المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القطعيات العقلية والنقلية



مجدي
12-11-2005, 10:12 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :
فان الحديث عن تعارض الادلة خاض به الكثير من الناس , وتخبطوا فيه ولم يعرفوا الصواب , وليس ذلك بسبب غموض بالصواب وانما لخطأ في طريقة معرفة الصواب . فان الصواب هو الحل الوحيد الصحيح دون غيره من الحلول او الاجوبة .
كنت قد بينت في موضوع امعان العقول (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?t=1211) كيفية اكتساب المعرفة وكيف وكان الهدف منه معرفة اثر المعلومة المكتسبة على الفرد وكيفية اكتساب الثقافة ,التي يتعلمها الانسان , وبعد هذا اوضح هنا امرا عن تعارض الادلة وبيان ان الادلة الصحيحة لا تتعارض وانما يخطيء المستدل بالدليل وفهمه .
والناس يستخدوا الدليل ليدلل على صدق كلامهم ويستعينوا بذلك لتضعيف رأي الأخرين ,ليس من مشكلة في الدليل ولا بمنطق استخدامه . ولكن الامر يتعلق بتعارض الادلة , وذلك عند ذكر أحدنا دليل , وذكر الاخر دليل على ضده . فلو صح الدليلان لبطل الاستدلا لان الجمع بين الشيء وضده محال .
أذا فكيف يقدم الخصمان الادلة كل واحد على رأيه وبعد ذلك يعتبر كل واحد نفسه على نقيض قول الاخر؟
الا أن الامر ليس كما يظنه البعض :
فالدليل له وجهان : الاول للاثبات والثاني للنفي . فانت تضع الدليل لتبين صحة قولك او تضع الدليل لتبين فساد قول خصمك . والامر ليس متساويا بالحجة , اذ فساد قول خصمك لا يعني صحة قولك يقينا ولكنه يعني فساد رأي صاحبك .
فقد يقوم الخمصمان بأعطاء ادلة قطعية على فساد قول الاخر بصورة لا تحتمل النقض . فيكون ذلك دليلا على فساد القولين وبيان ان الحق مجانب لهما. لوجود احتمال أخر قد لا يكونا اهتديا اليه .
ولا يجوز ان يكون جواب المسئلة هنا لا يحتمل الا هذين الاحتمالين الا وعجز أحدهما عن الاستدلال بفساد قول خصمه فيكون عجزه تبعا لاثبات الخصم الاخر فساد قول خصمه .لان المسألة ذات الاحتمالين لا يجوز ان يكون احتماليها غير صحيحين. فلذلك يكون الدليل على بطلان الرأي استبعادا له من الصواب ان صح الدليل . ولا يكون دليلا على صدق الرأي الاخر الا ان كان الامر لا يحتمل الا اجابتين محددتين لا ثالث لهما فاننا ان اقمنا الدليل على فساد احدهما اقمنا الدليل على صحة الاخر .
اما اقامة الدليل على صحة القول فلا يمكن ان يكون دليلا الا بامتناع صحته للاخر فلا يكون الممكن دليلا على المؤكد .
فلو اثبت انسان صحة قوله بدليل كان ممكنا محتملا لما كان هذا دليل صحيح لان الممكن محتمل الحدوث والعدم والوجود والعدم .
فلا يكون اثبات الدليل لصحة الرأي الا بأثباته بصورة مؤكدة لا يكون مجال فيها للريبة ولا للظن .

فان اختلفت مع ملحد على وجود الله فان اختلافكما أساسا هو هل يوجد اله ام لا -امنت بالله وصدقت -. فلا يجوز هنا ان يكون كلا القولين صحيح ولا كلاهما خطأ بل يصح الاول بفساد الثاني وينفى الثاني بصحة الاول .
فالتغير بالكون والتقلب دليل على وجود بداية لان كل تغير يكون بمغير لا بعدمه و بنفي السلسلة المستقيمة نثبت حدوث العالم بعد ان لم يكن .
وبذلك يعلم اضطرارا ان الخالق ليس من هذه المواد المتغيرة التي كل منها من الاخر اصلا وانما يكون الخالق ليس منها . فلو كان منها لكان جزء من السلسة فلذلك هو خارج عنها ليس كمثله شيء.
ووجود التنظيم المتقن لكون يفتقر الى الثبات دليل على وجود من ثبتها على حالها . وهذا الذي ثبتها ليس القانون وحده لان القانون تابع للاجسام وموجود معها ويفنى بدونها وليس شرطا في وجودها . لان وجود شيء متجانس بشكل واحد لا يجعل تجاذب بينه وبين العدم فينفى قانون الجاذابية وهذا يدل ان القوانين تتبع الاجسام . ولا يدل على كل القوانين بل على بعضها .
ومن هنا جعلت العلوم التجريبية تحت العلوم العقلية المجردة . لان التجربة البحثية محكومة بشروط التجربة وبيئتها . لا بنتائجها .
فتبخر الماء النقي لا يعطي دليلا على ان الماء لا يتبخر الا بتلك الدرجة الا أذا جعلنا بيئة التجربة وعناصرها شرطل لكلامنا .
لذلك يقال ان الماء النقي يتبخر على درجة ماية مئوية تحت ضغط جوي واحد . لان تغير الضغط يغير درجة التبخر وتغير نقاء الماء يغير درجة التبخر .
فلذلك لا تعمم التجربة البحثية الا بوجود ظروف مطابقة لها والا فان ذلك ينسب للاصل بنسبة جعلت طرفا من معادلة المسألة .

مجدي
12-12-2005, 11:42 AM
من السابق علمنا ان الادلة اما للاثبات او النفي . ولكن هذه الادلة لا يجوز ان تكون الا على امور يقبل بها العقل دون نزاع لذلك سميت قطعيات . لان العقول السليمة لا تختلف فيها . ككلامنا عن الشمس وضؤها ومنازل القمر بالنسبة للشهور . ونزول المطر من الغمام من السماء وحاجة الانسان للطعام والشراب والهواء . وحتمية الموت لكل مخلوق .
وغيرها كثير مما لا تختلف فيه مع احد سليم العقل بل ان التشكيك بها قد يرمي الانسان في عقله .
ولكن المعضلة هنا في احتجاج الخص على خصمه بما يظنه قطعية ولا يعتبر كذلك . وفي هذه الحالة يجب على المعترض بيان وجه اعتراضه على جعل الامر ليس قطعية . ككلام الفلاسفة ان الشمس لم تنقص من كتلتها بدليل بقاء حالها كما هي . فرد عليهم الغزالي بان عدم ادراكنا لذلك لا يعني عدم حصوله لان النقص قد يكون يسيرا نسبة الى حجم الشمس.
فاستدلال الاول لم يكن بمحله فلا يصح بالنفي ولا بالاثبات .
وهذا ما اعترض عليه شيخ الاسلام من جعل الظنيات والمسميات الظنية التي لا يتفق على حقيقتها قطعيات ثم النقاش عليها وهو ما وضع من أجله كتاب درء تعارض صحيح المنقول وصريح المعقول , وبين رحمه الله ان الذي ينفى عنه التعارض هو مشروط . فان كان بالنسبة للنقل يشترط الصحة وان كان بالنسبة للمعقول اشترط ان يكون صريحا

فالادلة التي لا تتعارض يمكن اختارها فيما بينها . فالادلة العقلية القطعية لا تتعارض بينها . والا كان احد الدليلين غير قطعي . والادلة الشرعية الصحيحة لا تتعارض الا بكون احدهم غير صحيح .
وفي المداخلات القادمة ان شاء الله ابين كيف يحدث الفساد بالحوار والتلبيس على عقول الناس في ذكر امور ظنية وجعلها دليلا لنفي قطعيات لا خلاف لها .
وهو اساس قولهم بنسبية الحقيقة . والحقيقة اصلا لانسبية فيها اذليس بعدها اللاحقيقة .