المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هزالة الأدب الحداثي ...حلقة مفقودة في الرذيلة الفكرية



بكار
05-01-2011, 02:13 AM
هزالة الأدب الحداثي


أصبح الأدب الحداثي بعد تشكلٍ وتلونٍ عبر فترة من الزمن ليستقر في ذهن الحداثيين أنفسهم على معنى ثابت وهو: أنه منهج تغييري ومذهب انقلابي في المفاهيم والأفكار يختفي تحت شعار التطور والتقدم ويقبع أحياناً تحت ستار الأدب والفن . ويعرفها باحث أوروبي آخر بأنها : شغف بالمجهول يؤدي الى تحطيم الواقع . وهناك رأي يقول بأن : الحداثة في كل عصر هي خلاصة ما توصل إليه البشر من أفكار وقوانين بواسطة عقولهم وأمزجتهم ، ثم صاغوها بقوالب فنية وأدبية .
والقصة في ذلك ترجع إلى خفاءه المتعمد وروغانه الماكر الذي يتسلل خلف مظاهر الشعر والتفعيلة والتحليل ، متحججاً بأنه يمارسه بعيداً عن موروثات الماضي . لقد امتشقت الحداثة قلماً لادينياً تسطر من خلاله حالة من الفوضى والتمرد على كل ماهو قديم موروث (التراث) تحت ذريعة واهية مرفوضة وهي الممارسة الأدبية الحرة . ولاشك أن الموروثات في حياة الشعوب والملل تتمثل في الدين والثقافات التي ينقلها الآباء عن الأجداد من أخلاق وقيمٍ ومبادئ .
كان القرن التاسع عشر هو محضن الحداثة في الغرب ، وتاريخ نشأتها ، وبلورتها ، وذلك على يد الأديب الفرنسي شارل بودلير ، الذي نادى بالفوضى الجنسية والفكرية والأخلاقية ومنها السادية وهي التلذذ بتعذيب الآخرين ، كما إنها انبثقت من عدة تيارات فكرية متعددة مثل الماركسية والداروينية والفرويدية والوجودية وقبل ذلك تأثرها بالسريالية والأدب الرمزي ، ونتيجة للمؤثرات الفكرية ، والصراع السياسي والمذهبي شهدت نهاية القرن التاسع عشر الميلادي في أوروبا اضمحلال العلاقات بين الطبقات ، ووجود فوضى حضارية انعكست آثارها على النصوص الأدبية ، وبلغت التفاعلات السياسية والإجتماعية والإقتصادية في أوروبا ذروتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى ، وبقيت باريس مركز تيار الحداثة الذي مثل الفوضى الأدبية . والحداثة في نظر الفرنسيين ظاهرة فكرية فوضوية رفضت كل ما جاءت به الكنيسة من تعاليم وأفكار وثنية ، ومفاهيم منحرفة عن الإله والإنسان والكون والحياة ، ويرى شارل بودلير : أن الحداثة نظرية تقوم على أساس أن كل ما هو مظلم بائس منحط في النظرة السائدة التقليدية يصبح في منظور الحداثة فاتناً مثيراً . اهـ
إن مصطلح الحداثة في مفهومه الغربي لم يقتحم الادب العربي إلا في فترة السبعينات الميلادية ، بينما تسربت مضامينه منذ الثلاثينات من هذا القرن ، وذلك في محاولة الخروج على علم العروض العربي ،وفي الأربعينات ظهرت بعض ظواهر التمرد والثورة والرفض وتجريب بعض الإتجاهات الأدبية الغربية كالتعبيرية والرمزية والسريالية .
وكان أبرز رموزها في العالم العربي "يوسف الخال" وهو شاعر نصراني سوري الأصل ، أسس مجلة أدبية تحمل اسم (شعر) روج من خلالها الأفكار الحداثية بصورة أدبية ، مات منتحراً أبان الحرب الأهلية اللبنانية ، إذ يقول في إحدى كتاباته: الحداثة في الشعر إبداع وخروج به على ما سلف ، وهي لا ترتبط بزمن ، وكل ما في الأمر أن جديداً ما طرأ على نظرتنا الى الأشياء فانعكس في تعبير غير مألوف .اهـ
وحمل اللواء بعده ذلك الشقي الذي يدعى "أدونيس" سوري الأصل ، نصيري المذهب ، ويعد من نظّر لها في العالم العربي ، ألف رسالته الجامعية بعنوان (الثابت والمتحول) ادعى من خلالها الى تأصيل الأدب الحداثي ، مهاجماً بذلك التراث والموروث الديني ، وأعلن المحاربة على الدين والأخلاق والقيم ، إذ يقول في كتابه (الثابت والمتحول) : لا يمكن أن تنهض الحياة العربية ويبدع الإنسان العربي إذا لم تتهدم البنية التقليدية السائدة في الفكر العربي ويتم التخلص من المبنى الديني التقليدي الإتباعي . اهـ
كما أنه يعترف بأنه لا انفكاك بين الحداثة الغربية والعربية إذ يقول : لا نقدر أن نفصل بين الحداثة العربية والحداثة في العالم .اهـ
وأخذت الحداثة في عصرنا تترنح بين فنون الأدب والشعر ، فخاضت غمار الرواية ، لتكون رافداً لكل غموض وإخفاء وترميز ، وقد برز في هذا الإتجاه عدد من الكتّاب ، وألفت فيه الروايات والقصص ، ووجدت لها مكاناً في مكتبات المسلمين ، وعبر مواقع الشبكة العنكبوتية .
وهذا الإتجاه مع أنه مليء بالكفر الإلحاد ، فهو أيضاً لا يملك أي مقومات لغوية ، ولا أفكار هادفة من وراء الرواية ، ولا نطيل في وصف هذا الإتجاه فهو أحقر من أن يوصف ، ولكن ننقل ما كتبه أحد الظرفاء ساخراً من مدى حماقة وحقارة هذا الإتجاه الأدبي ، فيقول :
كيف تصبح روائياً حداثياً في سبع خطوات ، أولاً : اختر فكرة عبثية لا تهم أي شخص ، وحبذا لو كانت الفكرة من عالم المخلوقات غير البشرية. مثال :غزلٌ بين عصفورين ، موت نملة تحمل قطعة سكر
خرتيت يتثاءب ، ورقة شجر تسقط ..الخ . ثانياً : في البداية وجه طاقاتك في وصف المشهد الماثل أمامك بطريقة واضحة ، مثال : كانت نملة حمراء جميلة تسير أمامي ، وهي تحمل قطعة سكر لذيذة ، فاجأتها نملة سوداء قبيحة ، وقامت بقتلها ، وخطفت قطعة السكر ، إني حزين . ثالثاً : احذف الأسماء الدالة على الشخصيات ، مثال : كانت حمراء جميلة تسير أمامي ، حاملة قطعة لذيذة ، وهاجمتها قبيحة ، وقتلتها ، وخطفت القطعة ، إني حزين . رابعاً : احذف كل ما يمكن أن يجعل القارئ يفهم القصة. مثال :كانت تسير أمامي ، هاجمها القبح ،وخطف الحياة من بين يديها ، إني حزين .
خامساً : عليك بالجمل المبنية لمجهول ، فهو أمر أساسي في الرواية الحداثية ، مثال : سُيرت نحو الموت ، اغتيلت بيد الغدر ، سُلبت الحياة من بين يديها ، إني حزين . سادساً : قم بإضافة إيحاءات جنسية ، مثال : سارت عارية نحو الموت ، نهش الموت ثدييها ، قبل أن تسكب جمال عبيرها بين يديه ، حزن ينهشني . سابعاً : اقرأ ما كتبت ، فإذا فهمته فأعد الخطوات كرّةً أخرى ، وإذا لم تفهمه فلا تبتئس فإنه غداً صالحاً للنشر . أي : اذا كان كلامك مفهوماً فليس صالحاً للنشر ، وإن كان غير مفهوم فهذه هذه الرواية الحداثية الصالحة للنشر . اهـ
وهناك مؤهلات لابد منها لكاتب الرواية الحداثية ، كأن يكون الكاتب سبق له التدين ثم ارتد ، أو أن يكون زائراً للمصحات النفسية ، أو أن يكون قد حكم عليه بجنح أخلاقية ، أو أن يكون بليداً وضعيفاً باللغة العربية ، وفيما سبق كفاية للدلالة على فساد هذا المذهب الأدبي ، وبيان هزالته وضعفه .


أخوكم : بكـــار