المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فصل القول في العمليات الاستشهادية



غريب من الآفاق
08-18-2011, 03:15 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين المحيي والمميت والصلاة والسلام على النبي الأمين
أما بعد:

العمـليات الاستشـهاديـة
إن العمل للإسلام ليس كغيره لأنه وضع الأمور في يد الرحمن لينزل نصره بغض النظر عن حقيقة الأسباب فما قد يحصل بعدة خطوات مما جعله الله تعالى من خلال سنة الأسباب في حال عدم الإيمان فإن الإيمان مع الأخذ بالأسباب لا يخضع للخطوات التي تتحقق بها النتائج كغيره بل تؤخذ من باب الأمر الشرعي والتوفيق على الله تعالى.
فالعمل بخلاف الشرع يؤدي إلى نتيجة عكسية وإن كان العقل البشري ضمن المعطيات البشرية يظن أن فيه الخير فكل الخير باتباع الأمر الشرعي وكل الشر بخلاف الأمر الشرعي مهما كان, ومن هذا الباب العمل الجهادي الذي هو من أعظم الأعمال في دين الله تعالى ولذلك يجب أن تكون الخطوات المتبعة فيه وخطة العمل قائمة على الشرع المحكم وان لا يصار إلى الاجتهاد بالنصوص وإنما يكون الاجتهاد في كيفية التحرك بالأمر الشرعي ضمن الضوابط الشرعية ومن الأمور التي وقع فيها الخلل في العمل الجهادي مسألة العمليات الاستشهادية بمعنى تفجير النفس لقتل الأعداء ولقد اطلعت على غالب الفتاوى والدراسات المتعلقة بهذا الأمر – ما وقع منها تحت يدي – وهي: دراسة للشيخ أبي سعد العاملي وفتوى للشيخ حامد العلي وفتوى للشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي وفتوى للشيخ ناصر العلوان وفتوى للشيخ على الخضير وفتوى رابطة علماء فلسطين ودراسة للشيخ يوسف العييري وهي أوسعها وأشملها.
1- هذه الدراسات والفتاوى تستند إلى أدلة قولية وعملية لكن قبل الخوض في المسألة لا بد من بيان قاعدة أصولية شرعية مهمة وهي أن الأدلة تنقسم إلى قسمين قولية وعملية:
- فالقولية : قول الله تعالى وقول رسوله يدخله العموم والإطلاق والخصوص والتقييد والأصل أن النص العام والمطلق يعمل به مباشرة إذا جاء وقت العمل به وعلى ظاهره وأما تخصيصه وتقييده فيعتبر فرعا عليه فإذا كان هناك وقت للبحث عن مخصص أو مقيد فله ذلك ولكن البحث بهذه الكيفية قد يفوت وقت العمل بالعام والمطلق كما أن ثبوت المخصص أو المقيد مسألة ظنية والعموم والإطلاق مع وجود النص مسألة يقينية فيعمل باليقيني وهو الأصل فإن الظن لا يغني من الحق شيئا يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: وأهل الباطل من جهة إخراج الألفاظ عن حقائقها وفتح أبواب الاحتمالات والتجويزات عليها وتغليب الخصوص على العموم وادعائهم أن الأغلب في ألفاظ العموم إنما هو الخصوص دون العموم ذهابا منهم في ذلك إلى أن البيان الشافي إنما هو في المعنى الخاص دون العام وأنه المتيقن من اللفظ...إلى قوله: إن القدح في دلالة العام باحتمال الخصوص وفي الحقيقة باحتمال المجاز والنقل والاشتراك وسائر ما ذكر يبطل حجج الله على خلقه بآياته ويبطل أوامره ونواهيه وفائدة أخباره أ.هـ الصواعق المرسلة 2/682-683.
- أما العملية سواء كانت عمل الرسول عليه الصلاة والسلام أو عمل الصحابة الذي أقره الرسول عليه الصلاة والسلام أو أجمعوا عليه أو عدم وجود المخالف لا يدخله العموم فالقاعدة الأصولية أن الأعمال لا عموم لها ولا يستدل بها إلا على صورتها وهذا ما أصله جمهور الأصوليين كما ذكر ذلك ابن تيمية رحمه الله تعالى بقوله: وإذا كان فعله( المقتدى به) جائزا أو مستحبا أو أفضل فانه لا عموم له في جميع الصور بل لا يتعدى حكمه إلا إلى ما هو مثله فان هذا شأن جميع الأفعال لا عموم لها حتى فعل النبي لا عموم له أ.هـ الفتاوى 19/153.
وكذلك الشوكاني بقوله: والأفعال لا عموم لها قال القاضي أبو عبد الله الصيمري الحنفي في كتابه مسائل الخلاف في أصول الفقه: دعوى العموم في الأفعال لا تصح عند أصحابنا ودليلنا أن العموم ما اشتمل على أشياء متغايرة والفعل لا يقع إلا على درجة واحدة وقال الشيخ أبو إسحاق لا يصح العموم إلا في الألفاظ وأما في الأفعال فلا يصح لأنها تقع على صفة واحدة.أ.هـ إرشاد الفحول 1/171.
2- هذه العمليات لا تدخل تحت الأصل الشرعي العام الأصل في الأشياء الإباحة لأنه فعل عبادة والعبادة الأصل فيها التوقف حتى يرد الدليل عليها وإذا فعلت بغير دليل فهي بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
3- هذه العمليات لا تجوز شرعا للأدلة الثابتة التالية:
أ- قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً (النساء:29), وهذا نص عام بتحريم قتل النفس سواء بمباشرة القتل أو تعريض النفس للقتل وعموم النص هو الأصل ولم يثبت تخصيص لهذا النص إلا في حالة تعريض النفس للقتل بقوله تعالى: وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة:36) , فقتال الكفار يقتضي تعريض النفس للقتل وكون هذا الأمر الإلهي من الكتاب فقد قال تعالى: ّمَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ (الأنعام:8), وبين سبحانه هذه الكيفية بقوله : فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (النساء:84), فيشمل مباشرة القتال بالنفس وتحريض المؤمنين على القتال, وبما أن القتال في سبيل الله هو الجهاد فقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام خلال مسيرته الجهادية التي استمرت عشر سنوات كيفية الجهاد بالنفس لأنه المبين لما في الكتاب فلم يثبت خلال هذه الفترة الطويلة من الجهاد نص يقول بجواز مباشرة قتل النفس لقتل أعداء الله تعالى كما لم يثبت أنه أمر مسلما بمباشرة قتل نفسه لقتل أعداء الله تعالى ولم يحدث أمامه أن باشر صحابي قتل نفسه بنية قتل أعداء الله تعالى وأقر ذلك, وعليه فليس على هذه العمليات دليل من الكتاب والسنة لا قولا ولا عملا فأدلة الكتاب دلت على القتال في سبيل الله تعالى المبين كيفيته بالنصوص القرآنية والنبوية بتعريض النفس للقتل من قبل الأعداء وهو الجهاد في سبيل الله تعالى ويثبت المنع للصورة الأخرى وهي مباشرة قتل النفس أو قتل نفس مؤمنة أخرى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً (النساء:92).
وعلى هذا فهنا سؤال مهم يوضح هذا الأمر جليا وهو: هل يجوز أن يدخل مسلم عملية من هذه العمليات ويقوم مسلم آخر بتفجيره؟ الجواب قطعا وجزما بالنفي,فكما أنه لا يجوز أن يباشر مؤمن قتل مؤمن لقتل أعداء الله تعالى فكذلك لا يجوز مباشرة قتل النفس لقتل أعداء الله تعالى سواء بسواء,لأن الأصل في الدماء الحرمة ولا تستباح بالشبهة وعليه فأين الدليل على التفريق بين تفجير المسلم نفسه وبين تفجير المسلم من قبل مسلم آخر ما دامت العلة والهدف واحدا ؟ وإلا فحكم الجواز للحالتين سيان وهو ما لم يقل به القائلون بالجواز وإذا ثبت المنع لحالة لزم ثبوتها للأخرى بطريق الأولى.

ب- قوله تعالى: إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (آل عمران:140), وهذا نص صريح على أن اختيار الشهداء فضل الله يؤتيه من يشاء ليس للعبد فيه اختيار فهو سبحانه يعلم ويقرر من يستحق الشهادة ممن لا يستحقها وهو الذي يقرر من يقتل شهيدا ومن يموت حتف أنفه فهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه نعى نفسه بأنه يموت على الفراش كما يموت البعير وقد طلب الشهادة منذ إسلامه ولم تتفق له لحكمة ربانية , فإن أقصى ما يفعله العبد هو أن يطلب الشهادة بصدق بدليل:
قوله عليه الصلاة والسلام: من طلب الشهادة أعطيها وإن لم تصبه.أ.هـ ( أخرجه مسلم).
وقال عليه الصلاة والسلام: من سأل الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه أ.هـ (رواه مسلم),
وقال عليه السلام أيضا: من قاتل في سبيل الله فواق ناقة ( الفواق ما بين الحلبتين ) فقد وجبت له الجنة ومن سأل الله القتل من نفسه صادقا ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد " زاد ابن المصفى من هنا " ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك ومن خرج به خراج ( الخراج القروح والدماميل تخرج من البدن ) في سبيل الله فإن عليه طابع الشهداء.أ.هـ صحيح (رواه أبو داود والنسائي والترمذي).
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يبين بنص واضح صريح أن غاية فعل العبد هو طلب الشهادة ليس له غير ذلك وأما مسألة إزهاق روحه فهذا من اختصاص الله تعالى وحده لأنه هو المحيي والمميت وهو الذي يتوفى الأنفس , فمن جعل لنفسه الاختيار في إزهاق روحه كيفا ووقتا فقد تعدى على الله تعالى وكان من المعتدين بدليل قوله تعالى في الآية نفسها: وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (), ويزيده تأكيدا قوله عليه الصلاة والسلام: كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع، فأخذ سكينا فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة أ.هـ (صحيح البخاري). فقوله:( بادرني) أي سبقني بمعنى أنه أختار الموت من تلقاء نفسه وبيده - وهذا نص عام ليس هناك ما يخصصه ويشمل جميع الكيفيات - ولم يترك الأمر لقدر الله تعالى لأنه لا يعلم العبد ساعة موته ولا مكانه لقوله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (لقمان:34),
قال ابن حجر رحمه الله تعالى: قوله: قال الله عز وجل بادرني عبدي بنفسه هو كناية عن استعجال المذكور الموت وسيأتي البحث فيه وقوله :حرمت عليه الجنة, جار مجرى التعليل للعقوبة لأنه لما استعجل الموت بتعاطي سببه من إنفاذ مقاتله فجعل له فيه اختيارا عصى الله به فناسب أن يعاقبه ودل ذلك على أنه حزها لإرادة الموت لا لقصد المداواة التي يغلب على الظن الانتفاع بها وقد استشكل قوله: بادرني بنفسه , وقوله: حرمت عليه الجنة لأن الأول يقتضي أن يكون من قتل فقد مات قبل أجله لما يوهمه سياق الحديث من أنه لو لم يقتل نفسه كان قد تأخر عن ذلك الوقت وعاش لكنه بادر فتقدم والثاني: يقتضي تخليد الموحد في النار والجواب عن الأول:أن المبادرة من حيث التسبب في ذلك والقصد له والاختيار وأطلق عليه المبادرة لوجود صورتها وإنما استحق المعاقبة لأن الله لم يطلعه على انقضاء أجله فاختار هو قتل نفسه فاستحق المعاقبة لعصيانه... وفي الحديث تحريم قتل النفس سواء كانت نفس القاتل أم غيره وقتل الغير يؤخذ تحريمه من هذا الحديث بطريق الأولى وفيه الوقوف عند حقوق الله ورحمته بخلقه حيث حرم عليهم قتل نفوسهم وأن الأنفس ملك الله... وفيه تحريم تعاطي الأسباب المفضية إلى قتل النفس أ.هـ فتح الباري 6/500.
وقد بوب النحاس رحمه الله تعالى في كتابه مشارع الأشواق وهو الباب الثامن والعشرون بعنوان: في الترغيب في سؤال الشهادة والحرص عليها ومن تعرض لها فنالها.

ت- قوله عليه الصلاة والسلام: لا يتمن أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا أ.هـ (رواه مسلم) , فالحديث ينص على النهى عن مجرد تمني الموت وأن بقاء المسلم خير له وأقصى ما يفعله المسلم هو ما بينه عليه الصلاة والسلام بقوله: لا يتمنين أحدكم الموت لضر أصابه فإن كان لا بد فاعلا فليقل: اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي (رواه البخاري ومسلم وغيرهم), فهذا أمر واضح وصريح أن على المسلم أن يفوض أمر الموت إلى الله تعالى ولا يتمناه - فمباشرته بنفسه أشد نهيا- في حال أصابه الضر فكيف بما دون ذلك مع أن العلماء ذكروا خلافا في قضية التخصيص وأنه يجوز تمني الموت خوفا من الفتن كما فعل ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعن سعيد بن المسيب قال: لما صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح ثم كوم كومة بطحاء ثم طرح عليها رداءه واستلقى ثم مد يديه إلى السماء فقال اللهم كبرت سني وضعفت قوتي وانتشرت رعيتي فاقبضني إليك غير مضيع ولا مفرط أ.هـ (أخرجه الإمام مالك في الموطأ), مع أن هذا الأمر يحتمل فقد يكون رضي الله عنه لم يسمع بالنهي وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال ويؤيد ذلك ما ورد عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قوله لأصحابه: ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعوا بالموت لدعوت به أ.هـ ( صحيح البخاري).وطلب الشهادة وتمنيها ليس من هذا الباب وإنما هو طلب للحياة.

ث- في ظل الواقع العصيب والمتضمن تكالب الأعداء على الأمة وإعراضها عن كتاب ربها وتفشي الجاهلية يبين عليه الصلاة والسلام الخير لأمته وكيفية النجاة بقوله: من خير معاش الناس رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل أو الموت مظانه.أ.هـ (رواه الشيخان), وفي رواية ابن عباس قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء أو خرج عليهم وهم جلوس فقال: ألا أحدثكم بخير الناس منـزلا قال: قلنا بلى يا رسول الله قال: رجل ممسك برأس فرس في سبيل الله حتى يموت أو يقتل ثم قال: ألا أخبركم بالذي يليه قلنا بلى يا رسول الله قال: امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور الناس, ثم قال: ألا أخبركم بشر الناس منـزلا قال قلنا بلى يا رسول الله قال الذي يسأل بالله ولا يعطي به أ.هـ ( أخرجها الإمام أحمد والدارمي وابن أبي شيبة), فهنا يبين عليه الصلاة والسلام أمرين:
1- أن العبد يطلب القتل أو الموت طلبا ولا يوجده من نفسه وذكر الموت والقتل يشعر باختلاف الحال وأن الموت حتف الأنف وأن القتل يكون بيد الأعداء.
2- أن القتل يطلب من مظانه أي:من المواقف التي يغلب فيها وقوعه كالانغماس في العدو.
فهذه أدلة ثابتة محكمة لا يدخلها التخصيص تحرم على المسلم مباشرة قتل نفسه باختيار الزمان والمكان لأي سبب فإن بقاء مسلم خير من قتل ألف كافر لما في ذلك من المصالح لدين الله عز وجل والحكم التي لا يعلمها ولا يحيط بها إلا الله سبحانه وتعالى وقد صرح بذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو ممن أمرنا الرسول عليه الصلاة والسلام بالإقتداء به بقوله: أوصيكم بتقوى الله عز وجل, والسمع والطاعة وإن تأمر عليك عبد, فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهدين عضوا عليها بالنواجذ, وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة أ.هـ صحيح (رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة والطبراني والحاكم في المستدرك وغيرهم), فكان يوصي قادة الجيش إذا سيرهم للجهاد بالمحافظة على أرواح المسلمين ولا يدخلونهم في مهالك تؤدي إلى هلاكهم وأن حياة مسلم عنده خير من قتل ألف مشرك ومن ذلك وصيته لقادة الجيوش التي يكون فيها البراء بن مالك رضي الله عنه بعدم توليته لئلا يخاطر بالمسلمين كما ذكر ذلك الحاكم في المستدرك 3/330.

ج- عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك ؟ وكان عامر رجلا شاعرا حداء فنزل يحدو بالقوم يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
فاغفر فداء لك ما اتقينا * وثبت الأقدام إن لاقينا
وألقين سكينة علينا * إنا إذا صيح بنا أبينا
وبالصياح عولوا علينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هذا السائق, قالوا: عامر بن الأكوع, قال: يرحمه الله. قال رجل من القوم: وجبت يا نبي الله لولا أمتعتنا به ؟ فأتينا خيبر فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة ثم إن الله تعالى فتحها عليهم فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت عليهم أوقدوا نيرانا كثيرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم :ما هذه النيران ؟ على أي شيء توقدون. قالوا: على لحم, قال:على أي لحم. قالوا:لحم حمر الإنسية, قال النبي صلى الله عليه وسلم :أهريقوها واكسروها. قال رجل:يا رسول الله أو نهريقها ونغسلها ؟ قال: أو ذاك. فلما تصاف القوم كان سيف عامر قصيرا فتناول به ساق يهودي ليضربه ويرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه قال: فلما قفلوا, قال سلمة: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيدي قال: مالك.قلت له: فداك أبي وأمي زعموا أن عامرا حبط عمله ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم:كذب من قاله إن له لأجرين - وجمع بين إصبعيه - إنه لجاهد مجاهد قل عربي مشى بها مثله أ.هـ (رواه البخاري ومسلم).وفي الحديث:
1- أن الصحابي عامر بن الأكوع رضي الله عنه كان في حالة قتال لأعداء الله تعالى.
2- أنه لم يُقتل بيد أعداء الله تعالى وإنما كان هو المتسبب بقتل نفسه بغير قصد ولم يكن يقصد قتل نفسه لقتل أعداء الله تعالى.
3- أن الصحابة رضي الله عنهم أخذوا بعموم قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً (النساء:29), وأن من قتل نفسه فقد حبط عمله سواء في الجهاد لقتل أعداء الله تعالى كما حصل مع الصحابي عامر رضي الله عنه أو غيره بقصد أو بغير قصد وأنه يحرم مباشرة قتل النفس بأي طريقة.قال ابن حجر رحمه الله تعالى: قوله: زعموا أن عامرا حبط عمله في رواية إياس بطل عمل عامر قتل نفسه وسمى من القائلين أسيد بن حضير في رواية قتيبة الآتية في الأدب وعند بن إسحاق فكان المسلمون شكوا فيه وقالوا إنما قتله سلاحه أ.هـ فتح الباري 7/467.
قال بدر الدين العيني رحمه الله تعالى: قوله حبط عمله أي عمل عامر لأنه قتل نفسه قوله أن له لأجرين وهما أجر الجهد في الطاعة وأجر المجاهدة في سبيل الله أ.هـ عمدة القاري 17/236.
4- إقرار الرسول عليه الصلاة والسلام لفهم الصحابة ولكن خرج الصحابي عامر رضي الله عنه من العموم لأنه لم يقصد قتل نفسه وإنما حصل ذلك بالخطأ- والخطأ المعفو عنه هو: أن يقصد المكلف أمرا مشروعا بنية صحيحة واتفاق أمر غير مشروع - بالأدلة التالية قوله تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَو ْأَخْطَأْنَا (البقرة:286), وقد ورد في الصحيحين وغيرهما عن ابن عباس أن الله تعالى قال:قد فعلت , وفي رواية أخرى: قال : نعم.ولقوله عليه الصلاة والسلام: رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه أ.هـ قال ابن حجر رحمه الله تعالى: قال النووي في الطلاق من الروضة في تعليق الطلاق حديث حسن وكذا قال في اواخر الأربعين له انتهى أ.هـ تلخيص الحبير1/281,
ولو كان قتل النفس لقتل أعداء الله تعالى مشروعا لبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هذا مقام بيان والموقف يحتمله ولقال بأن من قتل نفسه لقتال أعداء الله تعالى لا حرج فيه حسب القاعدة الشرعية: لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
5-قوله عليه الصلاة والسلام: كذب من قاله إن له لأجرين - وجمع بين إصبعيه - إنه لجاهد مجاهد قل عربي مشى بها مثله أ.هـ, خاص بالصحابي عامر رضي الله عنه إذ أنه لا يُحكم لأحد بالجنة إلا عن طريق الوحي,كما أن في هذا تزكية لا تجوز إلا للنبي عليه الصلاة والسلام.

ح - إن غاية ما في العمليات الاستشهادية من حيث العلة أنها مباشرة قتل النفس طاعة لله سبحانه وهذا لا يجوز أيضا فعن علي رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل عليها رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه فغضب فقال: أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبا، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا، فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهموا وجعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، الطاعة في المعروف أ.هـ (صحيح البخاري),
فالصحابة كانوا يعلمون قوله عليه الصلاة والسلام: من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني أ.هـ (رواه الشيخان والإمام أحمد وغيرهم), وكانوا يعلمون قوله تعالى: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (النساء:80), فمجال التأويل هنا موجود وهو أن يلقوا أنفسهم بالنار طاعة لأميرهم ومعنى ذلك أنه طاعة لله سبحانه وطاعة لرسوله عليه الصلاة والسلام ولكن لا يقبل التأويل بوجود النصوص المحكمة التي فصلت دائرة عمل العبد عن الأفعال المختصة بالله تعالى حيث أن الإحياء والإماتة لله تعالى وإزهاق الروح إنما هو بأمر الله تعالى لأنه المالك لها وحده ولذلك كان الحكم واضحا صريحا بقوله: لو دخلوها ما خرجوا منها (),( والمقصود منها هي النار التي دخلوها وليس نار جهنم فاهم ذلك) وعقيدة اختصاص الله تعالى بالإحياء والإماتة من ملة إبراهيم عليه السلام التي بينها في محاجته للنمرود وأنها من مسائل التوحيد كما أخبر تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (البقرة:258),فهذا من البديهيات ومن المعلوم من الدين بالضرورة لا مجال للاجتهاد فيه.

خ- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: انتدب الله عز وجل لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلي أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة أو أدخله الجنة ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية ولوددت أني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا ثم أقتل .أ.هـ (صحيح البخاري), ولفظ الحديث عند النسائي وابن أبي شيبة: تضمن الله عز وجل لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا الجهاد في سبيلي وإيمان بي وتصديق برسلي فهو ضامن أن أدخله الجنة أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نال ما نال من أجر أو غنيمة أ.هـ
فالحديث يدل دلالة صريحة واضحة أن الله هو الضامن أن يرجعه إلى بيته أو يرزقه الشهادة ليس العبد من يختار ذلك فالله تعالى يقدر بعلمه وحكمته من يقتل شهيدا ومن يموت حتف أنفه.

د- أن هذه العمليات تقوم على مخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة وهي عدم الحكم لأحد من أهل القبلة بجنة أو نار ومن يقوم بهذه العملية يعتقد جازما أنه شهيد وأنه ذاهب إلى الجنة بقتله نفسه ولو لم يكن جازما لخشي الخروج إلى عالم البرزخ حيث لا توبة ولا عمل وأنه لا يدري أيذهب إلى جنة أم إلى نار لأنه يعتقد أنه شهيد والشهيد له خصال سبعة منها أنه يغفر له ويؤمن من عذاب القبر وروحه في حواصل طيور خضر تسرح في الجنة حيث شاءت.

ذ- إن هذا العمل يدخل في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) سورة الصف), إذ من أجازها- بل أن البعض يوجبها- يجب عليه أن يفعل ما يعتقده قدوة لغيره في ذلك وإلا دخل في الذم فإن قيل وجود البعض فيه خير, نقول: وما يدريك أن وجود الذي يقوم بالعملية خير من وجود الذي لم يقم بها وهنا دخول في أمر مخالف للشرع أيضا وهو علم الغيب ومعرفة الأصلح فليس غير الأنبياء بقاؤهم للأمة خير من وفاتهم فعن أنس قال: قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها فلما انتهينا إليها بكت فقالا لها ما يبكيك ؟ ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم فقالت ما أبكي أن لا أكون أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء فهيجتهما على البكاء فجعلا يبكيان معها.أ.هـ( رواه مسلم).

ر- إن في إباحة هذا العمل جعله شرعا معتبرا لجميع المسلمين ولو قام به الجميع لجاز ذلك وفي ذلك هلاك لعصبة المؤمنين بأيديهم وهذا لا يقول به أحد.

4- أما ما استدلوا به من أفعال للصحابة أو ممن ورد ذكرهم بالسنة النبوية أو أقوال العلماء فليس فيها شيء يدل على خلاف ما ذكرناه بل يجب أن تؤول تأويلا يتفق مع النصوص المحكمة وهي المنع ومن باب التبيين للحق نتعرض إلى أهم النصوص التي استدلوا بها:

أ - الاستدلال بقوله تعالى: يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ (التوبة:111), ووجه الاستدلال قراءة حمزة والكسائي بتقديم المفعول على الفاعل على اعتبار أنها تدل على اجتماع القتل في الفريقين وإليك أقوال علماء التفسير بالرد على هذه الشبهة:
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون(), أي: سواء قَتلوا أو قُتلوا أو اجتمع لهم هذا وهذا فقد وجبت لهم الجنة أ.هـ التفسير 2/515, ومعنى اجتمع لهم هذا وهذا أي: قتلوا أعدائهم وحصل لهم القتل من أعدائهم..
وقال البيضاوي رحمه الله تعالى: وقرأ حمزة والكسائي بتقديم المبني للمفعول وقد عرفت أن الواو لا توجب الترتيب وأن فعل البعض قد يسند إلى الكل.أ.هـ التفسير1/174.
وقال جلال الدين الحلي رحمه الله تعالى: وفي قراءة بتقديم المبني للمفعول أي فيقتل بعضهم ويقاتل الباقي.أ.هـ تفسير الجلالين1/261.
وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: وقرأ حمزة والكسائي فيقتلون ويقتلون مفعول وفاعل قال أبو علي القراءة الأولى بمعنى أنهم يقتلون أولا ويقتلون والأخرى يجوز أن تكون في المعنى كالأولى لأن المعطوف بالواو يجوز أن يراد به التقديم فان لم يقدر فيه التقديم فالمعنى يقتل من بقي منهم بعد قتل من قتل كما أن قوله : فما وهنوا لما أصابهم () ما وهن من بقي بقتل من قتل أ.هـ زاد المسير 1/503.
قال الألوسي رحمه الله تعالى: وقوله سبحانه : فيقتلون ويقتلون(), بيان لكون القتال في سبيل الله تعالى بذلا للنفس وأن المقاتل في سبيله تعالى باذل لها وإن كانت سالمة غانمة فإن الإسناد في الفعلين ليس بطريق اشتراط الجمع بينهما ولا اشتراط الاتصاف بأحدهما البتة بل بطريق وصف الكل بحال البعض فإنه يتحقق القتال من الكل سواء وجد الفعلان أو أحدهما منهم أو من بعضهم أ.هـ روح المعاني 11/ 28.
وقرأ الجمهور ( فيقتلون ) بصيغة المبني للفاعل وما بعده بصيغة المبني للمفعول, وقرأ حمزة والكسائي بالعكس, وفي قراءة الجمهور اهتمام بجهادهم بقتل العدو وفي القراءة الأخرى اهتمام بسبب الشهادة التي هي أدخل في استحقاق الجنة أ.هـ التحرير والتنوير 1/1913.
فالقول بأنه على قراءة حمزة والكسائي بتقديم المبني للمفعول دليل على اجتماع القتل في الفريقين سويا وهو ما تدل عليه العمليات الاستشهادية بعيد جدا فإن ذلك ليس من أساليب اللغة لأن الواو لا تقتضي التداخل أو الترتيب وإنما تفيد التغاير وغاية ما فيها الاحتمال-إن صح الاستدلال - وإذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال خاصة في قضية الدماء لأن الأصل فيها الحرمة ولا تباح بالشبهة, فيكون هذا الدليل من المتشابه على أحسن أحواله يجب أن يرد إلى المحكم ويؤول بما يوافقه.

ب - أمر الغلام للملك بقتله ومحل الاستدلال قوله : فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به ، قال : وما هو ؟ قال تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهماً من كنانتي ، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام ثم ارمني، فإنك إذا فعلت قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع ، ثم أخذ سهماً من كنانته ، ثم وضع السهم في كبد القوس ، ثم قال بسم الله رب الغلام ، ثم رماه ، فوقع السهم في صدغه فوضع يده في صدغه في موضع السهم فمات ، فقال الناس آمنّا برب الغلام ، آمنّا برب الغلام ، آمنّا برب الغلام ، فأتي الملك فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر ، قد والله نزل بك حذرك ، قد آمن الناس ، فأمر بالأخدود في أفواه السكك ، فخدت وأضرمت النيران ، وقال : من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها ، أو قيل له اقتحم ، ففعلوا حتى أتوا على امرأة ومعها صبي لها فتقاعست أن تقع فيها ، فقال لها الغلام يا أمّه اصبري إنك على الحق (رواه مسلم), فنقول:
1‌- هذا الأمر لم يكن اجتهاديا وإنما وحي إلهام من الله تعالى لأنه جزم بذلك وتحقق منه وهذا بحكم علم المغيبات أنظر إلى قوله: فإنك إذا فعلت قتلتني أ.هـ, فما أدرى الغلام أن لا يحصل مثل ما حصل في المرتين الأوليين لأن الملك قام بمحاولة قتله بأمرين محققين ولم يقدر الله تعالى ذلك فأمر الموت والحياة هو لله تعالى فهو الذي يحيي ويميت وليس للعبد من ذلك شيء إلا أن يعرض نفسه لمظان القتل في سبيل الله وهذا لو لم يرد به الدليل الشرعي لما جاز فعله لأن قتل النفس هو إماتة لها ولا تتم إلا بطريقين:الطريق القدري والشرعي وهو حكم الله تعالى وهذا كالقدري أمره إلى الله تعالى.
2‌- هناك فرق شاسع بين من دل على طريقة قتله لعدوه مع إرادة ذلك من العدو حيث لا اختيار له في القتل وعدمه وكل ما هنالك هو تخييره بكيفية القتل من قبل القاتل ويبقى تحققه متوقف على إرادة الله ومشيئته والقائم بالعملية الاستشهادية ليس له خيار من قبل عدوه فالقياس غير صحيح, ولو خير مسلم من قبل عدو له بأن يقتل أو يطلق سراحه لما جاز أن يختار القتل لأنه قتل نفس بغير حق.
3 ‌- فعل الغلام لم يكن مقيدا بشيء سواء هلاك الملك أو الإثخان في العدو أو إيمان الناس وإنما كان فعله لأمر محقق وهو إقرار الملك برب الغلام وهذا أمر كان ينكره الملك مع تحقق إرادته قتل الغلام وتوقف حصول القتل على إقرار الملك برب الغلام دليل صريح على أنه وحي خاص.
4‌- غاية ما يستدل به من فعل الغلام أن تكون هذه العملية تحقق نصرا نهائيا للمسلمين أو ظهورا نهائيا للدين من مرة واحدة وشخص واحد كحادثة الغلام مثلا بمثل وليس شرعا متبعا بناءً على قاعدة الاستدلال بالأفعال بأنها لا عموم لها, علما بأن النصر للمسلمين أو التمكين أو الإثخان في العدو في حادثة الغلام لم يتحقق فقد قتل المؤمنون جميعا فلا تصلح للاستدلال لأن علة حكم جواز هذه العمليات الإثخان في العدو أو ظهور الدين وليس أن يقتل المجاهد فقط وهو ما لم يحصل في حادثة الغلام فيسقط الاستدلال بها.

ت - قصة ماشطة ابنة فرعون والمرأة من أصحاب الأخدود متماثلتان من حيث:
1- أن إنطاق الرضيعين كرامة وبمثابة وحي الله تعالى واختياره لهاتين المرأتين وهو الدليل الصريح الذي لا يحتمل غيره.
2 – أن القتل لهاتين المرأتين لم يكن اختياريا منهما فأما المرأة في قصة أصحاب الأخدود فمثلها مثل قومها الذين آمنوا حيث حفرت لهم الأخاديد وقذفوا بها عن غير اختيار منهم فكان حرص الملك وجنوده على قتلهم متحققا, قال صاحب مختار الصحاح ما نصه : وفي الحديث: إن الجنة للمحكمين(), وهم قوم من أصحاب الأخدود حُكموا وخُيروا بين القتل والكفر فاختاروا الثبات على الإسلام مع القتل أ.هـ1/167, وحيث أنها قاومت إلقائها في الأخدود فقد يعني ذلك لجلاديها بأنها رجعت عن دينها فكان إنطاق الغلام تثبيتا لها وإزالة ما قد يتوهم ولذلك ورد في الحديث ما نصه: وقال( الملك) : من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها ، أو قيل له اقتحم أ.هـ.
وأما ماشطة ابنة فرعون مثلها مثل امرأة فرعون حيث قتلتا بغير اختيار وإرادة منهما وإنما هذا فعل فرعون.
ـ أما حديث ماشطة ابنة فرعون ففيه ثلاثة علل: أبا عمر الضرير قال فيه الذهبي وأبو حاتم الرازي هو صدوق وقد وثقه ابن حبان والثانية: أنه من رواية حماد بن سلمة عن عطاء وقد روى عنه بعد وقبل الاختلاط عند جمع من أهل العلم , والثالثة: فيه عطاء بن السائب يرويه عن سعيد بن جبير قال الإمام أحمد : كان يرفع عن سعيد بن جبير أشياء لم يكن يرفعها.
- أما امرأة فرعون فقد أخرج أبو يعلى والبيهقي بسند صحيح عن أبي هريرة أن فرعون وتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها فكانوا إذا تفرقوا عنها أظلتها الملائكة عليهم السلام فقالت : رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فكشف لها عن بيتها في الجنة.أ.هـ فهي سألت الله تعالى أن ينجيها من فرعون وعمله وأن ينجيها من القوم الظالمين, قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: أحدهما: أن عمله جماعه, والثاني: أنه دينه رويا عن ابن عباس, ونجني من القوم الظالمين يعني أهل دين المشركين أ.هـ 8/315.
فهي رضي الله عنها عندما أسلمت بمعنى تبرأت من فرعون وعمله قام بقتلها كما قتل السحرة لما أسلموا بخلاف العمليات, فالعموم منتف بحق هذه الحوادث لأنها أفعال ولا يستدل بها إلا على مثلها . فهذه النصوص ليس فيها دلالة على جواز مباشرة قتل النفس لقتل أعداء الله تعالى إذ أنها تدل على الأخذ بالعزيمة واختيار القتل على الكفر.
ث- الانغماس في صفوف العدو وحقيقة هذه الصورة:
1- أن القتل فيها ظني حيث وردت الآثار بانغماس كثير من المسلمين المجاهدين في صفوف العدو وعادوا سالمين كالبراء بن مالك رضي الله عنه حين قذفه المسلمون داخل الحديقة والزبير بن العوام رضي الله عنه حين أقتحم جيش الروم في معركة اليرموك وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما حين اقتحم صفوف جيش البربر وكانوا مائة وعشرين ألفا أحاطوا بالمسلمين ووصل إلى ملكهم فقتله بخلاف القتل في العمليات المسماة الاستشهادية فهو متحقق حيث أن نتيجة التفجير الحاصل يقيني - قتل المنفذ- حسب ما جرت به العادة والفرق بين الظن واليقين كبير, فليست مسألتنا في غلبة الظن وإنما في تحقق القتل فإن كان التفجير إذا وقع وجرت به العادة أن يسلم المنفذ من القتل مع تحقق الانفجار كان من باب غلبة الظن وجاز الاستدلال به فانتفى القياس.
2‌- أن القتل في الانغماس بالعدو إن حصل فهو بيد الغير وليس بيد المنغمس بخلاف العمليات المسماة استشهادية فهي مباشرة القتل بيد المنفذ نفسه فانتفى القياس, فمسألة الانغماس في العدو ليست دليلا في محل النـزاع فهو فعل لا عموم له ولا يستدل به إلا على صورته.

ج- الإستدلال بأمور ليست في محل الاستدلال من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: إنما الأعمال بالنيات () ومعلوم أن هذا بحق الثواب للعمل الصحيح فالثواب لله تعالى ليس من اختصاصنا وهو مشروط بصحة العمل أي أن يكون الدليل ورد بمشروعيته وبما أنه لم يثبت شرعا جواز مباشرة قتل النفس فالنية الصحيحة لا تصلح العمل غير الصحيح.
ح- وذكروا استنتاجات وقياسات واشترطوا شروط يطول الكلام فيها لا تصلح في مقابل الأدلة الصريحة التي ذكرت ومعلوم انه لا يجوز القياس بوجود النص فلا اجتهاد مع النص.كالاستدلال بفداء الصحابة للرسول عليه السلام بأجسادهم في غزوة أحد فجواب ذلك أن هذا خاص بالنبي عليه السلام لقوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ الآية (الأحزاب:6), فحياة الرسول عليه السلام أولى بالمحافظة عليها من حياتنا ففداه أباؤنا وأمهاتنا عليه الصلاة والسلام.
إن التسبب بقتل النفس بمباشرته بفعل الذات عمل غير مشروع بأي حال ولا يجوز التهاون به ويجب التحرز منه بشدة وفعله أو التساهل فيه يعرض العبد للعقوبة من الله تعالى لأن من أعظم الذنوب عند الله تعالى قتل النفس المحرمة فالدماء الأصل فيها الحرمة ولا تباح إلا بنص واضح صريح لا تحل بالشبهة دليل ذلك عن جابر رضي الله عنه أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل لك في حصن حصين ومنعة ؟ 0 قال ( حصن كان لدوس في الجاهلية ) فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات فرآه الطفيل ابن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال له:ما صنع بك ربك ؟ فقال غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراك مغطيا يديك ؟ قال قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم وليديه فاغفر أ.هـ (رواه مسلم),
فهذا الصحابي رضي الله عنه لم يقصد قتل نفسه وإنما فعل ما رآه أنه يريحه من الألم دون تثبت لحقيقة ما يؤول إليه فعله فما أفسده لم يغفر له إلا بشفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام وتسببه بقتل نفسه لم يغقر له إلا بأعظم عمل بعد التوحيد ألا وهو الهجرة إلى الله ورسوله ولذلك نص العلماء الربانيون من هذه الأمة على مسألة التسبب بقتل النفس من ذلك قول ابن قدامة المقدسي ما نصه: وإذا ألقى الكفار نارا في سفينة فيها مسلمون فاشتعلت فيها فما غلب على ظنهم السلامة فيه من بقائهم في مركبهم أو إلقاء نفوسهم في الماء فالأولى لهم فعله وان استوى عندهم الأمران فقال أحمد : كيف شاء يصنع قال الأوزاعي : هما موتتان فاختر أيسرهما وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنهم يلزمهم المقام لأنهم إذا رموا نفوسهم في الماء كان موتهم بفعلهم- وهذا بحق من لا يحسن السباحة - وإن أقاموا فموتهم بفعل غيرهم أ.هـ المغنى (10/545).
وهذه العمليات لم نعهدها إلا في عصرنا هذا وأول من قا بها هم الطيارون اليابانيون في الحرب العالمية الثانية فهي سنة سنها مشركون .
وعلى هذا نستطيع أن نفهم قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد:7), إن نصرة الله تعالى هو بإقامة شرعه كما يريد هو لا كما يريده البشر وبذلك تكتمل العروة الإلهية من الله وعلى مراد الله ولله وإذا اختل منها شيء فأنى يأت نصر وتمكين من الله عز وجل ولنعلم أنه لا يؤثر اختلاف وسائل القتال وتغيرها في تغير الأحكام شيئا فإن الدين قد أتمه الله تعالى ولا نُخضع الأحكام للمتغيرات بل المتغيرات هي التي تخضع للأحكام وليس كل وسيلة مستحدثة يجيزها الشرع أو يجيز استخدامها بكل الوجوه , فإن المقصد من الشريعة هو تحقق التقوى قال الله تعالى: لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (الحج:37), والوقوف عند حدود الله تعالى وتعظيم الحرمات التي ثبتت بنصوص واضحة صريحة خير من تجاوزها بالاجتهاد والتأويل وإن كان الواقع والأحداث تشعر بغير ذلك قال تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ (الحج:30), وقال تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ (الحج:32).
يقول سيد قطب رحمه الله تعالى كلاما يخط بماء الذهب يصور حقيقة هذا الدين ومكانة المسلم فيه ما نصه: وتقرير الحقيقة فيما يتساءلون فيه ويرد على قولتهم هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله فلا أمر لأحد لا لهم ولا لغيرهم ومن قبل قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:ليس لك من الأمر شيء (), فأمر هذا الدين والجهاد لإقامته وتقرير نظامه في الأرض وهداية القلوب له كلها من أمر الله وليس للبشر فيها من شيء إلا أن يؤدوا واجبهم ويفوا ببيعتهم ثم يكون ما يشاؤه الله كيف يكون.أ.هـ.
قال الشيخ يوسف العييري في نهاية بحثه في العمليات الاستشهادية ما نصه: وفي الختام نقول إن مثل هذه العمليات تحتاج إلى بسط أكثر من هذا، ولكن نسأل الله أن نكون وفقنا من خلال هذا البحث لبيان الحكم الشرعي في هذه العمليات ، فإن أصبنا فمن الله وإن أخطأنا فكل ابن آدم خطاء، وما منا إلا راد ومردود عليه ، فمن كان لديه من العلم ما يفيدنا به ويسدد به طريقنا فلا يبخل به علينا ، فإن لم يكن له عذر بحرماننا من علمه فإننا لا نبيحه أمام الله وقد ناشدناه عوننا، فنحن أحوج الناس لاجتهادات العلماء وأكثرهم فائدة بها ، وما أكثر النوازل المعضلة عندنا التي تحتاج إلى جمع من المجتهدين ليفتوا بها لنا ، ويعطونا آراءهم لنسلك بها طريق الهدى، وإننا بحاجة لمثل هذا الدعم ، فإذا بخل علينا المسلمون بالدعاء فإن دعاء المظلومين في الشيشان يكفينا بإذن الله، وإذا بخل علينا المسلمون بالمال فإن الله يرزقنا السلاح والمال من بين أيدي عدونا ، ولكن العلماء وطلبة العلم إذا بخلوا علينا بعلمهم وإرشادهم وتسديدهم لنا وآراءهم ، فإننا حرمنا خيراً عظيماً ولا مظان لما بخلوا به علينا لنحصله منها ، فالعلم سلعة نادرة إن بخل بها أهلها علينا فلا خير فينا بلا رأيهم ، فاتقوا الله فإننا علقنا في رقابكم اللهم هل بلغنا اللهم فاشهد أ.هـ .
فالشيخ يوسف العييري صاحب أشمل دراسة لهذه العمليات يصرح أن ما وصل إليه في هذه المسألة ظني وفيه قصور لأن المسألة في ظل المعطيات المعاصرة من جهل وضغط على العاملين للإسلام تعتبر شائكة حتى أن البعض يقول أنه إذا لم نقل بجواز هذه العمليان فإن هذا سيؤثر على مسيرة الجهاد ووصل الحال بالبعض القول أنه بدون هذه العمليات لا يمكن الاستمرار بالجهاد.
وأخيراً أقول: لا يظنن ظان أنني أقول هذا نصرة للطاغوت وأعداء الله تعالى من الصليبيين واليهود وأعوانهم أو رياء وتزلفا أو ضعفا وخورا , كلا والذي يحق الحق بكلماته ما قلت هذا إلا نصرة لدين الله تعالى ولن يعدم المجاهدون وسائل نكاية في العدو وأعظمها طاعة الله تعالى وطاعة رسوله فإنما يقاتل المسلم أعداء الله تعالى بإيمانه وطاعته فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:إنما تقاتلون بأعمالكم أ.هـ (صحيح البخاري), وما استطاع إعداده من عدة وسلاح والله يتكفل بهم وينصرهم لقوله تعالى: َفلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُواْ اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة:249), وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (محمد:7), وقال تعالى: وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (يوسف:21), فإن أعظم سلاح هو ما بينه تعالى بقوله: إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ (آل عمران:160).
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على النبي الأمين

منقول

horisonsen
09-03-2011, 12:44 AM
بارك الله فيك وفي نقلك
وكاتب تلك السطور ينبئ عن سعة علم في صدره
أضف أن المسلمين لم يتعاطوا العمليات الإنتحارية قبل أن تظهر عند اليابانيين في الحرب العالمية الثانية، حيث يقوم الطيار الياباني بالاصطدام بطائرته المعبئة بالمتفجرات على البارجة الأمريكية محاولا إغراقها بعد أن ينفجر فيها، فهي بذلك يصح أن يقال عنها سنة يابانية. ولم تنفع هذه السنة أهل اليابان في حربهم التي خسروها.
على كل حال من بركة العلم عزوه لأهله. فأتمنى أن تكتب اسم مؤلف هذا البحث الرائع الماتع.

ولمن أراد المزيد في الموضوع فليقرأ هاتين المقالتين للشيخ عبد الحق التركماني:
إلى الذين سنُّوا في الإسلام سنة العمليات الانتحارية (http://www.turkmani.com/com_articles/details/37)

مخالفة الشريعة من العمليات الانتحارية إلى الانتحار (http://www.turkmani.com/com_articles/details/38)

سبع إضاءات إسلامية حول العملية الانتحارية في ستوكهولم (http://www.turkmani.com/com_articles/details/36)

إلى حب الله
09-03-2011, 01:50 AM
جزاك الله خيرا ًأخي على الاجتهاد إن كان من اجتهادك ..
وعلى النقل : إذا كان من نقولاتك عن غيرك ..

ولكن لي بعض الأسئلة الاستفسارية إذا سمحت ..
---
1... جاء في موضوعك أخي :

2- هذه العمليات لا تدخل تحت الأصل الشرعي العام الأصل في الأشياء الإباحة لأنه فعل عبادة والعبادة الأصل فيها التوقف حتى يرد الدليل عليها وإذا فعلت بغير دليل فهي بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

أقول : قد يُرد على هذا الكلام بأن قتال العدو : واحد في كل زمان :
وإنما تختلف الأدوات لإنزال الضر بالعدو : من زمن ٍلآخر ..
وهذه يقينا ًلا شأن لها بالعبادات والتي يدخلها الابتداع من قريب أو بعيد وإلا :
لكان استخدام الدبابات والطائرات والصواريخ والقنابل : بدعة !!..
وعليه :
فقد يُرد على الكلام المُقتبس من موضوعك أخي بالأعلى :
بأن العمليات الاستشهادية : هي وسيلة من الوسائل الجديدة في هذا العصر :
لإنزال الضر بالعدو : لم تكن متاحة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم !!..
ففكرتها لم تظهر جليا ًكما أشار الأخ horisonsen إلا حديثا ً..
وعليه : فهي لا تمت لأصل البدع العبادية بصلة !!..
كما في ذلك الرد أيضا ًجوابا ًعلى مَن يستشهد بأنها لم تكن على زمن النبي !
إذ سيقول صاحب الرد بكل بساطة : وهل كانت هناك قنابل في زمن النبي ؟!
----
2... وجاء في موضوعك أيضا ًأخي :


3- هذه العمليات لا تجوز شرعا للأدلة الثابتة التالية:
أ- قوله تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً (النساء:29), وهذا نص عام بتحريم قتل النفس سواء بمباشرة القتل أو تعريض النفس للقتل وعموم النص هو الأصل ولم يثبت تخصيص لهذا النص إلا في حالة تعريض النفس للقتل بقوله تعالى: وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة:36) , فقتال الكفار يقتضي تعريض النفس للقتل وكون هذا الأمر الإلهي من الكتاب فقد قال تعالى: ّمَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ (الأنعام:8), وبين سبحانه هذه الكيفية بقوله : فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (النساء:84), فيشمل مباشرة القتال بالنفس وتحريض المؤمنين على القتال, وبما أن القتال في سبيل الله هو الجهاد فقد بين الرسول عليه الصلاة والسلام خلال مسيرته الجهادية التي استمرت عشر سنوات كيفية الجهاد بالنفس لأنه المبين لما في الكتاب فلم يثبت خلال هذه الفترة الطويلة من الجهاد نص يقول بجواز مباشرة قتل النفس لقتل أعداء الله تعالى كما لم يثبت أنه أمر مسلما بمباشرة قتل نفسه لقتل أعداء الله تعالى ولم يحدث أمامه أن باشر صحابي قتل نفسه بنية قتل أعداء الله تعالى وأقر ذلك, وعليه فليس على هذه العمليات دليل من الكتاب والسنة لا قولا ولا عملا فأدلة الكتاب دلت على القتال في سبيل الله تعالى المبين كيفيته بالنصوص القرآنية والنبوية بتعريض النفس للقتل من قبل الأعداء وهو الجهاد في سبيل الله تعالى ويثبت المنع للصورة الأخرى وهي مباشرة قتل النفس أو قتل نفس مؤمنة أخرى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً (النساء:92).
وعلى هذا فهنا سؤال مهم يوضح هذا الأمر جليا وهو: هل يجوز أن يدخل مسلم عملية من هذه العمليات ويقوم مسلم آخر بتفجيره؟ الجواب قطعا وجزما بالنفي,فكما أنه لا يجوز أن يباشر مؤمن قتل مؤمن لقتل أعداء الله تعالى فكذلك لا يجوز مباشرة قتل النفس لقتل أعداء الله تعالى سواء بسواء,لأن الأصل في الدماء الحرمة ولا تستباح بالشبهة وعليه فأين الدليل على التفريق بين تفجير المسلم نفسه وبين تفجير المسلم من قبل مسلم آخر ما دامت العلة والهدف واحدا ؟ وإلا فحكم الجواز للحالتين سيان وهو ما لم يقل به القائلون بالجواز وإذا ثبت المنع لحالة لزم ثبوتها للأخرى بطريق الأولى.

أقول :
وقد يُرد على ذلك أيضا ًبالنفي .. إذ قد تدخل العمليات الاستشهادية عند
البعض (كفلسطين والشيشان وأفغانستان وغيرها) : تحت بند الضرورة أحيانا ً!!..
وتحت بند دفع الضرر العام بالضرر الخاص !!.. حيث أنهم يرون في هذه
العمليات ردعا ًلاستمراء العدو لدماء وأعراض المسلمين في بعض مناطق
تلك البلاد : ويرون فيها بابا ًفعالا ًلإرهاب العدو في أوقاتٍ تستلزم ذلك :
ولا سيما مع الوهن الذي أصاب المسلمين : وغياب الخلافة والجيش الحامي
ووقف الجهاد رسميا ًفي معظم دول الإسلام من بعد تفكيكها !!..

ولعل أقرب ما يُمكن أن يُرد به على الكلام المُقتبس من موضوعك بالأعلى
أخي بخصوص جواز قتل المسلم لنفسه : أو لغيره : هي مسألة التترس في
الجهاد !!!..
فيا حبذا لو تتحفنا برأيك الفقهي كقول ٍفصل ٍفيها هي الأخرى : هل تجوز
أم لا تجوز مشكورا ً؟!!!..

وهذه نبذة عن التترس لمَن لا يعرف ....
----
حُكم الترس ..
(أي قتل المسلمين كالأسرى مثلا ًإذا تترّس بهم الكفار في الحرب) ...

قرر أهل العلم أن قتل المسلمين المتترس بهم العدو الكافر : لا يجوز : إلا بشرط :
أن يُخاف على المسلمين الآخرين الضرر : بترك قتال الكفار !!.. فإذا لم يحصل
ضرر بترك قتال الكفار في حال التترس : بقي حكم قتل المتترَّس بهم على الأصل
وهو التحريم .. فجوازه إذاً : هو لأجل الضرورة : وليس بإطلاق !!.. وهذا الشرط
لا بد منه .. إذ الحكم كله إعمال لقاعدة دفع الضرر العام بارتكاب ضرر خاص
(الأشباه والنظائر لابن نجيم ص96) .. قال القرطبي رحمه الله :
" قد يجوز قتل الترس وذلك : إذا كانت المصلحة ضروريَّة كلية .. ولا يتأتى لعاقل
أن يقول : لا يقتل الترس في هذه الصورة بوجه !!.. لأنه يلزم منه ذهاب الترس
والإسلام والمسلمين " !!.. الجامع لأحكام القرآن 16/287) ..

أما لو قتل المسلمون المتترَّس بهم : دون خوف ضرر على المسلمين ببقاء الكفار :
فإننا أبطلنا القاعدة التي بني عليها الحكم بالجواز .. فقتل المسلمين : ضرر ا ُرتكب
لا لدفع ضرر عام بل : لمجرد قتل كُفَّار !!.. قال ابن تيمية رحمه الله :
" ولهذا اتفق الفقهاء على أنه : متى لم يُمكن دفع الضرر عن المسلمين : إلا بما يفضي
إلى قتل أولئك المتترس بهم : جاز ذلك " مجموع الفتاوى 20/52) ..
----
فقد يُرد بذلك على ما جاء في موضوعك أخي من أنه لا يجوز قتل المسلم للمسلم
في الحرب عمدا ًعلى الإطلاق .. فماذا يكون الرد ؟!!..
----
3...
ولأني لم أ ُكمل موضوعك أخي لضيق الوقت أقول :

>>> ماذا يكون الرد على مَن فرق بين قتل النفس لداعي الانتحار أو اليأس
أو الألم (عضوي أو نفسي) .. إلخ : وبين قتل النفس لإيقاع الضرر بالعدو والنكاية
به وتكبيده الخسائر وإرهابه ودفع الضرر العام بضرر خاص : وكلها من مواصفات
القتال في الحروب بالفعل أخي : وليس الانتحار ؟!!!..
بل وقد رأينا من شهداء هذه العمليات : مَن هم من حفظة القرآن !!.. ومَن هم
حديثي الزواج أو الخطبة !!.... إلخ (أي أبعد ما يكون عن القنوط ومعنى الانتحار)

>>> وماذا يكون الرد على مَن استشهد (مع فارق العصر والأسلحة) ببعض
أفعال جنود المسلمين في الجهاد والفتوحات : ومنهم مَن كان يترك الدرع أحيانا ً
لغيره : طمعا ًفي الشهادة !!.. ومنهم مَن كان يُقذف خلف أسوار أو حصون العدو
لفتح باب الحصن أو السور : بائعا ًنفسه لله !!.. ومنهم مَن كان يُقسم قسم الشهادة
والموت في سبيل الله : مثلما فعل عكرمة بن أبي جهل رحمه الله يوم اليرموك مع مَن
معه من المسلمين (كانوا أربعمائة رجل) عندما شاهدوا مركز الجيش المسلم سينهار ؟!

والخلاصة :
ماذا يُرد على مَن استشهد بمثل هذه المواقف : على نفي ما جاء من موضوعك أخي
من النهي عن إدخال المسلمين المهالك والمحافظة عليهم حتى في الحرب !!..

وقد سمعنا حتى في الحروب الحديثة كالعاشر من رمضان وحرب الاستنذاف وغيرها
قصصا ًلهجمات استشهادية : أو تضحيات استشهادية من أفراد أيضا ً!!..

والمقصود : ماذا نرد على مَن يقول أنه :
لكل مقام مقال طالما أمكن التأويل : وأن أهل الجهاد أدرى بحالهم من غيرهم ؟!!..

وخصوصا ًأيضا ًوقد نـُقل من أخبار كرامات هؤلاء الشهداء : ما يسر النفس
ويشرح القلب : سواء فيما تبقى من جثثهم بعد تفجيرهم : أو ما ظهر منهم في
رؤى في منام بعض أهاليهم وأ ُناس ٍممَن يعرفونهم ؟!!..

هذا ما جال في خاطري الآن من تعليقات أخي على موضوعك ..
وأحببت لو تزدنا فيه توضيحا ًعلى طريقة عرض الرأي والرأي المخالف ..

هدانا الله وإياك لما يُحب ويرضى ...

horisonsen
09-03-2011, 07:40 AM
الشبهة التاسعة
يجوز في الشرع قتل الكفار وتدمير دورهم، ولو قتل في ذلك بعض المسلمين

كما جوز العلماء التترس بإجماع، قال القرطبي: قد يجوز قتل الترس وذلك إذا كانت المصلحة ضروريَّة كلية ولا يتأتى لعاقل أن يقول لا يقتل الترس في هذه الصورة بوجه , لأنه يلزم منه ذهاب الترس والإسلام والمسلمين ا.هـ
قال ابن تيمية: ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي إلى قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك ا.هـ
الجواب من أوجه :
الأول: أن قتل المسلمين الذين تترس بهم جائز بالاتفاق الذي نقله ابن تيمية، أما تدمير دور الكفار وقتل أنفسهم فهو محرم إذا كانوا في بلادنا معاهدين أو بدخولنا بلادهم، وقد أخذوا العهود والمواثيق على من دخل عليهم بالتزام الأمن وذلك بتختيم جواز الدخول - كما تقدم بيانه – فعلى هذا لا يصح قياس ما حرم الله بما أجاز.
الثاني: أن حالة التترس اضطرارية، وذلك بأن تترس الكفار بمسلمين لقتل مسلمين أكثر أو إفساد مفسدة أكبر ؛ لذا جازت من درء المفسدة الكبرى بما هو أخف، وواقع هؤلاء المفجرين العكس تماماً، فإنهم في غير حالة الاضطرار، وأيضاً يفسدون أكثر مما يصلحون إن كانوا يصلحون شيئاً.

منقول من كتاب "دحض شبهات أهل التكفير والتفجير" للشيخ عبدالعزيز الريس حفظه الله

إلى حب الله
09-03-2011, 11:14 AM
بارك الله فيك أخي horisonsen ..
ولكن ما نقلته لنا أخي مشكورا ً: كان عن حكم عمليات التفجير في غير
بلاد الحرب (وهذه الفتاوى على الأخص تعلقت بما حدث من سنوات في
السعودية من تفجيرات) ..
وأما كلامي الذي أردت الاستفسار عنه : فقد أوضحت أنه يتعلق بدار
الحرب أو جهاد الدفع في بلاد الإسلام المغزوة أو المغتصبة مثل فلسطين
والشيشان وأفغانستان : وقد ميزتها بالوضع بين قوسين أخي لو لاحظت ..
كما أني اقتبست من كلام العلماء ما تعلق بمسألة التترس في ذات الوضع
(والذي فيه جواز قتل المسلم للمسلم) : لبيان أن ذلك القتل فقهيا ًيوجد
للضرورة وليس كما ذكر الأخ مشكورا ًحرمته قطعيا ًعلى طول الخط ..

وجزاك الله خيرا ًمرة ًأخرى على الإفادة ..

المسلم الغيور22
09-04-2011, 08:27 PM
موضوع مهم ولي عوده كوني على عجلة من أمري.

المسلم الغيور22
09-10-2011, 01:13 PM
بارك الله فيك أخي horisonsen ..
ولكن ما نقلته لنا أخي مشكورا ً: كان عن حكم عمليات التفجير في غير
بلاد الحرب (وهذه الفتاوى على الأخص تعلقت بما حدث من سنوات في
السعودية من تفجيرات) ..
وأما كلامي الذي أردت الاستفسار عنه : فقد أوضحت أنه يتعلق بدار
الحرب أو جهاد الدفع في بلاد الإسلام المغزوة أو المغتصبة مثل فلسطين
والشيشان وأفغانستان : وقد ميزتها بالوضع بين قوسين أخي لو لاحظت ..
كما أني اقتبست من كلام العلماء ما تعلق بمسألة التترس في ذات الوضع
(والذي فيه جواز قتل المسلم للمسلم) : لبيان أن ذلك القتل فقهيا ًيوجد
للضرورة وليس كما ذكر الأخ مشكورا ًحرمته قطعيا ًعلى طول الخط ..

وجزاك الله خيرا ًمرة ًأخرى على الإفادة ..



بارك الله فيك على هذا المجهود لاكني أختلف معك ومع من ذهب الى ان قتل المسلم للمسلم يجوز وأستشهدت ذلك من موضوع التترس فالعمل بخلاف الشرع يؤدي إلى نتيجة عكسية وإن كان العقل البشري ضمن المعطيات البشرية يظن أن فيه الخير فكل الخير باتباع الأمر الشرعي وكل الشر بخلاف الأمر الشرعي مهما كان وكل عمل مخالف للشرع حرام يآثم فاعلة.