المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طريقة القرآن في الجدل



د. أحمد إدريس الطعان
10-07-2005, 03:35 PM
بسم الله الرحمن اللرحيم

منهج القرآن الكريم في الجدل

نبقى مع كتاب الله عز وجل لنؤكد أن الأثر الأكبر كان له في منـاهج المسلمين إذ إننا سنجد أن القرآن الكريم يخاطب الناس بكل دلائل العقل البرهانية ، والجدلية والخطابية كما أشرنا آنفاً وذلك لكي يلبي كل حاجات الناس العقلية ومواهبهم وقدراتهم وسوف نرى أن أكثر طرق الاستدلال التي استخدمها القرآن الكريم تتجلى في المنهج الكلامي الإسلامي :
فقد استخدم القرآن الكريم قياس الأولى بشكل واسع النطاق وله تطبيقات كثيرة في كتـاب الله عز وجل :  وَلَهُ الْمَثَـلُ الأَعْلَى فِي السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  ( ) ومن أمثلة ذلك قوله عز وجل :  أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ  . وقوله عز وجل :  أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ  ( ) . ففي هاتين الآتيين الكريمتين إثبات حكم الشيء بناء على ثبوته لنظيره بشكل آكد وأقوى لأن من خلق الشيء يكون قادراً على خلق مثله أو أقل منه ( ) .
وقوله عز وجل  لَخَلْقُ السَّمَـوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ  ( ) وقوله عز وجل :  وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ  الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ  ( ) فالذي يخلق من العدم من باب أولى قادر على الإعادة والذي يخلق الشيء من ضده كالنار من الشجر الأخضر ، قادر على خلقه من عناصره ( ) . وقوله عز وجل :  أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  ( ) .  وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ  ( ).
من أمثلة ذلك في الرد على النصارى قوله عز وجل :  إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( ) فإذا كان الخلق من غير أب مسوغاً لاتخاذ عيسى إلهاً فأولى بآدم المخلوق من غير أب ولا أم أن يكون هو الآخر إلهاً ، لكن لما لم يكن آدم إلهاً باعترافكم فمن باب أولى أن لا يكون عيسى إلهاً ( ).
واستخـدم القرآن الكريم قيـاس الخلف ، وهو إثبـات المطلوب بإبطـال نقيضه ( ) وذلك في قوله عز وجـل :  لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ  ( ). ويسمى هذا الدليل برهـان التمـانع أيضاً ، ومن أمثلته أيضاً في القرآن الكريم :  وَلَـوْ كَانَ مِنْ عِنْـدِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَـدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا  ( ) . ففي الآية الأولى تعدد الآلهة باطل لأنه يورث الفساد فثبت أن الله عز وجل واحد .وفي الآية الثانية الاختلاف والتناقض باطل لا وجود له في القرآن الكريم فثبت نقيضه وهو أنه محكم معجز فهو لذلك كلام الله عز وجل ( ).
واستخـدم القرآن الكريم قيـاس الغائب على الشاهد الذي يسمى أيضاً قياس التمثيل ( ) ، ولكن الفرق كبير جداً بين استخدام القرآن الكريم له ، واستخدام المتكلمين ، فالقرآن الكريم يستخدمه لإثبات قدرة الله عز وجل بأمور مشاهدة للإنسان أو معلومة له بشكل قطعي بدهي لا تنكره العقول ومن أمثلة ذلك قوله تعالى :  وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ  ( ) . وهي الآيات التي ذكرناها قبل قليل مثالاً لقياس الأولى .
فالقرآن الكريم يقيس الغائب هنا وهو الإعادة بعد الموت على أمور معلومة قطعاً للإنسان وهو أنه وجد من لا شيء بعد أن لم يكن أو على شيء مشاهد محسوس يراه الإنسـان بعينـه وهو استخـراج الحـار من الشجر الأخضر الرطب أي استخراج الشيء من ضده ( ) .
ومثل ذلك قوله عز وجل :  وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِـعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَـا الْمَـاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّـذِي أَحْيَـاهَا لَمُحْيِي الْمَـوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُـلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ  ( ). فقياس الغائب هنا وهو إحياء الموتى على أمر مشاهد محسوس لا يشك فيه عاقل وهو حياة الأرض بعد جفافها ويبسها .
هذا الاستخدام القرآني يختلف جداً عن استخدام بعض المتكلمين إذ جرت عادتهم على استخدامه في الصفات والأفعال الإلهية مما جر إلى بعض الأخطاء .
واستخدم القرآن الكريم التسليم الجدلي للخصـوم ثم كر على مقـالاتهم بالنقض والإبطال ومن أمثلة ذلك قوله عز وجل :  مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُـلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَـقَ وَلَعَـلا بَعْضُهُـمْ عَلَى بَعْـضٍ سُبْحَـانَ اللَّهِ عَمَّـا يَصِفُونَ  ( ). والمعنى ليس مع الله عز وجل إله ، ولو سلم ذلك لكم لزم من ذلك ذهاب كل إله بما خلق وعلوُّ أحدهما على الآخر ، فلا يتم في العالم أمر ، ولا ينتظم فيه حكم والواقع خلاف ذلك ، لأن نظام العالم قائم على أحسن حال ، والتناسق الموجود في الكون غاية في الجمال ، فبطل إذن وجود آلهة غير الله عز وجل لأنه يلزم من ذلك اختـلال النظـام في العـالم ، وهذا النوع لا يختلف عن قياس الخلف إلا من جهة التسليم الجدلي المذكور اقتراضاً وليس حقيقة وواقعاً ( ). ومن أمثلة ذلك أيضاً قوله تعالى يحكي عن الأنبياء وأقوامهم :
قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَـاءُ مِنْ عِبَادِهِ ( ) فهنا تسليم جدلي من الأنبياء عليهم السلام للمنكرين لنبوتهم لأنهم بشر بأنهم بشر حقاً ولكن ليست البشرية مانعاً من النبوة ( ) .
واستخدم القرآن الكريم طريقة القسمة ويضرب السيوطي ( ) مثلاً لذلك بقوله عز وجل :  ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ …  ( ) .
هذه الأمثلة القرآنية لاستخدام صور متعددة في الاستدلال ، كان لها الأثر الكبير في مناهج المتكلمين الذين استخدموها بشكل واسع النطاق ، ولكن ما ينبغي المقارنة بين المنهج القرآني في الاستدلال ، والمنهج الكلامي ، ذلك لأن القرآن الكريم لا يخوض في التقسيمات والتشقيقات والتفريعات المملة والمرهقة التي نجدها لدى بعض المتكلمين ، والتي لا تؤدي إلا إلى إتعاب الناظر ، وإجهاد عقله وفكره دون جدوى ، إضافة إلى أن جدل المتكلمين موجه إلى العقل فقط ، فهو لذلك يتسم بالجفاف والتعقيد ولا يعطي في الغالب ثمرة إيجابية ، لأن اليقين العقلي لا يكفي وحده لدفع الناس إلى الالتزام ، إذ لا بد من أن يقترن هذا اليقين بدافع من الحب أو الخوف أو الرغبة أو الرهبة ، وهذا هو منهج القرآن الكريم الذي لا يفصل دائماً بين الدليل العقلي ، والوازع القلبي والعاطفي ، ويقرن دائماً الترغيب والترهيب بأدلة العقول والنظر ، فلنتأمل في بعض هذه الآيات يقول عز وجل :  إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا  إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ( ) . فهو بعد أن توعد المنافقين استثنى منهم التائبين والمخـلصين ثـم بيـن أنـه عز وجل غني عن عـذاب العـالمين :  ما يفعل الله بعذابكم . أي أنه عز وجل لا شأن له بعذابكم لأنه منزه عن دفع المضار وجلب المنافع وإنما قصده حمل المكلفين على فعل الحسن ، واجتناب القبيح ( ) .
ومع النصارى نعود إلى الآيات القرآنية لنتأمل فيها يقول عز وجل :  لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ  مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ  قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ( ). يجد المتأمل في هذه الآيات أن القرآن الكريم يستخدم مع النصارى الدليل العقلي والدليل الوجداني وقد تمثلت الأدلة العقلية في هذه الآيات في :
 أن المسيـح نفسه يتـبرأ من هـذه الدعوى ويعلن عبوديته لله عز وجل ويدعو الآخرين إلى عبـادة الله وحـده  وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ .
 وأن الأدلة قـامت على أنه لا إله إلا إله واحد فكيف تدعـون أنهـم ثلاثة  وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ  .
 إضافة إلى أن المسيح رسول كغيره من الرسل يأكل الطعام وأكل الطعام كناية عن إحداث الحدث وهو في قمة الدلالة على العبودية والضعف  كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ  .
 إضافة إلى أن المسيح عاجز عن الضر والنفع ، ولا يملك من ذلك شيئاً وكله بيد الله عز وجل :  قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ  .
وأما الأدلة الوجدانية فقد تمثلت في :
 الترهيب والوعيد وذلك في قوله عز وجل :  إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ وقـوله جـل شأنه :  وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  .
 والترغيب والتأنيس وذلك في قوله عز وجل :  أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ  .
ونفس الأمـر نجـده مع اليهـود فنجـد التقريع والتهديد في قوله عز وجل :  وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ  ( ). ثم نجد في الآية التي تليها ترغيبٌ في الآخرة :
وَلـوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتـابِ ءامَنُوا وَاتَّقَوْا لكَفَّرْنَا عنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ . وترغيب في سعة الرزق وبسطة العيش في الدنيا كما في قوله عز وجل :
 وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ  . ولعل ذلك لأنه عز وجل يعلم شدة حرصهم على الحياة الدنيا وطمعهم في ملذاتها .
إن دعوة القرآن الكريم الرفيعة اللينة لتأخذ بالألباب ، وتدخل إلى الوجدان فتؤثر في النفوس أيما تأثير حتى أن تلك النفوس المرتكسة في غيِّها تتفاعل فيها الأحاسيس والمشاعر عند سماع القرآن وتوقن في قرارات أنفسها بأن هذا يعلوا على أساليب البشر .( )
وهذا ما وقع لكثير من المشركين عند سماع القرآن الكريم فقد سمع جبير بن مطعـم رسـول الله  يقرأ في صلاة المغرب بالطور فلما بلغ رسول الله  هذه الآيات : أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ  أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ  ( ) قال كاد قلبي يطير ، وذلك أول ما وقر الإسلام في قلبي ( ) .
وهكذا نجد أن المنهج القرآني في الجدل يسلك طرائق مختلفة تخاطب الجوانب المختلفة في النفس الإنسانية ، عقله وضميره ووجدانه وحواسه .

د. أحمد إدريس الطعان
كلية الشريعة – جامعة دمشق
بريد إلكتروني : ahmad_altan@maktoob.com