المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرد علي مقالات اللادينيين عن الإسلام (4) (النبوة)



حسام الدين حامد
11-26-2004, 11:47 PM
النبوة .. حيث هي ناقض للعدل

أحيكم بتحية الإنسان الصادقة لأخيه الإنسان، بعيداً عن تفرقة الأديان، وظلم الكهان، واستغلال واستغفال الإنسان لأخيه الإنسان باسم الرحمن.

أما بعد ..ففي هذا الموضوع سنستعرض بإذن الله مفهوم "النبوة" الذي تقوم عليه الأديان التي توصف بالـ"سماوية" والتي نرى أن وصفها الصحيح هو "الأديان الابراهيمية" وسنوضح كيف أن مفهوم النبوة يناقض صفة العدل المفترضة في الإله الإبراهيمي المزعوم.

أولاً .. تعريف النبوة:

تعرف (النبوءة) لغوياً على أنها "الإخبار عن الشيء قبل وقته حرزاً وتخميناً" (المعجم الوجيز) ويبدو أنه قد جرى العرف على حذف الهمزة حين التكلم عن النبوة التي يفترض أنها "الإخبار عن الله عز وجل" (المعجم الوجيز) رغم أنه يجوز أن يطلق عليها لفظ "النبوءة" كما هو موجود في المعجم الوجيز.
كما جاء في مختار الصحاح ما قد يوضح لنا لماذا تترك الهمزة أحياناً وننقله هنا لأنه يوضح الجذر اللغوي الذي تشتق منه النبوة ويوضح المعنى اللغوي لها:
"[نبأ] ن ب أ: النَّبَأُ الخبر يُقال نَبَأَ و نَبَّأَ و أَنْبَأَ أي أخبر ومنه النَّبِيُّ لأنه أنبأَ عن الله وهو فَعِيل بمعنى فاعل تركوا الهمزة كالذُّرية والبريَّة والخابية إلا أهل مكة فإنهم يهمزون الأربعة قلت وتمام الكلام في النبي مذكور في ن ب ا من المُعْتل" (مختار الصحاح)
وبغض النظر عن تسميتها بالنبوة أو النبوءة – فالأمر سيان – فنحن نلاحظ أن كل من تنبأ بالمستقبل، سواء أوقع ما يتنبأ به أم لم يقع، فهو "نبي" ، ونستطيع أن نطلق على قارئي الطالع ، وفاتحي المندل ، وقراء الكف .. إلخ لفظ "أنبياء".
وإذا ما اعتبرنا هذا المعنى جيداً فإننا سنتفهم لماذا اقتصر مفهوم النبوة تقريباً على منطقة الشرق الأوسط ولم يصادف أن نجد لهذا المفهوم مرادفاً في ثقافات الشرق الأقصى أو شعوب الأوزتيك والمايا أو شعب الاسكيمو مثلاً؟، ولماذا نشأ هذا المفهوم وتركز بصورة تبدو زائدة عن الحاجة في حالة الشعب الإسرائيلي، ربما لطبيعته الاستعمارية ولطبيعة رحلته التاريخية التي استطاع فيها أن يحوز على عداوة كافة الشعوب المجاورة له.

أما المفهوم الديني الشائع للنبوة فهو "إصطفاء الله لأحد خلقه لإخبار الناس بأوامر الله ونواهيه فهو الرابط والصلة بين الله وبين الناس". (فهمي الخاص لمصادر عديدة)
وربما تجد محاولات لبعض المتدينين على تصوير النبوة على أنها مركز ديني يناله الشخص "النبي" عن استحقاق نتيجة لكده وسعيه مثلاً أو التزامه بأخلاقيات عالية وقيم رفيعة .. إلخ.
إلا أن النصوص الدينية المقدسة ذاتها تكذب هذا الإدعاء وتؤكد على أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء (آل عمران 59).
فمثلاً في قصة نبوة إبراهيم .. أبو الأنبياء وصاحب الوعد الإلهي وخليل الرحمن، نجد أن إبراهيم قد مر بمرحلة حيرة حول ماهيته وماهية الكون الذي يعيش فيه وتساءل تلك التساؤلات التي لابد أن معظمنا قد سألها لنفسه عن سبب وجوده والجدوى من ذلك وما إلى ذلك.
فقد رفض إبراهيم دين قومه وآبائه المتمثل في عبادة الأصنام، لأنه رآها بلا فائدة ولا تملك من أمرها شيء، فراح إبراهيم يبحث بين الأفلاك والأجرام السماوية باحثاً عن إله "أكبر" يستحق العبادة و"لا يأفل" ، ولما ضاق بالأجرام السماوية قال "لأن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين" (الأنعام 77) وهو هنا يقر بأن الهداية تأتي من عند الله، وليس من عند نفسه، ولما ضاق بأفول الشمس صرخ صرخته الشهيرة في وجه قومه " يا قوم إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين " (الأنعام 78، 79)، ليؤكد لهم لما حاجوه في إلهه أن إلهه هو الذي هداه.
والحقيقة هي أن القرآن في موضع آخر يوضح لنا كيف قام الله بهداية إبراهيم "العنيد" والذي طلب من الله أن يقدم له دليلاً على ألوهيته – رغم أنه تكلم معه .. ربما وجه لوجه - بأن يريه كيف يحي الموتى (راجع سورة البقرة الآية 260).

صحيح أننا قد نجد في بعض آثار العهد القديم (خصوصاً سفر أيوب) آثاراً لهذا المفهوم الذي يقول أن الله يختار أفضل أهل الأرض ليصبح نبيه ومن يمثله بين البشر (رغم أن أيوب مثلاً لم يحمل أي رسالة أو نبوءة)، إلا أننا ندرك بطبيعة الحال كيف أن أنبياء العهد القديم لا يمكن أن يكونوا بحال من الأحوال "أفضل أهل الأرض"، كما أن مفهوم الخير والشر في العهد القديم هو مفهوم جد طريف ويستحق التأمل .. فذبح شعوباً بأكملها .. بنسائها وأطفالها وشيوخها وبهائمها .. هو خير وأي خير.
أما عدم الإيمان بنبوءة نوح وتركه يردد خرافته سالماً غانماً لمدة 950 عاماً فهو الشر الذي يمثل كل أنواع الشر والذي يستحق أفظع إبادة جماعية عرفها الإنسان! .. وقد ندم الله عليها وقرر ألا يعود لمثلها .. لذلك فلن أحاسبه عليها الآن.

الخلاصة: النبوة تقوم على إنتقاء الله لمن يمثله ويحمل عنه وزر تبليغ أوامره ونواهيه أو وعوده ووعيده للناس، وهذا الإنتقاء يتم بطريقة عشوائية لا تعتمد على قواعد محددة وثابتة، ومن الواضح لنا أيضاً أن النبوة ليست ظاهرة عالمية، بل هي ظاهرة محلية عرفها الشرق الأوسط فقط، ومن الواضح أيضاً أن الفواصل الزمنية بين الأنبياء أمر غير ذي بال عند الإله، فمن الطبيعي أن يرسل لقرية واحدة نبيين أو ثلاثة، وأن يتعاقب الأنبياء الواحد تلو الآخر في مكان ما وزمان ما، بينما يفصل بين نبي وآخر مئات وربما آلاف السنين، ويترك أماكن أخرى دون أدنى اهتمام بإرسال حتى نبي من الدرجة الخامسة، إضافة إلى أن ختم النبوة وإغلاق بابها في بدايات القرون الوسطى حيث الجهل هو المتفشي.

ثانياً .. مفهوم العدل:

العدل هو الإنصاف وهو إعطاء المرء ما له وأخذ ما عليه (المعجم الوجيز)
وعادل بين شيئين أي وازن بينهما وسواهما وجعلهما مثلين (المعجم الوجيز)

هذا هو المفهوم اللغوي للعدل، ويمكننا أن نضرب أمثلة عديدة للعدل وكيف يجب أن يكون مثل:
الأب مع أبنائه، فتمييز الأب لأحد أبنائه وتفضيله على أخوته هو ظلم لأخوته وينقض هذا الفعل من الأب صفة العدل عنه.

المدرس مع تلاميذه، فكما أن تمييز أحد التلاميذ وتفضيله هو ظلم .. فإننا نضيف أنه حتى لو ساوى المدرس بين جميع تلاميذه ولم يفضل أيهم على الآخرين، فإن استكمال صفة العدل تقتضي منه أن يسعى لتوفير كافة الظروف التي تتيح لهم الإطلاع على المعلومات والمعرفة التي يقدمها إليهم وبنفس القدر وفي نهاية العام أن يأتي بامتحان يتناسب مع قدر المعلومات التي تعلموها خلال العام الدراسي وإلا أصبح هذا الأستاذ ظالماً.

ثالثاُ .. النبوة تتناقض مع العدل الإلهي:

تفترض جميع الأديان الإبراهيمية صفة العدل في إلهها المزعوم، إلا أنه مما تقدم فإن هذه الصفة تتناقض مع مفهوم النبوة والتي تقوم عليه هذه الأديان مما ينقضها من أسسها ويخلعها من جذورها على ما سيلي:

1- إنتقاء (إصطفاء) الله لأحد خلقه ليصبح نبيه ورسوله هو تفضيل لهذا الشخص على سائر البشر وهذا يناقض العدل بين البشر، ولا يبرر هذا الفعل الغير عادل سوى "عجز" هذا الإله عن إيجاد وسيلة أخرى يستطيع من خلالها أن يبلغ رسالته لكافة البشر مباشرة ودون تفضيل أحد على أحد .. أي أننا إما أمام إله ظالم أو أمام إله عاجز.. والأغلب أننا أمام إله عاجز وظالم في الوقت ذاته.
2- إرسال الله الأنبياء لمناطق محددة وتركه لمناطق أخرى .. وهذا ظلم للمناطق التي لم يرسل الله إليها أنبياء، فالعدل (كما جاء في تعريف العدل) يقتضي الموازنة بين الشيئين وجعلهما مثلين.
3- إرسال الله الأنبياء في أزمنة محددة وتركه لأزمنة أخرى .. وهذا ظلم لنفس السبب الوارد في (2).
4- ختم النبوة وغلق بابها .. فهذا تفضيل لمن حظي بفترة العيش قرب النبي وبجواره ومشاهدة معجزاته وآياته على من لم تشأ الأقدار له أن يعيش بجوار أي نبي (وهم الأكثرية الساحقة من بني البشر) .. وهذا طبعاً ظلم (إرجع إلى تعريف العدل).

الخلاصة .. إله الأديان الإبراهيمية (إن وجد) فهو ظالم لتفضيله بعض البشر على بعض البشر كما تقر كافة الكتب المقدسة بأن "الله" قد ارتكب جريمة تفضيل شخص أو قوم على سائر البشر .. وهذا الإله لا يصح له إلا أن يكون ظالماً .. وفقاً لتعريف العدل.


حيران

د. هشام عزمي
11-27-2004, 03:58 AM
فقد رفض إبراهيم دين قومه وآبائه المتمثل في عبادة الأصنام، لأنه رآها بلا فائدة ولا تملك من أمرها شيء، فراح إبراهيم يبحث بين الأفلاك والأجرام السماوية باحثاً عن إله "أكبر" يستحق العبادة و"لا يأفل" ، ولما ضاق بالأجرام السماوية قال "لأن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين" (الأنعام 77) وهو هنا يقر بأن الهداية تأتي من عند الله، وليس من عند نفسه، ولما ضاق بأفول الشمس صرخ صرخته الشهيرة في وجه قومه " يا قوم إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين " (الأنعام 78، 79)، ليؤكد لهم لما حاجوه في إلهه أن إلهه هو الذي هداه.
قال ابن القيم في مدارج السالكين :
( قد قيل: إنها على تقدير الاستفهام. أي أهذا ربي ؟، وليس بشيء.
وقيل: إنها على وجه إقامة الحجة على قومه. فتصور بصورة الموافق، ليكون أدعى إلى القبول. ثم توسل بصورة الموافقة إلى إعلامهم بأنه لا يجوز أن يكون المعبود ناقصا آفلا. فإن المعبود الحق: لا يجوز أن يغيب عن عابديه وخلقه، ويأفل عنهم. فإن ذلك مناف لربوبيته لهم. أو أنه انتقل من مراتب الاستدلال على المعبود حتى أوصله الدليل إلى الذي فطر السموات والأرض. فوجه إليه وجهه حنيفاً موحداً، مقبلا عليه، معرضاً عما سواه. والله سبحانه أعلم.)

و قال ابن تيمية في درء التعارض :
( وإذا زعم الخصم أن المعارف المتقدمة وجبت أي حصلت بالنظر والاستدلال ؛ فذلك مكابر معاند .
فإن احتج بقوله تعالى عن الخليل { فلما جن عليه الليل رأى كوكبا } سورة الأنعام 76 إلى قوله {إني بريء مما تشركون }سورة الأنعام 78 = فتلك حجة على الخصم لا له ؛ لأنه لو عرف بالنظر والاستدلال لما صح له أن يقول إني بريء مما تشركون ، ولم يحكم النظر والاستدلال .
ولا يقول إني بريء مما تشركون وإني وجهت وجهي إلا عارف بربه .
وما كان ذلك من الخليل إلا بالرشد السابق الذي خبرت الربوبية عنه بقوله تعالى ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل سورة الأنبياء 51 وإنما أراد بذلك القول الإنكار على قومه والتوبيخ لهم إذ كانوا يعبدون الشمس والقمر والنجم من دون الله فقال ما قال على طريق الإنكار ليعلمهم أن ما جاز عليه الأفول والتغيير من حال إلى حال لم يكن بإله يعبد ولا رب يوحد وإنما الإله الذي خلقكم ولمعرفته فطركم هو الذي أخبر عنه بقوله : {إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض } سورة الأنعام 79 . وإن كان مخرج الآية مخرج الخبر فإنما المراد به الاستفهام .

قلت : وذكر ابن عبد أشياء وإن كان في بعض ما ذكره آثار لا تثبت وكلام مستدرك.

فالمقصود بيان ما ذكره من أن المعرفة فطرية إلى أن قال : وإنما كان الخليل بقوله منبها لقومه ومذكرا لهم الميثاق الأول ردا لهم إلى ضرورتهم ليصلوا إلى ما انعجم عليهم بما هو ضرورتهم وكوشفوا به وإن كان ذلك من الخليل في طفوليته كما حكي فأين محل النظر والاستدلال وإن كان في حال رجوليته فمتى التبس هذا الحكم على بعض المؤمينن في زماننا وغيره حتى يلتبس على الخليل الذي اصطفاه الله بالخلة من بين العالمين نعوذ بالله من الحيرة في الدين لا جرم وقال تعالى : {وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه }سورة الأنعام 83 ولو أن الله عرف بالعقل لكان معقولا بعقل وهو الذي لا يدركه عقل ولا يحيط به إحاطة وإنما أمرنا بالنظر والتفكير فيما عرف بالتقدير لا إلى من { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } سورة الشورى 11 .
فعرفنا أن لكل أثر مؤثرا ولكل بناء بان ولكل كتابة كاتب من ضرورتنا إلى ذلك كما عرفنا اضطرارا أن السماء فوقنا والأرض تحتنا ومعرفة وجودنا وغير ذلك إذ يستحيل أن يحدث الشيء نفسه لعلمنا بأنه في وجوده وكماله يعجز فكيف في عدمه وعجزه . ) انتهى المراد نقله .

فالصحيح اللائق بإمام الحنفاء أنه إنما قاله على وجه المناظرة والتنزل للخصم لاستدراجه ومن ثم بيان سفه قوله وزعمه ، فمعلوم أن قومه كانوا يعبدون الكواكب فيكون المعنى هذا ربي فهلم ننظر هل يستحق الربوبية ؟ وهل يقوم لنا دليل على ذلك ؟ كما ذكر ذلك غير واحد من المفسرين .. أوكما قال بعضهم أنه قال : هذا ربي على قولكم فانظروا كيف يأفل ، لأنهم كانوا يعبدون الشمس والقمر مع الأصنام ، ونظير هذا قوله تعالى ( أين شركائي ) وهو جل وعلا واحد لاشريك له ؛ والمعنى أين شركائي على قولكم ؟

أما أن يؤول ذلك ويفسر على أن إبراهيم تدرج في عبادة غير الله أوفي اعتقاد الربوبية لغير الله وهو إمام الحنفاء !! فمحال ؛ كيف وقد آتاه الله رشده من قبل؟ وأراه ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين ؛وقال جل وعلا عنه ( إذ جاء ربه بقلب سليم ) أي لم يشرك به قط كما ذكر القرطبي وغيره .. وقد ذكر الله ذلك صراحة عن إبراهيم عليه السلام فوصفه تعالى في عدة آيات بقوله : ( وما كان من المشركين )

يقول الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان:
( ونفي الكون الماضي يستغرق جميع الزمن الماضي ، فثبت أنه لم يتقدم عليه شرك يوما ما ، وأما كونه جازما موقنا بعدم ربوبية غير الله ، فقد دل عليه ترتيب قوله تعالى ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي ) إلى آخره "بالفاء" على قوله ( وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين ) فدل على أنه قال ذلك موقنا مناظرا ومحاجا لهم ، كما دل عليه قوله تعالى : ( وحاجه قومه ) الآية، وقوله ( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه )الآية والعلم عند الله تعالى ) أهـ.

أبو مريم
11-28-2004, 02:07 AM
لقد وقع صاحب هذه الشبهة فى أخطاء لا حصر لها ولكننا نركز على مضمون الشبهة وهو مخالفة إرسال الرسل من قبل الله تعالى لمفهوم العدل فهو أولا يوضح لنا مفهوم العدل اللغوى وينقله من المعجم الوجيز وذلك فى حد ذاته دليل على ضحالة فكر أو تدليس متعمد فمفهوم العدل بالمعنى اللغوى العرفى ليس هو المعنى هنا بل المقصود هو المعنى الاصطلاحى والمعنى الشرعى وعلى كل حال بإمكاننا نسف أى شبهة تتعلق بالعدل الإلهى بجملة واحدة وهى (( أن الله تعالى يتصرف فى خالص ملكه فلا يتصور وقوع الظلم منه علىأية حال ))
غير أننا نسير مع صاحب هذه الشبهة ونتأمل حججه الفارغة ونزنها بميزان العقل :
فهو يضرب لنا أمثلة على العدل عدل الأب مع أبنائه وكيف لا يجب عليه تمييز واحد عن الآخر وعدل المدرس مع تلاميذه ...
هذه الأمثلة قد توضح صورا من صور العدل فى جزئية محددة النفقة وحسن المعاملة والرعاية العلمية ولكن ماذا عن الصور الأخرى هل من الممكن أن تعطى الدولة جميع الموظفين نفس الراتب مثلا وهل يجب أن يعيش الناس جميعا فى نفس المستوى الاجتماعى لا شك أن ذلك يخضع لاعتبارات أخرى ترجع إلى مدى ما يتمتع به الفرد من قدرات وما يقدمه من خدمات وإذا نظرنا إلى اصطفاء الله تعالى للناس وتفضيلهم بعضهم على بعض لرأينا أن هناك تفتوتا بين الناس وبين أفراد الجنس الواحد عموما وهذا ضرورى لاستمرار الحياة حتى يتكامل الجميع فهذا قوى البنية وهذا أكثر ذكاء وهذا يمتلك رأس مال وبذلك يحدث التكامل وتستمر الحياة والتعاون بين أفراد الجنس البشرى فهل هذا ينطبق عليه انه نوع من الظلم ؟ بالطبع هذا قمة العدل والحكمة .. إذن فليست القاعدة التى وضعها هى مقياس للعدل الإلهى ولا للعدل بل هى مجرد تعريف لفظى لغوى أما العدل الشرعى والاصطلاحى والذى ينافى الظلم فهو وضع كل شىء فى موضعه .
قال تعالى ((وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة..)) الله تعالى خلق الخلق ووجد الأنبياء أطهرهم قلوبا فاصطفاهم وزادهم طهرا وعصمهم وأمرهم بتبليغ رسالته ومن العدل ألا يصطفى الله نفسا خبيثه لهذا المقام الرفيع كما أنه ليس من العدل أن نصطفى إنسانا طماعا عديم الضمير ليكون خازنا على بيت المال ولو اختار الله الناس جمعا لنفس المنصب لما كان لهذه الحياة معنى ولما كان عالم البشر إلا تكرار لعالم الملائكة وهذا مناف للغاية التى خلق من أجلها البشر .
يقول صاحب الشبهة :

- إنتقاء (إصطفاء) الله لأحد خلقه ليصبح نبيه ورسوله هو تفضيل لهذا الشخص على سائر البشر وهذا يناقض العدل بين البشر، ولا يبرر هذا الفعل الغير عادل سوى "عجز" هذا الإله عن إيجاد وسيلة أخرى يستطيع من خلالها أن يبلغ رسالته لكافة البشر مباشرة ودون تفضيل أحد على أحد .. أي أننا إما أمام إله ظالم أو أمام إله عاجز.. والأغلب أننا أمام إله عاجز وظالم في الوقت ذاته.قلنا هذا لا يناقض العدل فليس اختيارنا رجلا لمنصب رئيس الدولة أو وزير الدفاع يعد ظلما لبقية الأفراد لا شك أن هذا الفهم خاطئ جدا فالعلدل المطلوب والمحقق ألا تزر وارة وزر أخرى وأن يحاسب الله الناس جميعا على قدر ما توافر لهم من دواعى المعرفة والهداية وحرية الإرادة .
وأما كون إرسال الرسل دليلا على عجز الله تعالى عن إيجاد وسيلة أخرى فهذا قول باطل فإن الرسل عليهم الصلاة والسلام لم يرسلهم الله تعالى إلا إتماما لمكارم الأخلاق وتنقية للفطر مما قد يشوبها من أدران الشرك ولم يرسلوا بما يناقض ما فى الفطر السليمة من معرفة الله تعالى وتوحيدة قال تعالى (( وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على انفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين )) قال صلى الله عليه وسلم (( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )) فمهمة الرسل هى إتمام وإكمال لما أودعه الله تعالى فى قلوب الناس من الفطر السليمة وما خلقهم عليه من حب للخير وبغض للشر وتنقيته مما قد يشوبه من عادات جاهلية وتذكيرهم بالله تعالى ..هذه هى مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام اقرأوا إن شئتم قوله تعالى فى سورة النور (( الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح فى زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درى يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضىء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدى الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شىء عليم )) قال المفسرون إنه مثل لنور الله تعالى فى قلب المؤمن نور الفطره الذى يكاد يضىء ولو لم يصله نور الوحى فكيف إذا وصله لا شك انه نور ه سيصبح أكثر وهجا وأعظم إشراقا ..
إذن فليس الوحى وحده هو وسيلة هداية البشرية بل هناك الفطرة والعقل السليم الذى يؤكد على أن لهذا الكون خالقا مدبرا حكيما عادلا رحيما لا يترك خلقه هملا ولا يقنطهم من رحمته ولا ييأسهم من معرفته ومعرفة ما يرضيه ويقربهم لمحبته بل يوضح لهم ذلك أوضح عبارة ويرسل لهم نماذج حيه لما ينبغى أن يكونوا عليه لينالوا رضاه .

- إرسال الله الأنبياء لمناطق محددة وتركه لمناطق أخرى .. وهذا ظلم للمناطق التي لم يرسل الله إليها أنبياء، فالعدل (كما جاء في تعريف العدل) يقتضي الموازنة بين الشيئين وجعلهما مثلين3- إرسال الله الأنبياء في أزمنة محددة وتركه لأزمنة أخرى .. وهذا ظلم لنفس السبب الوارد في (2)..أولا نحن لا نقر لك لا بهذا التعريف المخل ولا بفهمك له فليس معنى العدل سوى محاسبة الناس على قدر ما توافر لهم من هداية البيان والإرادة الحرة ولن يدخل الله أحدا النار ما لم تبلغه الرسالة قال تعالى(( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا )) فما وجه الظلم إذن ؟!

- ختم النبوة وغلق بابها .. فهذا تفضيل لمن حظي بفترة العيش قرب النبي وبجواره ومشاهدة معجزاته وآياته على من لم تشأ الأقدار له أن يعيش بجوار أي نبي (وهم الأكثرية الساحقة من بني البشر) .. وهذا طبعاً ظلم (إرجع إلى تعريف العدل).لقد ختمت النبوة وأغلق بابها لاكتمال مهمتها ولا شك أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم بين أيدينا الآن كما كانت منذ وفاته صلى الله عليه وسلم ، وفهم معنى النبوه على انه مجرد تشريف للنبى ولمن يتشرف برؤيته وصحبته فهم قاصر ، بل النبوة لها هدف وغاية وعندما يؤدى الرسول رسالته ينتقل إلى الله تعالى وإذا كانت الرسالة قد اكتملت وحفظت فما الحاجة لإرسا ل الرسل بعد ذلك .
المهم أن الشبهة تدور حول فهم ضيق لمعنى العدل الإلهى وافتراض أن الله تعالى يجب عليه فعل أشياء تفترضها عقولنا وأذواقنا وتتفق مع أهوائنا ومصالحنا الشخصية المحدودة ، وحول فهم ضحل للنبوة وأنها مجرد تشريف للنبى ولمن اختص برؤيته يعنى مجرد دعاية وشهرة وصيت وليس تكليفا وأعباء وتبعات تنوء بحملها الجبال ، وحول مفهوم قاصر للهداية واقتصارها على الوحى دون الفطرة والعقل هذا مع تجنب الخوض فى المسائل الأخرى كطعنه فى إبراهيم عليه السلام وهو بلا شك دليل قاطع على فهم قاصر واستهتار بالعقول واستخفاف بالقيم بلا أدنى دليل ...
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .

د. هشام عزمي
11-28-2004, 06:56 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

من المناهج السليمة في إثبات النبوة هو نفي كونها مستحيلة عقلا ، فإن أمكن نفي استحالتها عقلا كان انكار وقوعها بلا معتمد أو مستند . يقول إمام الحرمين الجويني في الإرشاد ص306 :
والدليل على جواز إرسال الله الرسل وشرع الملل : أن ذلك ليس من المستحيلات التي يمتنع وقوعها لأعيانها ، كاجتماع الضدين ، وانقلاب الأجناس ، ونحوها ، إذ ليس في أن يأمر الرب تعالى عبدا بأن يشرع الأحكام - أي : يبلغ شرعة الأحكام- ما يمتنع من جهة التحسين والتقبيح .

و هذا دليل صحيح على كون إرسال الرسل من قبل الله تعالى ليس من المستحيل العقلي ، فلا يجوز إنكاره و استبعاده بناء على هذه النوعية من النقد "الإنطباعي " .

يقول الأخ الحبيب أبو مريم :

إذن فليس الوحى وحده هو وسيلة هداية البشرية بل هناك الفطرة والعقل السليم الذى يؤكد على أن لهذا الكون خالقا مدبرا حكيما عادلا رحيما لا يترك خلقه هملا ولا يقنطهم من رحمته ولا ييأسهم من معرفته ومعرفة ما يرضيه ويقربهم لمحبته بل يوضح لهم ذلك أوضح عبارة ويرسل لهم نماذج حيه لما ينبغى أن يكونوا عليه لينالوا رضاه .
و هذا كلام سديد وجدته بتفصيل أكبر لدى آخر شيوخ الإسلام للدولة العثمانية .. يقول العلامة مصطفى صبري شيخ الإسلام للدولة العثمانية سابقًا :
فإذا كان الله موجودًا و هو خالقنا و خالق كل شيء كان أول واجب الإنسان التفكير في أن خالقه لا يتركه سدى ، لا سيما و قد خلقه ممتازًا على سائر خلقه بالعقل و الإرادة فيلائم عقله الذي به وجد ربه و استدل على وجوده كل الملائمة أن تكون عليه واجبات تجاه من خلقه . لكن العقل لا يستطيع تعيين هذه الواجبات بالضبط و التفصيل لا عقل أحد يفكر في نفسه و لا عقول العلماء و الحكماء الذين يختلف آراؤهم و مذاهبهم في تعيين الحق و الباطل و الخير و الشر فلا يدري أيها يوافق مرضاة الله من تلك الآراء و المذاهب المختلفة . و لا يصدق العقل أن يكون الحق و الصواب في رأي الكثرة لأن هذه طريقة برلمانية لا تغني من الحق شيئًا ، ألا يرى أن التحقيق و الترجيح في المسائل العلمية لا يبنى على عدد الأصوات و الآراء . و لو استقر القرار على أن يعمل كل إنسان بما يؤدي إليه فكره و اجتهاده كان فوضى . ففي وسط هذه الحيرة و التردد يحس الإنسان من صميم قلبه الحاجة إلى رسول من عند ربه يسدد خطاه و يبلغه أوامره و نواهيه ، فهو وحده يكون كمندوب رسمي من جانب الملك يحمل مرسومه من بين المندوبين من تلقاء أنفسهم .
( مصطفى صبري ، القول الفصل بيم الذين يؤمنون بالغيب و الذين لا يؤمنون ص131 )

هذا مبحث لطيف من مباحث التفكير و التأمل و النظر وضعته لاتصاله بموضوع الشبهة رغم أنه لا يرد عليها مباشرة . و اللهم صل على سيدنا محمد ، أفضل من عرف الوجود ، و أنبل من تحدث عنه التاريخ ، و على آله و صحابته الذين أعلوا رايته ، و أعزوا آيته ، فاجتمع لهم عز الدنيا و خير الآخرة . ربنا عليك توكلنا و إليك أنبنا و إليك المصير .

وليد
11-28-2004, 07:27 PM
بالرغم من هشاشة الردود
الا انني اري انه من "العدالة " استدعاء الاخ حيران للرد علي مقاله و الرد بنفسه و عدم جعل الحوار من طرف واحد حتي تكتمل الفائدة

عاتكة
11-28-2004, 08:46 PM
من الافضل أن تشير إلى الهشاشة بدلاً من الادعائات الفارغة .
والسلام على من أتبع الهدى

حازم
11-28-2004, 08:53 PM
بالرغم من هشاشة الردود
الا انني اري انه من "العدالة " استدعاء الاخ حيران للرد علي مقاله و الرد بنفسه و عدم جعل الحوار من طرف واحد حتي تكتمل الفائدة

قد اتانا من قبل ولم يكمل . فلعلك تستطيع اقناعه ليرد هنا ويكمل ما تركه :

http://altwhed.com/vb/showthread.php?t=169

أبو مريم
11-29-2004, 08:04 AM
فى الحقيقة يا أستاذ وليد نحن لا نوجه تلك الردود إلى الزميل حيران والذى لم يشارك معنا إلا بطرح سؤال واحد بل نوجه تلك الردود إلى الشبهة ذاتها وإذا كنت تؤيد هذا الرأى أو ذاك فهذا يسمح لك بأن تبدى رأيك ولو استطعت إقناع الزميل صاحب هذه الشبهة بالمشاركة فلا شك ان ذلك سيكون هو الأفضل ونحن فى انتظار مشاركتكما ومشاركة الزملاء الأفاضل .

حسام الدين حامد
12-01-2004, 02:21 AM
الإخوة الكرام جزاكم الله خيرًا علي ردودكم القيمة ، و إن شاء الله سأضيف قريبًا ما عندي و إن كنت أشك في أنه سيضيف فائدة بعد هذه الردود الطيبة .

حسام الدين حامد
12-02-2004, 10:58 AM
* بيان عدم أهلية ما زعمه الكاتب من نقض النبوة للعدل للنقاش :

من القواعد المنطقية المعروفة : لا يمكن نفي الزعم إلا بعد ثبوت الزعم ، فلابد من إثبات زعمك حتي تطالب بإثبات عكسه أي نفيه ، و إلا فالمطالبة بنفي أي زعم دون إثباته مما اتفق العقلاء علي سفاهة فاعله .

و بالنظر في المقال نجد الكاتب عنون له بقوله " النبوة ... حيث هي ناقض للعدل " ثم جاء بتعريف النبوة و العدل و وضع رأيه من مناقضة النبوة للعدل مع إعادة الصياغة و إطالة العبارة ، فكانت الدعوي و الدليل واحدًا ، دون إثبات لما ذكره أو تفصيله من خلال تعريف العدل و اكتفي بقوله " وهذا يناقض العدل بين البشر " و قوله " وهذا ظلم للمناطق التي لم يرسل الله إليها أنبياء، فالعدل (كما جاء في تعريف العدل) يقتضي الموازنة بين الشيئين وجعلهما مثلين. " و قوله " وهذا ظلم لنفس السبب الوارد في (2). " و قوله " وهذا طبعاً ظلم (إرجع إلى تعريف العدل). " !! فما أعجب حجته !! و أعجب منها اجتراؤه علي نشرها في مقال !! و أعجب منهما اقتناع البعض به !!

و مع ذلك فلنترك قوانين المنطق ! و نظهر تهافت كلام الكاتب تنزلًا ، و هذا ينقلنا إلي :

بيان خطأ الكاتب في تطبيق معني العدل و خلطه بين العدل و المساواة

الكاتب يورد معني العدل لغةً و هو " إعطاء المرء ماله و أخذه ما عليه " و هنا يعترض الكاتب بأنه يصطفي رجلًا من قومه و هنا تفضيل له عليهم و تفضيل لمن صاحبوه علي من لم تتح لهم فرصة المصاحبة ، فهذا التفضيل مناقض لمعني العدل الذي ذكره الكاتب !!
فنسأل الكاتب : الله اصطفي محمدًا صلي الله عليه و سلم علي العالمين ، فهل هذا يناقض مفهوم العدل عندك ؟!
جوابه : نعم .
فالسؤال : فمن المرء الذي أُخذ منه ما ليس عليه أو مُنع ما له ؟ و هل أخذ محمدٌ صلي الله عليه و سلم حقا كان لأحد أو امتنع عن إعطاء حق لأحد ؟؟
فلن يجد الكاتب جوابًا - يصلح لأن يكون مقنعًا - لأنه ببساطة يطلق الكلام دون دليل اللهم إلا قوله " إرجع إلي تعريف العدل " !!

و السبب في ذلك : أن الكاتب ببساطة يخلط بين العدل و المساواة و يكفي دليلًا علي ذلك أنه عند نقله المعني اللغوي لكلمة " عدل " لم يجده كافيًا فنقل معني كلمة " عادل " من نفس المادة لأنها تشتمل علي معني المساواة ، فهل العدل يقتضي المساواة علي الدوام أيها الكاتب ؟!!

الكاتب يعتبر النبوة من الحقوق مع أنها منةٌ و فضل و لا علاقة لذلك بالعدل كما يراه :

قال تعالي " قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَعلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " ( إبراهيم : 11)
فهل المنة تدخل كناقض للعدل المتعلق بالحقوق كما ذكر الكاتب ؟!

بيان ذلك : لو أن لرجلٍ عند آخر مالًا فطالبه به ، فأعطاه المال ، فهذا عدل ، و لكن لنفرض أن الرجل أعطاه ماله و زيادة عليه ، فهل هذه الزيادة تناقض العدل ؟!!
الجواب : لا ، لأن هذا فضل فوق الحق و حيث إنه أدي ما عليه و لم يعتد علي حق أحد فليس هذا من خوارم العدل في شيء ، و لكن جواب الكاتب كما يقتضيه منهجه أن هذه المنة من نواقض العدل !!

و مثال آخر و لله المثل الأعلي : الله تعالي يهب لمن يشاء إناثًا و يهب لمن يشاء ذكورًا و يجعل من يشاء عقيمًا ، فهل هذا يخرق العدل ؟
الجواب : لا لأن الولد هبة ، و الهبة لا تخرق العدل لأن العدل يتعلق بالحقوق و إعطاء المرء ما له و أخذ ما عليه كما فهم الكاتب ، و هنا ننطلق إلي :

إلزام الكاتب ببعض ما حاول إلزامنا به مما سبق جوابه :

1- هل الإله الذي يؤمن به الكاتب و الذي يهب لمن يشاء الذكور و لغيرهم الإناث و يجعل من يشاء عقيمًا ، ينقض بفعله ذلك العدل ؟!
2- هل رب الكاتب يري الرسل و هم يشرعون باسمه و يصفونه و يجاهدون لإعلاء كلمته و هم أدعياء كما يفهم الكاتب و مع ذلك لا يعاقبهم ؟ أليس هذا من الظلم و العجز ؟!
3- هل هناك طريقة أفضل لإرسال الرسل ؟
إن أجاب بالإثبات فالسؤال : لماذا لم ينفذها ربك ؟!
و إن كان بالنفي فالسؤال : فهل ربك عاجز؟!
4- و إن كان الكاتب قد توصل إلي معرفة وجود الإله الذي يؤمن بوجوده و الذي يصفه بالرحمن بالعقل ، فهل الناس سواء في عقولهم ؟
فلابد من الإجابة بالنفي و هنا نسأله : فلماذا تزعم نقض اصطفاء الرسل علي أقوامهم لصفة العدل و لا تري في اختلاف الناس في عقولهم نقضًا لصفة العدل في ربك الذي تتصوره ؟!
5- هل وجد إلهك هذه الوسيلة التي قلت عنها " يستطيع من خلالها أن يبلغ رسالته لكافة البشر مباشرة ودون تفضيل أحد على أحد " ؟

من أين أُتِيَ الكاتب ؟

الذي يتضح من ثنايا المقال أن الذي ثكله الكاتب هو معرفة الحكمة في اصطفاء الرسل علي غيرهم فهو يري أن معني الاصطفاء " هو تفضيل لهذا الشخص على سائر البشر وهذا يناقض العدل بين البشر، ولا يبرر هذا الفعل الغير عادل سوى "عجز" هذا الإله عن إيجاد وسيلة أخرى " فعندما لم يرَ الكاتب ما يبرر هذا الفعل انطلق في تفكيره هذا .

فالسؤال : ما الحكمة من اصطفاء الله تعالي للرسل علي أقوامهم و علي العالمين ؟
فجواب الكاتب : " لا أدري " ، و هو بذلك يجعل من جهله منطلقًا لإثبات كلامه !! فصار الجهل حجةً !!
و لكن جوابنا : بالقرائن ، و كما قاله ابن القيم رحمه الله " العقلاء جميعًا متفقون علي أن الفاعل إذا فعل أفعالًا ظهر فيها حكمته و وقعت علي أتم الوجوه و أوفقها للمصالح المقصودة بها ، ثم إذا رأوا أفعاله قد تكررت كذلك ، ثم جاءهم من أفعاله ما لا يعلمون وجه حكمته فيه لم يسعهم غير التسليم لما عرفوا من حكمته و استقر في عقولهم منها ، و ردوا منها ما جهلوه إلي محكم ما علموه " ( شفاء العليل : 419 - 420 )

الجواب عن متفرقات :

المحال و القدرة

قرأت مقالًا لأحد الملاحدة جمع فيه بعض الأمور المحالة و سماه " أشياء لا يستطيع الإله فعلها " و قديمًا كانوا يحاولون إثبات العجز بقولهم " إن كان الله علي كل شيءٍ قدير فهل يستطيع أن يخلق مثله ؟ " و في مثل هذا الخط يسير الكاتب عندما يقول " ولا يبرر هذا الفعل الغير عادل سوى "عجز" هذا الإله عن إيجاد وسيلة أخرى يستطيع من خلالها أن يبلغ رسالته لكافة البشر مباشرة ودون تفضيل أحد على أحد .. " و جواب كل ذلك ما قاله ابن القيم رحمه الله :
" و لا يقال : فيلزم العجز لأن المحال ليس بشيءٍ فلا تتعلق به القدرة ، و الله علي كل شيءٍ قدير فلا يخرج ممكن من قدرته ألبتة " ( شفاء العليل : 411) .

خلط الكاتب

الكاتب يقول " النصوص الدينية المقدسة ذاتها تكذب هذا الإدعاء وتؤكد على أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء " فهو يعترف أن الاصطفاء للنبوة في النصوص الشرعية من الفضل و المنة ، فكيف ينقض الفضل مفهوم العدل ؟! السبب أن الكاتب لا يعرف الفرق بين الفضل و الحق و العدل و الأمور عنده ملتبسة كما سبق البيان .

هل فكرة النبوة كانت حكرًا علي الشرق الأوسط

يقول الكاتب " الواضح لنا أيضاً أن النبوة ليست ظاهرة عالمية، بل هي ظاهرة محلية عرفها الشرق الأوسط فقط "
فأكتفي بنقل بعض النتائج البحثية ليتضح منها أن فكرة النبوة كفكرة لا كحقيقة كانت موجودة في غير الشرق الأوسط :
يقول مصطفي النشار " و هكذا يتضح أن هوميروس يقر بمراتب الآلهة و أن هناك أناسًا تصطفيهم بعض الآلهة و تحادثهم و ترعاهم مما يحدث الصراع بين الآلهة أنفسهم " ( فكرة الألوهية عند أفلاطون : 29 )
فهل كانت أشعار هوميروس من وحي خياله أم تعبيرًا عن اعتقاد معاش ؟
يجيب ماركس كارليل بقوله " فالعقيدة أصل و الشعر صورة ، و العقيدة حقيقة و الشعر ظلها ، و قصاري القول إن الرموز الشعرية هي نتيجة الحقيقة لا مسببها " ( الأبطال و عبادة البطولة ترجمة محمد السباعي : 13 )
و هناك المذهب الأورفي المنسوب إلي المصلح أو البطل أورفيوس و الذي يعتبره بعض الباحثين من الأنبياء ( انظر تاريخ الفلسفة اليونانية : 7 )
و هذا يكفي في نقض ما زعمه الكاتب ، و و صفه بأنه " من الواضح " له !!

الكلام علي إبراهيم صلي الله عليه و سلم

أجاب الأخ الفاضل الدكتور هشام عزمي جزاه الله خيرًا .

و أخيرًا

يقول الكاتب " أي أننا إما أمام إله ظالم أو أمام إله عاجز.. والأغلب أننا أمام إله عاجز وظالم في الوقت ذاته. "
فبعد الجواب اتضح أنه ليس ثمة عجز أو ظلم ، أي أننا أمام كاتب إما متكلم بما لا يعلم ، أو متزبب قبل التحصرم ، و الأغلب أننا أمام كاتب حالته :
تصم السميع و تعمي البصير *** و يُسأَل من مثلها العافية .

انتهي الرد .

سبحانك اللهم و بحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك .

حسام الدين حامد
12-02-2004, 12:09 PM
ردا علي قول الأستاذ وليد " بالرغم من هشاشة الردود
الا انني اري انه من "العدالة " استدعاء الاخ حيران للرد علي مقاله و الرد بنفسه و عدم جعل الحوار من طرف واحد حتي تكتمل الفائدة "

فهاهي ردود الإخوة الكرام " د.هشام عزمي " و " أبو مريم " و بعدها ردي ، فمن العدالة أن يجيب صاحب المقال ، فإن لم يستطع الجواب و انقطع ، أليس من " العدالة " أن يحذف مقاله من موقع اللادينيين أو أن يضيف هذه الردود إليه ؟!!

أما عن أسئلتك فقد رد الإخوة عليك ، و لو أردت من أي عضو الرد فسمه و هو أهل للرد إن شاء الله ، و مازلت أؤيد الدكتور هشام في نقل الموضوع و ليكن عنوانه " انقطاع النبوة " أو كما يري الإخوة .

سبحانك اللهم و بحمدك أشهد ألا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب إليك .