المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نصيحة للمقتحمين للتفسير ممن ليسوا أهلاً له - جزء 1-



فخر الدين المناظر
09-23-2011, 01:52 AM
نصيحة للمقتحمين للتفسير ممن ليسوا أهلاً له

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أوضح لنا بالفرقان معالم الدين، وأبان بمشارق أنواره مناهج الأدلة للمجتهدين، والصلاة والسلام على محمد إمام المتقين وخاتم النبيين .. أما بعد.

فهذه نصيحة على سبيل الإيجاز لكل من يخوض في تفسير كتاب الله بغير علم، من الإخوة الأحباب سواء على صرحنا المبارك أو في باقي الصروح، وهو تنبيه للغافلين بكل حب وود، حيث ما أردنا النصح إلا خوفا عليهم ومحبة لهم، فقد يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.
وقد كان دأب أهل العلم والفضل التهيب والتحذير من الخوض في كتاب الله تعالى بدون علم، كيف لا والقرآن هو الجامع لمصالح الدنيا والدين، وكلام الله تعالى المبين ،وموثق شديد العرى من الحق المتين. فكان تأخر شيخنا المفسر ابن عاشور – رحمه الله – في إخراج "التحرير والتنوير" من هذا الباب، وهو من هو في علوم الشريعة، فقال رحمه الله في خطبة كتابه:
"ولكني كنت على كلفي بذلك أتجهم التقحم على هذا المجال، وأحجم عن الزج بسية قوسي في هذا النضال. اتقاء ما عسى أن يعرض له المرء نفسه من متاعب تنوء بالقوة، أو فلتات سهام الفهم وإن بلغ ساعد الذهن كمال الفتوة. فبقيت أسوف النفس مرة ومرة أسومها زجرا، فإن رأيت منها تصميما أحلتها على فرصة أخرى، وأنا آمل أن يمنح من التيسير، ما يشجع على قصد هذا الغرض العسير. وفيما أنا بين إقدام وإحجام، أتخيل هذا الحقل مرة القتاد وأخرى الثمام. إذا أنا بأملي قد خيل إلي أنه تباعد أو انقضى، إذ قدر أن تسند إلي خطة القضا. فبقيت متلهفا ولات حين مناص، وأضمرت تحقيق هاته الأمنية متى أجمل الله الخلاص"
فانظر يا رعاك الله، إلى كلام هذا المفسر، - وهو للمثال لا للحصر-، ثم تأمل لقول أهل العلم في من فسر شيئا من القرآن بدون علم :
قال العلامة القرطبي في مقدمة تفسيره " إن من فسر شيئا من القرآن بدون مستند من نقل صحيح أو دليل اقتضته قوانين العلم كالنحو و الأصول و البلاغة فهو متبع لهواه و رأيه المجرد ، واقع في الوعيد الوارد فيمن فسر القرآن بهواه و رأيه ".
ولا يخفى عليكم أيها الأحباب، أن التفسير من أجل العلوم وأشرفها، وأن المنتسب له يطلب فيه ما لا يطلب في غيره من العلوم الشرعية الأخرى، فلا يقدر على سبر أغوار كنوزه واستنتاج هديه وفضائله إلا المستجمعون لأكبر قدر ممكن من الشروط والعلوم مع الالتزام بآدابه.
فالمفسر لابد من أن تجتمع فيه شروط وآداب، وعلوم .

أما الشروط :

فأولها : صحة الاعتقاد احترازا من المغموص عليه في دينه أو المتهم بالإلحاد، أو المنبهر بهواه أو عصبيته، أو المعروف بابتغاء الفتنة.

ثانيها : البدء بتفسير القرآن بالقرآن للعالم الحافظ القادر على معرفة أماكن الإيجاز والإطناب، والإجمال والتبيين، والإطلاق والتقييد، والعموم والخصوص.

ثالثها: طلب التفسير من السنة لكونها شارحة للقرآن الكريم موضحة له.

رابعها: اعتماد أقوال التابعين عند عدم وجود التفسير بأقوال الصحابة شريطة أن تكون تفاسيرهم مروية عن الصحابة الذين شهدوا الوحي وتميزوا بالفهم التام والعلم الصحيح، بحيث يكون المروي عن التابعين صحيحا وفق ضوابط الصحة عند علماء الحديث .. كسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري.

خامسها: اعتماد أقوال الصحابة عند عدم وجود التفسير في السنة.

سادسها: العلم باللغة العربية حتى يتأتى معرفة الظاهر والمجمل والحقيقة والمجاز والعام والخاص.

سابعها: العلم بأصول العلوم المتصلة بالقرآن الكريم كعلم القراءات، والتوحيد ومعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وأصول الفقه وعلوم الحديث.

ثامنها: دقة الفهم لتيسير الترجيح والاستنباط بما ينسجم مع نصوص الشريعة.

فانظر أيها الفاضل هل جمعت هذه الثمانية أولا، وعملت بها في خوضك وتقرير موقفك ؟؟ فإن لم تجمع الشروط فكيف ستجمع الآداب ؟؟، وإن لم تجمعهما معا فكيف ستجمع العلوم ؟!!!

فاحذر أن تكتب مداخلة عريضة تفسر فيها كتاب الله برأيك، والتفسير بالرأي عند الخاصة هو تفسير للقرآن بالاجتهاد، ويسمى عند أهل الصنعة التفسير بالدراية، والمجتهد في هذا الباب ملم بكلام العرب ومناحيهم في القول، عارف للألفاظ العربية ووجوه دلالاتها، واقف على أسباب النزول، عالمٌ بالناسخ والمنسوخ، مشتد عوده في :

- علوم اللغة وما تشمله من دلالات الألفاظ وقواعد النحو والصرف والاشتقاق.

- علوم البلاغة ( البيان - البديع- المعاني )، وقد قال العلامة السكاكي في المفتاح " و فيما ذكرنا ما ينبه على أن الواقف على تمام مراد الحكيم تعالى و تقدس من كلامه مفتقر إلى هذين العلمين المعاني و البيان أشد الافتقار ، فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير وهو فيهما راجل" اهـ.

- علم القراءات.

- علم أصول الفقه.

- علوم القرآن .

- علوم الحديث.

- علم الموهبة.

فالمسألة ما هي بالهزل، فإن لم تجمع بين هذه العلوم فلست بمفسر، حتى وإن كنت علامة زمانك في أحدها.
وقد قال الزمخشري قديما في خطبة الكشاف " إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح و أنهضها بما يبهر الألباب القوارح علمُ التفسير الذي لا يتم لتعاطيه و إجالة النظر فيه كل ذي علم . فالفقيه و إن برز على الأقران في علم الفتاوى و الأحكام , و المتكلم و إن بزَ أهل الدنيا في صناعة الكلام , و النحوي و إن كان أنحى من سيبويه , و اللغوي و إن علك اللغات بقوة لحييه , لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق , و لا يغوص على شيء من تلك الحقائق إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن , وهما : علم المعاني و علم البيان ، و تمهل في ارتيادهما آونة ، و تعب في التنقير عنهما أزمنة ، بعد أن يكون آخذا من سائر العلوم بحظ ، جامعا بين أمرين تحقيق و حفظ ، كثير المطالعات ، طويل المراجعات ، قد رجع زمانا و رجع إليه ورد عليه فارسا في علم الإعراب ، مقدما في جَمَلَة الكتاب ( يعني كتاب سيبويه) و كان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها ، مشتعل القريحة وقادها، يقظان النفس، دراكا للمحة و إن لطف شأنها ، منتبها على الرَمَزَة و إن خفي مكانها" اهـ

وقال العلامة ابن عاشور في مقدمة التحقيقات والأنظار : "و برغم هذا و نحوه ، قد رأينا تهافت كثير من الناس على الخوض في تفسير آيات من القرآن . فمنهم من يتصدى لبيان معاني الآيات على طريقة كتب التفسير ، و منهم من يضع الآية ثم يركض في مجالات من أساليب المقالات تاركا معنى الآية جانبا ، جالبا من معاني الدعوة و الموعظة ما كان جالبا، و قد دلت شواهد الحال على ضعف كفاءة البعض لهذا العمل العلمي الجليل . فيجب على العاقل أن يعرف قدره ، و أن لا يتعدى طوره ، و أن يرد الأشياء إلى أربابها و يأتي البيوت من أبوابها . و على من لا يأنس من نفسه الكفاءة وهو يرغب في إفادة العموم بمعاني القرآن أن يقتصر على نقل كلام المفسرين في التفاسير المشتهرة عازيا ذلك إلى مواقعه مع التحفظ على عباراته . و في الناس طبقة ترتقي كفاءتها إلى درجة تخولها التصرف في جمع كلام المفسرين و ترتيبه و اختصاره . و الواجب على كل راغب في التحلي بذلك أن يدقق النظر في ميزان نفسه ليقف عند الحد الذي يثق به عندها حتى لا يختلط الخاثر بالزباد ، و لا يكون كحاطب في حالك سواد. و بذلك تحصل الفائدة و الاستبراء للدين و العرض، و إن سكوت العلماء على ذلك زيادة في الورطة ، و إفحاش لأهل هذه الغلطة ، فمن يركب متن عمياء و يخبط خبط عشواء ، فحق على أساطين العلم تقويم اعوجاجه و تمييز حلوه من أجاجه ، تحذيرا للمطالع و تنزيلا في البرج و الطالع ." اهـ.
فكيف بالله عليك أيها المقتحم للتفسير، تجيز لنفسك الخوض في غمار هذا البحر، دونما إتقان للصنعة، ولا عارفا للعوم، و لو سألتك في أبحديات هذا العلم، كأنواع المتشابه، ما وجدتك مجيبا إلا بذهابك إلى " محرك البحث غوغل"، أما لو سألتك عن دقائق هذا العلم ما استعطت إليه سبيلا وما وجدتَ غوغل محيطا بشيء منها.

• إياك والتفسير بالرأي المذموم:

والتفسير بالرأي ليس منه الفهم الذي يتفق مع روح الشريعة ويستند إلى نصوصها، بل نعني الرأي المجرد الذي يعتمد فيه الخائض على فهمه الخاص واستنباطه الشخصي، الذي لا شاهد له، ولا قرينة تعضده، نتاجه شطط في كتاب الله، واختلاط المعلوم بالمظنون والموهوم، فهو تفسير ينأى عن مقاصد الشرع، ويطاوع هوى النفوس ومصالح بعض الأفراد والجماعات، وقد ينتصر لعصبية عرقية ومذهبية، أو يتسم بالتعميم والتعتيم في تفسير ما يستوجب التخصيص والتحديد، أو يغوص في باطن الآيات لتأويلها تأويلا بعيدا عما يناسبها في السياق.
ومنها تفاسير غلاة الشيعة والباطنية، وهؤلاء عيال في التكلف عند أتباع القاديانية .. وأيضا بعض العلمويين ممن يتكلفون في التفسير لإخراج ما يعضد مزاعمهم من المتأثرين بنظرية التطور والانتخاب وغيره.
وحكم ذلك الحرمة ، والأدلة على ذلك متظافرة، منها للمثال لا للحصر قول رب العزة :
{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }
{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

ومنها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: " من قال في القرآن برأيه – أو بما يعلم- فليتبوأ مقعده من النار" أخرجه الترمذي والنسائي وأبو داود.
أما ما جاء عن السلف من كبار الصحابة والأئمة في التحرج عن تفسير ما لا علم لهم به فكثير.

وسنقف على بعض هذا الشطط في الجزء الثاني من هذه الهمسة، وأقصد شطط أصحاب نظرية التطور في تفسيرهم لبعض الآيات، فنمحص أقوالهم ونبين مخالفاتهم، وخلل منهجهم.

والله المعين .

يتبع.

مجدي
09-23-2011, 09:55 AM
بارك الله فيك وجزاك الله خيرا فهذا موضوع يجب ان يهتم به الجميع