المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : منزلة السنة من الدين ... بقلم: منى ناصر الطيار



الفرصة الأخيرة
12-07-2005, 03:17 AM
الفصل الثاني

منزلة السنة من الدين



إن لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكانتها بالنسبة إلى القرآن الكريم ، ومكانتها بالنسبة إلى التشريع الإسلامي ، فهي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن من حيث القوة لا من حيث الالتزام إذ يجب الالتزام بهما جميعاً .



وهي أصل من أصول الدين ، وركن في بنائه القويم ، يجب اتباعها وتحرم مخالفتها ، على ذلك تظافرت الآيات وأجمع المسلمون على وجه لا يدع مجالاً للشك .



مصدر السنة النبوية :

لا يخفى على أحد علاقة السنة بالقرآن الكريم ، فالقرآن الكريم وحي الله تعالى إلى رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - باللفظ والمعنى ، والسنة وحي الله تعالى إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى أغلبها، أو إقرار الله تعالى لما صدر من الرسول - صلى الله عليه وسلم - باجتهاده من قول أو فعل (1) ؛ فالقرآن والسنة مصدرهما واحد وكلاهما وحي . قال تعالى :( وَمَا يَنطِقُ

عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[النجم:3-4] (2) ؛ وعن المقدام بن معد يكرب الكندي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" ألا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ألا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ " (3)

وفي رواية : " ألا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم - مِثْلُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ " (4)







الوحي وأقسامه



الوحي إعلام بخفاء، لأن الإعلام العادي أن يقول إنسان لإنسان خبراً ما، أو يقرأ الإنسان الخبر؛ أما الإعلام بخفاء فاسمه وحي، والوحي يقتضي "موحي" وهو الله ، و"موحى إليه" وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، و "موحى به" وهو القرآن الكريم (1) . وكذلك السنة .



إذن الموحى به ينقسم إلى وحي متلو، ووحي غير متلو. والوحي المتلو معروف وهو القرآن وله خصائص ويفارق السنة في أمور كثيرة نجملها في هذا الجدول .



السنة النبوية
القرآن الكريم


منها المتواتر ومنها غير المتواتر فيها الصحيح والضعيف.
1-
نقل إلينا بطريق التواتر .
1-

غير معجز باللفظ .
2-
معجز بلفظه ومعناه .
2-

نزلت بالمعنى دون اللفظ .
3-
نزل باللفظ والمعنى .
3-

غير متعبد بتلاوتها .
4-
متعبد بتلاوته .
4-

تجوز قراءتها دون طهارة .
5-
يحرم على المحدث مسه .
5-

لا يصلّى بها .
6-
متعبد للصلاة به .
6-

يسمى العلم أو السنة أو الحديث .
7-
مسمى بالقرآن .
7-

تجوز روايتها بالمعنى عند من يرى ذلك من العلماء بشروط للعارف بالمعاني والألفاظ .
8-
لا يجوز روايته بالمعنى .
8-

نزلت بطرق الوحي المعروفة في المنام أو اليقظة بواسطة الملك أو غيره . (2)
9-
جميع آياته وسوره نزل به جبريل عليه السلام في اليقظة .
9-





















الحكمة في أن ما أوحي إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - منه ما نزل باللفظ ومنه ما نزل بالمعنى :



من آثار رحمة الله تعالى أن جعل شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - من دون الشرائع
السابقة – شريعة باقية خالدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فأنزل القرآن وحياً يتلى إلى قيام الساعة محفوظاً من التبديل والتغيير.

وأنزل على نبيه الكريم إلى جانب القرآن نوعاً آخر من الوحي وهو السنة ؛ أنزلها عليه بالمعنى وجعل اللفظ إليه في الأعم والأغلب ، إيذاناً بأن في الأمر سعة للأمة ، وتخفيفاً عليها، وأن المقصود هو مضمونها لا ألفاظها .



فأجاز الرواية بالمعنى عدد من المحدثين والعلماء كابن الصلاح (1) ، وابن العربي والماوردي (2) وغيرهم ؛ ولم يجزه آخرون كمالك بن أنس والقاضي عياض (3) ، وغيرهما من المحدثين .



ولعل سبب إجازة الرواية بالمعنى أن سفراء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الأقوام الأخرين الذين نقلوا أقواله بالمعنى إلى لغات أولئك الأقوام دليل على وقوع ذلك ، حيث أن ترجمة أقواله - صلى الله عليه وسلم - إلى لغة أخرى لا تكون إلا روايتها بالمعنى،ويستحيل ترجمتها باللفظ ؛ فيجوز لصحابته ومن بعدهم أن يبلغوها عنه - صلى الله عليه وسلم - باللفظ النبوي، وهو الأولى والأحوط، ويجوز لهم أن يبلغوها عنه - صلى الله عليه وسلم - بعبارات ينشئونهـا تفي بالمعنى المقصود،ولا يكون ذلك إلا للماهر في لغة العرب، حتى لا ينشأ عن الرواية بالمعنى خلل يذهب بالغرض المقصود من الحديث، وفي ذلك من الخطر ما فيه ، فإن السنة تبيان للقرآن العزيز ووحي من رب العالمين ، وثاني مصادر التشريع ،







فالخطأ فيها أثره جسيم وخطره عظيم ولذلك يقول - صلى الله عليه وسلم - :" مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ " ( 1 )



وإنك لتلمس آثار رحمة الله وحكمته في أن جعل الوحي على قسمين ،قسم لا تجوز روايته بالمعنى،بل لابد فيه من التزام الألفاظ المنزلة وهو القرآن الكريم ، وقسم تجوز روايته بالمعنى لمن يستطيع ذلك وهو السنة النبوية المطهرة ؛ وفي ذلك صون للشريعة وتخفيف عن الأمة ؛ ولو كان الوحي كله من قبيل القرآن الكريم في التزام أدائه بلفظه،لشق الأمر وعظم الخطب،ولما استطاع الناس أن يقوموا بحمل هذه الأمانة الإلهية .



ولو كان الوحي كله من قبيل السنة في جواز الرواية بالمعنى لكان فيه مجال للريب ، ومثار للشك ومغمز للطاعنين ، ومنفذ للملحدين إذ يقولون لا نأمن خطأ الرواة في أداء الشريعة ، ولا نثق بقول نقلة العقائد والأحكام والآداب ، ولكن الله جلت حكمته صان الشريعة بالقرآن ورفع الإصر (2) عن الأمة بتجويز رواية السنة بالمعنى ،لئلا يكون للناس على الله حجة . (3)








السنة النبوية مبينة للقرآن الكريم




جاء القرآن الكريم بالأصول العامة ولم يتعرض للتفاصيل والجزئيات ، ولم يفرع عليها إلا بالقدر الذي يتفق مع تلك الأصول ، ويكون ثابتاً بثبوتها .

وتكفلت السنة النبوية ببيان القرآن الكريم ، فلولا السنة لظلّت بعض آيات القرآن الكريم نصوصاً يعجز البشر عن فهم معانيها ، وفهم المراد منها غير
موافق ، واستنباط أحكام وشريعة الإسلام منها بتفاصيلها المختلفة . فقد جاء بيان كيفية الصلاة ومواقيتها في قوله تعالى : ] وأقيموا الصلاة [ في حديث مالك بن الحويرث حين وفد هو وبعض قومه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأقاموا عنده عشرين ليلة يتعلمون منه أمور دينهم ومنها الصلاة فقد قال لهم - صلى الله عليه وسلم - :" وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " ( 1 ) .



وقد جاءت نصوص القرآن تذكر صراحة أن الله تعالى أنزل القرآن وأنزل السنة تبياناًله ، قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل:44 (2) وقال تعالى (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [النحل:64 (3) وقال تعالى: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الحشر:7] (4) .



وقد ثبت في عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : :" لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ [1]وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ[2] وَالْمُتَفَلِّجَات[3]ِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ قَالَ فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا أُمُّ يَعْقُوبَ وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ لَوْحَيْ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُهُ فَقَالَ لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ فَإِنِّي أَرَى شَيْئًا مِنْ هَذَا عَلَى امْرَأَتِكَ الْآنَ قَالَ اذْهَبِي فَانْظُرِي قَالَ فَدَخَلَتْ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ تَرَ شَيْئًا فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا فَقَالَ أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ نُجَامِعْهَا[4]. " [5]



وعلى هـذا فكل أمر أو نهـي مـن رسـول الله - صلى الله عليه وسلم - مـرده في الحقيقة إلى الله عز وجل .





وجوب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - :



كان الصحابة رضوان الله عليهم يعتبرون قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - وفعله وتقريره حكماً شرعياً ،لا يختلف في ذلك واحد منهم ، ولا يجيز أحدهم لنفسه أن يخالف القرآن ، وتمثل ذلك في قول عبدالله بن مسعود للمرأة : (لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه) قال الله عزوجل ) وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (

والقرآن يثبت أن طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - طاعة لله ، وجمع الطاعتين في آية واحدة قال تعالى (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)[النساء:80 (1)

وحذر الله تعالى من مخالفة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأقسم سبحانه بنفي الإيمان عمّن يرفض حكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، بل على المسلمين الاقتداء به والانقياد له في جميع ما أمر ونهي . قال تعالى : (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً)[النساء:65 (3) وقال سبحانه (لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور:63 (4)

ولا غرابة بعد ذلك أن نجد أن الله تبارك وتعالى دعا الذين يدَّعون أنهم يحبون الله أن يعبروا عن حبهم له بطاعة رسوله واتباع سنته - صلى الله عليه وسلم - ، فإن هم فعلوا ذلك أحبهم الله وأحبهم رسوله ، وفازوا بمغفرة الله ورضوانه (5) ، قال سبحانه: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌالقسم: >>

المصدر (http://almanhaj.net/article.php?ID=147)


........