى نفسه ساقطاً في الفضاء قبل أن تنفتح المظلة ، جعل يقول : يا الله يا رب ، ويدعو من قلبه ، وهو يتعجب من أين جاءه هذا الإيمان ؟ .
وبنت ( ستالين ) نشرت من عهد قريب مذكّراتها ، فكرت فيها كيف عادت إلى الدين ، وقد نشأت في غمرة الإلحاد ، وتعجب هي نفسها من هذا المعاد . وما في ذلك عجب ، فالإيمان بوجود إله ، شيء كامن في كل نفس ، إنه فطرة ( غريزة ) من الفِطر البشرية الأصلية , ولكن هذه الفطرة ، قد ( تغطيها ) الشهوات والرغبات والمطامع ، والمطالب الحيوية المادية ، فإذا هزتها المخاوف والأخطار والشدائد ، ألقت عنها غطاءها فظهرت ...

جزاك الله خيرا أخي أبا القاسم ..

حسام الدين حامد
01-10-2011, 02:20 AM
وقال ابن تيمية رحمه الله في ذات السياق:
(العبدُ مفطورٌ على أن يحبَّ إلهَه، ، ومن الممتنعِ أن يكون مفطورًا على أن يُؤلِّهَ غيرَ الله لوجوه، منها أن هذا خلافُ الواقع، ومنها أنه ليس هذا المخلوقُ بأن يكون إلهًا لكل الخلقِ بأولى من هذا، ومنها أن المشركين لم يتفقوا على إلهٍ واحد بل عبدَ كلُّ قومٍ ما استحسنوه، ومنها أن هذا المخلوقَ إن كان ميتًا فالحيُّ أولى من الميت، فيمتنعُ أن يكون الناسُ مفطورين على عبادةِ ميت، وإن كان حيًّا فهو أيضًا مريد، فله إلهٌ يؤلهُه، فلو كان هذا يؤلهُ هذا، وهذا يؤلهُ هذا، لزم الدَّورُ الممتنعُ أو التسلسلُ الممتنعُ فلابد لهم كلُّهم من إلهٍ يؤلهونَه.
فإن قلت ما ذكرتَه يستلزمُ أنه لابد لكل حيٍّ من إله، أو لكل إنسانٍ من إله، لِمَ لا يجوزُ أن يكونَ مطلوبُ النفسِ مطلقُ المألوه، لا مألوهًا معينًا، وجنسُ المراد لا مرادًا معينًا؟
قيل هذا ممتنع، فإن المرادَ إما أن يُرادَ لنوعِه أو لعينه، فالأول مثل كونِ العطشانِ يريد الماءَ والسغبانُ يريد طعامًا، فإرادتُه هنا لم تتعلقْ بشيء معين، فإذا حصل عينٌ من النوع حصل مقصودُه.
والمراد لذاته لا يكون نوعًا، لأن أحد المعنَيَينِ ليس هو الآخر، فلو كان هذا مرادًا لذاتِه للزم أن لا يكونَ الآخرُ مرادًا لذاته، وإن كان المرادُ لذاته هو القدرُ المشتركُ بينهما، لزم أن يكون ما يختصُّ به أحدُهما ليس مرادًا لذاتِه، وإذا لم يكن مرادًا لذاته لزم أن يكون ما يختص به كلٌّ منهما ليس مرادًا لذاته، والكليُّ لا وجودَ له في الأعيان إلا معينًا، فإذا لم يكن في المعينات ما هو مرادٌ لذاته، فلا يكونُ فيها ما يجب أن يؤلهَه أحد، فضلا عما يجب أن يؤلهَه كلُّ أحد.
فتبين أنه لابد من إلهٍ معين، هو المحبوبُ لذاته من كل حي، ومن الممتنعِ أن يكون هذا غيرُ الله، فلزم أن يكون هو الله، وعلم أنه لو كان فيهما آلهة إلا اللهُ لفسدتا، وأن كلَّ مولودٍ وُلد على محبة هذا الإله، ومحبتُه مستلزمةٌ لمعرفته، فعُلم أن كلَّ مولودٍ ولد على محبتِه ومعرفتِه وهو المطلوب.
وهذا الدليلُ يصلحُ ان يكون مستقلًاّ، وهذا بخلافِ ما يرادُ جنسُه، كالطعام والشراب، فإنه ليس في ذلك ما هو مرادٌ لذاته، بل المراد دفعُ ألمِ الجوعِ والعطشِ أو طلبُ لذةِ الأكلِ والشربِ، وهذا حاصلٌ بنوع الطعام والشراب، لا يتوقفُ على معينٍ بخلاف ما هو مرادٌ ومحبوبُ لذاتِه فإنه لا يكون إلا معينًا).

أخي الفاضل يحيى..
ليس المنقول عن شيخ الإسلام كلامًا حول النفس ولا يريد بالفطرة النفس، ولو أعدت القراءة لوجدت أنه يلخص الفقرة بقوله "فعُلم أن العبد مفطورٌ على أن يحب إلهَه" فهل هذا حديثٌ حول النفس أو تفسير للفطرة بالنفس؟!

ونعم يجب أن نقرأ ما قبل وما بعد، وأتمنى ذلك حقًّا، ولو استطعت لنقلتُ لك كلام ابن تيمية كله، ولكنه يقع في حوالي 50 صفحة على الأقل، يتناول فيها معنى الفطرة وما يتعلق بها بطريقته المعهودة رحمه الله.

وليس هناك أحدٌ يقول إن الإنسان يولد عالمًا، لن تجد ذلك عند أحدٍ من المختلفين في معنى الفطرة فيما أعلم، لكنهم يقولون إن قوى الإدراك الموجودة في الإنسان تستلزم التوحيد وتستلزم الإسلام وتستلزم الخلق الحسن، ودعوى أن الحسن والقبح لا تكون إلا بخبر الشرع، فهذا مذهب الأشاعرة وليس مذهب أهل السنة، إنما مذهب أهل السنة أن الحسن والقبح يعرفان إجمالًا، بينما التفصيل يأتي به الشرع، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم "لأتمم مكارم الأخلاق" وقال تعالى "قل أحل لكم الطيبات"، فدل على وجود مكارم وطيبات يأتي الشرع ليقرها أو يفصلها.

وعود إلى المقصود فإنّ قوى الإدراك الموجودة في الإنسان تستلزم التوحيد وتستلزم الإسلام وتستلزم الخلق الحسن، كما قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل (وموجبات الفطرة ومقتضياتها تحصل شيئًا بعد شيء بحسب كمال الفطرة إذا سلمت من المُعارِض) وهذا هو الذي يجمع بين التصور الذي ذكره لك الأخ الفاضل أبو القاسم وبين قوله تعالى "لا تعلمون شيئًا"، وهذا هو ما يبني عليه شيخ الإسلام استدلاله، فيثبت الفطرة ويحتج بها في آن، ولا أدري ما المقصود بالقول إن الفطرة أمر غيبي، فهل يمتنع عندنا إثبات أمرٍ غيبي بالعقل والشرع، ثم الاستدلال بهذا الذي ثبت؟!

طالب العفو
01-10-2011, 02:57 AM
أخي العزيز طالب العفو..كنت أظنك تسأل فإذا أنت معترض.فهلا كنا مباشرين؟ ,أفضل من هذا الأسلوب

انا فعلا سالت وحضرتك اجبت
ثم سال اخونا يحي سؤالا عن الفطرة غير سؤالي
وجمعت الادلة النقلية المتعلقة بالمسالة فيما علمت
ونقلت منها الصحيح فقط

ثم وضعت ما ظهر لي بصيغة ممرضة وهي

والاحتجاج بها لا يوافق الشرع والعقل فيما اظن

واكرمنا الله في المداخلة بتفاصيل و شروحات لشيخ الاسلام توضح ان المسالة اوسع مما ظننت
وهذا من ابواب الخير في التدارس

واخونا يحي هو من احب الاخوة المسلمين الينا في هذا المنتدي

اتمني الا نكون قد سببنا ازعاجا :emrose:

طالب العفو
01-10-2011, 03:02 AM
ولا أدري ما المقصود بالقول إن الفطرة أمر غيبي، فهل يمتنع عندنا إثبات أمرٍ غيبي بالعقل والشرع، ثم الاستدلال بهذا الذي ثبت؟!

حياكم الله د حسام

ولا يمتنع عندنا إثبات أمرٍ غيبي بالعقل والشرع، ثم الاستدلال بهذا الذي ثبت

بل القصد ان مبدأها في العلم هو الخبر عندنا
حتي لو استفاض الدليل الحسي والعقلي عليها
من باب تقديم النقل فقط
وانا مازلت اقرا ما كتب الاخوة الافاضل
لان فيه خلاصات وفوائد قيمة

حسام الدين حامد
01-10-2011, 03:06 AM
وفيكم بارك الله أخي الحبيب د.طالب العفو..

يحيى
01-10-2011, 03:38 AM
واخونا يحي هو من احب الاخوة المسلمين الينا في هذا المنتدي
اتمني الا نكون قد سببنا ازعاجا :emrose:
الله يحبك أستاذنا الحبيب طالب العفو, أتمنى أن لا نكون قد أزعجنا أي أحد من الأساتذة الكرام بارك الله فيهم.

الأستاذ حسام الدين حامد حفظك الله و رعاك
شكرا على النقل, هل عندك الصفحة و المجلد و الباب الذي يناقش فيه إبن تيمية رحمه الله هذا الموضوع؟ أنا معي تحقيق د. السيد محمد السيد و أ. سيد ابراهيم صادق, طبعة دار الحديث سنة 2006.

نعم الانسان مفطور على .. الإنسان خُلق ل .. فما الفرق؟
و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون, لكن لا أرى في أي سطر مما نقلته مفهوما آخر للفطرة غير الخِلقة أي الحالة التي خُلق عليها الإنسان أما أن تكون الفطرة "معرفة" من نوع ما كعلم باطني أو ذوقي أو ما أدري ايش من المسميات للمعارف و العلوم, فالقرآن واضح و هو أن الإنسان يخرج من بطن أمه و هو لا يعلم شيئا, فالمعرفة تحصل بنص القرآن عن طريق السمع و البصر (التجريبية) و الفؤاد (العقلانية). أعتقد أن الإنسان إذا طلب المعرفة بشكل صحيح بدون أن يغلب الهوى على العقل, أو الظنيات على المعلومات, أو الإحتمالات الضعيفة على الإحتمالات القوية, فإنه يتوصل إلى معرفة بالله و وحدانيته و أنبيائه.

فما رأيكم أدام الله فضلكم؟؟ :emrose:

حسام الدين حامد
01-10-2011, 03:50 AM
بارك الله فيكم أخي الكريم..

في الطبعة المذكورة تجد كلامه عن الفطرة م4 ج8 ص 387 فما بعدها "كلام القاضي أبي يعلى عن الفطرة".. والموطن الذي أنقل منه تجده في ص 433 "الأدلة العقلية تدل على أن كل مولود يولد على الفطرة".

تقرأ كلامه أولًا ثم نتناقش فيه.. أليس كذلك؟؟

يحيى
01-10-2011, 04:09 AM
تقرأ كلامه أولًا ثم نتناقش فيه.. أليس كذلك؟؟
بلا شك أستاذنا حسام الدين, لذلك طلبت منك معلومات حول الموضوع في كتاب درء التعارض حتى أرجع إليها :118:, ففي ما نقلت أخي الكريم ليس هناك و لاشبه إشارة ألى كلام يستشعر منه الإنسان بأن الفطرة معرفة أو علم. :):

حسام الدين حامد
01-10-2011, 04:31 AM
أخي الكريم يحيى بارك الله فيكم..

قال ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل (وموجبات الفطرة ومقتضياتها تحصل شيئًا بعد شيء بحسب كمال الفطرة إذا سلمت من المُعارِض).
قال الألباني رحمه الله "فإن الفطرةَ التي فطر اللهُ الناسَ عليها -والتي تشهدُ فعلًا بأن الله هو الربُّ وحده لا شريك له- إنما هي أثرُ ذلك الميثاق".
قال أبو القاسم حفظه الله "الفطرة =ملكة راسخة في النفس تؤهل صاحبها لقبول الحق".
قال حسام "وليس هناك أحدٌ يقول إن الإنسان يولد عالمًا، لن تجد ذلك عند أحدٍ من المختلفين في معنى الفطرة فيما أعلم، لكنهم يقولون إن قوى الإدراك الموجودة في الإنسان تستلزم التوحيد وتستلزم الإسلام وتستلزم الخلق الحسن".

فلماذا تتوقع أن أنقل عن شيخ الإسلام أن الفطرة معرفة أو علم ؟؟!

وإن لم يكن أصل الفطرة معرفة أو علم فهذا لا يعني تنحيتها، بل الاستدلال بها وعليها والرد إليها كثير في كلام أهل العلم، بل اقرأ تفسير قوله تعالى "أفي الله شك فاطر السماوات والأرض" فإن أحسب أن منزع الاستدلال في الآية الكريمة مما سيثري خط كتاباتك في الفترة الأخيرة.

المهم توكل على الله واقرأ، ولا تعد لي لتقول لم أجد أن الفطرة علم، وقد أعذر من أنذر :):

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
01-10-2011, 05:00 AM
وما المانع شيخنا الفاضل أن تكون الفطرة أمر غيبي خبري كأمر الروح وهي كذلك ملكة راسخة كالغريزة الجنسية أو كحاجة الإنسان إلى الطعام والشراب
فتجده مثلا إذا عطش طلب الماء وإذا جاع طلب الطعام وإذا شعر بالحر طلب الظل وهكذا ، فهذه قضايا غريزية ونزعات إنسانية نحو الحاجات لإستمرار الحياة

وكذلك الفطرة فالإنسان مفطور أو عنده سليقة صافية تجاه الخير والشر فلئن كان مفطورا على معرفة هذه الأمور كما يقول تعالى (( ونفس وما سواها ،فألهمها فجورها وتقواها)) فمعرفة الخالق إبتداء من باب أولى ...

فالطفل يجوع ويشرب الحليب وهو كذلك مفطور على وجود الخالق ولكنه غير مكلف بالتعلق به وإتباع أمره ونهيه لرفع القلم عنه

فلو أن هذا الطفل عاش في جزيرة نائية ليس فيها أناس فإنه سيهتدي بفطرته إلى الذي خلقه حال كونه عاقل
وقولنا عاقل أي عندما يبلغ سنا تؤهله معرفة الأشياء بفعل فطرته
فهو في حال صغره تكون فطرته منحصرة فيما ينفعه كشرب الحليب أو البكاء عند الألم أو الضحك عند الشعور بالحنان وهذا كله من لطف الله ورحمته مع وجود الفطرة المثبتة فيه والتي يأتي دورها عندما يكون عاقلا بأمر الله ...

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في تعليقه على حديث «كل مولود يولد على الفطرة»: «ونحن إذا قلنا أنه ولد على فطرة الإسلام أو خلق حنيفًا، فليس المراد به أنه حين خرج من بطن أمه يعلم هذا الدين، فإن اللَّـه أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئًا، ولكن فطرته مقتضية موجبة لدين الإسلام، ولمعرفته ومحبته، ومن ظن أن (البشر) خلقوا خالين من المعرفة والإنكار، من غير أن تكون الفطرة تقتضي واحدًا منهما، بل يكون القلب كاللوح الذي يقبل كتابة الإيمان وكتابة الكفر، فهذا القول فاسد؛ لأنه حينئذ لا فرق بالنسبة إلى الفطرة بين المعرفة والإنكار، والتهويد والتنصير، فكان ينبغي أن يقال: يُسلّمانه ويهودانه..

أبو القـاسم
01-10-2011, 07:36 AM
شكر الله للدكتور الموفّق حسام الدين..ولجميع الأفاضل الكرام الأساتذة طالب العفو ويحيى ومحب أهل الحديث ..وأقول بعد حمد الله سبحانه ملخصا ما أريد في نقاط :
-لم أتعرض لنقول عن العلماء لأنه درج في أمثال هذه النقاشات العلمية أن يعترض أحد المتحاورين فيقولوا : نحن نطالب بدليل وليس النقل عن فلان وعلان دليلا فهذا رأيه, ومع كون الأمر ليس كما يقولون ولكن فيه تفصيل..
-فسر السلف الأوائل الفطرة بالإسلام, لا ابن تيمية وحده ..قال ابن عبد البر : (وهو المعروف عند عامة السلف) بل هو صريح كلام رسول الله كما في حديث عياض بن حماررضي الله عنه عن النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام فيما يروي عن ربه : ( وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فأضلتهم عن دينهم..) وهو ما فهمه الصحابة الأكابر كأبي هريرة وغيره, وليس المراد بالإسلام معرفة تفاصيل الحلال والحرام والعقائد كما بيّن الدكتور حسام الدين
-مجرد وجود ذلك في القران في الكتاب والسنة يعني جواز الاحتجاج به ,وليس صحيحا ما يردده بعض الإخوة قائلين:كيف تحتج على الكافر بأشياء في القرآن وهو ينكر القرآن أصلا..؟ لأنّا قد علمنا أن الله تعالى أمر نبيه أن يدعو الناس بالقرآن وأن يتلوه عليهم..وتواتر إسلام الكثير عبر التاريخ بمجرد ذلك..وهذا لا تجده في غير هذا الدين, لا من جهة اشتمال القران على الدلائل العقلية فحسب,بل لأن حقائقه تحرك الكامن الفطري الذي تكدست عليه أكوام الضلالات وينفض عنه الأوساخ ,كلٌ بحسبه..بل مجرد تلاوته في ساعة خلو القلب من المؤثرات المفسدة سبب عظيم لتحريك هذا الكامن الفطري وقد استفاض النقل بذلك قديما وحديثا ..وهو من أحد أدلة الفطرة التي ركزها الله في النفوس, فحين نحتج بها فإنا نعمل بموجب دلالة القران والسنة من جهة وكذلك بناء على أنه شيء مأنوس في كل نفس لايمكن إنكاره من جنس الاستدلال بالمحسوس ,والروح وإن كانت غيبية إلا أنه لا يجادل في حقيقتها أحد كما أشار أخونا الحبيب محب أهل الحديث
-ومما يدل على أن الله نفسه جل ثناؤه احتج بها أنه عقّب الأمر بإقامة الدين بقوله "فطرة الله التي فطر الناس عليها" بمنزلة ما لو قلت لشخص:اتبع الخطة المرسومة في هذه الورقة بحذافيرها,وضعها أكابر الخبراء . فإنما قلت "وضعها..إلخ" مدللاً على صحة ما فيها
-وفي بعض الروايات ما يدل على ما تقدم كرواية الأعمش المخرجة في صحيح مسلم"ما من مولود يولد إلا وهو على الملة" ,على أن الأمر واضح ولهذا قال به عامة السلف
-أما أصول الأخلاق أخي المكرم يحيى فليس الأمر منوطا بالتجارب التي أدت لمعرفة الضر ,بل النفس مشحونة بحاسّة فطرية تميز بين أصول الأخلاق الحسنة والمرذولة..فتعرف قبح الكذب والخيانة ونحوها من حيث هو كذب لا من جهة ملاحظة آثاره ومعاينة ما يترتب عليه بعدُ ,ومن قال بغير ذلك فهو مطالب بالدليل على أني أنزهك أخي المكرم يحيى أن يكون رأيك في هذا مشابها لهم,ولهذا قال ابن القيم : (الفطرة حيث جاءت مطلقة معرفة باللام لايراد بها إلا فطرة التوحيد والإسلام وهي الفطرة الممدوحة وبهذا جاء في حديث الإسراء لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم اللبن قيل له"أصبت الفطرة")وبعض الأخلاق أو الأشياء يدرك العقل قبحها بالقياس المنطقي والاستنباط ,وبعضها لا تعلم إلا من جهة الشرع
-وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم الفطرة بالبهيمة التي تولد خالية من العيب ,ليصور لك المعنى بالمثال ولم يذكر لتحصيل الفطرة أسبابا وشروطا وإنما أشار لانتفاء الموانع لحائلة دون قيام دلالتها في بعض النفوس "حتى تكونوا أنتم تجدعونها", والإيمان بدلالة الفطرة من مقتضى اعتقاد عدالة الله ورحمته ,والرسل جاءوا "لئلا يكون للناس على حجة بعد الرسل " فالفطرة إذن محل نوراني قابل لتلقي نور الوحي ..وهو السر الوحيد في تفسير إذعان الكثير لحقائق التوحيد بمجدر سماع القران..ولو لم يكن الجزء المسموع مشتملا على دليل عقلي بالمعنى الاصطلاحي..
أكتفي بهذا القدر الآن ..والله المستعان

أبو القـاسم
01-10-2011, 10:07 AM
إلى أن يقولون الصواب :يقولوا..ثبتت النون بسبق قلم أو بسبق زر لوحة المفاتيح

يحيى
01-11-2011, 07:30 AM
إخواني الأعزاء
@حسام الدين حامد
@محب أهل الحديث
@أبو القاسم المقدسي
@طالب العفو

الرد في الخاص إن شاء الله
تحت عنوان: ((تعليقات: التسلسل الموضوعي في بناء البرهان))
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

أبو القـاسم
01-11-2011, 07:40 AM
سبحان الله..!
ما معنى أن الرد في الخاص؟

يحيى
01-11-2011, 07:42 AM
في القسم الخاص أستاذنا المحترم أبو القاسم المقدسي :emrose:
و ذاك القسم أفضل حتى لا نشوش على الناس و الذين تستقر في أذهانهم تصورات معينة للفطرة قد أختلف فيها معهم, و الله أعلى و أعلم.

مع خالص محبتي و احتراماتي

شرف الدين الصافي
01-11-2011, 11:33 PM
بارك الله بالأشياخ والأساتذة الأفاضل على هذا النقاش الماتع .
لا شك أن الدليل الفطري هو من أقوى الأدلة وأرسخها ويصلح أن يكون برهانا قائما برأسه للتدليل على وجود الله تعالى بل وحتى على صحة دين الإسلام ومصدره الرباني ، فهو العقبة الكؤود التي تقف في وجه الملاحدة السفهاء فتحبط كل ما ينسجونه من أحابيل لصد الناس واقصائهم عن حقائق الإيمان .
وإني سأدلي برأيي فيما يتعلق بمفهوم الفطرة على حسب ما أعلم ، فما كان من كلامي مجانبا للصواب فحبذا لو أرشدني أحد الأساتذة الأفاضل إليه .
أقول عن مفهوم الفطرة الإيمانية : هي ذلك الاستعداد الجِبلّي المركوز بين جوانح الإنسان، المهَيَّأ لتلقي حقائق الايمان بشقيه الاعتقادي والسلوكي والتفاعل والانسجام التام معه .
وتوضيح ذلك :
أي أن الله قد بث بين طوايا نفس الإنسان ملكة من شأنها إذا عرض أمامها الإيمان أن تركن وتستروح إليه ، وسبب هذا الركون أن الفطرة قد أنشأت على هيئة يجِد فيها الدينُ المحل المطابق له ، وإذا أردنا تمثيلها بصورة حسية فتكون الفطرة بمثابة (الجسد )ودين الإسلام (الثوب المماثل لهذا الجسد) .
وقد تبدى لي والله أعلم ، أن هذه الفطرة تتسم بثلاث صفات :
الأولى : أنها كما أسلفنا ملكة ركّبت على هيئة بحيث يكون بينها وبين الدين الحق تواؤم وانسجام، وهذا معنى قول الله تعالى :(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)
وقوله : (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.. ) الآية . وقوله : (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ).
ومن هنا نتبين الخطأ الذي يقع فيه كثير من الدعاة ، حيث يمثلون فطرة الإنسان بأنها كالصفحة البيضاء التي هي محل لكتابة الإيمان أو الكفر ، ومكمن الخلل أنهم جعلوا الفطرة قابلة للإيمان والكفر على حد سواء ،وهو ما نبه إليه ابن تيمية رحمه الله فيما نقله الأخ محب أهل الحديث بقوله : (ومن ظن أن (البشر) خلقوا خالين من المعرفة والإنكار، من غير أن تكون الفطرة تقتضي واحدًا منهما، بل يكون القلب كاللوح الذي يقبل كتابة الإيمان وكتابة الكفر، فهذا القول فاسد؛لأنه حينئذ لا فرق بالنسبة إلى الفطرة بين المعرفة والإنكار، والتهويد والتنصير، فكان ينبغي أن يقال: يُسلّمانه ويهودانه..)
والحق أن انصياع الإنسان للدين الحق هو مظهر لنقاء فطرته وإقبالها وازدهارها ،وإن انغماسه في أوحال الكفر الضلال مظهر من مظاهر ارتكاسها وتقهقرها .
الثانية : أنها قابلة للنماء والزيادة كما أنها قابلة للانتكاس والتراجع ..
ففطرة المؤمن الطائع لا شك أنها ليست كفطرة الكافر الأثيم ، فهي عند المؤمن التقيّ الطائع في طور متقدم من الإشراق والنقاء
لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لوابصة بن معبد رضي الله عنه عندما جاء يسأله عن البر والإثم ... استفت قلبك.
فهذا الحكم مقصور على أصحاب الفطر السليمة من المؤمنين الذين شرح الله صدرهم بنور المعرفة واليقين ، لا على الذين لطّخت فطرهم بأوحال الشهوات ودنّست بلوثة الشبهات .
الثالثة : أنها دائمة التطلع إلى مقتضى ما جبلت عليه ، تماما كالحاجة إلى الطعام والشراب التي غرسها الله في الانسان ، فنجد أن الانسان بمقتضى هذه الحاجات العضوية يبحث في الخارج عما يسد له هذه الحاجات من الطعام أو الشراب المتكيف مع هذه الغريزة بحيث لا يستطيع سبيلا إلى إروائها وتسكينها إلا إن عثر عما جُعل مناسبا لها من أطعمة وأشربة محددة، طبعا بصرف النظر عن حيثيات أخرى متعلقة بمثال الدوافع العضوية كترتب الهلاك على عدم إروائها ، إنما أريده من هذا المثال فقط هذه الجزئية.
كذلك الفطرة الإيمانية فهي دائمة الحنين والشوق إلى التعرف والقرب من إلهها الذي خلقها وهذا الشعور مستكن في أعماق كل الناس على كافة توجهاتهم وعقائدهم ومشاربهم، ولئن غاب الكثير من الناس عن صوت هذه الفطرة المتواصل ، فما حجبهم عن سماعه إلا ضجيج شهواتهم وصخب شبهاتهم .
إذا عرفنا هذا عرفنا سر الشعور بالبؤس والضنك الذي لا يبارح قلوب مستدمني المعاصي والغفلات مع أن الصورة الظاهرية الخارجية من المنظور الدنيوي المادي الأبتر تنبئ بخلاف ذلك ، فهم عند أهل الدنيا ينعمون بأسمى مظاهر السعادة ويرفلون في أثوابها ويتقلبون في بحبوحة من المتعة ورغد العيش، في حين انك لو شققت عن صدورهم لرأيت الحزن والأسى يعتصر أفئدتهم ولوجدت في قلب كل واحد منهم من القبض والألم والضيق ما لو وُزِّع على أهل بلد لكفاهم، وما ذاك إلا لأنهم ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن مقتضى ما فطروا عليه ، لذلك علق الله تعالى السعادة والاطمئنان بذكره وطاعته فقال :(الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وقال : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
وربط الحزن والشقاء بالغفلة والإعراض عن ذكره فقال : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)
وهذا ما يفسر لنا الحالة التي تناب المسلمين الجدد في الغرب من البكاء الشديد الممزوج بنشوة من السعادة والطمأنينة، وذلك أنهم أصغوا إلى نداء الفطرة بعد طول انشغال عنها ، وعثروا على ما يسكنها بعد طول أنين ومكابدة وعذاب . والحمد لله رب العالمين

أبو القـاسم
01-12-2011, 12:55 PM
بارك الله فيكم أخي المكرم الأستاذ شرف الدين ..إضافة ثرية أسأل الله أن يكرمك عليها
-------
كما سلف أجمع السلف وهم ليسوا محصورين في الصحابة ..وقد تتابع النقل عن بعض أعيانهم دون مخالف
ثم تأكد هذا بتابعيهم بإحسان,والسلف =ما دل عليه تزكية الرسول وهم القرون الفاضلة الثلاثة (الصحابة وتابعوهم وتابعوهم بإحسان)
ومعاذ الله أن يكون مدلول الفطرة معارضا للقران ,فقوله تعالى "أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا)
من جنس قول الله في أعظم البشر "ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان" مع أنا قد علمنا من حاله أنه كان على عبادة وتأله
فكيف نفى عنه العلم والإيمان وهو كان يعبد ربه ويوحده ؟ فعلم أن المقصود لا تعلمون تفاصيل الأشياء ,وهذا يختلف عن الملكة الراسخة المرجحة للحق المحبة له التي كالحاسة,وذلك مثل الأرض لا يكون فيها زرع فإذا أنزل الله عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ,لكونها محلا قابلا ,وإن كانت من قبل قفرا, ودليل آخر :أن المولود يولد وهو يعلم صوت أمه ويميزها عن غيرها يقينا منذ كان في الشهر السادس في بطنها ,فهذا يدل على معنى نفي العلم المذكور أيضا ..ولم يكن السلف الأكابر يتعاطون في فهم القران بهذه الطريقة كالقوانين الجامدة وإنما يفهم بالسياق والقرائن واللغة والجمع بين نصوص الباب ..إلخ
وها هنا دليل عقلي ذكره ابن تيمية على وجود الفطرة ودلالة المعنى المتفق عليه فيها(وبصراحة من المؤسف أن يضطر المرء مع مسلم أن يلجأ لهذا ) وسأصوغه باختصار وتصرف :-
-الإنسان يحصل له من الالاعتقادات والإرادات ما يكون حقا وباطلا فإذا كانت تصديقاته تارة تكون حسنة وتارة تكون سيئة فلا يخلو:
1-إما أن تكون نسبة نفسه إلى النوعين :واحدة ,بحيث لا يترجح أحد الصنفين على الآخر بمرجح من نفسه
2-أو لابد أن تكون نفسه مرجحة لأحد النوعين
فإن كان الأول :لزم ألا يوجد أحد الصنفين إلا بمرجح منفصل عنه, وهذا المرجح المنفصل أحدهما يرجح الصدق الذي ينفعه والآخر الكذب الذي يضره..فإما
أ-أن يتكافأ المرجحان
ب-أن يترجح أحدهما
و (أ) مستحيل للزوم ألا يحصل أحدهما وهو خلاف المعلوم بالضرورة ,فإنا نعلم أنه إذا عرض على كل أحد أن يصدق وينتفع وأن يكذب ويتضرر مال إلى أن يصدق وينتفع
-وإذا كان (ب) فترجيح الكذب الضار أولى بالامتناع من تكافؤ المرجحين
فعلم أن في فطرة الإنسان قوة تقتضي اعتقاد الحق وإرادة النافع الحسن

وحينئذ الإقرار بوجود الصانع والإيمان به ,هو الحق أو نقيضه؟
الثاني معلوم الفساد,فتعين الأول (وهو أظهر وأعظم من مسألة معرفة حسن الصدق وترجيحه )
وحينئذ فيجب أن يكون في الفطرة ما يقتضي معرفة الصانع وحبته وعبادته(وهو أمر ملموس يحسه كل شخص من نفسه)

وعلى فرض (2) أي لزم أن يكون للفطرة مرجح للحنيفية التي أصلها معرفة الصانع وإخلاص الدين له :
*فإما ألا يوجد مقتضاها (وهو العلم والعمل ونحوه) إلا بسبب منفصل مثل من يعلمه
*أو يوجد المقتضى دون سبب منفصل
فعلى الأول:لزم أن يكون موجبها متوقفا على مخاطب منفصل دائما فلا يحصل بدونه ألبتة وهذا المخاطب هو نفسه بحاجة للسبب المنفصل ,فيلزم التسلسل في المخاطبين ,فهذا تسلسل في الفاعلين وهو ممتنع
-وإذا كان في المخاطبين من حصل له بموجب الفطرة بلا مخاطب منفصل:دل على إمكان ذلك في الفطرة فبطل تقدير كون موجب الفطرة لا يحصل قط إلا لمخاطَب منفصل
وإذا أمكن حصول موجب الفطرة بدون مخاطَب منفصل علم أن في الفطرة قوة تقتضي ذلك..وأن ذلك ليس موقوفا على مخاطب منفصل =وهذا هو الفطرة)

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
01-12-2011, 06:21 PM
بارك الله فيك أبو قاسم ..
والله فخر للمنتدى أنت ...

شرف الدين الصافي
01-13-2011, 01:11 AM
وفيكم بارك الله شيخنا الفاضل وجعل من مداد يراعكم ذخرًا لكم في موازين حسناتكم .

mohamed77
01-24-2011, 10:39 PM
جزاكم الله خيرا

طيب يعنى يلزم من ان الانسان يشعر بسعاده لا يعادلها سعاده فى هذا الدين
انه الدين الحق ؟
و ماذا يلزم من شعور الانسان فى ذاته بحاجته الى الله و انه اذا عصاه يشعر بالضيق فى نفسه

يعنى هل الشعور بالحاجه الى الله يمثل دليل على وجود الله ؟
ولا كما يقول البعض هذا نتيجه ضعف الانسان فيلجا لمناجاه ذات على كل شئ قديره ؟!

mohamed77
01-24-2011, 10:43 PM
وقد فصّل ابن تيمية رحمه الله في درء التعارض في الكلام عن الفطرة وإثباتها والاحتجاج بها، ومما قال:
(النفس لا تخلو عن الشعور والإرادة، بل هذا الخلوُّ ممتنعٌ فيها، فإن الشعورَ والإرادةَ من لوازم حقيقتِها، ولا يُتصورُ أن تكونَ النفسُ إلا شاعرةً مريدة، ولا يجوزُ أن يقال إنها قد تخلو في حق الخالق تعالى عن الشعور بوجودِه وعدمِه، وعن محبته وعدم محبته، وحينئذٍ فلا يكونُ الإقرارُ به ومحبتُه من لوازم وجودِها، ولو لم يكن لها معارض، بل هذا باطل، وذلك أن النفسَ لها مطلوبٌ مرادٌ بضرورة فطرتِها، وكونُها مريدةً من لوازم ذاتها، لا يُتصورُ أن تكون نفسُ الإنسانِ غيرَ مُريدة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم أصدقُ الأسماءِ حارثٌ وهمّام، وهي حيوانٌ وكل حيوانٍ متحركٌ بالإرادة، فلابد لها من حركةٍ إرادية، وإن كان كذلك فلابد لكل مريدٍ من مراد، والمراد إما أن يكونَ مرادًا لنفسه أو لغيره، والمرادُ لغيره لابد أن ينتهي إلى مرادٍ لنفسه، فيمتنعُ أن تكون جميعَ المراداتِ مراداتٍ لغيرها، فإن هذا تسلسلٌ في العلل الغائية، وهو ممتنع، كامتناعِ التسلسلِ في العلل الفاعلةِ بل أولى، وإذا كان لابد للإنسان من مرادٍ لنفسه فهذا هو الإلهُ الذي يؤلهُه القلب، فإذًا لابد لكل عبدٍ من إله، فعُلم أن العبد مفطورٌ على أن يحب إلهَه) ومن شاء الاستزادة فليرجع لدرء التعارض ففيه كثير من الفوائد.

يعنى هل نفهم من هذا ان وجود الحاجه الى الله فى داخل الانسان تمثل دليل على وجود الله ؟؟