المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أين يأجوج ومأجوج !!!



ابو ذر الغفارى
05-22-2012, 05:51 PM
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله

أكبر الإشكالات فى رأى فى تصور أن يأجوج ومأجوج قوما محصورين فى مكان ما من الأرض هى:
قول النبى صلى الله عليه وسلم «يقول الله لآدم، يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك. فيقول: أخرج من ذريتك بعث النار. فيقول: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعون في النار، وواحد في الجنة، فضج الناس حين حدثهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا الحديث. قالوا: يا رسول الله، وأينا ذلك الرجل؟ فقال: أبشروا، فإنكم في أمتين، ما كانتا في شيء إلا كثرتاه؛ يأجوج ومأجوج».
فأولا: هذا دليل على أن يأجوج ومأجوج من بنى آدم و أنهم سيحاسبون كما نحاسب وسيدخلون النار وهذا غير ممكن إلا إذا وصلتهم الرسالة كما قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) فكيف يكون هؤلاء معزولون عن العالم منذ زمن ذى القرنين ولم يعلموا شيئا عن الرسالات منذ ذلك الحين وفى نفس الوقت هم ليسوا من أهل الفترة لأن الحديث أخبر أنهم بعث النار ولم يخبر أنهم سيختبرون
وحتى لو فرضنا جدلا ان منهم أنبياء ورسل يرسلون إليهم فليس هناك رسل بعد النبى محمد (ص) فعلى الأقل منذ زمن النبى محمد (ص) إلى قيام الساعة لم يرسل لهم رسل ولم تصلهم رسالة النبى محمد وهى للبشر كافة وليسوا من أهل الفترة ثم يدخلون النار فهذا إشكال
ثانيا : هم يكثرون سواد بنى آدم كلهم كما ذكر الحديث فهم يكثرون بنى آدم منذ سيدنا آدم وحتى قيام الساعة فهم أكثر بنى آدم فى المجمل عبر هذا الزمان كله فكيف يتصور أنهم يعيشون على جزء صغير من الأرض لا يكاد يكتشف حتى الآن فهذا إشكال آخر


وهذه هى الأدلة التى ساقها الشيخ السعدى فى المسألة
الدليل الأول:
إخباره تعالى عن ذي القرنين حين بلغ مغارب الأرض
ومشارقها، ثم كرَّ راجعاً من المشرق إلى الشمال ()، فلما بلغ بين
السدين، وجد من دونهما، أي من دون السدين الموجودين منذ
خلق الله الأرض، وهما سلاسل الجبال المتواصلة يمنة ويسرة حتى تتصل بالبحار، كما قال ذلك غير واحدٍ من المؤرخين، ومنهم ابن كثير () في التاريخ (). وهو نص القرآن؛ فالسدان كانا موجودين قبل مجيء
ذي القرنين لأولئك القوم. ولكن بينهما فجوة، أي ريع ()، يتصل
منه يأجوج ومأجوج إلى ما جاورهم من الناس، فيفسدون قتلاً،
وسلباً، ونهباً، وتخريباً. فلما وصل إليهم ذو القرنين شكوا إليه ما يلقون من يأجوج ومأجوج، فقالوا: {{فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}} يريدون فقط ذلك الريع والفجوة التي بين
الجبال. فقال ذو القرنين: {{مَا مَكَّنْنِي فِيهِ رَبِّي}} أي من الملك،
والقوة، وكمال العدد والعدة ()، وحسن النظام، وسعة الرزق،
خيرٌ لي من ما تبذلون لي من الجعل. {{فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ}} أي ساعدوني بأبدانكم، وقوتكم، على بنيانه {{أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا}} ولم يقل: سداً، لأن السدين، وهما سلاسل الجبال، موجودان. وإنما يريد ردم ما بينهما، وسده فقط. {{آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ}} أي قطع الحديد. {{حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}} أي حاذى ذلك الحديد الذي جمعوه، ووضعوه في ذلك الريع، رؤوس الجبال {{قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا}} أي نحاساً مذاباً، ليلتحم بالحديد، فاستحكم ذلك البنيان، ووازن الجبال، وحجز به بين يأجوج ومأجوج ومجاوريهم، وحمد الله الذي أجرى هذه النعمة على يده، وقال: {{هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}}.
فهذه الآيات الكريمات () صريحة أن يأجوج ومأجوج من الآدميين، كما ثبت بذلك الحديث الذي في الصحيحين، وسنذكره إن شاء الله، وتدل هذه الآيات على أنهم من جنس هؤلاء القوم الذين اشتكوا منهم الأذية، إلا أنهم تميزوا بالإفساد في الأرض، وأن ذا القرنين رحم هؤلاء الذين اشتكوا منهم الأذية، فبنى ذلك الردم الذي ينفذون منه إليهم، وكان ما عن يمين هذا الريع ويساره جبال شاهقة، تتصل ببحارٍ مغرقة، كما هو ظاهر الآيات، وكما صرح بذلك ابن كثير في «البداية والنهاية» () وغيره.
وهذا الردم الذي بناه ذو القرنين يسير جداً بالنسبة إلى السدود
الطبيعية التي عن يمينه وشماله، فلما بناه، صاروا لا يستطيعون أن
يظهروا على ذلك البنيان، ولا أن ينقبوه، وكذلك لا يستطيعون الصعود على سلاسل تلك الجبال الشاهقة، ولا النفوذ من وراء البحار.
فمكثوا على ذلك مدداً طويلة، وهم منحازون في ديارهم، وأماكنهم، لا سبيل لهم إلى النفوذ من تلك الحواجز، والحوائل، لعدم الأسباب التي تمكنهم من ذلك.
ثم بعد ذلك بمدد، ترقت الصناعات، وقويت المخترعات، وتنوعت الأسباب التي مكنتهم من النفوذ من تلك الحواجز والحوائل. وكان مبادي ذلك في وقت النبي صلّى الله عليه وسلّم، من حين قال في الحديث الثابت في الصحيحين: «ويل للعرب من شرٍ قد اقترب. فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه». وحلَّق الإبهام والسبابة. وسيأتي إن شاء الله هذا
الحديث.
والنبي صلّى الله عليه وسلّم يكثر من ضرب الأمثال التي فيها تقريب المعاني إلى الأذهان، فهم من ذلك الوقت متهيئون () للخروج، وحاصلٌ لهم، ومنهم بعض الأسباب التي تمكنهم، وذلك والله أعلم، حين سمعوا بالنبي صلّى الله عليه وسلّم وأمته ودعوته، وأنهم شارعون في فتح البلدان. فعزموا على مقاومتهم، وعملوا الأسباب لذلك. فلم تزل إرادتهم تقوى، وقوتهم تزداد، وشرهم يطغى، حتى انفتحوا من كل مكان. فبرزوا من فوق رؤوس الجبال، ونفذوا فوق متون البحار، وصعدوا في جو السماء، فكان هذا مصداقاً لخبر الله ورسوله.
وقد يتوهم بـعض الناس أنه لا بـد عند خروجهـم أن يشاهـد الناس

الردم منهدماً، فإذا لم يشاهدوه، فهم إلى الآن خلفه، وهذا غلطٌ واضح من
وجوه:
ـ منها : أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أخبر أن ابتداء انفتاحه قد ابتدأ في زمانه. وفحوى ذلك الحديث يدل على أنه في ازدياد من وقتٍ إلى آخر، حتى وصلوا إلى هذه الحالة المشاهدة.
وعلى المؤمن أن يصدق الرسول في كل ما يخبر به، ولا يقع في قلبه أدنى ريب من صدقه. فخبر الرسول أصدق من خبر كل أحدٍ من الخلق. وقد أخبر بذلك.
ـ ومنها : أنه لا يلزم من انفتاح الردم المعين في السد أن يراه كل أحد حال انفتاحه، فقد يراه من يجاوره، ويخفى على غيرهم، وقد يصل النقل إلى الناس، وقد لا يصل.
ـ ومنها : أن المقصود من خروجهم قد حصل. فليس في رؤية نفس الردم الذي بناه ذو القرنين كبير آية. بل الآية المقصودة خروجهم، فإذا رآهم الناس قد خرجوا على الناس من كل حدبٍ وصوب، ومكانٍ مرتفع ومنخفض، عرفوا أن السد قد اندك.
ـ ومنها : أن الله أخبر أنه لما بنى ذو القرنين الردم، أنهم لم يستطيعوا أن يظهروه، أي: يعلوا عليه، ولا على السدود الطبيعية، وما استطاعوا له نقباً، ومعلوم أن عدم قدرتهم على واحدٍ من الأمرين في ذلك الوقت، لعدم الأسباب التي توصلهم إلى ظهوره أو نقبه. وأما الآن فلا يعجزون عن صعود أي جبل يكون، وأي سدٍ يحصل، ولا على نقبه، بل يقدرون على ما فوق ذلك.
فعلم بذلك أنهم استطاعوا في هذه الأوقات على النفوذ والظهور الذي كانوا سابقاً عاجزين عنه. وهذا ظاهر.
ـ ومنها : أن السد عبارة عن سلاسل الجبال التي عن يمين تلك الثنية، وذلك الريع ويساره. والردم منه عبارة عن تلك الثنية التي سدها ذو القرنين. فالآن قد شاهد الناس خروجهم من وراء هذه الجبال والبحار. ألا ترى سلاسل جبال آسيا وأوربا وغيرها قد خرجوا من ورائها، والبحر الأسود والأبيض، والبحار المحيطات من كل جانب قد عبروها، ونفذوا من ورائها، بعد ما كانوا منحازين في ديارهم، غير متمكنين من الخروج؟
فعلم من ذلك أن يأجوج ومأجوج هم هؤلاء الأمم؛ الروس والصين، وأمريكا، والإفرنج، ومن تبعهم ()، يوضح هذا:
الدليل الثاني:
قوله تعالى: {{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ *}} () أي حتى إذا انفتحوا على الناس، فبرزوا بعدما كانوا منحازين في ديارهم بهذا الوصف الذي ذكر الله عنهم: {{وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ}} أي مكانٍ مرتفع، كالجبال وما فوقها. {{يَنْسِلُونَ}} أي يسرعون. وهذا مطابق لما هم عليه؛ فإنهم في جميع أقطار الدنيا قد انفتحوا على الناس، وأتوهم من كل جانب. ولهذا أتى بأداة التعميم، وهي قوله: {{مِنْ كُلِّ حَدَبٍ}} فلم يبق جبل إلا صعدوه، ولا بحر عميق إلا عبروه، ولا صعب إلا سلكوه، وأبلغ من ذلك أنهم في جو الهواء ينسلون؛ أي يسرعون بالطائرات التي جابت مشارق الأرض ومغاربها، وجميع جهاتها. فإذا لم يصدق عليهم هذا الوصف، فمن تراه يصدق عليه؟! وإذا لم ينطبق عليهم هذا النعت فأخبرني بمن ينطبق عليه؟!
وفي هذه الآية الكريمة برهانٌ ودليل باهر على الإخبار بحدوث هذه المخترعات التي وصلوا بها إلى هذه الحال، لأن إخبار الله ورسوله بشيء إخبار به، وبما لا يتم ذلك إلا به، وذلك أنه لا يحصل تمكنهم من الإسراع والنسلان من كل حدبٍ إلا بالصنائع الراقية، والمخترعات المدهشة.
الدليل الثالث:
ما ثبت في الصحيحين عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «يقول الله لآدم، يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك. فيقول: أخرج من ذريتك بعث النار. فيقول: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعون في النار، وواحد في الجنة، فضج الناس حين حدثهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بهذا الحديث. قالوا: يا رسول الله، وأينا ذلك الرجل؟ فقال: أبشروا، فإنكم في أمتين، ما كانتا في شيء إلا كثرتاه؛ يأجوج ومأجوج». وفي لفظٍ: «وما أنتم في الناس إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض» () الحديث.
فهذا الحديث صريحٌ في أنهم من ذرية آدم. وسيأتي كلام أهل السير والتاريخ أنهم من ذرية يافث بن نوح، وأن الترك طائفة منهم، وأنهم سموا تركاً لأنهم تركوا خلف ردم ذي القرنين، كما ستأتي الإشارة إليه ().
وهذا الحديث مطابقٌ لأحوال هذه الأمم الموجودين؛ الروس،
والصين، واليابان، والفرنج، ومن وراءهم من أهل أمريكا، فإنه وصفهم بالكثرة العظيمة، وأن العرب، ومن جاورهم بالنسبة إليهم كالشعرة

الواحدة بالنسبة إلى شعر جلد الثور. ووصفهم بكثرة الكفر، وأنهم جمهور بعث النار، وذلك لكفرهم، وعدم إيمانهم بمحمد صلّى الله عليه وسلّم، وقلة إيمانهم بسائر الأنبياء الإيمان الصحيح. فإنهم في أزمانٍ متطاولة لا يكاد يوجد فيهم إسلام. ثم بعد ذلك وجد فيهم إسلام قليل جداً بالنسبة إلى كثرتهم. فإذا لم يكونوا هذه الأمم فمن يكونون؟
وإذا أردت النسبة بين العرب ومن جاورهم من الأمم الإسلامية، وبين تلك الأمم، رأيت الأمر كما ذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم، والذي يعارض ويظن أنهم غير هؤلاء يدعي ويعتقد أنهم أممٌ أكثر من المذكورين بأضعافٍ مضاعفة، وإنهم إلى الآن خلف السد لم يُطَّلع عليهم!
فَيَاللهِ! أين هؤلاء؟ وأين محلهم؟ وأين ديارهم الواسعة من الأرض، وقد اكتشفت جميع قارات الأرض، وما يتبعها من الجزائر؟ وسيأتي إن شاء الله بيان فساد هذا الغلط والظن ().
واعلم أن الآيات الكريمة، والأحاديث الصحيحة، وكلام العلماء العارفين ظاهرة ظهوراً لا ريب فيه أن يأجوج ومأجوج من الآدميين، وأنهم ليسوا عالماً غيبياً، كالجن والملائكة، لا يشاهدهم الناس، بل هم ظاهرون، محسوسون، مشاهدون. فلا يمكن لأحدٍ أن يقول: قد يكونون موجودين، وقد حجب الله عنهم الأبصار. فلو قال أحدٌ هذا القول، عُرف أنه خلاف الأدلة الصحيحة، وخلاف الواقع. وهو قولٌ بلا علم. بل قول منافٍ لما علم من الآيات والأحاديث أنهم آدميون يشاهدون، ويفسدون في الأرض، ويجوبون مشارق الأرض ومغاربها، وغير ذلك من صفاتهم.
الدليل الرابع:
ما ثبت أيضاً في الصحيحين عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال ذات يوم: «ويل للعرب من شرٍ قد اقترب. فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» وحلَّق بين الإبهام والتي تليها ().
فهذا دليلٌ صريح صحيح أنه من ذلك اليوم الذي تكلم به النبي صلّى الله عليه وسلّم قد وجد بعض الأسباب الداعية لخروجهم، وأنه لا يزال السبب يقوى وقتاً بعد وقت، وسواء كان المعنى أنه مثل ضربه النبي صلّى الله عليه وسلّم يقصد به تقريب الحقيقة إلى الأذهان، وأنهم قد ابتدؤوا في السعي إلى الخروج والاندفاع في الأرض، أو أن ردم يأجوج ومأجوج انفتح منه ذلك الوقت هذا المقدار، وأنه لا يزال في زيادة حتى زال واندك ().
وإذا قال قائل؛ لِمَ لَمْ يشاهد الناس اندكاكه؟ فقد مضى الجواب عن هذا الإشكال (). ويقال أيضاً: إذا كان من زمان النبي صلّى الله عليه وسلّم، وقد انفتح منه هذا المقدار، ولولا كلام النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يدر المسلمون
عن انفتاحه، مع قوله: «ويل للعرب من شر قد اقترب»، ثم إخباره بمقدار ما انفتح منه، فيه دليل ظاهر أنه انفتح بعضه، وأنه عن قريب ينفتح جميعه، ويخرجون على الناس. وأيضاً ففي الحديث هذا وصفٌ ظهر ظهوراً جلياً، لا يشك فيه من عرف الواقع. فإن النبي صلّى الله عليه وسلّم توعد العرب بالشر القريب الذي يقع بهم من يأجوج ومأجوج، فمن عرف حالة العرب والإسلام، وكيف توسع الفتح الإسلامي في المشارق والمغارب، وكيف حصل للعرب من العز بالإسلام وانتشاره ما لا يعرف لغيرهم، ثم كيف تداعت عليهم الأمم كما تداعت الأكلة على الصحفة، كما أخبر به الصادق المصدوق ()،
ثم كيف تقلص الإسلام، وزال عز العرب عن تلك الممالك
الإسلامية، وكيف وقعت بهم تلك الدواهي العظام، والشرور
الجسام، شيئاً فشيئاً، حتى وقعت داهية التتر () العظيمة، الذين
هم من عنصر يأجوج ومأجوج، ومن نفس ديارهم، كما ذكره أهل السير، ومنهم ابن كثير () رحمه الله.
ولم تزل الشرور تتوالى على المسلمين عموماً، وعلى العرب خصوصاً من هذه الأمم حتى وصلت إلى هذه الحالة الموجودة
اليوم، التي يرثى لها. ونرجوا الله أن يلطف ببقية المسلمين والعرب، وأن يدفع عنهم من الشرور ما لا يدفعه غيره. فهذه الشرور التي أشرنا لها، وهي
معروفة هي وأضعافها وأضعاف أضعافها، من أين أصابت المسلمين عامة، والعرب منهم خاصة، إلا ممن أخبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى بوقوعها منهم، وهم يأجوج ومأجوج. ولهذا كان بعض العلماء المتأخرين العارفين بأحوال الأمم، كالأمير شكيب أرسلان، وغيره، يرون أن يأجوج ومأجوج هم دول السوفييت، أو بعضهم، ولا ريب أنهم منهم، بل هم مبتدأهم، وابن كثير في تاريخه جزم بأنهم «منغوليا» الذين تفرعت عنهم التتر، والصين، واليابان، والروس، وغيرهم، من الأوربيين، كما ذكر ذلك المعتنون بالأنساب. ومن وراءهم من الأمم، كأمريكا، حكمهم حكمهم.
فهذه الأوصاف المتنوعة التي وصفوا بها بالكتاب والسنة، لا يشك من فهمها تماماً، وفهم الواقع، أنها تنطبق على هؤلاء الأمم، وأما ما يوجد من الآثار الدالة على طولهم المفرط، وقصرهم المفرط، وصفاتهم المخالفة لصفات الآدميين، فكلها كذب ()، مخالفة للنصوص الصحيحة، وللواقع، لا يحل اعتقادها، والاعتماد عليها، فضلاً عن تقديمها على دلالة النصوص الصحيحة، فهي، وإن ذكرها بعض الناس، فقد أولع كثير من المصنفين بذكر أحاديث وآثار لا زمام لها ولا خطام، ومجرد ما يراها البصير يعرف مخالفتها لما دلت عليه النصوص الصحيحة.
فإن قلت: فقد ورد في صحيح مسلم، في حديث النواس بن سمعان الطويل أن يأجوج ومأجوج، حين يقتل عيسى بن مريم الدجال، فيقول الله له: قد أخرجت عباداً لي، لا يدان لأحدٍ بقتالهم ()، فحرز () عبادي في الطور، وأنهم يخرجون فيشرب أوائلهم بحيرة طبرية، ويمر عليها آخرهم، فيقول قد كان هاهنا ماء، وأنهم يرمون بنُشَّابهم () إلى السماء فتعود عليهم مخضوبة دماً، فيقولون: قد قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء ().
فالجواب عن هذا من وجوه:
الأول: أن هذا الحديث على فرض مخالفته ومناقضته لما دلت عليه تلك النصوص، فإنه لا يقاومها، ولا يقدم ما يظهر من دلالته على دلالتها. هذا على وجه التنزل، وإلا فليس ولله الحمد بينها مخالفة.
الوجه الثاني: أن دلالة تلك النصوص على صفاتهم المذكورة المشاهدة عياناً، دلالة يقينية، لا يمكن أن يرد ما يخالفها ويناقضها.
الثالث: إن إخباره بخروجهم بعد قتل عيسى للدجال، وقتل المسلمين لليهود، لا يدل على أنهم لم يخرجوا قبل ذلك. بل هذا خروج من محلٍ إلى محل، فإن يأجوج ومأجوج يأتون حنقين، متغيظين، على عيسى ومن
معه من المؤمنين، يريدون الإيقاع بهم، فيكبتهم الله، ويقمعهم، ويلقي
عليهم الموت الذريع. ومما يدل على أن البعث والإخراج لا يراد
به ابتداء الخروج والبعث، بل يراد به البعث والخروج من محلٍ
إلى محلٍ آخر، آيات متعددة، مثل قوله: {{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ
كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَِوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا}} ()، فهذا خروج من محلٍ إلى محل. وكذلك قوله: {{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ *}} ()، {{فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *}} () الآيات. إلى غير ذلك من الآيات الدالات على أن المراد: الخروج، والإخراج من محلٍ إلى آخر، ليس المراد به الإخراج الابتدائي.
ومثل ذلك، البعث، كقوله تعالى: {{بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ}} ()، وهذا بعث لهم من البلاد الجزرية إلى البلاد الشامية ()، نظير ما في بعض ألفاظ حديث النواس: «بعثت عبادا لي، لا يدان لأحد بقتالهم»، من غير فرق. {{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ}} ()، ليس المراد ببعثه إنشاء خلقه، وإنما المراد به: فأرسل الله غراباً يبحث في الأرض. {{ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}} () ومعناه: عيِّن لنا ملكاً، وهذا ظاهر بيِّن ولله الحمد.
الوجه الرابع: أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كثيراً ما يمثل للناس بما كانوا يعرفون، خصوصاً في الأمور التي لم يشاهد المسلمون لها مثيلاً، ولا نظيراً، في ذلك الوقت. فإخباره صلّى الله عليه وسلّم برميهم بنشابهم إلى السماء إلى آخره، يدل على قوتهم وقهرهم لأهل الأرض بسلاحهم ومخترعاتهم. وكأنَّ في هذا إشارة إلى طيرانهم في الأفق ()، وإلا فمن المعلوم أن سلاح النشّاب ونحوه من السلاح الأول الضعيف قد نسخ من زمان، وأن الأسلحة لا تزال في رقي وازدياد، ولا يرجى في وقتٍ من الأوقات أن يعود الناس إلى سلاح النشاب ونحوه ()، بل الذي يدل عليه الاستقراء والتتبع للأحوال أن السلاح يترقى ترقياً فاحشاً، ينسي هذا السلاح الموجود، حتى يكون مادة هلاك الخلق وتدميرهم، ويقع ما أخبر به النبي صلّى الله عليه وسلّم من فناء الرجال بالقتل، حتى يكون قيِّم خمسين امرأة رجل واحد ().
والرسول صلّى الله عليه وسلّم لا يخبر بما تحيله العقول، بل كلامه فيه الشفاء، والعصمة، والنور، والبرهان، والحق، واليقين. وأما ما فيه من ذكر ماء البحيرة، وأنهم يشربونه، فإما أن ذلك إشارة وتنبيه على كثرتهم العظيمة التي هم في الحقيقة عليها، وإما إن ماء البحيرة سيستخرجونه بالآلات إلى عمارة حروثهم، وزروعهم، حتى ينشفوها. وهذا شرب حقيقي. ويدل على هذا أن ماء البحيرة، لو اجتمع جميع من على وجه الأرض من الآدميين والحيوانات، فشربوا منها بأفواههم لم ينشفوها. والنبي صلّى الله عليه وسلّم ينزه أن يتكلم بخلاف الواقع. فتعين أحد التأويلين ()، إن كان حديث
النواس بن سمعان محفوظاً ()، جمعاً بين النصوص، ويدل على التأويل الأخير أن الصهيونيين الذين أكثرهم من عنصر الفرنج، الذين أتوا من البلاد الخارجية، لا زالوا يستخرجون ماء البحيرة بالمكائن وغيرها،
ولا زالوا مُجِدِّين على هذا الأمر (). ولا بد أن يقع جميع ما أخبر الله به ورسوله.
الدليل الخامس:
ما تواترت به الأخبار من أصناف العلماء؛ من المفسرين،
والمؤرخين، وأهل السير والأنساب، من المتقدمين، والمتأخرين،
واتفاق محققيهم أن يأجوج ومأجوج في شمالي آسيا، وأنهم جيران
الأتراك، وأن الأتراك قيل لهم: ترك، لأن ذا القرنين لما ردم على
يأجوج ومأجوج، وترك منهم هذه الطائفة، فقيل لهم: الترك، لأنهم تركوا خلف السد. فالترك منهم، والباقون جيرانهم المتصلون بهم في بلاد تركستان.وقد ذكر ذلك غير واحدٍ من المؤرخين والمفسرين، حتى كاد أن يكون اتفاقاً منهم على هذا.
ومن وراءهم من الأمم تبع لهم، وفرع عنهم. وأيضاً، فإنهم ذكروا أن أولاد نوح الذين انسلوا، ثلاثة: سام، وهو أبو العرب ومن جاورهم، وحام، وهو أبو السودان والبربر، وجميع أهل أفريقية، ويافث، وهو أبو الصقالية، والترك، ويأجوج ومأجوج، والتتر، ومن تفرع عنهم من أهل الصين، واليابان، وبلاد الإفرنج، ونحوها. وكلام المفسرين، وأهل الأنساب في هذا الموضع، وفي هذا المعنى كثير جداً، لا يمكن نقله في هذه الرسالة
المختصرة ().
والمنصف إذا عرف الواقع، وأين ديار الترك، ومَنْ جيرانهم، عرف أن كلام هؤلاء العلماء صريحٌ أنهم هؤلاء الأمم الذين ذكرنا، وليكن على بالك أن يأجوج ومأجوج ليسوا عالماً غيبياً، وإنما هم آدميون، بارزون، محسوسون، كما دلت على ذلك أنواع الأدلة.

الدليل السادس:
أن الشارع لا يخبر بأمرٍ تحيله العقول، ويكذبه الحس والواقع.
بل أخباره كلها لا يعارضها حس ولا عقل صحيح، ولا غيرها
من الأمور العلمية، ومن زعم أن يأجوج ومأجوج غير هؤلاء الأمم الذين ذكرنا، فإن قوله يتضمن المحال، لأن هذا القائل يدعي، ويعتقد، أنهم أمم عظيمة من بني آدم، وأنهم أكثر من هؤلاء الأمم الذين يعرفون الآن على وجه الأرض كلها بأضعافٍ مضاعفة، وهذا قول محال ينزه الشارع من أن ينسب إليه هذا القول، لأنه يطرِّق () الكافرين والمعاندين إلى القدح في الشارع، ويقولون: كيف يخبر عن أممٍ على وجه الأرض، أكثر من الموجودين في القارات الست وتوابعها؟! فأين هم؟! وأين ديارهم؟! والأرض كلها مكشوفة، وقد اكتشفها الناس قطراً قطراً. ولم يبق محلٌ من الأرض إلا وصل إليه علم الناس، إلا جهة قليلة جداً تحت مدار القطبين ()، وقد غمرتها الثلوج، لا يمكن أن يعيش فيها آدمي، ولا حيوان، ولا نبات، لشدة بردها، وعدم وصول الشمس إليها، وهي رقعة صغيرة جداً بالنسبة إلى الأرض المكتشفة، فمجرد تصور العارف لهذا القول يكفي في رده. يوضح هذا توضيحاً تاماً:
الدليل السابع:
أن قارات الدنيا كلها، القديمة والحديثة، ست قارات:
ـ آسِيا 1 (): من البحر الأحمر والأبيض غرباً، إلى أقصى بلاد سيبيريا من بلاد الروس شمالاً، وإلى البحر الهادي شرقاً، إلى البحر الأسود وأكرانيا مما يلي أوربا غرباً.
ـ الثانية: أفريقيا: وشرقيها البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي غرباً.
ومن البحر الأبيض شمالاً، إلى المحيط الأطلسي، المتصل بالمحيط الهندي جنوباً.
ـ الثالثة: قارة أوربا: التي يحدها البحر الأبيض جنوباً، إلى البحر الشمالي، ثم الأطلسي شمالاً وغرباً. ومن بلاد الأندلس غرباً إلى بلاد أكرانيا السوفيتية شرقاً.
ـ الرابعة: أستراليا: وهي قارة واقعة في الشرق الجنوبي، في وسط المحيط الهادي.
ـ الخامسة: أمريكا الجنوبية: وهي الواقعة من خليج بنما، من المحيط الأطلسي شمالاً، وتنتهي إلى البحر الهادي جنوباً.
ـ السادسة: أمريكا الشمالية: تتصل من غرب بالبحر الأطلسي، والبحر الشمالي. ومن شرق تتصل بالمحيط الهادي.
فهذه قارات الأرض كلها، باتفاق العارفين بها. ويتبعها جزر صغيرة وكبيرة ملحقة بهذه القارات. وهذه القارات قد عرفها الناس كلها معرفة تامة، وعرفوا أجناس أهلها، وأصنافهم، وتغلغل علمهم إلى معرفة إحصائياتهم، وتيقنوا يقيناً لا شك فيه أن المذكورين في هؤلاء القارات الست هم أهل الأرض، وأنه لا يوجد على وجه الأرض سواهم. فمتى أخبرنا مخبر أن في الأرض غير هؤلاء المذكورين من بني آدم، أكثر من المذكورين من بني آدم، أكثر من المذكورين بأضعاف مضاعفة، علمنا غلطه الفاحش، وأنه خلاف الواقع المقطوع به. يوضح هذا ويزيده بياناً.
الدليل الثامن:
وهو أنه قد ثبتت كروية الأرض ثبوتاً لا امتراء فيه، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وغيرهم هذا، وذكر شيخ
الإسلام أن دلالة الكتاب والسنة على هذا القول ظاهرة (). كما أنه قد اتفق عليه أهل المعرفة، وقد كان في الزمان الماضي يوجد من يعارض في كروية الأرض من أهل العلم قبل اكتشافها، ويظن أن كرويتها تنافي سطحيتها. وهذا غلط. فإن الجسم العظيم المسطح قد يكون مكوراً مستديراً. قال تعالى: {{وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ *}} () أي: مدت، ومهدت، ووسعت لجميع منافع الآدميين. وقال تعالى: {{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ}} (). والتكوير هو الاستدارة، كاستدارة العمامة على الرأس. وقال تعالى: {{كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}}().
ثم إن الواقع المعروف معرفةً لا شك فيها يوافق هذا. وبعد ظهور المخترعات، والمقربات، وقرب المواصلات، صارت كروية الأرض معروفة لكل أحد له معرفة بالأرض. وقد يتمكن الإنسان في كل وقتٍ أن يعرف أوقات جهات الأرض، ويعرف أن ليل بعض الجهات نهار لجهات أخرى، وبالعكس، وأن الشمس لا تزال تجري في فلكها، إذا طلعت على جانبٍ من الأرض، غربت عن الجانب الآخر. فمثلاً: إذا زالت الشمس في جزيرة العرب، تكون قد غربت عن أقاصي الصين، وبلاد اليابان. وإذا غربت الشمس في جزيرة العرب، تكون قد ابتدأ شروقها في بلاد أمريكا. ثم إذا زالت الشمس في أمريكا، طلعت على بلاد اليابان والصين. وهلم جرا.
وكذلك من عبر مغرباً من البحر الغربي الشمالي () ينفذ على أمريكا، ثم منها إلى المحيط الهادي، ثم من المحيط الهادي على اليابان، ثم الصين، ثم يرجع إلى موضعه، وهكذا في كل مكان.
ومعلومٌ أنه إذا كانت الأرض كروية، كانت محصورة تحيط بها معارف الناس، فدعوى المدعي أن هنا أمماً أكثر من المذكورين المعروفين، وهم على وجه الأرض، دعوى مخالفة للدليل القاطع، وما كان كذلك فهو معروف الغلط.
واعلم أنه ليس مع من عارض ما ذكرنا شيئاً من الأدلة، إلا ما ذكرنا في حديث النواس بن سمعان. وقد ذكرنا وجهه (). وكذلك يظنون
أن الأسماء تبقى على الدوام. فلما رأوا أن هذه الأمم لها أسماء
مخصوصة، كالروس، واليابان، ونحوهم، ظنوا أنهم غير يأجوج
ومأجوج. وهذا غلط واضح. فكم تنقلت وتغيرت الأسماء؛ أسماء
الجهات، والحكومات والعناصر، وكم تغيرت من اسم إلى اسم
آخر، وكم اندمجت أمم بأمم. وقد ذكر المعتنون بأنساب الترك () الطورانيين، الذين هم من نسل يأجوج ومأجوج، وأن هذه الأمة لا تزال
تندفع شرقاً وغرباً. ومعلوم أن الأسماء تتنقل بتغير تنقلاتها،
والعبرة إنما هي بالأوصاف التي ذكرت في الكتاب والسنة.
وقد بينا فيما سبق انطباق أوصافهم على هذه الأمم، مع أن الاسم اليوم موجود، فإن اسم بلاد يأجوج ومأجوج الأصلية، وهو بلاد منغوليا،
وشرقي تركستان، لا زال معروفاً. وتلك القبائل لا يزال يقال لهم يأجوج ومأجوج، وهم الآن تبع لحكومة الروس.
الدليل التاسع:
وهو الجامع لكل ما تقدم. وهو أن دلالة الكتاب والسنة
الصحيحة، والأوصاف المذكورة فيهما ليأجوج ومأجوج لا تصدق
إلا على من ذكرنا من الأمم. وكذلك الأمور الواقعة المقطوع
بها حساً، وعلماً، كما تقدمت الإشارة إليها وتقريرها. إذا جمعت
ذلك كله، علمت علماً يقينياً، لا شك فيه ولا ريب، أنها واقعة
على تلك الأمم، وأنهم المرادون بها، وأنها من براهين رسالة
محمد صلّى الله عليه وسلّم. وعلمت أيضاً بما تقدم أنه لا يوجد
غير المذكورين من بني آدم على وجه الأرض. وأن من قال أنهم
غيرهم، لم يقله عن علمٍ وبرهان، وإنما هو قول بلا علم، بل مخالف
للعلم.

الدليل العاشر:أن لفظ «يأجوج ومأجوج» واشتقاقه من الأجيج والسرعة ()،
ووصف الشارع لهم بذلك يدل على ما ذكرنا. ولهذا كان الأولى أن
يكون اسم جنس ()، وإن كان طائفة من أهل العلم يرون أنهم
طائفة مخصوصة من دول السوفييت، وهم المعروفون الآن بهذا
الاسم. فكونه اسم جنس يشملهم، ويشمل من وراءهم، أولى
لوجهين:
أحدهما: أن الأوصاف المذكورة في الكتاب السنة تنطبق كل الانطباق على تلك الأمم المذكورة جميعهم، مثل قوله: «من كل حدبٍ ينسلون». والشر الذي وصل إلى المسلمين منهم عامة، وإلى العرب خاصة، ووصف
كثرتهم، وكثرة كفرهم، وأنهم أكثر بعث النار، وغيرها مما هو صريح
فيهم.
الثاني: إن إخبار النبي صلّى الله عليه وسلّم عن بعث النار، وأنه من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعون في النار، وواحد في الجنة، وأن جمهور هذا العدد من يأجوج ومأجوج، لا يتصور أن يكون إلا اسم جنس. ولما كان الإشكال في هذه المسألة قد وقع لكثير من الناس، لم يتضح لهم الأمر فيها، مع أن من نظر إلى أدلتها الشرعية والعقلية لم يَرْتَب، أحببت أن أورد من كلام أهل العصر المعتبرين، والذين لهم المعرفة التامة في هذه الأمور، ما يدل على ما ذكر:
فقد ذكر الأمير «شكيب أرسلان» ()، رحمه الله، في حواشي
«حاضر العالم الإسلامي» () أن يأجوج ومأجوج هم «المجار»، وهم

«المغول». وذكر غزواتهم لبلاد الإفرنج، واندفاعهم إليها، واندماجهم بهم (). وقال أيضاً في كتابه الذي سماه: «غزوات العرب» المطبوع في ص170 منه:
(وفي تلك الأيام وصل المجار إلى فرنسه، وملأوا البلاد عيثاً وتدميراً. ورأى الأهالي فيهم تصديق نبوة «حزقيال» عن يأجوج ومأجوج () إلى آخر ما قال ().
وفي المجلد الأول من «الحلل السندسية» للأمير شكيب ص178:
(وذكر الرازي أن القوط، أي ملوك الأندلس، الذين آخرهم «لذريق» الذي هزمه المسلمون، من ولد يأجوج ومأجوج بن يافث بن نوح) ().
ـ وفي المجلد الحادي عشر من «المنار»، في آخر جواب سؤال ص284:
(هذا، ومن تذكر إغارة المغول التتار، وهم نسل يأجوج ومأجوج، في القرن السابع الهجري على بلاد المسلمين والنصارى، وما أتوه من الإفساد في الأرض، وما أوقعوه بالأمم المختلفة من القتل، والسبي، والنهب، أمكنه تصور حصول هذا منهم مرةً أخرى، قبل مجيء الساعة، كما قال القرآن الشريف ()، {{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ}} ... إلخ).
ـ وقد ذكر شكيب أرسلان في حواشي «مقدمة ابن خلدون» () و«حاضر العالم الإسلامي» كيفية تسلسل أنساب التتر، ويأجوج ومأجوج، والترك، ودخولهم في جملة أهل أوربا، بعد ما كانت مساكنهم في آسيا، فذهب أناس، وبقي في آسيا أكثرهم.
ـ وقد ذكر صاحب «التذكرة» () فيها، في الجزء الثاني ص86 لما تكلم عن طبائع الأقطار، ذكر بلاد يأجوج ومأجوج، وموقعها، وما يناوحها من الأقطار، في كلامٍ طويل يؤيد ما ذكرنا.
ـ وقال في مجلة «الفتح» (440) العام التاسع 8 محرم، 1254 ص96 في الجزء المذكور في مقالة الشيخ محمد سليمان ()، قال: (جاءت القرون الوسطى، فجاء أهل أوربا عادين على المسلمين يغزونهم
في ديارهم، ويحاربونهم على تخومهم، وفتحت يأجوج ومأجوج.
فانسل التتار من الشرق على بلاد الإسلام فاكتسحوها، وخربوها،
وهدموا الخلافة، وقتلوا الخليفة. ووقع المسلمون بين شقي الرّحا من الشرق، ومن الغرب في بلاءٍ مبين).
ـ وفي منجم العمران ()، ص58 من الجزء الأول: (ومن
الأمم التي عرفت حركات () مهاجرتها قبيلة هيونكنو () التركية،
فإنها أقدم القبائل التي نعرف تاريخ حملها () على أمةٍ أخرى، ربما
كانت الأمة الهندية الجرمانية، التي كانت قاطنةً بالقرب من يوتي
غاته ()، في الجهة الشمالية الغربية من الصين، فتلك الحملة التي جعلت شأنها الفتح والتخريب، والسلب والنهب، صدرت من السور العظيم المبني لصدها سنة 214 قبل الميلاد، وامتدت حتى بلغت أقاصي غرب أوربا، سائرةً في أواسط آسيا في الجهة الشمالية من سلسلة جبال هملايا) إلى أن
قال ص62:
(ولما رأى الأوربيون ما رأوا من فتوحات المنغول () التي امتدت من سور الصين إلى «كراكو» في أواسط أوربا، وإلى سواحل البحر المتوسط من غربي آسيا، في ست وعشرين سنة () وقع الرعب في قلوبهم). إلى آخر ما قال.
ـ وقال أيضاً في المنجم، ص72، من المجلد الأول: (اهتمت الدنيا بأسرها بفتوحات روسيا في أواسط آسيا، وإنكلترا باتت في وجل من جري () ذلك. وكانت نهاية حرب روسيا والجراكسة سنة 1864، الموافق 1281 للهجرة ()، واسطة لهدم () الحاجز العظيم الذي كان يمنعها عن () توسيع دائرة أملاكها، وهو جبل «قوه قاف» يعني «القفقاس» ()، وقد تمكنت بذلك من نوال مقصد مهم) () إلخ.
ـ وفي «المقتبس» قال المسعودي () في كتاب «التنبيه»: (وحد الإقليم الخامس بحر الشام إلى أقصى الروم مما يلي البحر، إلى «تراقية» وبلاد «برجان»، و«الاستبان»، واليأجوج ومأجوج، والترك، والخزر، واللان والجلالقة) فجعلهم في أرض الترك.
وقال ابن رسته (): الإقليم السادس يبتدئ من المشرق، فيمر
على بلاد يأجوج ومأجوج، ثم على بلاد الخزر، وينتهي إلى البحر المغرب) فانظر كيف صرّح بمجاورته لأرض الخزر، وهي معروفة قريب من قزوين.
ـ وقال البلخي () في تاريخه، صفحة 534: (الإقليم السادس: يبتدئ من المشرق، فيمر على بلاد يأجوج ومأجوج، ثم على بلاد الخزر، ثم على وسط بحر جرجان، إلى بلاد الروم.
قال أهل العلم: أما ما وراء هذه الأقاليم إلى تمام الموضع
المسكون الذي عرفناه فإنه يبتدئ من المشرق، من بلاد يأجوج
ومأجوج، فيمر على بلاد التغرغر ()، وأرض الترك).
وكل هذا ظاهر. وكلامهم في هذا كثير.
والغرض الأصلي هنا: بيان مراد الله ورسوله، وأن الأوصاف التي ذكرت عنهم في الكتاب، والسنة الصحيحة المحفوظة، تنطبق عليهم غاية الانطباق، وأن الواقع يصدق ذلك، ويشهد له، وأن كلام أهل السير، والمحققين من الإخباريين، يؤيد ذلك ويشهد له، فعلى من تيقن ذلك، وعرف دخوله في النصوص، أن يعتقده، ويدين الله به. وعلى من أشكل عليه الأمر أن يتوقف عن الجزم بأحد الأمرين نفياً وإثباتاً، وإذا كان لا بد له من الجزم بأحد الأمرين، فليصبر، وليتأن، حتى يتدبر الأدلة الشرعية والعقلية، ويعرف الواقع، فإذا جزم بأحد الأمرين مستنداً إلى الدليل فقد أدى ما عليه من اتباع الدليل الصحيح، فإذا جزم بأحد الأمرين مقلداً لغيره من غير معرفةٍ صحيحة بالمآخذ، فهو من القول بلا علم.
وليس هذا الأصل خاصاً بهذه المسألة، بل جميع المسائل الأصولية تجري على هذا الأصل الذي نرجوا الله تعالى أن يتحقق به كل طالب للعلم النافع. ونسأل الله أن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم، هدايةً علمية حتى نعرف ما أنزل إلينا من الكتاب والحكمة إجمالاً وتفصيلاً، وهدايةً عملية حتى نسلك الطريق الموصل إلى الله، وإلى دار كرامته؛ بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، إنه جواد كريم. وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
قال ذلك، وكتبه، العبد الفقير إلى الله من جميع الوجوه، عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله آل سعدي، غفر الله له، ولوالديه، ووالديهم، وجميع المسلمين. والحمد لله أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً. سنة 1359هـ.

وهذا كلام الشيخ بن عثيمين رحمه الله
السؤال رقم :1394 من كتاب : لقاءات الباب المفتوح من :1 إلى 70 -إعداد عبد الله الطيار -حفظه الله- ؛ صفحة :791 -792.
السؤال :
فضيلة الشيخ: استفاض عن الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمة الله عليه أنه قال بظهور يأجوج ومأجوج وأنهم أهل الصين .
وبعد الرجوع إلى تفسيره ؛ تبين أن يأجوج ومأجوج سيخرجون في آخر الزمان، وأنهم سيفسدون في الأرض، وأن خروجهم من علامات الساعة الكبرى، فهل رجع الشيخ عن قوله الأول أم أن له قولين في هذه المسألة؟ وأنتم ماذا ترجحون في هذا جزاكم الله خيراً؟

الجواب:
الشيخ عبد الرحمن بن سعدي- رحمه الله- هو شيخنا، وقد أثيرت ضجة حول ما نسب إليه من أن يأجوج ومأجوج هم أهل الصين وما وراء جبال القوقاز ، والحقيقة أنه رحمه الله لم يقل شيئاً إلا بدليل مبني على الكتاب والسنة، وبقول قاله من قبله، لكن أهل الأهواء يتشبثون بخيط العنكبوت في تشويه سمعة من آتاه الله من فضله، فأرادوا أن يحسدوه.
فشيخنا -رحمه الله- لم يقل: إن يأجوج ومأجوج الذين يخرجون في آخر الزمان هم الموجودون الآن، ولا يمكن أن يقول به عاقل فضلاً عن عالم يُعتبر علاّمة زمانه ---رحمه الله---، وإنّما قال: إن يأجوج ومأجوج موجودون، والقرآن يدل على ذلك، قال الله تعالى في ذي القرنين: { حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْراً * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً } يعني: سار { حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْماً لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } [الكهف:90-94] إذاً هم موجودون، وقوله تعالى: { مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً } يعني: مالاً { عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً } فاستجاب لذلك قال: { آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ } [الكهف:96] فآتوه بزبر الحديد وركم بعضها على بعض: { حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ } يعني: بين الجبلين: { قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً } يعني: آتوني قطراً، أي آتوني حديداً مذاباً أفرغه عليه فأتوه بذلك، فصار هذا السد مثل الجبل، وهو سد من حديد { فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ } [الكهف:97] يعني: يعلو عليه { وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً } أي: ما استطاعوا أن ينقبوه؛ لأنه من حديد{ قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي } [الكهف:98] يعني في آخر الزمان: { جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً * وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } [الكهف:98-99].
فالحاصل أن شيخنا- رحمه الله -لم ير رأيين في هذه المسألة، بل هو رأيٌ واحدٌ دلَّ عليه كتاب الله عز وجل ، وكذلك أقوال أهل العلم، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قال: ( يقول الله تعالى: يا آدم -يعني: يوم القيامة- فيقول: لبيك وسعديك.
فيقول: أخرج من ذريتك بعثاً إلى النار.
قال: يا ربِّ وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف ) يعني: تسعمائة وتسعة وتسعين من بني آدم كلهم في النار وواحد في الجنة، ( فَكَبُر ذلك على الصحابة وعظم عليهم وقالوا: يا رسول الله! أين ذلك الواحد؟ قال: أبشروا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج ) وهذا صريح أن يأجوج ومأجوج من بني آدم، وأنهم يدخلون النار.(و الحديث : رواه الترمذي وأحمد ، من حديث عمران بن حصين ، وصححه الألباني -رحمهم الله جميعا- في -صحيح الجامع :8142-.)

فعلى كل حال نحن نرى ما يدل عليه الكتاب والسنة من أن يأجوج ومأجوج موجودون، لكن هؤلاء الموجودين ليسوا هم الذين يخرجون في آخر الزمان، بل سيأتي أقوام آخرون من نسلهم، فيخرجون في آخر الزمان، ويفسدون في الأرض كما أفسد آباؤهم.

عبدالرحمن الحنبلي
05-22-2012, 09:25 PM
هذه الاخبار مثل اخبار ياجوج وماجوج واين يكونون ؟ واين يكون الدجال ؟ كلها جعلها الله فتنه حتى الذين في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابه ويتركون المحكم ......

هذه الاخبار نمرها كما جاءت بلا كيف .......والكيف مجهول .......تحياتي

ابو ذر الغفارى
05-22-2012, 10:16 PM
أخى عبد الرحمن نحن هنا نبحث المتشابه من المحكم فى هذه القضية
وكلمة السلف أمرها كما جاءت كانت تقال لمن تنطع فطلب علم ما لم يجعل الله له سبيلا
ولاشك ان خروج يأجوج ومأجوج فى آخر الزمان من الأمور الغيبية ولذلك لا ينبغى البحث فى كيفيته ولكن ليس كل أمورهم غيبية بسبب انهم من بنى آدم فالأصل أن حالهم كحالنا ما لم يأتى دليل على خلاف ذلك

ابن السنة
08-19-2012, 06:46 PM
لكن هناك مشكلة فى ما ذهب اليه السعدى رحمه الله
قوله تعالى
الَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً
اليس الوعد هنا هو الاخرة؟
ام فسره بوعد الله اى امره بذهاب تلك الرحمه و هى الردم؟
الم يكن من الاولى اعتبار ان الردم مازال موجودا و فى اخر الزمان يخرج هؤلاء القوم بحيث يخرج الركبان من فوق الجبال و عوام الناس من بين الجبال بما فيها الردم الذى يُدك؟

ابو ذر الغفارى
09-01-2012, 12:57 AM
لكن هناك مشكلة فى ما ذهب اليه السعدى رحمه الله
قوله تعالى
الَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً
اليس الوعد هنا هو الاخرة؟
ام فسره بوعد الله اى امره بذهاب تلك الرحمه و هى الردم؟
الم يكن من الاولى اعتبار ان الردم مازال موجودا و فى اخر الزمان يخرج هؤلاء القوم بحيث يخرج الركبان من فوق الجبال و عوام الناس من بين الجبال بما فيها الردم الذى يُدك؟

هذه النقطة وضحها الشيخ السعدى بقوله أن خروجهم الذى نص عليه القرآن فى آخر الزمان لا يمنع خروجهم قبل ذلك لأن هذا خروج مخصوص كما فى قوله تعالى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس) والعرب كانوا موجودين قبل البعثة
فهذا خروج مخصوص وليس معناه أنهم لم يخروجوا على الناس قبل ذلك والشيخ السعدى له سلف فى هذا القول وقد وضع أحد الإخوة رابط لدراسة بحثية حديثية تنتصر لهذا القول وفيها ذكر قول بن كثير والقرطبى بهذا القولhttp://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=243350

وهذا جزء منها
(وبناء السد لايقتضى حجب شعاع الشمس عنهم كماهو ظاهر حديث قتادة .

(د) وكذلك يشكل على حديث قتادة :

ـ مارواه الإمام أحمد فى المسند (5 / 271 ) .

ـ وابن أبى عاصم فى الآحاد والمثاني (6 / 190 ) عن أبى بكر بن أبى شيبة .

ـ كلاهما: أحمد وأبن أبى شيبة عن محمد بن بشير ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن خالد بن عبد الله بن حرملة ، عن خالته قالت : ( خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( إنكم تقولون لا عدو ! ولاتزالون تقاتلون عدواً حتى تقاتلون يأجوج ومأجوج ، عراض الوجوه ، صغار العيون ، صهب الشعاف ، من كل حدب ينسلون ، كأن وجوههم المجان المطرقة ) .

ــ قــال الهيثمي فـى المجمع ( 8/6 ) : ( رواه أحمد والطبرانى ورجالهما رجال الصحيح) . وهو كما قال فمحمد بن بشر العبدي ، ثقة حافظ ، روى له الجماعة - كما فى التقريب ( ص 469 ) و محمد بن عمرو ، عن خالد بن حرملة . إسناد على شرط مسلم .

ـ وروى البخاري فى صحيحه فى الجهاد ، باب قتال الترك ( 3 / 1070 ) حديث رقم ( 2769 ) عن عمرو بن تغلب رضى الله عنه مرفوعا : ( إن من أشراط الساعة : أن تقاتلوا قوما ينتعلون نعال الشعر ، وإن من أشراط الساعة : أن تقاتلوا قوما عراض الوجوه ، كأن وجوههم المجان المطرقة ) .

ـ وروى البخاري بعده ( 3/1071) حديث رقم ( 2770 ) عن أبى هريرة رضى الله عنه مرفوعا : ( لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك ، صغار الأعين حمر الوجوه ، ذُْلف الأنوف ، كأن وجوههم المجانُّ المطرقة ، ولا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما نعالهم الشعر ) .

ـ ورواه مسلم فى الفتن ( 4 / 2233 ) حديث رقم ( 2912 ) من طرق عن أبى هريرة رضى الله عنه نحوه .

ففي هذه الأحاديث الصحيحة : أن المسلمين يقاتلون يأجوج ومأجوج ، وهم طـائفة مـن الترك كما قـال ابن كثير فـى البـداية ( 2/101 ) والملاحــم ( ص /200 ـ 201 ) وكما جاء فى بعض الروايات ، ووصفهم النبى صلى الله عليه وسـلم أنهم : عـراض الوجوه ، صغار العيون، ذلف الأنوف ( أى فطس الأنـوف ) صهب الشـعاف ( أى الشعور ) ، حمر الوجوه ، كأن وجوههم المجانّ المطرقة ( وهى التروس التى تطوق بالجلود ) .

يلبسون الشعر ، وينتعلون الشعر . قال القرطبي فى تفسيره ( 11/58 ) : ( نعت النبـى صلى الله عليه وسـلم الترك كما نعت يأجوج ومأجوج ) وكل هذه الأوصاف تنطبق تماما على الجنس التتاري والصيني .

وقد تحقق ما أخبر به النبى صلى الله عليه وسلم ، وهذه من معجزاته ونبواته التى أخبر عنها ، فوقعت كما أخبر صلى الله عليه وسلم .

حيث تحركت القبائل التتارية من موطنها ، واكتسحت العالم المعمور كلّه تقريبا شرقا وغربا وجنوباً ، ودمَّروا الحضارة الانسانية فترة من الزمن ، وارتكبوا من الجرائم والإفساد فى الأرض ما لا تعرفه البشرية فى تاريخها من قبل ، وقد قاتلوا المسلمين ، ودخلوا بغداد ، وسقطت سنة ( 656) هـ وقتلوا الخليفة العباسي والعلماء والصلحاء وأسرفوا فى القتل حتى بلغ القتلى مليونى نفس ، كما ذكر ابن كثير فى البداية ( 13/215 ) .

وهذا ما لايعرف المسلمون والعرب مثله من قبل ، ولم يحلَّ بهم من الذلَّ والهوان والقتل مثل ما حلَّ بهم على أيدي التتار .

وقـد قـال القرطبـى فـى تفسيـره ( 11 / 58 ) وهـو معاصـر لهذه الأحداث : ( وقد خرج منهم فى هذا الوقت أمم لايحصيهم إلاّ الله تعالى ، ولايرّدهم عن المسلمين إلاّ الله تعالى ، حتى كأنهم يأجوج ومأجوج ، أو مقدمتهم ) .

ويظهر أن هذه الأحداث هى التى قال فيها النبى صلى الله عليه وسلم : ( ويل للعرب من شر قد اقترب : فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ) وعقد بيده تسعين .

وكلُّ هذه الأحاديث تصادم حديث قتادة ، والذى فيه أنهم لايخرجون ولا ينفتح السد إلاّ عندما يبعثهم الله عز وجل على الناس فى آخر الزمان ، وقد ثبت فى حديث النواس بن سمعان رضى الله عنه فى صحيح مسلم أن الله يأمر عيسى ومن معه من المؤمنين عند ذلك أن ينحازوا إلى الطور والى حصونهم كما عند ابن ماجة ، فلا يقع بينهم وبين المسلمين قتال ،وإنما قتالهم مع باقي أهل الأرض .

بينما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم كما فى الأحاديث الصحيحة السابقة : أن المسلمين يقاتلون يأجوج ومأجوج ، وهذا إنما هو فى خروجهم الأول والذى قال عنه النبى صلى الله عليه وسلم ( شر قد اقترب ) ، وأخبر أنه يهلك فيه الصالحون ،إذا كثر الخبث . والظاهر أن ذلك ما حلَّ بالمسلمين سنة ( 656) هـ على يد التتار .

وفى تلك الحقبة من تاريخ المسلمين كثر الخبث ، فتسلط عليهم عدوهم ، وهلك بسبب ذلك كثير من العلماء والصالحين . وما منع أكثر العلماء من اعتقاد ان ما جري سنة ( 656) هـ هو المقصود بحديث ( ويل للعرب) الا حديث أبي رافع هذا اذ فيه أنهم لا يخرجون الا في آخر الزمان قبل قيام الساعة .

(هـ) أن ظاهر القرآن وصريح الأحاديث الصحيحة : أنهم من ذرية آدم ومن ذرية نوح ، كما عليه عامة العلماء ، ولاينبغى الخلاف فى ذلك كما نبه عليه الحافظ ابن كثير فى تفسيره ( 3/109 ) وفى البدايه ( 2/101 ) وكذا الحافظ ابن حجر فى الفتح ( 13/131 ) فهم بشر مكلَّفون ، يعيشون على هذه الأرض ، كما يعيش ســائر ذرية آدم ، وقد كانوا قبـل ذى القرنين يفسدون فى الأرض بالقتل والسلب .

والثابت تاريخيا وجغرافيا أنهم فى شمال شرقى الأرض ، والأقرب أنهم التتار ومن وراءهم من شعوب الشرق ، وقد شكى الناس شرّهم إلى ذى القرنين ، فعمل سداً بين جبلين يكون حاجزا طبيعيا يمنعهم من الشعوب التى دون السدّ ، فقضيتهم ليست قضية غيبية كما هو ظاهر الأدلة النقلية وكما نص عليه السعدى رحمه الله تعالى بل قضية تاريخية مشاهدة لمن عاصرها وشاهد آثارها ، وإنما بَعْثُهم وخروجهم على اهل الأرض قبل قيام الساعة هو القضية الغيبية التى لايعلم متى يحين وقتها إلا الله عز وجل .

(و) أن بعثهم وخروجهم لا يفهم منه أنهم محجوزون عن العالم ، أو فى مكان لا يعلمه أحد، إذ لا دلالة فى هذه الألفاظ على ذلك ، بل بعثهم وتحريكهم هو أزُّهم ، كما فى قصة بني اسرائيـل ( بعثنا عليكم عباداً لنا أولي بأس شديد ) ( الاسراء / 5) . كما قال العلامة السعدي .وكذا ما جاء فى الأحاديث الصحيحة : ( يخرج يأجوج ومأجوج ) ليس فيه أنهم فــى معزل عن العـالم ، وإنما مثله مثل قوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) " آل عمران 110 " مع أنّ العرب موجودون قبل خروجهم وحملهم رسالة الإسلام للعالمين .

(ز) كما لايوجد نص صريح فى أن السد سيكون حاجزا يمنعهم عن أمم الأرض إلى وقت بعثهم وخروجهم ، وإنما ظاهرها أنّ هذاً السدّ سيمنعهم من الإفساد فى الأرض فى تلك الفترة ، وقوله تعالى : ( فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ) [ الكهف/97 ] قال ابن كثير فى البداية ( 2/102 ) : ( أي فى ذلك الزمان لأن هذه صيغة خبر ماض فلا ينفى وقوعه فيما يستقبل ) ، ويؤيد ذلك ما جاء فى الصحيحين : ( فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج) .

وأما الآيات بعدها : ( فإذا جاء وعد ربى جعلّه دكاء وكان وعد ربى حقا * وتركنا بعضهم يومئذ يموج فى بعض ونفخ فى الصور فجمعناهم جمعاً * وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا ) [ الكهف/98-100 ] .



* فقد اختلف المفسرون فى تأويلها :

قال القرطبي فى تفسيره (11/63 ) : ( فإذا جاء وعد ربى ) أي يوم القيامة ، وقيل : وقت خروجهم ) .

وكذا ذكر القولين البيضاوي فى تفسيره ( ص/ 401 ) ، والشـوكانى فى فتح القدير (3/313 ) .

وكذا اختلفوا فى تأويل قوله تعالى : ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج فى بعض ) على ثلاثة أقوال :

(1) أى تركنا الخلائق يوم القيامة يموج بعضهم فى بعض .

(2) وقيل : تركنا يأجوج ومأجوج يموج بعضهم فى بعض بعد بناء السد .

(3) وقيل : تركنا يأجوج ومأجوج يموجون فى الدنيا بعد فتح السد .

قال القرطبي فى تفسيره ( 11/95 ) : ( فهذه ثلاثة أقوال ، أظهرها أوسطها ، وأبعدها أخـرها ، وحَسُنَ الأول لأنه تقدَّم ذكـر القيـامة فـى تأويـل قوله تعالــى ( فإذا جاء وعد ربى )) .



وقد ذكر ابن جرير فى تفسيره ( 8/289) القول الأول ، وذكر ابن كثير فى تفســـــــــــيره ( 3/111 ) القول الأول والثالث ، وذكر الشوكاني ( 3/315 ) الأقوال الثلاثة ، وقـــال السـعدي فـى تفسـيره ( 5/79 ) عـن الضمير فـى ( وتـركنا بعضهـم ) : ( يحتمل أن الضمير يعود إلى يأجوج ومأجوج ، وأنهم إذا خرجوا على الناس من كثرتهم واستيعابهم للأرض كلها يموج بعضهم ببعض ويحتمل أن الضمير يعود إلــى الخلاق يوم القيامة من الأهوال والـزلازل العظام بدليل قوله [ وتركنا بعضهم ] إلى [ لايستطيعون سمعا ] ) .

وعليه فليس فى نصوص القرآن والسنة مايدل دلالة صريحة على أنّ السد سيكون مانعا لهم من الخروج إلى يوم بعثهم ، وإنما سيكون مانعا لهم فى تلك الفترة الزمنية ، ثم يقدر الله عز وجل بعد ذلك من الأسباب والموانع الصارفة لهم من الخروج على الناس حتى يأتى ذلك اليوم الموعود حيث يبعثهم الله عز وجل على أهل الأرض قبل قيام الساعة .

ويؤكد هذا الفهم وهو أن السد لن يكون حاجزا لهم إلا فى تلك الفترة ما ثبت بالحـس والمشـاهدة حيث تم اكتشاف الأرض كلها ، وأصبحت الكرة الأرضية كقرية صغيرة لايخفى من أمرها شئ ، ولم تعد الجبال تمنع من التنقل والارتحال ، فدل ذلك على أن المعنى فى قوله تعالى : ( فما استطاعوا أن يظهره وما استطاعوا له نقبا ) أى أولئك القوم فى ذلك الزمان كما قال ابن كثير .

قال العلامة السعدي فى رسالته فى الموضوع ( فلو فرض على وجه المحال وجود أمة عظيمة جداً أكثر من المعروفين الأن على وجه الأرض من أمم الأدميين بأضعاف مضاعفة وأنهم الآن على وجه الأرض ، ولم يطلع الناس عليهم - مع أن الأرض التى يمكن الأدميون السكن فيها قد اكتشفت شبراً وذراعاً لكان هذا ما تحيله العقول ، وتنكره الحواس ، فينزه الشرع أن يخبر بمثل هذه الأمور ) .

ويؤكده من الأدلة النقلية حديث خالد بن حرملة ( تقاتلون يأجوج ومأجوج ) وحديث ( ويل للعرب من شر قد اقترب ) فثبت بهذه الأحاديث الصحيحة أن المسلمين سيقاتلون يأجوج ومأجوج ، وأنه سيحلُّ بالمسلمين والعرب منهم خــاصة شرُ عظيم ، يهلك فيه الصــالحون وهو والله أعلم ما وقع لهم سنة (656 ) هـ على يد التتار .)