المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعلان بحثان في مكان مكة - وتوجيه الكعبة ..



إلى حب الله
04-08-2012, 12:20 AM
بحثان في مكان مكة - وتوجيه الكعبة ..
البحث الأول نقرأه في هذه المشاركة .. والبحث الثاني نقرأه في المشاركة القادمة بإذن الله ..

الإخوة الكرام ...
في منتصف سبعينات القرن الماضي : قام الدكتور حسين كمال الدين (أستاذ المساحة بجامعات ومعاهد عليا في مصر والرياض) بعمل بحث بهدف تسهيل تحديد اتجاه القبلة من أي مكان في العالم للمسلمين ..
فكان مما لاحظه في ذلك الوقت هو :
توسط مكة ليابسة الأرض تقريبا ..
فذكر ذلك في معرض بحثه ونوه إليه ...

وبناء عليه : ظهرت أكثر من محاولة لتقصي هذه الحقيقة وإثباتها علميا وبحثيا ًبصورة منفردة ..
فكان منها المفيد النافع الذي التزم بالحقائق والبحث العلمي ..
وكان منها ما اتسم بالمبالغة في الوصف والكلام : فأخرج أخطاءً : حُق للبعض أن ينتقدها ...

>>>
فأما مثال الأبحاث النافعة التي التزمت المنهج العلمي الصحيح وأسس البحث العلمي :
فكانت للدكتور المصري أيضا ًمسلم شلتوت (أستاذ بحوث الشمس والفضاء بمعهد البحوث الفلكية والجيوفيزيائية بمصر) ..
حيث اقتصر بحثه على استخدام أحد برامج الحاسوب في استخراج المسافات الصحيحة بين مكة وبين نقاط قياس معينة على يابسة أطراف العالم القديم والجديد ...

>>>
وأما مثال الأبحاث التي لم يُراعى فيها الدقة العلمية ومنهجية الإثبات العلمي للأسف :
فكانت بعض المجهودات الفردية الارتجالية التي صرحت ببعض الأخطاء العلمية : على أنها حقائق !!!..
وذلك مثل القول بأن توسط مكة هو تام بين أطراف كل يابسة العالم - أي لو أنك رسمت دائرة مركزها مكة : ستمر بأطراف كل قارات الأرض - !!.. ومثل القول أيضا ًبأن الانحراف المغناطيسي عند مكة : يساوي صفر !!!.. ومثل القول بأن زوايا الكعبة الأربعة تشير إلى الاتجاهات الأربعة تماما ..

ومن أشهر مَن تصدى لبيان خطأ مثل هذه المعلومات هو الأستاذ : عز الدين كزابر: وذلك ببحثه المُسمى مثلا ً:
حول مركزية مكة لليابسة وإشكالات الاستدلال عليها ..
وببحثه الآخر (وهو الذي سأعرضه في المشاركة التالية) :
الكعبة المشرفة، الحكمة في اتجاهاتها ، وتصحيح مزاعم إعجازية حولها ..

فمثلا ً:
من المعلوم أن الانحراف المغناطيسي عند مكة يساوي 2 درجة و 50 دقيقة تقريبا ً.. وهو يتغير بنسب طفيفة من وقت لآخر .. ولذلك : فإن خرائط الانحراف المغناطيسي العالمية يُرفق بها تاريخها ...

في الصورة التالية نرى خريطة للانحراف المغناطيسي للكرة الأرضية عام 1995م :

http://kaheel7.com/userimages/mecca_02.gif

وقد تركزت جل انتقادات الأستاذ عز الدين كزابر على مؤتمر مدينة الدوحة مساء السبت 19/4/2008م .. والذي كان عنوانه : "مكة مركز الأرض بين النظرية والتطبيق" .. حيث جاءت المشاركات جميعاً بالمؤتمر لتدعم مسألة أساسية وهي أن مكة المكرمة : تمثل مركزاً لليابسة : وأنها في موقع متوسط هندسياً مع أطراف القارات ..
فيقول الأستاذ عز الدين كزابر :
" ولو قيل إنها في موقع متوسط توسطاً طبيعياً للأرض : مثلما هو حال البحر الأبيض المتوسط بين قارات العالم القديم : لكان الأمر مقبولاً " ...

حيث لفت النظر إلى بعض الأخطاء التي وقع فيها غير المتخصصين ..

ومن هنا ... أحببت أن أشارككم بهذا البحث بعد قليل ..
والذي يحمل التصحيح العلمي والقياسي لمعنى توسط مكة ليابسة الأرض ..
حيث عمد صاحبه لبيان توسط مكة على عدة مستويات (دوائر) : وليس دائرة واحدة تمس أطراف اليابسة فقط ..
وهو بحث رائق نافع رغم صغره :
ويزيل الإشكالات التي أشار إليها الأستاذ عز الدين كزابر .. ويبين ما قصده معظم مَن تكلم في توسط مكة ليابسة الأرض : وإن كان بعضهم قد أساء التعبير أو بالغ بغير تريث بالفعل ..

فأترككم مع هذا البحث الأول لإثبات توسط مكة ليابسة الأرض ...
مع ما لحقه في آخره عن سبب ترجيحها لتكون هي خط الطول الرئيسي - الصفر - للأرض بدلا ًمن جرينتش ..
وعلاقة ذلك بالنجم القطبي في السماء .. - وهو ما سيوضحه البحث الثاني بصورة أوضح في المشاركة التالية إن شاء الله -
لينرى في كل ذلك تحقق وسطية جعل الله تعالى لها قبلة للناس أجمعين ...
مع التوجه بالشكر للأخ شعشاعي مشرف بموقع كلمة سواء على نقل البحث ونشره ...
------
-------------

توسط مكة المكرمة لليابسة ..
دراسة باستخدام القياسات وصور الأقمار الصناعية ..

من أبحاث المؤتمر العالمي العاشر للإعجاز العلمي في القرآن والسنة بتركيا 1432هـ - 2011م
مقدم من :
أ.د/ يحيى حسن وزيرى ...

لتحميل البحث من هنا :
http://www.eajaz.org/arabic/index.php?view=item&catid=116%3A%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6-%D9%88%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%A7%D8%B1&id=114%3A%D8%A7%D8%AB%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%85%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%83%D8%B1%D9%85%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%A8%D8%B3%D8%A9&option=com_research&Itemid=101

فيديو عرض البحث في المؤتمر :


http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=L3rdQXpSJa0#!

ملخص البحث ...

أولا: وسطية مكة فى القرآن الكريم:
* يقول تعالى:”وكذلك جعلناكم أمة وسطا"(البقرة: من الآية 143).
* يقول تعالى:”ولتنذر أم القرى ومن حولها" (الأنعام: من الآية 92).
* كما يقول تعالى:”وكذلك أوحينا اليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها“(الشورى: من الآية 7).

ثانيا: وسطية مكة المكرمة عند علماء التفسير:
* يقول القرطبي: «قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾, المعنى: وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطا“.
* ويقول ابن عطية: «وأم القرى مكة سميت بذلك لوجوه أربعة، منها أنها منشأ الدين والشرع, ومنها ماروي أن الأرض منها دحيت, ومنها أنها وسط الأرض وكالنقطة للقرى, ومنه ما لحق عن الشرع من أنها قبلة كل قرية, فهي لهذا كله أم وسائر القرى بنات».
* ويقول أبو حيان: «﴿وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾، أم القرى مكة وسميت بذلك لأنها منشأ الدين, ودحو الأرض منها, ولأنها وسط الأرض, ولكونها قبلة وموضع الحج ومكان أول بيت وضع للناس».
* ويقول النسفي: «وسميت أم القرى لأنها سرة الأرض...».

ثالثا: اثبات توسط مكة لليابسة بالقياسات وصور الأقمار الصناعية:
استخدمت فى بحثى لاثبات توسط مكة المكرمة لليابسة على برنامجين يعتمدان على صور الأقمار الصناعية الحقيقية للكرة الأرضية، وهما:
أ- جوجل ايرث Google Earth: وهو برنامج معروف بامكانياته العالية لتحديد المسافات بين أى نقطتين على سطح الكرة الأرضية بدقة متناهية.
ب- Qibla locator: وهو برنامج مصمم خصيصا لتحديد اتجاه القبلة بدقة متناهية من أى نقطة على سطح الكرة الأرضية، كما يحدد المسافة بين أى نقطة على الكرة الأرضية ومكة المكرمة (القبلة) بدقة متناهية أيضا.

1-3 توسط مكة للعالم القديم (أفريقيا وأوروبا):
* نقاط القياس: جنوب أفريقيا والساحل الغربى لأفريقيا وجزيرة أيسلندا.
المسافة المتوسطة بين مكة وأبعد النقاط فى أفريقيا وأوروبا هى 6511 كم.

2-3 توسط مكة المكرمة لحدود العالم الجديد القريبة :
* نقاط القياس: الحدود القريبة لاستراليا والقارة الجنوبية والأمريكتين ومضيق برنج واليابان.
المسافة المتوسطة بين مكة وتلك النقاط هى 9320 كم.

3-3 توسط مكة المكرمة لحدود العالم الجديد البعيدة:
* نقاط القياس: الحدود البعيدة لاستراليا والقارة الجنوبية والأمريكتين.
المسافة المتوسطة بين مكة وتلك النقاط هى 13269 كم.

4-3 توسط مكة المكرمة للمراكز الجغرافية قارات العالم الجديد:
يقصد بالمركز الجغرافى لكل قارة بأنه النقطة التى تتوسط القارة من حيث المساحة.
المسافة المتوسطة بين مكة وتلك النقاط هى 11494 كم.

رابعا: شهادة عالم غربى:
طالب البروفيسور”أرنولد كيسرلنج“ الأستاذ السابق بجامعة فيينا ، أن يكون خط طول مكة هو خط التوقيت العالمى بدلا من جرينتش، انظر الموقع الأليكترونى التالى:
www.chanceandchoice.com

• الخلاصة:
تعتبر مكة المكرمة بمثابة مركز لأربعة دوائر، كل واحدة منها تمر بحد معين من حدود اليابسة وكذلك المراكز الجغرافية لقارات العالم الجديد، وهو مايوضح الحكمة الالهية من اختيارها لتكون قبلة ومكان حج الأمة الاسلامية، كما يوضح اعجاز القرآن الكريم فى وصفها باسم "أم القرى".

نص البحث (بالصور) :

http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc7/376935_120885881357679_100003088046882_129230_1683 758940_n.jpg
http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/381537_120885998024334_100003088046882_129231_1535 921367_n.jpg
http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/375854_120886091357658_100003088046882_129232_1168 767111_n.jpg
http://a6.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/317203_120886211357646_100003088046882_129234_1494 285372_n.jpg
http://a4.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/390823_120886341357633_100003088046882_129235_1690 639307_n.jpg
http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/384062_120886408024293_100003088046882_129236_2070 470703_n.jpg
http://a7.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/385430_120886588024275_100003088046882_129238_1279 826078_n.jpg
http://a4.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/389875_120886744690926_100003088046882_129240_1939 599090_n.jpg
http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/308465_120886891357578_100003088046882_129243_2795 46125_n.jpg
http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc7/302184_120887041357563_100003088046882_129244_1519 581807_n.jpg
http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/385051_120887178024216_100003088046882_129247_6112 57427_n.jpg
http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/303150_120887264690874_100003088046882_129251_4144 01705_n.jpg
http://a2.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/385509_120887408024193_100003088046882_129257_1746 506303_n.jpg
http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/319127_120887591357508_100003088046882_129264_1429 244768_n.jpg
http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc7/376058_120887794690821_100003088046882_129270_1845 635915_n.jpg
http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc7/379062_120887984690802_100003088046882_129278_1511 048974_n.jpg
http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/376017_120888174690783_100003088046882_129286_9927 08782_n.jpg
http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/320554_120888334690767_100003088046882_129293_1473 021772_n.jpg
http://a6.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc7/306413_120888454690755_100003088046882_129297_1647 024103_n.jpg
http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc7/375920_120888661357401_100003088046882_129298_8070 09173_n.jpg
http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/314976_120888928024041_100003088046882_129300_2057 652026_n.jpg
http://a7.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/166990_120889078024026_100003088046882_129301_4326 70015_n.jpg
http://a5.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/312821_120889174690683_100003088046882_129302_1506 963242_n.jpg
http://a3.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash4/381132_120889228024011_100003088046882_129303_2067 383917_n.jpg

انتهى بحمد الله ...
ويعقبه في المشاركة القادمة بإذن الله تعالى بحث آخر عن اتجاهات الكعبة ...
حيث قد رأينا معا ًأن زوايتي الكعبة - الركن العراقي والركن اليماني - ((( تقريبا ً))) تشيران إلى اتجاه الشمال الجنوب الحقيقي ...
ولكننا في البحث التالي سنعرف لماذا نقول ((( تقريبا ً))) ؟؟..
وسنعرف خطأ مَن قال بأن الزوايا الأربعة تنطبق على الاتجاهات الأربعة - فهي في أحسن الحالات يقترب أحد قطريها من اتجاه الشمال الجنوب فقط : مع استحالة انطباق القطر الآخر على اتجاه الشرق الغرب لأن محيط الكعبة ليس مربعا ًتماما - ...
وأترك التفاصيل لحينها ...
مع الوعد بمعلومات قيمة وزاخرة و (( مفاجئة )) في وسط وآخر البحث التالي ...

وبالله التوفيق ...

مالك بن نبي
04-08-2012, 10:25 PM
ما شـــــ الله ــــــاء


اشكرك اخي الحبيب على هذا البحث القيم والجيد الجديد
لقد ابكاني فعلا
وأحث الاخوة الكرام ان يحملوا مادة الفيديو للمهندس أ.د/ يحيى حسن وزيرى ...
وايضا احث بشدة الزملاء اللادنيين او الملاحدة ان يطلعوا على مادة الفديو السالف الذكر
واقول لهم تستطيعون ان تعملوا نفس التجربة وهي متوفرة على برنامج Google Earth
ولقد وجدت اماكن اخرى من العالم لايتوفر فيها نفس الخاصية لمكة المكرمة وخصوصا الدائرة الرابعة
(توسط مكة المكرمة للمراكز الجغرافية قارات العالم الجديد)
وليسمح لي أخي الكريم ابو حب الله بإضافة هذا الفيدو الذي يُثبت معجزة للسيدي وحبيبي محمد (ص)
روى عبد الملك بن عبد الرحمن الزماري عن سليمان بن وهب عن النعمان بن برزج أنَّ وَبْرَ بن يحنس قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبني المسجد في صنعاء في بستان (باذان) من الصخرة التي في أصل غمدان، وأن أستقبل بالمسجد الجبل الذي يقال له: (ضِين)، وحدَّد له الصخرة المُلَمْلَمَة، وقصر غُمدان وحجرين آخرين في مكانهما ساريتا المسجد (المسمورة) و(المنقورة)، وفي تاريخ مدينة صنعاء للرازي إشارة إلى (القلعة الململمة الخضراء). وقد نفَّذ وَبْر بن يحنس الأنصاري -رضي الله عنه- ما أمره به الرسول صلى الله عليه وسلم

لم يكن محمدا عالم جغرافي او عالم طبوغرافي
ولكن
ادخل اخي المسلم ويازميلي الملحد وحمل مني هذه الهدية المتواضعة عبارة فديو مدته حوالي 7دقائق تثبت صدق رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
الرابط من هنا (http://www.safeshare.tv/w/WNCgZTLBuq)

إلى حب الله
04-09-2012, 12:57 AM
وإليكم الآن إخواني الكرام : البحث الثاني الذي وعدتكم به ...
وأهم ما فيه من معلومات جديدة على الأكثرين : هو ما في وسطه وآخره ...
ولذلك - ولطول البحث - : فسوق أنقل لكم جزا ًكبيرا ًمنه مع التصرف والاختصار ..
حتى إذا ما وصلت إلى الجزء الهام الجديد على معظمنا :
فسأنقله كما هو تقريبا ًلتعم الفائدة ...
والله تعالى من وراء القصد ...
-----
---------

الكعبة المشرفة، الحكمة في اتجاهاتها ، وتصحيح مزاعم إعجازية حولها ..
للأستاذ : عز الدين كزابر ..

إليكم التلخيص بالتصرف والاختصار :

>>>
وجوب الحذر من نشر الأدلة الغير صحيحة عن الإعجاز : لأنها قد تنقلب لمطعن بعد ذلك في وجه الإعجاز العلمي ..

>>>
أبسط رد لتفنيد قول القائلين بانطباق أركان الكعبة على الاتجاهات الجغرافية الأربعة :
هو أن الكعبة المشرفة بأركانها المعروفة ليست مربعة الشكل، بل مستطيلة. ومعلوم أن قطري المستطيل غير متعامدين، فكيف ينطبقان على اتجاهين جغرافيين متعامدين مثل اتجاه الشمال الجنوب - الشرق الغرب ؟!..

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag001.png

حيث لو انطبق أحد القطرين على أحد الاتجاهين المزعومين : لكان من المستحيل أن ينطبق القطر الثاني على الاتجاه الآخر المتعامد !!..

>>>
وقد افترض الأستاذ عز الدين كزبر أنه ربما قال قائل أن الأركان الأربعة تتجه تقريبا للاتجاهات الأربعة ؟..
فينفي ذلك لأنه بهذه الصورة يمكن لمَن يريد أن يزعم ما يشاء من اتجاهات لأي أركان لأي اتجاهات بمجرد قربها منها فقط !!..
لأن رؤوس أركان الكعبة لا تعني شيئا ًذا قيمة بمجرد تواجهها - بمفردها - في اتجاه معين أو قربه ..
وإنما الصواب لتحديد اتجاه هو أن يكون بواسطة خط واصل بين نقطتين .. وهو هنا قطري الكعبة ..

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag002.png

(( وإن كنت أرى أنا أبو حب الله : أن اتجاه الكعبة الشمال الجنوب بالفعل هو أقرب جدا لاتجاه الشمال الجنوب المغناطيسي ))

>>>
والآن سيبدأ الكاتب في استعراض الكثير من المعلومات القيمة .. للوصول للإجابة على سؤالين محددين وهما :

هل كان لهيئة بيت الله الحرام، الكعبة المشرفة، حين وُضعت، غرض هندسي مقصود؟

وماذا لو أن بناء الكعبة كان متماثلاً تماماً من جميع جهاته – كالدائرة - ؟؟
أكان فاقداً قيمة ما، ما كانت لتتحصل إلا بكسر هذا التماثل ؟

ويؤكد الكاتب هنا أنه سيحاول فقط كشف ( بعض ) حكمة كل هذا : وفق ما يفتح به الله تعالى عليه ..

>>>
وهنا يذكر الكاتب نقطة هامة جدا ًوجب التنبه إليها وهي :
أن الاتجاهات الجغرافية (شمال جنوب شرق غرب) هي حديثة نسبيا ًبمعناها الحالي كما سنرى بعد قليل - ولا سيما مع اختراع البوصلة - !!!.. وعليه : يرفض الكاتب أن يُدعى لاتجاهات الكعبة أي محاولة لربطها بتلك الاتجاهات المستحدثة ...
وإنما سيغوص بنا في أصل المسألة من الماضي وحتى اليوم في رحلة مشوقة وجديدة ...
ولكنها وكما أخبرتكم : بعد قليل ...

>>>
وينتقي الكاتب كلاما ًقيل عن انطباق زوايا واتجاهات الكعبة مع الأربعة اتجاهات الجغرافية ..
ثم يبدأ بتفنيده فيقول :
إن هذا الوصف غير صحيح. فأركان الكعبة الأربعة ليست موجهة تماماً مع الإتجاهات الجغرافية الأربعة، ناهيك عن أن القطرين الواصلين بين هذه الأركان غير متعامدين كما أثبتنا أعلى. وقد سعينا إلى التقاط صورة جوية للكعبة المشرفة وقياس مدى الانحراف عن الاتجاهات الجغرافية. فوجدنا أن القطر الذي يصل بين الركن العراقي (الذي سماه بالشامي) والركن اليماني يصنع مع خط الطول المار بالكعبة تماماً زاوية تقَّدر بـ 9 درجات (الزاوية أ في الشكل التالي، وذلك مع اتجاه عقارب الساعة (جهة الشرق من خط الطول).

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag003.png

أما القطر الواصل بين ركن الحجر الأسود والركن الشامي (الذي سماه الركن المصري) فيصنع زاوية تقدر بـ 18 درجة مع خط العرض (الزاوية ب). والسبب في ذلك : أن قطري الكعبة ليسا متعامدين. فالزاوية المحصورة بينهما وتواجه الشمال الغربي (تجاه مصر) تقدر بـ 81 درجة فقط. فإذا أخذنا من ذلك 9 درجات ينحرف به القطر الشمالي تجاه الشرق، يتبقى من تلك الزاوية 81-9 = 72 درجة. فيكون مقدار انحراف الركن الشامي عن الغرب الجغرافي = 90-72 = 18 درجة ناحية الشمال منه.
وهنا تسقط حجة انطباق أركان الكعبة على الاتجاهات الجغرافية الأصلية.

>>>
وهنا تنبه بعض المسلمين لهذا الفرق في الزوايا بين اتجاهات الكعبة (وخصوصا الشمال الجنوب) : وبين الاتجاهات الأربعة ...
فحاول أن يجبر ذلك الفرق بالتشبث بمعلومة ضم الحِجر إليها (الحِجر أو كما يُسمى حِجر إسماعيل : هو القوس الشمالي الغربي المقابل للكعبة : وداخله يعتبر داخل الكعبة كما كانت على قواعد إبراهيم عليه السلام : فلما تهدمت الكعبة أثر سيل قبل بعثة النبي : قصرت بقريش النفقة الحلال عن بنائه وضمه للكعبة : فتم تركه خارجها بهذا القوس : فمَن صلى داخله : كان قد صلى داخل الكعبة) ..
وهنا يفند الكاتب ذلك القول بأن المحيط الأصلي للكعبة يجعل من زواياها تنطبق على الاتجاهات الأربعة فيقول ...

>>>
وللتحقيق في هاتين الملاحظتين، وما فيهما من التفريق بين الكعبة وأركانها بين الزمن الحالي منذ عهد الإسلام، والماضي حيث كانت قواعد إبراهيم، وما أُنقص من بناء الكعبة، فسنقيمه على مصدرين للمعلومات عن الكعبة المشرفة، وكيف كان بناؤها على عهد إبراهيم:
المصدر الأول:
ما جاء من أحاديث شريفه متواترة وروايات رديفة أو شارحة، عن مقدار النقص بين طول الكعبة الحالي (القرشية) وطولها الأول الذي رفعه إبراهيم عليه السلام.
المصدر الثاني:
ما جاء في أخبار مكة للأزرقي : عن وصف أبعاد الكعبة على أساس إبراهيم عليه السلام بقياس الذراع ..

>>>
المصدر الأول ...
فـ "عن عائشة- أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها-أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألم تَرَيْ أن قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم. قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا تردها على قواعد إبراهيم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت. قال (أي الراوي): فقال عبد الله بن عمر: لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر (يقصد الحجر الأسود) إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم" ..
موطأ مالك - باب (ما جاء في بناء الكعبة)، وصحيح البخاري - باب (فضل مكة وبنيانها)، سنن النسائي – باب (بناء الكعبة)
وفي زيادة في "السنن الكبرى للبيهقي" – جزء 5/ص89 : "ولا طاف الناس من وراء الحجر الا لذلك"

و "عن يزيد ابن رومان عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة أم المؤمنين: يا عائشة، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية، لأمرت بالبيت فهدم. فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين؛ بابا شرقيا، وبابا غربيا. فإنهم قد عجزوا عن بنائه. فبلغت به أساس إبراهيم عليه السلام. قال: فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه. قال يزيد: وقد شهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه من الحِجر (أي: حِجر إسماعيل). وقد رأيت أساس إبراهيم عليه السلام؛ حجارة كأسنمة الإبل متلاحكة"
سنن النسائي – باب (بناء الكعبة)

وعن عائشة رضى الله عنها قالت: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر (أي: حجر إسماعيل، من البيت هي؟ قال: نعم. قلت: فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ فقال: ان قومك قصرت بهم النفقة. قلت: فما شأن بابه مرتفع؟ قال: فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا. ولولا ان قومك حديث عهد جاهلية، فاخاف ان تنكر قلوبهم، لنظرت ان أدخل الجدر في البيت، وألصق بابه بالارض"
السنن الكبرى للبيهقي، وذكر وروده بالبخاري عن مسدد، وفي مسلم عن سعيد بن منصور عن أبي الأحوص.
يسمى حجر إسماعيل أيضا ًبالجدر، ويسمى أيضاً بالحطيم (التاريخ المفصل للكعبة المشرفة قبل الإسلام، عبدالقدوس الأنصاري، نادي مكة الثقافي الأدبي، 1419هـ، ص86)

وجاء أيضاً: "عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا حداثة عهد قومك بالكفر، لنقضت البيت فبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام، وجعلت له خلفا. فإن قريشا لما بنت البيت استقصرت"
سنن النسائي – باب (بناء الكعبة)

و"(قال الشافعي:) سمعت عددا من اهل العلم من قريش يذكرون انه تُرك من الكعبة في الحِجْر نحو من ستة أذرع - (قال الشيخ: أخبرنا) بصحة ذلك أبو عبد الله الحافظ ... عن سعيد بن ميناء، قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول: حدثتني خالتي - يعنى عائشة - قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لولا ان قومك حديثو عهد بشرك لهدمت الكعبة فالزقتها بالارض. وجعلت لها بابين بابا شرقيا وبابا غربيا. وزدت فيها ستة اذرع من الحِجر. فان قريشا اقتصرت بها حين بنت الكعبة ..
رواه مسلم في الصحيح عن محمد بن حاتم عن عبد الرحمن بن مهدى (وفي رواية عطاء) عن ابن الزبير عن عائشة خمسة اذرع (وفي رواية) عبد الله بن عبيد بن عمير. عن الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة عن عائشة رضى الله عنها قريبا من سبعة اذرع والستة اشهر - (وقد أخبرنا) أبو عبد الله الحافظ أنبأ أبو محمد عبد الله بن اسحاق البغوي العدل ببغداد ... عن عروة، عن عائشة رضى الله عنها، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: لولا ان قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهُدم، فادخل فيه ما اخرج منه، والزقته بالارض. وجعلت له بابين بابا شرقيا وبابا غربيا. فانهم عجزوا عن بنائه فبلغت به بنيان ابراهيم. قال: وذلك الذى حمل ابن الزبير على هدمه - قال يزيد بن رومان وقد شهدت ابن الزبير حين هدمه وأدخل فيه من الحجر. وقد رأيت بنيان إبراهيم عليه السلام حجارة كأسنمة الإبل متلاحمة أو قالا متلاحكة. قال جرير: فقلت له: اين موضعه؟ قال: أريكم الآن. فادخلني الحجر. فأشار إلى مكان. فقال: هاهنا. قال جرير: فحزرت من الحِجْر ستة أذرع أو نحوه"
السنن الكبرى للبيهقي، 5/89.

وجاء في إعادة بناء قريش للكعبة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقبل بعثته : وكما في أخبار مكة للأزرقي، ج1/ص197، وذلك بعض من رواية طويلة لابن أبي نجيح عن أبيه: "فلما جمعوا ما أخرجوا من النفقة قَلَّت النفقة عن أن تبلغ لهم عمارة البيت كله، فتشاوروا في ذلك، فأجمع رأيهم على أن يقصروا عن القواعد، ويحجروا ما يقدرون عليه من بناء البيت، ويتركوا بقيته في الحجر، عليه جدار مدار يطوف الناس من ورائه، ففعلوا ذلك وبنوا في بطن الكعبة أساسا يبنون عليه من شق الحجر، وتركوا من ورائه من فناء البيت في الحجر ستة أذرع وشبرا، فبنوا على ذلك".

وجاء أيضا كما في أخبار مكة للأزرقي، ج1/ص248: "لما هدم ابن الزبير الكعبة وسواها بالأرض، كشف عن أساس إبراهيم، فوجدوه داخلا في الحجر نحواً من ستة أذرع وشبر، كأنها أعناق الإبل، آخذ بعضها بعضا، كتشبيك الأصابع بعضها ببعض، يحرك الحجر من القواعد فتحرك الأركان كلها، فدعا ابن الزبير خمسين رجلا من وجوه الناس وأشرافهم، وأشهدهم على ذلك الأساس".

نخلص من ذلك إلى أن الكعبة المشرفة المتمثلة في البناء المكعب الشكل تقريباً، قد اقتصر بناؤها على ما يتضح في الشكل المظلل في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag007.png

ويقد عرفنا الآن وبوضوح ملابسات إعادة بناء قريش للكعبة على نحو ما جاء بالروايات. إلا أن الثابت من الأركان هو ما كان يستلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفعل في طوافه بالبيت، وهما: الحجر الأسود والركن اليماني. وهذين الركنين على قواعد إبراهيم لا شك في ذلك. أما الركنان العراقي والشامي في مسقط الكعبة فموضعهما أدنى من أساس إبراهيم بما مقداره ستة أذرع وشبرا – في أدق الأقوال كما جاء أعلى.

>>>
المصدر الثاني :
جاء في أخبار مكة للأزرقي ج1/83 : عن إبراهيم عليه السلام أنه لما بنى البيت: "جعل طوله في السماء تسعة أذرع، وعرضه في الأرض اثنين وثلاثين ذراعا من الركن الأسود إلى الركن الشامي (المشهور بالعراقي) الذي عند الحجر من وجهه، وجعل عرض ما بين الركن الشامي (المشهور بالعراقي) إلى الركن الغربي (المشهور بالشامي) الذي فيه الحجر اثنين وعشرين ذراعا، وجعل طول ظهرها من الركن الغربي إلى الركن اليماني أحدا وثلاثين ذراعا، وجعل عرض شقها اليماني من الركن الأسود إلى الركن اليماني عشرين ذراعا، فلذلك سميت الكعبة لأنها على خلقة الكعب."

واعتماداً على هذا المصدر الثاني بالدرجة الأولى جاء قول صاحب وصف الكعبة بأنها بوصلة .. وأن الخط الواصل بين ركني الكعبة العراقي (على أساسات إبراهيم الأولى) واليماني، ينطبق تماماً على خط الشمال الجنوب الجغرافي. وقام برسم مسقط الكعبة على أساس إبراهيم حسب الرواية السابقة كما هو موضح في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag004.png

وقد وصف مسقط الكعبة بأنه "مختلف الأضلاع"، وأنه نادر الاستعمال في المساقط الأفقية. ولكني أرجح أن مسقط الكعبة لم يكن حسب ما جاء في الشكل السابق ! وذلك لأن ما جاء في الأحاديث النبوية السابق استعراضها أن التغير الحاصل عن بنيان إبراهيم لم يكن إلا نقصاً من جهة حجر إسماعيل. ومعلوم أن بنيان الكعبة الحالي مطابق لما كان عليه الحال من بنيان قريش. ولكن الكعبة الحالية متوازية الضلعين الأطولين. فلا بد أن يكون هذان الضلعان على نفس وضعيهما من بنيان إبراهيم. وإذا كان الأمر كذلك، فيكون الشكل السابق في رسم مسقط الكعبة كشكل مختلف الأضلاع غير صحيح.

وإذا أعدنا الضلعين الأطولين إلى توازيهما، فلا بد أن يتقوس الضلع الشمالي الغربي إذا صحت رواية الأزرقي لأن طوله حسب هذه الرواية 22 ذراعاً، في حين أن الضلع المقابل له 20 ذراعاً فقط. وهذا التقوس يتفق جزئياً مع تقوس حجر إسماعيل. أي أن رواية الأزرقي – بفرض صحتها – قد أتت بطول الضلع الشمالي الغربي على تقوسه وليس على استقامته، ما لم يكن خطأً في القياس، وهذا مستبعد لأنه سيصل إلى 9.5% من الطول، وهذا كثير. وبناءاً على هذا التحليل يترجح عندنا أن مسقط الكعبة – حسب روايةا لأزرقي – هو ما يوضحه الشكل التالي . ويكون طول الضلع ناحية الحجر (22 ذراعاً في مقابل الضلع المقابل له) راجعاً لتقوسه، ويكون اختلاف الضلعان الأطولان (32 ذراعاً مقابل 31 ذراعاً) راجعاً لعدم الدقة في القياس (3.2% وهذا مقبول). لذا سنعمد إلى الآخذ بمتوسطهما؛ أي 31.5 ذراع.

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag005.png

وهذا ينفي عن الكعبة كونها بُنيت على شكل مختلف الأضلاع، ويجعل الكعبة الحالية مطابقة لما كان عليه الحال من بناء قريش لها. ويكون الفارق الوحيد هو نقصان طول الكعبة المبنية عما كان عليه بنيان إبراهيم بما مقداره ستة أذرع وشبراً من جهة حجر إسماعيل، وأن هذا النقصان يدخل في الحِجر ويشمله الناس في طوافهم.

وبناء عليه : يترجح لدي التصور في الشكل السابق : وخصوصا مع ما ورد من تحليل آخر يستند إلى: "ما جاء في رواية التقي الفاسي في شفاء الغرام أن ذَكَر ابن الحاج في مناسكه شيئاً من خبر بناء إبراهيم عليه السلام للكعبة فقال: (كان صفة بناء إبراهيم للبيت أنه كان مُدورا؛ وكان له ركنان وهما اليمانيان. فجعلت قريش حين بنوه أربعة أركان)". واستدل من نقل لنا هذه الرواية على عدد أركان الكعبة فقال: "حاصل ذلك أن إبراهيم عليه السلام لما بنى البيت جعل له ركنين أحدهما الركن الأسود، والثاني الركن اليماني، وأما ما يلي الحِجر فلم يجعل له أركاناً بل جعله على شكل نصف دائرة بما يشبه الحجر في حالته الحاضرة.".
حسين عبدالله باسلامه، "تاريخ الكعبة المعظمة – عمارتها وكسوتها وسدانتها"، الطبعة الأولى، 1354هـ ، ص42-43.

أي أن الكعبة المشرفة على بنيان إبراهيم لم يكن لها على الحقيقة إلا ركنان مميزان هما ركن الحجر الأسود والركن اليماني الذان كان يستلمهما رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما عدا ذلك فكان نهاية مدورة على ما عليه حجر إسماعيل الآن. إلا أنها كانت موصوله ببنيان الكعبة غير منفصلة عنه كما هو الحال الآن. وذلك مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم – الذي أوردناه أعلى وجاء فيه – "لنظرت ان أدخل الجدر (حجر إسماعيل) في البيت ". وإدخال حجر إسماعيل في البيت يفيد بجعل البيت متصلاً قطعة واحدة شاملة لحجر إسماعيل. وإذا كان الأمر كذلك، وكان بنيان إبراهيم على هذا المنوال، لم يعد للبيت حين بناه إبراهيم أربع أركان (زوايا) بل ركنان فقط هما ركن الحجر الأسود والركن اليماني. وهذا ما يبرر استلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقط لهذين الركنين في طوافه بالبيت.

وهذه النتيجة هامة للغاية، إذ أنها تُجهض أي محاولة لتمييز ركناً عراقياً مميزاً للكعبة في الجهة الشمالية في البناء الإبراهيمي للبيت. وإذا كان الأمر كذلك، فالحديث عن اتجاه قطرُ الكعبة من الركن اليماني وإلى الركن العراقي الإبراهيمي نحو جهة الشمال الجغرافي على التمام، يُعد فضلاً من القول.
وإذا تجاوزنا عن هذه الأدلة لنرى إلى ماذا يفضي بنا قول القائل: أن الخط الواصل بين الركنين العراقي الإبراهيمي واليماني يعمل كبوصلة بين الشمال والجنوب، فسنجد أننا لدينا مصدرين اثنين لذلك، أوردناهما أعلى، وهما:
1- أن بنيان إبراهيم كان على ما هو عليه الحال الآن مع زيادة في الطول قدرها 6 أذرع وشبرا. (المصدر: أحاديث نبوية متواترة سبقت الإشارة إليها)
2- أن بنيان إبراهيم كان ذا طول 31.5 ذراعاً، وعرض 20 ذراعاً (حسب رواية الأزرقي وكما ترجح لدينا في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag005.png

وسنقوم بحساب طول الكعبة حسب بنيان إبراهيم بكلا الطريقتين مع التحويل إلى نظام المتر. علماً بأن أطوال الكعبة الحالية حسب مصادرنا موضحة في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag007.png

وتجيء هذه الحسابات تبعاً لنظم القياس الفقهي "المكاييل والموازين الشرعية"، علي جمعه محمد، الطبعة الثانية، القدس للنشر والتوزيع، القاهرة، 2001، ص97.

وتكون نتيجة الحساب الراجح عندنا أن النقص في طول مسقط الكعبة الحالي عن طولها على قواعد إبراهيم هو متران وتسعين سنتيمتراً. وأن هذا النقص من جهة حجر إسماعيل فقط. ويجب الانتباه إلى أن هذا النقص في البناء الهيكلي فقط. فالطواف يعم هذا النقص بحكم أن من لم يطف بالحجر لم يطف بالبيت، ومن أرد أن يصلي داخل الكعبة فيكفيه أن يصلي بالحجر أمام جدارها بين الركنين العراقي والشامي كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها: "ما أبالي أصليت في الحجر أم في البيت" ، تقصد داخل البيت.
موطأ مالك، باب (ما جاء في بناء الكعبة)، جزء 3/ص93.

>>>
والسؤال الآن (أنا أبو حب الله لأمهد لكم الجزء القادم الماتع من هذه الرسالة) هو :
ماذا سيفيد العالم بانطباق زوايا أو أركان الكعبة على الاتجاهات الأربعة - وهو ما تم تفنيده بالفعل وبيان عدم صحته - ؟؟..
فهل عندما تصير الكعبة كالبوصلة : فهل فاد ذلك أحد الناس من قريب أو بعيد ؟؟؟..
أم أن الأوقع لو كان اتجاه الكعبة يفيد في إمكانية تتبع الناس لمكانها في الأزمنة القديمة : حتى يصلوا إليها ؟؟؟..
ولو كان ذلك كذلك (أي أن اتجاهات الكعبة تساعد الناس للوصول إليها لأنها قبلة للمؤمنين أجمعين) : فكيف يكون ؟؟..
هذا ما سيفصله الآن الكاتب الأستاذ عز الدين كزبر ...
وهنا سأتوقف عن التدخل بالتصرف والاختصار لأترك لكم كلامه القيم جدا - من وجهة نظري :): - بأكمله تقريبا ً...
والله الموفق ... (قمت ببعض التغييرات الطفيفة جدا ًلبعض الكلمات)
يقول :
-----
----------

>>>
واستكمالاً للتعليق على المقولة التي نحن بصددها نلاحظ أنها سعت إلى التركيز على القطر الواصل بين الركنين العراقي واليماني، وإهمال القطر الآخر الواصل بين ركن الحجر الأسود والركن المصري. ومن ثم الخلوص إلى أن للكعبة اتجاه واحد بين الشمال الجغرافي والجنوب الجغرافي الحقيقيين. وتصل إلى تأويل مختلف عن المقولة الأولى التي زعمت بالتطابق مع الجهات الأربع، وهو أن الكعبة تقوم مقام البوصلة! مثلما أن الإبرة المغناطيسية بوصلة بين الشمال والجنوب.

فإذا صدق هذا التحليل! فهو مخالفة لصاحب المقولة الأولى التي نادت بانطباق أركان الكعبة الأربعة على الاتجاهات الجغرافية الأصلية. ونحن نتفق معها في هذه المخالفة. غير أننا لا نتفق معها في ندائها باعتبار الكعبة بوصلة جغرافية تشير إلى خط الشمال-الجنوب الجغرافي مثلما هو الحال مع البوصلة المغناطيسية. ونتساءل:
من الذي كان يهتدي بالكعبة في أسفاره في الجاهلية قبل أن يتغير ركنا الكعبة العراقي والشامي؟ (وهما لم يكونا مميزين كركنين في بنيان إبراهيم) ثم إن الكعبة واتجاهات أركانها محلية، لا يمكن الاهتداء الجغرافي بها عن بُعد متى غابت عن الأنظار، فأي اهتداء هذا الذي يجعلها كالبوصلة؟! كما وأن اعتبار الكعبة بوصلة تهدي الناس إلى الشمال-الجنوب الجغرافيين يجعل هذا الاتجاه الجغرافي نفسه قِبلة. وأن الكعبة وسيلة أو آلة للدلالة عليه.

ولكننا نؤمن بأن الكعبة ذاتها هي القبلة، ولا يمكن أن تكون قبلة لما هو أشد منها قبلة. فمثلما أنه لا يجوز الاحتفاظ بأوراق هامة بين أوراق المصحف وتوظيف كتاب الله تعالى كظرف لغيره، حيث أن المظروف أهم من الظرف، فكذلك لا يجوز أن تُوظَّف الكعبة وتكون اتجاهاتها آلة للدلالة على غيرها من الأماكن تحت أي مقصد ترحالي، حتى ولو دخل ذلك لُغوياً في محض الهداية (لأن القول الذي يذكره الكاتب يقول أن الكعبة هداية دينية ومكانية للناس كبوصلة تعرفهم الاتجاهات الأربعة) .

ولِمَ نذهب كل هذا المذهب وقول الله تعالى صريح في أن الهداية المكانية قد جعلها الله تعالى في العلامات الأرضية وفي النجوم في قوله تعالى "وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ"(النحل:16). ثم كيف نُعمِّم الخاص -بتعبير الأصوليين، ونقصد هداية الكعبة – ونقول إنها هداية مكانية إلى الشمال والجنوب بلا دليل نقلي أو استدلالي معتبر؟!
والآن، إذا وصلنا إلى خلو دعوى اتجاهات أركان الكعبة المشرفة من علاقة (( منطبقة )) مع الاتجاهات الجغرافية، أربعة كانت أو اثنتين، فلنا أن نحقق في الحكمة من الوضع الاتجاهي للكعبة، وكيف كان عُرف الأقدمين في الاتجاهات الجغرافية.

>>>
ما هي الاتجاهات الأساسية في الأعراف القديمة حتى اكتشاف بيت الإبرة (البوصلة) ؟
إذا تتبعنا الأعراف الحضارية القديمة في معرفة الاتجاهات، لوجدنا أن العرب، وكثيرٌ من غيرهم، ومن كانوا قبلهم، لم يكونوا يحددون الاتجاهات بدلالة الشمال والجنوب الجغرافيين. بل كان الشرق هو الأصل. ويمكن الرجوع في ذلك إلى دراسة غنية ثرية (( "دراسة عن التحول من اتجاه الشرق إلى الشمال كمرجعية جغرافية معاصرة "، عبدالله القاضى، مركز دراسات وبحوث المدينة المنورة، العدد 19.. وقد احتوت على كشف علمي عالي القيمة لم يُنتبه إليه بعد )) .. شارك كاتب هذه السطور في تأصيلها، وجمع مادتها، وتحليل نتائجها، وتَعَقَّب آثار تطبيقاتها. وقد أتينا هنا على متعلق موضوعنا منها. وكان من نتائج تلك الدراسة اكتشاف أن العرف اللغوي العربي والقرآني يعتمد اتجاه الشرق أصلاً في التوجه الجغرافي، بل والأوربي القديم والعبراني التوراتي أيضا، على نحو ما سنرى بعد قليل. ومُلخص ذلك أن الأصل في التوجه قديماً، كان إلى الشرق، لذا سمى العرب الرياح الآتية من جهة المشرق والمعروفة بإسم (الصَّبا) بإسم ثانٍ هو (القبول) لأنها تقابل وجه الناظر إلى جهة المشرق كما في الضورة التالية :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag015.png

وسموا الرياح المعاكسة لها والآتية من خلف الناظر إلى الشمس – أي من الغرب - بـ (الدبور)، أي من الخلف. فنقرأ تعريف ابن منظور لرياح (الدبور) قوله : " الدَّبُورُ: ريح تأْتي من دُبُرِ الكعبة مما يذهب نحو المشرق، وقيل: هي التي تأْتي من خلفك إذا وقفت في القبلة".
لسان العرب، مادة (د ب ر).
وإذا كان الدبر جهة الغرب، فلا بد أن تكون الوجهة إلى الشرق.

>>>
وفي القرآن نجد أن ورود لفظ "يمين" أو "أيمن" كان باعتبار الشخص المواجه للشمس، فيكون يمينه هو الجنوب، ويكون شِماله هو الشَّمال. ومن هنا اشترك اللفظان الأخيران اشتقاقاً. ويمثل هذا الكشف اللغوي نافذة جديدة لتصحيح فهم كثير من آيات القرآن!

ففي قوله تعالى "لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ"(سبأ:15)، نجد أن المعنى التصحيحي في ذلك أن وادي سبأ يتجه من الغرب إلى الشرق وينقسم إلى قسمين (جنتين) أحدهما جنوب الوادي (يمين)، والآخر شمال الوادي (شمال)، وهذا هو المقصود من "جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ".

ومن ذلك أيضاً ما جاء في تكليم الله تعالى لموسى عليه السلام في قوله تعالى "وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ"(مريم:19)، ومعنى ذلك أن موضع النداء كان من جهة (جنوب) جبل الطور، أو أن جبل الطور منه ما هو أيمن (جنوبي)، ومنه غير ذلك، فكان النداء من جانب هذا الجبل (الجنوبي).

وينطبق نفس التحليل أيضاً على قوله تعالى "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ"(القصص:30)، أي حافته أو منحدره الجنوبي، وقوله تعالى "وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ"(طه:80)، أي أن مكان اللقاء والمواعدة كان الجنوب المباشر لجبل الطور.

ويمكن بهذه المعاني الجديدة أن يتحسن فهمنا لتفصيل موقع أصحاب الكهف في قول الله تعالى "وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ"(الكهف:17) فـ "ذات اليمين" هنا تعني (من جهة الجنوب) و"ذات الشمال" تعني (من جهة الشمال).

وبالعودة إلى كتب التراث، نجد أن الأدلة تتآلف بما يفوق الحصر على أن اليمين هو الجنوب، والشِّمال (بالكسر) هو الشَّمال (بالفتح)، مما يزكي -إلى حد الرجحان التام - أن اتجاه الشرق هو الوجهة الأولى في العرف الجغرافي القديم، وما عداها من جهات فهو تابعٌ له. فنقرأ في تعريف (بلاد اليمن) في كتاب "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" للرحيباني قوله: "هو كل ما كان على يمين الكعبة من بلاد الغور، والنسبة إليه يمني". ومن البين أنه لكي تكون بلاد اليمن عن يمين الكعبة فلا بد أن تكون وجهة الناظر إلى جهة الشرق كما في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag008.png

>>>
ومثال ذلك ما جاء في كتاب "مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام" لشهاب الدين المقدسي عن (الشام) ما نصه: "إنما سميت شاماً لأنها عن شمال الكعبة". و جاء في كتاب "صفة جزيرة العرب" لأبي محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب الهمداني (عن جبل السراة)، يقول : [ أما جبل السراة (وهو معروف بإسم جبل السروات الآن) الذي يصل ما بين أقصى اليمن والشام فإنه ليس بجبل واحد وإنما هي جبال متصلة على نسق واحد من أقصى اليمين إلى الشام في عرض أربعة أيام في جميع طول السراة يزيد كسر يوم في بعض هذه المواضع، وقد ينقص مثله في بعضها. فمبتدأ هذه السراة من أرض اليمن أرض المعافر...].

وإذا تحرينا في أصول اللغات الأوربية نجد كلمة orient للفعل توجَّه، و orientation للإسم الحقيقي "توجُّه" أو "وِجْهَه" أو "التوجيه". ومعلوم أن نفس الكلمة orient تعني الشرق. وكأن أصل التوجه هو ناحية جهة الشرق. وكأن معنى "التوجيه" إن كانت ترجمة لـ orientation هو نفس معنى "التشريق" في اللغة العربية. ولو فعلنا نفس الشيء في العربية لقلنا "شّرِّق" ونريد منها "تَوجَّه". ألا يدل ذلك على أن جهة الشرق كان سيد الاتجاهات لدى أوربا مثلما أنه كان كذلك لدى العرب؟

وقد قيل أن العلم الإسرائيلي وما به من نجمة سداسية محصورة بين شريطين أزرقين، قد قُصد منه أن دولة إسرائيل واقعة بين نهري النيل والفرات. ولو لاحظنا لانتبهنا إلى أن الشريطين يقعان أعلى وأسفل النجمة : الشكل التالي أ :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag009.png

وليس على يمينها وغربيها كما يتطلب التقليد الحالي للوضع الجغرافي باعتبار الشمال إلى الأعلى كما في الشكل ب .. وبالتحري عن العرف الاتجاهي التراثي أيضاً لدى اليهود نجد أنهم كانوا يتجهون إلى الشرق في عرفهم العام في الصلاة وغيرها، وعلى هذا المنوال أصبحت الكنائس تتجه أيضاً إلى الشرق ( دافيد كنج، دراسة بعنوان "علم الفلك والمجتمع الإسلامي"، موسوعة تاريخ العلوم العربية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1997، ص 174) .. وجعل هذا العرف الجغرافي الشرق في أعلى الخرائط كما في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag010.png

الجغرافيا العملية والخرائط، د. أحمد نجم الدين فليجه، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، طبعة ثانية، ص17..
وهو تقليد قديم مشهور أيضاً عند العرب كما في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag011.png

وذلك مثلما أن الشمال الآن يرسم في الخرائط إلى الأعلى.

>>>
وهذا يتسق مع تفسير الشريطين ذوي اللون الأزرق بالعلم الإسرائيلي على أن نهر الفرات هو الأعلى (ناحية الشرق) والنيل إلى الأسفل (الغرب/ الخلف). كما أن اليهود كانو يسمون البحر الميت البحر الأمامي والبحر المتوسط البحر الخلفي ..

(Old Testament, Zechariah, 14:8) (And it shall be in that day, that living waters shall go out from Jerusalem; half of them toward the former sea, and half of them toward the hinder sea: in summer and in winter shall it be.) The Interpretation of which According to (Jamieson-Fausset-Brown Bible Commentary) is [Former sea-that is, the front, or east, which Orientalists face in taking the points of the compass; the Dead Sea.]. http://jfb.biblecommenter.com/zechariah/14.htm

وهذا لا معنى له إلا إذا كان الشرق هو الوجهة عندهم أيضاً مثلما كان عند العرب وعند قدماء الأوربيين من يونان ورومان.

>>>
طول الأرض وعرضها:
ربما يستغرب حامل الثقافة العلمية الحديثة أن للأرض طولاً وعرضاً. وإذا سألته عن ذلك وأطرق يفكر، فسوف يجيبك بعد بُرهة بأن هذا ربما يرتبط مجازاً بخطوط الطول والعرض! وسيتنبأ بلا تردد بأن طول الأرض هو امتداد الأرض على خطوط الطول، أي بين القطبين الشمالي والجنوبي، وأن عرض الأرض هو ما بين المشرق والمغرب. ... ولكن! للأسف فهذا الأمر كان تصور حقيقي لدى الأقدمين، كما وأن تصورهم للطول والعرض كان على خلاف ما ظنه صديقنا حامل الثقافة الحديثة!!!

وتعود قصة طول الأرض وعرضها، في العرف الجغرافي القديم، والذي على أساسه أيضاً تمت المواضعة على تقسيم الأرض بخطوط الطول والعرض المعروفة، ولكن بطريقة مغايرة لأفهام المعاصرين، فنستطيع تفهمها من الإسناد التالي:
جاء في كتاب "المسالك والممالك" لإبن خُرْدَاذْبَه قوله في المسالك والممالك ص 3 : "والأرض مقسومة بنصفين بينهما خط الاستواء. وهو من المشرق إلى المغرب. وهذا طول الأرض. وهو أكبر خط في كرة الأرض. وعرض الأرض من القطب الجنوبي الذي يدور حوله سهيل إلى القطب الشمالي الذي يدور حوله بنات نعش".

الأمر إذاً معاكس لما أصبح عليه الحال في عصرنا الحالي من فهم ضمني، فطول الأرض كان في اصطلاح القدماء ما بين المشرق والمغرب، وعرضها هو ما بين الشمال والجنوب. وعلاقته فيما نحن بصدده أن الخرائط كانت ترسم بجعل طول الأرض هو طول الخريطة على اعتدالها، ومن ثم يوضع الشرق إلى أعلى. وإذا رغبنا مزيد من التحقيق نقرأ الإسناد التالي:
جاء في الأثر (أحمد فليجة، "الجغرافيا العملية والخرائط"، مؤسسة شباب الجامعة، الإسكندرية، طبعة ثانية، ص 27) أنه: [عُثر على وصف تخطيطي للعالم يُنسب إلى عبدالله بن عمرو بن العاص فاتح مصر، جاء فيه: "صُوِّرت الدنيا على خمسة أجزاء كرأس الطير والجناحين والصدر والذنب. فرأس الدنيا الصين ،وخلف الصين أمة يقال لها واقٍ واق. ووراء واقٍ واق من الأمم ما لا يحصيها إلا الله. والجناح الأيمن الهند، وخلف الهند البحر وليس خلفه خلق. والجناح الأيسر الخزر وخلف الخزر ماشك ومنشك. وخلف ماشك ومنشك يأجوج ومأجوج من الأمم ولا يعلمها إلا الله. وصدر الدنيا مكة والحجاز والشام والعراق ومصر. والذنب من ذات الحمام إلى المغرب. وشر ما في الطير الذنب". وبقيت هذه الرواية رائجة في مصر حتى زمن المقريزي"].
وذلك كما في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag012.png

وسواء صحت الرواية أو لم تصح، فإنها تعكس التصور وقتئذ للاتجاهات على الأرض. ومن البين أن اتجاه الطائر - الممثل برأسه – يكون ناحية الشرق.

>>>
والآن، ما علاقة هذا التصور في طول الأرض وعرضها بخطوط الطول والعرض التي ورثناها دون العلم الحقيقي بمعناها؟
إذا نظرنا إلى الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag013.png

لرأينا الطريقة الطبيعية في قياس أطوال الأشياء/الناس بعد إقامتها معتدلة على امتداد طولها. ومن الشكل يتضح أن خط الطول هو الخط الذي يتساوى عنده من كان له قيمته في قياس الطول. وهذا لا يكون إلا إذا كان خط الطول متعامد مع الطول المقاس. وهذا يؤدي بنا إلى أن خطوط الطول على الأرض تقيس الأطوال المتعامد عليها اعتباراً من مرجع ثابت. وهذا المرجع اعتباطي في الحقيقة لأننا نحن الذين نختاره.

والحاصل أن خط الطول الصفري الآن هو خط جرينتش، وخط العرض الصفري هو خط الاستواء. وسوف تتضح الصورة أكثر لو أعدنا النظر إلى الكرة الأرضية كما في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag014.png

حيث قمنا برسم خطوط الطول كعلامات قياس على خط الاستواء دون مدها إلى نهاياتها حتى تتلاقى في القطبين من الجهتين. (وهو إجراء لا يغير من الأمر شيئا)

>>>
نخلص من كل ذلك إلى أن الشرق كان عمدة الاتجاهات، وإليه يُنسب غيره من اتجاهات جغرافية. وأن طول الأرض كان ما بين المشرق والمغرب، وأن عرضها كان بين الجنوب والشمال. ولهذا كانوا يضعون الأرض معتدلة كالإنسان، فكان رأس الأرض هو الشرق، لذا وضعوه الأعلى دائماً. وأما الشمال فمثله مثل الجنوب، لم يكن ذي بال. ونتساءل: ماذا عن أصل جهتي الشمال والجنوب وكيف اكتسبا اسميهما، وكيف نمت أهميتهما كإتجاهات؟!
للإجابة عن ذلك نتحرى عن أصول تسمية الاتجاهات الجغرافية من (شمال) و(جنوب). ولو فعلنا ذلك لوجدنا أن لفظي (الشمال) و(الجنوب) لم يكونا إسمي اتجاهات في الأصل، بل هي أسماء رياح. ثم تم التعرف على الجهات الآتية منها تلك الرياح بأسماء الرياح نفسها.

فالشمال : إسم ريح تأتي من قبل الشام، ومن هنا يرتبط اللفظان اشتقاقاً.
قال ابن منظور في لسان العرب، مادة (ش م ل): "الريح الشَّمَال" أي باعتبار الشَّمال إسماً للريح. وجاء "إذا هبت الشَّمال" أي الريح الشَّمال. أي أنها لما استقلت آلت إلى ما هي إسماً له، أي تلك الريح. وقال صراحةً: "والشَّمال: الرِّيح التي تَهُبُّ من ناحية القُطْب" – يريد بذلك النجم القطبي. ويزيد ابن الأعرابي الأمر وضوحاً بقوله: مَهَبُّ الشَّمَال من بنات نَعْشٍ إِلى مَسْقَط النَّسْر الطائر. أي من اتجاه الشمال المعروف الآن إلى الجنوب المعروف الآن أيضاً، حيث تتميزان بهتيك النجوم في السماء. ومن ثم تكون الشَّمال من الرياح ما تأتي من جهة الشمال المعروف لنا وهو في الحقيقة إسم تلك الرياح. وقال أيضاً: والشَّمَالُ ريح تَهُبُّ من قِبَل الشَّأْم عن يَسار القِبْلة. وجلي هنا أنه إذا كانت الشام (الشأم) عن يسار القبلة فإن ذلك لا يكون إلا إذا كان ذلك لمن كانت وجهته إلى الشرق. وقيل مشمول : ضربته ريح الشمال حتى برد.

كما أن الجنوب : إسم ريح تأتي من جانب اليمن، ومن هنا أيضاً ارتبط لفظ الجنوب وجانب اليمن (قارن "جانب اليمن" بـ "جانب الغربي" في قوله تعالى"وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ"(القصص:44)).
قال ابن منظور في لسان العرب، مادة (ج ن ب):" والجَنُوبُ: ريح تُخالِفُ الشَّمالَ تأْتي عن يمِين القِبْلة. (نلاحظ مرة أخرى أن يمين من كانت وجهته إلى الشرق). وقال ابن الأَعرابي : مَهَبُّ الجَنُوب مِن مَطْلَعِ سُهَيلٍ إلى مَطْلَعِ الثُرَيَّا. وقال الأَصمعي: مَجِيءُ الجَنُوبِ ما بين مَطْلَعِ سُهَيْلٍ إلى مَطْلَعِ الشمس في الشتاءِ. وقال عمارةُ: مَهَبُّ الجَنُوبِ ما بين مَطلع سُهَيْل إلى مَغْرِبه. وقال الأَصمعي أيضاً: إذا جاءَت الجَنُوبُ جاءَ معها خَيْرٌ وتَلْقِيح، وإذا جاءَت الشَّمالُ نَشَّفَتْ (ومن هنا التفاؤل بالجنوب أي باليمين لما يأتي به من الخير، والتشاؤم بالشمال لما يأتي به من الشر). وجاء في التهذيب: والجَنُوبُ من الرياحِ حارَةٌ، وهي تَهُبُّ في كلِّ وقْتٍ، ومَهَبُّها ما بين مَهَبَّي الصَّبا والدَّبُورِ مِمَّا يَلي مَطْلَعَ سُهَيْلٍ. وجَمْعُ الجَنُوبِ: أَجْنُبٌ. وفي الصحاح: الجَنُوبُ الريح التي تُقابِلُ الشَّمال. وحُكي عن ابن الأَعرابي أَيضاً أَنه قال: الجَنُوب في كل موضع حارَّة (بجزيرة العرب) إلا بنجْدٍ فإنها باردة."

أما الاتجاه الشرقي فكانت تأتي منه ريحٌ تُسمَّى ريح الصبا أو القبول، وسميت "القبول" لأن المواجه لها يكون وجهه قِبَل الشرق.
ومما يُستأنس به في تلك التسميات : ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال (في غزوة الخندق والمسلمون تحت الحصار): [جاءت الجنوب إلى الشمال فقالت: انطلقي بنصر الله ورسوله. فقالت الشمال: إن الحرة لا تسري بليل. فبعث الله عز وجل الصبا، فأطفأت نيرانهمم (أي الكفار) وقطعت أطناب فساطيطهم (أي خيامهم).] ذكره الواقدي في المغازي ص 247. ويُلاحظ أن ألفاظ الشمال والجنوب والصبا هنا أسماء رياح لا غير.
(عن "دراسة عن التحول من اتجاه الشرق إلى الشمال كمرجعية جغرافية معاصرة ")

أما الريح التي تأتي من خلف نفس الشخص المواجه للشرق، فسميت ريح الدبور، أي من جهة الخلف. ويجيء في إسميهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:
" نـُصرت بالصبا .. واُهلكت عادٌ بالدبور" ..
المغازي للواقدي، ص 47
(وأقول أنا أبو حب الله : والحديث رواه أحمد والبخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنه) ..

وإذا نظرنا إلى الكعبة لوجدنا أنها موجهة بالفعل إلى الاتجاهات المقيدة بتلك الرياح، كما في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag015.png

دافيد كنج، مرجع سابق، ص 175.

>>>
ولم يكن للعرب ولا لغيرهم من طرق فلكية أشهر من الرياح لمعرفة الاتجاهات، إلا نجم سهيل الذي يبزغ من جهة ريح الجنوب، وأقل منه النجم القطبي الذي يظل في موضعه ناحية ريح الشمال وتدور حوله السماء بنجومها كما تدور الرحى حول قطبها، ومن هنا جاءت تسميته بالقطب كما في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag016.png

ثم استُعير الإسم بعد ذلك لقُطْب الأرض بعدما تم التعرف على أن الدوران يعود للأرض نفسها وليس للسماء.

>>>
ولم يكن يحدد لهم الإتجاهات في معظم الأوقات من ليل أو نهار – بخلاف الشمس بين شروقها وغروبها - إلا الرياح. وكان اعتماد الرياح كأصل لمعرفة الاتجاهات تقليداً معمولاً به أيضاً في أوربا، فنقرأ لمن يؤرخ للملاحة والاتجاهات الجغرافية في أوربا ويقول : [إن التأثر بالرياح أعطى الإنسان مؤشراً تقريبياً على الاتجاهات. وليس من المستغرب أن نجد أن أسماء الرياح الدائمة في أوربا أصبحت أسماء عين الاتجاهات التي تهب منها تلك الرياح. ففي نصف كرة الأرض الشمالي، تأتي الرياح الباردة من الشمال، وتأتي الرياح الدافئة من الجنوب. لذا نرى الكلمة اليونانية Boreas والتي هي إسم للرياح الشمالية الباردة، تُصبح علماً على عين اتجاه الشمال. ومثلها تصبح كلمة Notus التي هي إسم الرياح الدافئة الجنوبية، علماً على اتجاه الجنوب. وتصبح كلمة Zephyr التي هي إسم الرياح الغربية المعتدلة علماً على اتجاه الغرب، وتصبح كلمة Apeliotes التي هي إسم الرياح الشرقية الجافة علماً على اتجاه الشرق].
The Heaven-Finding Art, Taylor E.G.R., A History of Navigation from Odysseus to Captain Cook. Quoted in The Riddle of the Compass, p.41-42.

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag017.jpg

نرى في الشكل السابق صورة برج الرياح ذو الثمانية أضلاع في أثينا باليونان Amir D. Aczel. The Riddle of the Compass, Harcourt, Inc., 2001., p.41، حيث يُشير كل ضلع إلى أحد الرياح.

>>>
كيف إذاً تغيرت الأمور، وزادت الجرأة، وتجشم البحارة عناء السفر البعيد في البحار، حيث لا رياح معروفة، ثابتة الاتجاه، دون خوف، وفيما لا تتابع فيه من علامات؟! - إنها بيت الإبرة أو البوصلة. فقد فجَّرت البوصلة معرفة إتجاهية جديدة لم يكن للبشرية علمٌ بها من قبل. ونقصد بتلك المعرفة تلك الآلية البسيطة التي يمكن نقلها حيث يشاء المسافر بها. وحيثما يذهب تدله على اتجاهٍ واحدٍ بعينه هو اتجاه الشمال-الجنوب.

هذا في الوقت الذي كانت الرياح محلية ذات نطاقات محددة وإن امتدت في بقعة أرضية كبيرة نسبياً، إلا أن مزية البوصلة وقيمتها في زمن اكتشافها تشبه لحد كبيرة مزية اختراع الهاتف النقال/الخلوي/المحمول حيث يمكنك استخدامه حيثما تذهب بالنسبة إلى الهاتف الأرضي الثابت، بل تشمل هذه المزية أيضاً أن يكون ذلك الجوال مزوداً بجهاز تحديد المواقع الجغرافية GPS. إنها نقلة معرفية كبرى أضافت قدرة انتقالية عظيمة نتج عنها أن أصبحت الأرض جميعاً قابلة للتجوال بلا خوف. فالإتجاه أصبح معروفاً، ومن ثم أمن الإنسان من التيه والضياع.

صحيح أن اتجاه الشمال كان معروفاً بواسطة النجم القطبي Polaris سواء للعرب أو لغيرهم. وهو -كما هو شائع - قطب السماء وتدور حوله السماء جميعاً – ظاهرياً - بما تحمل من نجوم كما في الصورة القبل السابقة ...

وهو صاحب اسم القطب حقيقةً، حيث كانت تؤول كلمة قطب إليه إذا تم تداولها على خلاف ما أصبح شائعاً الآن. فلم يكن معلوماً أن الأرض تدور، ومن ثم لم يكن لها في عرف الناس قطب تدور حوله. وفقط السماء هي التي يرونها تدور، والقطب هو مركز دورانها مثلما أن قطب الرحى هو مركز دورانها. ورغم المعرفة التامة بالنجم القطبي، ورغم أنه لا يغرب وراء الأفق ويظل دوماً في السماء، إلا أن الاعتماد عليه غير مأمون في نصف الأرض الشمالي مع كثرة الغيوم. كما وأن نجم سهيل أكثر إشراقاً منه كما نرى في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag018.png

الصورة اليسرى مأخوذة من نمذجة simulation لبزوغ نجم سهيل، يراجع في ذلك:
"M. Saifullah et al.,The Qiblah Of Early Mosques: Jerusalem Or Makkah, http://www.islamic-awareness.org/History/Islam/Dome_Of_The_Rock/qibla.html"

ويعد نجم سهيل أيضا أشد وضوحا في صحراء العرب بعد الشعرى اليمانية، رغم أنه يهبط ويبزع من وراء الأفق.

>>>
إلا أن قرب سهيل من الأفق صعوداً وهبوطاً أهَّله لأن يكون أشد دلالة على الاتجاه من النجم القطبي الأبعد عن حواف السماء. لذا فنجم سهيل أدل على الإتجاه، وأثبت من النجم القطبي، وخاصةً إذا علمنا أن النجم القطبي ليس ثابتا تماماً، فإذا أردنا الدقة فسنجده يدور هو نفسه حول قطب الدوران الحقيقي المتمثل بنقطة قريبة جداً منه (مركز دوائر حركة النجوم كما رأيتم في الصورة السابقة لدوران نجوم السماء مع النجم القطبي ..

كما أن الملاحة الفلكية في رحلات المركبات الفضائية تعتمد الآن أيضاً على نجم سُهيل Canopus بدرجة تفوق غيره من النجوم لحد بعيد.
فإذا علمنا أن اتجاه سهيل يتعامد مع جانب الكعبة الواقع بين الحجر الأسود والركن اليماني - مع ميل درجتين إلى الجنوب كما يتضح في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag019.png

G. S. Hawkins & D. A. King, "On The Orientation Of The Ka`bah", op cit., p. 107 for the orientation of Ka`bah. The azimuths of sunrises and sunsets were computed using the formula in appendix. The azimuth for Canopus was found using Starry Night Backyard 3.1 software. Quoted in (M S M Saifullah et al, "The Qiblah Of Early Mosques: Jerusalem Or Makkah?", Site: Islamic-awareness.com)

لأدركنا أن توجه الكعبة مع سهيل : أيسر في الاستدلال على الكعبة حيثما يُرى سهيل. مثلما أن استقبال الرياح المعروفة تماماً في أنحاء بلدان العرب دلالة مباشرة على موضع الكعبة وعلى أيِّ من أوجهها هو المرتبط بهذه الريح أو تلك. ومن هنا كانت العلاقة الحقيقية بين أوجه الكعبة والرياح من جهة، ونجم سهيل من جهة ثانية.

>>>
ورغم أن الاستدلال بالنجم القطبي على اتجاه الكعبة ممكن مثلما هو الحال مع نجم سهيل، إلا أنه أقل دقة؛ وذلك لأن التوجه ناحية ركن من أركان الكعبة – وبدرجة ميل 9 درجات- أكثر عرضة للخطأ والزيغ من التوجه ناحية أحد جدران الكعبة بشكل مباشر. كما وأن نجم سهيل أكثر النجوم بُعداً عن دائرة اعتدال الشمس، ومن ثم، الأثبت موقعاً. وهذا ما يجعله المرجع الملاحي الفلكي الأول بلا خلاف، ولهذا السبب اتخذته وكالة الفضاء الأمريكية مرجعها المثالي في أبحاث ورحلات الفضاء.
ويمكننا القول بأن فترة ظهور البوصلة فترة الانقلاب، أو لنقل فترة الانفتاح أو الثورة الجغرافية والتي تلت بالذات عام 1280م كما قيل .
The Riddle of the Compass, p.xi.

وفي هذه الفترة اتصلت المدن البحرية البعيدة بالقريبة وأصبحت البوصلة سيدة البحار، ولا تخلو منها سفينة تمخر عباب البحار. أي: تعلقت الأبصار بها دائماً. وأصبح مؤشرها يتجه إلى قبلة جديدة في البحر. وأصبحت عُرفاً سرعان ما انتقل إلى البر. وأصبح اتجاهها (الشمال-الجنوب) ذي مركزية اتجاهية، بعد أن لم يكن من قبل.

>>>
نخلص من ذلك إلى أن الاعتماد الرئيسي على التوجه على الأرض انتقل من الرياح إلى البوصلة. وبسبب أصالة اتجاه الرياح كان هناك داعي قوي للربط بين النظامين القديم – المتمثل في الرياح على ما تعود الإنسان في حله وترحاله، والجديد المتمثل في تلك الآلة العجيبة التي لا تكترث بموضعك وتتوجه دوماً ناحية الشمال أو قريباً جداً منه. هذا الرابط القوي تمثل في الربط بين النظامين على نحو وثيق استمر حتى يومنا هذا. فإذا نظرنا إلى البوصلة والتقسيم الثماني المشهور لها، لوجدنا أن هذا التقسيم ليس إلا أنواع الرياح الثمانية التي تهب في منطقة البحر المتوسط. كما في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag020.png

وهناك تقسيم إثنى عشري للبوصلة ويرجع إلى إثنى عشر ريحاً في كلاسيكيات العصور الوسطى. أما البوصلة الحديثة فمشهور لها إسمٌ آخر هو وردة الرياح The Riddle of the Compass, p.43.
وهو ما يؤكد سيادة الرياح كمؤشرات اتجاهية قبل أن تحل البوصلة محلها.

>>>
توجه الكعبة في علم الفلك الإسلامي:
كان العرب على علم باتجاهات أوجه الكعبة المختلفة وما يقابلها من البلدان، فنجد من نقل لنا في تقسيمهم لمحيط الكعبة إثنى عشر قسماً للبلدان المختلفة كما توضحه الصورة المبينة في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag021.png

دافيد كنج، مرجع سابق، ص188
ويتضح بجلاء ميل الركن العراقي للكعبة جهة الشرق من الشمال في هذا الشكل المنقول لنا منذ قرون عديدة، وكما قدّرنا لها أعلى.

>>>
أما عن توجه الكعبة فلكياً، فهذا ما تتآلف عليه كتب الفلك الإسلامي والأعراف الفلكية عند العرب. ولهذا فائدة كبيرة، إذ يمكن لمن اتخذ الإسلام ديناً أن يُوَلِّي وجهه قبل الكعبة بمعرفة وضعها الفلكي واتجاهاتها حيثما كان. [فقد شُيِّد أول مسجد في مصر باتجاه شروق الشمس في الإنقلاب الشتوي، وبقى هذا الإتجاه الأكثر شيوعاً عند السلطات الدينية خلال العصر الإسلامي. ومن ناحية أخرى تم تشييد بعض أقدم المساجد في العراق باتجاه غروب الشمس في الانقلاب الشتوي. وقد تم اختيار هذه الإتجاهات بطريقة تجعل المساجد موجهة نحو أسوار محددة من الكعبة كما في الشكل التالي :

http://www.almultaka.net/admin/rte/upload/imag022.png

دافيد كنج، مرجع سابق، ص178.
فعلى امتداد قرون الدولة الإسلامية كان شروق الشمس وغروبها في الإنقلاب الشتوي مفضلين في مصر والعراق على التوالي، كنموذج عن قبلة الصحابة (رضوان الله عليهم).]
دافيد كنج، مرجع سابق، ص177.
-----
--------
--------------

الخلاصة:
نخلص من هذه التحقيقات إلى أن الكعبة المشرفة لا تتجه بأركانها الأربعة إلى الجهات الجغرافية الأصلية: الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب، إتجاهاً حقيقيا، أو إتجاهاً تاماً، كما قيل.

كما أنها لا تتجه بالقطر الواصل بين ركنيها اليمني والعراقي تجاه الشمال على التعيين، ولا أنها بمثابة بوصلة يسترشد بها أحد من الناس. فالكعبة المشرَّفة بيت الله، وأعز من أن تكون آلة، وأقدس.

وبالتحقيق وجدنا أن هناك إنحرافاً لذلك القطر عن الشمال الجغرافي قدره حوالي 9 درجات مع اتجاه عقارب الساعة. أما الركن العراقي الإبراهيمي (على أساس بنيان إبراهيم عليه السلام)، فلا اعتبار له لاندثاره داخل الحِجر بفرض وجوده كركن مميز، وآيات الله تعالى لا تندثر.

ووجدنا أن الإتجاه الجغرافي الأصلي، في حقبة ما قبل البوصلة، كان اتجاه الشرق. وقد تآلفت على ذلك الأدلة العديدة، وفي ثقافات الحضارات المختلفة كما رأينا؛ إسلامية و أوربية قديمة وعبرانية. ووجدنا أن الأقرب للحقيقة أن إتجاه أضلاع/ أسوار الكعبة يتفق مع اتجاه الرياح الأربعة المشهورة في الجزيرة العربية. ووجدنا أن الإتجاهات الأرضية كانت تتعين بالدرجة الأولى باتجاهات الرياح إضافة إلى بعض النجوم كَسُهيل والشعرى اليمانية في السماء الجنوبية، والنجم القطبي في الشمال، سواء عند العرب أو عند غيرهم كالأوربيين. ثم جاءت الإبرة المغناطيسية أو البوصلة على يد البحارة العرب ليتغير بها مفهوم الإتجاهات الأرضية والجغرافية منذ اكتشافها.

أما عن المناسبة بين أضلاع/ أسوار الكعبة والظواهر الفلكية، كإتجاه غروب الشمس وشروقها في الإنقلاب الشتوي، فكان له أثر عملي في تعيين إتجاه القبلة في البلاد المختلفة كالعراق ومصر على التوالي كما رأينا في الشكل السابق .. كما أن شهرة اتجاهات الرياح الرئيسية في المنطقة العربية كانت مؤشراً على أتجاهات أضلاع/ أسوار الكعبة للعرب المسافرين دوماً في رحلاتهم وتجارتهم، ومن ثم كانت المطابقة مع اتجاهات الرياح ذات فائدة كبرى نُرجِّح أنها كانت هي الحكمة الحقيقية من وراء هذا التخطيط الجغرافي للكعبة، أكثر من أي زعم بمطابقتها للجهات الأربعة المستحدثة لاحقاً، والتي سعى أصحاب المقولات التي سقناها أول الدراسة إلى تأكيدها بلا دليل ولا حكمة يُعتد بها.

هكذا إذاً جاء الزعم الذي نحقق في أمره ومحاولته الربط بين اتجاهات زوايا الكعبة المشرفة والاتجاهات الجغرافية الأربعة – ربطاً متعجلاً - والتوهم بأن هذه تتطابق وتلك تمام الإنطباق، رغم وفرة المصادر التراثية الغنية التي تثبت معرفة السلف والخلف بخلاف ذلك. هكذا جاء ذلك الزعم والادعاء على غير هدى. ولا يصعب على أحد كشف خطأ هذا الادعاءات. فالكعبة قائمة، والاتجاهات الجغرافية قائمة، ومن شاء أن يتحقق فليفعل.

أما عن تاريخ الكعبة وتسمية اتجاهات أضلاعها، وأن أصلها يرجع إلى أسماء الرياح ونجم سهيل على التخصيص فليس ببعيد عن الباحثين بالرجوع إلى كنوز التراث الزاخرة بتفصيل هذه الحقائق. فما كان من أبحاث في هذا الشأن من إرجاع حكمة اتجاهات أركان الكعبة إلى الاتجاهات الجغرافية الأربعة فخطأ، وما كان منها بإرجاع اتجاهات أضلاع/ أسوار إلى اتجاهات الرياح ونجم سهيل والاستدلال بهذا وذاك على اتجاه القبلة فهو صحيح محقق.

ويحق لنا الآن أن نجيب عن سؤال طرحناه في بدايات هذه الدراسة، وهو :

ماذا لو أن بناء الكعبة كان متماثلاً تماماً من جميع جهاته – كالدائرة - ؟؟
أكان فاقداً قيمةٍ ما، ما كانت لتتحصل إلا بكسر هذا التماثل ؟

والإجابة هي:
أن كسر التماثل التام لشكل الكعبة كان عظيم الفائدة، وذلك بما تحقق من علاقة أضلاع/أسوار الكعبة الأربعة بمتجهات أرضية ممتدة، تمثلت في اتجاهات الرياح الأربعة الرئيسية بالمنطقة العربية ونجم سهيل؛ الأمر الذي كان له وظيفة عملية تحققت للغرض الذي وضعت من أجله الكعبة المشرفة. وما ذاك إلا لأن تكون قبلة للناس. لا أن تكون على محض توافق مع اتجاهات جغرافية وهمية يخطئ معظم الناس أصلا في التعرف عليها، فضلاً عن أن تكون الكعبة نفسها قِبلة لأي من هذه الاتجاهات التي لا علاقة بينها وبين وظيفة الكعبة السامية، وذلك بأنها قبلة الله تعالى التي يُتوجه إليها، لا أن تعين هي أحد على التوجه لغير قبلة الله تعالى.

أسلمت لله 5
05-25-2012, 01:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

للرفع .