المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مبحثٌ في إسلام عبد الله بن أبي بن سلول .. للنقاش



سليمان السيف
01-08-2006, 05:49 PM
هذا بحثٌ كتبه أحد أهل العلم رداً على من استنكر عليه قوله بإسلام عبد الله بن أبي ...

أرجو من الإخوة مناقشة أدلة البحث والنظر فيها ..


المرحلة الأولى في ذكر ورود الخلاف بين السلف فيها

لست أنا أول من يقول: عبد الله بن أبي ابن سلول مات مسلماً, وقد سبقني إلى هذا القول من هو خير مني ومنك بعلم السنة, ولكن أنا أعذرك – كثر الله خيرك – لأنك لم تخض في هذا البحر الخضم إلا لاعتقادك أن ما تعلمه أنت, وما تسمعه من محاضرات أشياخك, هو جماع علم السنة, وما بقي شيءٌ منه لنا

ويذكرني صنيعك هذا ما قاله الإمام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 7/35: ولكن من الناس من لا يعرف مذهب أهل العلم وقد نشأ على قول لا يعرف غيره, فيظنه إجماعاً, كمن يظن أنه إذا ترك الإنسان الجماعة وصلى وحده برئت ذمته إجماعاً, وليس الأمر كذلك, بل للعلماء قولان معروفان في إجزاء الصلاة, وفي مذهب أحمد فيه قولان: فطائفة من قدماء أصحابه - حكي عنه القاضي أبو يعلي في شرح المذهب, ومن متأخريهم كابن عقيل وغيره- يقولون: من صلى المكتوبة وحده من غير عذر يسوغ ذلك فهو كمن صلى الظهر يوم الجمعة, فإن أمكنه أن يؤديها في جماعة بعد ذلك فعليه ذلك, وإلا باء بإثمه كما يبوء تارك الجمعة بإثمه, والتوبة معروضة, وهذا قول غير واحد من أهل العلم, وأكثر الآثار المروية عن السلف من الصحابة والتابعين, تدل على هذا انتهى.

وهذا نفس ما وقعت عليه أنت, حيث ظننت أن موت عبد الله بن أبي كافراً مجمع عليه بين الأمة الإسلامية, وإليك من سبقني إلى القول بإسلامه قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري8/426: وقد مال بعض أهل الحديث إلى تصحيح إسلام عبد الله بن أبي, لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى عليه وذهل عن الوارد من الآيات والأحاديث المصرِّحة في حقه بما ينافي ذلك.. انتهى محل الغرض منه.

والحافظ يرى كفره كما ترى أنت, وما ألطف نقده وألينه.! حيث قال:"ذهل " أنت إنسان مفكر متحرك بالإرادة, فكر في نفسك هل هذه المسألة التي سبق الاختلاف فيها ممن هم خير منا بعلم السنة, مما تُسبِّب اختلاف القلوب, ورمي الأخوة في الدين وراء الظهر؟

المرحلة الثانية في ذكر أدلتي على إسلامه
والذي ذكرته قبل ذلك من تصحيح بعض أهل الحديث إسلامه, لتعلم أنت وأمثالك أني لست بدعا في هذه المسألة, وإلا فإني بحمد الله لا أقول في دين الله شيئاً وخاصة فيما يتعلق بالعقيدة مثل هذه المسألة ؛ تقليداً لغيري, وإنما اعتماداً على أدلة من الكتاب والسنة, وها هي أمامك:

الدليل الأول:

عن عروة بن الزبير, أن أسامة بن زيد أخبره, أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركب على حمار عليه قطيفة فدكية وأسامة وراءه, يعود سعد بن عبادة في بني حارث بن الخزرج قبل وقعة بدر, فسارا حتى مرا بمجلس فيه عبد الله بن أبي ابن سلول, وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي, فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين, والمشركين عبدة الأوثان, واليهود, وفي المسلمين عبد الله بن رواحة, فلما غشيت المجلس عجاجة الدابة خـمَّر ابن أبي أنفه بردائه وقال: لا تغبروا علينا, فسلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم, ثم وقف فنزل فدعاهم إلى الله, وقرأ عليهم القرآن, فقال له عبد الله بن أبي ابن سلول: أيها المرء! لا أحسن مما تقول إن كان حقاً, فلا تؤذنا به في مجالسنا, فمن جاءك, فاقصص عليه, قال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله, فا غشنا في مجالسنا, فإنا نحب ذلك, فاستبَّ المسلمون والمشركون, واليهود, حتى كادوا يتساورون, فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخفضهم حتى سكتوا, ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دابته.

فسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي سعد, ألم تسمع ما قال أبو حباب؟ يريد عبد الله بن أبي, قال كذا وكذا, فقال سعد بن عبادة: أي رسول الله! بأبي أنت, اعف عنه واصفح, فو الذي أنزل عليك الكتاب, لقد جاء الله بالحق الذي أنزل عليك, ولقد اصطلح أهل هذه البحرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة, فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك, شرق بذلك, فذلك فعل به ما رأيت, فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب كما أمرهم الله, ويصبرون على الأذى...

فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدراً, فقتل الله بها من قتل من صناديد الكفار, وسادة قريش, فقفل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه منصورين غانمين معهم أسارى من صناديد الكفار, وسادة قريش, قال ابن أبي ابن سلول ومن معه من المشركين عبدة الأوثان: هذا أمرٌ قد توجَّه, فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الإسلام, فأسلموا, رواه البخاري, ومسلم, انظر فتح الباري10/724-725(6207) وشرح النووي4/487-488(1798) .
في هذا الحديث فوائد كلها تدل على إسلام عبد الله بن أبي, بعضها صراحة وبعضها إشارة, فإليك بيانها:

الأولى:

قول أسامة:"وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي " فيه تصريح بأنه يرى إسلامه, وبالتالي أن عروة يرى إسلامه أيضاً, لأن أسامة ذكر هذا القول احترازاً من أن يتوهم عروة ردَّة عبد الله بن أبي بردِّه دعوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم, وإلا فلا معنى لذكر هذا القول في هذا المكان.

الثانية:

قول سعد بن عبادة:" أي رسول الله, بأبي أنت, اعف عنه واصفح فو الذي أنزل عليك الكتاب... إلى قوله: فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".
فيه: أن الرجل الصالح سعد بن عبادة بسبب اعتذاره لعبد الله بن أبي نفعه بأخذ بطاقة تصريح بعفو النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنه, لقول أسامة: " فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" , ولم يعف عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا بعد ما عرف سبب كلامه القبيح له ورده العنيف لدعوته, وهو ما ذكره له سعد من أن هذه أهل البحرة أي القرية - الأوس والخزرج - وهي مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, اتفقوا على أن يتوجوه, أي يلبسوه تاج الرئاسة عليهم, فرد الله هذه الرئاسة بسبب مجيء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم بالرسالة الخالدة, "غصَّ" أي حنق واغتاظ من أجل رد رئاسته التي كان على وشك من توليها.

إذن العفو من النبي صلى الله عليه وآله وسلم صدر من أجل هذه العلة, والحكم يدور حيث دارت العلة, أي يوجد كلما وجدت العلة, كما تقرر في الأصول, ومن هنا تعلم أن هذا العفو من هذا الرسول الكريم الرءوف الرحيم مستمر في حياة عبد الله بن أبي, كلما حصلت منه هفوة من الفعل أو الكلام, يعفو عنه للعلة نفسها, بحيث لا تؤثر هذه الهفوة في إيمانه, ويبقى نفاقه الذي عرف عنه سببه نفاقاً عملياً, كما يقولون: لما عرف السبب زال العجب, ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلاطفه ويلين له جانبه في كل معضلة تقع منه, ولا يعامله كما يعامل غيره في المعاقبة التي يستحقها, هذا هو سر عفوه من حد القذف الذي أقيم على مسطح وحمنة, وقد خاض الناس في توجيه تركه هذا الحد ولم يأتوا بطائل.

الثالثة:

قول عبد الله بن أبي ومن معه:" هذا أمرٌ قد توجَّه " أي ظهر وجه كونه حقاً, فيه: أنهم كانوا قبل ذلك مترددين في كون هذا الدين حقاً وأنه من عند الله, فلما تحققوا كونه حقاً بقرينة تغلبهم مع قلتهم وقلة عدتهم على عظماء قريش مع كثرتهم وكثرة عدتهم وشوكتهم المعروفة بين الناس في ذلك الحين, كشوكة أمريكا في هذه الأيام, فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الإسلام, بيعة نابعة عن علم اليقين فيما بايعوا من أجله.

الرابعة:

قول أسامة:" فأسلموا" . فيه تصريح بالمنطوق بإسلامهم عقيب تأكدهم بكون الإسلام حقا وأنه من عند الله, وواحدة من هذه الفوائد تكفي للدلالة على أن عبد الله بن أبي كان مسلماً قبل موته بزمان, فضلاً عن قول أسامة: " فأسلموا "بلفظ لا يقبل التأويل, ولم تثبت الأحكام الشرعية كلها التي نعمل بها في العبادات, والمعاملات إلا بمثل هذا التعبير الصريح في موضع النزاع الذي لا يحتمل إلا معنىً واحداً, إذ ليس فيه إجمالٌ فعليٌّ ولا حرفيٌّ, وإذا لم يدل مثل هذا اللفظ على الحكم الذي سيق من أجله, فلا ندري بأي لفظ ثبتت الأحكام كلها؟

وهذا الصحابي الجليل الذي عاش مع عبد الله بن أبي, وعرف مخرجه ومدخله, وعرف حالة مرضه وموته, وصلى عليه بعد موته, وطلب له المغفرة من الله في صلاته, يتحدث بإسلامه مع التابعين الذين لم يدركوا عصره, فمن لم يقنعه هذا بإسلامه فليتَّهِمْ عقله, فنعذر شُرَّاح هذا الحديث من قولهم: معنى" فأسلموا " أي أظهروا الإسلام, بمعنى أن مراد أسامة بقوله: فأسلموا, أظهروا الإسلام, نعذرهم لأنهم نشأوا على اعتقاد أنه كافر, وتلقوا ذلك عن مشايخهم, ودرجوا على ذلك, ولقَّنوا من جاء بعدهم ما تلقنوه ممن قبلهم, وهكذا يقلد بعضهم بعضا حتى ظنوا أنه نص من الكتاب والسنة, مع ما يقرؤنه في كتاب الله من العام الذي أريد به الخاص كما سيأتي تفصيله إن شاء الله.

والحكم لا يؤخذ إلا من المنطوق, ومراد الشخص مسكوتٌ عنه لا يعلمه إلا الله, ثم المسكوت عدمٌ محض كما قال الشافعي, فلا يستدل بالعدم على حكم موجود باتفاق العقلاء, ويحسن بنا أن نذكر هنا ما ردَّ به الشوكاني على من أوَّل بمثل هذا التأويل, في كتابه "وبل الغمام" حيث قال:
فالتعلق في مخا لفته - أي الدليل- بمجرد الرأي المحض والدعاوى البحتة, ليس من دأب المنصفين...فيا سبحان الله كيف يصدر مثل هذا ممن ينصب نفسه للكلام على الأدلة الشرعية, وهل يعجز أحد عن أن يقول مثل هذه المقالة في كل حجة شرعية ترد عليه,... فإذا ساغ لنا رد ما صرحوا برفعه بمجرد احتمال أنهم قالوه من عند أنفسهم لم تختص هذه الفاقرة ببعض ما رووه دون بعض, بل تكون عامة, وعند ذلك ينسد باب الدين والسلام. انتهى كلامه رحمه الله.

وكيف يقال هنا: أراد بقوله: "فأسلموا "أظهروا الإسلام؟ مع أنه يحدث التابعي بهذا التفصيل وبهذه الدقة, بالبداءة بما جرى في حياتهم الكفرية, ثم تقديم السبب الذي حملهم على الإسلام, ثم التصريح بإسلامهم, وهل عجز من أن يقول: أظهروا الإسلام, بدون أن يقدم له مقدمة وبدون أن يؤصل له تأصيلاً, إذا كان مراده إظهار الإسلام, اللهم غفرا.

وعلى كل حال, هذا الدليل مختبر كل من يدعي العمل بالدليل, ولا سيما صاحب الانتقاد الذي عدَّ نفسه من المدافعين عن السنة والمجاهدين من أجلها, كما صرح بذلك في أثناء انتقاداته, أقول له: هذه هي السنة أمامك كما رواها أسامة بن زيد, هل تستطيع أن تقبلها؟ وأنا على يقين أنه لو جاء كم هذا الحكم من الشيخ مقبل لقبلتموه ولسبحتم وكبرتم إعجاباً به, فأصبح الحق غريباً لا يعرف من حيث كونه من الكتاب والسنة, ومن حيث كونه حقاً, وإنما من حيث كونه ممن يعرفونه الذي لا يختلف شأنه ممن لا يعرفونه, قلَّ أن تجد متمسكاً بالكتاب والسنة, بدون أن تعصفه عواصف التعصب لشيخ ، أو مذهب, أو حزب, أو حب للظهور, أو خوف لوم الأصحاب ولله الأمر من قبل ومن بعد.

الدليل الثاني
قوله تعالى:{ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } ووجه الاستدلال بهذه الآية على كونه مسلماً قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : "لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت بها", هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم إسلامه, وإلا فالكافر لا ينفعه الاستغفار الكثير ولو ملأ الأرض والسموات .

وفعلاً طول القيام على جنازته, قال الحافظ رحمه الله: ودلَّ ذلك على أنه صلى الله عليه وآله وسلم أطال في حالة الصلاة عليه من الاستغفار له, وقد ورد ما يدل على ذلك, فذكر الواقدي أن مجمع بن جارية قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أطال على جنازة قط ما أطال على جنازة عبد الله بن أبي من الوقوف .. انتهى.
تأملوا- بارك الله فيكم - هذا التطويل في الصلاة عليه والاجتهاد في الاستغفار له هل من المعقول أن يفعله للكافر؟ من أجل تفريح خاطر ولده, وتأليف قلوب قومه!! ألا يكفي أن يصلي عليه صلاة عادية كصلاته على من مات من أصحابه, لو كان المقصود من أجل ما ذكر؟!

ثم من هم هؤلاء الذين يؤلف قلوبهم؟ إن كانوا كفاراً فلا يبالوا بصلاته عليه, وإن كانوا مسلمين مثل سعد بن عبادة, فيحبون ما يفعله الرسول حتى لو قطَّعه إرباً إرباً .

وأما قوله: فلن يغفر الله لهم, فلا يدل على الكفر, وعدم المغفرة لا يستلزم الكفر, لأن عصاة المؤمنين كلهم تحت مشيئة الله, إن شاء غفر لهم, وإن شاء عذَّبهم, وكل مؤمن يعذب فلم يغفر له.
وأما قوله تعالى في آخر الآية{ ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله } فنزولها متأخر عن أول الآية, قال الحافظ رحمه الله: ولعل هذا هو السر في اقتصار البخاري في الترجمة من هذه الآية على هذا القدر إلى قوله:{ فلن يغفر الله لهم } ولم يقع في شيء من نسخ كتابه تكميل الآية كما جرت به العادة من اختلاف الرواة عنه في ذلك..
وإذا تأمل المتأمل المنصف وجد الحامل على من ردَّ الحديث أو تعسَّف في التأويل ظنه بأن قوله:{ ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله } نزل مع قوله:{ استغفر لهم } أي نزلت الآية كاملة, لأنه لو فرض نزولها كاملة لا قترن بالنهي العلة, وهي صريحة في أن قليل الاستغفار وكثيره لا يجدي, وإلا فإذا فرض ما حررته أن هذا القدر نزل متراخيا عن صدر الآية ارتفع الإشكال انتهى.

قال ... عفا الله عنه: هذا من عناية الله بعبد الله بن أبي, سبق نزول الآية التي تنص بالنهي عن الاستغفار قليلاً كان أو كثيراً وهذا دليل صريح بكونه مسلماً, من سبقت له العناية لا تضره الشكاية.

الدليل الثالث

قوله تعالى:{ ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } ووجه الاستدلال بهذه الآية, اقتران العلة بالنهي عن الصلاة عليهم, وهي كفرهم بالله ورسوله، وهذا نص بأن من مات كافراً بالله ورسوله, لا تجوز الصلاة عليه, وهذا دليل صريح بأن عبد الله بن أبي مسلم, وإلا فما كان ليصلي عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأن الحكم يدور مع علته ولا يفارقها.

ومن عناية الله به نزلت هذه الآية بعد انتهاء الصلاة عليه, والعجب كل العجب عدم انتباه كل من استدل على كفره بهذه الآية, لهذه العلة المقترنة بالنهي التي تقطع النزاع وتقضي عليه, وإلا فما كانوا يتكلفون, بل وما كانوا يتعسفون, حيث قالوا: إنه داخل في هذا النهي, مع أن الآية تأبى من هذا التعسف من وجوه:

الأول: ما قدمته من اقتران العلة بالنهي.

الثاني: أن النهي من أقسام الإنشاء, وموضوع الإنشاء : المستقبلُ بإجماع علماء الوضع, إذا قلت: لا تضرب زيداً, معناه : طلب منك أن لا تضرب زيداً في الزمن الذي يأتي بعد هذا الطلب, ووجود المطلوب يتأخر مجيئه عن وجود الطلب ، وزمن وجود صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على عبد الله بن أبي سبق زمن وجود الطلب أي النهي عن الصلاة عليهم ولم يتأخر عنه, فلا أدري كيف خفي هذا المعنى على هؤلاء العلماء, مع ظهوره؟

ولو كان عبد الله بن أبي كافراً, لقال: لم صليت عليه؟ كما قال: عفا الله عنك لم أذنت لهم والحاصل لا يقال: لا تصلِّ على فلان بعد ما انتهى عن الصلاة عليه, ومن أجل انتباه الباقلاني, وإمام الحرمين ، والغزالي لهذا السر ادعوا عدم صحة حديث صلاة النبي عليه مع كونه في الصحيحين.

الثالث:

" من " في قوله:" منهم " للتبعيض, مما يدل على أن هذه الآية لا تعم كل المنافقين فضلا عن عبد الله بن أبي, وقال الحافظ رحمه الله في فتح الباري 8/428: ظاهر الآية أنها نزلت في جميع المنافقين, لكن ورد ما يدل على أنها نزلت في عدد معين منهم قال الواقدي: أنبأنا معمر عن الزهري قال: قال حذيفة: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:" إني مسر إليك بسر فلا تذكره لأحد, إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان, رهط ذوي عدد من المنافقين, قال: فلذلك كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة, فإن مشى معه, وإلا لم يصلِّ عليه ))
ومن طريقة أخرى عن جبير بن مطعم: أنهم اثنا عشر رجلا.

قلت: يشهد له ما في صحيح مسلم, عن أبى الطفيل قال: كان بين رجل من أهل العقبة, وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس, فقال: أنشدك بالله, كم كان أصحاب العقبة؟ قال: فقال القوم: أخبره إذ سألك, قال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر, فإن كنت أنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر, وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد, وعذر ثلاثة الحديث.
شرح النووي 6/269 (2779)

قول الحافظ:" ظاهر الآية أنها نزلت في جميع المنافقين " غير ظاهر, بل الظاهر أنها تدل على عدم العموم, من أجل من التبعيضية, إلا أنهم لا يذكرون ذلك لاعتقادهم أنها نزلت في جميع المنافقين, فلله الحمد على ما هدى وأنعم وعلَّم.
والعقبة غيرالعقبة التي بمنى, وإنما هي عقبة أخرى على طريق تبوك اجتمع فيها المنافقون للغدر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك فعصمه الله منهم.

الدليل الرابع

صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته معه, كما في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: لما توفي عبد الله بن أبى جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاه قميصه, وأمره أن يكفنه فيه, ثم قام يصلي عليه, فأخذ عمر بن الخطاب بثوبه فقال: تصلي عليه وهو منافق وقد نهاك الله أن تستغفر لهم؟ قال: إنما خيرني الله أو أخبرني الله فقال:{ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } سأزيده على سبعين, قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصلينا معه ...الحديث, متفق عليه ،وهذا لفظ البخاري, فتح الباري 8/ 428 (4672). شرح النووي 6/266(2774).

والمقصود الأعظم من الصلاة على الميت :الاستغفارُ له والشفاعة له, والكافر ليس أهلاً للاستغفار ولا للشفاعة, ومن هنا فالصلاة عليه دلت على كونه مسلماً, وقد نُهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الاستغفار للمشركين بعشر سنوات تقريباً قبل موت عبد الله بن أبي, عندما أراد أن يستغفر لعمه أبي طالب, فنزل قوله تعالى:{ ما كان لنبي والذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربي من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } رواه البخاري ، فتح الباري 8/432 (4675).

وكيف يظن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يفعل ما نهاه الله؟ أليس هذا من إساءة الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟

بل الصلاة على الميت عبادة شرعية لا يمكن أن يقدم على هذه العبادة إلا بإذن من الله, لقوله تعالى:{ إن أتبع إلا ما يوحى إلي } ونحوها من الآيات, وإذا لم تدل صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ميت على كونه مسلماً, فلا يوجد دليل على إثبات حكم من الأحكام أصرح من هذا الدليل, ومن قبل الأدلة الأخرى في كل حكم يعمل به فيلزمه أن يقبل هذا, وإلا فيكون كمن قال: نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعض .!

ومن عجائب أهل الرأي قولهم: إنما صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تكريماً لولده, وتأليفاً لقلوب الآخرين, يا عجبا .! يكرم ولد الكافر بالصلاة على والده الكافر, والولد نفسه يعلم أن هذه الصلاة لا تنفع والده الكافر, وهذا الفعل يتنزه منه مشايخ هذا العصر من أن يفعلوه مع أحد طلابهم إذا مات والده الكافر, ولا الطالب يرضى بذلك, وكيف برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي لا يفعل شيئاً من الدين إلا بوحي من الله, ولا الصحابي يفرح بهذه الصلاة التي لا تنفع والده, ولا بفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك, لأن هذا فعل أشبه ما يكون بفعل من يعلل الطفل الصغير بشيء يلعب به..

وكيف يؤلف قلوب الناس بارتكاب ما نهاه الله .! والله إن هذا لشيءٌ عجاب .!

وكيف يتركون الدليل الظاهر الصريح, ويعتمدون على ما لا يعلمه إلا الله, وهو مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي افترضوه, وهو لم يخبر بأنه صلى عليه إكراماً لولده, وتأليفاً لقلوب الآخرين, ولا أخبر بذلك أحد من صحابته الذين صلوا معه .!

وقال بعضهم: إنما صلى عليه, إجراءً عليه أحكامَ الإسلام الظاهرة, يعني أنه مسلم ظاهراً, فصلى عليه من أجل ما أظهره من الإسلام ، وهذا أيضاً فيه تكلُّفٌ بل تعسف بغير ضرورة تدعو إلى ذلك, وإذا عرفنا أن ظاهره الإسلام, فما أدرانا بما أبطنه من الكفر؟!

ونحن لا نُسأل بما أبطنه الشخص, وإنما بما أظهره, ولهذا لما قتل أسامة بن زيد رجلا بعد ما قال: لا إله إلا الله, قال له الرسول: يا أسامة أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قال: قلت يا رسول الله, إنه إنما كان متعوِّذاً, قال: قتلته بعد ما قال لا إله إلا الله؟ قال: فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.. متفق عليه.البخاري(6872), ومسلم(96) وهذا لفظ البخاري وفي لفظ لمسلم(( أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا)).
قال النووي رحمه الله: فيه: دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر, والله يتولى السرائر ..انتهى .

ونقل الحافظ عن القرطبي قوله: وفيه دليل على ترتب الأحكام على أسبابه الظاهرة دون الباطنة .. انتهى.
هذه القاعدة التي قرروها هنا, نسوها هناك في الصلاة على عبد الله بن أبي, والقول: نعمل بالظواهر, عندنا نحن البشر, وأما من يوحى إليه فيعمل بالظاهر والباطن معا وخاصة فيما يتعلق بالعبادة مثل الصلاة .

ومثل حديث المتقدم , حديثُ أبي سعيد الخدري في قول ذي الخويصرة: يا رسول الله اتق الله, قال: ويلك, أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟ قال: ثم ولى الرجل, قال خالد بن الوليد: يا رسول الله, ألا أضرب عنقه؟ قال: لا, لعله أن يكون يصلي, فقال خالد: وكم من مصلِّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه, قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم.. متفق عليه البخاري(4351) مسلم(1064).

ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: لم أو مر أن أنقب قلوب الناس: ولسان حال هؤلاء المشايخ يقول: نحن أمرنا أن ننقب قلوب الناس, وهكذا سائر الأحكام لا يعمل بها إلا بالظاهر, وما في نفس الأمر الذي خفي عنا لا يعلمه إلا الله, فلا نطالب به, بل لم يؤذن لنا أن نبحث عنه, وإنما نقف حيث وقف النص ..والله ولي التوفيق.

وقبل أن أضع قلمي عن هذا الموضوع أوجِّه سؤالاً لكل من يدعي اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لو افترضنا أنكم كنتم في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل كنتم تصلون وراءه مع الصحابة على جنازة عبد الله بن أبي أو تتأخرون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بادعاء أنه كافر؟!

وإذا كان الجواب نصلي عليه, وهو كذلك إن شاء الله, نسأل سؤالاً آخر وهو هل تقولون في صلاتكم عليه: اللهم العنه وأبعده عن رحمتك, أو تقولون: اللهم اغفر له وارحمه... لأن الصلاة على الجنازة لم تشرع إلا للدعاء للميت ولهذا سميت صلاة. وإذا كان الجواب: نقول اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه الخ, فالشيء المشروع في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ما الذي نسخه بعد موته؟

الدليل الخامس

حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته, فأمر به, فأخرج, فوضعه على ركبتيه, ونفث عليه من ريقه, وألبسه قميصه .. فالله أعلم. متفق عليه, واللفظ للبخاري, فتح الباري3/273(1350) شرح النووي 6/266(2773).

لا أقول هنا : هذا دليل على إسلام عبد الله بن أبي كما كنت أقوله قبل ذلك, وإنما أقول: هذه فضيلة جليلة, وكرامة منيفة لعبد الله بن أبي رحمه الله وسامحه, لأنها تجاوزت كونها دليلاً على إسلامه بمراحل, وهذه لم ينلها أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين ماتوا وصلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الإطلاق.
وريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ما كان يسقط على الأرض وصحابته موجودون معه, وكانوا يتسابقون إليه ويبتدرونه بأيديهم ويمسحون به أجسادهم, وقد فاز به عبد الله بن أبي ابن سلول المدني بعد موته, فيُخرج من قبره فيوضع على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشريفتين, فيتفل عليه ويدعو له, وهذا حقاً بشارة لسعادته الأبدية التي كتبت له وهو في بطن أمه, والعجب أن كل من يرى كفره من شُرَّاح الحديث تكلفوا بل تعسفوا بتوجيه الصلاة عليه كما تقدم آنفاً, وسكتوا ولم يبدوا آراء هم المألوفة في هذا المكان, كأن علاجه أعياهم, وهو كذلك فلا يجدون له علاجاً إلا أن يقولوا: إنه مسلم, ولكن كما كان يقول لي شيخي العلامة محمد نور الإثيوبي رحمه الله:" كلُّ داءٍ أبوه التقليد " التقليد قيد أشد من قيد الحديد, وأما الحافظ ابن حجر رحمه الله فما وسعه إلا أن يقول: في هذا الحديث دلالة على الجواز- يعني جواز إخراج الميت عن القبر- إذا كان في نبشه مصلحة تتعلق به من زيادة البركة له.. انتهى.
يا سبحان الله, أي بركة تكون للكافر والحافظ رحمه الله يرى كفره؟ والبركة الزيادة والنماء في الخير وثبوته, وأي خير يزاد للكافر؟ وهل له خير مقدم حتى يزاد عليه آخر؟!

وفي الصلاة عليه قالوا: إكراماً لولده, وتأليفاً لقلوب قومه, فماذا يقولون هنا؟ وقد تجاوز حد ما يكرم به ويؤلف به..!!
والسؤال الآن للموجودين معنا في قيد الحياة, هل تعتقدون أن رسول الله يخرج جيفة الكافر من القبر فيضعها على فخذيه الشريفتين؟ ولماذا؟ ولأي مصلحة دنيوية أو أخروية؟ وإذا كان هذا لا يدل على إسلامه, فلا أدري بأي دليل يُستدل على إثبات المطلوب؟ وهذا الفعل ليس مما يؤلف به قلوب المنافقين, وإنما مما يغبطه فيه عباد الله الصالحون.
وأنا أتعجب من علمائنا الذين يحرصون كل الحرص على إثبات موته كافراً وخلوده في النار بدون أن يكون لهم دليل صريح على ذلك هل هو حسد؟ أو هو إحسان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وغضب عليه من أجل أنه آذاه أذية يعرفها الإنس والجن؟ والجواب الصحيح أنه الثاني, نقول لهم: رسول الله الذي أصابته أذيته هو الذي عفا عنه كما تقدم, وهو الذي اجتهد له بالدعاء والاستغفار كما تقدم, وهو رءوف رحيم بأمته, هو الذي كان يقول للمشركين الذين آذوه أكثر من أذية عبد الله بن أبي: " اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون ", وهو صلى الله عليه وآله وسلم يعذر بالجهل, ثم إن الأعمال بالخواتم, والذي لا يعلم بماذا ختم الله له فيكتفي بما صح عنده من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, وصحابته الذين شهدوا موته وخاصة ولده الذي طلب من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة عليه بعد موته, وأصغر طلبة العلم اليوم يتنزه من أن يقول لشيخه صلِّ على والدي وهو يعلم موته كافراً, فضلاً عن هذا الصحابي الذي شهد المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

المرحلة الثالثة في ذكر أدلة من يرى كفره

الدليل الأول:

قوله تعالى:{ ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } هذا الدليل هو أصرح وأنفع دليل على كفره عندهم, فوهموا في ذلك, وهو من أصرح وأنفع دليل على إسلامه, ولهذا ذكرناه دليلاً لنا, وذكرنا مباحثه في الدليل الثالث فارجع إليه.

الدليل الثاني:

ذكر كفر المنافقين عامة في القرآن, مثل قوله تعالى:{ لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم... } الآية, ومثل قوله:{ ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون }.
الجواب: بالنسبة للآية الأولى, لم يدخل فيها عبد الله بن أبي, لأنها نزلت في الذين تجمَّعوا في العقبة لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رجوعهم من غزوة تبوك, وعبد الله بن أبي لم يخرج في هذه الغزوة, وبالنسبة للآية الثانية, وأمثالها, الجواب من وجهين:

الأول:

الخطاب الموجه إلى جماعة من الناس على هيئة الجمع لا على كل فرد فرد ؛ تناوله جميعَهم فرداً فرداً محتملٌ, وليس صريحاً, لأن الخطاب قد يوجه إلى الناس على هيئة الجمع مراداً به بعض أفرادهم ؛ لنكتة بلاغية, كما تقرر عند أهل اللغة وأرباب الأصول, يقال له عام أريد به الخاص, وإذا وجد دليل أو قرينة تخرج بعض الأفراد منهم فيصار إليه وجوباً, وإلا فيكون حكماً بما لم ينزل الله به سلطاناً, والسلطان كتاب الله, وسنة رسوله.

وعلى سبيل المثال قوله تعالى:{ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله...} الآية, هذا الخبر من الله موجه إلى أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ عام, والذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر, أقل قليل منهم, ومثل قوله تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله أثقلتم إلى الأرض...} الآية, هذا العتاب موجه بصيغة تعم جميع المؤمنين, والذين اثاقلوا من المؤمنين لا يتجاوزون ثلاثة, ومثل هذا كثير في الكتاب والسنة, ومما يدلك على أن هذه الآيات التي يستدلون بها على كفره, مما يقال له عام أريد به الخاص, ما تقدم في الدليل الثالث من أدلتنا, أن الكافرين من المنافقين الذين نُهي عن الصلاة عليهم اثنا عشر فقط وعبد الله بن أبي ليس منهم, وبهذا بطل استدلالهم بهذه العمومات.

الثاني:

أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلت عليه هذه الآيات التي يستدلون بها على كفره, وهو أعلم بمدلولاتها, ومع ذلك لم يستدل بها على كفره, فعندما قال الله له:{ إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } قال: سأزيده على سبعين, يعنى سأزيد عبد الله ابن أبي خاصة على سبعين استغفاراً, إذن لم يجد في هذه الآيات دلالة على كفره, وإلا فلا يعاند الله بالاستغفار للكافر, وقد نهي عنه قبل ذلك كما تقدم بالتفصيل في الدليل الثالث, وبهذا ألغي الاستدلال بتلك الآيات مرة واحدة, ولا يجوز الاستدلال بما ترك الرسول الاستدلال به, هذا واضحٌ كوضوح شمس النهار, لمن تحرَّرَ عما أَلِفَه :
قد تُنكِرُ العينُ ضوءَ الشَّمسِ من رمدٍ
وينكِرُ الفمُّ طعمَ الماءِ من سقمِ.
الدليل الثالث

استدلوا بقول عمر رضي الله عنه : "إنه منافق", قالوا: أقرَّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قوله: منافق.
وأنا أتعجب من استدلال بعض أهل العلم بمثل هذا على كفر الشخص ، أقل ما يقال فيه: أمره مشتبه, إذا كان إقرار النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليلاً على كفره, فلماذا لا يكون فعله دليلاً على إسلامه, من باب أولى, والتقرير درجته بعد درجة الفعل.

وأما لبُّ القضية ؛ فكونه منافقاً لا يختلف فيه اثنان ، كما أن انقسام النفاق إلى قسمين لا يختلف فيه اثنان ، نفاق عملي لا يخرج عن الملة, ونفاق اعتقادي يخرج عن الملة, وقول عمر "إنه منافق" لا يستلزم كفره, وقد قال في حاطب بن أبى بلتعة الذي شهد بدرا: "دعني أضرب عنق هذا المنافق", فلم يقل أحد من هؤلاء: حاطب بن أبى بلتعة كافر لقول عمر له: منافق, وإذا كان الأمر كذلك فننظر: هل نفاق عبد الله بن أبى نفاق عملي لا يخرجه عن الملة, أو نفاق اعتقادي يخرج عن الملة ..!

والذي بلغنا بالتواتر عن الذين عاشوا معه ورأوا أفعاله, أنها كانت أفعال أهل النفاق, وهذا الذي يجب علينا أن نعتمده, وأما النفاق الإعتقادي فهذا سر بينه وبين ربه, لا يعلمه إلا الله, وإلا من يوحي إليه الله, وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, فلم يذكر الله في كتابه عبد الله بن أبى بخصوصه بالكفر, ولم يذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالكفر, بل لم يذكره أحد من الصحابة بالكفر, بعد أن أسلم لا في حياته ولا بعد موته فإذا كان الأمر كذلك فطريق معرفة كفره مسدود أمامنا سداً محكماً أشد إحكاماً من سد ذي القرنين, فنسأل هؤلاء المكفرين له ابتداء من صاحب النقد الذي أثار هذا الموضوع, من أي طريق بلغكم كفره؟ أليس الأحوط الوقوف حيث وقف النص بدون تجاوزه إلى غيره ؟!

سليمان السيف
01-11-2006, 10:27 AM
إخواني

هل من مجيب..؟!!

ابو مارية القرشي
01-11-2006, 11:18 AM
الحمد لله وبعد،
فيا أخي الكريم ليس كل من سوّد الصفحات يرد عليه ، بل كثير منهم يسري عليهم" حكاية قوله يغني عن رده" فبحث هذا الرجل باطل ويخشى على صاحبه من الهلكة والوقوع في المحذور والواجب عليه المسارعة الى التوبة.

الكاتب يجهل مسائل الأسماء و الأحكام جهلا عظيما فأصل المسألة ان المنافق يعامل على ما يظهر من إسلام فتسري عليه أحكام الإسلام كلها ، فإن بان نفاقه سرت عليه أحكام الكفر وقد يظهر نفاقه لبعض ويخفى عن الجمهور فينظر حينها في المصالح والمفاسد و يتعامل معه وفقها.
الرسول صلى الله عليه وسلم ترك قتل ابن أبي سلول لان ظاهره الإسلام وهذا ما يظنه الناس فكانت المصلحة ترك قتله حتى لا يتحدث الناس أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه وبقيت أحكام الإسلام الظاهر تسري عليه ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم كفره و نفاقه وصلى عليه اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم ، فإذا كانت أحكام الإسلام سارية عليه في حياته فلمَ لا تسري عليه بعد مماته (المقصود أحكام الغسل و الصلاة و التكفين والدفن)؟ فنزلت الآيات الكريمات مبينة أن المنافق المعلوم النفاق لا يصلى عليه ، قال تعالى:"ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون "
قال ابن كثير:
أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبرأ من المنافقين وأن لا يصلي على أحد منهم إذا مات وأن لا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له لأنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا عليه وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه(التفسير:498\2)
يقول عمر:فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله عز وجل.


وفي الختام أقول للاخ السائل: العمر أثمن من أن يضيع في قراءة هذه البحوث السقيمة المخالفة لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف رضي الله عنهم.

سليمان السيف
01-12-2006, 07:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وبعد

شكر الله لك أخي الكريم على مرورك وتعليقك ..

وأحبُّ أن ألفت نظرك إلى أن الضعف في البحث السابق أو بطلانه لا يمنع من الرّد على صاحبه وحلِّ إشكالاته وردِّ شبهاته ..

فأنتم أخي الكريم هنا تردون على الملاحدة واللادينيين ؛ فضلاً عن رأيٍ كتبه أحد أهل العلم ممن لو ذكرتُ لك اسمه وعرَّفتُ به ؛ لما ظننتك تجهله ..

المهم أخي العزيز : الباحث استند في بحثه على الأدلة من الكتاب والسنة ، وغاية ما نريده هو هدايته إن كان مخطئاً بردِّ جميع إشكالاته ..

ولذا أحبُّ منك أن تبيَّن الآتي :

إن قلتَ بأن ابن أبي كان كافراً في اعتقاد نبينا محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلَّم ؛ فما حلُّ إشكالية الصلاة عليه وهي متضمنة الاستغفار الذي هو منهيٌ عنه في حقِّ الكفار قطعاً .؟!!

فإجراء الأحكام على الظاهر لا ينبغي أن يُقحم فيه ما هو منهيٌ عنه الشخص شرعاً وباستطاعته تركه .. والاستغفار للمشركين منهيٌ عنه منذ زمنٍ بعيدٍ لوفاة ابن أبي ..!!

ومع ذلك فعله عليه الصلاة والسلام ..!! بل ورد أنه قال في خصوص النهي عن الاستغفار نفسه : سأزيده على السبعين ..!!

فإن دلَّ هذا على شيءٍ فإنما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يعتقد نفاقه النفاق الأكبر ، أو أنه كان يرجو أن يغفر الله له ؛ ولذا اجتهد في الاستغفار له وأطال الصلاة عليه ..!!

وهو واضحٌ في أنه لم يكن يعتقد كفره ؛ إذ هو عليه الصلاة والسلام لا يُتصور منه قطعاً أن يستغفر لكافرٍ وقد نُهي عنه في حق عمه أبي طالب وأمه آمنة ..

فهل بالإمكان القول بإنه رجا أن يغفر الله له ، وأن نفاقه لم يبلغ حدَّ إخراجه من الملة..؟!!

أرجو أن تقتطع من وقتك ، وتحتسب الأجر عند ربك لمباحثة أدلة الكاتب وتوجيهها .. بارك الله فيك ..

مجدي
01-12-2006, 08:00 PM
أخي سليمان : صلاة النبي عليه انما ليعلمنا ان نعامل الناس بالظاهر . اما اذا اعلن الكفر فالامر يختلف .
القصد أخي ان هذا البحث علم لا ينفع الا بالنحوا الذي نستفيد منه في ديننا .
واليك كلام ابن كثير فهو مفيد :

أَمَرَ اللَّه تَعَالَى رَسُوله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبْرَأ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَأَنْ لَا يُصَلِّي عَلَى أَحَد مِنْهُمْ إِذَا مَاتَ وَأَنْ لَا يَقُوم عَلَى قَبْره لِيَسْتَغْفِر لَهُ أَوْ يَدْعُو لَهُ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَمَاتُوا عَلَيْهِ وَهَذَا حُكْم عَامّ فِي كُلّ مَنْ عُرِفَ نِفَاقه وَإِنْ كَانَ سَبَب نُزُول الْآيَة فِي عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ بْن سَلُول رَأْس الْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيّ : حَدَّثَنَا عُبَيْد بْن إِسْمَاعِيل عَنْ أَبِي أُسَامَة عَنْ عُبَيْد اللَّه عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ جَاءَ اِبْنه عَبْد اللَّه اِبْن عَبْد اللَّه إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيه قَمِيصه يُكَفِّن فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَامَ عُمَر فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه تُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاك رَبّك أَنْ تُصَلِّي عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّه فَقَالَ " اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِر لَهُمْ إِنَّ تَسْتَغْفِر لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّة فَلَنْ يَغْفِر اللَّه لَهُمْ " وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ " قَالَ إِنَّهُ مُنَافِق . قَالَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ آيَة " وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْره " وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِم عَنْ أَبِي بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة عَنْ أَبِي أُسَامَة حَمَّاد بْن أُسَامَة بِهِ . ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيّ عَنْ إِبْرَاهِيم بْن الْمُنْذِر عَنْ أَنَس بْن عِيَاض عَنْ عُبَيْد اللَّه وَهُوَ اِبْن عُمَر الْعُمَرِيّ بِهِ . وَقَالَ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَأَنْزَلَ اللَّه " وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا " الْآيَة . وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد الْقَطَّان عَنْ عُبَيْد اللَّه بِهِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيث عُمَر بْن الْخَطَّاب نَفْسه أَيْضًا بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا فَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا يَعْقُوب حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ اِبْن إِسْحَاق حَدَّثَنِي الزُّهْرِيّ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ سَمِعْت عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ يَقُول : لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ دُعِيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَامَ إِلَيْهِ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيد الصَّلَاة تَحَوَّلْت حَتَّى قُمْت فِي صَدْره فَقُلْت يَا رَسُول اللَّه أَعَلَى عَدُوّ اللَّه عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ الْقَائِل يَوْم كَذَا وَكَذَا وَكَذَا - يُعَدِّد أَيَّامه - ؟ قَالَ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسَّم حَتَّى إِذَا أَكْثَرْت عَلَيْهِ قَالَ " أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَر إِنِّي خُيِّرْت فَاخْتَرْت قَدْ قِيلَ لِي " اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ " الْآيَة . لَوْ أَعْلَم أَنَّى لَوْ زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْت " قَالَ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ : وَمَشَى مَعَهُ وَقَامَ عَلَى قَبْره حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ قَالَ فَعَجِبْت مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّه وَرَسُوله أَعْلَم . قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا كَانَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ " وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا " الْآيَة . فَمَا صَلَّى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْده عَلَى مُنَافِق وَلَا قَامَ عَلَى قَبْره حَتَّى قَبَضَهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن إِسْحَاق عَنْ الزُّهْرِيّ بِهِ وَقَالَ حَسَن صَحِيح وَرَوَاهُ الْبُخَارِيّ عَنْ يَحْيَى بْن بُكَيْر عَنْ اللَّيْث عَنْ عُقَيْل عَنْ الزُّهْرِيّ بِهِ فَذَكَرَ مِثْله وَقَالَ " أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَر " فَلَمَّا أَكْثَرْت عَلَيْهِ قَالَ " إنِّي خُيِّرْت فَاخْتَرْت وَلَوْ أَعْلَم أَنَّى إِنْ زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْت عَلَيْهَا " قَالَ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اِنْصَرَفَ لَمْ يَلْبَث إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَة " وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْره " الْآيَة . فَعَجِبْت بَعْد مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَم . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد حَدَّثَنَا عَبْد الْمَلِك عَنْ أَبِي الزُّبَيْر عَنْ جَابِر قَالَ : لَمَّا مَاتَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ أَتَى اِبْنه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنَّك إِنْ لَمْ تَأْتِهِ لَمْ نَزَلَ نُعَيَّر بِهَذَا فَأَتَاهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَهُ قَدْ أُدْخِل فِي حُفْرَته فَقَالَ " أَفَلَا قَبْل أَنْ تُدْخِلُوهُ ؟ " فَأُخْرِجَ مِنْ حُفْرَته وَتَفَلَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقه مِنْ قَرْنه إِلَى قَدَمه وَأَلْبَسَهُ قَمِيصه وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي دَاوُد الْحَرَّانِيّ عَنْ يَعْلَى بْن عُبَيْد عَنْ عَبْد الْمَلِك وَهُوَ اِبْن أَبِي سُلَيْمَان بِهِ وَقَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن عُثْمَان أَخْبَرَنَا اِبْن عُيَيْنَة عَنْ عَمْرو سَمِعَ جَابِر بْن عَبْد اللَّه قَالَ : أَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ بَعْدَمَا أُدْخِلَ فِي قَبْره فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ وَوُضِعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقه وَأَلْبَسَهُ قَمِيصه وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا فِي غَيْر مَوْضِع مُسْلِم وَالنَّسَائِيّ مِنْ غَيْر وَجْه عَنْ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة بِهِ وَقَالَ الْإِمَام أَبُو بَكْر أَحْمَد بْن عَمْرو بْن عَبْد الْخَالِق الْبَزَّار فِي مُسْنَده حَدَّثَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا مُجَالِد حَدَّثَنَا عَامِر حَدَّثَنَا جَابِر ح وَحَدَّثَنَا يُوسُف بْن مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَغْرَاء الدَّوْسِيّ حَدَّثَنَا مُجَالِد عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ جَابِر قَالَ لَمَّا مَاتَ رَأْس الْمُنَافِقِينَ - قَالَ يَحْيَى بْن سَعِيد بِالْمَدِينَةِ - فَأَوْصَى أَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ اِبْنه إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أَبِي أَوْصَى أَنْ يُكَفَّن بِقَمِيصِك - وَهَذَا الْكَلَام فِي حَدِيث عَبْد الرَّحْمَن بْن مَغْرَاء قَالَ يَحْيَى فِي حَدِيثه - فَصَلَّى عَلَيْهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصه فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْره " - وَزَادَ عَبْد الرَّحْمَن - : وَخَلَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَمِيصه فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَمَشَى فَصَلَّى عَلَيْهِ وَقَامَ عَلَى قَبْره فَأَتَاهُ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا وَلَّى قَالَ " وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْره " وَإِسْنَاده لَا بَأْس بِهِ وَمَا قَبْله شَاهِد لَهُ . وَقَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر الطَّبَرِيّ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَد حَدَّثَنَا حَمَّاد بْن سَلَمَة عَنْ يَزِيد الرَّقَاشِيّ عَنْ أَنَس أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّي عَلَى عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ فَأَخَذَ جِبْرِيل بِثَوْبِهِ وَقَالَ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْره . وَرَوَاهُ الْحَافِظ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَده مِنْ حَدِيث يَزِيد الرَّقَاشِيّ وَهُوَ ضَعِيف وَقَالَ قَتَادَة أَرْسَلَ عَبْد اللَّه اِبْن أُبَيّ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَرِيض فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَكَك حُبّ يَهُود قَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنَّمَا أَرْسَلْت إِلَيْك لِتَسْتَغْفِر لِي وَلَمْ أُرْسِل إِلَيْك لِتَؤَنِّبَنِي ثُمَّ سَأَلَهُ عَبْد اللَّه أَنْ يُعْطِيه قَمِيصه يُكَفِّن فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَقَامَ عَلَى قَبْره فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا . الْآيَة . وَقَدْ ذَكَرَ بَعْض السَّلَف أَنَّمَا كَسَاهُ قَمِيصه لِأَنَّ عَبْد اللَّه اِبْن أُبَيّ لَمَّا قَدِمَ الْعَبَّاس طُلِبَ لَهُ قَمِيص فَلَمْ يُوجَد عَلَى تَفْصِيله إِلَّا ثَوْب عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ لِأَنَّهُ كَانَ ضَخْمًا طَوِيلًا فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُكَافَأَة لَهُ فَاَللَّه أَعْلَم وَلِهَذَا كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْد نُزُول هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة عَلَيْهِ لَا يُصَلِّي عَلَى أَحَد مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَلَا يَقُوم عَلَى قَبْره كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا يَعْقُوب حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي قَتَادَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دُعِيَ إِلَى جِنَازَة سَأَلَ عَنْهَا فَإِنْ اثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا قَامَ فَصَلَّى عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ غَيْر ذَلِكَ قَالَ لِأَهْلِهَا شَأْنكُمْ بِهَا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّاب لَا يُصَلِّي عَلَى جِنَازَة مَنْ جُهِلَ حَاله حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا حُذَيْفَة بْن الْيَمَان لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَم أَعْيَان الْمُنَافِقِينَ قَدْ أَخْبَرَهُ بِهِمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِهَذَا كَانَ يُقَال لَهُ صَاحِب السِّرّ الَّذِي لَا يَعْلَمهُ غَيْره أَيْ مِنْ الصَّحَابَة وَقَالَ أَبُو عُبَيْد فِي كِتَاب الْغَرِيب فِي حَدِيث عُمَر أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جِنَازَة رَجُل فَمَرَزَهُ حُذَيْفَة كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَصُدّهُ عَنْ الصَّلَاة عَلَيْهَا ثُمَّ حُكِيَ عَنْ بَعْضهمْ أَنَّ الْمَرْز بِلُغَة أَهْل الْيَمَامَة هُوَ الْقَرْص بِأَطْرَافِ الْأَصَابِع وَلَمَّا نَهَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَنْ الصَّلَاة عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْقِيَام عَلَى قُبُورهمْ لِلِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ كَانَ هَذَا الصَّنِيع مِنْ أَكْبَر الْقُرُبَات فِي حَقّ الْمُؤْمِنِينَ فَشُرِعَ ذَلِكَ وَفِي فِعْله الْأَجْر الْجَزِيل كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاح وَغَيْرهَا مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَة حَتَّى يُصَلِّي عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاط وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَن فَلَهُ قِيرَاطَانِ قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ ؟ قَالَ أَصْغَرهمَا مِثْل أُحُد وَأَمَّا الْقِيَام عِنْد قَبْر الْمُؤْمِن إِذَا مَاتَ فَرَوَى أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُوسَى الرَّازِيّ أَخْبَرَنَا هِشَام عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُحَيْر عَنْ هَانِئ وَهُوَ أَبُو سَعِيد الْبَرْبَرِيّ مَوْلَى عُثْمَان بْن عَفَّان عَنْ عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْن الْمَيِّت وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ اِسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيت فَإِنَّهُ الْآن يُسْأَل . اِنْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ أَبُو دَاوُد رَحِمَهُ اللَّه.

ابو مارية القرشي
01-13-2006, 03:51 AM
الحمد لله وبعد،



وأحبُّ أن ألفت نظرك إلى أن الضعف في البحث السابق أو بطلانه لا يمنع من الرّد على صاحبه وحلِّ إشكالاته وردِّ شبهاته ..

.


أخي المكرم لا ينبغي لمثل هذه البحوث المزورة لحقائق التاريخ والدين أن تنشر والواجب إهمالها وعدم الرد عليها فتلك الطريقة المثلى لوأد أمثالها.
إنّّ الرد على هذه البحوث يرفع من شأنها من جهة ويميع ثوابت الدين من جهة أخرى.
عبد الله بن أبي بن سلول كافر بنص القرآن ونص الأحاديث الشريفة بل وبإجماع السلف ولا نحتاج لنظر لبحث من جويهل بعد ذلك.


فأنتم أخي الكريم هنا تردون على الملاحدة واللادينيين ؛ فضلاً عن رأيٍ كتبه أحد أهل العلم ممن لو ذكرتُ لك اسمه وعرَّفتُ به ؛ لما ظننتك تجهله ..

ا..
أحسنت! المنتدى للحوار مع الملحدين ، فهل صاحبك منهم؟!!
يا اخي قد وضعت هذا الموضوع في المحل غير المناسب.
أما عن شخص الباحث فلا يهمني من هو ولو زعم البعض أنه من كبار المشايخ فبحثه هذا لا يختلف عن بحث الصبيان المنكرين للسنة ولعلك تنظر في قسم السنة لتجد أبحاثا تستعمل نفس الطرق البائسة في الاستدلال!





المهم أخي العزيز : الباحث استند في بحثه على الأدلة من الكتاب والسنة ، وغاية ما نريده هو هدايته إن كان مخطئاً بردِّ جميع إشكالاته ..

..
سبحان الله!
أما قلت لك أن االرد على هذا الرجل يعلي من شأنه !
أوها أنت تزعم أن بحثه له وجه من الكتاب و السنة !
وأنا أقول لك ما مشكلة الباحث: إنه الغرور و الصلف العلمي وعدم استصغار نفسه أمام أئمة السلف وحب الظهور على مذهب خالف تعرف.
هدايته للصراط المستقيم يكون بمداواة قلبه من هذه الأمراض القلبية النحسة!

ثم أنك ذكرت شبهات الرجل مرة أخرى وكأنها قد أثرت فيك فأقول:
يا أخي اتق الله أولاً وتعلم أنّ الانسان لا يترك الأمر البين الظاهر الى المشتبه فهذه آيات الله تترى تقول لك" إنهم كفروا بالله ورسوله " فهل لا تفقه معناها؟!!

ثم قل لي بالله عليك ما الغاية من هذا البحث؟
ما الغاية من إثبات إسلام ذلك الطاغوت الحقير؟!!
هل يريد الرجل أن يقنعنا أن المنافقين الذين يطعنوننا في ظهورنا ويرمون نسائنا بكل عظيمة مسلمون كابن سلول؟!!

وقل لي بربك إن كتب صاحبك بحثا باسلام فرعون علىمذهب ابن عربي هل ستطلب مني الرد عليه؟
ثم إن جاوز ذلك وكتب يحثا عن اسلام الشيطان، هل نكتب بحوثا نناقشه في زعمه؟!
ما هذه المهازل والسخافات الفكرية؟!!
هذا ولو تأملت في الأسطر التي كتبتها في المشاركة الأولى لوجدت جواباً على كثير مما ذكر.

عذراً على شدة الجواب و المقصود صاحب البحث لا الناقل وان كنت أعتب عليه لنقله مثل هذا الكلام.

وأرجو من الإدارة النظر في صلاحية هذا الموضوع لهذا المنتدى.

سليمان السيف
01-13-2006, 03:52 PM
أخي الكريم :

لك قناعتك ورأيك ..

ولا أجدني محتاجاً للتعقيب سوى : البيان لك بأن المقاصد التي ذكرتها ليست مقصداً للكاتب فأحسن الظن ..

وأرجو أن تترك الموضوع كما هو ليناقشه غيرك .. فلن يخلو الأمر من فائدة إن شاء الله تعالى ..

شكراً لك ..

ابو مارية القرشي
01-13-2006, 05:50 PM
أخي الكريم :

لك قناعتك ورأيك ..

..

ولك قناعتك ورأيك وللكاتب قناعته و رأيه، اليس كذلك؟!! هكذا وببساطة صار الأمر المشهور المجمع عليه مسألة خلافية لا ضير فيها ويجب احترام المخالف!!! لا والله! وقبح الله من يجادل عن الطواغيت.
قيل لابن عباس نوفا إن البكالي يقول موسى صاحب الخضر ليس موسى بني اسرائيل ، فقال :كذب عدو الله ، مع أن ذاك الرجل مشهود له بالعلم والورع..
الا إن عدو الله المنافح عن طاغوت المنافقين كذاب أشر.

ملاحظة يلزم كاتب المقالة نفي الكفر عن كل المنافقين اتباع ابن سلول من باب أولى، فإذا كان كبيرهم وداهيتهم مسلما فما بال أصحابه ، ويلزم من هذا انكار دلالة الايات الخاصة بالمنافقين ويلزمه أيضا ان الاسلام يكون باللسان دون الاعتقاد وعمل القلب.


وأخير أقول من كاتب هذا المقال ولمَ تخفي اسمه؟!!
أرجو الإفصاح عن هوية الكاتب إن كان شخصا معروفاً لا يجهل مثله كما تزعم مع توثيق ذلك.