المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : استفسار بخصوص القدر والتوكل على الله



عبدالرحمن الحنبلي
06-04-2011, 02:05 PM
لو أن رجلاً ظلم ثم ابتلاه الله تعالى بالمرض نتيجة ظلمه , فهل يصح أن نعتقد أنه لولا ظلمه لما أصابه هذا المرض , أو بمثال آخر لو أن رجلاً قاد سيارته بسرعة جنونية ثم حصل له حادث , فهل يصح القول أنه لولا السرعة لما وقع له الحادث .او رجل شفي من مرض هل يصح الاعتقاد بانه لولا الطبيب لمات المريض،

أم أن الصحيح أن نعتقد أن مرض الرجل كان حاصلاً حاصلاً بقدر الله تعالى سواء ظلم أم لم يظلم , وأن الحادث الذي وقع فيه الرجل كان واقعلاً واقعلاً حتى لو لم يسرع الرجل .

وان شفاء المريض حاصل حاصل سواء اخذ الدواء او لم يعالجه الطبيب


ثم مامعنى ان السبب لايؤثر بنفسه انما بمشيئة الله ؟؟؟؟

ولو احضرنا رجل كافر معتمد على السبب واخر مسلم متوكل على الله وياخذ بالسبب لحصلنا على نفس النتيجه ؟؟؟؟ اي ان ذاك يشفى اذا تناول الدواء وذاك ايضا يشفى اذا تناول الدواء ؟؟؟


وماهي الية فعل الله ؟؟؟ اقصد هل اذا اراد الله شيئا يعطل احد الاسباب ؟؟؟؟ مثلا اذا اراد الله بشخص ان يحدث له حادث هل يخلق الله مسمارا في الطريق حتى تنفجر اطارات سيارته

فيحصل الحادث ؟؟؟؟لاسمح الله ؟؟؟؟ام كيف تحدث المساله ؟؟؟ ام ان المساله تعجز عقولنا عن تصورها ؟؟؟ ارجو التوضيح وجزاكم الله خيرا

متروي
06-04-2011, 03:42 PM
رجل قاد سيارته بسرعة جنونية فلم يحدث له شيء..
رجل قاد سيارته بسرعة جنونية فمات نتيجة حادث ..

مريضان بنفس المرض عند نفس الطبيب أحدهما عاش و الآخر مات ..

مريضان بنفس المرض أخذا نفس الدواء أحدهما شفي و الأخر لم يشفى..

فالأسباب وحدها لا تكفي إذا لم تترافق مع مشيئة الله وهذا واضح جدا في الحياة فالإنسان يسعى بكل ما يملك لتحقيق هدف معين لكن قدر الله يمنع هذه الأسباب من تحقيق هدفها ..
فمثلا قاتل يريد قتل إنسان فالقاتل قد يتخذ كل الأسباب و مع ذلك لا يموت هذا الإنسان حتى لو انفجرت فيه قنبلة أو هدمت على رأسه عمارة بل هناك من سقط من الطائرة و لم يمت مع توفر كل الأسباب .
و مشيئة الله عزو وجل تتحقق حتى مع عدم وجود الأسباب المناسبة تماما فكم من مريض شفي من مرض خطير دون دواء و دون علاج ودون طبيب و كم من شخص أصبح غنيا دون أن يعمل شيء و كم من شخص مات بسبب تافه جدا فبعض الناس مات بسبب شربة ماء .
أما كيف تحدث مشيئة الله فالله عز وجل يقدر لكل شيء سببا و حياة البشر كلهم مرتبطة ببعضهم البعض فالله عز وجل جعل فرعون هو من يقوم بتبني موسى عليه السلام مع حرصه على قتل أطفال بني إسرائيل فكانت هذه من التحذيرات الربانية لفرعون
فلو كان صادقا لرجع إلى ربه بعدما علم بأن موسى عليه السلام من بني إسرائيل و قد علم بهذا قبل نبوته عليه السلام لكنه لم يرجع و جعل إبنه بالتبني نبيا و رسولا إليه لكي يكون ذلك أقرب للإستجابة منه فالإبن و لو كان من التبني أقرب لمن رباه رحما و أقرب تصديقا فهو يعرف موسى عليه السلام و يعرف صدقه و قد جربه طيلة حياته و مع ذلك فرعون لم يقبل الحق و زاد عليه موسى عليه السلام من أدلة الصدق ما لا مزيد عليه و مع ذلك لم يرجع ففرعون بلغ من الكفر مبلغا عظيما فالمهم أن الله عز وجل تدابيره عجيبة لا تستطيع عقول البشر إدراكها بشكل كامل فرب عمل بسيط يقوم به إنسان ما تترتب عليه أمور خطيرة بالنسبة لأناس آخرين و من أشهر الأمثلة في هذا الوقت هو صفعة الشرطية لمحمد البوعزيزي رحمه الله فمن قال أن هذه الصفعة ستسقط الحكام العرب فأي مقادير هذه يدبرها الله عز وجل .

مستفيد..
06-04-2011, 07:38 PM
استفسارك خطير جدا أخي عبد الرحمن..فهو نفس الأسلوب والحجة التي يعتمدها الملاحدة لإنكار وجود الله بتأليههم السبب ووضعه مقام الإله..
فهم يعتبرون أن معرفة السبب يغني عن وجود مسبب وهو أمر باطل عقلا أجاد في ابراز بطلانه وحيد الدين خان في مثال رائع وبسيط :
" فالكتكوت يعيش أيامه الأولى داخل قشرة البيضة القوية ويخرج منها بعدما تنكسر مضغة لحم ، كان الإنسان القديم يؤمن بأن الله أخرجه. ولكننا اليوم بالمنظار أنه في اليوم إلحادي والعشرين يظهر قرن صغير على منقار الكتكوت يستعمله في تكسير البيضة لينطلق خارجا منها ثم يزول هذا القرن بعد بضعة أيام من خروجه من البيضة.
هذه المشاهدة كما يزعم المعارضون أبطلت الفكرة القديمة القائلة:بأن الإله يخرج الكتكوت من البيضة ، إذ قد رأينا يقينا أن قانونا لواحد وعشرين يوما يحدث هذه العملية. والحقيقة أن المشاهدة الجديدة لا تدلنا إلا على حلقات جديدة للحادث ولا تكشف عن سببه الحقيقي فقد تغير الوضع الآن فأصبح السؤال لا عن تكسر البيضة بل عن (القرن)؟ إن السبب الحقيقي سوف يتجلى لأعيننا حين نبحث عن العلة التي جائت بهذا القرن ، العلة التي كانت على معرفة كاملة بأن الكتكوت سوف يحتاج إلى هذا القرن ليخرج من البيضة ، فنحن لا نستطيع أن نعتبر الوضع الأخير (وهو مشاهدتنا بالمنظار) إلا أنه (مشاهدة للواقع على نطاق أوسع) ولكنه ليس تفسيرا له. "
وما تمكنت شبهات الملاحدة من بعض المسلمين إلا لسقوطهم في خطر الإعتقاد في الإسباب..فيسقط أولا في الشرك بالله وهو ما يقدح في توحيده إلى أن يسقط فيما بعد والعياذ بالله في تأليه السبب وإنكار الإله ولو كان محسوبا على أهل التوحيد !..ومن هنا نفهم لماذا ربط بعض السلف بين الإعتقاد في الإسباب والقدح في التوحيد في المقولة الرائعة :
" التفات القلب إلى الأسباب قدح في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا قدحًا في العقل، والإعراض عن الأسباب قدح في الشرع "

عَرَبِيّة
06-05-2011, 02:03 AM
بارك الله في الإخوة الأفاضل , وبارك الله في الأخ المُجتهد المُجِد عبد الرحمن وأعانه ووفقه وفقّهه في الدين [ وإن شاء الله تقول الملائكة ولكِ بالمثل ] .. آمين .

أولاً : تذكر ماقلناه ووضحناه بالتفصيل الممل في موضوعك السابق (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=31054) وخلاصته : أنّ الله شاء أن تكون للعبد مشيئة وبعبارة أخرى إرادة وحُريّة الإختيار , ومشيئة الله لا تلغي مشيئة العبد .
ثانياً : ذكر ابن القيّم في كتابه [ شفاء العليل ] أنّ للقدر أربع مراتب وهي :
المرتبة الأولى : علم الرب سبحانه بالأشياء قبل كونها .
المرتبة الثانية : كتابته لها قبل كونها .
المرتبة الثالثة : مشيئته لها .
المرتبة الرابعة : خَلْقُه لها .
ثالثاً : واقرأ الآية بتمعُن قال تعالى { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ }


لو أن رجلاً ظلم ثم ابتلاه الله تعالى بالمرض نتيجة ظلمه , فهل يصح أن نعتقد أنه لولا ظلمه لما أصابه هذا المرض
أنا أعتقد والله أعلم , أنّ الله إذا قدّر لـ (أ) من الناس أن يُصاب بالمرض , فنَنْظُر في حال (أ) - إنْ أردنا الحُكُم عليْه كما في مثالك وإلاّ فإن الأصوب والأصح أن نترك الحُكم لله - :
إنْ اختار (أ) لنفسه طريق الإيمان نقول والله أعلم أنّ الإبتلاء تمحيص له وإختبار و ماذا ؟؟ { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } .
وإنْ اختار (أ) لنفسه طريق الضلال نقول والله أعلم أنّ هذا الإبتلاء قد يكون عقوبة طبعاً حتى يرتدع أو يراجع نفسه وكما نقول بالعامية [ يفوق ويصحصح من اللي هو فيه ] قال تعالى { قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } وقال { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ } .
أو ربما لسبب آخر يعلمه الله ونجهله فهو الحكيم ونحن المفتقرون إلى الحِكمة أرشدنا الله لها .


أو بمثال آخر لو أن رجلاً قاد سيارته بسرعة جنونية ثم حصل له حادث , فهل يصح القول أنه لولا السرعة لما وقع له الحادث
الأمر يتعلق بمشيئة الله , فإنّ الله شاء أن يُصاب وإن شاء الله ألاّ يُصاب فلا يُصاب .


او رجل شفي من مرض هل يصح الاعتقاد بانه لولا الطبيب لمات المريض،
أمّا هذا المثال فهور مثال خطير ..!
هل نسيتَ ( ثُمّ ) التي تُفيد الترتيب في مثل هكذا مقولات ؟؟ , الأصح قوْل لولا مشيئة الله ثم شطارة الطبيب مثلاً .
نقول في الدعاء : " يامسبب الأسباب " , فالله هو السبب الأوّل [ مسببها ] الذي لولاهُ لما كان للسبب الثاني وجود [ الأسباب ] .


وان شفاء المريض حاصل حاصل سواء اخذ الدواء او لم يعالجه الطبيب
هذا يصير تَواكُلاً , والتواكل منهي عنهُ في دين العمل والأخذ بالأسباب .


ولو احضرنا رجل كافر معتمد على السبب واخر مسلم متوكل على الله وياخذ بالسبب لحصلنا على نفس النتيجه ؟؟؟؟ اي ان ذاك يشفى اذا تناول الدواء وذاك ايضا يشفى اذا تناول الدواء ؟؟؟
هذا السؤال ربما لم أفهمه جيداً ولكن عليْكَ أن تعلم أنّ المسلم ملزم من منطلق اسلامه وصدق قلبه مع قوله وعمله أن يتوكل على الله ويأخذ بالأسباب كما أمره الله والله سبحانه بمَنِّه وفضله ورحمته يشفي هذا المسلم .
أمّــا الكافر .. فقد نتساءل عن سبب غناه وغيره من المسلمين فقير .!
أوعن سبب عافيته وغيره من المسلمين عليل .!
فنقول أعوذ بالله من الشيطان إنما هذه دار إبتلاء للمؤمن الذي لايعدم فيها رحمةً إن شاء الله وأيضاً يكسب الآخرة { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ }.
ونقول أنّ لله رحمةً وسعت كل شيء { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } في الدنيا رحمة الله وسعة المشرك والكافر بل إنك تتفكر في قصة آدم وابليس والسجود , فتقول سبحان الله , يالرحمته وحِلْمِه ..! يُلعّن ابليس , فيسأل الله أن يجلعه إلى يوم يبعثون .! فيستجيب الله له ..!
الخلاصة : أنّ مجرد كفر الكافر وعدم توكله على الله لا يعني أن الكافر خارج العناية الإلهية أو خارج رحمة الله أو أنه سيمرض ولن يُشفى أبداً .! إنها رحمة الله , فلولا رحمته ورأفته سبحانه بهم لما شربوا فيها شربتَ ماء .!


وماهي الية فعل الله ؟؟؟
هنا خطٌ أحمر , منهي منهي منهي التَفَكُّر في هذا ياعبد الرحمن والله سبحانه كيْ يريحك يقول لك { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ }
انتبه للكلام الآتي جيّداً ..!
الإنسان مخلوق غير قادر على الإبداع [ إبداع شيء جديد لايمت لكونِه بِصِلَة ] , وليس تصنيع مُشابه ..!
الفانوس [ تطبيق بشري للـ ] الشمس .
التكييف[ تطبيق بشري للـ ] للنسمات .
السفينة [ تطبيق بشري للـ ] البطة .
الطائرة [ تطبيق بشري للـ ] الطيور .
وهكذا .. ستجد أنّ كل شيء صنعه الإنسان إستناداً إلى العقل هو مقتبس من { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
إنّ ربنا بديع السماوات والأرض خلق كل شيء , ونحن نقبتس أو نكتشف شيء مما خلق الله { وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا }, هذه نقطة مهمة وضرورية جداً وهي من ضمن الأمور الكبيرة الذي يُناقش فيها الملاحدة .
طيّب الخلاصة : يعني يستحيل عليْنا معرفة شيء عن خارج كوننا إلاّ أن يطلعنا الله عليْه .!


اقصد هل اذا اراد الله شيئا يعطل احد الاسباب ؟؟؟؟
وباديء ذي البدء هل كانت لتكون هذه الأسباب أصلاً لو أنّ الله لا يُريدها أن تكون ؟؟!!!!


مثلا اذا اراد الله بشخص ان يحدث له حادث هل يخلق الله مسمارا في الطريق حتى تنفجر اطارات سيارته
{ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } , ألا تقول لله سمعاً وطاعة .!!
وأنا أتذكر نصيحة أستاذنا أبو قاسم المقدسي وليسمح لي أن أُحرّف فيها تحريفاً بليغاً ولكن دون أن أخل بالمعنى :
كما أنّ لحواس الإنسان حدوداً فإن للعقل حدود .
فالعيْن لا تُبصر الكائنات المايكروسكوبية , والأذن لا تسمع ماهو دون الــ 20 هرتز وكَذَا العقل لا يُبصر كل ممكن موجود .
ولتعلم ثلاث قواعد ذهبية وتحفظها جيداً وتطبقها وهذا الأهم :
- الأولى : عدم العلم بالدليل ليس علماً بالعدم .
- الثانية : عدم الوجدان لا تعني إنتفاء الوجود .
- الثالثة : السكوت عما سكت الله عنه ورسوله ( ص ) .


ام ان المساله تعجز عقولنا عن تصورها ؟؟؟
بارك الله فيك , ولكنها لا تعجز عن فهمها .
مثال : أنتَ تعرف العدم ولا تستطيع تَصَوُرُه أو وصفه وإنْ أردتَ توضيحاً في هذه النقطة أو ما سبق , فاخبرني وابشر .


طيب يافاضل طالما أنّك بدأت التفقه في ركنٍ مهم من أركان الإيمان [ الرضا بالقدر خيره وشرّة ] أقترح أنّ تقوم بنزهة مع رجلٍ أحبه في الله - رحمه الله - وهو ابن القيّم الجوزية و كتابه الرائع الماتع " شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل (http://www.al-tawhed.net/Books/Show.aspx?ID=394) "

عبدالرحمن الحنبلي
06-05-2011, 03:21 AM
جزاكي الله خيرا اختي عربيه

عبدالرحمن الحنبلي
06-05-2011, 03:22 AM
جزاكم الله خيرا جميعا

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
06-05-2011, 03:23 AM
ولو احضرنا رجل كافر معتمد على السبب واخر مسلم متوكل على الله وياخذ بالسبب لحصلنا على نفس النتيجه ؟؟؟؟ اي ان ذاك يشفى اذا تناول الدواء وذاك ايضا يشفى اذا تناول الدواء ؟؟
هذا يجرنا إلى مسألة الشرك يا عبد الرحمن ..
فالمسلم يتوكل على الله باعتباره مسبب الأسباب ثم يأخذ بالسبب
أما الكافر فيعبد الأسباب وكأنها كل شئ ...
ولهذا قيل خذ بالأسباب وكأنها كل شئ وتوكل على الله وكأنها ليست بشئ

عبدالرحمن الحنبلي
06-05-2011, 03:39 AM
هذا هو رد الشيخ ابو الفداء حفظه الله على سؤال مشابه لسؤالي

بارك الله فيك ولكن في كلامك عن العلاقة بين السبب والمسبب بعض الميل الى قول الأشعرية، والله أعلم. ولعل الأحسن أن يقال، أن المسبَب لكي يقع، فلابد له من اجتماع جملة من الأسباب والمقدمات، يظهر لنا بعضها ويخفى علينا أكثرها.. فان شاء الله وقوع المسبب، جمع الأسباب التي نحيط نحن بها والتي ربما أخذنا بها من باب الاعتياد والمشاهدة أو وقعنا فيها بغير عمد أو علم، الى الأسباب الأخرى التي لا نحيط بها علما ولا نراها، حتى لزم بذلك الجمع مضي السنة الكونية وهي وقوع المسبب الناتج عن اجتماع تلك الأسباب. ودعني أضرب على ذلك المعنى مثالا.. تأمل لو أن رجلا أراد أن يسافر، ما الأسباب التي يأخذ بها؟ يعد المتاع والزاد والراحلة، ثم ينتقي الطريق التي علم أنها بحكم الاعتياد والمشاهدة، هي الطريق المفضية الى حيث يريد.. ثم ماذا؟ ثم يتوكل على الله ويمضي في طريقه.. هذه من الأسباب المفضية الى وصوله ولكنها ليست هي كل الأسباب! فمنها مثلا أن يكون الطريق الذي اختاره خاليا من العوائق والموانع التي قد تعطله وتمنعه من المضي فيه! فلو أنه اذ وصل الى نقطة معينة من الطريق وجده قد انسد لانهيار جبل مثلا أو خلافه، وما كان يحيط علما بهذا، أفيسعه الوصول الى مراده اذ ذاك؟ كلا! فما السبب؟ السبب أن هناك أسباب تخفى عليه يلزم أن تجتمع بأمر الله جميعا حتى تؤدي تلك الأسباب التي أخذ بها صاحبنا هذا الى الغاية التي أرادها منها! وهكذا في كل عمل نعمله!
قد يذاكر المرء للامتحان ويجتهد لذلك أشد الاجتهاد، ثم اذا به في طريقه الى الامتحان تصدمه سيارة من حيث لا يدري ولا يحتسب - مثلا! فلعله فرط في الأخذ بأسباب السلامة في الطريق، ولعله أخذ بكل ما في وسعه من تلك الأسباب ولكن قضى الله أن يحرمه سببا ما كان يحيط بعلمه، بل وربما ما كان يمكنه الأخذ به حتى لو علم به، انما يقضيه الله ان شاء لمن يشاء، فامتنع المراد من تلك الأسباب التي بذل فيها ما بذل!! وهكذا.
وكمثال للأسباب التي لا يعلمها الا الله ولا يد للعبد فيها ولا تحكم فيها، أقول أن مجرد امساك الواحد منا بكوب المياه ليشرب، هذا يشتمل على أسباب لا يعلم عدها الا الله، لا يملك الواحد منا أن يسببها بنفسه أو حتى أن يدركها أو يحيط بها ابتداءا!! فتأمل كم الاشارات العصبية التي يقضي الله أن تتحرك من المخ الى الأنامل حتى تتحرك تلك الأنامل وتمتد لتقبض على كوب المياه! أنت ما فعلت الا أن أصدرت أمرا من عقلك الى يدك لتمتد! هذا هو غاية ما أخذت أنت به من الأسباب، ولكن وراء ذلك من الأسباب الخافية عليك ما الله به عليم! فلو قضى سبحانه أن يتم لك مرادك، عملت تلك الأسباب جميعا فيما قضت سنته الكونية أن يفضي اجتماعها اليه، والا قضى عز وجل أن يعطل واحدا منها، فتعجز أنت أو تتعثر يدك أو يفلت الكوب من يدك وينسكب الماء على الأرض وتظل أنت تتأمل في عجب، لماذا سقط الكوب مني وكيف سقط؟؟
سبحان الله العظيم!
ومن هنا فهل سرعة السيارة كانت سببا في الحادث؟ نعم ولا شك! ولكن كم من مسرع ينجو ولا يصيبه شيء، والعكس صحيح! فالله لما قدر على هذا المسرع بالذات أن يصاب بما أصيب به، منع عن عمله سببا من أسباب السلامة، سواءا كان ذلك السبب بوسعه أن يأخذ به ولا يفوته ولكنه كتب عليه أن يفرط فيه أو يهمل، أو كان ذلك السبب خارجا عن ارادته كلية، وما كان يسعه وهو على تلك الحال - مهما عمل - أن يأخذ به لينجو، كأن يتجنب - مثلا - انفجار اطار السيارة بسبب مسمار في الطريق ينغرس فيها لا يمكن أن يراه رجل يمشي على رجليه ويدقق النظر في الطريق فضلا عن أن يجتنبه قائد سيارة مسرعة! ينفجر الاطار فيختل توازن السيارة وينفلت زمامها فتنحرف في الطريق ثم... يقع مراد رب العالمين تبارك وتعالى، ولا راد لقضائه!
فالسبب يفضي الى المسبب ولكنه لا يتحقق كونه سببا الا اذا أراد الله ذلك، فجمعه الى غيره من الأسباب التي باجتماعها يتحقق المسبب، وتفضي المقدمات الى النتيجة.. والله أعلم وأحكم.
أما قضية الابتلاء والعقوبة فهذه قضية أخرى.. ينزل الله بالناس النوازل فقد تكون في حق بعض الناس امتحانا وفي حق غيرهم عقوبة، وهناك علامات للتمييز في ذلك، فالعقوبة ان جلبت لصاحبها الأجر والمثوبة لا تكون عقوبة! وبالتالي فلو أن رجلا ابتلي بمرض فصبر عليه واحتسب وصدق في ذلك، فجزاؤه أجر ورفعة في الدرجة عند الله، فكيف تكون هذه عقوبة وقد رفعت درجته؟؟ وقد قال عليه السلام لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه ذنب، أو كما قال عليه السلام! فكفارة الذنب ليست عقوبة، ورفعة الدرجة عند الصبر والاحتساب ليست عقوبة، أما الذي يجزع ولا يصبر فهذا معاقب في الدنيا بهذا البلاء وفي الآخرة كذلك..
ان الله اذا قضى شيئا سبب له أسبابه، فان أراد نزول البلاء بعبد - سواءا كان ذلك عقوبة أو امتحانا - جمع له الأسباب المفضية اليه عند اجتماعها، علم الانسان بها أو لم يعلم!
فهل كان سيصاب الانسان بنفس الحادث لو لم يمش في ذلك الطريق ولم يسرع؟ أقول والله أعلم، بل كان سيصاب به ولابد، وكان سيمشي في ذلك الطريق بالذات في تلك الساعة بالذات ولابد، لأن الذي كتب عليه وقوع الحادث هو الذي كتب عليه أيضا أن يأخذ بما أخذ به من أسباب وقوعه على نحو ما جرى، وبأن يترك أسباب درء ذلك على نحو ما جرى!!
فسؤالك هل يصح ربط الأقدار ببعضها؟ جوابه ببساطة: ومن الذي فصلها عن بعضها أصلا؟ الأسباب تفضي الى النتائج.. وكما كانت النتائج مقدرة، فان الأسباب كذلك مقدرة، كتبها الله وقدرها، علمنا بما علمنا منها وجهلنا بما جهلنا، والله أعلى وأعلم.
معذرة أخي الكريم قد أطلت واستطردت، أسأل الله ألا يكون في كلامي ابهام أو شطط.. فما أصبت فيه فمن الله وما أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، والله الموفق المستعان.

--------------------------------------------------------------------------------