المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعلان التحسين والتقبيح العقلي ومصدر الأخلاق...



كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-16-2011, 12:49 AM
السَّلاَمُ عَلَيْـــــــــــكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ
الحمدُ لله والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ الله وبعدُ
فمسألة التَّحسين والتَّقبيح من المسائل الَّتي اختلف فيها النّاس على أقوالٍ ثلاثة : ـ
القول الأَوَّل : أَنَّ الحُسْن والقبح إنّما يُدرك بالعقل ، فالعقل هو الحاكم بالحسن والقبح ، والفعل حَسَنٌ أو قبيح في نفسه إِمَّا لذاته ، أو لصفةٍ حقيقيَّةٍ توجب ذلك ، أو لوجوهٍ واعتباراتٍ هو عليها .
وهذا القول يقول به المعتزلة ومن وافقهم .
انظر : المغني للقاضي عبد الجبّار 6/26 ، شرح المقاصد 3/207 ، المعتزلة وأصولهم الخمسة للمعتق ص163 .
القول الثّاني : أَنَّ الحُسْن والقبح إنّما يُدرك بالشّرع ، والعقل لا يدلُّ على الحُسْن أو القبح قبل ورود السّمع ، فلا يجب على العباد شيءٌ قبل ورود السَّمع . وبهذا قال الأشاعرة .
انظر : الإرشاد للجويني ص258 ، شرح المقاصد 3/207 ، الوعد الأخروي 2/695 .
القول الثّالث : وهو القول الوسط ؛ فالتّحسين والتّقبيح للأشياء ليس عقليًّا أو شرعيًّا بإطلاق ، فمن الأشياء ما يعلم حُسنها وقبحها بالعقل ، ومنها ما يُدرك بالشّرع ،ومنها ما يُدرك بهما معًا .
فحسن الصِّدق وقبح الكذب يُدرك بالعقل ، وحُسْن التَّطهّر بالتّراب وقبح التّطيّب في حال الإحرام يُدرك بالشّرع ، ومن الأشياء ما يُعلم قبحها وحسنها بهما معًا ؛ كحسن الصَّلاة ، وقبح تعطيل الحدود .
لكن التَّحسين والتَّقبيح للأشياء على وجه التَّفصيل إنّما يُدرك بالشَّرع فقط .
انظر : مجموع الفتاوى 8/434 ، مدارج السَّالكين 1/231 ، الوعد الأُخروي 2/702 ، المعتزلة وأصولهم الخمسة ص167 .

أبو عثمان
11-16-2011, 01:20 AM
زُبدة .. وأيُّ زُبدة
بارك الله فيك
وزادك بسطة في العلم والجسم :) بحكم برازيليتك
محبك .. حفيد

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-16-2011, 01:25 AM
قال الشيخ العلامة عبد الحليم ابن تيمية رحمه الله :
" والجمهور من السلف والخلف على أن ما كانوا فيه قبل مجيء الرسول من الشرك والجاهلية كان سيئا قبيحا وكان شرا لكن لا يستحقون العذاب إلا بعد مجيء الرسول ولهذا كان للناس في الشرك والظلم والكذب والفواحش ونحو ذلك ثلاثة أقوال :قيل إن قبحها معلوم بالعقل وأنهم يستحقون العذاب على ذلك في الآخرة وإن لم يأتهم الرسول كما يقوله المعتزلة، وقيل لاقبح ولاحسن ولاشر فيهما قبل الخطاب كما تقوله الأشعرية ومن وافقهم وقيل إن ذلك سئ وشر وقبيح قبل مجيء الرسول لكن العقوبة إنما تستحق بمجيء الرسول وعلى هذا عامة السلف وأكثر المسلمين وعليه يدل الكتاب والسنة فإن فيهما بيان أن ما عليه الكفار هو شر وقبيح وسئ قبل الرسل وإن كانوا لا يستحقون العقوبة إلا بالرسل "

د. هشام عزمي
11-16-2011, 02:01 AM
جئتنا بالخلاصة ..

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-16-2011, 02:08 AM
وعليه أي القول الثالث = فالأفعال لها صفات ذاتية تثبت حسنها أو قبحها ، فالصدق حسن ، سواء وجد عقل أو لم يوجد ، سواء وجد شرع أو لم يوجد ، والعقل والشرع معرفان بحسن الأشياء وبقبحها لكن العقل قد يغيب عليه بعض أوجه الحسن ، وقد يغيب عليه بعض أوجه القبح .

فإذن العقل لا يحسن ولا يقبح وإنما هو طريق لمعرفة الحسن والقبح وقد يخفى عليه بعض أوجه ذلك ، وأما الذي لا يخفى عليه شيء من أوجه الحسن والقبح هو الشارع ، والله عز وجل هو الذي خلق الأشياء وهو الذي خلق الأفعال ، فيعرف حسنها وقبيحها فشرعه هو الذي لا يتطرق إليه وجه من أوجه الخطأ في معرفة الحسن والقبح ...

mohamed77
11-16-2011, 02:57 AM
العقل لا يستطيع معرفه الصحيح من الخطا فى الاخلاق و فى الحلال و الحرام ‏

لانه لابد من توفر مرجعيه صحيحه تستند اليها ‏

فمن اين نعلم ان تقبيحنا العقلى صحيح و يجب ان يكون ؟ ‏

الاشاعره هم الراى الصحيح فى رايى ‏،‏ لانه من السذاجه اتباع مجرد شعور بدون الاستناد لمرجعيه مطلقه

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-16-2011, 03:44 AM
يا سفن إنته شو صار فيك استهبلت مرة وحده !!

إلى حب الله
11-16-2011, 01:05 PM
يا سفن إنته شو صار فيك استهبلت مرة وحده !!

أخونا البرازيلي ..... خِف شويه عن محمد 77 .. :):
فحتى الرأي الأشعري الذي اختاره : فبالنظر لنصف الكوب الملآن فيه : فهو يُسلم بوجوب وجود مرجعية أخرى غير العقل تحكم هذا التقبيح والتحسين !!..
وهذه خطوة جيدة وجب تقبلها منه أولا ً: ثم إعادة توجيهها بالحُسنى ثانيا ً.... :41:

ولذلك أقول لمحمد 77 :

الثلاث اختيارات كانوا :

1...
قول المعتزلة :
وهو أن القبح والتحسين بالعقل فقط : ويستحق الإنسان العقاب على ذلك في الآخرة ولو بدون رسالة ..
ويُرد عليهم أولا ًأن الله تعالى لا يُعذب بغير إنذار وبلاغ أولا ً..
وثانيا ً: أن العقل متغير التفكير من شخص لآخر : ومن حال لآخر (ضرورة - شهوة - أثرة في النفس إلخ)
وبمثل هذا يُرد على الملاحدة واللادينيين الذين يُريدون تهميش دور الأخلاق الدينية في الناس ..
ويُرجعونها فقط للعقول .. فبعض كلامهم فيه صحة من جهة (وهو التحسين والتقبيح العقلي الفطري) :
مثل استهجان الشذوذ الجنسي مثلا ً.. واستهجان حرق الهندوس لزوجة المتوفي بعد موته بغير ذنب !
وفيه خطأ من ناحية : وهي التعويل فقط على عقل الإنسان بغير جعل هاديا ًيهديه : وحادا ًيحده ..

2...
قول الأشاعرة :
وهو ما اختاره محمد 77 .. وهو وجوب ركون العقل لمرجع صحيح يعتمد عليه ..
والكلام رغم كونه (ظاهرا ً) يتماشى في حالة الإسلام (ذلك أنه الدين الوحيد الصحيح) :
إلا أن المسلم مُطالب أيضا ًأحيانا ًبتلمس صحيح الدين من بدعه وضعيفه وموضوعه ومكذوبه !!..
بل :
وعند تعميم هذا المبدأ المرجعي وإلغاء دور العقل أيضا ً: فيصطدم بالأديان والمذاهب الأخرى الباطلة : حيث يظن أهل كل دين أو مذهب منها :
أن مرجعيته صحية !!!..
وعليه :
فلو لم يكن للعقل دخل ٌهنا لتمحيص ما وجد عليه آباءه من دين او مذهب : واستخدام الاستقباح أو التحسين
الفطري في التمييز بين صحيحه وعقيمه : لكنا أقررنا بذلك لكل أصحاب ذين او مذهب على باطلهم وضلالهم !
ولكان ذبح الفتيات في الديانة البوذية أحياء وسلخهم وأكلهم حسن من وجهة نظرهم !!..
ولكان اشتراك رجال البيت الواحد في الزواج بامرأة واحدة مشاعا ًبينهم كما في هضبة التبت : ليس مُستهجنا ً!
وإنما يتبين من ذلك وذاك :
أهمية قيام العقل بدوره المُكمل : للتثبت من التحسين والتقبيح الفطري الذي بداخله :
والبحث عنه فيما يقع حوله أو في ديانته أو في مذهبه من أخلاق وأعراف وقيم !!..
ومن هنا : يسقط هذا الرأي أيضا ً..

3...
قول أهل السنة والجماعة : مذهب الحق ..
وهو الوسط كما اعتدنا منه دوما ًفي وسطية الإسلام الدين الخاتم ..
فلا هو مال للعقل بالكلية : ورأى فيه استغناءً عن أي مرجعية أخرى تقوده وتحده .. فكان على هذا كل إنسان :
إلها ًلنفسه !!..
ولا هو مال للمرجعيات الخارجية : فترك العقل تابعا ًلها غير متفكر فيها ولا متفحص : فضل وأضل بعدد ما في
الدنيا من أديان ومذاهب باطلة ومحرفة !!..

وإليكم الآن هذه المشاركة :
كنت قد شاركت بها في أنصار السنة وقت توقف المنتدى : مع أحد الزملاء اللادينيين عن أصل الأخلاق ..
حيث أحببت أن أوضح له فيها أن الأخلاق بالفعل : ليست وليدة الدين فقط : وإنما تعتمد على تدخل الفطرة أيضا ً..
كما أحببت أن أبين له : فائدة الأخلاق الدينية في الإسلام : لضبط الأخلاق والتصرفات البشرية عموما ً..
فقلت :
------

الزميل س..
قد خلق الله تعالى الإنسان : حرا ًمختارا ًلأفعاله وأقواله : بما وهبه له من حرية اختيار ..
ووهبه في ذلك : مَلكة العقل والتفكير بالصورة التي تميزه عن دونه من الحيوانات وخلق الله ..
وعندما يُوهب مخلوق ٌحرية الاختيار والعقل والتفكير : فذلك يضعه في محك اختبار ..
إذ صار لديه منطقيا ً: سبيلين في الحياة ..

سبيل الخير (حتى ولو كان فيه تعبه منطقيا ًمثل الإيثار والتضحية إلخ) ..
سبيل الشر (حتى ولو كان فيه راحته منطقيا ًمثل الزنا والسرقة والنفاق إلخ) ..

وقد رسّخ الله تعالى معرفة الإنسان (فطريا ً) بهذين الطريقين (وهو ما يمكن تسميته بالضمير) في قوله عز من قائل :
" ونفس ٍوما سواها .. فألهمها : فجورها !!.. وتقواها !!..
قد أفلح : مَن زكاها .. وقد خاب : مَن دساها " !!.. سورة الشمس ..

وعلى هذا قام هذا الاختبار الدنيوي لي ولك من بعد ما جاءتنا الرسل .. يقول أيضا ًعز وجل :
" الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم : أيكم : أحسن عملا ً" !!.. سورة الملك ..

ومن هنا ..
فصوابٌ ما قلته زميلي من أن البشر (كل البشر) : لديهم بداخلهم حدا ًأدنا ًمن (البوصلة الطبيعية الفطرية) لمكارم ومحاسن الأخلاق عموما ً..

وقولي عموما ً:
أعني به الخطوط العريضة لتلك المكارم والمحاسن : وليس بالتفصيل ..
لأن تحديد هذه المكارم والمحاسن بالتفصيل : يجب أن يكون من اختيار خالق البشر : وهو الكامل سبحانه في معرفة الصواب والأصوب ..
< مثال .. بر الوالدين مكرمة أخلاقية .. ولكن الدين يُركز على أهمية بر الأم أكثر من الأب !!.. وتقسيم ميراث الميت بين والديه وأبنائه وأقاربه : من محاسن الأخلاق ومكارمها .. ولكن : كيف لنا أن نفاضل بين تلك الأنصبة من دون الله عز وجل ؟!!.. إلى غير ذلك من عشرات الأمثلة >
>>> 1
ومن هنا نخرج بأول فائدة للدين وهي :
أنه يأتينا بـ (تفاصيل مكارم ومحاسن الأخلاق : وكيفية توجيهها والتفاضل بينها) ..

وعليه نفهم قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح :
" خياركم في الجاهلية : خياركم في الإسلام : إذا فقهوا " رواه البخاري ومسلم ..
حيث يُعيد الإسلام توجيه وتفاضل هذه الأخلاق من جديد في الوجهة الصحيحة :
فيستبق منها ما بقي على أصله الحسن .. ويُقوّم منها ما يحتاج لذلك بمقداره ..
------

حسنا ً..
ومن الجهة الأخرى زميلي .. فهناك في كل إنسان ما يُعرف بـ (الهوى) !!!..
وذلك الهوى : لا يكون بالضرورة تابعا ًللعقل أو معرفة الصواب والخطأ !!..
فهناك مَن يعرف بخطأ خيانته لجاره بالزنا بزوجته مثلا ً: ومع ذلك يأتيه !!..
وهناك مَن يعرف بأن سرقة رجل عجوز في الطريق (حتى لو اضطر لضربه وقتله إذا قاوم) : هي خطأ (والدليل أنه لا يرضاها لنفسه أبدا ًإذا كان هو موضع هذا الرجل الكبير !!) ..
والأمثلة على تحكم الهوى في النفس وغلبته على التفكير العقلاني : لا يسعها أسفار ٌزميلي !!!..
منها كفر الجاحد والمكابر !!..
ومنها الظلم !!..
ومنها الكذب !!..
ومنها ومنها ومنها .... إلخ

فإذا توغلنا داخل نفس وتفكير الإنسان لحظة قيامه بهذا الخطأ (وهو يشعر بخطئه) : لوجدناه في تلك اللحظة يختلق لنفسه المبررات والأعذار : ثم يقوم بتغليبها في موقفه على فطرة الصواب والخطأ المزروعة فيه : ويظن في هذا الصراع النفسي القصير : أنه بذلك قد أوجد لنفسه المخرج : فيقتنع به : وعليه يقوم بجريمته !!..
>>> 2
وهنا : نأتي لثاني فائدة للدين : حيث يعمل بكل وضوح كـ (مرجع) للأخلاق والأفعال والأقوال :
يشعر مَن اتبعه بالسكون (حتى ولو تعب) .. ويظل يتألم ويتحسر مَن خرقه (حتى ولو عاش ملكا ً) !!..
بل : ويُعطي هذا الدين قواعد (مرجعية) عدة للإنسان : يتبين من خلالها الصواب والخطأ بوضوح !!..

مثل القاعدة الهامة في قول الله تعالى مثلا ًعن الخمر والميسر (أو القمار) :
" فيهما إثم ٌكبير (أي فيما يترتب عليهما من جرائم السكرانين أو ضياع مال المقامرين وما يجرهم ذلك للمصائب المتسلسلة) .. ومنافع للناس (أي من بيع وشراء ومكسب مادي ونحوه) .. وإثمهما : أكبر من نفعهما " !!.. سورة البقرة ..
وعليه : جاء الأمر باجتنابهما (والاجتناب أشد درجات التحريم) ..
-------

شيء آخر نلمس منه أهمية أخرى للدين وهو : إعطاء الدين الخبرة النهائية لنتائج الأفعال والأقوال : لأن هذا الدين هو من عند خالق البشر الحكيم العليم ..
يقول تعالى عن نفسه :
" ألا يعلم مَن خلق : وهو اللطيف الخبير " ؟!!.. سورة الملك ..

وعندما أقول (النتيجة النهائية) ومآل (الأقوال والأفعال) : فيجب الاعتراف معها هنا بقصور عقل الإنسان عن كل ذلك !!!..
فليس هناك من البشر مَن يمكن وصفه مثلا ًبأنه عالم بصواب كل شيء !!!..
بل : وفي المراحل العمرية المختلفة للإنسان : يختلف عقله وتفكيره وحكمه في الأشياء من مرحلة عمرية لأخرى !!..
< حيث من المفترض أنه كلما مضى بنا العمر : نزداد اتزانا ًفي الحكم على الأشياء : وربما تعجبنا من أشياءٍ في الماضي كنا نفعلها أو نتبعها مثلا ً>
وإذا كان رسول الله موسى عليه السلام (وهو من أولي العزم من الرسل) :
ظن في نفسه قدرته الصبر مع العبد الصالح الخضر على ما سيرى من أعاجيب !!!..
حيث قال له العبد الصالح :
" إنك لن تستطيع معي صبرا ً" !!..
فقال له موسى عليه السلام :
" ستجدني إن شاء الله صابرا ً: ولا أعصي لك أمرا ً" !!!..
والآيات من سورة الكهف ..

فهل صدق ظن موسى عليه السلام في نفسه ؟!!!..
أقول ..

فإذا كان هذا هو أحد أعظم أنبياء الله وأكملهم جلدا ًوصبرا ًوعلما ًصلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين !!!..
فما بالنا بفتاة تحترف الخروج ليلا ًمع أصدقائها من الشباب : بل وربما السفر معهم أيضا ًلأيام بمفردها :
وهي في كل ذلك تظن في نفسها أنها تستطيع البعد عن المعصية وعدم الوقوع في الفاحشة والزنا ....
فتقع !!..

وكيف بمَن يحترف الخروج مع الشباب الضائع الذي يشرب الدخان والمسكر والمخدرات ويُعاكس و و و و
وهو يظن في نفسه العصمة والقوة والمنعة ....
فيقع !!..

وكيف بمَن أورد نفسه موارد الاختلاس : فوقع !!..
ومَن أورد نفسه موارد الرشوة : فوقع !!..
ومَن أورد نفسه موارد الشبهات والإلحاد والكفر : فوقع !!..
>>> 3
ومن هنا : ففائدة أخرى للدين هي : أنه يعطيك (النتائج المبكرة للأعمال والأقوال والأخلاق والسلوكيات ومآلات كل منها) : من لدن حكيم خبير ..

ولا يقدح في ذلك أن يقول قائل ٌمثلا ً: فلانة كانت تخرج وتفعل وتفعل وتفعل : ولم تقع في الزنا !!..
وذلك : لأن هناك العشرات غيرها فعلن : ووقعن !!.. وغيرها دخلن في خلوة مع الرجال الأجانب : فوقعن !!..
------

وهناك أيضا ًمن العادات والتقاليد (سواء الاجتماعية أو الدينية) : ما ينشأ عليه الناشيء : ويظنها حسنة (وهي غير ذلك) !!!..
ومع تكرارها أمامه طوال عمره (وربما يكون قد شارك فيها بنفسه) :
تنطمس بوصلة الصواب والخطأ بداخله : أو يخبو بصيص نور ضميره وفطرته !!!..
فمن أين له بمَن يجلو له كل ذلك :
إن لم يكن دينا ًمن لدن رب العالمين لا يأمر بالفحشاء والمنكر وهو الواحد الأحد ؟!!!..

وبرغم إقرار الإسلام للأعراف إذا لم يكن فيها حراما ً" وأمُر بالعرف " ..
إلا أن كثيرا ًمنها يُعد من العادات الاجتماعية السيئة ..!

فمنها مثلا ً: ما يحدث عندنا في مصر في بعض القرى والمناطق الشعبية وغيرها : من عادة فض غشاء بكارة الزوجة بالأصبع ليلة البناء (أو ليلة الدخلة) !!!..
وما يستتبع ذلك من ألام وعـُقد نفسية وعاطفية ومشاكل صحية قد تفضي لنزيف حاد أو حتى موت !!..

ومنها أيضا ً: ذبح الزوج لزوجته قطة !!!..

ومنها كذلك : إجبار الزوج لزوجته على الإنحناء على الأرض لتقبيل قدم أمه !!!..
وإليك زميلي رابط لأعاجيب وغرائب عادات الزواج في بعض مناطق العالم :
http://women.bo7.net/girls38368
وكان في الجاهلية أنواع من الزواج التي يتنكرها الشرع والفطرة السليمة (وتجد شبيهها في الرابط المرفق في زواج بعض مناطق التبت : حيث تصبح الزوجة مشاعا ًبين الإخوة يجامعها الكل والعياذ بالله !!)

وأما الفرق بين تلك المناطق وبين بلاد العرب مثلا ً: أن الأخيرة استنارت بنور الإسلام : فقوم معوج أخلاقها وعاداتها ..
وأما أمثال تلك المناطق : فلم تزل ترفل في ظلمات الجهل والهوى والعادات السيئة !!!..

ومنهم مَن كان يرى أن المرأة نجسة في المحيض : يُمنع الاقتراب منها أو مؤاكلتها : بل وتمتد النجاسة لكل ما تلمسه (كاليهود وبعض الأمم القديمة) ..

ومنهم مَن كان يحرقها إذا مات زوجها (كما في الهند) !!..

ومنهم مَن كان لا ينظر إليها إلا على أنها متاع جنسي فقط (كما كان عند الرومان القدامى مثلا ً- قرية بومباي كمثال : وهي التي أحرقها البركان وبقيت آثار الزناة فيها لليوم متحجرين - وكما يحدث في أوروبا الآن وأمريكا وسائر دول العالم من امتهان قبيح لجسد المرأة في الدعاية والإعلان والسينما وغيره - وقصة الفتاة السويدية آنيا كارلسون مع طمسها لصور كلوديا شيفر كمثال) ..

وأما على صعيد العادات والطقوس الدينية الفاسدة : والتي أتى الإسلام بتقويمها لدى الكثير من الأمم التي فتح قلوبها قبل بلادها : فمثل عادة ذبح قرابين من البشر !!.. وهي بالمناسبة : ما زالت إلى اليوم في الدول التي لم يمسها الإسلام أو انحسر عنها في شرق ووسط وجنوب آسيا !!..
ويمكن لمن يريد :
لدي رابط لمثل ذلك بالصور .. ولكنها ليست لضعيفي القلوب للأسف ..
وذلك فقط : لنقف على عظمة الإسلام عندما انتشل أمما ًمن مثل ذلك !!..
>>> 4
ومن هنا : نعلم فضل الدين على (تقويم فاسد العادات والتقاليد الاجتماعية والدينية) التي قد ينشأ عليها الإنسان أو حتى مجموعة من البشر : فيستحلونها مع الوقت : وتنطمس بها أنوار فطرتهم وضمائرهم كما قلنا ..
-------

>>> 5
ومن النقطة السابقة يمكننا استنتاج نقطة أخرى أيضا ًمتفرعة عنها وهي : أن الإسلام : به (منظومة أخلاقية وتشريعية كاملة) لمَن يريد : ولمَن أراد الانسلاخ التام أيضا ًمن بيئة الكفر ومجتمعه الذي كان به .. أي أني لو نشأت مثلا ًفي دولة كفر وفساد طيلة حياتي : ثم تعرفت على الإسلام : فلامست فطرته فطرتي : ولامست بساطته وصدقه قلبي وعرفت أنه أصلي : فقررت الانضمام إليه : فلن يضيرني في شيء الانخلاع من كل ما نشأت فيه : والاصطباغ بصبغة الإسلام : ففيه ما يكفيني وزيادة كنظام حياة متكامل ..
------

وأما بالنسبة لـ (نسبية الأخلاق) : وسأخص هنا بالذكر مسألة الشذوذ الجنسي التي (( يظن )) فاعليها أنها : لا ولن تضر أحدا ًغيرهم : أقول :
هل تذكرون نقطة (إعطاء الدين الخبرة النهائية لمآل الأفعال والأخلاق والسلوكيات) الماضية ..
وذلك عندما ذكرنا فيها كيف أن الإنسان قد يظن بنفسه سلوكا ًمعينا ً: ثم لا يقدر أو يصبر عليه ؟!..
ورأينا كيف ظنت الفتاة المستهترة الاستبقاء على عفتها وسط الحرام : فلم تقدر .. إلى آخر ذلك من الأمثلة ..

أقول ..
الشذوذ الجنسي فضلا ًعن مضاره النفسية والسلوكية والعضوية والصحية الخطيرة على فاعليه : وفضلا ًأيضا ًعن أنه انتكاس ٌفي الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها ..
فهو يتخطى آذاه لغير فاعله أيضا ًللأسف !!!..
حتى ولو ظن فاعله في باديء الأمر أنه لن يؤذي أحدا ًبفعلته (فهناك ما يفوق الإنسان من المؤثرات التي لم يكن يُقيم لها وزن) ..
فإن هناك في حياة الإنسان مقدمات :
معلوم ٌنتائجها مقدما ًيقينا ًمهما عاند المعاندون وكابروا !!..
هي مقدمات أشبه بمَن يقفز من فوق الجبل : فهل يشك أحد في سقوطه لأسفل ؟!..

وعليه ...
فبالبحث في مغتصبي الأطفال : تجد جلهم شاذين !!!..
وبالبحث في الأمراض الفتاكة التي تنتقل من الشاذ جنسيا ًإلى الغير شاذ (وقد تكون المسكينة زوجته أو أبنائه) :
تجد بعض الأمراض تنتقل باللمس وهناك بالدم وثالث برذاذ العطس ورابع بالمني وخامس باستخدام الأدوات الشخصية !!..

وللمزيد من المعلومات عن هذه المسألة :
فهذا رابط موضوع : حوار مع مسلم <اضغط هنا> (http://altwheed.blogspot.com/2011/10/blog-post_7594.html)
وهذا رابط النقطة 20)) الرد على أدعياء الحرية المطلقة والشذوذ <اضغط هنا> (http://altwheed.blogspot.com/2011/10/20.html)
>>> 6
ومن هنا : فالإسلام يأتي كحد فاصل للبت في نظر الناس المختلف لـ (نسبية الأخلاق) !!.والعجيب : ليس على مستوى الأفراد فقط وإنما : على مستوى الأمم والجماعات والمباديء والقيم والأنظمة العالمية الحديثة أيضا ً!!..
والإسلام في كل ذلك أظهر : كمالا ًأخلاقيا ًنفسيا ًواجتماعيا ً:
تضاءل بجواره كل ما عداه من الأمراض المهلكة للإنسانية والأخلاق والشعوب في شرق الأرض وغربها !!..

فهذا رابط للقراءة باسم :
أقوى ثلاثين دليلا ًلنقد فخ العلمانية والليبرالية والدولة المدنية <اضغط هنا> (http://altwheed.blogspot.com/2011/10/blog-post_2657.html)
وهذا رابط أخير للتجول في أقوال المنصفين عن النبي محمد والإسلام والقرآن :
<اضغط هنا> (http://altwheed.blogspot.com/search/label/%D8%A3%D9%82%D9%88%D8%A7%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D9%8 5%D9%86%D8%B5%D9%81%D9%8A%D9%86%20%D8%B9%D9%86%20% D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A%20%D9%85%D8%AD%D9%85 %D8%AF%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A 7%D9%85%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9% 86)

وأخيرا ًزميلي (ولأنك خاطبتنا بالدينيين في أول مشاركتك) ...
فهل أنت ملحد لا تؤمن بإله خالق ؟!!..
أم لا ديني (ربوبي) ؟!!..
فقط سؤال للتعارف والوقوف على رؤيتك للأخلاق كبشر ..!

وأختم بالمقطع الفيديو التالي عما وصلت له الأخلاق في الصين (ومثله في أوروبا وأمريكا : لا مبالاة متناهية بالغير) : طفلة عامان تصطدمها سيارتان في وسط السوق وتلقى على الأرض بين الحياة والموت : ولا يلتفت إليها عشرات الأشخاص ممن يمرون عليها أو بجوارها : إلا امرأة في الـ 58 من عمرها في آخر الأمر : ولكن .. بعد فوات الأوان ..!

والتفاصيل ومقطع الفيديو في الرابط التالي :
http://www.shorouknews.com/news/view.aspx?cdate=22102011&id=7092b900-0fc5-48e0-9874-6620e42c6e59
فهل يمكن تصور أو تخيل مثل هذا الموقف في بلاد الإسلام ؟!!!..
والله المستعان ..

< ملحوظة : يمكن لأحد الإخوة أو الأخوات تلخيص كلامي بالأعلى في نقاط : ومن ثم الزيادة عليه لإثراء المسألة >

حسن المرسى
11-16-2011, 02:44 PM
كنت قد كتبت هذه سابقاً ..


b]
نماذجٌ من الضُّلاّلِ فى بـابِ الحكمةِ ..

التقبيح والتحسين .. طرفين ووسط ..
أهل السنة بين الأشاعرة والمعتزلة

فالأشاعرة ..
قالوا أنه لا يَحسُن الحسن .. ولا يقبح القبيح عقلاً ..
وإنما الشرع هو ما يقرر الحسن والقبيح ..
وجوزوا الأمر بالمنكر وقتل الأطفال وتعذيب المجنون والصغير إذا جاء الشرع بذلك ..
سالبين الأفعال ما أودعه الله فيها من حسن وقبح يُعلم عقلاً وفطرةً ..
وزعموا أن الحُسن والقُبح لا يعود لنفسِ الفعل ..
وإنما يعود إلى عادة مجردة أو وهم أو خيال أو مجرد الأمر والنهى ..
وزعموا أن الحكمة هى مطابقة المعلوم للعلم ..
ووقوع المقدور على وفق القدرة ..
نافين الحكم والغايات .عن الأمر والنهى وأفعال الله تعالى ..
مفسرين لها بالعلم والقدرة .. وزعموا أن المشيئة هى المحبة ..
فما شاءه الله هو ما أحبه وما لم يشئه هو ما أبغضه ..
وما يلزم ذلك من لوازم عدم التفريق بين المشيئة الشرعية والكونية ..
وإنما كان ذلك منهم لأنهم قاسوا صفات الله وأفعاله على صفات المخلوقين ..
فلما رأوا قتل الأطفال وإيلام الحيوان وغرق وإحتراق البعض ..
وقاسوا قبح ذلك من العباد على أفعال الخالق ..
نفوا كون هذه الأفعال قبيحة لذاتها ..
فأُتوا من باب تشبيه وقياس أفعال الله على أفعال البشر ..
وكان مخرجهم كالنعامة التى تدفن رأسها فى الرمال لتتقى الخطر .. وما زاولته بعد ..
والمعتزلة ..
أثبتوا قبح وحسن الأفعال عقلاً وفطرة ..
وأنها مستلزمة لوجود الحكمة فيها وإنتفائها ..
لكنهم أعادوا تلك الحكمة إلى المخلوق ولم يعيدوها إلى الخالق عز وجل على فاسد أصولهم فى نفى قيام الصفات به ..
فقاسوا حكمة الله على حكمة العباد .. ولزمهم من ذلك إنتفاء الحكمة فيما يستهجنه عقل البشر من قضاء الله تعالى فى الكون ..
ثم إنهم أوجبوا على الله تعالى فعل الأصلح للعباد وحرموا عليه فعل ما يضرهم ...فلزمهم من ذلك اللوازم الشنيعة ..
لعل أشهرها مثال الأشقاء الثلاثة ** ..
وذهبوا أن التكليف إنما مرده الى العقل الحاكم بقبح وحسن الأفعال لذاتها .
دون حاجة الى شرع يقرر .. .رغم تفاوت العقول وتباينها ..
فلزمهم مذهب البراهمة الهنود فى نفى الحاجة إلى البعثة والنبوات ...

*** ووجه دخول هذا الكلام فى موضوع الحكمة ..
هو إختلافهم حول أفعال الله عز وجل .. بعد إختلافهم فى أفعال العباد ..
فبحثوا كون الكذب وقتل الأطفال .. وإنقاذ الغريق والمحترق .. هل تقبح هذه الأفعال أم تحسن ... ؟
فمن قائل لا تقبح ولا تحسن عقلاً (( وهم الأشاعرة )) بل قالوا إنما ثبوت حسنها وقبحها بالشرع
وإحتجوا بأن الله سبحانه وتعالى قضى قتل الأطفال وغرق البعض وإحتراق الآخرين ..
ولا يمكننا نسبة القبيح إلى الله ( فنفوا التحسين والتقبيح العقلى )
وعلى الجانب الآخر قال (( المعتزلة )) بقبح وحسن الأفعال عقلاً ..
لكنهم نفوا الحكمة عن أفعال الخالق وحكموا على أفعاله بعقولهم وحكمتهم هم ..
فلزمتهم من اللوازم الشنيعة ما يسقط مذهبهم ..
حيث أوجبوا على الخالق فعل الأصلح لعباده وحرموا عليه فعل خلاف ذلك ..
أما أهل السنة ..
فقالوا أن الحُسنُ والقُبحُ صفات ثبوتية للأفعال معلومة بالعقلِ والشرعِ ..
وأن الشرعَ جاء بتقريرِ ما هو مستقرُ فى الفطرِ من تحسين الحسنِ وتقبيح القبيحِ والنهى عنه ..
وأن الشرعَ لم يأتِ بما يخالف العقل والفطرة ..
وإنما جاء بما تعجز العقول عن أحواله والإستقلال به ..
فالشرائع قد تأتى بمحارات العقول لا محالاتها ..
وفرق بين ما لا تدرك العقول ما حسنه وبين ما تشهد بقبحه ..
وأثبتوا الحكمة لله عز وجل وأنه لا يفعل شيئاً خالياً عن حكمة ...
بل كل أفعاله مقصودة لعواقبها الحميدة ..
وغاياتها المحبوبة له سبحانه وتعالى ..
وخالفوا المعتزلة فى أن حكمة الله عز وجل حكمة تليق به لا يشبه خلقه فيها ..
بل نسبتها إليه كنسبة صفاته إلى ذاته ..
فكما أنه لا يشبه خلقه فى صفاته .. فكذلك فى أفعاله ..
ولا يصح الإستدلال بقبح القبيح وحسن الحسن منهم .. على ثبوت ذلك فى حقه تعالى ..
والله أعلم ..
أكثره من كلام إبن القيم ..

[/b]
_________________________________

** سأل أبو الحسن الأشعري أبا علي الجبائي (( من كبار المعتزلة )) عن ثلاثة إخوة لأب وأم مات أحدهم صغيرا وبلغا الآخر فاختار لإسلام وبلغ الآخر فاختار الكفر فاجتمعوا عند رب العالمين فرفع درجة البالغ المسلم فقال أخوه الصغير: يا رب! ارفع درجتي حتى أبلغ منزلة أخي. فقال: إنَّك لا تستحق، إنَّ أخاك بلغ فعمل أعمالا استحق بها تلك الدرجة. فقال: يا رب! فهلا أحييتني حتى أبلغ فأعمل عمله!؟. فقال: كانت تلك لمصلحة تقتضي اخترامك قبل البلوغ، لأنِّي علمت أنَّك لو بلغت لاخترت الكفر فكانت المصلحة في قبضك صغيرًا؟ قال: فصاح الثالث بين أطباق النار، وقال: يا رب! لِمَ لم تمتني صغيرًا ؟!
- فما جواب هذا أيها الشيخ؟!
- فلم يرد إليه جوابًا.[/QUOTE]

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-16-2011, 07:02 PM
تميم بن عبد العزيز القاضي

الحمد لله ، وبعد :

تمهيد :

أولاً : علاقة المسألة بمسألة الحكمة والتعليل :

البحث في مسألة التحسين والتقبيح يعتبر أثرا للخلاف في مسألة الحكمة والتعليل في أفعال الله، هل يحكم عليها بالعقل أو لا؟ فمن أثبت الحكمة والتعليل في أفعاله تعالى قال بالحسن والقبح العقلي، ومن نفي الحكمة والتعليل –كالأشاعرة - نفي الحسن والقبح العقليين كما سيأتي بيانه .

قال ابن القيم مبينا هذه العلاقة بين هذين الموضوعين : وكل من تكلم في علل الشرع ومحاسنه وما تضمنه من المصالح ودرء المفاسد فلا يمكنه ذلك إلا بتقرير الحسن والقبح العقليين، إذ لو كان حسْنُه وقبحه بمجرد الأمر والنهي لم يتعرض في إثبات ذلك لغير الأمر والنهي [1].

فلما قالت المعتزلة بالتحسين والتقبيح العقليين، نتج عن ذلك قولهم أن من يفعل لا لغرض يكون عابثا، والعبث قبيح، فثبت أن أفعاله يجب أن تكون لأغراض وحكم .

ولما قالت الأشاعرة إن العقل لا يحكم بحسن ولا قبح، بل ذلك مقصور على الشرع، والأفعال في أنفسها سواء قبل ورود الشرع، وليس الحسن والقبح صفتين ذاتيتين للأشياء، قالوا :إن أفعاله تعالى ليست معللة بالأغراض والغايات، ونفوا بناء على ذلك الحكمة على ما سبق بيانه .

ثانياً :تاريخ المسألة .

1- تاريخها في هذه الأمة :

أول من بحث هذه المسألة من أهل الكلام هو الجهم بن صفوان، حين وضع قاعدته المشهورة:(إيجاب العارف بالعقل قبل ورود الشرع [2]

وقال : إن العقل يوجب ما في الأشياء من صلاح وفساد وحسن وقبح، وهو يفعل هذا قبل نزول الوحي، وبعد ذلك يأتي الوحي مصدقا لما قال به العقل من حسن بعض الأشياء وقبح بعضها

وقد أخذ بهذا القول المعزلة –كما سيأتي إن شاء الله تفصيل مذهبهم -وبنو عليه أصلهم، وأخذه عنهم الكرامية [3]

2- تاريخها قبل هذه الأمة .

القول بالتحسين والتقبيح العقليين قد جاء -قبل الإسلام - من بعض الديانات الهندية، وهو قول التناسخية، والبراهمة، والثنوية، وهم -كما يقال -الذين وضعوا البذور الأولى للقول بإيجاب المعارف عقلا [4]

ثالثاً :تحرير محل النزاع .

-اتفق الجميع على أن من الأشياء ما لا يدرك إلا بالشرع، كبعض تفاصيل الشرائع والعبادات .

- وأما بالنسبة لمعاني الحسْن والقبح فتطلق على ثلاثة أشياء ببيانها يتضح محل النزاع :

المعنى الأول :أن يراد بالحسن والقبح : ما يوافق غرض الفاعل من الأفعال وما يخالفه، أو ما يطلق عليه : الملائمة والمنافرة للإنسان ...فهذا معلوم بالعقل بالاتفاق فإنه قد يعنى بالحسن والقبح كون الشيء ملائما للطبع أو منافرا له، وبهذا التفسير لا نزاع في كونهما عقليين . فما وافق غرض الفاعل يسمى حسنا ويدرك بالعقل، كحسن قتل العدو، وهو ما يسمونه مصلحة أوملائمة طبع، وما خالف غرض الفاعل يسمى قبيحا، كالإيذاء، ويسمىمفسدة أو منافرة للطبع، قال شيخ الإسلام في التدمرية في كلامه على مسألة الحسن والقبحفإنهم اتفقوا على أن كون الفعل يلائم الفاعل أو ينافره يعلم بالعقل، وهو أن يكون الفعل سببا لما يحبه الفاعل ويلتذ به، أو سببا لما يبغضه ويؤذيه [5] .

وقال كذلك: والعقلاء متفقون على كون بعض الأفعال ملائما للإنسان، وبعضها منافيا له، إذا قيل هذا حسن وهذا قبيح، فهذا الحسن والقبح مما يعلم بالعقل ...ولا ريب أن من أنواعه ما لا يعلم إلا بالشرع، ولكن النزاع فيما قبحه معلوم لعموم الخلق، كالظلم والكذب ونحو ذلك [6] .

- والحسن والقبح بهذا المعنى اعتباري نسبي، وليس ذاتيا،فإن قتل زيد مثلا مصلحة لأعدائه ومفسدة لأوليائه .[7]

-ا لمعنى الثاني : أن يراد بالحسن والقبح : كون الشيء صفة كمال أو صفة نقص، كقولنا :العلم حسن، والجهل قبيح، ولا نزاع هنا -أيضا -في كونهما عقليين .

ويرى شيخ الإسلام أن هذا المعنى راجع للمعنى الأول، لأنه عائد إلى الموافقة والمخالفة، وهو اللذة والألم، فالنفس تلتذ بما هو كمال لها، وتتألم بالنقص، فيعود الكمال والنقص إلى الملائم والمنافي [8]

فلا نزاع في هذين المعنيين بين أهل الكلام أنهما عقليان يستقل العقل بإدراكهما [9]

- المعنى الثالث :أن يراد بالحُسْن والقُبْح :كون الفعل يتعلق به المدح والثواب، و الذم والعقاب .

فما تعلق به المدح والثواب في الدنيا والآخرة كان حسنا، وما تعلق به الذم والعقاب في الدنيا كان قبيحا .

فهذا المعنى هو الذي وقع فيه الخلاف

وقال الرازي : وإنما النزاع في كون الفعل متعلق الذم عاجلا وعقابه آجلا، وفي كون الفعل متعلق المدح عاجلا، والثواب آجلا، هل يثبت بالشرع أو بالعقل ... [10]

وفيما سيأتي بإذن الله نذكر أهم قوال في ذلك .

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-16-2011, 07:06 PM
الفصل الأول : مذهب المعتزلة في التحسين والتبيح

المبحث الأول :تقرير مذهبهم :

ذهبت المعتزلة إلى القول بالتحسين والتقبيح العقلي، ولعل مذهبهم يتضح من خلال النقاط التالية :

1- ذهبوا إلى إثبات الحسن والقبح بالعقل وجعلوا حسن الأفعال وقبحها للعقل فقط .

2- قالوا :إن حسن الأشياء وقبحها صفتان ذاتيتان في الأشياء، والفعل حسن أو قبيح، إما لذاته، وإما لصفة من صفاته اللازمة له، وإما لوجوه واعتبارات أخرى [11] ولذا قالوا بإمكان إدراكها بالعقل.

3-أما الشرع فجعلوه كاشف ومبين لتلك الصفات فقط .

4-ونتيجة لذلك جعلوا استحقاق الثواب والعقاب على مجرد معرفة العقل حسن الأفعال وقبحها ولو لم تبعث الرسل .

وإليك ذكر طرف من أقوالهم الكاشفة لحقيقة مذهبهم في ذلك :

- قال ابن المرتضي [12]: إنما يقبح الشيء لوقوعه على وجه من كونه ظلما أو كذبا أو مفسدة، إذ متى علمناه كذلك علمنا قبحه، وإن جهلنا ما جهلنا، ومتى لا فلا، وإن علمنا ما علمنا [13]

- قال عبد الجبار الهمذاني المعتزلي في كتابه :(شرح الأصول الخمسة ):(قد ذكرنا أن وجوب المصلحة وقبح المفسدة متقرران في العقل [14].

- وقال في كتابه :(المغني في أبواب التوحيد ):(إن في الأفعال الحسنة ما يعلم من حاله أن فاعله يستحق المدح بفعله [15]

- وقال : قد بينا بطلان قول المجبرة الذين يقولون إن بالعقل لا يعرف الفرق بين القبيح والحسن، وإن ذلك موقوف على الأمر والنهي بوجوه كثيرة، فليس لأحد أن يقول :إنما يحتاج إلى السمع ليفصل العاقل بين الواجب والقبيح [16]

- وقال في نفس الكتاب في تعريف القبيح : إنه ما إذا وقع على وجه من حق العالم بوقوعه كذلك من جهته، المخلي بينه وبينه، أن يستحق الذم إذا لم يمنع منه مانع، وهذا مستمر في كل قبيح .... ثم يقول )وأما وصف القبيح بأنه معصية فمعناه :أن المعصيَّ قد كرهها، ولذلك يقال في الشيء الواحد :إنه معصية لله، طاعة للشيطان، من حيث كرهه الله وأراده الشيطان، ولذلك يستعمل مضافا، ولكنه بالتعارف قد صار إطلاقه يفيد كونه معصية لله، فلذلك يفيد كونه قبيحا، لأن ما كرهه تعالى فلا بد من كونه قبيحا، ولو كره تعالى ما ليس بقبيح -تعالى الله عن ذلك -لوصف بذلك، لكن لما ثبت أنه لا يكره إلا القبيح، أفاد بالإطلاق ما ذكرناه [17]

ثم يقول في تعريف الحسن : اعلم أنه لما علم باضطرار أن في الأفعال على وجه لا يستحق فاعله –إذا علمه -عليه الذم على وجه وصف بأنه حسن ...والمباح كله حسن، لا صفة له زائدة على حسنه ... وكل ما وصفنا به الحسن يستعمل في أفعاله تعالى، وإن كانت لا توصف أفعاله بأنها مباحة [18]

ويقول كذلك : ولا يجوز أن يكون الموجب لقبحه أحوال الفاعل منا، نحو كون الواحد منا محدثا مربوبا، مملوكا، مقهورا مغلوبا، ولا يجوز أن يكون ماله يقبح القبيح منا النهي، ولا أنا نتجاوز به ما حد به ورسم لنا، ولا يجوز أن يكون ما له حسن لحسن الأمر، وأنا لم نتجاوز ما حد به ورسم لنا، ولا يجوز أن يكون الموجب لحسن أفعاله جل وعز أنه رب، مالك ناه آمر ناصب للدليل، متفضل، ...ونحن نبين أن ما أوجب قبح القبيح متى حصل يجب كونه قبيحا، وكذلك ما أوجب حسن الحسن، ووجوب الواجب ...وهذه القضية لا تختلف باختلاف الفاعلين، وإنَّ حكم أفعال القديم في ذلك حكم أفعالنا [19]

ويلاحظ في كلامه الأخير تشبيه أفعال الله بأفعال المخلوقين، وتسويته بينها فيما يقبح ويحسن، وإيجابه على الله ما رأوه حسنا،تعالى الله وتقدس عن قوله .

وقال كذلك مقررا أن الشرع مجرد كاشف عن أشياء معلومة مسبقا بالعقل وأن العقل هو الذي يوجبها وليس الشرع، قال :(واعلم أن النهي الوارد عن الله عز وجل يكشف عن قبح القبيح، لا أنه يوجب قبحه، وكذلك الأمر يكشف عن حسنه، لا أنه يوجب حسنه [20]

وقال : إنا لو علمنا بالعقل أن الصلاة مصلحة لنا لزمت كلزومها إذا عرفنا ذلك من حالها شرعا، لأنا إذا علمنا بالعقل ما نعلمه بدليل السمع بعينه فيجب كون الفعل لازما [21]

وقال أبو هذيل العلاف [22]: يجب على المكلف أن يعرف الله بالدليل من غير خاطر، وإن قصر في المعرفة استوجب العقاب أبدا، ويعلم حسن الحسن وقبح القبيح، فيجب عليه الإقدام على الحسن كالصدق والعدل، والإعراض عن القبيح كالكذب والفجور [23] .

وقال الشهرستاني عن المعتزلة :(وقال أهل العدل -المعتزلة -[24] المعارف كلها معقولة بالعقل، واجبة بنظر العقل، وشكر المنعم واجب قبل ورود السمع، والحسن والقبح صفتان ذاتيتان للحسن والقبيح [25].

وجمهور الماتريدية [26] قد قالوا كما قالت المعتزلة، إلا أنهم خالفوهم في إيجابهم على الله تعالى فعل الصلاح والأصلح، لعباده، ووجوب الرزق والثواب على الطاعة، وفي غيرها من المسائل .[27]

تنبيهان حول مذهب المعتزلة :

1- مما ينبه له أن المعتزلة يرون -كغيرهم -أن بعض الأشياء إنما يعلم حسنها أو قبحها بالشرع، ولا يدرك العقل حسنها ولا قبحها، ضرورة ولا نظرا، وإن كان في الجملة يعلم حسن كل ما أمر به الشرع، ويدرك الحسن إجمالا، ويعلم قبح الأشياء التي نهى عنها الشرع، ويدرك القبح إجمالا، ومن تلك الأشياء :

تفاصيل العبادات التي لا يدرك العقل حكمتها، وذلك كحسن كون صلاة المغرب ثلاث ركعات، والفجر ركعتين، وقبح تحري الصلاة وقت النهي، وحسن صيام آخر يوم من رمضان، وقبح صيام أول يوم من شوال، ونحو ذلك مما لا يدركه العقل ابتداءً، ومن ذلك :إلزام العاقلة الدية، يقول القاضي عبد الجبار : كما ورد الشرع في إلزام العاقلة الدية، ولم يقع منها إتلاف، وهذا مما لا مدخل له في التكاليف العقلية، وإن كانت مجوزة لورود السمع به [28]

فهم يرون أن بعض تفاصيل الحسن والقبح لا تدرك بالعقل، وإنما بينها الشرع، ولذلك أوجبوا على الله بعثة الرسل .

يقول القاضي عبد الجبار مقررا هذا المعنى : لما لم يمكنا أن نعلم عقلا أن هذا الفعل مصلحة وذلك مفسدة، بعث الله إلينا الرسل ليعرفونا ذلك من حال هذه الأفعال، فيكونوا قد جاءوا بتقرير ما قد ركبه الله تعالى في عقولنا، وتفصيل ما قد تقرر فيها [29]

2- وقع خلاف بين المعتزلة في مسألة قبح الأفعال وحسنها، هل هو لذاته أم لصفة من صفاته اللازمة له :

فمدرسة البصرة، وعلى رأسهم (أبو هاشم الجبائي [30] والقاضي عبد الجبار :يرون أن الفعل الحسن والقبيح إنما كان ذلك لوجوه واعتبارات وأوصاف إضافية وقع الفعل عليها .

ما مدرسة بغداد :فترى أن الحسن والقبح إنما هو لذات الفعل .

وقال بعضهم : أن الحسن والقبح إنما هو لصفة حقيقية توجب ذلك [31]

المبحث الثاني : مناقشة قول المعتزلة في التحسين والتقبيح .

مما سبق من تقرير مذهب المعتزلة، نجد أنهم أصابوا من جهة وأخطأوا من من جهة أخرى :

صابوا :بقولهم إن لتلك الأفعال حسنا وقبحا ذاتيا يمكن إدراكه بالعقل .

وأخطأوا :أولا : في إيجابهم على الله تعالى أشياء بمحض عقولهم . بل أوجبوا على الله أشياء مخالفة للصحيح الصريح من نصوص الكتاب والسنة، ورود الشرع .

وثانيا : في أنهم رتبوا التكليف والعقاب والثواب على ذلك، حتى لو كان قبل

فيجاب عليهم :

أن إيجابهم العقلي على الله باطل، لأنه يلزم أن يكون هناك موجب فوق الله أوجب علي شيئا، ولا موجب عليه سبحانه، كما يلزم عيه ألا يكون سبحانه فاعلا مختارا، وهو باطل [32]

وقولهم هذا فيه تشبيه لله بخلقه، فهم يوجبون على الله ما يوجبونه على العبد، ويحرمون عليه من جنس ما يحرمونه على العبد، وهذا أمر باطل، فالله تعالى كما أنه ليس كمثله شيء في ذاته، ولا في صفاته، فكذلك ليس كمثله شيء في أفعاله، وكيف يقاس تعالى بخلقه ونحن نرى كثيرا من الأفعال تقبح من العبد وهي حسنة منه تعالى لحكم يعلمها سبحانه، كإيلام الأطفال والحيوان [33]

أما ما أوجبه الله تعالى على نفسه فهو حق لا مرية فيه، فالله تعالى يجب عليه ما أوجبه على نفسه، ويحرم عليه ما حرمه على نفسه، فهو الذي كتب على نفسه الرحمة، وأحق على نفسه نصر المؤمنين، وثواب المطيعين، وحرم على نفسه الظلم .

قال تعالى:"كتب ربكم على نفسه الرحمه" [الأنعام:54]

وقال : " وكان حقا علينا نصر المؤمنين" [الروم:47] .

وفي حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا [34]

وهذا الإيجاب منه سبحانه إنما هو تفضل ورحمه، فلا أحد يوجب عليه سبحانه .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وأما الإيجاب عليه سبحانه وتعالى والتحريم بالقياس على خلقه فهذا قول القدرية، وهو قول مبتدع مخالف لصحيح المنقول وصريح المعقول، وأهل السنة متفقون على أنه سبحانه خالق كل شيء وربه ومليكه ،وأنه ما شاء كان وما شاء لم يكن، وأن العباد لا يوجبون عليه شيئا ،ولهذا كان من قال من أهل السنة بالوجوب قال : إنه كتب على نفسه الرحمة، وحرم الظلم على نفسه، لا أن العبد نفسه مستحق على الله شيئا كما يكون للمخلوق على المخلوق، فإن الله هو المنعم على العباد بكل خير، فهو الخالق لهم وهو المرسل إليهم الرسل، وهو الميسر لهم الإيمان والعمل الصالح، ومن توهم من القدرية والمعتزلة ونحوهم أنهم يستحقون عليه من جنس ما يستحقه الأجير على المستأجر فهو جاهل في ذلك [35]

وأما الجواب على خطأهم الثاني في أنهم رتبوا الإيجاب والثواب والتحريم والعقاب على التحسين والتقبيح العقلي ولو لم يرد به الشرع، فيقال : إنه لا تلازم بين هذين الأمرين، فالأفعال في نفسها حسنة وقبيحة، لكن لا يترتب عليها الثواب والعقاب إلا بالأمر والنهي، وقبل العقاب لا يكون قبيحا موجبا للعقاب مع قبحه في نفسه، بل هو في غاية القبح، والله تعالى لا يعاقب عليه إلا بعد إرسال الرسل، فالكذب والسرقة والزنا كلها قبيحة في ذاتها، لكن العقاب عليها مشروط بالشرع . [36]

فترتيب العقاب على فعل القبيح أو ترك الواجب مشروط بالسمع، وانتفاء العقاب عند انتفاء السمع من انتفاء المشروط لانتفاء شرطه، لا من انتفاء المسبب لانتفاء سببه، فإن سببه قائم ومقتضيه موجود، إلا أنه لم يتم لتوقفه على شرطه، وعلى هذا فكونه متعلقا للثواب والعقاب والمدح والذم عقلي، وإن كان وقوع العذاب موقوف على شرط وهو ورود السمع .[37]

ويلزم على قول المعتزلة أن الحجة تقوم بدون الرسل، وهذا باطل .

وقد دل القران على عدم التلازم بين التحسين العقلي والثواب، ولا بين التقبيح العقلي والعقاب، وأن الله تعالى لا يعاقب إلا بإرسال الرسل، وأن الفعل نفسه حسن أو قبيح، قال تعالى :

"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" [الإسراء:15]

فدلت الآية على أن العذاب لا يكون إلا ببعثة الرسل، وهو دليل على أن العقاب لا يثبت إلا بالشرع .

"تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ" [الملك:8-9]
فدلت الآية –كسابقتها -على أنه لا يثبت العقاب إلا بالشرع، فالخزنة لم يسألوهم عن مخالفتهم العقل، بل سألوهم عن مخالفتهم للنذير .[38]

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-16-2011, 07:44 PM
الفصل الثاني : مذهب الأشاعرة في التحسين والتقبيح .

المبحث الأول :تقرير مذهبهم

ذهب الأشاعرة إلى القول بالتحسين والتقبيح الشرعيين لا العقليين :

فقالوا : إنه لا يجب على الله شيء من قبل العقل، ولا يجب على العباد شيء قبل ورود السمع .

وقالوا :إن الحسن والقبح الذي يتعلق به المدح والثواب، و الذم والعقاب، إنما يدرك بالشرع فحسب، وليست الأشياء في ذاتها حسنة ولا قبيحة بل توصف بذلك باعتبارات غير حقيقية .

فهم ذهبوا إلى أن الحسن والقبح في الأشياء اعتباري ونسبي، أي :أنه ليس صفة لازمة وذاتية في الشيء، وإنما يعرف حسن الأشياء وقبحها باعتبارات إضافية .

قال الآمدي في سياق تقريره لمذهب الأشاعرة : إن الحسن والقبح ليس وصفا ذاتيا للحسن والقبيح، ولا أن ذلك مما يدرك بضرورة العقل ونظره، بل إطلاق لفظ الحسن والقبح عندهم باعتبارات غير حقيقية، بل إضافية، يمكن تغيرها وتبدلها بالنظر إلى الأشخاص والأزمان والأحوال [39]

ويقول الجويني [40]: العقل لا يدل على حسن شيء ولا قبحه، وإنما يتلقى التحسين والتقبيح من موارد الشرع، وموجب السمع، وأصل القول في ذلك أن الشيء لا يحسن لنفسه وجنسه وصفة لازمة له، وكذلك القول فيما يقبح، وقد يحسن في الشرع ما يقبح مثله المساوي له في جملة أحكام صفات النفس، فإذا ثبت أن الحسن والقبح عند أهل الحق لا يرجعان إلى جنس وصفة نفس، فالمعنى بالحسن :ما ورد الشرع بالثناء على فاعله، والمراد بالقبيح :ما ورد الشرع بذم فاعله [41]

يقول الإيجي : ولا حكم للعقل في حسن الأشياء وقبحها، وليس ذلك عائدا إلى أمر حقيقي في الفعل يكشف عنه الشرع، بل الشرع هو المثبت له والمبين، ولو عكس القضية فحسن ما قبحه وقبح ما حسنه، لم يكن ممتنعا، وانقلب الأمر [42]

فعلى هذا قد يأمر الله بالشرك والكفر والقتل والزنا فتكون حسنة، وقد ينهى عن التوحيد والصدق والإحسان فتكون قبيحة .

ومما يدل على فساد قولهم أنهم قد أجازوا على الله فعل أشياء يتنزه عنها الرب تعالى، ولا يصح أن تنسب إليه، كتعذيب عباده المخلصين، وتنعيم عدائه الكافرين .

المبحث الثاني :مناقشة قول الأشاعرة في التحسين والتقبيح .

ما ذهب إليه الأشاعرة من نفي حسن الأفعال وقبحها وتعطيل العقل عن معرفة ذلك، قد خالفوا به صحيح المنقول وصريح المعقول :

ا - فمخالفتهم لصحيح المنقول :ففي القران آيات كثيرة تدل على أن الحسن والقبح ثابت للأشياء في ذاتها،
قال تعالى:"يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ" [الأعراق:157]
ووجه الدلالة :الآية صريحة في ن العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها، فالمعروف الذي يأمر به الله ما تعرفه وتقر به العقول السليمة، والفطر المستقيمة، والمنكر الذي نهاهم عنه هو ما تنكره العقول والفطر السليمة، وتقر بقبحه، ولو لم يمن للأشياء حسن وقبح لذاتها، وإنما كان ذلك من قبل الشارع وأن ما أمر به الحسن وما نهى عنه هو القبيح لكان معنى الآية : يأمرهم بما يأمرهم به، وينهاهم عما ينهاهم عنه وهذا لا يقوله عاقل فضلا عن رب العالمين .

وقال تعالى أيضا : ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، فدلت الآية على أن الحلال كان طيبا قبل حله، وأن الخبيث كان خبيثا قبل تحريمه , فلو كان الحلال والخبيث إنما عرفا بالتحليل والتحريم لكان معنى الآية يحل لهم ما يحل لهم، ويحرم عليهم ما يحرم عليهم وهذا لا يليق بنظم كلام الله تعالى .

نعم :الطيب إذا أحل من الشارع فقد اكتسب طيبا آخر إلى طيبه، فصار طيبا من الوجهين، وكذلك القبيح إذا نهى الشارع عنه اكتسب قبحا إلى قبحه، فصار قبيحا من الوجهين معا .

وقال تعالى:"وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً" [الإسراء-32] فدلت الآية على أن الزنى إنما تعلق به النهي لكونه قبيحا وفاحشة، وهذا الوصف ثابت له قبل النهي عنه، ولو لم يكن قبيحا وفاحشة في نفسه لكان معنى الآية : ولا تقربوا الزنى فإنه منهي عنه، وهذا من تعليل الشيء بنفسه وهو باطل [43].

ويلا حظ أن هذه الأدلة تدخل في الأدلة التي سبقت في ثبات الحكمة والتعليل في أفعاله سبحانه، فنفي الأشاعرة للحكمة والتعليل نتج عنه قولهم بنفي الحسن والقبح العقلي .

قال تعالى : أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون [المؤمنون 71-69 ] فأخبر سبحانه أن الحق لو اتبع أهواء العباد فجاء شرع الله ودينه بأهوائهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن، ومعلوم أن عند النفاة يجوز أن يرد شرع الله ودينه بأهواء العباد، وأنه لا فرق في نفس الأمر بين ما ورد به وبين ما تقتضيه أهواؤهم إلا مجرد الأمر، وإنه لو ورد بأهوائهم جاز وكان تعبدا ودينا، وهذه مخالفة صريحة للقرآن، وإنه من المحال أن يتبع الحق أهوائهم ،وأن أهواءهم مشتملة على قبح عظيم لو ورد الشرع به لفسد العالم أعلاه وأسفله وما بين ذلك، ومعلوم أن هذا الفساد إنما يكون لقبح خلاف ما شرعه الله وأمر به ومنافاته لصلاح العالم علويه وسفليه، وإن خراب العالم وفساده لازم لحصوله ولشرعه، وأن كمال حكمة الله وكمال علمه ورحمته وربو بيته يأبى ذلك ويمنع منه، ومن يقول : الجميع في نفس الأمر سواء يجوز ورود التعبد بكل شيء، سواء كان من مقتضى أهوائهم أو خلافها .[44]

2- وأما مخالفتهم لصريح المعقول فيما ذهبوا إليه من نفي الحسن والقبح الذاتي للأفعال، وتعطيل العقل عن معرفة ذلك ففيه جمع بين الأمور المختلفة الممتنعة عند ذوي العقول الصريحة والفطر المستقيمة، فإذا كان العقل ليس له مدخل في معرفة حسن الأفعال وقبحها، فإن ذلك يستلزم أن تكون الأفعال الحسنة والقبيحة في حقه متساوية كالصدق والكذب والعدل والظلم والكرم والبخل والبر والفجور، وحكم الضدين بهذه العبارة يكون باطلا لا يقول به من له أدنى مسكة من علم وإيمان وعقل

قال تعالى:"أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ" [ص:28]

وقال جل من قائل:"أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ" [الجاثية:21]

قال ابن القيم : فدل على أن هذا حكم سيء قبيح ينزه الله عنه ولم ينكره سبحانه من جهة أنه أخبر بأنه لا يكون، وإنما أنكره من جهة قبحه في نفسه، وإنه حكم سيء يتعالى ويتنزه عنه لمنافاته لحكمته وغناه وكماله ووقوع أفعاله كلها على السداد والصواب والحكمة، فلا يليق به أن يجعل البر كالفاجر ولا المحسن كالمسيء ولا المؤمن كالمفسد في الأرض، فدل على أن هذا قبيح في نفسه تعالى الله عن فعله [45]

ومن قال :إن الأفعال ليس فيها صفات تقتضي الحسن والقبح لذاتها فهو بمنزلة قوله : ليس في الأجسام صفات تقتضي التسخين، والتبريد، والإشباع ، والإرواء ، فسلب صفات الأعيان المقتضية للآثار كسلب صفات الأفعال المقتضية للآثار .[46]

وكذلك يقال :إن حسن الصدق وقبح الكذب أمر يدركه العقلاء، وهو مركوز في الفطر، والقول بأن الكذب قد يحسن أحيانا كما لو رتب عليه عصمة مسلم من القتل ظلما غير مسلَّم، فتخلف القبح عن الكذب لفوات شرط، أو لقيام مانع، يقتضي مصلحة راجحة على الصدق، لا تخرجه عن كونه قبيحا لذاته، ومن ذلك أن الله حرم الميتة والدم ولحم الخنزير للمفسدة في تناولها وهي ناشئة من ذوات هذه المحرمات، وتخلف التحريم عنها عند الضرورة لا يوجب أن تكون ذاتها غير مقتضية للمفسدة التي حرمت لأجلها، فهذا الكذب متضمن عصمة المسلم .[47]

التواضع سيصون العالم
11-16-2011, 07:50 PM
ومما يدل على فساد قولهم أنهم قد أجازوا على الله فعل أشياء يتنزه عنها الرب تعالى، ولا يصح أن تنسب إليه، كتعذيب عباده المخلصين، وتنعيم عدائه الكافرين
الأشاعرة لا يقولون أن تعذيب الله لعباده المخلصين ممكن أو جائز, وبنفس الوقت لا يقولون بأنه مستحيل لذاته, بل هو مستحيل لغيره, وهذا الغير هو قول الله تعالى "ولا يظلم ربك أحدا", والكثير من الآيات الأخرى..
أرجو أن تكون فكرتي قد وصلت..
تحياتي

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-16-2011, 08:29 PM
وبنفس الوقت لا يقولون بأنه مستحيل لذاتهإذا هو جائز! يجوز عقلاً عندهم ولا يجوز شرعًا ولا يقع

التواضع سيصون العالم
11-16-2011, 09:51 PM
إذا هو جائز! يجوز عقلاً عندهم ولا يجوز شرعًا ولا يقع
لم تفهم كلامي..
لا يجوز عقلا وليس من الممكنات, لماذا؟ هل هو مستحيل لذاته؟ لا بل هو مستحيل لغيره, والغير هو وعد الله تعالى بألا يفعل ذلك..
اعتقد انك لا تفرق بين المستحيل لذاته, وبين المستحيل لغيره..
فلا تقول الأشاعرة ما لم يقولوا به أخي الكريم, سواء عن قصد ان عن سوء فهم
وشكرا لك..

حسن المرسى
11-16-2011, 10:05 PM
يلزمهم أنه لو أمر به لم يكن سيئاً ..
فإنهم يقولون أن افعال الله ناتجة عن محض الإرادة والمشيئة .
.. والصحيح أن مصدر خلقه و أمره وثوابه وعقابه .. غِناه وحَمدهِ وعِلمه وحكمتِه
وليس مصدرها مشيئة مجردة ولا قدرة خالية من الحكمة والرحمة

ولهذا قال خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام :
(( إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ))
فالأية أخبرت عن تمام قدرة الله عز وجل ..
ثم عقب ذلك أخبرت عن تصرفه فى البشر
وأنه بالعدل لا بالظلم وبالإحسان لا بالإساءة ... وبالصلاح لا بالفساد ..
وأنه على الصراط المستقيم وهو صراط العدل والإحسان فى أمره ونهيه وثوابه وعقابه ..

التواضع سيصون العالم
11-16-2011, 10:31 PM
يلزمهم أنه لو أمر به لم يكن سيئاً ..
فإنهم يقولون أن افعال الله ناتجة عن محض الإرادة والمشيئة .
أخي انت انتقلت الى موضوع آخر, أنا لم أناقش مصدر أفعال الله تعالى, بل رددت فقط على هذا الخطأ هنا

أجازوا على الله فعل أشياء يتنزه عنها الرب تعالى، ولا يصح أن تنسب إليه، كتعذيب عباده المخلصين، وتنعيم عدائه الكافرين .

فهم لم يجيزوا, بل اعتبروه من المستحيل لغيره.
لكن أخي المرسي لدي سؤال بما أنك سلفي
هل تعتقد ان تعذيب الله للمؤمنين المخلصين مستحيل أم ممكن؟ و لماذا؟

عبدالرحمن الحنبلي
11-16-2011, 10:42 PM
هل تعتقد ان تعذيب الله للمؤمنين المخلصين مستحيل أم ممكن؟ و لماذا؟

اسف على التطفل ...نعم الله قادر على ادخال المؤمنين النار وادخال الكفار الجنه ...لكن الله حرم الظلم على نفسه ...نستطيع ان نقول جائز عقلا(اي ان الاله يقدر على الظلم) مستحيل شرعا (ولكنه لايفعله لانه حرمه على نفسه )والله اعلم ولعل الاخوه يصححون ان اخطات

حسن المرسى
11-16-2011, 10:50 PM
أخى الكريم التواضع .. الذى أحبه فى الله ..
تقول ..


هل تعتقد ان تعذيب الله للمؤمنين المخلصين مستحيل أم ممكن؟ و لماذا؟

يجب التفريق بين ما يتعلق بالحكمة و ما يتعلق بالقدرة ..
فمتعلق الحكمة (( هو فعل الله عز وجل الجارى فى الكون ))
ومتعلق القدرة (( وهو واسع ومنه ما لا يجرى فى هذا الكون وإن كان مقدوراً لله عز وجل كهذا الذى ذكرته ))
حيث الأول يقتضى الحكمة والعناية .. وهو ما يجريه الله تعالى فى الكون بإختلاف صوره من موافقته لعقولنا أم لا ..
وإنعدام التفريق بينهما ..
يؤدى لمثل هذا التساؤل ..

فإن الله تعالى يقدر على مقدورات لا يفعلها لحكمة ورحمة وعناية ..
كقدرته على قيام الساعة الأن ..
وقدرته على إماتة إبليس وجنوده وإراحة العالم منهم ..
وتعذيب الخلق جميعهم ..
وقد ذكر الله تعالى قدرته على ما لا يفعله لحكمته فى غير موضع من القرأن فقال :
((قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ))
وقوله تعالى : ((وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ))
وقوله : ((وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ))
فهذه مقدورات له سبحانه وإنما إمتنعت لكمال حكمته ..
فهى التى إقتضت عدم وقوعها ..
فلا يلزم من كون الشئ فى قدرة الله تعالى ان يكون حسناً موافقاً للحكمة ..
بل تكون الحكمة هى عدم إمضاء الله تعالى له ..
ووضعه على الصورة التى تراها ...

التواضع سيصون العالم
11-17-2011, 08:15 AM
أخي حسن الذي أحبه في الله أيضا..أرجو أن تكون الغجابات مختصرة جدا جدا لكي نصل الى نتيجة..فالاختلاف بيننا سيظهر لك انه غير موجود ان شاء الله..

يقدر على مقدورات لا يفعلها لحكمة ورحمة وعناية .
أنت تقصد انه يقدر أن يعذب المؤمنين, ولكنه لا يفعل ذلك لحكمته, أي أنه مستحيل لغيره, والغير هنا هو حكمة الله تعالى(المستنبطة من القرآن).
هذا نفس ما قلته أنا وهو ما يقول به الأشاعرة, تعذيب المؤمنين مستحيل لغيره والغير هو الشرع المستنبط من القرآن.
والله لا يوجد أي اختلاف ولكن سامح الله صاحب الموضوع أخي البرازيلي الذي جعل من الاتفاق اختلاف.
أخي حسن أرجو بعد أن تقرأ ردي وتفهمه أن ترد ردا مختصرا قد الإمكان لكي نصل لنتيجة.
تحياتي لك

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-17-2011, 10:00 AM
حسناً أراك قد تكبدت حملاً ثقيلاً يا من تدعي الفهم وترمي بسوء الفهم متجلبباً بخلافه!!

أولاً طالما أنت تعرف أقوال الأشاعرة متضلع بعقيدتهم فأطالبك بتعريف الظلم عندهم وما هو لازم قولهم في مسألة التحسين والتقبيح العقلي ؟؟

التواضع سيصون العالم
11-17-2011, 02:21 PM
الحمدلله
أولا وصلت النقطة التي أريد توضيحها ولا حاجة لي في بدء نقاش في هذه المسألة, ولم أعرض عليك أن نناقش عقيدة الأشعرة أو السلفيين, إنما بينت خطأك و لا عيب في ذلك فجل من لا يسهو, ولكن العيب في ألا نتقبل الحقيقة حتى بعد عرضها وتبيانها.
ثانيا من يطرح سؤالا ويريد الجواب بشغف إن كان مريدا للحق لا يطرحه بهذا الأسلوب الذي طرحته أنت, فقبل أن يسوء أسلوبك في الحوار أكثر وأكثر أنا انسحب من الحوار, ولك أن تكمل موضوعك بكامل الحرية وضع فيه ما شئت وادعي ما تريد ولا تهتم بدليل ولا ما يحزنون.
أخي المرسي, شكرا لك على أسلوبك الراقي و أدبك في الحوار.

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-17-2011, 03:01 PM
ولكن العيب في ألا نتقبل الحقيقة حتى بعد عرضها وتبيانها.

بل العيب فيك ظاهر إذ أنك انتفشت بجهل مركب ثم جئت لتشق عباب الكلام لتضع مفرداتك وتبز بها أقرانك وكأنك جذيلها المحكك وعذيقها المرجب !!
على كل حال هذه ليست أول مرة أراك تهرف فيها بما لا تعرف وقد سبق لك في موضوع الطوفان ولما جاءك أحد الأفاضل بالدليل نقصت على عقبيك وقلت كلام الليل يمحوه النهار وأراك تكرر نفس المشهد هنا ..

وبعد قليل سأنقل لك تعريف الظلم عند الأشاعرة لكي أعلمك أن تتكلم بعلم أو تسكت بحلم وتكف عن التعريض بالسلفية ونبز أهل العلم !
فلا تقول الأشاعرة ما لم يقولوا به أخي الكريم, سواء عن قصد ان عن سوء فهميعني شوف أنت بدأت هنا ب .ولا حول ولا قوة إلا بالله!

حسن المرسى
11-17-2011, 03:03 PM
انت تقصد انه يقدر أن يعذب المؤمنين, ولكنه لا يفعل ذلك لحكمته, أي أنه مستحيل لغيره, والغير هنا هو حكمة الله تعالى(المستنبطة من القرآن).
هذا نفس ما قلته أنا وهو ما يقول به الأشاعرة, تعذيب المؤمنين مستحيل لغيره والغير هو الشرع المستنبط من القرآن.

هذا هو الفارق ..
أهل السنة يقولون أن الله لا يفعل الظلم لتمام حكمته ورحمته .. التى هى صفات لازمة له عقلا وشرعاً .. ولا يأتى الشرع بخلاف ذلك بحال من الأحوال ..

اما الأشاعرة فيقولون لم يفعل ذلك لأنه أخبر بذلك شرعاً .. ولا يلزم عقلاً ..
أى يجوز أن يأتى الشرع بخلاف الحكمة والرحمة والعقل ..
فحسن الأفعال وقبحها عندهم لا يثبت إلا بالشرع ..
والصحيح أن الحسن والقبح صفى ثبوتية للأفعال يأتى الشرع بتقريرها ..

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-17-2011, 03:05 PM
الأشاعرة لا يقولون أن تعذيب الله لعباده المخلصين ممكن أو جائز...تحياتي
لنا عودة لنبدأ من هنا إن شاء الله ..

د. هشام عزمي
11-17-2011, 03:31 PM
عقيدة الأشاعرة في أفعال الله تعالى أنها لا تصدر عن حكمة ولا غاية ، وهو قد خلق الكائنات وأمر ونهى لا لعلة ولا لداع ولا باعث ، بل فعل كل ذلك لمحض المشيئة ومطلق الإرادة ، وذلك لأنه ليس كل ما في العالم خير بل فيه شر كثير وكان من الأصلح ألا يوجد ، فقد منع الأموال قومًا وأعطاها آخرين ففسقوا ، وأعطى أقوامًا مالاً ورياسة فبطروا وهلكوا وكانوا في فقرهم صالحين ، وأمرض أقوامًا فضجروا ونطقوا بالكفر وكانوا في صحتهم شاكرين ، وأي صلاح وأي حكمة في خلق إبليس والشياطين وإعطائهم لاقوة في إضلال الناس ، ثم وجدناه قد أمات سريعًا من ولي أمور المسلمين فقام فيها بالحق والعدل وأبقى زيادًا والحجاج فأذاقوا الناس الويل والفقر ، فأي مصلحة وأي غاية وراء هذا ؟!
ثم إن الله تعالى قد كلف الكافر بالإيمان وهو يعلم أنه لن يؤمن ، ولو كانت أفعاله لغاية أو علة لما فعل ذلك ، ولما آلم الأطفال الأبرياء الذين لا كسب لهم ولا معصية ، وكل ذلك ليس إلا لمحض مشيئة ومطلق إرادته فهو فعال لما يريد ، وهو على كل شيء قدير .
(انظر الإبانة للأشعري والتمهيد للباقلاني وإحياء علوم الدين للغزالي)

يقول الآمدي في (غاية المرام في علم الكلام) : القاعدة الثانية في نفي الغرض والمقصود من أفعال واجب الوجود ، في مذهب أهل الحق ، إن الباري تعالى خلق العالم وأبدعه لا لغاية يستند الإبداع إليها ، ولا لحكمة يتوقف الخلق عليها ، بل كل ما أبدعه من خير أو شر ونفع وضر لم يكن لغرض قاده إليه ، ولا لمقصود أوجب الفعل عليه ، بل الخلق وأن لا خلق جائزان ، وهما بالنسبة إليه سيان .ا.هـ.

وتمشيًا مع مذهبهم في عدم تعليل أفعاله تعالى فقد أجازوا عليه أن يفعل الظلم ويكون منه عدلاً ، ويفعل السفه ويكون منه حكمة ، فيجوز أن يكلف العباد فوق طاقتهم ، بل إن الأشاعرة يصرحون بوقوع التكليف بما لا يطاق ويستدلون بذلك على نفي الحكمة والغاية من أفعاله تعالى ، ويضربون مثالاً على ذلك بأن الله تعالى قد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يدعو أبا لهب إلى الإيمان وكلفه بذلك ، وهو يعلم أن أبا لهب لن يؤمن ، وأخبر رسوله في نفس الوقت أنه لن يؤمن .. فكان من جملة ما دعا الرسول أبا لهب إليه أن يؤمن برسالته ومنها الإيمان بأنه لا يؤمن ، فيكون قد دعاه للإيمان بأنه لا يؤمن .. لأن من جملة أقواله أنه لا يصدقه ، فكيف يصدقه في أنه لا يصدقه ؟ وهل هذا إلا محال وجوده ؟! فأين الحكمة إذن في ذلك ؟ وما الغاية من وراء ذلك ؟

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-17-2011, 04:12 PM
شيخنا البسيوني له رد سأنقله قريباً من أهل الحديث إن شاء الله ..

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-17-2011, 10:42 PM
فأطالبك بتعريف الظلم عندهم
الظلم عند الأشاعرة عبارة عن الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة ويمتنع أن يكون في الممكن مقدور وظلم بل كل ما كان ممكنا فهو منه لو فعله عدل، ولا يكون ظلما.
يقول الشيخ حمد الحمد في شرحه للعقيدة السفارينية : * أما هؤلاء الأشاعرة فإن الظلم المنفي عن الله عندهم هو الممتنع لذاته.
- والممتنع لذاته - كما هو معلوم - ليس بشيء؛ فكون الشيء معدوماً موجوداً هذا ممتنع؛ وكون الشيء ساكناً متحركاً هذا ممتنع.
- وهذا الظلم الذي عرَّفوه لا يحتاج إلى نفيه.
- فمثلاً: رجل يمتنع عليه أن ينظر إلى النساء لعماه فهل يقال: (إن فلاناً الأعمى يغض بصره عن النساء) ؟! لا يقال.
- وهل يقال: (إن فلاناً الأقطع - أي أقطع اليدين - لا يضرب ولا يبطش) ؟! لا يقال ذلك .. انتهى

وجاء في شرح الراجحي للعقيدة الطحاوية (( إذن فالظلم عند الجبرية ممتنع ومستحيل على الله كامتناع العجز والموت فالظلم عندهم هو المحال الممتنع لذاته كالجمع بين الضدين وكون الشيء موجودا معدوما. إذن ما هو الظلم؟ هل له وجود عند الجبرية؟ عندهم لا حقيقة للظلم الذي نزه الرب نفسه عنه ألبتة، بل هو المحال لذاته والممتنع لذاته الذي لا يتصور وجوده.

وكل ممكن عندهم فليس بظلم ولله أن يفعله، وهو غير ظالم، وقالوا الجبرية: لو قلب الرب التشريع والجزاءات فجعل الزنا واجبا والعفة حراما لما كان ظالما ولو عذب رسله وأنبيائه وأوليائه أبد الآبدين، وأبطل جميع حسناتهم وحملهم أوزار غيرهم وعاقبهم عليها وأثاب المجرمين والعصاة والكفرة طاعات الأنبياء والأبرار وحرم ثوابها فاعلها لكان ذلك عدلا محضا، فإن الظلم من الأمور الممتنعة لذاتها في حق الرب وهو غير مقبول له بل هو كقلب المحدث قديما والقديم محدثا، وهذا قول جهم ومن اتبعه من المتكلمين.

شبهتهم قالوا: الظلم لا يكون إلا من مأمور من غيره منهي والله ليس كذلك والظلم إما التصرف في ملك الغير بغير إذنه، وإما مخالفة الآمر، وكلاهما في حق الله تعالى محال فإن الله مالك كل شيء هو مالك العباد يتصرف في ملكه، والذي يتصرف في ملكه ليس بظالم، إنما الظالم الذي يتصرف في غير ملكه، والظلم إنما يكون من مخالفة الآمر، والله ليس فوقه آمر تجب طاعته.


وما هو لازم قولهم في مسألة التحسين والتقبيح العقلي
تجويز تعذيب المؤمنين ، وتنعيم الكافرين ؛ لأن أفعال الله تعالى لا يتصور عندهم فيها الحسن والقبح ، لأن الحسن والقبح مبني على الأمر والنهي ، والله تعالى لا آمر له ولا ناه ، فبالتالي لا قبح مطلقا .
فالشرع أمر بكذا فيكون حسنا ؛ لأن الشرع أمر به ، وليس ذلك لوصف اتصفت به راجع لذاته .
والشرع نهى عن أمور فتكون قبيحة ؛ لأن الشرع نهى عنها ، وليس ذلك لوصف راجع لذاتها ، ولهذا يجوز عندهم أن يأمر بما نهى عنه ، وينهى عما أمر به ، فيجوز عندهم أن يأمر بالشرك ، وحين ذاك يكون الشرك حسنا ، ويجوز أن ينهى عن التوحيد ، وحين ذاك يكون التوحيد قبيحا . فالأفعال لا صفات لها ، والشرع هو الذي يقرر وصفها ، وليست هي متصفة بذاتها بصفات ...

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-17-2011, 10:51 PM
اسف على التطفل ...نعم الله قادر على ادخال المؤمنين النار وادخال الكفار الجنه ...لكن الله حرم الظلم على نفسه ...نستطيع ان نقول جائز عقلا(اي ان الاله يقدر على الظلم) مستحيل شرعا (ولكنه لايفعله لانه حرمه على نفسه )والله اعلم ولعل الاخوه يصححون ان اخطات
إن كان المقصود الإمكان بمعنى دخوله في القدرة، فهو داخل في القدرة عند أهل السنة خلافا للمعتزلة، ولولا دخوله في القدرة ما تمدح الله بأنه ليس بظلام للعبيد.
وإن كان المقصود الجواز بمعنى احتمال الحدوث فهو غير جائز؛ لأنه مناقض لصفات الكمال الثابتة لله عز وجل عقلا ونقلا.
يقول شيخنا البسيوني في رده في ملتقى أهل الحديث:الظلم عند أهل السنة :( وضع الشيء في غير موضعه ) ، أو مخالفه الاستحقاق لمحله ، ونحو ذلك ، فيقولون هو يمتنع على الله من جهة الشرع والعقل ، لا من جهة أنه غير مقدور ..

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
11-18-2011, 08:00 PM
الفصل الثالث : مذهب أهل السنة والجماعة في التحسين والتقبيح

وإنما أخَّرت ذكر مذهب أهل السنة والجماعة لكي تنجلي وسطيته بين طرفي الضلال، ولكونه قد جمع ما في ذينك المذهبين من حق واطرح ما فيهما من باطل، وأيضا لكي يتضح أن أهل السنة والجماعة هم أسعد المذاهب بالأدلة التي نظر كل فريق من الفريقين الآخرين إلى طرف منها وأهملوا طرفا، وحكَّموا عقولهم الفاسدة على الشرع حينا، واطرحوا العقل وأتوا بما يسخر منه البشر في أحيان أخر .

فوافق أهلُ السنة المعتزلة في قولهم : إن للأفعال حسنا وقبحا ذاتيين يمكن إدراكه بالعقل،

وخالفوهم حين قالوا بترتب التكليف والعقاب على ذلك الحكم العقلي،
وكذلك خالفوهم حين أوجبوا على الله ما حسنته عقولهم وحرموا عليه ما قبحته عقولهم .

وخالف أهلُ السنة الأشاعرة في زعمهم ن تلك الأفعال لم تثبت لها صفة الحسن والقبح إلا بخطاب الشرع، وأنها في ذاتها ليست حسنة ولا قبيحة،
ووافقوهم في قولهم بأن التكليف والعقاب موقوف على خطاب الشرع، وفي إثباتهم للحسن والقبح الشرعيين .

فمذهب أهل السنة والجماعة يمكننا أن نجمله بالنقاط التالية :

إثبات حسن بعض الأفعال وقبحها بالعقل والشرع، ولا يلزم أن يدركها جميعا، لأن منها ما قد يخفي على بعض العقول،و الشرع زاد حسن الأفعال الحسنة بالعقل حسنا، وزاد القبيحة قبحا .

الثواب على فعل الأفعال الحسنة، والعقاب على فعل الأفعال القبيحة إنما هو من قبل الشارع، فلا يجب على المكلف شيء قبل ورود الشرع .

قال ابن القيم رحمه الله : وتحقيق القول في هذا الأصل العظيم أن القبح ثابت للفعل في نفسه، وأنه لا يعذب الله عليه إلا بعد إقامة الحجة بالرسالة، وهذه النكتة هي التي فاتت المعتزلة والكلابية [48] كليهما، فاستطالت كل طائفة منهما على الأخرى لعدم جمعهما بين هذين الأمرين، فاستطالت الكلابية على المعتزلة بإثباتهم العذاب قبل إرسال الرسل، وترتيبهم العقاب على مجرد القبح العقلي، وأحسنوا في رد ذلك عليهم، واستطالت المعتزلة عليهم في إنكارهم الحسن والقبح العقليين جملة، وجعلهم انتفاء العذاب قبل البعثة دليلا على انتفاء القبح واستواء الأفعال في أنفسها، وأحسنوا في رد هذا عليهم، فكل طائفة استطالت على الأخرى بسبب إنكارها الصواب، وأما من سلك هذا المسلك الذي سلكناه فلا سبيل لواحدة من الطائفتين إلى رد قوله، ولا الظفر عليه أصلا فانه موافق لكل طائفة على ما معها من الحق مقرر له مخالف في باطلها منكر له [49]

وقال كذلك : والحق الذي لا يجد التناقض إليه السبيل أنه لا تلازم بينهماأي بين الحسن والقبح الذاتي المدرك بالعقل، وترتب الثواب والعقاب عليهما وأن الأفعال في نفسها حسنة وقبيحة كما أنها نافعة وضاره، والفرق بينهما كالفرق بين المطعومات والمشمومات والمرئيات ،ولكن لا يترتب عليها ثواب ولا عقاب إلا بالأمر والنهي، وقبل ورود الأمر والنهي لا يكون قبيحا موجبا للعقاب مع قبحه في نفسه، بل هو في غاية القبح، والله لا يعاقب عليه إلا بعد إرسال الرسل، فالسجود للشيطان والأوثان والكذب والزنا والظلم والفواحش كلها قبيحة في ذاتها والعقاب عليها مشروط بالشرع [50]

وبين شيخ الإسلام أنواع الحسن والقبح في الأفعال فقال :

قد ثبت بالخطاب والحكمة الحاصلة من الشرائع ثلاثة أنواع :

أحدها : أن يكون الفعل مشتملا على مصلحة أو مفسدة و لو لم يرد الشرع بذلك

كما يعلم أن العدل مشتمل على مصلحة العالم، و الظلم يشتمل على فسادهم، فهذا النوع هو حسن و قبيح و قد يعلم بالعقل و الشرع قبح ذلك، لا أنه أثبت للفعل صفة لم تكن، لكن لا يلزم من حصول هذا القبح أن يكون فاعله معاقبا في الآخرة إذا لم يرد شرع بذلك، و هذا مما غلط فيه غلاة القائلين بالتحسين و التقبيح، فإنهم قالوا إن العباد يعاقبون على أفعالهم القبيحة و لو لم يبعث إليهم رسولا، و هذا خلاف النص ..

النوع الثاني :أن الشارع إذا أمر بشىء صار حسنا و إذا نهى عن شيء صار قبيحا و إكتسب الفعل صفة الحسن و القبح بخطاب الشارع
و النوع الثالث : أن يأمر الشارع بشىء ليمتحن العبد هل يطيعه أم يعصيه و لا يكون المراد فعل المأمور به، كما أمر إبراهيم بذبح إبنه، فلما أسلما و تله للجبين حصل المقصود ففداه بالذبح ...فالحكمة منشؤها من نفس الأمر لا من نفس المأمور به .

و هذا النوع و الذي قبله لم يفهمه المعتزلة و زعمت أن الحسن و القبح لا يكون إلا لما هو متصف بذلك بدون أمر الشارع

و الأشعرية إدعوا أن جميع الشريعة من قسم الإمتحان، و أن الأفعال ليست لها صفة لا قبل الشرع و لا بالشرع
و أما الحكماء و الجمهور فأثبتوا الأقسام الثلاثة و هو الصواب [51]

فتبين بهذا أن المصلحة تنشأ من الفعل المأمور به تارة ومن الأمر تارة ومنهما تارة ومن العزم المجرد تارة [52]

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
10-04-2012, 03:40 AM
للرفع