المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السلفيون والحداثة السياسية / د. ياسر برهامي.



أميرة الجلباب
11-28-2011, 04:46 PM
السلفيون والحداثة السياسية
كتبه / ياسر برهامي


من أكثر ما يعترض به البعض أو قل يمارس به الدعاية المضادة لمشاركة السلفيين في العملية السياسية أنهم حدثاء عهد بالمجال السياسي وأنهم ليسوا رجال المرحلة لأنهم لا خبرة لهم بدهاليز السياسة وألاعيبها, وربما اتهمهم البعض بالسذاجة وعدم الحنكة وقلة الخبرة إلى قائمة طويلة من التهم التي قد تصاغ أحيانا في ثوب النصيحة أو في ثوب التدين واختيار الأصلح

ونقول في جواب من يعترض أو يستنكر علينا دخول غمار السياسة بعد إعراض طويل:
أولا: شرف لنا وأيما شرف ألا نكون قد شاركنا في لعبة السياسة , وأنا أقصد لفظ اللعبة في العصر البائد , لأنها في الحقيقة كانت مسرحية هزلية أولها التزوير الذي يشرف عليه أمن الدولة , وآخرها المواقف السرورية التي كان يحسم بها رئيس المجلس كل نقاش , فأية فائدة لمعارضة ديكورية لا حقيقة لها ولا وزن مررت مع وجودها أسوأ القوانين وأسوأ الميزانيات وبيع القطاع العام بل البلد بأسرها بلا مقابل, وصدرت الشخصيات التي ينطبق عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة", " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".

ثانيا: أن السياسة والإدارة من العلوم الإنسانية التي اخترعها البشر بالممارسة وليس بالشهادات والدراسات, بل الدراسات والأبحاث كلها لاحقة وتابعة على ممارسات القادة السياسيين الذين لم يحصلوا على أية شهادات ولا دراسات ومع ذلك كانت ممارستهم هي المرجعية للشهادات والدراسات, وعلى رأس هؤلاء القادة الذين ساسوا أممهم وأداروا شئونها خير إدارة رسل الله الكرام ومن ربوهم من أصحابهم وتلامذتهم الذين ضربوا لنا أروع الأمثلة في تاريخ البشرية في قيادة الأمم والشعوب، وهل تخرج الخلفاء الراشدون إلا في مدرسة النبوة التي قام التعليم فيها على الوحي المنزل كتابا وسنة،ونحن لا نعني بذلك انعدام فائدة الدراسة وعدم أهميتها، ولكن نقول إن علوم الكتاب والسنة في حقيقتها تحقق للعقل والقلب الإنساني أعلى مراتب الإدراك والبصيرة وأعلى مراتب التوفيق والهداية وأعلى مراتب الرشد والحنكة في الممارسات والسلوك، ولو نظرت إلى قيادة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - للأمة في مرحلة الوفاق وقيادة علي-رضي الله عنه- لها في مرحلة الخلاف والفرقة لعلمت شيئا من حكمة الله في تقدير أمر الفرقة على الأمة لتكون رغم آلامها ومحنتها سنة ماضية لمن أراد التعلم والاسترشاد، ولو قارنت قيادتهما وكلاهما خليفة راشد بقيادة وعلم وسلوك ساسة العالم اليوم وإدارييه لهالك الفرق بين الثريا والثرى
.
ثالثا: لم يكن السلفيون بعيدين طيلة عمرهم الدعوي عن المشاركة السياسية بتحديد المواقف المنضبطة بالشرع في كل قضايا الأمة دون أن يتلوثوا بالمسرحية الهزلية المسماة باللعبة السياسية، وثبت بفضل الله أن نظرتهم المبنية على المواقف المواقف العقدية كانت هي الصواب سياسيا كما هي الصواب دينيا وشرعيا كموقف الدعوة السلفية من الثورة الإيرانية الذي انفردت به عن فصائل العمل الإسلامي في وقتها؛ على سبيل المثال كان أبعد نظرا من الوجهة السياسية من كل الأطروحات التي صفقت للثورة الخمينية العنصرية التي تهدد العالم العربي والإسلامي بنشر الحزبية البغيضة والفكر الرافضي، بل تهدد كيانات المجتمعات ذاتها وليس فقط مصالحها السياسية والاقتصادية ، وكان موقف الدعوة من حرب الخليج هو الصواب سياسيا واجتماعيا كما هو الصواب دينيا وشرعيا، وهاهي آثار تزايد النفوذ الغربي ووجود القوات الأجنبية على أرض الإسلام تظهر يوما بعد يوم، وما جنته من تدمير بلد بأسره واحتلاله وهو العراق ومن قبله أفغانستان، إنما هو ثمرة من الثمرات المرة لهذه الحرب.

رابعا: نسأل من يطالبون السلفيين بالتأخر وعدم المشاركة وترك المجال لرجال المرحلة كما يزعمون: هل يجب على ضعيف الخبرة لو سلمنا جدلا صحة ذلك أن يظل على ضعفه وعجزه لأنه لم يمارس فيكون الحل أن يبتعد عن الممارسة ؟ أم لابد لكل جاهلا أن يتعلم وكل قليل خبرة أن يكتسبها ؛ ولكل أمي لو كان أميا أن يتعلم القراءة والكتابة ليصل إلى ما وصل إليه الآخرون، وقد ولدتهم أمهاتهم أميين؟ أم ولدتهم أمهاتهم أميين؟ أم أنهم ولدوا أصحاب الحنكة والخبرة والقدرة .

وللحديث بقية
www.anasalafy.com
موقع أنا السلفي

المصدر:
http://www.anasalafy.com/play.php?catsmktba=31001

أميرة الجلباب
11-28-2011, 05:11 PM
كبيرة جدا هذه الدعوى العريضة التي تقول: ((السلفيين عاشوا عمرهم ساكتين اشمعنى دلوقتى صوتهم طلع؟))..!!!

وهذا كلام غير صحيح وافتراء واضح..
لأنهم أبدا لم يكونوا ساكتين..
ولكن على الأرجح أن صاحب السؤال كان هو النائم!!
أو المغيب عن الواقع
أو المعرض عنه..!

لأن الدعوة السلفية لها أكثر من ثلاثين سنة على الساحة وهي تمارس السياسية في بعدها الأعمق.. ومعناها الأشمل والأوسع.
وهو إحداث التغيير في توجهات البشر وأفكارهم!.. والتأصيل للقضايا العقدية الكبرى المتعلقة بسياسة الدنيا بالدين في نفوس الناس.. ومعلوم أن تغيير القناعات والأفكار هو أصعب أنواع التغيير إن لم يكن أصعبها على الإطلاق.. وهو جزء لا يتجزأ من الممارسة السياسية.. وفقهها العميق.. وكذلك كانت دعوة الرسل وهكذا بدأت واستمرت..

الدعوة السلفية كانت ولازالت تؤمن بسنن الله الكونية في تغيير المجتمعات..
فلا يوجد أي منحنى بياني طبيعي في الكون يحدث فيه التغيير بشكل مفاجئ أو زاوية حادة..
فكان لابد أن يكون الخط منحنى بالتدريج..

لذا لا يحق لأحد أن يقول: أين كنتم؟!

لأن الجواب هو: أننا كنا في معركة حقيقية نتائجها مضمونة.

ومعلوم كَم الاعتقال والتعذيب الذي كان يحظى به السلفيون في عهد مبارك..
السؤال لماذا؟

لأنهم كانوا يعرفون بخطورة دورهم على الساحة وبخطورة معركتهم .. لذا كان الاعتقال والتعذيب والتهميش والتنفير منهم والتشويه الدائم لهم بالمرصاد.

طارق منينة
11-28-2011, 05:13 PM
فأية فائدة لمعارضة ديكورية لا حقيقة لها ولا وزن مررت مع وجودها أسوأ القوانين وأسوأ الميزانيات وبيع القطاع العام بل البلد بأسرها بلا مقابل, وصدرت الشخصيات التي ينطبق عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة", " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
مع احترامنا لكلام الشيخ ياسر الا اني اقول ان المعارضة كانت عنيفة جدا وكان الشعب يسمع عنها بل يراها ويرى مدى التحدي وهذا لو نظر اليه وحده لتبين منه انه ادى الى جرأة اشد وفضيحة للنظام جعلته يزور اخر انتخابات بصورة شرسة(ادت الى زيادة الاحتقان، وهذا من المراغمة بقدر الامكان!!) وتشكلت من ذلك او بتأثير ذلك معارضة ذات شجاعة ممتازة وهذه دفعت كثير من الجماعات الوطنية الى الاحتشاد والانقلاب التام على السلطة وظهر ذلك في الاعلام ونزل المسيري مثلا في المسيرات وحوكم مبارك ورجالاته في القاعات التي جاء ت اليها معارضة البرلمان وجميع انواع المعارضة من الطراز العالي جدا وتم فضح النظام بكل صوره، وعرضت فضائح الاموال والتزاوير وكان هذا من اسباب تثوير الشعب وتعريفه بالنظام فليس ضروري ان تكون النتيجة مثالية ومالايدرك كله لايترك كله ويقرأ مع هذه الكلمة كلمة ابن تيمية عن مافعله يوسف النبي ومالم يستطع فعله فهي كلمة خطيرة جدا.
وحتى طلعت السادات فوجوده في البرلمان بصرف النظر عن خلفيته كان امرا مقلقا للنظام مع انه قد يكون قريب من النظام الا انه فضحهم فضيحة مجلجلة.


نسأل من يطالبون السلفيين بالتأخر وعدم المشاركة وترك المجال لرجال المرحلة كما يزعمون: هل يجب على ضعيف الخبرة لو سلمنا جدلا صحة ذلك أن يظل على ضعفه وعجزه لأنه لم يمارس فيكون الحل أن يبتعد عن الممارسة ؟ أم لابد لكل جاهلا أن يتعلم وكل قليل خبرة أن يكتسبها ؛ ولكل أمي لو كان أميا أن يتعلم القراءة والكتابة ليصل إلى ما وصل إليه الآخرون، وقد ولدتهم أمهاتهم أميين؟ أم ولدتهم أمهاتهم أميين؟ أم أنهم ولدوا أصحاب الحنكة والخبرة والقدرة .
صدقت وهذا هو العقل والحكمة وقد قلته في اكثر من موضع

أميرة الجلباب
11-28-2011, 05:17 PM
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " كل من استقرأ أحوال العالم : وجد المسلمين أحدَّ وأسدَّ عقلاً ، وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم في قرون وأجيال , وكذلك أهل السنة والحديث تجدهم كذلك متمتعين , وذلك لأن اعتقاد الحق الثابت يقوي الإدراك ويصححه قال تعالى: " والذين اهتدوا زادهم هدى " وقال : " ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتاً ، وإذا لآتيناهم من لدنا أجرا عظيماً ، ولهديناهم صراطاً مستقيماً " . مجموع الفتاوى (4/10) .

أميرة الجلباب
11-28-2011, 05:51 PM
مع احترامنا لكلام الشيخ ياسر الا اني اقول ان المعارضة كانت عنيفة جدا وكان الشعب يسمع عنها بل يراها ويرى مدى التحدي

أعتقد أن الشيخ يقصد "بالمعارضة الديكورية" المعارضة الموجودة داخل البرلمان.. لا وجود التيار المعارض ككل.. بدليل قوله قبلها: "وآخرها المواقف السرورية التي كان يحسم بها رئيس المجلس كل نقاش" وقوله بعدها: "مررت مع وجودها أسوأ القوانين.. إلخ".

طارق منينة
11-28-2011, 06:03 PM
المعارضة في داخل البرلمان اختنا صنعت مراغمة شجاعة ووقفت في وجه التيار الكاسح وهي بدورها شجعت المعارضة من الخارج على الالتحام العنيف في الفضح والكشف ضد رجالات النظام البائد وهذا كله رأيناه ورآه الشباب من كل حركة ومن هنا حدثت المفاجأة غير المتوقعة!
فالمدافعة والمراغمة حدثت ونجح الاخوان في مصر والسلفيون في الكويت والحركة الاسلامية في المغرب في احداث تغيير عميق في امور كثيرة ومنها اثبات حضور الاسلام في السياسة رغم انوف العلمانيين والحكام

طارق منينة
11-28-2011, 06:35 PM
المعارضة الاخوانية والسلفية (في البرلمان!)في مصر والكويت قديما وحديثا تدخل تحت نص بن تيمية الغالي جدا وهو(في مجموع الفتاوي، المجلد20)


ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبة فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب‏.‏ أو أحب فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوبا تارة واستحبابا أخرى‏.‏ ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض وكان هو وقومه كفارا"
"ومعلوم أنه مع كفرهم لا بدأن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كلما يريد وهو ما يراه من دين الله فإن القوم لم يستجيبوا له لكن فعل الممكن من العدل والإحسان ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك وهذا كله داخل في قوله‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَااسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 16‏]‏‏.‏ فإذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم أوكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجبا ولم يكن تاركه لأجل فعلا لأوكد تارك واجب في الحقيقة‏.‏ وكذلك إذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرما في الحقيقة وإن سمي ذلك ترك واجب وسمي هذا فعل محرم باعتبار الإطلاق لم يضر‏".‏
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية ،نفس الموضع

وهذا ثابت في سائر الأمور، فإن الطبيب مثلا يحتاج إلى تقوية القوة ودفع المرض، والفساد أداة تزيدهما معا، فإنه يرجح عند وفور القوة تركه إضعافا للمرض وعند ضعف القوة فعله لأن منفعة إبقاء القوة والمرض أولى من إذهابهما جميعا، فإن ذهاب القوة مستلزم للهلاك ولهذا استقر في عقول الناس أنه عند الجدب يكون نزول المطر لهم رحمة وإن كان يتقوى بما ينبته أقوام على ظلمهم لكن عدمه أشد ضررا عليهم ويرجحون وجود السلطان مع ظلمه على عدم السلطان كما قال بعض العقلاء ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان‏.‏ ثم السلطان يؤاخذ على ما يفعله من العدوان ويفرط فيه من الحقوق مع التمكن لكن أقول هنا، إذا كان المتولي للسلطان العام أو بعض فروعه كالإمارة والولاية والقضاء ونحو ذلك إذا كان لا يمكنه أداء واجباته وترك محرماته ولكن يتعمد ذلك ما لا يفعله غيره قصدا وقدرة‏:‏ جازت له الولاية وربما وجبت وذلكلأن الولاية إذا كانت من الواجبات التي يجب تحصيل مصالحها من جهاد العدو وقسم الفيءوإقامة الحدود وأمن السبيل‏:‏ كان فعلها واجبا فإذا كان ذلك مستلزما لتولية بعض من لا يستحق وأخذ بعض ما لا يحل وإعطاء بعض من لا ينبغي، ولا يمكنه ترك ذلك‏:‏ صار هذا من باب ما لا يتم الواجب أو المستحب إلا به فيكون واجبا أو مستحبا إذا كانت مفسدته دون مصلحة ذلك الواجب أو المستحب بل لو كانت الولاية غير واجبة وهي مشتملة على ظلم،ومن تولاها أقام الظلم حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها‏.‏ ودفع أكثره باحتمال أيسره‏:‏ كان ذلك حسنا مع هذه النية وكان فعله لما يفعله من السيئة بنيةدفع ما هو أشد منها جيدا‏.‏ وهذا باب يختلف باختلاف النيات والمقاصد فمن طلب من ه ظالم قادر وألزمه مالا فتوسط رجل بينهما ليدفع عن المظلوم كثرة الظلم وأخذ منه وأعطى الظالم مع اختياره أن لا يظلم ودفعه ذلك لو أمكن‏:‏ كان محسنا ولو توسط إعانة للظالم كان مسيئا‏.‏ وإنما الغالب في هذه الأشياء فساد النية والعمل أما النية فبقصده‏.‏ السلطان والمال وأما العمل فبفعل المحرمات وبترك الواجبات لا لأجل التعارض ولا لقصد الأنفع والأصلح‏.‏ ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبةفقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب‏.‏ أو أحب فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوباتارة واستحبابا أخرى‏.‏ ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض[/quote][/quote]

وفي نفس موضع الكلام عن باب عمل يوسف النبي، قال شيخ الاسلام

وهذا باب التعارض باب واسع جدا لا سيما في الأزمنة والأمكنة التي نقصت فيها آثار النبوة وخلافة النبوة فإن هذه المسائل تكثرفيها وكلما ازداد النقص ازدادت هذه المسائل ووجود ذلك من أسباب الفتنة بين الأمة فإنه إذا اختلطت الحسنات بالسيئات وقع الاشتباه والتلازم فأقوام قد ينظرون إلى الحسنات فيرجحون هذا الجانب وإن تضمن سيئات عظيمة وأقوام قد ينظرون إلى السيئات فيرجحون الجانب الآخر وإن ترك حسنات عظيمة والمتوسطون الذين ينظرون الأمرين قد لا يتبين لهم أو لأكثرهم مقدار المنفعة والمضرة أو يتبين لهم فلا يجدون من يعينهم العمل بالحسنات وترك السيئات، لكون الأهواء قارنت الآراء ولهذا جاء في الحديث‏:‏‏(‏إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات‏)‏‏.‏ فينبغي للعالم أن يتدبر أنواع هذه المسائل وقد يكون الواجب في بعضها - كما بينته فيما تقدم -‏:‏ العفو عند الأمر والنهي في بعض الأشياء، لا التحليل والإسقاط‏.‏ مثل أن يكون في أمره بطاعة فعلا لمعصية أكبر منها فيترك الأمر بها دفعا لوقوع تلك المعصية مثل أن ترفع مذنبا إلى ذي سلطان ظالم فيعتدي عليه في العقوبة مايكون أعظم ضررا من ذنبه ومثل أن يكون في نهيه عن بعض المنكرات تركا لمعروف هو أعظم منفعة من ترك المنكرات فيسكت عن النهي خوفا أن يستلزم ترك ما أمر الله به ورسولهم ما هو عنده أعظم من مجرد ترك ذلك المنكر‏.‏ فالعالم تارة يأمر وتارة ينهى وتارة يبيح وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الإباحة كالأمر بالصلاح الخالص أو الراجح أوالنهي عن الفساد الخالص أو الراجح وعند التعارض يرجح الراجح - كما تقدم - بحسب الإمكان فأما إذا كان المأمور والمنهي لا يتقيد بالممكن‏:‏ إما لجهله وإما لظلمه ولا يمكن إزالة جهله وظلمه فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه كما قيل‏:‏ إن من المسائل مسائل جوابها السكوت كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمربأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر‏.‏ فالعالم في البيان والبلاغ كذلك،قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى بيانها‏.‏ يبين حقيقة الحال في هذا أن الله يقول‏:‏ ‏{‏وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 15‏]‏ والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين‏:‏ بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله والقدرة على العمل به‏.‏ فأما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولانهي وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه‏:‏ كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالجنون مثلا وهذه أوقات الفترات فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كانبيانه لما جاء به الرسول شيئا فشيئا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئا فشيئا ومعلوم أن الرسول لا يبلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به ولم تأت الشريعة جملة كما يقال‏:‏ إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع‏.‏ فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لايبالغ إلا ما أمكن علمه والعمل به كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها‏.‏ وكذلك التائب من الذنوب، والمتعلم والمسترشد لايمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم فإنه لا يطيق ذلك وإذالم يطقه لم يكن واجبا عليه في هذه الحال وإذا لم يكن واجبا لم يكن للعالم والأميرأن يوجبه جميعه ابتداء بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه ولا يكون ذلك من باب إقرارالمحرمات وترك الأمر بالواجبات لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل وقد فرضنا انتفاء هذا الشرط‏.‏ فتدبر هذا الأصل فإنه نافع‏.‏ ومن هنا يتبين سقوط كثيرمن هذه الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجبا في الأصلوالله أعلم‏.‏ ومما يدخل في هذه الأمور الاجتهادية علما وعملا أن ما قاله العالم أوالأمير أو فعله باجتهاد أو تقليد فإذا لم ير العالم الآخر والأمير الآخر مثل رأي الأول فإنه لا يأمر به أو لا يأمر إلا بما يراه مصلحة ولا ينهى عنه إذ ليس له أن ينهى غيره عن اتباع اجتهاده ولا أن يوجب عليه اتباعه فهذه الأمور في حقه من الأعمال المعفوة لا يأمر بها ولا ينهى عنها بل هي بين الإباحة والعفو‏.‏ وهذا باب واسع جدا فتدبره ‏.‏

وكان ابن تيمية قد قدم لهذه المسألة العويصة بالكلام التالي، وهو

فصل
جامع في تعارض الحسنات، أو السيئات، أو هما جميعا‏.‏ إذا اجتمعا ولم يمكن التفريق بينهما، بل الممكن إما فعلهما جميعا وإما تركهما جميعا‏.‏ وقد كتبت مايشبه هذا في ‏[‏قاعدة الإمارة والخلافة‏]‏ وفي أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما فنقول‏:‏ قد أمرالله ورسوله بأفعال واجبة ومستحبة، وإن كان الواجب مستحبا وزيادة‏.‏ ونهى عن أفعال محرمة أو مكروهة والدين هو طاعته وطاعة رسوله وهو الدين والتقوى، والبر والعمل االصالح، والشرعة والمنهاج وإن كان بين هذه الأسماء فروق‏.‏ وكذلك حمد أفعالا هي الحسنات ووعد عليها وذم أفعالا هي السيئات وأوعد عليها وقيد الأمور بالقدرة والاستطاعة والوسع والطاقة فقال تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَااسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 16‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَااكْتَسَبَتْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 286‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا‏}‏ ‏[‏الطلاق‏:‏ 7‏]‏ وكل من الآيتين وإن كانت عامة فسبب الأولى المحاسبة على ما في النفوس وهو من جنس أعمال القلوب وسبب الثانية الإعطاءالواجب‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّنَفْسَكَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 84‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 185‏]‏وقال‏:‏ ‏{‏يُرِيدُاللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 28‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 78‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 105‏]‏ الآية وقال‏:‏‏{‏وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 280‏]‏وقال‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 97‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 91‏]‏‏.‏ وقد ذكرفي الصيام والإحرام والطهارة والصلاة والجهاد من هذا أنواعا‏.‏ وقال في المنهيات‏:‏‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 119‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَبَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 173‏]‏ ‏{‏فَمَنِ اضْطُرَّغَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏‏[‏الأنعام‏:‏ 145‏]‏ ‏{‏لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 286‏]‏ ‏{‏وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 5‏]‏ ‏{‏وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 220‏]‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 217‏]‏ الآية‏.‏ وقال في المتعارض‏:‏ ‏{‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 219‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 216‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 101‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُمِنَ الْقَتْلِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 217‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 239‏]‏ ‏{‏وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 102‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 14، 15‏]‏‏.‏ ونقول‏:‏ إذا ثبت أن الحسنات لهامنافع وإن كانت واجبة‏:‏ كان في تركها مضار والسيئات فيها مضار وفي المكروه بعضحسنات‏.‏ فالتعارض إما بين حسنتين لا يمكن الجمع بينهما، فتقدم أحسنهما بتفويتالمرجوح وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما، فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما‏.‏وإما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما، بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة،وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة، فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة‏.‏فالأول كالواجب والمستحب، وكفرض العين وفرض الكفاية، مثل تقديم قضاء الدين المطالب به على صدقة التطوع‏.‏ والثاني كتقديم نفقة الأهل على نفقة الجهاد الذي لم يتعين،وتقديم نفقة الوالدين عليه كما في الحديث الصحيح‏:‏ ‏{‏أي العمل أفضل ‏؟‏ قال‏:‏الصلاة على مواقيتها قلت‏:‏ ثم أي ‏؟‏ قال‏:‏ ثم بر الوالدين قلت‏.‏ ثم أي ‏؟‏قال‏:‏ ثم الجهاد في سبيل الله وتقديم الجهاد على الحج كما في الكتاب والسنة متعين على متعين ومستحب على مستحب وتقديم قراءة القرآن على الذكر إذا استويا في عمل القلب واللسان وتقديم الصلاة عليهما إذا شاركتهما في عمل القلب وإلا فقد يترجح الذكربالفهم والوجل على القراءة التي لا تجاوز الحناجر وهذا باب واسع‏.‏ والثالث كتقديمالمرأة المهاجرة لسفر الهجرة بلا محرم على بقائها بدار الحرب كما فعلت أم كلثومالتي أنزل الله فيها آية الامتحان ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ‏}‏ ‏[‏الممتحنة‏:‏ 10‏]‏ وكتقديم قتل النفس على الكفر كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُمِنَ الْقَتْلِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 217‏]‏ فتقتل النفوس التي تحصل بهاالفتنة عن الإيمان لأن ضرر الكفر أعظم من ضرر قتل النفس وكتقديم قطع السارق ورجمالزاني وجلد الشارب على مضرة السرقة والزنا والشرب وكذلك سائر العقوبات المأمور بهافإنما أمر بها مع أنها في الأصل سيئة وفيها ضرر، لدفع ما هو أعظم ضررا منها، وهي جرائمها، إذ لا يمكن دفع ذلك الفساد الكبير إلا بهذا الفساد الصغير‏.‏ وكذلك في ‏"‏باب الجهاد ‏"‏ وإن كان قتل من لم يقاتل من النساء والصبيان وغيرهم حراما فمتىاحتيج إلى قتال قد يعمهم مثل‏:‏ الرمي بالمنجنيق والتبييت بالليل جاز ذلك كما جاءت فيها السنة في حصار الطائف ورميهم بالمنجنيق وفي أهل الدار من المشركين يبيتون وهودفع لفساد الفتنة أيضا بقتل من لا يجوز قصد قتله‏.‏ وكذلك ‏[‏مسألة التترس‏]‏ التيذكرها الفقهاء، فإن الجهاد هو دفع فتنة الكفر فيحصل فيها من المضرة ما هو دونها،ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي‏[‏إلى‏]‏ قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك، وإن لم يخف الضرر لكن لم يمكن الجهاد إلا بما يفضي إلى قتلهم ففيه قولان‏.‏ ومن يسوغ ذلك يقول‏:‏ قتلهم لأجل مصلحة الجلادمثل قتل المسلمين المقاتلين يكونون شهداء ومثل ذلك إقامة الحد على المباذل، وقتالالبغاة وغير ذلك ومن ذلك إباحة نكاح الأمة خشية العنت‏.‏ وهذا باب واسع أيضا‏.‏وأما الرابع‏:‏ فمثل أكل الميتة عند المخمصة، فإن الأكل حسنة واجبة لا يمكن إلابهذه السيئة ومصلحتها راجحة وعكسه الدواء الخبيث، فإن مضرته راجحة على مصلحته منمنفعة العلاج لقيام غيره مقامه، ولأن البرء لا يتيقن به وكذلك شرب الخمر للدواء‏.‏فتبين أن السيئة تحتمل في موضعين دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها وتحصلبما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها والحسنة تترك في موضعين إذا كانت مفوتةلما هو أحسن منها، أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة‏.‏ هذا فيما يتعلق بالموازنات الدينية‏.‏ وأما سقوط الواجب لمضرة في الدنيا، وإباحة المحرملحاجة في الدنيا، كسقوط الصيام لأجل السفر، وسقوط محظورات الإحرام وأركان الصلاة لأجل المرض فهذا باب آخر يدخل في سعة الدين ورفع الحرج الذي قد تختلف فيه الشرائع،بخلاف الباب الأول، فإن جنسه مما لا يمكن اختلاف الشرائع فيه وإن اختلفت في أعيانه بل ذلك ثابت في العقل كما يقال‏:‏ ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر وإنما العاقلالذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين وينشد‏:‏
إن اللبيب إذا بدا من جسمه ** مرضان مختلفان داوى الأخطرا
وهذا ثابت في سائر الأمور، فإن الطبيب مثلا يحتاج إلى تقوية القوة ودفع المرض، والفساد أداة تزيدهما معا، فإنه يرجح عند وفور القوة تركه إضعافا للمرض وعند ضعف القوة فعله لأن منفعة إبقاء القوة والمرض أولى من إذهابهما جميعا، فإن ذهاب القوة مستلزم للهلاك ولهذا استقر في عقول الناس أنه عند الجدب يكون نزول المطر لهم رحمة وإن كان يتقوى بما ينبته أقوام على ظلمهم لكن عدمه أشد ضررا عليهم ويرجحون وجود السلطان مع ظلمه على عدم السلطان كما قال بعض العقلاء ستون سنة من سلطان ظالم خير من ليلة واحدة بلا سلطان‏.‏ ثم السلطان يؤاخذ على ما يفعله من العدوان ويفرط فيه من الحقوق مع التمكن لكن أقول هنا، إذا كان المتولي للسلطان العام أو بعض فروعه كالإمارة والولاية والقضاء ونحو ذلك إذا كان لا يمكنه أداء واجباته وترك محرماته ولكن يتعمد ذلك ما لا يفعله غيره قصدا وقدرة‏:‏ جازت له الولاية وربما وجبت وذلكلأن الولاية إذا كانت من الواجبات التي يجب تحصيل مصالحها من جهاد العدو وقسم الفيءوإقامة الحدود وأمن السبيل‏:‏ كان فعلها واجبا فإذا كان ذلك مستلزما لتولية بعض من لا يستحق وأخذ بعض ما لا يحل وإعطاء بعض من لا ينبغي، ولا يمكنه ترك ذلك‏:‏ صار هذا من باب ما لا يتم الواجب أو المستحب إلا به فيكون واجبا أو مستحبا إذا كانت مفسدته دون مصلحة ذلك الواجب أو المستحب بل لو كانت الولاية غير واجبة وهي مشتملة على ظلم،ومن تولاها أقام الظلم حتى تولاها شخص قصده بذلك تخفيف الظلم فيها‏.‏ ودفع أكثره باحتمال أيسره‏:‏ كان ذلك حسنا مع هذه النية وكان فعله لما يفعله من السيئة بنيةدفع ما هو أشد منها جيدا‏.‏ وهذا باب يختلف باختلاف النيات والمقاصد فمن طلب من ه ظالم قادر وألزمه مالا فتوسط رجل بينهما ليدفع عن المظلوم كثرة الظلم وأخذ منه وأعطى الظالم مع اختياره أن لا يظلم ودفعه ذلك لو أمكن‏:‏ كان محسنا ولو توسط إعانة للظالم كان مسيئا‏.‏ وإنما الغالب في هذه الأشياء فساد النية والعمل أما النية فبقصده‏.‏ السلطان والمال وأما العمل فبفعل المحرمات وبترك الواجبات لا لأجل التعارض ولا لقصد الأنفع والأصلح‏.‏ ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبةفقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب‏.‏ أو أحب فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوباتارة واستحبابا أخرى‏.‏ ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض[/quote][/quote]

طارق منينة
11-28-2011, 06:46 PM
وهذا الكلام النفيس لشيخ الاسلام بن تيمية يخالف ماقاله الشيخ السلفي احمد النقيب حفظه الله فقد كتب يقول

الحزبية السياسية والصفقة الخاسرة، قراءة تأمّليّة
لا يخفى على بصير أن الحزب السياسي يعني حكومة؛ فتجد في الدول التي تزعم الديموقراطية أن الأحزاب تتعاور على مقاعد الحكومة، فهذا في السلطة، والمعارض في الظلِّ يُمارس حكما أيضا، والكل مُتعاون في خدمة البلد وتحقيق مصالحه ...
أمّا عندنا في مصر: فإن الأحزاب ليست كذلك، أحزاب هشّة لا تعتمد على أجندات عمليّة حقيقيّة ولا خبرات صادقة في حمل همّ الأمة وعلاج مشاكل البلاد التعليميّة والبحثيّة والتربوية والاجتماعيّة والاقتصادية والتجارية والزراعية والصناعية والسياسية والدينيّة والعسكرية والدولية والإقليميّة ... وغيرها.
إنما هي أبواق تتكلّم كثيرا، ولا تعملُ إلّا قليلا، ومن حالفهم الجدّ في تحقيق موعود نظري يُصادم بطائفة عظيمة من الصعوبات التي ربما لم يُفكّر فيها ...
فالفكر يسبقُ العمل، وبذا فإن من الرائق للحزبيين أن تكون تصوّراتهم دقيقة، وعندهم فرق عمل كاملة لها من الخبرة والحرفية والمهنيّة ما يُمكن أن نميّزهم عن غيرهم، وهذا كلّه في سياق ونسق الحزب ...
هذا ما يوجد عند غيرنا، أمّا نحن: فإنّ الحزب السلفي فكرة وقياما وانتشارا خلال أشهر!! أين الخبرات؟ لأننا لم نعمل شيئا للأمة، ومن هنا سيعتمد الحزب السلفي على طائفة، ويتحرّك من خلال طائفة، مُتخلّيا بذلك عن فكر الأمة والأخذ بيدها، وهذه خسارة كبيرة؛ لأن الحزب السلفي سيحرقُ رصيده الذي ربّاه قبل الحزب؛ لأنه في الحقيقة: (صورة كبيرة وضجيج كبير)، لكن لم يُقدّم شيئا للأمة، ولن يُقدّم!!!
نعم، الأمة في حاجة إلى بناء إيماني وتربوي، ولكن لن يكون ذلك إلّا بالدعوة والفتن والبلاء وتسليط المجرمين على الموحّدين، وعندها يكون النصر والتأييد، أمّا بهذه الصورة: فلا نزال في دائرة (الجماعة) لا (الأمة) ، إن التراخي والغرور الذي يولّده الحزب يقلبنا من (مُجاهدين) بالعلم والعمل والدعوة، إلى (مُستأنسين) بالحزب! رغبةً في حصد المصالح الموهومة، وحاشا وكلّا أن يكون هذا في دين محمّد – صلى الله عليه وسلم – ، الذي لا يرضى أن نبيع ديننا ونخسر ماضينا، أو أن يكون سيعُنا وراء رجال الأعمال ليحملوا التبعات المالية والإدارية (أحيانا) للحزب.إن صفوفنا في الداخل تحتاج إلى إعادة صياغة وتنسيق وترتيب ليس إداريا ولا مصلحيا ولا هوائيا، وإنما تحتاج إلى صياغة إيمانيّة تربوية عالية، لكن أن يكون هذا حالنا من ضعف الجنود والأتباع!!
إن الاعتماد على كثرة العدد فقط وسعة الانتشار لمدعاة إلى سرعة السقوط!! وهذه سنة كونيّة، فغير القادر على بناء صفّه الداخلي عاجز عن بناء الأمة ونفعها، فلماذا نعيش الوهم ونسابق الأمل الخادع؟!!
إن إخوة يوسف – كذبا – لمّا أرادوا أن يُقنعوا أباهم بإخراج يوسف – عليه السلام – معهم؛ ليُنفّذوا كيدهم، قدّم لهم يعقوب ما به اتّكأوا عليه في كيدهم، وهو الخوف عليه من الذئب!! فكان ردّهم: "لئن أكله الذئبُ ونحن عصبة إنّا إذا لخاسرون" (يوسف: 14)، أي: "إذا كنا لا نقدر على دفع الذئب عن أخينا: فنحنُ أعجزُ أن ندفعه عن أغنامنا"، وقيل: "لخاسرون: لجاهلون بحقّه، وقيل: عاجزون، وعند الطبري: لَعَجَزة هالكون".
فكذلك: من يزعُمُ أنه سيفعل كذا وكذا من الآمال ليُغرر بها الناخبين، وهو في الداخل أعجزُ أن يفعل شيئا حقا، إنه عاجز هالك، فاعتبروا يا أولي الأبصار .. أما القول: (بأن هذا واجب المرحلة، وفقه الوقت يقتضي سرعة المُشاركة والتحزُّب، فهذه ضرورة، ونحن مُتعجّلون، والوقت ضيّق، ليس أمامنا وقت!! "التورتة" توشك الأكلة أن يتقاسموها فنريد حظّنا منها، وليكن ما يكن من قبول النصارى، وجواز بناء الكنائس، وعدم المُطالبة بالإفراج عن الأسيرات المُسلمات، وقبول الديموقراطية – زعما أننا سنُفرغ مضمونها من حقيقة الحكم لنجعله لله سبحانه!!! – وفتح الحزب لكل المصريين "هكذا!!!" ، وقبول قانون الأحزاب، واستضافة القُسُس في مؤتمرات الحزب، ومنع رفع شعارات مُقاطعة ساويرس في المؤتمرات الحزبية ....).لماذا هذا كله؟!! (لأننا نخاف أن يُسيطر العلمانيون على البلد، ويضعوا دستورا يُضيّق الخناق على الدعوة والدعاة!!)، والجواب:
1) أعطِ صوتك لمن هم أقدمُ من الحزبيين السلفيين في باب التنازلات والتدحرج الفكري، وهم جماعات الدعوة الإسلامية العاملة.
2) هَبْ أن ذلك قد حدث، فما الضير؟!! قدرٌ كتبه الله، فلنصبر ولنحتسب، ولنستمرّ في حالنا قبل أحداث (يناير 2011م) حتى لو قُتِلْنا أو سُجنّا: ستهبُّ الأمة للدفاع عنا بفضل الله، وسنكون قادة الأمة الذين لم يتنازلوا عن دينهم أو دعوتهم!!!
وصفوة القول: مع ضيق الوقت – إلّا أن الوقت مُتَّسِعٌ ما دامت الروح تخفق في البدن – أقول لإخواني وأحبّتي من المشايخ سدّدهم الله إلى اليُسرى: ارجعوا عن هذا الطريق، والزموا طريق الدعوة، واجتمعوا على السعادة الأبديّة بالتزاحم في أمور الآخرة، لا التزاحم في أمور الدنيا، واعلموا أن الله سائلُكم – وكذلك الأجيال الصاعدة – ، فاتقوا الله واستعدُّوا بما يكون لائقا لكم ولجلالتكم ومكانتكم في قلبي وقلب كلِّ مُحبٍّ لكم من العلماء وطلبة العلم.أَخَذَ الله – تعالى – بأيدينا إلى طريقه، وصلى الله وسلّم وبارك على النبي محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.

طارق منينة
11-29-2011, 06:23 AM
تخبط الحزبيين السلفيين للشيخ السلفي الدكتور أحمد النقيب 22 11
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=3aqiERyC6OM

طارق منينة
12-03-2011, 07:24 AM
http://www.youtube.com/watch?v=o0D3zrQhKEI&feature=player_embedded