جُنيد الله
06-28-2012, 08:34 PM
مخاطر الغلو في استخدام شعار "السلفية"
إن الاسم المحمود متى استعمل للتفريق، أو أدى إلى الصراع بين المسلمين يصبح من دعوة الجاهلية، روى أبو داود من حديث محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عبد الرحمن ابن أبي عقبة عن أبي عقبة، وكان مولى من أهل فارس أنه قال:" شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد فضربت رجلا من المشركين فقلت: خذها مني و أن الغلام الفارسي، فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال:" هلا قلت: خذها مني و أنا الغلام الأنصاري؟"[ قال الهيثمي في" مجمع الزوائد"{115/6}:" رواه أبو يعلى ورجاله ثقات".]
فهذا الصحابي حضه النبي صلى الله عليه و سلم على الانتساب إلى الأنصار، و إن كان بالولاء مع انه انتسب نسبة حق ليست محرمة، وهي كونه من أهل فارس.
ومع ذلك نقول:الانتساب إلى الاسم الشرعي يجب أن لا يكون سببا لمحنة الأمة و تفريقها، فإن الأمر المحمود إذا أفضى إلى مفسدة نهي عنه، روى الإمام مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر ـ رضي الله عنه، أنه قال:" اقتتل غلامان، غلام من المهاجرين و غلام من الأنصار، فنادى المهاجري: يا للمهاجرين، و نادى الأنصاري: يا للأنصار، فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال:" ما هذا؟ ، أدعوى الجاهلية ؟"، قالوا: لا يا رسول الله، إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر، فقال:" لا بأس لينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما، إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر، و إن كان مظلوما فلينصره".
فتبين أن الانتساب إلى المهاجرين و الأنصار الذين هم سلف الأمة انتساب محمود، وتداع إلى ما أمرنا شرعا بإتباعهم، مالم يفض إلى دعوى جاهلية و امتحان الآمة وتفريقها على مفاسد عظيمة.عن رسالتي"حكم الانتساب".
يكثر بعض الناس من استعمال شعار السلفية بكثافة في كل صغيرة و كبيرة، فلا يخلو لهم كلام أو بحث أو رسالة من هذا الشعار بمناسبة أو بغير مناسبة حتى في الخلافات الأكاديمية الدقيقة لا يتوانون عن استخدامه لإضفاء المصداقية و الأحقية عليها. ومعلوم أن الشعار الديني يأخذ كل بعده العملي في العقل و النفس لما يتمتع به من سلطة معنوية خاصة عند عوام الناس، فإن لم يترجم مدلوله عمليا أولم نجيد استعماله، كإخراجه عن إطاره من خلال تغطية الخطاب المفرط في التشدد و التصلب بهالة من التبجيل و التمجيد بهذا الشعار الديني، و مجاملة الذات به كـ "السلفية" و" أهل السنة" و" أهل الحق" و "الطائفة المنصورة" و "الفرقة الناجية" فسيتحول إلى الهوة التي سيجد فيها كل فكر أو دعوة تبحث عن الانتشار حتفها، لأننا سنولد نزاعا حول هذه الشعارات داخليا و خارجيا أي داخل الجماعة الواحدة ،وعلى مستوى الملة، قد يولد جماعات كثيرة تتنازع وتتجاذب هذه الشعارات و الرموز.
فهذه الشعارات تصبح متهاوية وساقطة و غير مؤثرة بحكم الممارسات الخاطئة كالتلاعب بها في تصفية النزاعات الشخصية بين أهل العلم ،أو التشدق بها، أو التلويح بها كسلاح يستعمل لإقصاء المخالف أو التهديد بها كما هو واقع و مشاهد في الساحة العلمية.
وعليه، فالإكثار من استخدام هذه الشعارات والغلو في مدلولاتها يبين مدى ما استغل بعض المسلمين قديما و حديثا هذه الرمزيات و الشعارات الدينية لأهداف غير شرعية حتى أصبحت عند بعض الأفراد ونتيجة لممارستهم المتعارضة مع مدلولاتها مجرد قوالب لغوية فارغة من المعاني ،لأن من عرف الحق رحم الخلق هذا إن عرفه بحق، و أما إذا لم تظهر الرحمة في علمه وكلامه و أفعاله، بل ظهر عليه التشدد و التصلب و الغلو في الذم و تصيد المثالب، فهذا يدلك على أنه لم يعرف الحق المعرفة الواجبة، قال ابن تيمية في "شرح الأصفهانية :" فإن من عرف حقائق أقوال الناس وطرقهم التي دعتهم إلى تلك الأقوال حصل له العلم والرحمة فعلم الحق ورحم الخلق، وكان مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذه خاصة أهل السنة المتبعين للرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم يتبعون الحق ويرحمون من خالفهم باجتهاده حيث عذره الله ورسوله، وأهل البدع يبتدعون بدعة باطلة ويكفرون من خالفهم فيها"
إن الإفراط الذي يظهره بعض الناس في استخدام هذه الشعارات و تزيين كلامهم بها قادهم حتما إلى التظاهر على أنهم الممثلون الصادقون و الوحيدون لأهل السنة و الجماعة، و بالتالي احتكار الكلام باسم الله ورسوله،لذلك لا تتجاوز مهمتهم العلمية إطار مراقبة غيرهم والانقضاض عليهم نقدا ونقضا وتجريحا متى اصطادوا ما يعتقدون انه خطأ في العلم أو المنهج.
و هذا الشعور الزائف لدى هذه الفئة من المسلمين و النابع من الارتكاز على الشعار الديني بدلا من الدليل العلمي، ولد لديهم عقدة التفوق و التعالي، و التي هي في الحقيقة عقدة نقص أمام كل خطاب علمي دقيق و نزيه ،لأن الفوقية العلمية من المفروض بها أن تدفعه إلى الانغماس في المجتمع في جميع مجالاته مادام يملك الحقيقة، ولكنه بخلاف ذلك انزوى على نفسه و تقوقع.
كذلك ساهمت هذه الشعارات التي يتزين بها هؤلاء في تشتيت أهل السنة و الجماعة و ضياع طاقاتهم العلمية و العملية في تجاذبها، ،وعندما تحولت إلى عقدة فوقية تكمن في نفوس هؤلاء أكسبتهم الجرأة والتهور للهجوم الشرس و العدواني على كل روافد أهل السنة و الجماعة، و قذعهم بأوصاف شتى، حتى أئمة الإسلام و أعلامه لم يسلموا منها، مما يدل على أن هذه الفئة تريد احتكار هذه الشعارات لصالحها، في حين هي ملك لكل المسلمين ،لا يقوم الإشكال في التغني بها بل في تقمص معانيها في الواقع.
إن الرموز و الشعارات الدينية التي لها قداسة عند الناس أدى استعمالها المفرط وبغير منهجية إلى إحداث نتائج عكسية لدى هذه الفئة من المسلمين.
فتغذية العقل بها باستمرار يجعلها تحل محل معيار الصدق في معارفنا،فتحل بدل العلم و أدلته، بل بدل النصوص الشرعية ، وتصير هي معيار الصدق،أي على أساسها يقبل القول أو يرد، فتؤثر في لا وعي المتلقي،خاصة إذا ما تم تحوير معناها و تضييق دلالاتها على طائفة أو جماعة معينة لخدمة أغراض هذه الطائفة المختلفة .
أي عندما يتم استخدامها في الدعوة، وفي الاختلاف العلمي مع الغير كسلاح لإقصائه و إحراجه بإثارة الناس عليه، هنا يصير المتغذي بها يشعر أنه الممثل الرسمي لمعاني هذه الشعارات ودلالاتها.
الشيخ مختار الطيباوي حفظه الله
يتبع إن شاء الله
إن الاسم المحمود متى استعمل للتفريق، أو أدى إلى الصراع بين المسلمين يصبح من دعوة الجاهلية، روى أبو داود من حديث محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عبد الرحمن ابن أبي عقبة عن أبي عقبة، وكان مولى من أهل فارس أنه قال:" شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد فضربت رجلا من المشركين فقلت: خذها مني و أن الغلام الفارسي، فالتفت إلي رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال:" هلا قلت: خذها مني و أنا الغلام الأنصاري؟"[ قال الهيثمي في" مجمع الزوائد"{115/6}:" رواه أبو يعلى ورجاله ثقات".]
فهذا الصحابي حضه النبي صلى الله عليه و سلم على الانتساب إلى الأنصار، و إن كان بالولاء مع انه انتسب نسبة حق ليست محرمة، وهي كونه من أهل فارس.
ومع ذلك نقول:الانتساب إلى الاسم الشرعي يجب أن لا يكون سببا لمحنة الأمة و تفريقها، فإن الأمر المحمود إذا أفضى إلى مفسدة نهي عنه، روى الإمام مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر ـ رضي الله عنه، أنه قال:" اقتتل غلامان، غلام من المهاجرين و غلام من الأنصار، فنادى المهاجري: يا للمهاجرين، و نادى الأنصاري: يا للأنصار، فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال:" ما هذا؟ ، أدعوى الجاهلية ؟"، قالوا: لا يا رسول الله، إلا أن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر، فقال:" لا بأس لينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما، إن كان ظالما فلينهه فإنه له نصر، و إن كان مظلوما فلينصره".
فتبين أن الانتساب إلى المهاجرين و الأنصار الذين هم سلف الأمة انتساب محمود، وتداع إلى ما أمرنا شرعا بإتباعهم، مالم يفض إلى دعوى جاهلية و امتحان الآمة وتفريقها على مفاسد عظيمة.عن رسالتي"حكم الانتساب".
يكثر بعض الناس من استعمال شعار السلفية بكثافة في كل صغيرة و كبيرة، فلا يخلو لهم كلام أو بحث أو رسالة من هذا الشعار بمناسبة أو بغير مناسبة حتى في الخلافات الأكاديمية الدقيقة لا يتوانون عن استخدامه لإضفاء المصداقية و الأحقية عليها. ومعلوم أن الشعار الديني يأخذ كل بعده العملي في العقل و النفس لما يتمتع به من سلطة معنوية خاصة عند عوام الناس، فإن لم يترجم مدلوله عمليا أولم نجيد استعماله، كإخراجه عن إطاره من خلال تغطية الخطاب المفرط في التشدد و التصلب بهالة من التبجيل و التمجيد بهذا الشعار الديني، و مجاملة الذات به كـ "السلفية" و" أهل السنة" و" أهل الحق" و "الطائفة المنصورة" و "الفرقة الناجية" فسيتحول إلى الهوة التي سيجد فيها كل فكر أو دعوة تبحث عن الانتشار حتفها، لأننا سنولد نزاعا حول هذه الشعارات داخليا و خارجيا أي داخل الجماعة الواحدة ،وعلى مستوى الملة، قد يولد جماعات كثيرة تتنازع وتتجاذب هذه الشعارات و الرموز.
فهذه الشعارات تصبح متهاوية وساقطة و غير مؤثرة بحكم الممارسات الخاطئة كالتلاعب بها في تصفية النزاعات الشخصية بين أهل العلم ،أو التشدق بها، أو التلويح بها كسلاح يستعمل لإقصاء المخالف أو التهديد بها كما هو واقع و مشاهد في الساحة العلمية.
وعليه، فالإكثار من استخدام هذه الشعارات والغلو في مدلولاتها يبين مدى ما استغل بعض المسلمين قديما و حديثا هذه الرمزيات و الشعارات الدينية لأهداف غير شرعية حتى أصبحت عند بعض الأفراد ونتيجة لممارستهم المتعارضة مع مدلولاتها مجرد قوالب لغوية فارغة من المعاني ،لأن من عرف الحق رحم الخلق هذا إن عرفه بحق، و أما إذا لم تظهر الرحمة في علمه وكلامه و أفعاله، بل ظهر عليه التشدد و التصلب و الغلو في الذم و تصيد المثالب، فهذا يدلك على أنه لم يعرف الحق المعرفة الواجبة، قال ابن تيمية في "شرح الأصفهانية :" فإن من عرف حقائق أقوال الناس وطرقهم التي دعتهم إلى تلك الأقوال حصل له العلم والرحمة فعلم الحق ورحم الخلق، وكان مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذه خاصة أهل السنة المتبعين للرسول صلى الله عليه وسلم فإنهم يتبعون الحق ويرحمون من خالفهم باجتهاده حيث عذره الله ورسوله، وأهل البدع يبتدعون بدعة باطلة ويكفرون من خالفهم فيها"
إن الإفراط الذي يظهره بعض الناس في استخدام هذه الشعارات و تزيين كلامهم بها قادهم حتما إلى التظاهر على أنهم الممثلون الصادقون و الوحيدون لأهل السنة و الجماعة، و بالتالي احتكار الكلام باسم الله ورسوله،لذلك لا تتجاوز مهمتهم العلمية إطار مراقبة غيرهم والانقضاض عليهم نقدا ونقضا وتجريحا متى اصطادوا ما يعتقدون انه خطأ في العلم أو المنهج.
و هذا الشعور الزائف لدى هذه الفئة من المسلمين و النابع من الارتكاز على الشعار الديني بدلا من الدليل العلمي، ولد لديهم عقدة التفوق و التعالي، و التي هي في الحقيقة عقدة نقص أمام كل خطاب علمي دقيق و نزيه ،لأن الفوقية العلمية من المفروض بها أن تدفعه إلى الانغماس في المجتمع في جميع مجالاته مادام يملك الحقيقة، ولكنه بخلاف ذلك انزوى على نفسه و تقوقع.
كذلك ساهمت هذه الشعارات التي يتزين بها هؤلاء في تشتيت أهل السنة و الجماعة و ضياع طاقاتهم العلمية و العملية في تجاذبها، ،وعندما تحولت إلى عقدة فوقية تكمن في نفوس هؤلاء أكسبتهم الجرأة والتهور للهجوم الشرس و العدواني على كل روافد أهل السنة و الجماعة، و قذعهم بأوصاف شتى، حتى أئمة الإسلام و أعلامه لم يسلموا منها، مما يدل على أن هذه الفئة تريد احتكار هذه الشعارات لصالحها، في حين هي ملك لكل المسلمين ،لا يقوم الإشكال في التغني بها بل في تقمص معانيها في الواقع.
إن الرموز و الشعارات الدينية التي لها قداسة عند الناس أدى استعمالها المفرط وبغير منهجية إلى إحداث نتائج عكسية لدى هذه الفئة من المسلمين.
فتغذية العقل بها باستمرار يجعلها تحل محل معيار الصدق في معارفنا،فتحل بدل العلم و أدلته، بل بدل النصوص الشرعية ، وتصير هي معيار الصدق،أي على أساسها يقبل القول أو يرد، فتؤثر في لا وعي المتلقي،خاصة إذا ما تم تحوير معناها و تضييق دلالاتها على طائفة أو جماعة معينة لخدمة أغراض هذه الطائفة المختلفة .
أي عندما يتم استخدامها في الدعوة، وفي الاختلاف العلمي مع الغير كسلاح لإقصائه و إحراجه بإثارة الناس عليه، هنا يصير المتغذي بها يشعر أنه الممثل الرسمي لمعاني هذه الشعارات ودلالاتها.
الشيخ مختار الطيباوي حفظه الله
يتبع إن شاء الله