المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإيجاز في ذكر أنواع الإعجاز



ابو علي الفلسطيني
08-20-2012, 07:28 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن سيدنا محمدا عبده ورسوله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فتركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ولا يتنكر لها إلا ضال، فصلوات ربي وسلامه على نبيه المصطفى وعلى آله وصحبه والتابعين ومن سار على نهجهم و اهتدى بهديهم إلى يوم الدين. أما بعد،

فإن موضوع إعجاز القران الكريم قديم جديد ... كتب فيه العلماء قديما وحديثا ... وسيظل أهل العلم بإذن الله تعالى يستخرجون كل يوم سرا لطيفا أو معنى شريفا من معاني القران وآياته الباهرات ...

ونود في هذا الموضوع أن نسلط الضوء على جزء من كل .. وعلى قليل من كثير مما ذكره العلماء وجادت به قريحتهم من أسرار القران وآياته .. وعلى نزر يسير مما توصلوا إليه نتيجة إعمال عقولهم في آيات القران ومعانيها .. والله الموفق سبحانه وهو الهادي الى سواء السبيل

ابو علي الفلسطيني
08-20-2012, 07:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


[ معنى مصطلح إعجاز القرآن ]

كلمة "إعجاز" مصدر .. وإضافتها للقران من قبيل إضافة المصدر لفاعله ... والتقدير " أعجز القرآن الناس أن يأتوا بمثله"

والعجز في اللغة يعني الضعف .. عجز الشيء يعجز عجزا فهو عاجز = أي ضعيف ..فالمعجزة في اللغة مأخوذة من العجز الذي هو نقيض القدرة
وإنما قيل لآيات الرسل معجزات لعجز المُرسل إليهم عن معارضتها بأمثالها ..
قال الجرجاني في التعريفات: الإعجاز في الكلام هو أن يؤدي المعنى بطريق هو أبلغ من جميع ما عداه من الطرق.
وقال الزرقاني في مناهل العرفان: إعجاز القرآن = إثبات القرآن عجز الخلق عن الإتيان بما تحداهم به ..
فالإعجاز ليس مقصودا لذاته بل المقصود لازمه وهو إظهار أن هذا الكتاب حق وأن الرسول الذي جاء به رسول صدق يجب إتباعه [انظر اعجاز القران عند ابن تيمية للدكتور محمد العواجي]

يقول الرافعي في كتابه الماتع " إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" ص 98 :

وإنما الإعجاز شيئان: ضعف القدرة الإنسانية في محاولة المعجزة ومزاولته على شدة الإنسان واتصال عنايته، ثم استمرار هذا الضعف على تراخي الزمن وتقدمه؛ فكأن العالم كله في العجز إنسان واحد ليس له غير مدته المحدودة بالغة ما بلغت ا.هـ

ويرجع ظهور مصطلح الإعجاز والله أعلم إلى منتصف القرن الثالث الهجري تقريبا .. إذ أن هذا المصطلح لم يكن معروفا عند الصحابة ولا عند التابعين ... ولكن كانت هناك بعض الإشارات إلى بعض الموضوعات المتعلقة بالإعجاز وذلك في كتاب "معاني القرآن" للفراء وكتاب "مجاز القرآن" لأبي عبيدة وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة. وقد ألف الجاحظ كتابا عن نظم القرآن تحدث فيه عن بعض أسالب البيان في القرآن لكنه لم يصلنا للأسف وقد انتقد الباقلاني رحمه الله تعالى كتاب الجاحظ هذا في كتابه إعجاز القرآن.
وممن كتب في إعجاز القرآن أيضا العكبري والرازي في كتابه "نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز" وهو مطبوع متداول وابن الزملكاني في كتابه " البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن" وهو مطبوع كذلك ...

يقول السيوطي في معترك الأقران:

وقد أفرد علماؤنا رضيَ الله عنهم بتصنيف إعجاز القرآن، وخاضوا في وجوهِ إعجازِه كثيراً، منهم الخطابي، والرمّاني، والزَّمْلَكاني، والإمام الرازي، وابن سراقة، والقاضي أبو بكر الباقِلاني، وأنهى بعضهم وجوه إعجازه إلى ثمانين.والصواب أنه لا نهاية لوجوه إعجازه كما قال السكاكي في المفتاح: اعلم أن إعجاز القرآن يدرك ولا يمكن وصفه ا.هــ

[فائدة: في أن إعجاز القرآن في إخباره بقصص الأمم قبل الإسلام وأنهم لم يكونوا من أهل الفصاحة: قال ابن جني فيما نقله عنه السيوطي في كتاب الخاطريات لابن جني: وأجاب بأن جميع ما ورد في القرآن حكاية عن غير أهل اللسان من القرون الخالية إنما هو معرَّب عن معانيهم، وليس هو بحقيقة ألفاظهم. ولهذا لا يشك أن قوله تعالى: (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) .إن هذه الفصاحة لم تجر على لغة العجم.]




وقبل أن نبدأ الحديث عن وجوه الإعجاز ... لا بد أن نستطرد قليلا في تحدي القرآن للناس أن يأتوا بمثله .. ثم نتحول بعدها لمناقشة وجوه الإعجاز بإذن الله تعالى

ابو علي الفلسطيني
08-20-2012, 07:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


[ تحدي القرآن للعرب أن يأتوا بمثله]

لا شك أن الهدف من تحدي القرآن للناس أن يأتوا بمثله هو إظهار صدق النبي صلى الله عليه وسلم وإثبات أن القرآن من عند الله تعالى ... ومسالة التحدي وحدها كفيلة باستثارة حمية الخصوم من أجل التغلب على من يتحداهم .. لكنهم فشلوا في ذلك .. وفشلهم هذا أكبر دليل أن القرآن كلام تعالى .. وأن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل من عند الله تعالى ..
وقد كانت أسباب التحدي والمعارضة موجودة عند العرب ولم تُصرف هممهم عن تحدي القرآن كما يقول أصحاب "الصرفة"
ويرد الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله تعالى في كتابه "النبأ العظيم" على شبهتين:
الأولى: قول القائل: أن العرب لم تكترث بالقرآن الكريم لذا لم يسعوا في معارضته.
والثانية: أنهم لمّا حاولوا المعارضة صرفهم عن ذلك مانع خارجي وهو حماية القدرة العليا للقران وصيانتها له عن معارضة المعارضين. فيقول الدكتور رحمه الله:
أما الأول: فإن الأسباب الباعثة على المعارضة كانت موفورة متضافرة، وأي شيء أقوى في استثارة حمية خصمك من ذلك التقريع البليغ المتكرر الذي توجهه إليه معلنًا فيه عجزه عن مضاهاة عملك؟ إن هذا التحدي كافٍ وحده في إثارة حفيظة الجبان وإشعال همته للدفاع عن نفسه بما تبلغه طاقته، فكيف لو كان الذي تتحداه مجبولًا على الأنفة والحمية؟ وكيف لو كان العمل الذي تتحداه به هو صناعته التي بها يفاخر، والتي هو فيها المدرب الماهر؟ وكيف لو كنت مع ذلك ترميه بسفاهة الرأي وضلال الطريق؟ وكيف لو كنت تبتغي من وراء هذه الحرب الجدلية هدم عقائده، ومحو عوائده وقطع الصلة بين ماضيه ومستقبله؟
وأما الثاني: فإن هذه الأسباب قد رأيناها آتت بالفعل ثمراتها، وأيقظت همم المعارضين إلى أبعد حدودها. حتى كان أمر محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والقرآن هو شغلهم الشاغل، وهمهم الناصب، فلم يدعوا وسيلة من الوسائل لمقاومته باللطف أو بالعنف إلا استنبطوها وتذرعوا بها: أيخادعونه عن دينه ليلين لهم ويركن قليلًا إلى دينهم أم يساومونه بالمال والملك ليكف عن دعوته، أم يتواصون بمقاطعته، وبحبس الزاد عنه وعن عشيرته الأقربين حتى يموتوا جوعًا أو يسلموه، أم يمنعون صوت القرآن أن يخرج من دور المسلمين خشية أن يسمعه أحد من أبنائهم، أم يلقون فيه الشبهات والمطاعن، أم يتهمون صاحبه بالسحر والجنون ليصدوا عنه من لا يعرفه من القبائل القادمة في المواسم، أم يمكرون به ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه، أم يخاطرون بمهجهم وأموالهم وأهليهم في محاربته، أفكان هذا كله تشاغلًا عن القرآن وقلة عناية بشأنه؟! ا.هـ


[ مراحل التحدي]

المرحلة الأولى: تحداهم الله تعالى أن يأتوا بمثل القرآن من غير تعيين قدر معين. قال تعالى " فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ" الطور 34

المرحلة الثانية: لمّا عجزوا عن الإتيان بمثله تحداهم الله تعالى أن يأتوا بعشر سور مثله. قال تعالى " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)" هود 13، 14

المرحلة الثالثة: لما عجزوا تحداهم الله تعالى أن يأتوا بسورة واحدة فقط قال تعالى " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38)" يونس 38

المرحلة الرابعة: تحداهم الله تعالى أن يأتوا بسورة تشبه القرآن ولو بوجه من الوجوه. قال تعالى " وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)" البقرة 23، 24

ويرى بعض الباحثين أن المراحل الثلاث الأولى من التحدي مكية التنزيل وأن الله تعالى تحدى بها العرب فقط ومن الناحية البيانية والبلاغية لأنها بضاعة القوم وما يُحسنون، أما المرحلة الرابعة فإنها خطاب للناس كافة عربهم وعجمهم وأن التحدي يشمل جميع المجالات وليس فقط البيان .. بل التحدي يشمل التشريع والحقائق العلمية والكونية وأخبار الغيب وغيرها. ويدل على ذلك سياق الآيات في قوله تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)" البقرة 21 – 24

ابو علي الفلسطيني
08-20-2012, 07:37 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


[ الإعجاز البياني للقرآن]

لا شك أن القرآن الكريم معجز ببيانه، باهر ببلاغته، رائع في نسجه، بليغ في نظمه، قد حوى من اللطائف درراً ومن الأسرار ما حير عقول أهل البيان وأذهلهم.
ويرى بعض العلماء قديما وحديثا أن القرآن معجز في بيانه فقط ... وذهب بعضهم إلى أنه معجز أيضا في تشريعه وفي الإخبار بأمور الغيب وفي الحقائق العلمية. وسنذكر كل وجه من وجوه الإعجاز الأخرى بإذن الله تعالى .. لكننا سنقف طويلا عند الإعجاز البياني ونفصل فيه القول من خلال أعلام الأدب والبلاغة الذين درسوا بلاغة القرآن الكريم قديما وحديثا فاستخرجوا من مكنون آيات القرآن ما يحير العقول والألباب.

وتقول الدكتورة هناء الربيعي في مقال لها عن الإعجاز:
يقوم مفهوم الإعجاز البياني على محاولة تفسير سبب الإعجاز الحاصل في القرآن في ضوء قواعد اللغة ومقاييسها مما ألفه العرب في كلامهم فالقرآن نزل "بلسان عربي مبين" ومحاولة تفسير سبب عجز العرب عن الإتيان بمثله أو ببعضه مثلما تحداهم أمر أثار حيرتهم ودهشتهم ولكنهم لم ينكروا التأثير الذي أحدثه في نفوسهم فمعرفتهم بأمور اللغة أتاح لهم أن يعترفوا بأن هذا القرآن معجز في لغته وتأثيره معا وإن لم يصرحوا بذلك أحيانا ... وتعتمد فكرة الإعجاز البياني على دراسة أساليب القرآن البيانية ومقارنتها بأساليب البلغاء ثم استخلاص عناصر الجودة في الأولى ومواضع التقصير في الثانية ليظهر مقدار التَّمَيُّز الحاصل في القرآن على كلام الفصحاء ومن أجل ذلك خاضوا في البحث عن سمات التعبير الفني الجميل في القرآن فكان ذلك مدعاة للحديث عن مسائل البلاغة من مجاز وتشبيه واستعارة ..الخ

قلب معلق بالله
08-20-2012, 11:06 PM
تسجيل متابعة
ونقل بد إذنكم بارك الله فيكم ؟

ابو علي الفلسطيني
08-21-2012, 12:21 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم ... والنقل متاح طبعا ...

ابو علي الفلسطيني
08-21-2012, 12:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم


[ الإمام الخطابي والإعجاز البياني]

عرفناه محدثا لامعا شرح سنن أبي داود وصحيح البخاري وألف كتاب "إصلاح غلط المحدثين". ولكنه في رسالته الموسومة " بيان إعجاز القرآن" المطبوعة ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للخطابي والرماني والجرجاني قد كشف لنا عن أديب أريب وناقد لامع. فقد أظهرت ردوده وآرائه ملكة أدبية ونقدا فريدا لا يخرج إلا من عالم قد وعى الكثير من كتب الأدب وكلام العرب.
والخطابي هو أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستي ولد عام 319 هـ وأقام ببست وفيها توفي.

يرى الخطابي رحمه الله تعالى أن إعجاز القرآن الكريم لا يكمن فقط في إخبار القرآن ببعض الأمور الغيبية فيه وإن كانت نوع من أنواع الإعجاز.. إذ أن أخبار الغيب في القرآن إنما هي في بعض الآيات وليست في كل سورة من سور القرآن ولا في كل آية من آياته ... بينما الإعجاز البياني في القرآن كله ... من أول سورة منه إلى آخر سورة.

ثم يحدد الخطابي رحمه الله تعالى معايير الكلام البليغ ومقاييسه فيقول:
" أن أجناس الكلام مختلفة ومراتبها في نسبة التبيان متفاوتة، ودرجاتها في البلاغة متباينة غير متساوية فمنها:
1- البليغ الرصين الجزل
2- ومنها الفصيح القريب السهل
3- ومنها الجائز الطلق الرَّسْل

وهذه أقسام الكلام الفاضل المحمود دون النوع الهجين المذموم الذي لا يوجد في القرآن شيء منه البتة.
فالقسم الأول أعلى طبقات الكلام وأرفعه والقسم الثاني أوسطه واقصده والقسم الثالث أدناه وأقربه، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة، وأخذت من كل نوع من أنواعه شعبة، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة". ا.هـ

ثم يبين الخطابي أسباب عجز العرب أن يأتوا بمثل القران في أمور:
1- أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة العربية وألفاظها التي هي ظروف المعاني والحوامل لها
2- لا تدرك أفهامهم جميع معاني الأشياء المحمولة على تلك الألفاظ.
3- لا تكمل معرفتهم لاستيفاء جميع وجوه النظوم التي بها يكون ائتلافها وارتباط بعضها ببعض.

يقول: " وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل ، ومعنى به قائم، ورباط لهما ناظم. وإذا تأملت القرآن وجدت هذه الأمور منه في غاية الشرف والفضيلة حتى لا ترى شيئا من الألفاظ أفصح ولا أجزل ولا أعذب من ألفاظه.
وقد توجد هذه الفضائل الثلاث على التفرق في أنواع الكلام فأما أن توجد مجموعة في نوع واحد منه فلم توجد إلا في كلام العليم القدير الذي أحاط بكل شيء علما وأحصى كل شيء عددا. فتفهم الآن واعلم أن القرآن إنما صار معجزا لأنه جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف مضمنا أصح المعاني من توحيد له عزت قدرته، وتنزيه له في صفاته، ودعاء إلى طاعته وبيان بمنهج عبادته من تحليل وتحريم وحظر وإباحة ووعظ وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإرشاد إلى محاسن الأخلاق وزجر عن مساوئها واضعا كل شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه ا.هـ

إذا فأجناس الكلام الثلاثة الآنفة الذكر قد توجد متفرقة في كلام العرب ولكنها لم توجد مجموعة إلا في القرآن وهو أحد أسرار الإعجاز البياني للقرآن. كما أن أهل البلاغة لا يستطيعون الإتيان بكل المعاني المذكورة آنفا مجموعة في تأليف واحد ومنتظمة ومتسقة كما في القرآن.
ومن ثم كان انقطاع العرب عن الإتيان بمثله مع اعترافهم بفصاحته كما روي عن الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة وغيرهم ثبات المعجزة وقيام الحجة والحمد لله.

ويرى الخطابي أن ثمة فرق بين بعض الكلمات التي يراها البعض من المترادفات ... مثل الحمد والشكر والبخل والشح والنعت والصفة والقعود والجلوس وبلى ونعم ..الخ مما سنعرض إليه بإذن الله تعالى في ثنايا الحديث عن الإعجاز البياني. وأن هذه الفروق الدقيقة تتطلب معرفة واسعة بكلام العرب وبلاغتهم ... وهي من الأسباب التي دعت العرب إلى ترك معارضة القرآن ومجابهته بالسيف والقتال مع أن المعارضة كانت لهم أسهل من القتل وذهاب النفوس.

ثم يرد الخطابي رحمه الله تعالى على أكثر من شبهة حكاها بعض المناوئين لهذا الدين ..نذكر منها على سبيل المثال:

أولا: في قوله تعالى " فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ " يوسف 17 . قالوا: إنما يستعمل هذا في فعل السباع خصوصا "الافتراس" يقولون: افترسه السبع. أما الأكل فهو عام لا يختص به نوع من الحيوان دون نوع. قال الخطابي رحمه الله تعالى: الافتراس في فعل السبع معناه القتل فحسب. وأصل الفرس دق العنق. والقوم إنما ادعوا على الذئب أنه أكله أكلا وأنه أتى على جميع أجزائه وأعضائه مخافة مطالبة أبيهم إياهم بأثر باقٍ منه يشهد بصحة ما ذكروه فادّعوا فيه الأكل ليزيلوا عن أنفسهم المطالبة. ثم أن قوله تعالى "أكله الذئب" مستعمل في كلام العرب في الذئب وغيره من السباع. حكى ابن السكيت في ألفاظ العرب قولهم " أكل الذئب الشاة فما ابقى منها تامورا" وقال بعض شعرائهم:
فتى ليس كابن العم للذئب إن رأى لصاحبه يوما دما فهو آكله

وقال آخر:
أبا خراشة أما أنت ذا نفر فإن قومي لم تأكلهم الضبع

ثانيا: قوله تعالى " وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ" العاديات 8 ... و أنت لا تسمع فصيحا يقول: أنا لحب زيد شديد وإنما وجه الكلام وصحته أن يقال: أنا شديد الحب لزيد.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: الشديد معناه هاهنا البخيل ويقال رجل شديد ومتشدد أي بخيل. قال طرفة بن العبد:
أرى الموت يعتام النفوس ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشددِ
واللام في قوله (لحب الخير) بمعنى لأجل حب الخير وهو المال شديد. [ المعنى أن الإنسان لأجل حب المال فهو شديد أي بخيل]

ثالثا: عاب قوم التكرار في بعض الآيات، كقوله تعالى في سورة الرحمن "فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ " وقوله تعالى في سورة المرسلات " وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ " حيث تكررت هاتين الآيتين كثيرا في السورتين المذكورتين. قال الخطابي رحمه الله تعالى: إن تكرار الكلام على ضربين: أحدهما مذموم وهو ما كان مستغنى عنه، غير مستفاد به زيادة معنى لم يستفيدوه بالكلام الأول. لأنه حينئذ يكون فضلا من الكلام ولغوا وليس في القرآن شيء من هذا النوع.
أما الضرب الآخر فهو ما كان بخلاف هذه الصفة، فإن ترك التكرار في الموضع الذي يقتضيه وتدعو الحاجة إليه فيه، بإزاء تكلف الزيادة في وقت الحاجة إلى الحذف والاختصار وإنما يحتاج إليه ويكثر استعماله في الأمور المهمة التي قد تعظم العناية بها ويخاف بتركه وقوع الغلط والنسيان فيها والاستهانة بقدرها وقد يقول الرجل لصاحبه في الحث والتحريض على العمل : عجّل عجّل، وارم ارم، كما يكتب في الأمور المهمة على ظهر الكتب: مهم مهم مهم. ونحوها من الأمور. وكقول الشاعر:
يالِ بكرٍ انشروا لي كليبا يالِ بكرٍ أين أين الفرار

وقد ذكر سبحانه السبب الذي من أجله كرر الأقاصيص والأخبار في القرآن فقال تعالى: وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ " القصص 51 وقال سبحانه: وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا " طه 113
وأما سورة الرحمن فإن الله تعالى خاطب بها الثقلين من الإنس والجن وعدد عليهم أنواع نعمه التي خلقها لهم فكلما ذكر فصلا من فصول النعم جدد إقرارهم به واقتضاؤهم الشكر عليه. وفي سورة المرسلات ذكر أحوال يوم القيامة وأهوالها فقدم الوعيد فيها وجدد القول عند ذكر كل حال من أحوالها لتكون ابلغ في القرآن وأوكد لإقامة الحجة والإعذار. ومواقع البلاغة معتبرة لمواضعها من الحاجة.


[ المعارضات]
المعارضة الشعرية هي أن يأتي شاعر فيكتب قصيدة مماثلة لقصيدة أخرى كتبها شاعر بنفس الوزن والقافية لنفس الغرض وربما لغيره. أما معارضة القرآن فهي أن يأتي من يريد المعارضة بمثل القرآن.
وقد ذكر الخطابي رحمه الله تعالى شروط المعارضة فقال:
1- وسبيل من عارض صاحبه في خطبة أو شعر أن ينشئ له كلاما جديدا
2- يحدث له معنى بديعا
فيجاريه في لفظه ويباريه في معناه ليوازن بين الكلامين فيحكم لمن أربى فهما على صاحبه، وليس بأن يتحيف من أطراف كلام خصمه فينسف منه ثم يبدل كلمة مكان كلمة فيصل بعضه ببعض وصل ترقيع وتلفيق ثم يزعم أنه قد واقفه موقف المعارضين" ا.هـ

ثم يرد الإمام الخطابي على بعض المعارضات التي كانت من القوم للقرآن الكريم فيقول:

ورد عن مسيلمة الكذاب قوله: يا ضفدع نقي كم تنقين، لا الماء تكدرين ولا الوارد تنفرين.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: هذا كلام خالٍ من كل فائدة، لا لفظه صحيح ولا معناه مستقيم ولا فيه شيء من الشرائط الثلاث التي هي أركان البلاغة. وإنما تكلف هذا الكلام الغث لما فيه من السجع، والساجع عادته أن يجعل المعاني تابعة لسجعه.
وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث عمر بن العاص إلى البحرين فتوفي رسول الله وعمرو ثَمَّ. قال عمرو: فأقبلت حتى مررت على مسيلمة فأعطاني الأمان، ثم قال: إن محمدا أرسل في جسيم الأمور وأرسلت في المحقرات. فقلت: اعرض علي ما تقول. فقال: يا ضفدع نقي كم تنقين، لا الماء تكدرين ولا الوارد تنفرين، يا وبر يا وبر، يدان وصدر وسائرك حضر نفر. ثم أتى أناس إليه يختصمون في نخل قطعها بعضهم لبعض فتسجى بقطيفة ثم كشف رأسه فقال: والليل الأدهم والذئب الأسحم ما جاء بني أبي مسلم من محرم. ثم تسجى الثانية فقال: والليل الدامس والذئب الهامس ما حرمته رطبا إلا كحرمته يابس. قوموا فلا أرى عليكم فيما صنعتم شيئا. قال عمرو: أما والله إنك لتعلم وإنا لنعلم أنك من الكاذبين. فتوعدني.
قال الخطابي: صدق عمرو، هل يخالج أحداً شك في ضلال من هذا سبيله وسقوط من هذا برهانه ودليله وأي بلاغة في هذا الكلام وأي معنى تحته وأي حكمة فيه حتى يتوهم أن فيه معارضة للقرآن؟ أو مباراة له على أي وجه من الوجوه؟ ولكن البائس أعلم بنفسه حين يقول: أرسلت في المحقرات. ولا يراد أحقر مما جاء به واقل.

وأما قول الآخر: الفيل وما الفيل وما أدراك ما الفيل له مشفر طويل وذنب اثيل وما ذاك من خلق ربنا بقليل. وقول من قال: ألم تر كيف فعل ربك بالحبلى أخرج منها نسمة تسعى بين شراسيف وحشى. فإن كل واحد من هذين الكلامين مع قصور آيه وقصر معانيه خال من أوصاف المعارضة وشروطها، وإنما هو استراق واقتطاع من عرض كلام القرآن، واحتذاء لبعض أمثلة نظومه، وكلاً لن يبلغوا شأوه أو يصيبوا في شيء من ذلك حذوه.
وإخراج الجنين نعمة من نعم الله تعالى والتعبير عنها بقوله "ألم تر كيف فعل ربك" إنما يستخدم في مواضع العذاب والانتقام والدال عليه قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ" الفجر 6 وقوله تعالى: " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ" الفيل 1
ثم أن الجنين لا يخرج من بين الشراسيف والحشا.
أما قوله" الفيل وما الفيل ...الخ" فإنه محاكاة لما جاء في القرآن في قوله تعالى " الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)" القارعة 1-3 ومثل قوله تعالى " الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) " الحاقة 1-3 ... كما أنه لم يأت ببعض الأمور المستغربة عن الفيل مثلا وما أشبهه بقول القائل:
وإني وإني ثم إني وإنني إذا انقطعت نعلي جعلت لها شسعا
يقول الخطابي رحمه الله: فيقال الآن لصاحب الفيل: يا فائل الرأي أين ما شرطناه في حدود البلاغة فيما جئت به من الكلام وأين ما وصفناه من رسوم المعارضات فيما هذيت من جهلك وضلالتك، افتتحت قولك "بالفيل وما الفيل .." فهولت وروعت وصعدت وصوبت ثم أخلفت ما وعدت وأخدجت ما ولدّت حين انقطعت وعلى ذكر الذنب والمشفر اقتصرت أما علمت يا عاجز أن مثل هذه الفاتحة إنما تُجعل مقدمة لأمر عظيم الشأن ..وأنت علقت هذا القول على دابة يدركها البصر في مدى اللحظة ويحيط بمعانيها العلم في اليسير من مدة الفكر ...الخ كلامه رحمه الله تعالى.


[ نموذج لمعارضة مقبولة]

رُوي أن الوليد بن عبد الملك وأخاه مسيلمة تنازعا ذكر الليل وطوله، ففضل الوليد أبيات النابغة في وصف الليل، وفضل مسلمة أبيات امرؤ القيس، فحكما الشعبي بينهما، فقال الشعبي تُنشد الأبيات واسمع، فأنشد للنابغة:

كليني لهمٍ ، يا أميمةَ ، ناصبِ و ليلٍ أقاسيهِ ، بطيءِ الكواكبِ
تطاولَ حتى قلتُ ليسَ بمنقضٍ و ليسَ الذي يرعى النجومَ بآيبِ
بصدرٍ أراحَ الليلُ عازبَ همهِ تضاعَفَ فيه الحزْنُ من كلّ جانبِ

ثم أنشد لامرؤ القيس:

وَليلٍ كَمَوْجِ البَحرِ أرْخَى سُدولَهُ ... عليّ بأنواعِ الهُموم ليَبْتَلي
فَقُلْتُ لَه لَمِّا تَمَطَّي بصُلْبِهِ ... وَأَرْدَفَ أَعْجَازًا وَنَاءَ بَكَلْكَلِ
ألا أيّها اللّيلُ الطويلُ ألا انْجَلِي ... بصُبْحٍ، وما الإِصْبَاحُ مِنكَ بأمثَلِ
فيا لكَ من لَيْلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ ... بكُلِّ مغارِ الفَتْلِ شُدَّت بِيَذْبُلِ

قال فركض الوليد برجله، فقال الشعبي: بانت القضية.
قال الخطابي: قول النابغة " كليني لهمٍ يا أميمة ...الخ متناه في الحسن بليغ في وصف ما شكاه من همِّه وطول ليله، ويقال أنه لم يبتدىء شاعر قصيدة بأحسن من هذا الكلام.
أخيرا ثمة وجه آخر من وجوه الإعجاز أشار إليه الخطابي رحمه الله تعالى وهو الإعجاز النفسي الذي يعني تأثر الناس بالقرآن وصنيعه في قلوبهم وتأثيره في نفوسهم والله الموفق سبحانه

مشرف 9
08-21-2012, 02:09 PM
موضوع ماتع , متابع وأدعو الله عز وجل أن ييسر لك أستاذنا مواصلة الكتابة فيه ليستفيد الكل , فقد صارت الكتابة في أبواب إعجاز الإتيان بمثل القرآن قليلة وإلى الله المشتكى !
بارك الله فيك

ابو علي الفلسطيني
08-22-2012, 12:07 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

جزاك الله خيرا أخي الحبيب مشرف 9 ونفع بك ...


[ رسالة الرماني في إعجاز القرآن]

هو أبو الحسن علي بن عيسى الرُّمَّاني بتشديد الراء وضمها [ والرماني نسبة على بيع الرمان أو إلى قصر الرمان بواسط] ولد سنة 296 هـ بسامراء وقيل ببغداد. وقد أخذ اللغة عن ابن دريد والزجاج وهو من أئمة المعتزلة .. وقد أكثر أبو حيان من النقل عنه في تفسيره "البحر المحيط" وله مؤلفات في التفسير وغير ذلك لا تزال مخطوطة حتى اليوم ... وقد سمّى الرماني رسالته بـ " النكت في إعجاز القرآن"
ويرى الرماني أن إعجاز القرآن يتلخص في سبعة وجوه:
1- ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة... فقد كان للعرب نصيب وافر من البلاغة وكانت حاجتهم لمعارضة القرآن قوية لأنه سفه أحلامهم وآلهتهم ومع ذلك لم يستطيعوا معارضته.
2- التحدي للكافة
3- الصرفة: وهي أن همم العرب قد انصرفت عن معارضة القرآن لا لعجزهم ولكن لأمر خارج عنهم [ وسنرد على مسألة الصرفة لاحقا بإذن الله]
4- الأخبار الصادقة عن الأمور المستقبلة
5- نقض العادة: وذلك أن القرآن جاء على قالب لم تألفه العرب في نثرها وشعرها
6- قياسه بكل معجزة ... وذلك أن معجزات الأنبياء عليهم السلام كفلق البحر وقلب العصا حية وإحياء الموتى أمور معجزة للناس وكذا شأن القرآن
7- البلاغة وقد أفاض رحمه الله تعالى في الحديث عنها

ويرى الرماني رحمه الله تعالى أن البلاغة هي: وصول المعنى إلى القلب في أحسن صورة من اللفظ .. ثم قسم البلاغة على عشرة أقسام وهي: الإيجاز والتشبيه والاستعارة والتلاؤم والفواصل والتجانس والتعريف والتضمين والمبالغة والبيان.
ثم أفاض رحمه الله في تعريف كل قسم من هذه الأقسام ... فيقول مثلا في باب الإيجاز:

الإيجاز: تقليل الكلام من غير إخلال بالمعنى وإذا كان المعنى يعبر عنه بألفاظ كثيرة فيمكن أن يعبر عنه بألفاظ قليلة ... والإيجاز على وجهين: حذف وقصر .. فالحذف إسقاط كلمة للإجتزاء عنها بدلالة غيرها من الحال أو فحوى الكلام والقصر بنية الكلام على تقليل اللفظ وتكثير المعنى من غير الحذف ...
ومن أمثلة الحذف في القرآن: "واسأل القرية" و " ولكن البر من اتقى" و "براءة من الله" ... وأما الإيجاز بالقصر فمنه قوله تعالى "ولكم في القصاص حياة و يحسبون كل صيحة عليهم" إنما بغيكم على أنفسكم" و "لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله" ا.هــ

ابو علي الفلسطيني
08-22-2012, 11:34 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


[ رد القول بالصرفة]

أفاض العلماء رحمهم الله تعالى في رد هذا القول ... والذي مفاده أن الله تعالى صرف العرب عن الإتيان بمثل القرآن مع قدرتهم على ذلك وعدم عجزهم عنه ... وقالوا أن القرآن معجز بذاته لا بسبب خارج عنه ...
قال ابن منظور في لسان العرب في بيان معنى الصرف لغة:
الصَّرْفُ: رَدُّ الشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ، صَرَفَه يَصْرِفُه صَرْفاً فانْصَرَفَ. وصَارَفَ نفْسَه عَنِ الشَّيْءِ: صَرَفَها عَنْهُ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ انْصَرَفُوا
؛ أَي رَجَعوا عَنِ الْمَكَانِ الَّذِي استمعُوا فِيهِ، وَقِيلَ: انْصَرَفُوا عَنِ الْعَمَلِ بِشَيْءٍ مِمَّا سَمِعُوا. صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ أَي أَضلَّهُم اللَّهُ مُجازاةً عَلَى فِعْلِهِمْ؛ وصَرفْتُ الرَّجُلَ عَنِّي فانْصَرَفَ، والمُنْصَرَفُ: قَدْ يَكُونُ مَكَانًا وَقَدْ يَكُونُ مَصْدَرًا، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ ؛ أَي أَجْعَلُ جَزاءهم الإِضْلالَ عَنْ هِدَايَةِ آيَاتِي. وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً أَي مَا يَسْتَطِيعُونَ أَن يَصْرِفُوا عَنْ أَنفسهم العَذابَ وَلَا أَن يَنْصُروا أَنفسَهم. ا.هـ

أما الصرفة اصطلاحا فهي كما ذكرنا من أن الله تعالى صرف همم العرب عن الإتيان بمثل القرآن مع تمام القدرة .. وقد نُقل هذا القول عن النظّام المعتزلي ويُعزى أن الجاحظ قال بالصرفة أيضا وليس بصحيح بل الجاحظ رد على شيخه النظام هذا القول .. وينسب أيضا القول بالصرفة إلى المرتضى من الشيعة وإلى الاسفراييني والرماني كما أسلفنا
ويمكن رد القول بالصرفة في نقاط عدة كما ذكر العلماء نذكر منها:

1-أن العرب كانوا يملكون من البلاغة الكثير ولكنهم عجزوا عن معارضة القرآن لإعجازه البياني فكيف يُقال أنهم سُلبوا القدرة على البلاغة ومحاولة التحدي مع أنهم استمروا في رواية الشعر وإظهار فنون البلاغة بعد نزول القرآن؟
2-لقد كان للقوم فعلا محاولات لمعارضة القرآن كما بينا عن مسيلمة الكذاب وغيره .. ولو أن القوم صُرفوا عن ذلك لما استطاعوا المعارضة أصلا
3- قال الرافعي رحمه الله تعالى: وهو عندنا رأي لو قال به صبية المكاتب وكانوا هم الذين افتتحوه وابتدعوه، لكان ذلك مذهباً من تخاليطهم في بعض ما يحاولونه إذا عمدوا إلى القول فيما لا يعرفون ليُوهِموا أنهم قد عرفوا! ... وعلى الجملة فإن القول بالصرفة لا يختلف عن قول العرب فيه: (إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) المدثر .

ابو علي الفلسطيني
08-23-2012, 11:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


[ إعجاز القرآن عند الجرجاني رحمه الله تعالى]

الجرجاني رحمه الله تعالى متكلم أشعري توفي سنة 471 هـ ... ولم يكن غزير الإنتاج من حيث التآليف ...لكن القليل الذي ألفه رحمه الله تعالى يغني عن كثير ... وكانت كتبه أساسا لمن جاء بعده من علماء البلاغة .. ومن مؤلفاته الرسالة الشافية وكتابه الفذ دلائل الإعجاز وهو الذي ضمنه نظرية النظم المشهورة ..
ويرى الجرجاني أن الكلام الذي يؤدي الغرض عند المتكلم ويكون مقبولا عند المخاطبين لا بد له من ثلاثة عناصر: اللفظ والمعنى والنظم ..
فاللفظ هو الحروف والكلمات التي تنطق بها ألسنتنا والمعنى هو تلك الأمور التي نجدها في نفوسنا ونود أن نعبر عنها لكي يدركها المخاطبون .. فالمعنى هو المعبر عنه واللفظ هو المعبر به ..
معنى النظم: هو توخي معاني النحو ... وبيان ذلك أننا حينما ننطق بالكلمات والجمل فلا بد من أن تكون مرتبة ترتيبا معقولا مقبولا ..
مثال ذلك: لديك صديق اسمه سعيد وتريد زيارته ...لكن لديك مشاغل .. فينكر عليك والدك زيارته أثناء انشغالك فيقول لك : "أتزور سعيدا؟" ويمكن أن يقال: "أسعيدا تزور؟"
فالجملتان من حيث اللفظ سواء لكن اختلفتا في التقديم والتأخير فأصبح لكل منهما معنى مختلف ..
فالأولى: "أتزور سعيدا" معناها = كيف تزوره وأنت منشغل إذ لا يجب أن تضيع وقتك ..
والثانية: "أسعيدا تزور" معناها = أن سعيدا ليس حريّا بالزيارة ...
فلا بد إذا للنظم من عمليتين اثنتين:
1-ترتيب المعاني في النفس
2-ترتيب الألفاظ في النطق

وهكذا يطبق الجرجاني رحمه الله تعالى نظرية النظم على القرآن الكريم ... فيخرج لنا بنفائس لا تقدر بثمن وإليكم بعض الأمثلة ...

1-قوله تعالى: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيم} [الأنبياء: 62] ... حيث قدم "أنت" على الفعل ... ولم يقدم الفعل فيقال: "أفعلت هذا" ... والسر في ذلك أننا نقدم ما هو مشكوك فيه أما الأمر المتيقن فلا يجوز أن نقدمه
2-في التعريف والتنكير وقوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96] ... يقول الجرجاني: ومما يُنظرُ إِلى مثلِ ذلكَ، قولُه تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة: 96] إِذا أنتَ راجعتَ نفسَك وأذكيتَ حسَّك، وجدتَ لهذا التنكيرِ وأنْ قِيلَ: "على حياةٍ"، ولم يُقَلْ: "على الحياةِ"، حُسْناً وروعةً ولطفَ موقعٍ لا يقادره قدرُه، وتَجِدُكَ تَعْدَمُ ذلكَ مع التعريفِ، وتخرجُ عن الأريحيةِ والأُنْس إِلى خلافِهما. والسببُ في ذلك أنَّ المعنى على الازدِياد منَ الحياةِ لا الحياة من أصلها، وذلك أنه لا يَحْرِصُ عليه إِلاّ الحيُّ، فأمَّا العادِمُ للحياة فلا يصحُّ منه الحرْصُ على الحياةِ ولا على غيرها3. وإِذا كانَ كذلكَ، صارَ كأنه قيلَ: "ولتجدنَّهُمْ أحْرَصَ الناسِ، ولو عاشوا ما عاشوا، على أن يزدادوا إِلى حياتِهم في ماضي الوقت وراهِنِه، حياةً في الذي يَستقْبِل".
3-الاستعارة في قوله تعالى: " واشتعل الرأسُ شيباً" مريم 4 ... فالاشتعال للنار ولكنه هنا شبه انتشار الشيب بالاشتعال ... ويرى الجرجاني أن الفضل للنظم وليس للاستعارة وحدها ... فلو قيل "اشتعل شيب الرأس" لم يكن للكلام هذا الفضل وتلك المزية ... وإنما المزية أنه أسند الاشتعال إلى الرأس .. وجعل الشيب تمييزا .. ويتضح الفرق لو تأملنا هاتين الجملتين: " اشتعلت النار في البيت" و "اشتعل البيت نارا" .. فالأولى تبين اشتعال النار في جزء من البيت والثانية تفيد اشتعال البيت كله ..

فالإعجاز عند الجرجاني رحمه الله تعالى يتمثل في نظم القرآن الفريد الذي لم يستطع أحد أن ينسج على منواله .. وقد استعرض في كتابه دلال الإعجاز بعض الأمور التي أوردت على سبيل أنها سبب الإعجاز وقد ردها جميعا نذكر منها:
1-قالوا أنه من الممكن أن يكون الذي أعجزهم كلمات القرآن وألفاظه المفردة .. ويرد الجرجاني هذا القول لأن معناه أن القرآن جاء بألفاظ لم يعرفها العرب وهذا باطل
2-أنه من الممكن أن يكون الذي أعجزهم معاني الكلمات ... وهذا باطل أيضا لأنه يقتضي أن يكون للكلمة معنى قبل نزول القرآن وأن هذا المعنى قد تغير بنزول القرآن وهذا غير صحيح
3-أن تكون خفة الكلمة وعدم ثقلها هو الإعجاز ... ويرد الجرجاني هذا القول لأن للعرب كلاما خاليا من الثقل ومتلائم في حروفه ولم يوصف بأنه معجز
ومن أكثر المستفيدين من نظرية النظم والأشد تطبيقا لها هو الزمخشري في تفسيره الكشاف ... وقد أطنب في بيان بلاغة الآيات وتوضيح التقديم والتأخير فيها والحذف والوصل والاستعارات ...وغير ذلك من علوم البلاغة أيما إطناب

قلب معلق بالله
08-24-2012, 03:33 AM
أكملوا بارك الله فيكم
فموضوعكم يسأل عنه الشباب

ابو علي الفلسطيني
08-24-2012, 02:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم


[ إعجاز القرآن عند الباقلاني رحمه الله تعالى]

لعله لم يشتهر كتاب في إعجاز القرآن كما اشتهر كتاب الباقلاني رحمه الله تعالى "إعجاز القرآن" ... وقد اشتمل على فصول وأبواب كثيرة دافع فيها عن القرآن ورد على مطاعن كثيرة ...
ويتلخص الإعجاز عند الباقلاني رحمه الله تعالى في وجوه منها:

1-أخبار الغيب التي تحدث عنها القرآن قبل أن تحدث مثل قوله تعالى: الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) الروم 1-5 وقوله تعالى: " لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) الفتح 27
2-الإخبار عن الأمم الماضية مع أمية النبي صلى الله عليه وسلم
3-نظم القرآن البديع وقد أسهب الباقلاني رحمه الله تعالى في بيان هذا الوجه .. وذكر عدة وجوه في تبينه منها:
أ‌-ما يرجع إلى جملة القرآن ... حيث يختلف أسلوب القرآن عن كلام العرب فلا هو موزون مقفى كالشعر ولا هو بالسجع .. وقد عقد الباقلاني رحمه الله تعالى فصلا كاملا لنفي السجع من القرآن فانظره غير مأمور
ب‌-القرآن كله على نسق واحد من البلاغة والنظم والفصاحة من أوله إلى آخره .. وأنت لو أخذت ديوانا لأحد الشعراء فسوف تجد القصائد فيه مختلفة من حيث بلاغتها ... بل حتى أبيات القصيدة الواحدة تتفاوت بلاغتها .. وقس على ذلك في النثر .. فقد يجود الكاتب في مقالة أو اثنتين .. ولكنه لا يستمر على نفس النسق لآخر الكتاب
ت‌-موضوعات القرآن على اختلافها لا نستطيع أن نقول أن بعضها أفصح من بعض بل كلها في غاية الفصاحة والبيان بينما نجد الشعراء مثلا يجيدون المديح ولا يجيدون الهجاء أو النسيب أو الوصف ..

ابو علي الفلسطيني
08-24-2012, 02:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


[ إعجاز القرآن عند ابن تيمية رحمه الله تعالى]

تحدث ابن تيمية رحمه الله تعالى عن إعجاز القرآن في كثير من كتبه مثل مجموع الفتاوى ودرء التعارض ومنهاج السنة وغير ذلك من الكتب ... وقد جمع الدكتور محمد بن عبد العزيز العواجي كثيرا من كلام شيخ الإسلام عن الإعجاز وقال أن وجوه الإعجاز عند ابن تيمية تتمثل في:

1-إعجاز القرآن في اسمائه وأوصافه ... وقد ذكر الشيخ من أسماء القرآن كما وردت فيه: القرآن، الموعظة، الرحمة، بصائر، البلاغ، الكريم، المجيد، العزيز، المبارك، التنزيل، المنزل، الذكر، الذكرى ...الخ وأما أوصاف القرآن فمنها أنه يقص وينطق ويحكم ويفتي ويبشر ويهدي ..وإذا أضيف ذلك إلى القرآن الذي هو كلام الله فالله هو الذي حكم به وأفتى به ..
2-إعجاز القرآن في السور القصيرة والآية والآيتين
3-إعجاز القرآن في حروف المعجم
4-إعجاز القرآن في الإخبار بالمغيبات
5-إعجاز القرآن ليس في الأمثال اللغوية فقط
6-إعجاز القرآن في تناسبه وارتباط بعضه ببعض
7-الإعجاز العلمي والكوني في القرآن

ثم تحدث شيخ الإسلام عن الإعجاز البياني في القرآن وأن هذا الإعجاز يتمثل في:
1-إعجاز القرآن في أساليبه
2-خصائص الألفاظ والمغاني التي في القرآن

أما أساليب القرآن فيرى شيخ الإسلام أن الإعجاز فيها يتمثل في:
أ‌-إعجاز القرآن في الأقسام ... حيث أن من عادات العرب أن تستخدم أسلوب القسم إذا أرادت أن تؤكد أمرا .. يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى:" وهو سبحانه يقسم بأمور على أمور، وإنما يقسم بنفسه المقدسة الموصوفة بصفاته، أو بآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنها من عظيم آياته، وهو سبحانه يذكر جواب القسم تارة وهو الغالب، وتارة يحذفه كما يحذف جواب "لو" كثيرا كقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى" الرعد 31 وكقوله سبحانه: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ" الأنفال 50 ... وليس في ذكر الجواب زيادة على ما دل عليه الشرط ... ثم يفصل الكلام رحمه الله تعالى في معظم ما أقسم به الله تعالى في كتابه فانظره في المصدر المذكور أعلاه ..
ب‌- إعجاز القرآن في الاستفهام .. حيث يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى " أكثر استفهامات القرآن أو كثيرا منها إنما هي استفهامات إنكار معناه الذم والنهي إن كان إنكارا شرعيا، أو معناه النفي والسلب إن كان إنكار وجود ووقوع، كقوله تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ يس 78 وكقوله سبحانه: " آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ" النمل 59 وسنذكر بعض لطائف الاستفهام في القرآن في ثنايا هذا البحث بحول الله تعالى
ت‌- في ضرب الأمثال .. حيث يوضح الشيخ رحمه الله تعالى الفرق بين المثل اللغوي والمثل القرآني ويسهب في ذكر الأمثلة على ذلك
ث‌-في القصص ... حيث تكلم الشيخ رحمه الله تعالى عن معنى قوله تعالى " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ" يوسف 3 ... ثم قال عن تكرار القصص في القرآن: وقد ذكر الله تعالى هذه القصة [ قصة موسى وفرعون] في أكثر من موضع من القرآن، بين في كل موضع منها من الاعتبار والاستدلال نوعا غير النوع الآخر، فيعبر عن القصة بجمل فيها معانٍ ثم يعبر عنها بجمل أُخر فيها معان أُخر،
ج‌-في المخاطبات بحسب الحاجات
ح‌-بيان القرآن للحق بالأدلة العقلية والقياس البين

أما خصائص الألفاظ والمعاني فتتمثل في:
أ‌-قوة لفظ القرآن واثرها في المعنى
ب‌-خصائص الألفاظ والمعاني في القرآن عظيمة
ت‌-لا ترادف بين كلماته وحروفه
ث‌-ليس في القرآن تكرار بعينه
ج‌-ليس في القرآن كلام لا معنى له ...

وقد فصل الشيخ رحمه الله تعالى كل بند من البنود السابقة ... فانظرها في موضعها .. أما قضية الترادف في القرآن أو في اللغة عموما فسنذكر شيئا عنها بإذن الله تعالى في أواخر هذا الموضوع ..

قلب معلق بالله
08-24-2012, 05:31 PM
ما شاء الله
بارك الله فيكم
أخانا الكريم
سألت فى أحد المرات متخصصة فى اللغة العربية وهى تسعى إلى الدكتوراه الآن
كيف يكون إعجاز القرآن فى الآية الواحدة وأن لا أحد يستطيع عمل مثلها
فردت علىّ ليس الإعجاز المقصود به الآية الواحد وإنما تناسق الآية مع بقية آيات السورة
فهل هذا صحيح وأريد تفصيلاً فى هذا الأمر أخانا الكريم ؟

ابو علي الفلسطيني
08-24-2012, 11:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم


سألت فى أحد المرات متخصصة فى اللغة العربية وهى تسعى إلى الدكتوراه الآن
كيف يكون إعجاز القرآن فى الآية الواحدة وأن لا أحد يستطيع عمل مثلها
فردت علىّ ليس الإعجاز المقصود به الآية الواحد وإنما تناسق الآية مع بقية آيات السورة
فهل هذا صحيح وأريد تفصيلاً فى هذا الأمر أخانا الكريم ؟

تناسق الأيات مع بعضها في السورة الواحدة وتناسق السورة مع السورة الأخرى معجز كما تفضلت به الأخت وفقها الله ... لكن ثمة أمر مهم وهو أن نظم الآية الواحدة معجز ايضا ... بمعنى:
* بعض الآيات نظمها معجز لوحدها كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النحل 90 ... قال العلماء هذه الآية أجمع آية للأمر والنهي وكقوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ الاعراف 199 فهذه الآيات تعد دستورا لوحدها ..
* بعض الآيات يتضح إعجازها بارتباطها بما قبلها أو بعدها كسورة الكوثر ... فهي اصغر سورة في القرآن لكن فيها من الإعجاز الكثير لدرجة أن الزمخشري رحمه الله تعالى كتب فيها رسالة منفصلة ...
والله اعلم

قلب معلق بالله
08-26-2012, 01:37 PM
جزاكم الله عنا خيرا

ابو علي الفلسطيني
08-26-2012, 10:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

[ إعجاز القرآن عند الرافعي]

الرافعي رحمه الله تعالى من أعلام الأدب والفكر المعاصرين ... له صولات وجولات ومناظرات في ميادين اللغة والبلاغة لا نستطيع استيعابها في هذه العجالة ... ومعاركه مع طه حسين والعقاد وغيرهم من أدباء عصره قد امتلأت بها بطون الكتب فانظرها في مظانها ..
يرى الرافعي أن القرآن الكريم معجز من ثلاث جهات:
1-من حيث تاريخه بين الكتب السماوية فهو كتاب محفوظ لم يطرأ عليه تبديل ولا تحريف
2-معجز من حيث آثاره فلم يعرف في الدنيا كتاب كان أثره ولا يزال مثل القرآن
3-من حيث حقائقه وهي حقائق في مجالات متعددة تعدد أنماط الحياة ... ليس فيها ثغرة يتسلل من خلالها زيغ أو زائغ

ويرى الرافعي أن الإعجاز البياني هو الجهة الرابعة من جهات إعجاز القرآن وهي التي أطال البحث فيها رحمه الله تعالى

[ أسلوب القرآن ]
يرى الرافعي أن سر التفاوت بين أسلوب القرآن وأسلوب البشر مع ان المادة اللغوية واحدة لا تختلف يرجع إلى أمور أهمها:
1-ما نجده في أسلوب القرآن من قوة نسج وإحكام في السرد بحيث لو قرأته كله من أوله إلى آخره لا تحس بنبوة أو ثغرة وأنت تنتقل من معنى إلى آخر ومن آية إلى أخرى ومن موضوع إلى موضوع
2-هذا الإحكام وتلك القوة التي نجدها في أسلوب القرآن تجدها في مكي القرآن ومدنيه على السواء وفي السورة الطويلة والقصيرة على السواء ايضا
3-وعلى هذا فأسلوب القرآن على نسق واحد وهذا يجعله يختلف عن أٍساليب البشر الذين تنعكس أمزجتهم على أساليبهم

ويرى الرافعي رحمه الله تعالى أن نظم القرآن يتمثل في: الحروف وأصواتها، والكلمات وحروفها، والجمل وكلماتها.... وهذا منطقي .. فالحروف هي التي تتكون منها الكلمات والكلمات هي التي تتكون منها الجمل .. ثم يشير رحمه الله تعالى إلى أن أصوات الحروف في القرآن منسجمة مع بعضها بحيث يتكون منها جرس صوتي خلاب ... اقرأ مثلا قوله تعالى: وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) القمر 36 حيث أن كلمة "النذر" والضمة التي على النون والذال ليس فيهما ثقل بعكس ما قد يكون في كلام الناس ... ومثله أيضا قوله تعالى " فسيكفيكهم الله" وقوله سبحانه " ليستخفلنهم" الى غير ذلك ... حيث ترى أن انسجام الحروف وعدم ثقلها على النطق

قلب معلق بالله
08-28-2012, 12:51 PM
بارك الله فيكم
ولى تعليق أيضا أخانا الكريم ربما تكون هناك وجوه إعجاز أخرى لم تُكتشف

كان للجاحظ دوره البارز في تطويع مبحث الأصوات لمقتضيات الصياغة والمعنى ، وذلك بالربط بين الألفاظ من حيث خصائصها الصوتية ، ودلالتها على معانيها ، وموقعها في نظم الكلام وتأليفه ، وبيان تأثيرها على المتلقي ، وإشباع حاجاته الجمالية ؛ مما يدل على أصالة مبحث الجاحظ في هذه الناحية ، وأنه كان نبراسا لمن أتى بعده من البلاغيين ، فاهتدوا بضوئه ؛ مما يؤكد سلامة مقياسه وأصالته ؛ ليصبح مبدأ بلاغيا مهما يرشد إلى موطن من مواطن الجمال في بنية النص الأدبي خطابة أو شعرا .

بمعنى حروف كل كلمة فى الآية الواحدة فيها إعجاز من حيث الخصائص الصوتية وقدرتها الفائقة على إيصال المعنى المطلوب
بناء على خصائصها الصوتية
فلا يستيطع هنا كافر أن يبدل كلمة مكان كلمة !

قلب معلق بالله
10-05-2012, 10:34 PM
رفع بارك الله فيكم