المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السبت - حديث - رياض الصالحين



إلى حب الله
02-23-2012, 09:14 PM
بسم الله الرحمن الرحيم ..
هنا بإذن الله تعالى ستكون دروس السبت في الحديث بعرض كتاب :
( رياض الصالحين ) للإمام النووي ...

وللمزيد من المعلومات عن الدورة وروابطها < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35666)

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس الحديث < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35658)

إلى حب الله
02-25-2012, 12:51 AM
الدرس (1) ..

بسم الله الرحمن الرحيم ..
بين أيدينا اليوم كتاب ٌ: من أشهر الكتب الجامعة لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ..
وقد انتقى أحاديثه بعناية صاحبه الإمام النووي رحمه الله (يحيى بن شرف النووي الدمشقي 631 : 676هـ) من بين أصح وأشهر كتب الحديث ..
وهو أحد كتابين كنت أنصح بهم مَن يريد عمل دروس منتظمة في المساجد لتعريف الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم (والكتاب الآخر هو مختصر صحيح الإمام مسلم لملاءمة بساطة تقاسيم أبوابه للمبتدئين والعوام عن صحيح الإمام البخاري والذي تعد تقاسيمه في حد ذاتها فقه !) ..

وبالفعل .. ورغم تعدي عدد أحاديث الكتاب لـ 1900 حديث تقريبا ً:
إلا أنها لم تحو إلا قرابة الـ 57 حديث ضعيف فقط !!!..
وهذه نسبة جيدة : ولا تقدح في الكتاب أبدا ً- والذي أنصح كل بيت مسلم باقتنائه - ..
ويمكن لمَن يريد الاطلاع على أحاديث الكتاب الضعيفة مجتمعة : أن يُطالع الرابط التالي :
http://www.saaid.net/Doat/ehsan/145.htm

والكتاب مقسم إلى 20 كتاب فرعي .. أكبرهم هو أولهم الذي نحن بصدده الآن بإذن الله ..
ألا وهو كتاب المقدمات .. فقد جمع ما يقارب 82 بابا ً!!!..
وربما جمعت في الدرس الواحد عرض أكثر من باب .. وخصوصا ًمع الأبواب الصغيرة جدا ً- بعض الأبواب تحتوي على حديثٍ أو حديثين ! - ..

لن أ ُطيل عليكم ..
ولكن قبل البدء باستعراض أحاديث باب الإخلاص والنية (أول باب في الكتاب) :
أود الاقتباس أولا ًمن مقدمة الكتاب القصيرة : نصفها الأخير التالي :
حيث يقول فيها الإمام النووي رحمه الله بعد حديثه عن الدنيا :
------

فإذا كان حالها (أي الدنيا) : ما وصفته ، وحالنا وما خلقنا له : ما قدمته ، فحق على المكلف أن يذهب بنفسه مذهب الأخيار ، ويسلك مسلك أولى النهى والأبصار (النهى أي العقول) ، ويتأهب لما أشرت إليه ، ويهتم بما نبهت عليه ‏.‏
وأصوب طريق له في ذلك ، وأشد ما يسلكه من المسالك‏ :‏

التأدب بما صح عن نبيناً سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم .
- وقد قال الله تعالى‏ :‏‏ {‏وتعاونوا على البر والتقوى‏}‏ ‏[‏ المائدة‏:‏2‏]‏
- وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏ :‏ ‏"‏والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه‏"‏
- وأنه قال‏ صلى الله عليه وسلم : ‏‏"‏مَن دل على خير فله مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً‏"‏
- وأنه صلى الله عليه وسلم قال لعلى رضي الله عنه‏ :‏ ‏"‏فوالله لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم‏"‏‏ .‏

فرأيت أن أجمع مختصراً من الأحاديث الصحيحة ، مشتملاً على ما يكون طريقاً لصاحبه إلى الآخرة ، ومحصلاً لآدابه الباطنة والظاهرة ، وجامعاً للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السالكين‏ :‏

من أحاديث الزهد .
ورياضات النفوس .
وتهذيب الأخلاق .
وطهارات القلوب وعلاجها .
وصيانة الجوارح وإزالة اعوجاجها .
وغير ذلك من مقاصد العارفين‏ .‏

وألتزم فيه أن لا أذكر إلا حديثاً صحيحاً من الواضحات ، مضافاً إلى الكتب الصحيحة المشهورات ، وأ ُصدر الأبواب من القرآن العزيز بآياتٍ كريمات ، وأ ُوشح ما يحتاج إلى ضبط أو شرح معنى خفى بنفائس من التنبيهات‏ .‏

وإذا قلت في آخر حديث‏ :‏ متفق عليه ، فمعناه‏ :‏ رواه البخاري ومسلم‏ .‏

وأرجو إن تم هذا الكتاب : أن يكون سائقاً للمُعتنى به إلى الخيرات ، حاجزاً له عن أنواع القبائح والمهلكات‏ .‏

وأنا سائل أخاً انتفع بشئ منه : أن يدعو لي ، ولوالدى ، ومشايخى ، وسائر أحبابنا ، والمسلمين أجمعين ، وعلى الله الكريم اعتمادى ، وإليه تفويضى واستنادى ، وحسبى الله ونعم الوكيل ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم‏ .‏

-------
أقول :
رحم الله الإمام النووي الذي مات صغيرا ًفي السن : كبيرا ًفيما ترك لأمته ..
فهو صاحب الشرح الماتع على صحيح الإمام مسلم .. وصاحب الأربعين حديث النووية الشهيرة .. ويكفي بكتابه هذا (رياض الصالحين) أنه اسم ٌعلى مسمى كما يقولون !!!..
وخير عون ٍلمَن أراد طاعة الرحمن باتباع النبي العدنان امتثالا ًلأمر الله عز وجل :
{لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة : لمَن كان : يرجو الله .. واليوم الآخر .. وذكر الله كثيرا ً} (الأحزاب 21) ..

ولنبدأ على بركة الله الآن مع أول الأبواب ..
وسوف أقوم بتلوين اسم راو الحديث الأقرب للنبي باللون الأزرق - عسى أن تلتصق أسماء هؤلاء الصحابة العظام بذاكرة القاريء مع التكرار : فهم أولى بغيرهم من تذكر أسمائهم - .. كما سأقوم بتلوين متن الحديث من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باللون الأحمر .. مع وضع خط تحت الشاهد من الآية أو الحديث بموضوع الباب كما سترون ..
والله ولي التوفيق ..
----------

كتاب المقدمات ..
باب الإخلاص وإحضار النية فى جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية ..

قال الله تعالى :
{‏وما أ ُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة‏}‏ ‏(‏‏(‏البينة‏:‏5‏)‏‏)‏
وقال تعالى :
{‏لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم‏}‏ ‏(‏‏(‏الحج‏:‏ 37‏)‏‏)‏
وقال تعالى :
{‏قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله‏}‏ ‏(‏‏(‏آل عمران‏:‏29‏)‏‏) ‏‏.‏

1 - وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدى بن لؤى ابن غالب القرشى العدوى رضي الله عنه قال ‏:‏ سمعت رسول الله يقول‏ :‏ ‏"‏ إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرىء ما نوى فمَن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومَن كانت هجرته لدنيا يُصيبها ، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه‏"‏ ‏

((‏متفق على صحته , رواه إماما المُحدثين‏ (يقصد البخاري ومسلم .. والمُحدث هو عالم الحديث) :‏
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري ..
وأبو الحسين : مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى النيسابورى :
رضي الله عنهما في صحيحهما اللذين هما أصح الكتب المصنفة‏ (ويوصف دوما ًكتابي صحيحي البخاري ومسلم بأنهما أصح كتب الحديث : لاحتوائهما على أصعب شروط قبول السند والرواية عن النبي .. والبخاري في ذلك أشد من مسلم : ولذلك يفوقه من هذه الجهة))‏‏)‏‏.‏

أقول ...
قد يقوم بالفعل الواحد المتشابه رجلان .. ولكن الفرق بين نيتيهما فيه : كالفرق بين السماء والأرض !!.. فاثنان قد يصليان بجوار بعضهما البعض : ولكن الأول يصلي لله .. والثاني يصلي نفاقا ًأو سمعة ًورياء والعياذ بالله !!..
والخلاصة .. أن الإنسان يُثاب على قصد قلبه وهو نيته .. فمَن مات مثلا ًفي طريق هجرته لله ورسوله : فقد وقع أجره على الله .. ومَن مات في طريقه لتجارة أو زواج : فهو ليس كالأول يقينا ًلاختلاف نيتيهما .. مع توضيح أن باب الهجرة وإن أ ُغلق من بعد فتح مكة : إلا أن له صورٌ أخرى ما زالت مفتوحة ًإلى اليوم !!.. يقول نبينا الكريم :
" لا هجرة بعد الفتح ولكن : جهاد ونية .. وإذا استـُنفرتم (أي دعيتم في سبيل الله) : فانفروا " ((رواه النسائي)) وسيأتي بعد لحظات ..
وكذلك هجرة المسلم من دار الكفر التي لا يستطيع فيها ممارسة شعائر دينه إلى دار الإسلام .. بل : ومجرد هجر المعاصي والذنوب والآثام هو هجرة ٌأيضا ًلقول نبينا العدنان :
" المسلم : مَن سلم المسلمون من لسانه ويده .. والمهاجر : مَن هجر ما نهى الله عنه " ((متفق عليه)) ..
والله تعالى أعلى وأعلم ..

2 - وعن أم المؤمنين أم عبد الله عائشة رضي الله عنها (وأم عبد الله هي كنيتها فهي لم تلد) قالت ‏:‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏يغزو جيشٌ الكعبة (وذلك عند ظهور المهدي ومُبايعته عند الكعبة) فإذا كانوا ببيداء من الأرض يُخسف بأولهم وآخرهم‏"‏‏ .‏
قالت‏ :‏ قلت‏ :‏ يارسول الله ، كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومَن ليس منهم‏ ! ‏‏؟‏
قال‏ :‏ ‏"‏يُخسف بأولهم وآخرهم ، ثم يُبعثون على نياتهم‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه ‏,‏ هذا لفظ البخاري‏)‏‏) ‏‏.‏

أقول ...
في هذا الحديث الشريف : وعندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بتلك العلامة الكونية المميزة للمهدي الحق : والتي لن يستطيع تقمصها ولا افتعالها أحد ليدعي أنه المهدي : ألا وهي خسفٌ بالأرض : وهو ذلك الخسف الذي سيقع لأول جيش سيتوجه لقتال المهدي في الكعبة :
فإن أمنا عائشة رضي الله عنها من فطنتها وذكائها تساءلت : وماذا عن الذين يكونون مع كل جيش : مجبورون على مصاحبته في توجهه حتى ولو خالف ذلك نيتهم ؟.. وماذا أيضا ًعن الذين سيموتون في ذلك الخسف : وهم ليسوا من الجيش أصلا ًبل ربما من سكان هذه المنطقة مثلا ً؟؟.. أو ممَن جمعهم الطريق بهم ؟؟..
فيُجيبها رسول الله بأن حدث الخسف واحد ولكن : يُبعث كل ميتٍ على نيته ..
وإذا أردنا تشبيه ذلك المعنى في عصرنا الحاضر :
فهو كالسيارة الواحدة مثلا ًيقع لها الحادث : فيموت كل مَن فيها على اختلاف نياتهم ساعة موتهم !!.. فذلك كان يتوجه لعمل خير .. في حين الآخر كان يتوجه لعمل معصية ٍأو شر .. وهكذا الأمثلة كثيرة لمَن يتدبر ..

3 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي :‏ ‏"‏ لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية ، وإذا استنفرتم (أي في سبيل الله) فانفروا‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏) ‏‏.‏
‏‏ومعناه ‏:‏
لا هجرة من مكه لأنها صارت دار إسلام .

4 - وعن أبي عبد الله جابر بن عبد الله الأنصارى رضي الله عنهما قال‏ :‏ كنا مع النبي في غزاةٍ فقال‏ :‏‏"‏إن بالمدينة لرجالاً ماسرتم مسيراً ، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض‏"‏ .
وفى رواية ‏:‏ ‏"‏إلا شاركوكم في الأجر‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏) ‏‏.‏
‏(‏‏(‏ورواه البخاري‏)‏‏)‏ عن أنس رضي الله عنه قال ‏:‏ رجعنا من غزوة تبوك مع النبي فقال‏ :‏ ‏"‏ إن أقواماً خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا ، حبسهم العذر‏" ‏‏.‏

أقول ...
وهذا من كرم الله تعالى ورحمته .. أنه يكتب من الأجر بالنية الصالحة الصادقة للعمل الذي لم يتم : مثل أجر العمل الذي تم أو مشاركته !!!.. فإذا علم المسلم ذلك واستوعبه : فليكن تاجرا ًناجحا ًمع الله عز وجل : وليُحسن نيته دوما ًويضاعفها ويصطفيها اصطفاءً !!!.. ولا يمنعه مانع من جهاد أو عمل صالح ونحوه : من أن ينويه على الأقل بقلبه لو تيسرت له الأمور .. وسبحان العاطي الوهاب ..

5 - وعن أبي يزيد معن بن يزيد بن الأخنس رضي الله عنهم ، وهو وأبوه وجده صحابيون ، قال‏ :‏ كان أبي يزيد أخرج دنانير يتصدق بها .. فوضعها عند رجل في المسجد .. فجئت فأخذتها (وكان محتاجا ًللمال) فأتيته بها ، فقال‏ :‏ والله ما إياك أردت !! (أي أني كنت قصدت بنيتي التصدق على الرجل الآخر في المسجد) ، فخاصمته إلى رسول الله فقال‏ :‏ ‏"‏ لك ما نويت يا يزيد (أي لك أجر نيتك) ، ولك ما أخذت يا معن‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏) ‏‏.‏

6 - وعن أبي إسحاق سعد بن أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى القرش الزهرى رضي الله عنه ، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ، رضي الله عنهم ، قال‏ :‏ ‏"‏ جاءنى رسول الله يعودنى عام حجة الوداع من وجع اشتد بى فقلت‏ :‏ يا رسول الله إني قد بلغ بى من الوجع ما ترى ، وأنا ذو مال ولا يرثنى إلا ابنة لي ، أفأتصدق بثلثي ما لي (وكان يتوقع الموت في مرضه هذا) ؟‏ قال‏ :‏ لا ، قلت ‏:‏ فالشطر يارسول الله‏ ؟‏ فقال ‏:‏ لا ، قلت‏ :‏ فالثلث يا رسول الله‏ ؟‏ قال الثلث والثلث كثير - أو كبير - إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ، وإنك لن تنفق نفقة تبتغى بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فيّ (أي فم) امرأتك قال‏ :‏ فقلت ‏:‏ يا رسول الله أخلف بعد أصحابي ‏؟‏ قال ‏:‏ إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعةً ، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويُضَر بك آخرون (وهو ما وقع بالفعل حيث عاش سعد حتى قام بالفتوحات العظيمات في بلاد فارس) ‏.‏ اللهم امض لآصحابى هجرتهم ، ولا تردهم على أعقابهم ، لكن البائس سعد بن خولة‏"‏ يرثى له رسول الله أن مات بمكة ‏. ‏‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏) ‏‏.‏

7 - وعن أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه قال قال رسول الله :‏ ‏"‏ إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ، ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ‏"‏ . ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏ .‏

أقول ..
والحديث يخلع مفهوم التفاضل عند الله تعالى بالمنصب والمظهر وقوة الجسد وجماله والجاه والحسب والنسب : ليضع بدلا ًمنه مفهوم التفضل بأعمال القلوب وصلاح النيات !!..
وليس معنى ذلك أن يرتدي المسلم أو المسلمة ما يشاؤون من سيء اللباس وأفجره وأفسقه : ثم يقولون أن الله ينظر للقلب !!.. أو يدعوا لأنفسهم الصلاح !!.. بل الصواب أنه لو صلح باطنهم : لصلح ظاهرهم ولاستقام على أوامر الله ورسوله والشرع الحنيف !!.. ولانتظمت هيئتهم بما يرضي الله ورسوله ولا يفتن صاحبه ولا يفتن المسلمين ..

8 - وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعرى رضي الله عنه قال ‏:‏ سُئل رسول الله عن الرجل يقاتل شجاعة (أي ليُثبت شجاعته وجرأته وقوته) ، ويقاتل حَمَيةً (أي تعصبا ًلجهة ما) ، ويقاتل رياء (أي ليتحدث الناس عنه بالمدح) ، أى ذلك في سبيل الله‏ ؟‏ فقال رسول الله :‏ ‏"‏ مَن قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو في سبيل الله‏"‏ . ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏.‏

9 - وعن أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفى رضي الله عنه أن النبي قال‏ :‏ ‏"‏إذ التقى المسلمان بسيفيهما (أي بغير حق) فالقاتل والمقتول في النار‏"‏ قلت يارسول الله ، هذا القاتل (أي يستحق ذلك) فما بال المقتول ‏؟‏!! قال‏ :‏ ‏"‏إنه كان حريصاً على قتل صاحبه‏"‏ ‏. (‏متفق عليه‏)‏

10 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعاً وعشرين درجه وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا يريد إلا الصلاة ، لا ينهزه إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة حتى يدخل المسجد ، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هى تحبسه ، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذى صلى فيه ، ما لم يحدث فيه‏"‏ ‏. (‏‏(‏متفق عليه، وهذا لفظ مسلم‏)‏‏)‏‏ .‏

وقوله :‏ ‏ينهزه‏ ‏هو بفتح الياء والهاء وبالزاى ‏:‏ أى يُخرجه ويُنهضه‏ .

أقول ...
وفي الحديث فضل البقاء في المسجد أو في مكان الصلاة بعد انقضائها : إن لم يكن في ذلك ضرر على مصالح العبد وحقوق الآخرين عليه .. فالملائكة تصلي على ذلك الجالس طول فترة جلوسه (وصلاة الملائكة هي الدعاء بالرحمة والمغفرة للمؤمنين) .. وهو في تلك الفترة وكأنه في صلاة .. سواء كان يقرأ قرآنا ًأو يصلي نفلا ًأو يحضر درس علم أو حتى يتأمل ويتدبر في خلق الله تعالى وتصاريفه وحكمته في الحياة !!!..
وهناك لطيفة ربما لم ينتبه إليها الكثيرون في بقاء المسلم في المسجد بعد الصلاة وهي :
أن الأحباء إذا تلاقوا : صار فراقهم متباطئا ًلصعوبته وثقله على النفس !!..
أما الذي يلاقي إنسانا ًغصبا ً: فهو أخف الناس في ساعة الرحيل وأسرعهم !!..

11 - وعن أبي العباس عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما ، عن رسول الله ، فيما يروى عن ربه تبارك وتعالى قال‏ :‏ ‏"‏ إن الله كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك‏ :‏ فمَن همّ بحسنة فلم يعملها كتبها الله تبارك وتعالى عنده حسنة كاملة ، وإن همّ بها فعملها كتبها الله عشر حسنات إلى سبعمائه ضعف إلى أضعاف كثيرة ، وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ‏"‏ ‏. (‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏) ‏‏.‏

أقول ...
وفي زيادة أخرى صحيحة متفق عليها لنفس الحديث السابق يقول بعد كل هذه الرحمات :
" ولا يهلك على الله (أي بعد كل ما سبق) إلا هالك (أي إلا كل مَن اختار لنفسه الهلاك بالفعل عن الدخول في رحمات الله) " !!!.. فحقا ًوصدقا ًوالله !!..
فهل رأيتم معي كرم الله عز وجل كم هو واسع سبحانه ؟؟..
وألا تتفقون معي أن صفاته العلا تلك : وأسمائه الحسنى هذه : تبعث على محبته عز وجل ؟!!..
فاللهم إني : " أسألك حبك .. وحب مَن يُحبك .. وحب عمل يقربني إلى حبك " ((جزء من حديث معاذ : رواه أحمد والترمذي)) ..

12 - وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما قال ‏:‏ سمعت رسول الله يقول‏ :‏ ‏"‏ انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم : حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه ، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار ، فقالوا‏ :‏ إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة : إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم‏ .‏

قال رجل منهم ‏:‏ اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران ، وكنت لا أغبق (أي أعطي اللبن) قبلهما أهلاً (أي زوجته وأولاده) ولا مالا ً(أي ولا أبيعه قبل أن يشربا منه).‏ فنأى بى طلب الشجر يوماً (أي أخرني) فلم أرح عليهما (أي أرجع لهما) حتى ناما فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وأن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً ، فلبثت - والقدح على يدى - أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر والصبية يتضاغون عند قدمى (يريدون شرب اللبن) - فاستيقظا فشربا غبوقهما‏ .‏ اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه ‏.‏

قال الآخر‏ :‏ اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلىّ ‏"‏ .
(وفى رواية‏ :‏ ‏"‏كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء) ، فأردتها على نفسها (أي للجماع) فامتنعت منى حتى ألمّت بها سنة من السنين (أي سنة فقر وعوزة شديدين) فجاءتنى فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلى بينى وبين نفسها ففعلت (أي وافقته لشدة حاجتها للمال) ، حتى إذا قدرت عليها‏"‏ .
وفى رواية‏ :‏ ‏"‏فلما قعدت بين رجليها ، قالت‏ :‏ اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فانصرفت عنها وهى أحب الناس إلى وتركت الذهب الذى أعطيتها ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها‏ .‏

وقال الثالث‏ :‏ اللهم استأجرت أجراء (أي عمال بالأجرة) وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذى له وذهب ، فثمّرت أجره (أي استثمرته) حتى كثرت منه الأموال ، فجاءنى بعد حين فقال‏ :‏ يا عبد الله أدِ إليّ أجرى ، فقلت‏ :‏ كل ما ترى من أجرك‏ :‏ من الإبل والبقر والغنم والرقيق ‏.‏ فقال‏ :‏ يا عبد الله لا تستهزئ بى‏ !‏ فقلت‏ :‏ لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً ، اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون‏"‏ ‏ . (‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏) ‏‏.‏

أقول ...
وسبحان الله العظيم ..
ثلاث أعمال صالحات : أشد ما نحتاجهم اليوم كمسلمين للأسف !!!..
فالأول : ضرب لنا مثالا ًفريدا ًغريبا ًفي بر الوالدين !!!..
والثاني : ضرب لنا مثالا ًنادرا ًفي مراقبة الله تعالى والخوف منه والاتعاظ به سبحانه وبذكره عز وجل !!!..
والثالث : ضرب لنا أروع مثال ٍعلى الأمانة التامة بين صاحب العمل وعامله !!!..
وبما لم نعد نحلم بمعشاره في هذا الزمان للأسف !!.. والذي لو طال صاحب العمل أن يأكل كل مال عامله عليه : لأكله إلا مَن رحم ربي !!!..

يُـتبع إن شاء الله بباب التوبة ..

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس الحديث < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35658)

إلى حب الله
03-03-2012, 12:53 AM
الدرس (2) ..

كتاب المقدمات ..
باب التوبة ..

قال العلماء‏ :‏ التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمى ، فلها ثلاثة شروط‏ :‏
أحدها ‏:‏ أن يقلع عن المعصية‏ .‏
والثانى‏ :‏ أن يندم على فعلها ‏.‏
والثالث‏ :‏ أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً‏ .‏
فإن فُقد أحد الثلاثة لم تصح توبته ‏.‏

وإن كانت المعصية تتعلق بآدمى فشروطها أربعة‏:‏ هذه الثلاثة ، وأن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة استحله منها‏ .‏
ويجب أن يتوب من جميع الذنوب ، فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب ، وبقى عليه الباقى‏ .‏
وقد تظاهرت دلائل الكتاب، والسنة ، وإجماع الأمة على وجوب التوبة‏ :‏
قال الله تعالى :
{‏وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون‏}‏ ‏(‏‏(‏النور‏:‏ 31‏)‏‏)‏
قال الله تعالى :
{‏استغفروا ربكم ثم توبوا إليه‏}‏ ‏(‏‏(‏هود‏:‏ 3‏)‏‏)‏
قال الله تعالى :
{‏يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً‏}‏ ‏(‏‏(‏التحريم‏:‏ 8‏)‏‏)‏‏.‏

13 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏ :‏ سمعت رسول الله يقول ‏:‏ ‏"‏والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ‏"‏ ‏. (‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏) ‏‏.‏

أقول ...
وهذا الحديث والحديث الذي سيأتي بعده : يدلان أولا ًعلى إعلام النبي المسلمين بأهمية التوبة .. والتي إن فعلها هو وهو أطوعهم وأخشاهم لله : فهم بها أولى .. والثاني أنه صلى الله عليه وسلم وكما قال في حديث ٍآخر عن سبب استغفاره وتوبته أنه : يُغان على قلبه .. أي ينشغل قلبه فترات عن ذكر الله والتفكر فيه بغيره : فعدّ ذلك رسولنا الكريم ذنبا ًيستحق التوبة والاستغفار منه !!..

14 - وعن الأغر بن يسار المزنى رضي الله عنه قال‏ :‏ قال رسول الله :‏ ‏"‏ يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإنى أتوب في اليوم مائه مرة‏"‏ ‏. (‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏ .‏

15 - وعن أبي حمزة أنس بن مالك الأنصارى خادم رسول الله ، رضي الله عنه قال ‏:‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏ لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة ‏"‏ ‏. (‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏‏ .‏
وفى رواية لمسلم‏ :‏ "‏ لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ، وقد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذا هو بها ، قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح‏ :‏ اللهم أنت عبدي وأنا ربك ، أخطأ من شدة الفرح‏" ‏‏.‏

16 - وعن أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعرى رضي الله عنه عن النبي قال ‏:‏ ‏"‏ إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها‏"‏ ‏. (‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

أقول ...
وفي الحديث إشارة إلى (( دوام )) بسط يد الله تعالى لعباده بالتوبة .. وذلك حتى وقت طلوع الشمس من مغربها : وذلك قرب قيام الساعة .. حيث ساعتها لن تنفع الكافرين ولا العصاة توبتهم وقد رأوا أولى العلامات الكبرى لقيام الساعة ..
وعلى هذا ...
فعلى المستوى الفردي : فالله تعالى يبسط يده لعبده بالليل والنهار سبحانه !!..
وعلى المستوى الجماعي : فبسط الله تعالى يده لقوم ٍبالليل : هو بسط ٌليده بالنهار عند قوم ٍآخرين !
والعكس بالعكس .. إذا ً: يده مبسوطة ًدوما ًبالتوبة لجميع عبيده .. فقط :
نحن الذين نقصر في التوبة ونتشاغل عنها رغم أنها لن تكلفنا شيئا ًبيننا وبين الله !!!..
أيضا ً:
عقيدة أهل السنة والجماعة الحق هي الإيمان بأن لله تعالى يدا ًكما ذكر في القرآن والسنة ..
بل : وأصابع أيضا ًكما جاء في أحاديث صحيحة ولكن :
لا تشبيه لها بما لنا .. ولا تكييف لها ولا تأويل ولا تعطيل .. وإنما التسليم بما ذكر الله ورسوله :
وتفويض الكيفية في ذلك لله تعالى : فلا علم لنا بها الآن ...
(الكيفية : هي السؤال عن كيف .. كمَن يقول مثلا ً: كيف استوى الرحمن على العرش .. فيُجاب عليه : الاستواء نعرفه مما نراه في عالمنا .. ولكن كيفيته في حق الله تعالى نجهلها - والتأويل : هو صرف معنى اليد إلى غيره كالقول مثلا ًبأنها ليست يده ولكن المقصود بها رحمته وهكذا - والتعطيل هو القول بأنه ليس له يد أصلا ًولكنه قال ذلك فقط لكي نفهم .. إلخ - ومنهج أهل السنة في كل تلك الأقوال هو الوسط وهو التسليم مع عدم الخوض في الكيفية لقوله تعالى : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .. فله سمع .. وله بصر .. ولكن كيفيتيهما لا نعلمها .. وله عين وله يد ولكن كيفتيهما لا نعلمها) ..

17 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏ :‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏ مَن تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه‏"‏ ‏. (‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏ .‏

18 - وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عن النبي قال ‏:‏ ‏"‏ إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر‏"‏ ‏. (‏‏(‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏)‏‏)‏‏ .‏

أقول ..
والغرغرة هنا هي التي تسبق موت الإنسان بلحظات : وقبل وصول روحه إلى الحلقوم ..
حيث ساعتها قد يرى من الغيب : ما شاء الله تعالى له أن يرى من ملائكة أو غير ذلك ..
فلا تنفعه التوبة ساعتها ..

19 - وعن زر بن حبيش قال‏ :‏ أتيت صفوان بن عسال رضي الله عنه أسأله عن المسح على الخفين فقال ‏:‏ ما جاء بك يا زر ‏؟‏ فقلت ‏:‏ ابتغاء العلم ، فقال‏ :‏ إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضي بما يطلب ، فقلت‏ :‏ من أصحاب النبي ، فجئت أسألك‏ :‏ هل سمعته يذكر في ذلك شيئاً‏ ؟‏ قال‏ :‏ نعم ، كان يأمرنا إذا كنا سفراً - أو مسافرين - أن لا ننزع خفافناً ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ، ولكن من غائط وبول ونوم ‏.‏ فقلت‏ :‏ سفر ، فبينا نحن عنده إذ ناداه أعرابى بصوت له جهورى‏ :‏ يا محمد ، فأجابه رسول الله نحواً من صوته‏ :‏ ‏"‏هاؤم‏"‏ فقلت له ‏:‏ ويحك اغضض من صوتك فإنك عند النبي ، وقد نهيت عن هذا‏ !‏ فقال‏ :‏ والله لا أغضض‏ .‏ قال الأعرابى‏ :‏ المرء يُحب القوم ولما يلحق بهم ‏؟‏ قال النبي ‏:‏ "‏ المرء مع مَن أحب يوم القيامة‏"‏ فما زال يحدثنا حتى ذكر باباً من المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاماً‏ .‏ قال سفيان أحد الرواة : قبل الشام خلقه الله تعالى يوم خلق السماوات والأرض مفتوحاً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه‏"‏ ‏.(‏‏(‏رواه الترمذي وغيره وقال‏:‏ حديث حسن صحيح‏)‏‏) ‏‏.‏

أقول ...
والحديث بجانب بيانه لاتساع باب التوبة لعباد الله ...
فإن فيه فائدة جانبية ألا وهي : جواز المسح على الخفين ...
وفي ذلك تخفيف من الله تعالى ورسوله على المسلمين في مختلف أحوالهم ..
فالخف في الماضي : كان يُلف حول القدم بأكملها ويصعب فكه ثم ربطه عند كل وضوء ..
وكذلك العمامة للرأس .. فجاءت السنة بالرخصة في المسح عليهما ...
وذلك إذا تم لبسهما على طهارة وضوء ..
وذلك لمدة يوم واحد للمقيم .. وثلاثة أيام للمسافر ..
لا يخلعهما إلا لجنابة ...
وأما اليوم ..
فيقوم مقام الخف : الحذاء الساتر للقدم ...
وأجاز بعض العلماء الأفاضل الجورب أيضا ًوإن كان فيه كلام - أي لو كان خفيفا ً- ..
والله تعالى أعلى وأعلم ..

20 - وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنه أن نبي الله قال ‏:‏ ‏"‏ كان فيمَن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفساً ، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُل على راهب ، فأتاه فقال‏ :‏ إنه قتل تسعه وتسعين نفساً ، فهل له من توبة‏ ؟‏ فقال‏ :‏ لا ، فقتله فكمل به مائةً ، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض ، فدُل على رجل عالم (ولاحظوا أن الأول راهب لا يعرف إلا العبادة ولا فقه لديه .. أما هذا فعالم) فقال ‏:‏ إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة‏ ؟‏ فقال ‏:‏ نعم ، ومَن يحول بينه وبين التوبة‏ ؟‏ انطلق إلى أرض كذا وكذا ، فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم ، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوءٍ (وهذا من الفقه أي : ابتعاد التائب عن أماكن المعاصي وأصحابها الذين قد يجرونه إليها من جديد بعد توبته) ، فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت ، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب ‏.‏ فقالت ملائكة الرحمة‏ :‏ جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله تعالى ، وقالت ملائكة العذاب‏ :‏ إنه لم يعمل خيرا قط ، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم - أي حكماً - فقال‏ :‏ قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له ، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد ، فقبضته ملائكة الرحمة‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏) ‏‏.‏

21 - وعن عبد الله بن كعب بن مالك، وكان قائد كعب رضي الله عنه من بنيه حين عمي قال ‏:‏ سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه يحدث بحديثه حين تخلف عن رسول الله في غزوة تبوك‏ .‏
قال كعب ‏:‏ لم أتخلف عن رسول الله ، في غزوة غزاها قط إلا في غزوة تبوك ، غير أني قد تخلفت في غزوة بدر ، ولم يعاتب أحد تخلف عنه ، إنما خرج رسول الله والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع الله تعالى بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد‏ .‏
ولقد شهدت مع رسول الله ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام ، وما أ ُحب أن لي بها مشهد بدرٍ ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها‏ .‏
وكان من خبري حين تخلف عن رسول الله ، في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة ، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة ، ولم يكن رسول الله يريد غزوة إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة ، فغزاها رسول الله في حر شديد ، واستقبل سفراً بعيداً ومفازاً ، واستقبل عدداً كثيراً ، فجلى للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجههم الذي يريد ، والمسلمون مع رسول الله كثير ولا يجمعهم كتاب حافظ ‏"‏يريد بذلك الديوان‏"‏
قال كعب‏ :‏ فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى به مالم ينزل فيه وحي من الله ، وغزا رسول الله تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال فأنا إليها أصعر فتجهز رسول الله والمسلمون معه ، وطفقت أغدو لكي أتجهز معه ، فأرجع ولم أقض شيئاً ، وأقول في نفسي‏ :‏ أنا قادر على ذلك إذا أردت ، فلم يزل يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد ، فأصبح رسول الله غادياً والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئاً ، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئاً ، فلم يزل يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو ، فهممت أن أرتحل فأدركهم ، فياليتني فعلت ، ثم لم يقدر ذلك لي ، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله يحزنني أني أرى لي أسوة ، إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق ، أو رجلاً ممن عذر الله تعالى من الضعفاء ، ولم يذكرني رسول الله حتى بلغ تبوك ، فقال وهو جالس في القوم بتبوك‏ :‏ ما فعل كعب بن مالك‏ ؟‏

فقال له معاذ بن جبل رضي الله عنه بئس ما قلت‏ !‏ والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيراً ، فسكت رسول الله فبينا هو على ذلك رأى رجلا مبيضا يزول به السراب .
فقال رسول الله :‏ {كن أبا خيثمة} ، فإذا أبو خيثمة الأنصاري وهو الذي تصدق بصاع التمر حين لمزه المنافقون ، قال كعب‏ :‏ فلما بلغني أن رسول الله قد توجه قافلاً من تبوك حضرني بثي ، فطفقت أتذكر الكذب وأقول‏ :‏ بم أخرج من سخطه غداً وأستعين على ذلك بكل ذي رأى من أهلي ، فلما قيل ‏:‏ إن رسول الله قد أظل قادماً زاح عني الباطل حتى عرفت أني لم أنج منه بشيء أبداً ، فأجمعت صدقه ، وأصبح رسول الله قادماً ، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل فعل ذلك جاءه المُخلفون يعتذرون إليه ويحلفون له ، وكانوا بضعا وثمانين رجلاً فقبل منهم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى حتى جئت‏ .‏
فلما سلمت تبسم تبسم المغضب ثم قال ‏:‏ تعال ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي‏ :‏ ما خلفك ‏؟‏ ألم تكن قد ابتعت ظهرك‏ !‏

قال قلت‏ :‏ يارسول الله إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ، لقد أ ُعطيت جدلاً ، ولكنني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضي به ليوشكن الله يسخطك علي ، وإن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه إني لأرجو فيه عقبى الله عز وجل ، والله ما كان لي من عذر ، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك‏ .‏
قال ‏:‏ فقال رسول الله ‏"‏ أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك‏"‏

وسار رجال من بني سلمة فاتبعوني ، فقالوا لي‏ :‏ والله ما علمناك أذنبت ذنبا قبل هذا ، لقد عجزت في أن لا يكون اعتذرت إلى رسول الله بما اعتذر إليه المُخلفون فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله لك‏ .‏
قال ‏:‏ فوالله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله فأكذب نفسي ، ثم قلت لهم‏ :‏ هل لقي هذا معي من أحد ‏؟‏
قالوا ‏:‏ نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت ، وقيل لهما مثل ما قيل لك ، قال قلت‏ :‏ من هما‏ ؟‏
قالوا‏ :‏ مرارة بن الربيع العمري ، وهلال بن أمية الواقفي‏ ؟‏
قال‏ :‏ فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً فيهما أسوة‏ .‏
قال‏ :‏ فمضيت حين ذكروهما لي‏ .‏
ونهى رسول عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه ، قال‏ :‏ فاجتنبنا الناس - أو قال‏ :‏ تغيروا لنا - حتى تنكرت لي في نفس الأرض ، فما هي بالأرض التي أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ‏.‏

فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أَشبّ القوم وأجلدهم ، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف في الأسواق ولا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله فأسلم عليه ، وهو في مجلسه بعد الصلاة ، فأقول في نفسي ‏:‏ هل حرك شفتيه برد السلام أم ‏؟‏

ثم أصلي قريباً منه وأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي ، وإذا التفت نحوه أعرض عني ، حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة وهو ابن عمي وأحب الناس إلي ، فسلمت عليه فوالله ما ردّ علي السلام ، فقلت له‏ :‏ يا أبا قتادة أنشدك بالله هل تعلمني أُحب الله ورسوله ‏؟‏ فسكت ، فعدت فناشدته فسكت ، فعدت فناشدته فقال ‏:‏ الله ورسوله أعلم ‏.‏

ففاضت عيناي ، وتوليت حتى تسورت الجدار ، فبينما أنا أمشى في سوق المدينة إذا نبطى من نبط أهل الشام ممن قدم بالطعام ببيعه بالمدينة يقول‏ :‏ من يدل على كعب بن مالك ‏؟‏
فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاءنى فدفع إلي كتاب من ملك غسان ، وكنت كاتباً‏ .‏
فقرأته فإذا فيه‏ :‏ أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك ، فقلت حين قرأتها ، وهذه أيضاً من البلاء فتيممت بها التنور فسجرتها ، حتى إذا مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحى إذا رسول رسول الله يأتينى ، فقال‏ :‏ إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك ، فقلت ‏:‏ أطلقها ، أم ماذا أفعل ‏؟‏
قال‏ :‏ لا ، بل اعتزلها فلا تقربنها ، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك‏ .‏

فقلت لامرأتي‏ :‏ ألحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ، فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله فقالت له ‏:‏ يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم ، فهل تكره أن أخدمه‏ ؟‏
قال ‏:‏ لا ، ولكن لا يقربنك‏ .‏
فقالت ‏:‏ إنه والله ما به من حركة إلى شيء ، ووالله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا ‏.‏
فقال لي بعض أهلي‏ :‏ لو استأذنت رسول الله في امرأتك ، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه ‏؟‏
فقلت ‏:‏ لا أستأذن فيها رسول الله ، وما يدريني ماذا يقول رسول الله ، إذا استأذنته فيها وأنا رجل شاب‏ !‏ فلبثت بذلك عشر ليالٍ ، فكمل لنا خمسون ليلة من حين نهى عن كلامنا‏ .‏

ثم صليت صلاة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينما أنا جالس على الحال التى ذكر الله تعالى منا ، قد ضافت علي نفسي وضاقت علي الأرض بما رحبت ، سمعت صوت صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته‏ :‏ يا كعب بن مالك أبشر فخررت ساجداً ، وعرفت أنه قد جاء فرج‏ .‏

فآذن رسول الله الناس بتوبة الله عز وجل علينا حين صلى صلاة الفجر فذهب الناس يبشروننا ، فذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض رجل إلي فرساً وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى على الجبل ، فكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذى سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبيّ فكسوتهما إياه ببشراه ، والله ما أملك غيرهما يومئذ ، واستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أتأمم رسول الله يتلقانى الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة ويقولون لي ‏:‏ لتهنك توبة الله عليك ، حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله جالس حوله الناس ، فقام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول حتى صافحني وهنأني ، والله ما قام رجل من المهاجرين غيره ، فكان كعب لا ينساها لطلحة‏ .‏

قال كعب‏ :‏ فلما سلمت على رسول الله قال‏ :‏ وهو يبرق وجهه من السرور ‏:‏ أبشر بخير يوم مرّ عليك مذ ولدتك أمك ، فقلت‏ :‏ أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله‏ ؟‏ قال ‏:‏ لا ، بل من عند الله عز وجل ، وكان رسول الله إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر ، وكنا نعرف ذلك منه ، فلما جلست بين يديه قلت‏ :‏ يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة‎ إلى الله وإلى رسوله ‏.‏
فقال رسول الله ‏:‏ أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك ، فقلت‏ :‏ إني أمسك سهمي الذى بخيبر‏ .‏

وقلت‏ :‏ يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق ، وإن من توبتي أن لا أحدثَ إلا صدقاً ما بقيت ، فو الله ما علمت أحداً من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله أحسن مما أبلاني الله تعالى ، والله ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقي ، قال‏ :‏ فأنزل الله تعالى {‏لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة‏)‏ حتى بلغ‏ :‏ ‏{‏إنه بهم رؤوف رحيم} ‏.‏
{وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت‏}‏ حتى بلغ ‏:‏ ‏{‏اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‏}‏ ‏(‏‏(‏التوبة 117، 119‏)‏‏)‏

قال كعب ‏:‏ والله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، إن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ، فقال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين‏}‏ ‏(‏‏(‏التوبة‏:‏ 95،96‏)‏‏)‏ ‏.‏

قال كعب ‏:‏ كنا خلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله حين حلفوا له ، فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله أمرنا حتى قضى الله تعالى فيه بذلك ، قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وعلى الثلاثة الذين خلفوا‏}‏ وليس الذي ذكر مما خلفنا تخلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه ‏.‏ متفق عليه‏ .‏

وفى رواية ‏"‏أن النبي خرج في غزوة تبوك يوم الخميس ، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس‏"‏
وفى رواية ‏:‏ ‏"‏وكان لا يقدم من سفر إلا نهاراً في الضحى، فإذا قدم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه‏"‏ ‏ .‏

أقول ...
والحديث فيه فوائد كثيرة ..
منها أن الصدق يُنجي صاحبه .. وخصوصا ًالصدق مع الله ورسوله ..
ومنها طاعة المسلمين التامة لرسول الله حيث أمرهم بمقاطعة كعب : فالتزموا !!!..
حتى زوجته كانت على استعداد لهذا واعتزالها لزوجها !!!..
ومن تلك الفوائد أيضا ًلمحة ٌعن تربص الكفار بأي خلاف بين المسلمين !!.. وكما رأينا من ملك غسان .. ورغبتهم لو يفوزوا أو يخرجوا منه بأي من المسلمين الذي يستقطبونه لهم ليستخدموه فيما بعد في محاربة إخوانه والكيد للإسلام .. وهو نفس الموقف الذي تكرر مع معاوية رضي الله عنه وعرض ملك الروم مساعدته عليه ضد عليّ : فرده معاوية رضي الله عنه خائبا ًوهدده باجتماعه مع أخيه (يقصد عليّ رضي الله عنه) لحربه !!!..
وأخيرا ًوليس آخرا ً...
فهذا الحديث : هو أحد الأحاديث الطويلة ((( الصحيحة ))) المعروفة في كتب الحديث ..
لذلك .. فإن كثيرا ًمن الأحاديث الموضوعة أو مما ليس له أصل :
يكفي طالب العلم فقط رؤية طوله ليحكم بوضعه ونكارته إذ أنه : ليس مما عُرف في كتب الحديث على هذا الطول ...

22 - وعن أبي نجيد- ضم النون وفتح الجيم - عمران بن الحصين الخزاعى رضي الله عنهما أن امرأة من جهينة أتت رسول الله وهى حبلى من الزنى ، فقالت‏ :‏ يا رسول الله أصبت حداً فأقمه عليّ ، فدعا نبي الله وليها فقال ‏:‏ أحسن إليها ، فإذا وضعت فأتني ، ففعل فأمر بها نبي الله ، فشدت عليها ثيابها ، ثم أمر بها فرجمت ، ثم صلى عليها ‏.‏ فقال له عمر‏ :‏ تصلى عليها يا رسول الله وقد زنت ؟! قال‏ :‏ لقد تابت توبة لو قمست بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل ‏؟ ‏‏!‏ ‏"‏ رواه مسلم‏.‏

أقول ...
وقد ذهب العلماء من مجموع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلى أن مَن ابتلاه الله تعالى بذنب ٍفستره : فإنه له ألا يفضح نفسه للناس ولولي الأمر .. ويتدارك توبته بما يستطيع .. عسى الله تعالى أن يغفرها له .. إلا إذا أراد قضاء حقها من الحد والعقاب : حتى يتأكد من لقيا الله طاهرا ًمنها ..

23 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال‏ :‏ ‏"‏ لو أن لابن آدم وادياً من ذهب : أحب أن يكون له واديان !!.. ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على مَن تاب‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

24 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال ‏:‏ ‏"‏يضحك الله سبحانه وتعالى إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يُقاتل هذا في سبيل الله فيُقتل ، ثم يتوب الله على القاتل فيُسلم فيُستشهد‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

يُـتبع إن شاء الله بباب الصبر ..

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس الحديث < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35658)

إلى حب الله
03-17-2012, 06:45 PM
الدرس (3) ..

كتاب المقدمات ...
باب الصبر ...

قال الله تعالى ‏:‏ ‏
{‏يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا‏}‏ ‏(‏‏(‏آل عمران ‏:‏ 200‏)‏
وقال تعالى ‏:
{‏ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين‏}‏ ‏(‏‏(‏ البقرة ‏:‏ 155‏)‏‏)‏
وقال تعالى ‏:‏ ‏
{‏إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب‏}‏ ‏(‏‏(‏الزمر‏:‏10‏)‏‏)‏
وقال تعالى‏ :‏ ‏
{‏ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور‏}‏ ‏(‏‏(‏الشورى ‏:‏ 43‏)‏‏)‏
وقال تعالى‏ :‏ ‏
{‏استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين‏}‏ ‏(‏‏(‏محمد ‏:‏ 31‏)‏‏)‏

والآيات في الأمر بالصبر وبيان فضله كثيرة معروفة‏ .‏

25 - وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي الله عنه قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو تملأ- ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان (أي على الإيمان لأنه لا يفعلها إلا مؤمن يحتسب أجرها لوجه الله) ، والصبر ضياء، والقرآن حُجة لك أو عليك‏.‏ كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها، أو موبقها‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

أقول :
والصبر ضياء : لأنه يضيء لصاحبه طريقه في الحياة إلى أن يصل إلى الفوز في الآخرة بإذن الله عز وجل .. لأن الإنسان الذي لا يصبر : يفقد شيئين .. الأول : أنه بالصبر يظهر له رحمة الله به بأن ما أصابه هو الأخير له مع ثوابه على صبره .. بعكس المتزمر مع كل ما يصيبه من أقل أذى : فلا ينكشف له الحكمة غالبا ًولا يُكتب له ثوابٌ لعدم صبره .. وأما الشيء الثاني الذي يفقده فهو : عزته عن الشهوات بقلة صبره عنها .. فالصبر نوعان .. صبر ٌعلى المكاره والمصائب ومشقة العبادات إلخ .. وصبرٌ عن الشهوات .. فمَن صبر في هذهين النوعين : كان صبره له ضياء في الدنيا وحتى يصل إلى الجنة بإذن الله تعالى ..

26 - وعن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنهما‏:‏ ‏"‏أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم ، حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده ‏:‏ ‏"‏ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم ، ومَن يستعفف يعفه الله، ومَن يستغن يغنه الله، ومَن يتصبر يصبره الله‏.‏ وما أ ُعطي أحد ٌعطاءً خيراً وأوسع من الصبر‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

أقول :
والعبارة عن الصبر تدل على أنه يمكن اكتسابه بحمل النفس وتدريبها عليه .. ومنه أن الصفات الخـَلقية : يمكن اكتسابها بحمل النفس عليها ومجاهدة النفس لها .. فالذي ليس في طبعه الصبر : يمكنه أن يُدرب نفسه عليه في العديد من المواقف : داعيا ًمن الله أن يفتح له بالصبر ..

27 - وعن أبي يحيى صهيب بن سنان رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ‏:‏ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

أقول :
والصبر مع الضراء التي تصيب الإنسان هو خير له في شيئين ...
في تقوية وبرهنة إيمانه بالله تعالى ورضاه بقضائه وقدره .. وفي الثواب المترتب على ذلك الصبر ..

28 - وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة رضي الله عنها‏:‏ واكرب أبتاه‏.‏
فقال ‏:‏ ‏"‏ليس على أبيك كربٌ بعد اليوم‏"‏ فلما مات قالت ‏:‏ يا أبتاه أجاب رباً دعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه، فلما دفن قالت‏ فاطمة رضي الله عنها‏:‏ أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب ‏؟‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

أقول :
وليس في حياة المسلمين مصابٌ أبلغ من فقدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بموته ..
ومع ذلك : صبر على ذلك الصحابة .. وصبرت ابنته فاطمة وزوجاته رضوان الله عنهم أجمعين ..

29 - وعن أبي زيد أسامة بن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه وابن حبه، رضي الله عنهما، قال‏:‏ أرسلت بنت النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إن ابني قد احتضر فاشهدنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول‏:‏ ‏"‏إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب‏"‏ فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها‏.‏
فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال رضي الله عنهم، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي فأقعده في حجره ونفسه تقعقع، ففاضت عيناه (أي رسول الله بالبكاء شفقة ًبالطفل الذي في أنفاسه الأخيرة) ، فقال سعد‏:‏ يا رسول الله ما هذا‏؟‏ (حيث حسبوا أن هذا البكاء ينافي الأمر بالصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله) فقال‏:‏ ‏"‏هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده‏"‏
وفى رواية ‏:‏ ‏"‏في قلوب مَن شاء من عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏
‏ومعنى ‏ ‏تقعقع‏ ‏ ‏:‏ تتحرك وتضطرب ‏.

أقول :
وقول النبي : فلتصبر ولتحتسب : أي أن هناك مصائبٌ من الله تعالى كنزول الموت : ليس للمسلم أمامها إلا الصبر : حيث لا حيلة مع الموت .. والاحتساب : أي احتساب أجر هذا الصبر عند الله تعالى : فهو مما يرفع صاحبه منازل بقوة إيمانه رغم عظيم مُصابه ..

30 - وعن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏ :‏ ‏"‏ كان مَلِك ٌفيمن كان قبلكم، وكان له ساحرٌ، فلما كبر قال للملك ‏:‏ إني قد كبرت فابعث إليّ غلاماً أ ُعلمه السحر؛ فبعث إليه غلاماً يعلمه، وكان في طريقه (أي في طريق الغلام للساحر) إذا سلك راهبٌ، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، وكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب فقال‏:‏ إذا خشيت الساحر فقال‏:‏ حبسني (أي أخرني) أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل‏:‏ حبسني الساحر ‏.‏

فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابةٍ عظيمةٍ (أي مر بها في طريقه) قد حبست الناس (أي سدت عليهم الطريق وخافوا منها) فقال‏:‏ اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل‏؟‏ فآخذ حجراً فقال‏:‏ اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره‏.‏

فقال له الراهب‏:‏ أي بني أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى (أي سيمتحنك الله في إيمانك) ، فإن ابتليت فلا تدل عليّ؛ وكان الغلام يُبرئ الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء‏.‏

فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرةٍ فقال‏:‏ ما هاهُنا لك أجمع إن أنت شفيتنى، فقال‏:‏ إني لا أشفي أحداً إنما يشفى الله تعالى، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك، فآمن بالله تعالى فشفاه الله تعالى، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس فقال له الملك‏:‏ من ردّ عليك بصرك‏؟‏ فقال‏:‏ ربي قال‏:‏ ولك رب غيري ‏؟‏‏!.. قال‏:‏ ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجئ بالغلام .

فقال له الملك‏:‏ أى بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل فقال‏:‏ إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله تعالى، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب؛ فجيء بالراهب فقيل له‏:‏ ارجع عن دينك، فأبى ، فدعا بالمنشار فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له‏:‏ ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له ارجع عن دينك فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه .

فقال‏:‏ اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فقال‏:‏ اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك‏:‏ ما فعل أصحابك‏؟‏!! فقال‏:‏ كفانيهم الله تعالى، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال ‏:‏ اذهبوا به فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه (أي ليغرق في البحر ويموت) ، فذهبوا به فقال‏:‏ اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك‏.‏

فقال له الملك ‏:‏ ما فعل أصحابك‏؟‏ فقال‏:‏ كفانيهم الله تعالى‏.‏ فقال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به‏.‏ قال ‏:‏ ما هو‏؟‏ قال ‏:‏ تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذع ، ثم خذ سهماً من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل‏:‏ بسم الله رب الغلام ثم ارمني، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني ‏.‏

فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال‏:‏ بسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في صدغه فمات‏.‏ فقال الناس آمنا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له‏:‏ أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك‏.‏ قد آمن الناس‏.‏ فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت وأضرم فيها النيران وقال‏:‏ مَن لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها أو قيل له ‏:‏ اقتحم ، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبى لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام‏:‏ يا أماه اصبري فإنك على الحق‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏‏.‏

‏‏‏ذروة الجبل‏ ‏:‏ أعلاه، وهى بكسر الذال المعجمة وضمها
و‏القرقور‏ ‏ بضم القافين ‏:‏ نوع من السفن ‏
والصعيد‏ هنا ‏:‏ الأرض البارزة
و‏‏الأخدود‏‏:‏ الشقوق في الأرض كالنهر الصغير
و‏أضرم‏ :‏ أوقد ‏ ‏
وانكفأت‏ ‏أي ‏:‏ انقلبت ‏ ‏
وتقاعست‏ ‏:‏ توقفت وجبنت

أقول :
وقد ضرب الراهب وصاحب الملك أو جليس الملك : أروع المثال عن قوة الإيمان فيمَن سبقوا هذه الأمة المرحومة : حيث لم يكن في شرعهم على الصحيح أن يتفوهوا بكلمة الكفر لينجو بأنفسهم من القتل أو التعذيب .. طالما كان قلبهم عامر بالإيمان وذلك بعكس أمتنا .. حيث يجوز لنا إذا تعرضنا لعذاب شديد أو للقتل الأكيد : أن نتفوه بكلمة الكفر .. وقد فعل الصحابة ذلك وذاك .. منهم مَن عمل بهذه الرخصة : فنجا من الموت .. ومنهم مَن تمسك بعزة الإيمان حتى قتله الكفار .. وأما سبب التفريق بين أمتنا في ذلك وبين الأمم السابقة : فأرى والله أعلم أن ذلك سببه انتشار المعجزات الملموسة فيهم كثيرا ً: وأفعال الملائكة الظاهرة إلخ ..

31 - وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال ‏:‏ ‏"‏اتقي الله واصبري‏"‏ فقالت ‏:‏ إليك عني ، فإنك لم تصب بمصيبتي ‍‍‍‏ولم تعرفه، فقيل لها ‏:‏ إنه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم ، فلم تجد عنده بوابين، فقالت‏:‏ لم أعرفك ، فقال ‏:‏ ‏"‏إنما الصبر عند الصدمة الأولى‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

‏‏(‏‏(‏وفى رواية لمسلم‏)‏‏)‏‏:‏ ‏ ‏تبكي على صبي لها‏ ‏‏. ‏

أقول :
وتقييد النبي للمقياس الدال على الصبر الحقيقي : أنه عند الصدمة الأولى : لأنه عند الصدمة الأولى تظهر صفات الإنسان التي تأصلت في نفسه .. وأما بعد ذلك : فيسهل استدراك التأثر بالمصيبة بجمع شتات النفس الملكومة إلخ .. فالصبر عند الصدمة الأولى : هو محل ظهور الإيمان الحقيقي بقضاء الله وقدره ورضاه به .. ويظهر ذلك في أفعال الإنسان وأقواله في أول تلك المواقف ..

32 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ‏"‏ يقول الله تعالى ‏:‏ ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

أقول :
أي ليس جزاء لمَن قبض الله تعالى أقرب الناس إليه كولده : ثم صبر واحتسب :
إلا الجنة بإذن الله ..

33 - وعن عائشة رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فأخبرها أنه كان عذاباً يبعثه الله تعالى على مَن يشاء، فجعله الله تعالى رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

أقول :
وفي الحديث بلاغ من رسول الله بوجوب بقاء المُصاب بالطاعون في بلده ومكانه : حتى لا يعدي غيره بهذا المرض القاتل .. وهو ما باتت تعرفه الأمم اليوم بـ ( الحجر الصحي ) !!..
فيمكث المؤمن في مرضه ذلك إذا لم يتيسر له سبيل الشفاء : يمكث منتظرا ًقضاء الله وقدره بالموت : صابرا ًمحتسبا ً: كالشهيد الذي باع نفسه لله فلا ضره أقـُتل أم عاش في الحرب .. فله مثل أجره ..

34 - وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ ‏"‏إن لله عزوجل قال‏:‏ إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة‏"‏ . ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

حبيبتيه : ‏يريد عينيه ‏أي يقصد عينيه ..

35 - وعن عطاء بن أبي رباح قال‏:‏ قال لي ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ ألا أريك امرأة من أهل الجنة ‏"‏ فقلت‏:‏ بلى، قال‏:‏ هذه المرأة السوداء أتتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت ‏:‏ إني أ ُصرع، و إني أتكشف (أي إذا سقطت متخشبة ًفي صرعها انكشف منها بعض جسدها - وانظروا لحيائها وهي سوداء !! سبحان الله) ، فادع الله تعالى لي قال‏:‏ ‏"‏إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك‏"‏ فقالت‏:‏ أصبر، فقالت‏:‏ إني أتكشف ، فادع الله أن لا أتشكف ، فدعا لها‏.‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

أقول :
وليس في الحديث حث على عدم دعاء المريض لنفسه بالشفاء .. ولا في الحديث ما يعارض الأخذ بأسباب الدواء .. وإنما هذه المرأة مثالٌ لحالة : بلغ من مرضها أن صبرها مع إيمانها فيه : جزاؤه الجنة .. فأعلمها رسول الله بهذا رضي الله عنها ..

36 - وعن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه، يقول ‏:‏ ‏"‏اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

أقول :
وفي قصة ذلك النبي ما يشير إلى عظيم صبر الأنبياء على أممهم الكافرة ورحمتهم بهم : وانهم لا يعجلوا أبدا ًبالدعاء عليهم : مهما لاقوا منهم من أذى وصد : حتى يستنفذوا معهم كل سبل الهداية والدعوة أولا ً..
فاللهم صل وسلم على أنبيائك ورسلك اجمعين : وألحقنا بهم يا كريم ..

37 - وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ما يصيب المسلم من نَصَب (أي التعب) ولا وَصَب ولا هم ٍولا حزن ٍولا أذىً ولا غم ٍ، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

‏و‏ ‏الوَصَب‏ ‏ ‏:‏ المرض ‏‏

38 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‏:‏ دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فقلت‏:‏ يارسول الله إنك توعك وعكاً شديداً قال‏:‏ ‏"‏أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم‏"‏ قلت‏:‏ ذلك أن لك أجرين ‏؟‏ قال‏:‏ ‏"‏أجل ذلك كذلك ما من مسلم يصيبه أذى؛ شوكة فما فوقها إلا كفر الله بها سيئاته ، وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

‏‏والوعك ‏:‏ مغث الحمى ، وقيل‏ :‏ الحمى ‏ ‏

39 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ مَن يُرد الله به خيراً يصب منه‏"‏ ‏. ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

أي بالمرض وسائر الابتلاءات لرفع درجته وتطهيره من ذنوبه ..
‏‏وضبطوا يصب‏ ‏:‏بفتح الصاد وكسرها ‏ ‏

40 - وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ لا يَتمنين أحدكم الموت لضُر ٍأصابه، فإن كان لابد فاعلاً فليقل‏:‏ اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

أقول :
لأن تمني الموت فيه إظهار قلة الصبر والجزع وقلة اليقين بالله وفرجه ما فيه ..

41 - وعن أبي عبد الله خباب بن الأرت رضي الله عنه قال‏:‏ شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة (أي شكوا له تعذيب وإيذاء مشركي قريش لهم وكان ذلك قبل الهجرة) ، فقلنا ‏:‏ ألا تستنصر لنا ألا تدعو لنا‏؟‏ فقال‏:‏ قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط من الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏‏.‏

‏وفي رواية ‏:‏ وهو متوسد بردة وقد لقينا من المشركين شدة‏ ‏‏ ‏

42 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال ‏:‏ لما كان يوم حنين آثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ناساً في القسمة (أي من الغنائم) ، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك، وأعطى ناساً من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة‏.‏ فقال رجل‏:‏ والله إن هذه قسمة ما عُدل فيها، وما أ ُريد فيها وجه الله، فقلت ‏:‏ والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيته فأخبرته بما قال‏:‏ فتغير وجههه حتى كان كالصرف ‏.‏ ثم قال ‏"‏ فمَن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله‏؟‏ ثم قال‏:‏ يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر‏"‏‏ .‏ فقلت‏:‏ لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثاً‏.‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

‏وقوله كالصرف‏ ‏ هو بكسر الصاد المهملة ‏:‏ وهو صبغ أحمر ‏

43 - وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏: ‏‏"‏إذا أراد الله بعبده خيراً عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة‏"‏‏ .‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمَن رضي فله الرضى، ومَن سخط فله السخط‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال ‏:‏ حديث حسن‏)‏‏)‏‏.‏

44 - وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ كان ابن لأبي طلحة رضي الله عنه يشتكي (أي مريض) ، فخرج أبو طلحة، فقبض الصبي (أي مات من مرضه) ، فلما رجع أبو طلحة قال‏:‏ ما فعل ابني‏؟‏ قالت أم سليم وهى أم الصبي ‏:‏ هو أسكن ما كان، فقربت إليه العشاء فتعشى، ثم أصاب منها (أي جامعها : ولم تشاء أن تخبره في حينها رأفة ًبه) ، فلما فرغ قالت‏:‏ واروا الصبي (كناية عن موته) ، فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال‏:‏ ‏"‏أعرستم الليلة ‏؟‏‏ (أي جامعت زوجتك) "‏ قال‏:‏ نعم ، قال‏:‏ ‏"‏اللهم بارك لهما (وأراد النبي بذلك نقل أبي طلحة وزوجته من غم موت الولد : إلى بشارة البركة فيما سيأتي لهما من الولد - وهذا من رحمة النبي وفطنته) ، فولدت غلاماً، فقال لي أبو طلحة (أي لأنس) ‏:‏ احمله حتى تأتى به النبي صلى الله عليه وسلم، وبعث معه بتمرات، فقال‏ (أي النبي لأنس) :‏ ‏"‏أمعه شيء ‏؟‏‏"‏ قال‏:‏ نعم، تمرات فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ، ثم أخذها من فيه (أي فمه) فجعلها في فيّ الصبي ، ثم حنكه وسماه عبد الله‏ .‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

‏وفى رواية للبخاري ‏:‏ قال ابن عيينة ‏:‏ فقال رجل من الأنصار ‏:‏ فرأيت تسعة أولاد كلهم قد قرؤوا القرآن ، يعنى من أولاد عبد الله المولود‏ ‏ ‏ وفى رواية لمسلم‏:‏ مات ابن لأبي طلحة بن أم سليم ، فقالت لأهلها لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، فجاء فقربت إليه عشاءً فأكل وشرب، ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك، فوقع بها (أي جامعها) ، فلما أن رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت‏:‏ يا أبا طلحة، أرأيت لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت (أي استعار أهل بيت منهم شيئا ً) فطلبوا عاريتهم (أي فطلبوا ما استعاروه بعد ذلك) ، ألهم أن يمنعوهم‏؟‏ قال‏:‏ لا، فقالت ‏:‏ فاحتسب ابنك‏.‏ قال‏:‏ فغضب، ثم قال‏:‏ تركتني حتى إذا تلطخت أخبرتني بابني‏؟‏‏!‏ فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ‏"‏بارك الله في ليلتكما‏"‏ قال‏:‏ فحملت، قال وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه (أي مع زوجها في ذلك السفر مع رسول الله) ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقاً (أي لا يدخلها ليلا ًفجأة) فدنوا من المدينة، فضربها المخاض (أي جاءها مخاض الولادة) ، فاحتبس عليها أبو طلحة (أي لازمها ولم يعد يتركها) ، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي مضى ولم يستطع أبو طلحة أن يرافقه لما هو فيه) قال‏:‏ يقول أبو طلحة‏:‏ إنك لتعلم يارب أنه يُعجبني أن أخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى، تقول أم سليم‏:‏ يا أبا طلحة ما أجد الذى كنت أجد (أي من ألم الولادة - وهذا من بركة دعاء النبي لهذا الحمل) ، انطلق، فانطلقنا، وضربها المخاض حين قدما فولدت غلاماً‏.‏ فقالت لي أمي ‏:‏ يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .‏ وذكر تمام الحديث‏.‏

أقول :
وفي الحديث مثال رائع لصبر أم ٍعلى فقد ولدها .. وهي تعلم أن مُبالغة الحزن لن تعيد لها شيئا ً!!..
فآثرت التلطف في إخبار زوجها بالخبر : بدلا ًمن أن تستقبله من سفره بالخبر الحزين ..!
وهو من كياستها رضي الله عنها ..

45 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ليس الشديد بالصرعة (أي القوي الذي يتصارع مع الرجال فيصرعهم) ، إنما الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

‏والصرعة‏ بضم الصاد وفتح الراء‏.‏ وأصله عند العرب مَن يصرع الناس كثيراً‏

46 - وعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال‏:‏ كنت جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ورجلان يستبان (أي يشتم كلاهما الآخر) ، وأحدهما قد احمر وجهه، وانتفخت أوداجه‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :‏ ‏"‏ إني لأعلم كلمة لو قالها (أي هذا الغاضب بشدة) لذهب عنه ما يجد، لو قال‏:‏ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب منه ما يجد‏"‏‏ .‏ فقال له‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ تعوذ بالله من الشيطان الرجيم‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

47 - وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ مَن كظم غيظاً ، وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله سبحانه وتعالى على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيره من الحور العين ما شاء‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه أبو داود، والترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏)‏‏)‏‏.‏

48 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم :‏ أوصني، قال‏:‏ ‏"‏لا تغضب‏"‏ فردد مراراً (أي كرر الرجل طلبه من النبي بالتوصية) ، قال‏:‏ ‏"‏ لا تغضب‏"‏ رواه البخاري‏.‏

أقول :
وليس المقصود هنا هو عدم الغضب بإطلاق .. فإن هناك مواقف عدة على المسلم السوي أن يغضب فيها .. وأجلها وأعلاها هو الغضب لله ولرسوله .. ولكن المقصود بالنهي هنا هو عن الغضب الذي يحجب صاحبه عن التفكير السليم ووزن الأمور وعقل أفعاله وأقواله ساعة الغضب .. حيث في هذه الساعة قد يقوم المرء بالكثير من الأشياء التي يندم عليها بعد ذلك ..

49 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح‏)‏‏)‏ ‏.‏

50 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه (أي في وقت خلافة عمر) ، وكان القراء (أي قراء القرآن) أصحاب مجلس عمر رضي الله عنه ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً، فقال عيينة لابن أخيه ‏:‏ يا ابن أخي لك وجه (أي لك منزلة) عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، فاستأذن فأذن عمر‏.‏

فلما دخل قال‏:‏ هِىَ يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم فينا بالعدل، فغضب عمر رضي الله عنه حتى همّ أن يوقع به.

فقال له الحر‏ (أي الحر بن قيس) :‏ يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم :‏ ‏{‏خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين‏}‏ ‏(‏‏(‏الأعراف ‏:‏198‏)‏‏)‏‏.‏
وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى‏.‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري‏)‏‏)‏ ‏.‏

أقول :
وعن تجربة لي ولغيري : فإنه غالبا ًما لا ينفع مقابلة الجاهل بما يستحق من التوبيخ ونحوه !!.. ولكن الصبر عليه والعفو عنه يأتي كثيرا ًبالمحاسن ..

51 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إنها ستكون بعدي أثرة (أي الاستمساك بحظوظ الدنيا بغير حق) وأمور تنكرونها ‏!‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله فما تأمرنا‏؟‏ قال‏:‏ تؤدون الحق الذى عليكم ، وتسألون الله الذى لكم‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

‏والأثرة‏ ‏:‏ الانفراد بالشئ عمّن له فيه حق

52 - وعن أبي يحيى أسيد بن حضير رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار قال‏:‏ يا رسول الله ألا تستعملني (أي في الولاية) كما استعملت فلاناً فقال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

‏وأ ُسيد ‏بضم الهمزة‏ .‏ ‏ ‏
وحضير‏ ‏:‏ بحاءٍ مهملة مضمومةٍ وضادٍ معجمةٍ مفتوحةٍ ، والله أعلم‏ ‏

53 - وعن أبي إبراهيم عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، انتظر حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال‏:‏ ‏"‏ يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف‏"‏ ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب ، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)

يُـتبع إن شاء الله بباب الصدق ..

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس الحديث < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35658)

إلى حب الله
03-24-2012, 11:38 AM
الدرس (4) ..

كتاب المقدمات ...
باب الصدق ...

قال الله تعالى :
{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين‏}‏ ‏ (‏‏(‏التوبة ‏:‏119‏)‏‏)‏
وقال تعالى :
{‏والصادقين والصادقات‏}‏ ‏(‏‏(‏الأحزاب‏:‏ 35‏)‏‏) ‏‏.‏
وقال تعالى :
{‏فلو صدقوا الله لكان خيراً لهم‏}‏ ‏(‏‏(‏محمد ‏:‏ 21‏)‏‏) ‏‏.‏

وأما الأحاديث‏ :‏

54 - فالأول : عن ابن مسعود رضي الله عن النبي قال ‏:‏ ‏"‏إن الصدق يهدي إلى البر (أي إلى الخير) وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

55 - الثانى‏ :‏ عن أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهما ، قال ‏:‏ حفظت من رسول الله ‏:‏ ‏"‏دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة، والكذب ريبة ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح‏)‏‏)‏ ‏.‏

قوله‏ :‏‏ ‏يريبك‏ ‏ هو بفتح الياء وضمها . ومعناه ‏:‏
اترك ما تشك في حله (أي تشك في كونه حلالاً) ، واعدل (أي عنه) إلى ما لا تشك فيه‏ .‏

56 - الثالث ‏:‏ عن أبي سفيان صخر بن حرب ، رضي الله عنه ، في حديثه الطويل في قصة هرقل ، قال هرقل (وقد استدعاه هرقل عظيم الروم لسؤاله عن ذلك النبي الذي ظهر ببلاده وكان أبو سفيان رضي الله عنه ساعتها في تجارة له في الشام .. وذلك قبل إسلامه .. ولم يمنعه من الكذب على رسول الله وتشويه صورته أمام هرقل إلا أن يؤثر أصحابه عليه كذبا ً: وكان كذب كبار القوم منقصة في الجاهلية) ‏ :‏ فماذا يأمركم - يعنى النبي - قال أبو سفيان‏ :‏ قلت ‏:‏ يقول ‏:‏ ‏"‏ اعبدوا الله وحده لا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم ، ويأمرنا بالصلاة، والصدق، والعفاف، والصلة‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

57 - الرابع‏ :‏ عن أبي ثابت ، وقيل أبي سعيد ، وقيل أبي الوليد ، سهل بن حنيف ، وهو بدري (أي شارك في غزوة بدر الكبرى غفر الله له) ، رضي الله عنه ، أن النبي ، قال‏ :‏ ‏"‏مَن سأل الله تعالى الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء : وإن مات على فراشه‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏ ‏.‏

58 - الخامس‏ :‏ عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال‏ :‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏غزا نبي ٌمن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم فقال لقومه‏:‏ لا يتبعني رجل مَلك بضع امرأة (أي عقد عليها) وهو يريد أن يبني بها (أي يدخل بها) ولمّا يبن بها (أي ولم يدخل بها بعد .. والهدف : أنه لم يشأ أن يتبعه للغزو في سبيل الله : مَن تعلق قلبه بثمرة من ثمار الدنيا من زوجة أو غيره) ، ولا أحد بنى بيوتا ًلم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنما ًأو خلفات (أي النوق الحوامل) وهو ينتظر أولادها (والهدف أنه مقبل على غزوة عظيمة وهي فتح بيت المقدس - والنبي هو يوشع بن نون فتى موسى عليه السلام كما جاء في حديث الإمام أحمد) ‏.‏ فغزا فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك (أي اقترب وقت غروب الشمس ودخول يوم السبت الذي أ ُمر اليهود فيه بالسبوت وعدم العمل أو الغزو) ، فقال للشمس‏:‏ إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا، فحبست حتى فتح الله عليه، فجمع الغنائم (وكانت سنة الأمم من قبل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : أنهم كانوا يجمعون الغنائم : فيُرسل الله تعالى عليها نارا ًمن السماء لتأكلها) ، فجائت -يعني النار- لتأكلها فلم تطعمها، فقال ‏:‏ إن فيكم غلولاً (أي رجلا ًقد احتفظ لنفسه سرا ًبشيء من الغنيمة) ، فليبايعني من كل قبيلةٍ رجل، فلزقت يد رجل بيده فقال‏:‏ فيكم الغلول، فلتبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده فقال‏:‏ فيكم الغلول‏:‏ فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب، فوضعها فجاءت النار فأكلتها، فلم تحل الغنائم لأحد قبلنا (والحديث الآن من النبي لأمته) ، ثم أحل الله لنا الغنائم لما رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

الخلفات‏ ‏ بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام‏:‏ جمع خلفة، وهى الناقة الحامل‏ ‏.

59 - السادس‏ :‏ عن أبي خالد حكيم بن حزام‏‏ رضي الله عنه ، قال ‏:‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏ البيعان (أي البائع والمشتري وسُميا بالبيعان لأنهما كانا يتبادلان البيع أو المقايضة ولو بغير المال) بالخيار مالم يتفرقا (أي لكل منهما أن يرجع في بيعه ما لم يتفرقا .. فإذا تفرقا لا يحل لأحدهما التراجع عن بيعه) ، فإن صدقا وبينا (أي صدق كل منهما الآخر في وصف سلعته وثمنها وعيوبها لو كان فيها عيوب) بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ .

أقول : وبمثل هذه الأخلاق انتشر الإسلام في كل زمان ومكان !
------
-----------

كتاب المقدمات ...
باب المراقبة ...

قال الله تعالى :
{‏الذى يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين‏}‏ ‏(‏‏(‏الشعراء‏:‏ 219،220‏)‏‏)‏
وقال تعالى :
{‏وهو معكم أينما كنتم‏}‏ ‏(‏‏(‏الحديد ‏:‏4‏)‏
وقال تعالى :
{‏إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء‏}‏ ‏(‏‏(‏آل عمران ‏:‏ 6‏)‏‏)‏
وقال تعالى :
{‏إن ربك لبالمرصاد‏}‏ ‏(‏‏(‏الفجر ‏:‏ 14‏)‏‏)‏
وقال تعالى :
{‏يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور‏}‏ ‏(‏‏(‏ غافر ‏:‏ 19‏)‏‏)‏

والآيات في الباب كثيرة معلومة‏.‏

60- وأما الأحاديث ؛ فالأول‏:‏ عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه ، قال ‏"‏ بينما نحن جلوس عند رسول الله، ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي ، ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال‏:‏ يا محمد أخبرني عن الإسلام، فقال‏:‏ رسول الله ‏:‏ الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً‏.‏ قال صدقت‏.‏ فعجبنا له يسأله ويصدقه (أي تعجبنا منه : كيف يسأل النبي .. ثم يقول له صدقت !) قال ‏:‏ فأخبرني عن الإيمان‏.‏ قال أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره‏.‏ قال صدقت‏.‏ قال فأخبرني عن الإحسان ‏.‏ قال أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك‏.‏ قال‏:‏ فأخبرني عن الساعة‏.‏ قال‏:‏ ما المسؤول عنها بأعلم من السائل‏.‏ قال ‏:‏ فأخبرني عن أماراتها قال‏:‏ أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطالون في البنيان‏.‏ ثم انطلق (أي تركنا ذلك الرجل الغريب وذهب) ، فلبثت ملياً (أي مضى وقت وعمر في جلوسه لم يسأل عنه النبي)، ثم قال (أي النبي) ‏: يا عمر أتدري مَن السائل‏؟‏ قلت‏:‏ الله ورسوله أعلم‏.‏ قال‏:‏ فإنه جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه مسلم‏)‏‏)‏ ‏.‏

ومعنى ‏:‏‏ ‏ تلد الأمة ربتها‏ ‏ أي‏:‏ سيدتها؛ ومعناه أن تكثر السراري حتى تلد الأمة السرية بنتا لسيدها، وبنت السيد في معنى السيد، وقيل غير ذلك‏.‏ و‏ ‏العالة‏ ‏ الفقراء‏.‏ وقوله ‏ ‏ ملياً‏ ‏ أي زمناً طويلاً، وكان ذلك ثلاثاً‏ ‏

61- الثانى‏:‏ عن أبي ذر جندب بن جنادة، وأبي عبد الرحمن معاذ بن جبل، رضي الله عنهما، عن رسول الله ، قال‏:‏ ‏"‏ اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال حديث حسن ‏)‏‏)‏‏.‏

62- الثالث‏:‏ عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال‏:‏ ‏"‏ كنت خلف النبي، ، يوماً (أي راكبا ًخلفه على الدابة) فقال‏:‏ ‏"‏ يا غلام إني أعلمك كلمات‏:‏ ‏"‏احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم‏:‏ أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليك؛ رفعت الأقلام، وجفت الصحف‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح‏)‏‏)‏ ‏.‏

وفى رواية غير الترمذي‏:‏ ‏ ‏احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً‏ ‏‏ ‏

63- الرابع‏:‏ عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ ‏"‏إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله من الموبقات‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه البخاري ‏)‏‏)‏ ‏وقال ‏:‏ ‏ ‏الموبقات‏ ‏ المهلكات ‏‏.‏

64- الخامس ‏:‏ عن أبي هريرة، رضي الله عنه ، عن النبي ، قال‏:‏ ‏"‏ إن الله تعال يغار، وغيرة الله ، تعالى، أن يأتي المرء ما حرم الله عليه‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏
‏و‏ ‏الغيرة‏ ‏‏:‏ بفتح الغين، وأصلها الأنفة ‏

65- السادس ‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي يقول‏:‏ ‏"‏ إن ثلاثة من بنى إسرائيل ‏:‏ أبرص ، وأقرع، وأعمى، (الأبرص : هو الذي أ ُصيب جلده ببياض .. والأقرع : هو مَن ليس في رأسه شعر .. والأعمى : هو مَن لا يستطيع البصر) أراد الله أن يبتليهم (أي يمتحنهم) فبعث إليهم ملكاً، فأتى الأبرص فقال‏:‏ أي شيء أحب إليك‏؟‏ قال ‏:‏ لون حسن، وجلد حسن ، ويذهب عني الذى قد قذرني الناس؛ فمسحه فذهب عنه قذره وأعطي لونا حسناً‏.‏ قال‏:‏ فأي المال أحب إليك‏؟‏ قال‏:‏ الإبل-أو قال البقر : شك الرواي- فأعطي ناقة عشراء، فقال‏:‏ بارك الله لك فيها‏.‏

فأتى الأقرع فقال‏:‏ أي شيء أحب إليك‏؟‏ قال‏:‏ شعر حسن، ويذهب عني هذا الذى قذرني الناس ، فمسحه فذهب عنه وأعطي شعراً حسناً‏.‏ قال‏:‏ فأي المال أحب إليك‏؟‏ قال‏:‏ البقر، فأعطي بقرة حاملاً،وقال بارك الله لك فيها‏.‏

فأتي الأعمى فقال‏:‏ أي شيء أحب إليك‏؟‏ قال‏:‏ أن يرد الله إلي بصري فأبصر الناس، فمسحه فرد الله إليه بصره‏.‏ قال‏:‏ فأي المال أحب إليك‏؟‏ قال‏:‏ الغنم، فأعطي شاة والداً‏.‏ فأنتج هذان وولد هذا، فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم‏.‏

ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته (أي أتاه الملاك في صورة رجل أبرص) ، فقال له‏:‏ رجل مسكين وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم (أي لن أستطيع بلوغ مرادي في سفري) إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال : بعيراً أتبلغ به في سفري، فقال‏:‏ الحقوق كثيرة (أي تحجج كاذبا ًبأنها كلها ليست ملكا ًله وإنما لأناس ٍحقوق فيها) ‏.‏ فقال (أي الملاك له ليقيم عليه الحُجة) :‏ كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيراً، فأعطاك الله ‏؟‏‏!‏ فقال (أي الرجل كاذبا ً) ‏:‏ إنما ورثت هذا المال كابراً عن كابر، فقال (أي الملاك له) ‏:‏ إن كنت كاذباً فصيرك الله إلى ما كنت (أي صيرك أبرصا ًكما كنت ولم تشكره) ‏.‏

وأتى الأقرع، فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما ردّ هذا، فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ‏.‏

وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال‏:‏ رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري‏؟‏ فقال‏:‏ قد كنت أعمى فرد الله بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله ما أجهدك اليوم بشيء أخذته لله عز وجل فقال (أي قال الملاك له) ‏:‏ أمسك عليك مالك (أي لا حاجة لي به) فإنما ابتليتم (أي امتحن الله ثلاثتكم) ، فقد رضي الله عنك، وسخط على صاحبيك‏"‏ ‏(‏‏(‏متفق عليه‏)‏‏)‏ ‏.‏

والناقة العشراء‏ ‏ بضم العين وفتح الشين وبالمد‏:‏ هى الحامل‏.‏
قوله ‏ ‏أنتج‏ ‏وفى رواية ‏:‏ ‏ ‏ فنتج‏ ‏ معناه ‏:‏ تولى نتاجها ، والناتج للناقة كالقابلة للمرأة ‏.‏
وقوله ‏ ‏ولد هذا ‏ ‏ هو بتشديد اللام ‏:‏ أى تولى ولادتها، وهو بمعنى نتج في الناقة‏.‏ فالمولد، والناتج، والقابلة بمعنى، لكن هذا للحيوان وذاك لغيره‏.‏
وقوله‏:‏ ‏ ‏ انقطعت بي الحبال‏ ‏ هو بالحاء المهملة والباء الموحدة‏:‏ أي الأسباب‏:‏
وقوله‏:‏ ‏ ‏ لا أجهدك‏ ‏ معناه ‏:‏ لا أشق عليك في رد شيء تأخذه أو تطلبه من مالي‏.‏ ‏(‏‏(‏وفى رواية البخاري‏)‏‏)‏ ‏:‏ ‏ ‏ لا أحمدك‏ ‏ بالحاء المهملة والميم، ومعناه‏:‏ لا أحمدك بترك شيء تحتاج إليه ، كما قالوا ‏:‏ ‏:‏ ليس على طول الحياة ندم، أي على فوات طولها‏.‏ ‏

66- السابع‏:‏ عن أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي قال ‏:‏ ‏"‏ الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال حديث حسن‏)‏‏)‏‏.‏
‏قال الترمذي وغيره من العلماء ‏:‏ معنى ‏ ‏دان نفسه‏ ‏ ‏:‏ حاسبها‏ ‏

أقول :
والحديث وإن كان معناه صحيحا ً:
إلا أنه ضعيف النسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم سندا ً..
ففيه : أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني : وهو ضعيف مُختلط ..

وعلى كثرة أحاديث رياض الصالحين التي تعدت الـ 1900 حديث تقريبا ً:
فإنه يوجد منها فقط 57 حديث ضعيف : هذا أولهم .. وسأ ُشير إليهم تباعا ً..
ولمَن أراد الاطلاع عليهم مجموعين : من الرابط التالي :
http://www.saaid.net/Doat/ehsan/145.htm

67- الثامن‏:‏ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله ‏:‏ ‏"‏ من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه‏"‏ ‏(‏‏(‏حديث حسن رواه الترمذي وغيره‏)‏‏)‏

68- التاسع‏:‏ عن عمر رضي الله عنه عن النبي قال‏:‏ ‏"‏لا يُسأل الرجل فيم ضرب امرأته‏"‏ ‏(‏‏(‏رواه أبو دواد وغيره‏)‏‏)‏ ‏.‏

أقول :
والحديث ضعيف ..
فيه : داود بن يزيد الأودي وهو ضعيف ، وعبد الرحمن المسلي وهو مجهول
وبفرض صحته :
فإن معناه يُصرف إلى النهي عن تقصي أحوال الزوج وزوجته ما لم يشتكيا لمُصلح ٍبينهما ..
فقد يكون سبب الضرب مُحرج للزوجة أو الزوج اطلاع الآخرين عليه والله أعلم ..
وهذا الرابط للمزيد عن هذا الحديث وتأويله :
http://islamqa.info/ar/ref/146600

يُـتبع إن شاء الله بباب التقوى ...

وللتعليق أو السؤال أو الاستفسار حول دروس الحديث < اضغط هنا > (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=35658)