المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مراسيل للإنتكاس..



زينب من المغرب
05-18-2012, 10:09 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ما أسرعك في النصح...

سألتني بعد أن وضعت يدي بسرعة على فمي: مابك؟؟
- عندي قرحة في طرف لساني.. وامتحان بعد أسبوع في القرآن. والآن وبعد ثلاث سنين من تعلم التجويد. أكتشف أن معظم حروف اللغة العربية معتمدة على طرف اللسان.
-ما رأيك ب....
-لا أرجوك، فقد سمعت منها ما يكفي،هل سبق وأصبت بها؟..هل هي علة بين الفينة والأخرى تذوقين مرارتها؟.. غرغري بالليمون.. ضعي عليها بعد السحق ورق الزيتون.. أكثري من أكل"دانون"....وأقول أني جربت معها كل الحلول.. وكل صباح أتسابق إلى المرآة عليّ أرى منها أفول..أو ألقى من آلامها بعض النزول.. فالإمتحان على الأبواب.. والشيخ لن يقبل لحروفي بعيدا عن مخارجها تجوال.. ثُمَّ أَسمعُ، إذن زوري الطبيب.. فحالك هذا والله غريب.. وتُتمتمُ الشفاه أعاذك الله من الخبيث.. وتسري في قلبي أدواء المريب.. فهل من مثل هذا تريدين إرشادي....
-ألم يقل فاضل أن الطباق والجناس..... وغيرها من اللوائح العربية الجميلة، وقوالب العربية الخالدة ليست أبلغ في الإيصال من الوضوح، لأن في الإبهام تشتيت للأفهام، والفكرة صائبة - لكن ليس على الدوام- إذ أن بعض الجهّل باقتفاء العلوم يُعذّرونه بأنه من قبيل الألغاز، وإن كان كل صعب مناله راسخ في الأذهان، والحكم فيه عند غالب طلاّبه صواب.
وسكتنا برهة.. نلتهم الفكرة ونبحث بين ثنايا التجربة عن إبطالها قبل اتخاذها قاعدة زمنية (فغالب المعتقد المُتبنَّى في النقاشات العابرة إنما هو فكرة مهزوزة في الذهن==> تجد الأنترنيتيين متشبعين بالمهزوز).
وهذا ما اعتقدت لكن صمتها طال والتخمين بكنه صمتها عندي من المحال..

ما أخبتك في التشخيص...

لم أصدق نفسي وأنا أرى دمعة تنزلق في صمت من عينها: عفوا، هل شططنا بعيد.
- آه يا زينب لو تعلمين!
- آه و زينب ومعها لو تعلمين، لا لا الوضع يبدو مريب. هل أسرد نكتة ساذجة من نكاتي لتغيير الجو؟
- لا أريد أن أموت الآن- ابتسمت دون أن تضحك ثم أكملت- لا أدري هل انفرادة المغاربة النصح في كل شيء، والتطبيب لكل داء، أم هي عادة مشتركة بين فئام من كل البلاد؟
مرت بي لحظات هذه السنة ما رأيت في شدتها على نفسي شبيها في الأوقات، بل إن أحد المتمسحين بزي الناصحين كاد يجرني في أذيال أهل النار.
صمتت، وفي صمتها أحسست هما ثقيلا وذكرى بئيسة تزور ذهنها، وكأنها مريض في نقاهة من عضال.
تركت المجال لاستجماعها الأفكار عبر دمع ينهار، ولم أرد التطفل.
- جرني أحدهم -استرسلت- بحجة طلب العفاف وقلة الحيل في إدراك مراده، وخضنا كلانا في أخذ كلام ورد على انفراد في السمع والتلقي لا في الرؤيا ولا في اللمس. فكان ثالثنا شيطان، ورابعنا هوى النفس، وخامسنا لذة الأنس بالصوت، وسادسنا وسابعنا وثامننا... ونحن نتحدث خارج كل ما حرصت دائما على تحديده من إطار.. فكان لساننا سيد الموقف ورئيس حرب شعواء.
لا تسأليني كيف جرت الأمور ولا من كان البادي ومن حرض على القتيل، لكن وكما تعلمين حبي للتلاعب بالحديث رغبة في تكبيل الآخر والكشف عن خفيات النفس في زلات اللسان، لكن لساني هذه المرة زلّ وقلت كلاما بعيدا، ثم تساءل هو عن المقصود فتماديت في الإبهام، وتمادى بدوره في إيهامي أنه أفهم مني بهذه الحال،
ستسألينني أي حال؟؟
لا تستغربي، لأنه في لحظة استجمع فيها كل الأقوال مني، وكون رسما لم يخطر لي يوما على بال،ثم قفزقفزة "كنغرية" وبدأ فيها يلعب دور الطبيب.
لن أبهم المسألة عليك أكثر، لكن تأكدي أني وحتى أبعد من هذه اللحظة -في تلك الأثناء- كانت عندي مبهمة بعيدة عن الإدراك، كأني بلعبة صنعتها واحترت في تسييرها، حاولت الإستفهام عن هذه الحال التي أصابتني وإذا به يصبح ناصحا طبيبا ذو خبرة ذات عشرات الأعوام بحالي - التي رسم- .
فقال لي إنك على أبواب الإنتكاس، وفي رأسك هيجان لأفكار الإلحاد، وأقوالك في ميزان الشرع كفر بواح..

ماأقسى فعلك الطائش على نفس اللوّام...

ارتعبت ارتعابا شديدا.... صرخ صوت في صدري لا إلا ربي
لكنه زاد.
وهذا حال عادي جدا قد أصيب به الصحابة الكرام، ولا تقلقي ستجدينني أفضل معين لك في هذه الشدة وأنا أعرف أمثالك كثير ممن أصيب بهذه الحال..
وزاد رعبي.. وصراخ في داخلي: ربي هل أنا في ضلال دون أن أدري؟
وزاد هو..وإن أردت التقينا وتبادلنا الحديث وتفهمين أكثر.
هول الإتهام لم يعطيني فرصة لاعتقاد أن هذه حركة قديمة منه للقائي وكسر حاجزي الرصين.. ولن أستبعد أن غرور الثقة بنفسي وأني صعبة على كل انسان كان سببا ربما.
وزاد..وإني أعرف أناسا يستطيعون مساعدتك في حالك.
يومها كان أول يوم في حياتي كلها أصرخ في وجه غريب بعلو صوت أقوى مما اعتقدت أني أقدر عليه.
وكان صراخا من أعماق إحساس رهيب اجتاحني.
وانقطع الإتصال..
وانهمرت دموعي في شلال..وانقطعت حبال الأمان.. وانكسر قلبي بالخوف من كل شيء.
وتساءلت:
ربي هل أنا ملحدة بك على ما أستشعره من إيمان..
يا رحمان السماوات هل فقدت إيماني وأصبحت في زمرة الهالكين..
يا عزيز هل أنا غارقة في أوحال الكفر على ما أحسه من قربك..
لا يا إلهي ارحمني.. لا تتركني.. ربي أنا خائفة..مولاي إلا غضبك.. إلا عقابك.. إلا النار....
وابتهلت وابتهلت.. ودمعي لا يتوقف عن الإنهمار.
آه كم بكيت..
أردت الصلاة فلم أستطع..
لم أستطع أن أصلي على ما قال ذاك عني من إلحاد.. انكمشت في سريري.. ومن حسن حظي انشغل الجميع في البيت عني ببعض الضيوف.. لكن بين الفينة والأخرى كانت أمي تسترق اللحظات وتسألني فأجيب: لا شيء يا أمي.
وماذا عساي أقول لأمي؟؟ ماذا عساي أقول؟؟ لو قلتها لدعت عليه أمي دعاء والله لن تحمله الجبال.وليس حرصا مني عليه أحجمت لكن لم أرد أن أشغلها بأمر لا أتبينه في وضوح إلى حد الآن.. أو أني صمتت لهول ما قال لي وكفى دون تعليل.
كابدت الخوف لساعات.. وحاربت الوساوس وأنا منكمشة في سريري
أبكي وأبكي وأبكي..
أدخلتني أمي بعدها إلى الحمام تجرني جرا فاغتلست، ثم عدت إلى السرير أستمع إلي صمت الليل.. ووساوس الليل.. وحديثي مع نفسي في الليل.. وما أدراك ما هي وحشة الليل.. وقسوته.. وهيبته.. وحرقة الإهتزاز في داخلي.
ثم دفعت نفسي دفعا نحو الصلاة وأنا أرتجف..صليت ركعتين طال سجودهما.. وطال ابتهالهما.. حتى إني كنت لا أقوم إلا بعد انقطاع نفسي من شدة الدمع والإبتهال.. ثم زدت ركعتين فركعتين..
وكلي خوف أني ابتعدت عن ربي.. مولاي.. سيدي..
لمن أدعوا بعده.. بمن أومن بعده.. من يحفظني بعده.. من يسمع شكواي بعده.ومن ومن ومن....
لا0.. لا.. لا
لا أنا أحب ربي ولن يتركني.. لا أنا آمنت به حاشا أن يخذلني.. لا أنا ما سجدت لسواه فقسما به لا بغيره لن أشك لحظة أنه دلّس علي دينه الذي ارتضى لي...
بدأت أستجمع فتات الثقة.. وأستحضر أحاسيس الخشوع.. وأركب درجات قوة الإستنصار بالقوي..

وأنت حملت الوزر وربك كان بمريضك رحيم...

مرت بعدها الأيام تجري.. وصاحبني في المرحلة قرآن ربي.. وكلام ربي.. وجاء رمضان.. وكان لي مع المعتكف في معهد عائشة أم المؤمنين موعد. فما أن جاء اليوم 24 حتى كنت قد أكملت 30 حزبا في الإستظهار. وكنت الأولى في القسم. وفرحت بإكرام ربي.. وسعدت بتوفيق مولاي لي.. وطرت فرحا بهذا التأييد السريع الخفي القوي الذي تعددت أوصافه وطابت على نفسي أفضاله..

وتفكرت خلالها في الذي جاء الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام يخاف وساوس نفسه ويتمنى أن يلقى من السماء على أن يحدث بها. فكان جوابه سريعا ودواءه قريبا، وهل أتى انسانا مغرورا وحاشا؟ وهل أتى معلّما جاهل ذي قول مبتور لاوفاطر السماء؟؟ لقد أتى معلِّماً معلَّما من العليم، وعاد باطمئنان :فذاك محض الإيمان.
وتساءلت ماذا لو قيل له:حدث بما تخاف.. واستفززناه أن أفصح عن نواياك، وفجر خزائن الوساوس في خاطرك.. ثم قذفناه بالإتهام ورميناه بالأوهام وحشرناه في زاوية أهل الإنتكاس أو الخذلان.. لكنا أشد المجرمين في العالمين.. ولكنا أخزى شياطين بني الإنسان.. ومن يدري قد يعبث به الشيطان فإما جنون أو لإلحاده إعلان.
ثم قال الحبيب بأبي هو وأمي، فقل "آمنت بالله"، إنه التهذيب السماوي الرباني الرحيم، لا يشق على الخائف وإن ارتاب، ولا يجعل الطريق وعرا عسيرا على المتوجس من وساوس الإحتيار.
ما أرحمك يا رحيم.. ما أرحمك يا رحمان.. ما أرحمك في عدلك يا ديان..
- أي نعم والله ما أرحمه, وما فعل صاحبك؟
- لم أسمع له حثيثا بعد ذلك اليوم..
- ما أخبثه، أيرميك للنيران ويبتعد غير آمن عليك من الشيطان؟
- النصح والأمانة يا زينب النصح والأمانة. خطان متوازيان. وكأني بالناس كلها متقنة النصح فقط, والخيرة مُلهمَةٌ أمانة النصح، فلا تأمن مفاسد الناصحين وهم في كل الفرق والنحل متوفرين، لكن لن تجد إلا في المحسنين الناصح الأمين.
وعلى إثرها بدأت على محبتي النصح أشد الحذرين.. وكرهت أن يُقذَف مع الكلام بين المؤمنين ويمرِّرَّه أحد بالتقريع الذي لا يعد في ميزان النصح إلا تخبيزا في تخبيز.

والقصة لها مسار طويل واختصاري ( على أساس أنه اختصار) إنما هو لقول: لا تنصح إلا إن كنت مؤهلا، ولا يُقرِّع معها أبدا الأمين.
- وابتسمتُ على خلاصتها لكنها ظلت جامدة فقلت مستملحة تخفيفا للجو: تعرفين قصة الشاب الذي كان يدرس في جامعة فاس وقرر زملاءه أن يلعبوا على أعصابه فاتفقوا أن يلتقوه صباحا في الجامعة متفرقون والكل يسأله هل هو مريض لأن وجهه شاحب... وفعلوا فعلتهم، فكلما التقاه أحدهم سأله: ما بك لماذا وجهك شاحب يا أخي اذهب إلى الطبيب أنت تكاد تموت.. فعاد إلى البيت مسرعا وهو يقول لزوجته: كيف تتركينني أخرج من البيت وأنا مريض
- أقسم أنه ميؤوس من حالتك في التنكيت.

هشام بن الزبير
05-19-2012, 03:17 AM
شكرا لك على هذه النزهة الانترنيتية الممتعة.

زينب من المغرب
05-19-2012, 08:35 AM
هل بدت أنترنيتية ؟و ممتعة؟
ظننت أنها تجربة حقيقية قاسية.
على العموم، لا شكرا على واجب