المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حقيقة الأسماء الحسني‏ (10)‏



د. محمود عبد الرازق الرضواني
10-14-2005, 03:09 PM
الدعاء بأسماء الله

الدعاء يرد في القرآن الكريم والسنة علي معني النداء والطلب والسؤال والاستفهام والقول والتسمية والاستغاثة والحث علي الشيء‏,‏ ويرد ايضا بمعني العبادة كما روي الترمذي وصححه الألباني من حديث النعمان ان رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ الدعاء هو العبادة‏,‏ ثم قرأ‏:‏ وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين غافر‏:60.‏

والعبادة من جهة المعني الشرعي تعني الخضوع التام المقترن بالإرادة وتعظيم المحبوب‏,‏ فإن كان الخضوع والطاعة بغير ارادة فلا تسمي عبادة بل اكراه والزام‏,‏ والمقصود بدعاء العبادة هو اثر اسماء الله الحسني علي اعتقاد العبد واقواله وافعاله بحيث يراعي في سلوكه توحيد العبادة لله في كل اسم علي حدة‏,‏ فهو دعاء بلسان الحال او دعاء سلوكي ومظهر اخلاقي وحال ايماني يبدو فيه المسلم موحدا لله في كل اسم من الأسماء الحسني‏,

فالغني يظهر في سلوكه بمظهر الفقر توحيدا لله في اسمه الغني‏,‏ والقوي يظهر بمظهر الضعف توحيدا لله في اسمه القوي‏,‏ وهكذا يراعي في سلوكه كل اسم من اسماء الله تعظيما وخشية واجلالا‏,‏ والأصل في دعاء العبادة اثبات علو المعبود وتوحيده وتقديسه وتعظيمه‏,‏ وكلما ازداد الموحد طاعة وسجودا وتذللا وافتقارا كان اعلي توحيدا واكثر تقديسا وتعظيما‏.‏

والله عز وجل له الكمال في اسمائه واوصافه وافعاله ولابد من ظهور آثارها في العالم‏;‏ فمن اسمائه الرحمن الرحيم وهذا يقتضي مرحوما ورحمة‏,‏ ومن اسمائه المالك الملك المليك‏,‏ وهذا يقتضي وجود ملك ومملوك‏,‏ ومن اسمائه الرازق الرزاق ولا بد من وجود الرزق ومن يرزقه‏,‏ وهو ايضا غفار حليم تواب جواد منان وهاب حفيظ لطيف وكيل رقيب قابض باسط قريب مجيب‏,‏

وهذه الأسماء تقتضي وجود مخلوقات تتعلق بها وآثار تعرف من خلالها ولم يكن بد من وجود متعلقاتها وآثارها‏,‏ ومن ثم كانت حكمة الله في وجود الخلائق وابتلائها وظهور الإنسانية واستخلافها‏,‏ فتظهر انواع الكمالات للموحدين ومعني التوحيد للخلائق اجمعين ويفهمون حقيقة امر الله ونهيه ودينه وشرعه وقضائه وقدره‏,‏ وكيف يدبر الامر ويبرم القضاء ويتصرف في ملكه كيف شاء ويثيب ويعاقب بأنواع الجزاء‏,‏ فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته‏,‏ فيوجد اثر عدله لانه الحكم‏,

واثر فضله لانه المعطي المقيت‏,‏ واثر حمده ومجده وشكره لانه الحميد المجيد الشاكر الشكور‏,‏ واثر لطفه وعفوه وتوبته ومغفرته لانه اللطيف العفو التواب الغفور‏,‏ فيحمد علي ذلك ويشكر ويذكر بالحمد في السماء والأرض‏.‏

ولما ادرك الموحدون هذه الحكم والغايات سعوا في تحقيق مقتضي الأسماء والصفات‏,‏ فجعلوا حياتهم لله وعقدوا قلوبهم علي ترك مخالفته ومعاصيه‏,‏ هممهم مصروفة الي القيام بما يحب ويرضي من الأقوال والأفعال‏,‏ فيقصدون من العبادة اكملها ومن الأوقات اولها‏,‏ امتلأت قلوبهم من معرفة الله عز وجل‏,‏ وغمرت بمحبته وخشيته واجلاله ومراقبته‏,‏ فسرت المحبة في اجزائهم فلم يبق فيها عرق ولا مفصل الا وقد دخله الحب‏,‏ قد أنساهم حبه ذكر غيره‏,‏

فامتلأوا بحبه عن حب من سواه وبذكره عن ذكر من سواه‏,‏ وبخوفه ورجائه والرغبة اليه والرهبة منه والتوكل عليه والانابة اليه والسكون اليه والتذلل والانكسار بين يديه عن تعلق ذلك منهم بغيره‏,‏ فإذا صارت للموحد اسماء ربه وصفاته مشهدا لقلبه انسته ذكر غيره وشغلته عن حب من سواه‏,‏ فحينئذ يكون الرب سبحانه سمعه الذي يسمع به فلا يسمع الا ما يرضي الله وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها‏,‏ فبه يسمع وبه يبصر وبه يبطش وبه يمشي‏,‏ فيبقي قلب العبد نورا لمعرفة محبوبه ومحبته وعظمته وجلاله وكبريائه‏,‏

وناهيك بقلب هذا شأنه‏,‏ قلب موحد خالص تقي نقي‏,‏ ما ادناه من ربه وما احظاه في قربه‏,‏ فالتوحيد الحق ان يضع العبد في اعتقاده توحيد الربوبية ويظهر في سلوكه توحيد العبودية‏,‏ ويعظم الله في اسمائه وصفاته بالقلب واللسان والجوارح‏,‏ ويصرف اليه كل معاني العلو والتوحيد‏,‏ وهذا المقصود من دعاء العبادة‏,‏ قال تعالي‏:‏ وقال ربكم ادعوني استجب لكم ان الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين غافر‏60,

ومن هنا نعلم اثر الأسماء الحسني وما تضمنته من الصفات‏,‏ وظهور اثر كمالها المقدس وارتباطه بحكمته في المخلوقات‏,‏ وظهور بواعث محبته علي الوجه الذي تشهد العقول والفطر بمقتضاه‏,‏ فتشهد حكمته الباهرة في كل فعل او حكم قضاه‏,‏ وانه سبحانه الجواد الذي يحب ان يجود‏,‏ والعفو الذي يحب ان يعفو والغفور الذي يحب ان يغفر‏,‏ انه لابد من لوازم ذلك خلقا وشرعا‏,‏ وان الله يحب ان يثني عليه‏,‏ ويمدح ويمجد‏,‏ ويسبح ويعظم الي غير ذلك من الحكم‏,‏ وقد اثني الله علي عباده المؤمنين حيث نزهوه عن إيجاد الخلق لا لشيء ولا لغاية فقالوا‏:‏ ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار آل عمران‏:191.‏

ومن دعاء العبادة التسمية بالتعبد لأسماء الله الحسني‏,‏ فحقيقة التسمية بين البشر تعريف الشخص باسم مخصوص يتميز به عن غيره بحيث يتصور الذهن وجوده عند ذكره‏,‏ ولما جاء الإسلام ادب المسلمين في اسمائهم واسماء ابنائهم فشرع لهم آدابا واحكاما ينبغي مراعاتها‏;‏ فالتسمية حق مشروع للأب دون الأم‏,‏ قال ابن القيم‏:‏ التسمية حق للأب لا للأم وهذا مما لا نزاع فيه بين الناس‏,‏ وان الأبوين اذا تنازعا في تسمية الولد فهي للأب‏,‏

كما انه يدعي لأبيه لا لأمه فيقال‏:‏ فلان ابن فلان‏,‏ قال تعالي‏:‏ ادعوهم لآبائهم هو اقسط عند الله الأحزاب‏:5‏ ولما كان الإنسان يوم ولادته لا حول له ولا قوة في تسميته أمر النبي صلي الله عليه وسلم الآباء بالإحسان إلي أولادهم وأن يتخيروا أحب الأسماء لهم‏,‏ روي مسلم من حديث ابن عمر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:(‏ إن أحب أسمائكم إلي الله عبدالله وعبدالرحمن‏),‏ ويلتحق بهذين الاسمين ما كان مثلهما كعبد الرحيم وعبدالملك وعبدالصمد وسائر الأسماء الحسني‏.‏

أما المكروه من الأسماء والمحرم فقد ذكر ابن حزم اتفاق العلماء علي تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزي وعبدهبل وعبدعمرو وعبدالكعبة‏,‏ وما أشبه ذلك فلا تحل التسمية بعبد علي ولا عبدالحسين ولا عبدالكعبة‏,‏ وروي مسلم من حديث سمرة‏(‏ رضي الله عنه‏)‏ أن رسول الله صلي الله قال‏:(‏ ولا تسمين غلامك يسارا ولا رباحا ولا نجيحا ولا أفلح‏,‏ فإنك تقول‏:‏ أثم هو؟ أثم هو؟ فلا يكون فيقول‏:‏ لا إنما هن أربع فلا تزيدن علي‏),‏ وإذا لم يحسن الأب تسمية ولده فعلي الولد بعد بلوغه الرشد أن يغير اسمه‏,

لان الاسم كما يدعي به الشخص في الدنيا فإنه يدعي به يوم القيامة‏,‏ فإن كان الاسم يؤذي النفس في الدنيا فهو في الآخرة من باب أولي‏,‏ والصواب الذي دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة ونص عليه الأئمة كالبخاري وغيره‏,‏ أن المرء يدعي لأبيه في الدنيا والآخرة‏,‏ وليس كما يظن البعض انه يدعي بأمه يوم القيامة‏,‏

روي مسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال‏:‏ إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء فقيل‏:‏ هذه غدرة فلان بن فلان‏,‏ ولا حرج في تغيير الاسم لان النبي صلي الله عليه وسلم فعل ذلك أمر به‏,‏ روي مسلم من حديث ابن عمر‏:‏ ان ابنة لعمر كانت يقال لها عاصية فسماها رسول الله صلي الله عليه وسلم جميلة‏,‏ وروي أيضا من حديث زينب بنت أم سلمة أنها قالت‏:‏ كان اسمي برة فسماني رسول الله صلي الله عليه وسلم زينب‏,‏
قال ابن القيم‏:(‏ ومما يمنع تسمية الإنسان به أسماء الرب تبارك وتعالي‏,‏ فلا يجوز التسمية بالأحد والصمد ولا بالخالق ولا بالرازق‏,‏ وكذلك سائر الأسماء المختصة بالرب تبارك وتعالي‏,‏ ولا تجوز تسمية الملوك بالقاهر والظاهر كما لا يجوز تسميتهم بالجبار والمتكبر والأول والآخر والباطن وعلام الغيوب‏,‏ وقال أيضا‏:‏ وأما الأسماء التي تطلق عليه وعلي غيره كالسميع والبصير والرءوف والرحيم فيجوز أن يخبر بمعانيها عن المخلوق

ولا يجوز ان يتسمي بها علي الإطلاق بحيث يطلق عليه كما يطلق علي الرب تعالي‏,‏ ومن ثم لا يجوز تسمية الإنسان باسم من أسماء الله الحسني الثابتة في الكتاب والسنة‏,‏ ولا يتعبد بالتسمي لاسم لم يسم الله نفسه به‏,‏ ولا يتعبد لاسم ذكره الله مقيدا فيطلقه هو في تعبده لان الله حذرنا من تسميته بما لم يسم به نفسه في كتابه أو في سنة نبيه صلي الله عليه وسلم قال تعالي‏:‏ ولله الأسماء الحسني فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعلمون‏(‏ الأعراف‏:180).‏

وينبغي التنبه إلي أن التعبد لله بالإضافة لأسمائه الحسني من آداب دعاء العبادة وتوحيد العبودية لله‏,‏ ونظرا لأهمية هذا الأمر فقد استقصينا أسماء من تسمي بالتعبد لله في تاريخ المسلمين القدامي والمعاصرين لنتعرف علي الأسماء الحسني التي لم يتعبد لها أحد من قبل‏,‏ فيسارعون بتسمية اولادهم وأنفسهم بها‏,‏ وقد ساعدت تقنية الحاسوب في فرز أكثر من ثلاثين موسوعة علمية الكترونية تحتوي عشرات الآلاف من الكتب المرجعية لرواة الحديث والعلماء والأدباء والشعراء وكتب الطبقات علي اختلاف تنوعها‏,‏

وان لم نجد مرادنا فيها بحثنا في جميع محركات البحث علي الإنترنت ودليل الهاتف للدول العربية لمن بدأ اسمه بالعبودية والتعبد لله بأسمائه الحسني‏,‏ وأسفر البحث عن النتائج الأتية‏:‏ أولا‏:‏ ستة وثلاثون من علماء السلف ورواة الحديث بدأت أسماؤهم الأولي بإضافة العبودية لأسماء الله التالية‏:‏ الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المهيمن العزيز الجبار الخالق البارئ الخبير الكبير المتعال الواحد الحي القيوم العلي العظيم الحكيم الكريم الأحد الصمد الغفور الرزاق القاهر المالك الحميد المجيد الغفار الوهاب الوارث الأعلي الحكم الأكرم الجواد الرب‏,‏ واثنان أضيفا أيضا لاسميه المؤمن والشكور لكن الأول منهما لأب والثاني لجد ثانيا سبعة وعشرون من علماء الخلف والمتأخرين ابتداء من القرن الخامس الهجري بدأت أسماؤهم الأولي

بإضافة العبودية لأسماء الله الحسني التالية‏:‏ الأول السميع البصير المولي النصير اللطيف القهار الحق القوي الواسع العليم الغني المجيب الودود الولي الحفيظ الفتاح المقتدر الباسط القادر الخلاق الرازق المحسن المعطي السيد الطيب البر‏,‏ وثلاثة أيضا أضيفوا بوصف العبودية كاسم ثان لأسمائه الظاهر العفو الحليم ثالثا‏:‏ الأسماء الحسني التي لم يتعبد لها أحد من السلف والخلف والمتأخرين ووجدناها لأناس معاصرين في محركات البحث ودليل الهاتف علي الإنترنت عددها سبعة عشر اسما وهي‏:‏ المصور الآخر القدير المبين المتين التواب الرقيب الوكيل الشهيد المليك الديان الشاكر المنان الحسيب الشافي الرءوف الإله‏,

أما الأسماء التي لم يتعبد لها أحد حتي الآن ولا نحسب أحدا من المسلمين تسمي بها من قبل فيما نعلم‏,‏ فعددها أربعة عشر اسما وهي‏:‏ المتكبر الباطن الوتر الجميل الحيي الستير القريب المقدم المؤخر المسعر القابض الرفيق المقيت السبوح‏,‏ وهنيئا لمن تسمي باسم من هذه الأسماء أو سمي ولده به فسيكون له السبق علي مستوي أمة محمد صلي الله عليه وسلم والله أعلم .‏