المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تنبيه السفنجة والزجاجة...!



أبو القـاسم
01-26-2011, 11:19 PM
قال العلامة ابن القيم : (قال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها.. فلا ينضح إلا بها ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها.. فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته )
--------
-من تلبيس شياطين الإنس على الناس أن يقولوا لهم:صاحب الحق لا يخشى ,فهلمّ إلينا واقرؤوا ما نكتب واسمعوا ما نقول..ألستم تقولون إن الحق معكم؟ فينخدع الغَرير بهم..على ضحالة علم عنده, ثم يكون أمثلهم طريقة -إذا لطف الله به- أن يُهرَع إلى الموحدين:أغيثوني فإني أصبت بالشك!..وأشقاهم حالاً من يستغني ,تاركاً أمواج الشبهات تلعب به ..حتى يغرق في ظلمات الكفر ..والعياذ بالله تعالى
-وهؤلاء لم يدركوا أن المسألة ليس عقلية مجردة بحيث إن حل مافيها من إعضال متوهم, لا يلزم أن يكون كافياً ولابد في تنقية ما يعلق في القلب من آثار..لأن مسالة الإيمان مركبة من حركة النفس في المعقولات وحركة النفس في القلبيّات..وسُلطة القلب إذا أشرِب معنىً من المعاني :كثيرا ما تقهر سلطةَ العقل!..إذ المشاعر تجيش بنفس صاحبها حتى تطغى على نتائج الفكر, وتحجب عنه ضوء الشمس..ولهذا تجد شخصا مثلاً يحب فتاة بقلبه ,فإذا قيل له: فيها ألف عيب وعيب..قال:ومع هذا أريدها!
-ومن هنا تفهم السر في أن طمس القلوب يكون حاجزاً عن تلقي أي حق..وتدبر أخيّ كيف ربط الله معية قوم لقوم بعقوبة الطبع على القلب في سياق واحد"رضوا بان يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون " وتأمل هذا الربط العجيب بين تنكب المطبوع على قلبه سبيل الحجة البيّنة "ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون*كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون"..ولهذا كان من مقتضى رحمة الله تعالى أن حذر من مجالسة هؤلاء الخائضين "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره"..ثم اسمع التعقيب "إنكم إذًا مثلهم"! يعني إن رضيتم بمجالستهم وحالهم ما وصفت لكم
-وقد فهم أئمة الإسلام هذا الأمر جيداً ..ومن أوسعهم علماً وأكملهم عقلاً شيخ الإسلام ابن تيمية..فقد جعل تلميذه يورد عليه شبهة إثر شبهة وإيرادا بعد إيراد يطلب تفنيدًا ورداً..فكان أن أهداه هذه الوصية الغالية التي قال عنها ابن القيم: (ما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك!)..فما معنى هذه الوصية؟
-قال له : (لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، فيتشربها فلا ينضح إلا بها )
يعني لا تكثر من قراءة الشبهات أو سماعها أو إيرادها على نفسك كما لو كانت علماً تدرسه وتنشد منه طلبة الحق..وإن بحجة الرد عليها,فهذا سيؤول بقلبك أن يكون سفنجة مشرَبة بها "وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم" ..والقلب كالإناء بقدر ما يمتليء بشيء بقدر ما يزيح من ضده,,والشبهات تقابل الحقائق المحكمات ,فما هو إلا أيام حتى ينشأ عن ذلك الشك والحيرة..ويصبح قلبك إسفنجياً يقطر بهذه الشكوك حيثما حلّ
-ثم قال : (ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة، تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها.. فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته)
يعني حتى حين تضطر لقراءة شبهة بغرض الرد عليها وأنت مستكملٌ لأدوات العلم المؤهلة للرد عليها..حتى وأنت كذلك,فلا تمرّ عليها إلا مرور الكرام, دون هضم لها كأنك من أربابها, كالصقر الذي يحلق عالياً شامخاً فيرى ما أسفل منه ويدرك كونه سافلاً,لا كالذبابة التي تقع على الكريه فتجمع من كل زبالة رِجسةً ,فتغدو مجتمع أوساخ ....(تذكر أن المنصوح هو العلامة ابن القيم المشهود له بالإمامة في العبادة والرسوخ في العلم!!) فهذا معنى قوله :ولكن اجعله كالزجاجة..أي اجعل قلبك في حصن حصين عن أن تتسلل إليه شائبة شبهة بما فيه من مخزون اليقين الذي به يبصر الحق أبلج من جهة..فهذا صفاؤه فإنك ترى ما خلف الزجاج الصقيل مع كونك معزولا عن هذا الذي هو خلفه, فإن اتفق أن اضطررت للوقوف على الشبهات للرد ونحوه ..دفعها القلب بصلابته الإيمانية المؤسسة على العلم والتقوى كصلابة الزجاجة المصمتة..من جهة أخرى

بقي أن يقال:فكيف تحصيل الصفاء والصلابة المذكورين؟
يتبع إن شاء الله..

هشام بن الزبير
01-27-2011, 12:21 AM
قال ربنا: "إنكم إذًا مثلهم": ما أعظم وأوجز هذا الكلام.
بارك الله فيك أخي الكريم.

التواضع سيصون العالم
01-27-2011, 01:09 AM
شكرا جزيلا
حشرك الله وايانا مع النبي صلى الله عليه وسلم

مجرّد إنسان
01-27-2011, 09:17 AM
ليتنا نتدبر أمثال هذه الكلمات...بارك الله فيك وسدد قلمك

الشهاب العابر
01-27-2011, 11:10 AM
ما شاء الله....
زادك الله علما..... كلام جميل ... وتحليل ممتاز لهذه النصيحة الرائعة....

لكن قبل فترة .... اشكل عندي امر .... ولم اجد اجابة عليه لوقتنا الحاضر.....
وهو اننا نعرف ان منهج السلف هو عدم الاستاع من اهل البدع والجلوس معه .... اذاكيف يعرف المبتدع بدعته؟!!!
يعني، مقصودي ان كل طائفة تظن انها هي التي على الحق ..... فاذا تمنع اتباعها عن سماع حجج الطائفة الاخرى بحجة عدم السماع من اهل البدع .... اذا كيف بعرفون خطأ منهجهم؟!!!
وهذا عانيناه كثيرا ... مع الاخوان او المرجئة او الصوفيه .... فكلما جلست معهم تنصحهم وتقول لهم الحجج البينات .... قالوا نحن لسنا علماء، فلا تناقشونا!!!!
ارجو ان تكون فكرتي وصلت .... فهل اجد حلا لهذا الاشكال عندكم؟!!!

أبو القـاسم
01-27-2011, 06:48 PM
بارك الله فيكم أجمعين..الكلام بارك الله فيك عن أناس لم يبلغوا درجة الرسوخ الكافي في العلم..فهؤلاء هم الذين يتوجه لهم الخطاب بالتحذير, وكذلك العلماء لا ينبغي في الأصل أن يقحتموا أوساط البدعيين والكافرين ويطلبوا النزال على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين "لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا" من حديث عبدالله بن أبي أوفى رضي الله عنه ,وإنما يدرسون مقالات المبتدعة والضالين الذين عُلمت بدعتهم وعمّت بالتصريح والدعوة إليها..ويردون عليها ردا هو من قبيل الجهاد الداخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" وهو من تحقيق سنة الله تعالى "بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق " ..ففرق بين الأمرين..
تنويه:لا أوافق على ذكر الإخوان مع فرق الضلال كما لو كانوا فرقة .إنما هي جماعة دعوية فيهم من هو سلفي ومنهم من هو أشعري ونحو ذلك وليسوا مع هذا نسيجاً واحد فمنهم علماء أفاضل ومنهم المتعصب..إلخ ,فلا يصح هذا التصنيف..نعم عليهم مؤاخذات في المنهج لا تنكر..والله يهدينا وإياهم ويؤلف بين قلوب المسلمين..
تنبيه:لم أفرغ من المقال بعد ..وشكر الله لكم أجمعين

أبو القـاسم
01-28-2011, 11:04 AM
-فإن قلت فكيف تحصيل صفاء القلب؟
الجواب:لابد فيه من تعاهده بالعناية التامة بتطهيره من الشوائب التي تعلق به من الخطايا,وذلك بتجديد التوبة كلما عرض ذنب..والسر في ذلك أن القلب ميزان ,فإذا أثقلته بالآثام دون عودٍ عليه بضبط المعيار تبلدت فيه معاني المراقبة وفقد بالتدريج خصيصة الإحساس..ألا ترى أن الميزان المصنوع لوزن الأحمال الثقيلة كالأطنان, لا يتحرك مؤشره إذا وضعت عليه قطعة صغيرة من الذهب؟ أخرج الترمذي وابن ماجة وغيرهما بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنهما عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال:إن العبد إذا أخطأ خطيئةً نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكر الله"كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون"..فهذا الصفاء لا يتحسس معه القلب للشبهات المضادة للدين فحسب ,بل يثيره صغائر الذنوب ,فلهذا تجد من هذا حاله لا يهنأ بالمعصية أثناء اقترافها..لأن قلبه صار شفيفاً كالزجاج الصقيل النقي..يبصر ما يمر من معاصٍ وشبهات بوضوح تام..فيعرض عنها بإيثار مرضاة الله جل ثناؤه على الهوى والآخرة على الدنيا..
يتبع إن شاء الله..

ابوالبقاء السلفي
02-11-2011, 04:12 AM
السلام عليكم جميعا
اخي العزيز أبو القاسم المقدسي كيف حالك زادك الله علما وحرصا واتمن ان تكثر النصح ايضا لشباب الذين يتعصبون للعلماء والمذاهب وهم لم يدرسوا الاصول في الفنون العلم الشرعي وايضا الذين يزهدون فى العلماء ويحقرونهم شكرا علي نصحك وجزاك الله خيرا . (يا ارض اشتدي مافيه أحد أدى) اعوذ بالله من هذا سبب التمزق والهوان الأعجاب بنفس وإن كان لديك علم نسأل الله قلبا سليما اسأل الله الثبات علي التوحيد اخوكم في الله الحزين من أجل تفرق الامة الاسلام يارب النصره يارب النصره والاجتماع على سقي الوحي قرءان وسنة صحيحة بفهم السلف امين والله الموفق.