المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدقائق في الرد على من يقول أن القرآن الكريم يخالف الحقائق



فخر الدين المناظر
03-28-2006, 03:03 AM
-الطعن الأول: كيف تزعمون أن محمدا ( اصطفاه الله للرسالة وهيئه, مع وصفه له بالضلال(321)،فهو كقومه كان وثنيا، ( ووجدك ضالا فهدى ( [الضحى:7]؟
-الجواب:
1-(قيل إن العرب كانت إذا وجدت شجرة منفردة في فلاة من الأرض لا شجر معها سموها ضالة ، فتهتدي بها على الطريق ، فقال الله تعالى لنبيه: ( ووجدك ضالا فهدى ( أي وجدك لا أحد على دينك فهديت بك الخلق إلي) ،ومن هذا قول : (الحكمة ضالة المؤمن).
أي أن الضلال هنا المقصود به الحقيقة اللغوية لا الشرعية، إذ لم يكن في ذلك الوقت شرع ، وبعض المعاني اللغوية معنى جميل كما رأيت.
2-وقيل: إنه من قولك: ضللت الطريق .أي لم تعرفه(322)، ومنه قولهم: ضالة الإبل والغنم . يعني التي لم تهتد لقومها، فالنبي ( كان موحدا عارفا بالله بفطرته وعقله ، ولكنه لم يعرف كيف يعبده؛ لأنه لم ينزل عليه شرع ، فهو ضال بهذا المعنى, أي لم يعرف طريق العبادة الصحيحة.
قال الراغب : (الضلال ترك الطريق المستقيم ؛ عمدا كان أو سهوا ، قليلا كان أو كثيرا، ويصح أن يستعمل لفظ الضلال ممن يكون منه خطأ ما ، ولذلك نسب إلى الأنبياء ، وإلى الكفار ، وإن كان بين الضلالين بون بعيد، ألا ترى أنه قال في النبي :( وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى( [الضحى:7]، أي غير مهتد لما سبق إليك من النبوة ، وقال في يعقوب :( قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ( [يوسف:95]، وقال أولاده: ( إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( [يوسف:8] إشارة إلى شغفه بيوسف وشوقه إليه، وكذلك ( قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( [يوسف:30]، وقال عن موسى عليه السلام: ( قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ( [الشعراء:20] تنبيه أن ذلك منه سهو ،وقوله: ( أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا... ( [البقرة:282]،أي تنسى وذلك من النسيان الموضوع على الإنسان .
والضلال من وجه آخر ضربان ؛ ضلال في العلوم النظرية ,كالضلال في معرفة الله ووحدانيته ,ومعرفة النبوة ونحوهما, المشار إليهما بقوله:( وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ( [النساء:136]، وضلال في العلوم العملية ,كمعرفة الأحكام الشرعية التي هي العبادات)(323)، وهذا النوع يعذر فيه الإنسان إذا لم يبلغه .
ألا ترى أن زيد بن عمرو بن نفيل(324) دخل الجنة مع أنه لم يعرف كيف يعبد الله تعالى، فقد أخرج البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ( : أَنَّ النَّبِيَّ ( لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ , قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ ( الْوَحْيُ, فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ ( سُفْرَةٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا, ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ : إِنِّي لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ وَلَا آكُلُ إِلَّا مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ, وَ يَقُولُ : الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ وَأَنْزَلَ لَهَا مِنْ السَّمَاءِ الْمَاءَ, وَأَنْبَتَ لَهَا مِنْ الْأَرْضِ ,ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ . إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ)(325).
وأخرج البخاري أيضا عَنْ ابْنِ عُمَرَ ( : أَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنْ الدِّينِ وَيَتْبَعُهُ, فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ الْيَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ, فَقَالَ : إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ فَأَخْبِرْنِي؟ فَقَالَ : لَا تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ . قَالَ زَيْدٌ : مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ , اللَّهِ وَلَا أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا ،وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ؟ قَالَ : مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا ،قَالَ زَيْدٌ :وَمَا الْحَنِيفُ؟ قَالَ : دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا مِنْ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَقَالَ : لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ. قَالَ : مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ, وَلَا أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ وَلَا مِنْ غَضَبِهِ شَيْئًا أَبَدًا ،وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ ،فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ ؟ قَالَ :مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا .قَالَ :وَمَا الْحَنِيفُ ؟قَالَ :دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَا يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام, خَرَجَ, فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْهَدكُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ .
وَقَالَ اللَّيْثُ :كَتَبَ إِلَيَّ هِشَامٌ, عَنْ أَبِيهِ, عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا, قَالَتْ : رَأَيْتُ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ, يَقُولُ :يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ غَيْرِي . وَكَانَ يُحْيِي الْمَوْءُودَةَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَتَهُ :لَا تَقْتُلْهَا أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ ،قَالَ لِأَبِيهَا :إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكَ وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا(326)،
فزيد بن عمرو مع جهله بطريق العبادة, إلا أن فطرته دلته على وجود الله ,وعقله هداه إلى توحيد الله ، فكان يعبد الله على حسب اجتهاده ، فهو مع ضلاله عن طريق العبادة الصحيحة, إلا أنه كان معذروا لذلك أدخله الجنة، ومن هذا الباب معنى قوله تعالى :
( ووجدك ضالا فهدى (. أي ضالا عن طريق العبادة الصحيحة فدلك عليها له وإن كان عارفا بالله موحدا له.
3-ثم إننا نلزمهم بأمر وهو : هل هم يقولون هذا أيضا في موسى عندما قال عن نفسه, (فعلتها إذاً وأنا من الضالين ( [الشعراء:20].
4-ثم إننا لو تنزلنا لهم وسلمنا لهم بالمعنى الذي يريدون, فإن هذا لا يضره؛ فهو معذور بعدم العلم فهو إذ لم يضل عن علم بل ضل بغير علم , وهذا لا حرج عليه ولا مؤاخذة فيه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما وجوب كونه ( قبل أن يبعث نبيا لم يخطئ أو لا يذنب فليس في النبوة ما يستلزم هذا).
ولكن الحرج كل الحرج فيمن يعرف العلم والهدى ثم يتركه ,كما هو حال اليهود والنصارى الذين يعرفون النبي (كما يعرفون أبناءهم.
-الطعن الثاني:كيف سُحِرَ النبي ( مع أن الله تعالى يذكر كلام الكفار, ووصفهم النبي بالمسحور في مقام الذم في قول الله على ألسنتهم : ( إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ( [الفرقان:8].
-الجواب:
أولا : لابد – أولاً - أن نعرف أن حديث سحر النبي ( ثابت في الصحيحين, وقد تقدم معنا النقل عن ابن الصلاح, وهو أن ما كان في الصحيحين قد تلقته الأمة بالقبول(327) ، ونص الحديث عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سُحِرَ النَّبِيُّ ( حَتَّى إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَمَا فَعَلَهُ –وفي رواية :وأنه يأتي أهله ولا يأتي- حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ عِنْدِي دَعَا اللَّهَ وَدَعَاهُ, ثُمَّ قَالَ : « أَشَعَرْتِ يَا عَائِشَةُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ »، قُلْتُ : وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ :« جَاءَنِي رَجُلَانِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ, ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ : مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ :مَطْبُوبٌ .قَالَ :وَمَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ –الْيَهُودِيُّ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ- قَالَ :فِيمَا ذَا قَالَ : فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ وَجُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ. قَالَ :فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ قَالَ : فَذَهَبَ النَّبِيُّ ( فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَى الْبِئْرِ ,فَنَظَرَ إِلَيْهَا وَعَلَيْهَا نَخْلٌ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ فَقَالَ : "وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَ هَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ ,وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ » . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأَخْرَجْتَهُ قَالَ : « لَا ،أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِيَ اللَّهُ وَشَفَانِي ,وَخَشِيتُ أَنْ أُثَوِّرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا ». وَأَمَرَ بِهَا فَدُفِنَتْ )(328) .
فظاهر من الحديث أن السحر كان في الأمور الدنيوية فهو يخيل إليه أنه أتى أهله ولكنه لم يفعل ويخيل إليه أنه فعل الشيء ولم يفعله(329) ، وأما الأمور الشرعية والوحي ، فإنه محفوظ من الخطأ فيها, كما ثبت في النصوص الكثيرة،كقوله تعالى: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ( [النجم:3-4].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ :كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ( أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا :أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ ( بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا ،فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ ،فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ( فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ :« اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ » (330) وغير ذلك من النصوص المتكاثرة.
قَالَ الْمَازِرِيّ : (أَنْكَرَ الْمُبْتَدِعَة هَذَا الْحَدِيث وَزَعَمُوا أَنَّهُ يَحُطّ مَنْصِب النُّبُوَّة وَيُشَكِّك فِيهَا ، قَالُوا :وَكُلّ مَا أَدَّى إِلَى ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِل .وَزَعَمُوا أَنَّ تَجْوِيز هَذَا يَعْدَم الثِّقَة بِمَا شَرَعَهُ مِنْ الشَّرَائِع إِذْ يُحْتَمَل عَلَى هَذَا أَنْ يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ يَرَى جِبْرِيل وَلَيْسَ هُوَ ثَمَّ ،وَأَنَّهُ يُوحِي إِلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ ،قَالَ الْمَازِرِيّ : وَهَذَا كُلّه مَرْدُود لِأَنَّ الدَّلِيل قَدْ قَامَ عَلَى صِدْق النَّبِيّ ( فِيمَا يُبَلِّغهُ عَنْ اللَّه تَعَالَى وَعَلَى عِصْمَته فِي التَّبْلِيغ ،وَالْمُعْجِزَات شَاهِدَات بِتَصْدِيقِهِ، فَتَجْوِيز مَا قَامَ الدَّلِيل عَلَى خِلَافه بَاطِل , وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّق بِبَعْضِ الْأُمُور الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يُبْعَث لِأَجْلِهَا وَلَا كَانَتْ الرِّسَالَة مِنْ أَجْلهَا, فَهُوَ فِي ذَلِكَ عُرْضَة لِمَا يَعْتَرِض الْبَشَر كَالْأَمْرَاضِ،فَغَيْر بَعِيد أَنْ يُخَيَّل إِلَيْهِ فِي أَمْر مِنْ أُمُور الدُّنْيَا مَا لَا حَقِيقَة ,لَهُ مَعَ عِصْمَته عَنْ مِثْل ذَلِكَ فِي أُمُور الدِّين ،قَالَ : وَقَدْ قَالَ بَعْض النَّاس: إِنَّ الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ ( يُخَيَّل إِلَيْهِ أَنَّهُ وَطِئَ زَوْجَاته وَلَمْ يَكُنْ وَطِأَهُنَّ , وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَقَع تَخَيُّله لِلْإِنْسَانِ فِي الْمَنَام , فَلَا يَبْعُد أَنْ يُخَيَّل إِلَيْهِ فِي الْيَقِظَة.
قُلْت(331) : وَهَذَا قَدْ وَرَدَ صَرِيحًا فِي رِوَايَة اِبْن عُيَيْنَةَ فِي الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا وَلَفْظه " حَتَّى كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاء وَلَا يَأْتِيهِنَّ ". وَفِي رِوَايَة الْحُمَيْدِيّ " أَنَّهُ يَأْتِي أَهْله وَلَا يَأْتِيهِمْ ". قُلْت : وَوَقَعَ فِي مُرْسَل عَبْد الرَّحْمَن بْن كَعْبٍ عِنْد اِبْن سَعْد " فَقَالَتْ أُخْت لَبِيد بْن الْأَعْصَم إِنْ يَكُنْ نَبِيًّا فَسَيُخْبَرُ،وَإِلَّا فَسَيُذْهِلُهُ هَذَا السِّحْر حَتَّى يَذْهَب عَقْله ". قُلْت : فَوَقَعَ الشِّقّ الْأَوَّل(332) كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيث الصَّحِيح .
وَقَدْ قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : لَا يَلْزَم مِنْ أَنَّهُ كَانَ يَظُنّ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْء وَلَمْ يَكُنْ فَعَلَهُ أَنْ يُجْزَم بِفِعْلِهِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يَكُون مِنْ جِنْس الْخَاطِر يَخْطِر وَلاَ يَثْبُت،فَلَا يَبْقَى عَلَى هَذَا لِلْمُلْحِدِ حُجَّة .
وَقَالَ عِيَاض : وَيُؤَيِّد جَمِيع مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَل عَنْهُ فِي خَبَر مِنْ الْأَخْبَار أَنَّهُ قَالَ قَوْلًا فَكَانَ بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ بِهِ . وَقَالَ الْمُهَلَّب : صَوْن النَّبِيّ ( مِنْ الشَّيَاطِين لَا يَمْنَع إِرَادَتهمْ كَيَدَهُ،فَقَدْ مَضَى فِي الصَّحِيح أَنَّ شَيْطَانًا أَرَادَ أَنْ يُفْسِد عَلَيْهِ صَلَاته فَأَمْكَنَهُ اللَّه مِنْهُ ،فَكَذَلِكَ السِّحْر مَا نَالَهُ مِنْ ضَرَره مَا يُدْخِل نَقْصًا عَلَى مَا يَتَعَلَّق بِالتَّبْلِيغِ بَلْ هُوَ مِنْ جِنْس مَا كَانَ يَنَالهُ مِنْ ضَرَر سَائِر الْأَمْرَاض مِنْ ضَعْف عَنْ الْكَلَام،أَوْ عَجْز عَنْ بَعْض الْفِعْل ، أَوْ حُدُوث تَخَيُّل لَا يَسْتَمِرّ ،بَلْ يَزُول وَيُبْطِل اللَّه كَيْد الشَّيَاطِين)(333).
ومثل هذا قوله تعالى عن موسى ( قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ( [طه:66]، فسحر النبي ( مثل سحر موسى ( وهو أن يخيل إليه الشيء، فمن أنكر الحديث ماذا يقول عن هذه الآية ؟
ونزيد من الأمر توضحاً فنقول السحر الذي أراده المشركون غير السحر الذي حصل للنبي ( ، فهم أرادوا المسحور يعني الذي يصل إلى حد الجنون والافتراء, وقول ما لا يعقل ودخول الجن في المسحور،وهذا لا شك أنه باطل في حق النبي (، وأما سحر النبي ( فهو من نوع التخيل الذي يحصل لأي إنسان يقظة ومناما ، وهذا لا يضر في مقام النبوة.

-الطعن الثالث: كيف يسحر النبي ( مع أن الشياطين لا تسلط على عباد الله الصالحين ,كما قال تعالى: ( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ( [الحجر:42] ( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(99) إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ(100) ( [النحل:99-100]، فسحر النبي دليل أنه من الغاويين وأنه من الذين يتولون الشيطان؟.
الجواب:
السحر أنواع(334) :
1-سحر بالأدوية.
2-سحر لا حقيقة له بل هو خيال أو خفة يد.
3-سحر بالاستعانة بالشياطين.
إذن فليس كل أنواع السحر تسلط من الشياطين على المسحور، وذهب بعض العلماء إلى أن سحر النبي ( من نوع الأدوية ؛قال ابن حجر: وَاسْتَدَلَّ اِبْن الْقَصَّار عَلَى أَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ كَانَ مِنْ جِنْس الْمَرَض بِقَوْلِهِ فِي آخِر الْحَدِيث :«فَأَمَّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللَّه » . وَفِي الِاسْتِدْلَال بِذَلِكَ نَظَر .
لَكِنْ يُؤَيِّد الْمُدَّعَى أَنَّ فِي رِوَايَة عَمْرَة عَنْ عَائِشَة عِنْد الْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِل " فَكَانَ يَدُور وَلَا يَدْرِي مَا وَجَعه " وَفِي حَدِيث اِبْن عَبَّاس عِنْد اِبْن سَعْد : مَرِضَ النَّبِيّ ( وَأُخِذَ عَنِ النِّسَاء وَالطَّعَام وَالشَّرَاب،فَهَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ ..الْحَدِيث)(335)،
ولو سلمنا أنه من النوع الشيطاني ، فليس كل تعرض من الشيطان للإنسان معناه أنه ليس من عباد الله ، وفرق كبير بين التعرض والمحارشة وبين التسلط، ويؤيد ذلك ما أخرجه مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ( يَقُولُ :« إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ » (336)، فكل صالح يتعرض له الشيطان، بل هذه وظيفته في الحياة ، وهو أقسم على إغواء بني آدم.ولو سلمنا أن هذا من التسلط فإنه لفترة محدودة ,ثم بعد ذلك يذهبه الله تعالى, ويرجع المسلم إلى حاله الأولى .
فهذا آدم عليه السلام أغواه الشيطان حتى وقع في أكل الشجرة ، وهذا موسى قتل نفسا بغير نفس فقال: ( هذا من عمل الشيطان ( [ القصص : 15 ] ولا يقول أحد أن هذا من التسلط بمعنى التحكم والإغواء والتضليل ، بل يبقى آدم وموسى من خير أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

-الطعن الرابع: (كيف يذكر في القرآن أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم -يعني من مثل قوله تعالى: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا ( [البقرة:34]- مع أن هذا الدين اشتهر بالتشدد في إنكار الشرك وتكفير كل ساجد لغير الله ).
الجواب:
السجود نوعان ؛ سجود تحية وإكرام, وسجود عبادة وإعظام ، فسجود العبادة لا يجوز في جميع الملل وعند جميع الرسل ، بل لا يسجد الإنسان إلا لله وحده وأما سجود التحية فهذا كان جائزا في شرع من قبلنا ، كما حصل ليوسف عندما خر له أبواه وأخوته سجدا ، فلم ينكر عليهم ،ومن هذا الباب سجود الملائكة لآدم، وأما في شرعنا فقد نسخ سجود التحية ، درأ للفتنة وسدا لأبواب الشرك وطرائقه.
قال القرطبي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى : ( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا...( [يوسف: 100]: ( وقد نسخ الله ذلك كله في شرعنا، وجعل الكلام بدلا عن الانحناء. وأجمع المفسرون أن ذلك السجود على أي وجه كان ,فإنما كان تحية لا عبادة ، قال قتادة: هذه كانت تحية الملوك عندهم , وأعطى الله هذه الأمة السلام تحية أهل الجنة)(337).
على أن كثيراً من العلماء يقولون : إن السجود هنا المقصود به المعنى اللغوي للسجود ، وهو عموم الانحناء والميل والاحترام, ولا يلزم منه أن يخر على الأرض(338).
دعوى تعارض القرآن مع الوقائع التاريخية :
وقد أشعل أوار هذه الفتنة , وحمل رايتها محمد خلف الله في كتابه "الفن القصصي في القرآن الكريم "، وإن كان هو لم يبتدعها بل أخذها من المستشرقين و منهم :
المستشرق الألماني هوروفيتش(339) (1874-1931) الذي تحتوى بحوثه القرآنية على طائفة كبيرة من الملاحظات والمعلومات ،والجزء الأول من كتابه "مباحث قرآنية" يعالج النصوص القصصية في القرآن ويقسم كلامه إلى : عموميات وشكليات، أساطير رادعة...إلخ. والأستاذ بروكلمان(340) الذي أورد بعض العناوين البارزة لموضوعات كتبت في قصص القرآن وهي تاريخيا كما يلي:
1-الهجادة في قصص القرآن، بقلم سجبار ، ليبزيج 1907م.
2-مصادر القصص الإسلامية في القرآن وقصص الأنبياء ، بقلم سايدر سكاي ، باريس،1932م.
3-القصص الكتابي في القرآن ، بقلم سباير وجريفنا ينخن ،1939م .
وبعد هذا نجد المستشرق المجري بيرانت هيللر (1857-1943م)يتخصص تقريبا في جزء من قصص القرآن , فينشر بحوثا في مجلة الفصول بعنوان :
1-قصة أهل الكهف ،عام 1907.
2-عناصر يهودية في مصطلحات القرآن الدينية ،1928م.
3-قصص القرآن، عالم الإسلام ، 1934م(341).
-الردود الإجمالية:
-هناك نصوص ترد هذه الدعوى , بل هي في محل النـزاع ,كقوله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( [يوسف:111]، قوله سبحانه : ( إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ... ( [الأعراف:62]، وكقوله تعالى : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( [الأنعام:115]، أي صدقا في الأخبار وعدلا في الأحكام(342) .
كل ما في القرآن إما أخبار أو أحكام ، فكل أخباره صدق وكل أحكامه عدل، ومن الأخبار قصص الأمم السابقة مع أنبيائها.
-لا شك أن القصة من أهدافها العبرة , وأحيانا قد يختلق القاص القصة وينسخها من وحي خياله، لكن هذا ليس هو الكمال ؛ فكون الراوي يأخذ العبرة من قصة واقعية هو الأكمل ، والقرآن لا يأتي إلا بالكمال , كما قال سبحانه :( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ( [يوسف:3]، وما كان لأحسن القصص أن تكون كذبا.
-دأب العلماء على أخذ الكثير من الأحكام الفقهية من القصص القرآنية مثل صحة أنكحة الكفار المأخوذ من قوله تعالى: ( وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ... ( [القصص:9]، وجواز كون المهر عملا مأخوذ من قوله تعالى ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ... ( [القصص:27] وغيرها ،بل أخذوا منها أحكاما عقدية في أصول اعتقاد المسلمين ، فإبطال القصص القرآنية يبطل الكثير من الأحكام ؛لأنه إذا كانت القصة مكذوبة فلا يجوز أخذ الأحكام منها ، وهذا لم يقل به أحد .
6-يلزم من هذا القول أن الله تعالى لَبَّس على الناس بذكر هذه القصص المكذوبة في كتابه, الذي يزعم أنه محفوظ من الخطأ والريب والكذب ، ويلزم منه أن القرآن صد الكثير من الناس عن الإسلام بسبب عدم مطابقة قصصه للواقع ، بل هذا ما ادعاه خلف , حيث زعم أن التمسك بمقياس الصدق التاريخي في القصص القرآني خطر أي خطر على النبي ( و على القرآن ، بل هو جدير بأن يدفع الناس إلى الكفر بالقرآن كما كفروا من قبل بالتوراة(343) .
-يقول تعالى : ( إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم و إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنـزيل من حكيم حميد ( [ فصلت : 41 , 42 ] . فإذا كان المضمون التاريخي في القصص القرآني – كما يزعم خلف الله و أصحابه – باطل في الحقيقة , و نفس الأمر مطابقاً لما كان في نفوس المشركين أو غيرهم ، ألا يكون هذا معارضاً معارضة صريحة لمضمون هذه الآية , التي تنفي إمكان أن يقتحم الباطل إليه من بين يديه و لا من خلفه؟ ، فإذا أضفنا إلى هذا قوله تعالى : ( و قال الذين كفروا إن هذا إلا إفكٌ افتراه و أعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلماً و زوراً و قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرةً و أصيلاً قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات و الأرض إنه كان غفوراً رحيماً (
[ سورة الفرقان الآيات : 4 – 6 ] ،
و الآية السابقة تحكي قول الذين كفروا في ذلك ، ثم تعقب عليه بأن الذي أنزل هذا القرآن إنما هو الذي يعلم السر في السماوات و الأرض ، و في هذا أبلغ بيان في نفي زعم الأسطورة عنه ؛ لأن الذي يعلم حقائق الأمور في كل شيء , لا يجوز عليه أن يحكي في كتابه المنـزل الأساطير و الأباطيل على أنها هي الحق الذي لا يأتيه الباطل , إنما يقع في هذا ناقصو العلم و المعرفة من البشر , الذين لا علم لهم بحقائق و أسرار الكون .
-و هذا المعنى الأخير مصداق قوله تعالى : ( أفلا يتدبرون القرآن و لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا ( [ سورة النساء الآية 82 ] يعني – و الله تعالى أعلم – لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً مع حقائق الأمور التاريخية و الكونية ، و لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا بعضهم مع بعض
-وما قولهم في قوله تعالى : ( ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون (
[ سورة السجده الآيات :1-3 ] ، فرد على دعوى الافتراء بإثبات أنه هو الحق من الله ، فهل يتمشى مع منطق العقل أو أساليب البيان أن يكون حقاً قد احتوى باطلاً ؟ و هل يصدق عليه وصف الحق حينئذ ؟.
- وما قولهم في وصف القرآن – بما فيه من قصص – بأنه الحق كما في قوله تعالى : (إنا أرسلناك بالحق بشيراً و نذيراً ( [ سورة البقرة الآية : 119 ] و قوله: ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق و إنك لمن المرسلين ( [سورة البقرة الآية : 252 ] ، و قوله : ( نزل عليك الكتاب بالحق ( [سورة آل عمران الآية : 3 ] و قوله: ( إن هذا لهو القصص الحق ( [ سورة آل عمران 62 ] ، و قوله : ( إن الحكم إلا لله يقص الحق و هو خير الفاصلين (
[ سورة الأنعام الآية : 57 ] ، و قوله: ( و بالحق أنزلناه و بالحق نزل و ما أرسلناك إلا مبشراً و نذيراً ( [ سورة الإسراء الآية: 105 ] ، و قوله: ( نحن نقص عليك نبأهم بالحق( [سورة الكهف الآية : 13 ] ، و قوله : ( و لا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق و أحسن تفسيرا ( [ سورة الفرقان الآية : 33 ] ، و قوله : ( نتلوا عليك من نبأ موسى و فرعون بالحق لقوم يؤمنون ( [ سورة القصص الآية : 3 ] ، و قوله : ( و الله يقول الحق و هو يهدي السبيـل ( [ سورة الأحزاب الآية : 4 ] ، و قوله : ( و الذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق ( [ سورة فاطر الآية : 31 ] ، و قوله : ( إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق ( [ سورة الزمر الآية : 41 ] ، و قوله : ( إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصاً له الدين ( [ سورة الزمر الآية : 2 ] ، و قوله : ( تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديثٍ بعد الله و آياته يؤمنـون ( [ سورة الجاثية الآية : 6 ] ، و قوله : ( و آمنوا بما نزل على محمد و هو الحق من ربهم ( [ سورة محمد الآية : 2 ] ؟.
-إن عدم مطابقة ما في القرآن من وقائع تاريخية مع أحداث التاريخ , إما منشؤه عدم وجود هذه القصص في التاريخ أصلا , وإما منشؤه أن يكون في التاريخ شيء يعارضه؛فإن كان الأول فإن عدم عثورنا عليه في التاريخ ليس دليلا على عدم وقوعه حقيقة , فعدم العلم ليس علما بالعدم،وأما إن كان الثاني فلا بد أن تكون هذه الحادثة حصل لها من النقل والتواتر والتثبت مثل ما حصل للقرآن حتى تعارضه , وهذا لا وجود له ، وإلا فإننا نقدم ما في القرآن؛ لأنه أصح بشهادة الجميع.
14-هذه الدعوى تفتح الباب للطاعنين على مصراعيه، فإذا ثبت أن القرآن فيه أشياء مكذوبة ومفتراه , إذن كيف يتبع و يلزم به ويتحاكم إليه.
وأما الردود التفصيلية على الشبه التي ذكرها، فهي كالتالي :
-الطعن الأول:قوله تعالى عن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام : ( و يكلم الناس في المهد ( [ آل عمران : 46 ]، حيث روى الرازي عن اليهود و النصارى أنهم ينكرون أن عيسى تكلم في زمن الطفولة ، و يحتجون بأن هذا لو حدث لكان من الوقائع العجيبة التي تنقل بالتواتر .
-الطعن الثاني:وقوله تعالى : ( وقال فرعون: يا هامان ابن لي صرحاً ( [غافر 36 ] فالمدعو خلف الله يشير إلى ما رواه الرازي من قول اليهود : أطبق الباحثون عن تواريخ بني إسرائيل و فرعون , أن هامان ما كان موجوداً البتة في زمان موسى وفرعون ، وإنما جاء بعدهما بزمن مديد .
-الجواب:
1-أن هذا الآيات تليت على اليهود في زمن النبي ( ,وكان فيهم العلماء والأحبار فلم ينكر أحد منهم هذا الأمر.
2-كيف يُحاكم القرآن المحفوظ بحفظ الله له بكتب أهل الكتاب , التي ملئت تحريفا وزيفا , بل طال التحريف عندهم كتبهم المقدسة ، هذا لا يقبله عقل ، ومثل هذا كمثل عالم كبير السن والقدر والاطلاع ، تكلم في قضية ، فقال له الناس:نحن نخالفك بهذا ؛لأن عندنا كتابا محرفا لا ندري من ألفه ملئ بالأخطاء يخالف ما تقول ؟!!.
3-دعوى أن هذا مطبق عليه عندهم منقوضة بما حصل من اليهود والنصارى في زمن النبي ( , من الإقرار عليه وعدم إنكاره ، مع حرصهم الشديد على مخالفته في ما هو أقل من ذلك.
4- (إن الرازي لم يترك هذه الشبهة دون رد ، و بالتالي لم يكن من الذين يقولون بها على سبيل الإيمان أو الاقتناع ، فقد قال : أجاب المتكلمون عن هذه الشبهة , و قالوا : إن كلام عيسى عليه السلام في المهد , إنما كان للدلالة على براءة حال مريم عليها السلام من الفاحشة، و كان الحاضرون جمعاً قليلين ، فالسامعون لذلك الكلام كان جمعاً قليلاً ، و لا يبعد في مثله التواطؤ على الإخفاء . ،وقال : والجواب أن تواريخ موسى وفرعون قد طال العهد بها ، واضطربت الأحوال والأدوار , فلم يبق على كلام أهل التاريخ اعتماد في هذا الباب ، فكان الأخذ بقول الله تعالى أولى)(344).
5-إن فرعون موسى –من بين فراعنة مصر- ليس معروفا للمؤرخين بصورة قطعية متفق عليها، فإذا كان الأمر كذلك , فإن تحديد وزرائه ومعاونيه بالاستقصاء والحصر , أمر لا يمكن أن يدعيه على سبيل القطع مؤرخ يحترم عقله وعقول الناس(345) .

-الطعن الثالث: قوله تعالى: ( يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا( [مريم :28]،وقد علم أن بين مريم وهارون أكثر من خمسة عشر قرنا346.
-الجواب:
1-أن هارون كان رجلا صالحا من بني إسرائيل , ينسب إليه كل من عرف بالإصلاح، والمراد:أنكِ كنتِ في الزهد والتقوى كهارون، فكيف صرت هكذا.
2-أن مريم من نسل هارون ، فنسبت إليه كما يقال : يا أخا همدان ، يا أخا العرب ، يعني يا من نسله منهم،ومنه قوله تعالى: ( واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف... ( [الأحقاف:21] ومن هذا الباب حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ( , إِذْ جَاءَ هُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ , ثُمَّ أَدْبَرَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (:« يَا أَخَا الْأَنْصَارِ كَيْفَ أَخِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ؟ » ، فَقَالَ : صَالِحٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (: « مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ ؟ » فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ وَنَحْنُ بِضْعَةَ عَشَرَ , مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ وَلَا خِفَافٌ347 وَلَا قَلَانِسُ348 وَلَا قُمُصٌ , نَمْشِي فِي تِلْكَ السِّبَاخِ حَتَّى جِئْنَاهُ , فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِهِ حَتَّى دَنَا رَسُولُ اللَّهِ ( وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ"(349)، وهذا الجواب وجيه وقوي.
3-أن هارون كان رجلا مُعْلِناً بالفسق , فشبهت به .
4-هارون المقصود به هنا ليس هو هارون أخي موسى , بل هو أخ لمريم حقيقة فنسبت إليه ، فقد عرض هذا الإشكال على النبي ( وأجاب عنه بهذا الجواب ، فقد أخرج الإمام مسلم عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : لَمَّا قَدِمْتُ نَجْرَانَ سَأَلُونِي فَقَالُوا : إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ ( يَا أُخْتَ هَارُونَ( وَمُوسَى قَبْلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا . فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ : « إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ » (350).

-الطعن الرابع : يقول: بانَ للعقل الإسلامي أن وداً وسُواعاً ويغوثَ ويعوقَ ونسراً كانت الأوثان التي تعبد في الجزيرة العربية زمن البعثة المحمدية ، وعجز العقل الإسلامي عن أن يفهم الصلة بين هذه الأوثان وبين نوح عليه السلام حتى تجيء في قصته ، فالدنيا خربت في زمن نوح بالطوفان , فكيف بقيت تلك الأصنام؟.
-الجواب:
نسأل:مَن قال إن الدنيا خربت؟ إنما هلك كل الناس إلا من كان في السفينة ، وأما بقاء الأصنام وغيرها من الجمادات فهو غير مستبعد.
قال القرطبي : (عن ابن عباس: إن نوحا عليه السلام كان يحرس جسد آدم عليه السلام , على جبل بالهند, فيمنع الكافرين أن يطوفوا بقبره, فقال لهم الشيطان: إن هؤلاء يفخرون عليكم، ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم , وإنما هو جسد , وأنا أصور لكم مثله تطوفون به. فصور لهم هذه الأصنام الخمسة ، وحملهم على عبادتها, فلما كان أيام الطوفان دفنها الطين والتراب والماء, فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب) (351).

-الطعن الخامس:سياق آيات قصة لوط في سورة الحِجْر , يخالف سياق نفس القصة في سورة هود وغيرها من السور :
ففي الحِجْر : ( فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ(61)قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنكَرُونَ(62)قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ(63)وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ(64)فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ(65)وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ(66)وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ(67)قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ(68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ(69)قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ(70)قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ(71) ( [الحجر:61-71].
وأما في هود : ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ(77)وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ(80) قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) ( [هود:77-81]، ففي الحجر أخبروه أنهم رسل الله قبل أن يأتي قومه ، وفي هود أخبروه بعد ذلك؟.
-الجواب:
لا شك أن سياق سورة هود هو سياق قصة لوط ,كما يدل عليه غيره من الآيات ، ويدل عليه أيضا قوله في الحجر: ( إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ(68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ(69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ(70)قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُْنتُمْ فَاعِلِينَ ( فلو كان يعلم أنهم ملائكة لما قال هذا الكلام لقومه.
وليس في الحجر ما يدل على خلاف هذا ، وكون الآيات قدمت كلام الملائكة مع أنه متأخر حدوثا , فهذا لا يضر لحكمة معينة، والواو لا تقتضي الترتيب ،قال ابن كثير: ( قوله: قال ( إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون ( .
وهذا إنما قاله لهم قبل أن يعلم بأنهم رسل الله ، كما قال في سورة هود , وأما ههنا فتقدم ذكر أنهم رسل الله , وعطف ذكر مجيء قومه ومحاجته لهم ، ولكن الواو لا تقتضي الترتيب ولا سيما إذا دل دليل على خلافه)(352).

-الطعن السادس: وذكروا أن في القرآن أساطير للأولين ؛ومثل لها بالذي مر على قرية وهو خاوية على عروشها، وقصة أهل الكهف، لأن ما فيها من أخبار الغيب لا يتفق مع مقاييس العقل.
-الجواب:
1- قصة أهل الكهف يثبتها أهل الكتاب أيضا، بل إنما نزلت هذه الآيات بناء على استفسارهم عنها –كما تقدم-، والعادة أنهم لا يطعنون في كتبهم المقدسة –على خلاف بعض بني جلدتنا-، فالطعن في قصة تتابعت الكتب السماوية على إثباتها جرأة خطيرة .
2-هذه دعوى من غير دليل ، وكل دعوى بلا دليل باطلة ، لاسيما إذا كان القرآن يقرر خلاف هذه الدعوى.

-الطعن السابع: الطعن في قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس والهدهد:
قال الإمام الرازي: ( أن الملاحدة طعنت في هذه القصة من وجود :
أحدها : أن هذه الآيات اشتملت على أن النملة والهدد تكلما بكلام لا يصدر ذلك الكلام إلا من العقلاء ، وذلك يجر إلي السفسطة ، فإنا لو جوزنا ذلك لما أمنا في النملة التي نشاهدها في زماننا هذا أن تكون أعلم بالهندسة من إقليدس وبالنحو من سيبويه ، وكذلك القول في القملة والصئبان ، ويجوز أن يكون فيهم الأنبياء والتكاليف والمعجزات .
ومعلوم أن من جوز ذلك كان إلى الجنون أقرب .
وثانيها : أن سليمان عليه السلام كان بالشام ، فكيف طار الهدد في تلك اللحظة اللطيفة من الشام إلى اليمن ، ثم رجع إليه .
وثالثها : كيف خفي على سليمان عليه السلام حال مثل تلك المملكة العظيمة مع ما يقال إن الجن والإنس كانوا في طاعة سليمان ، وأنه عليه السلام كان ملك الدنيا بالكلية ، وكان تحت راية بلقيس حال طيران الهدهد إلا مسيرة ثلاثة أيام ؟.
ورابعها : من أين حصل للهدهد معرفة الله تعالي ووجوب السجود له وإنكار سجودهم للشمس وإضافة إلي الشيطان وتزينه ؟) (353).
-الجواب:
والحقيقة أن هذه الطعون – التي عرض لها خلف الله في سياق نظريته السابقة – لا تقوم في مجموعها أو تفصيلاتها كمستند للطعن في شيء من القرآن الكريم ، وسيكون ردنا عليها نقضاً لكل من يستدل بها وذلك على النحو التالي :
(أ) فيما يتصل بكلام الهدهد والنملة – فقد أصبح من المقطوع به الآن عند العلماء الذين يدرسون سلوك أنواع الطير والحيوان والحشرات ، أن لكل منها لغة تقوم مقام اللغة المعهودة عند البشر ، في التعبير ونقل الأحاسيس والمعارف ، على نحو ما، ما تزال تفاصيله مجهولة من البشر ، لكن المقطوع به من شواهد كثيرة جداً أن لكل منها نوعاً من اللغة يتم به الاتصال بين أفراده ، وقد سجل بعض العلماء تسجيلات صوتية لأنواع من الطيور في حالة الفزع نقلت إليهم – في غاية من الوضوح – هذه المشاعر والمعاني (354) .
فلم يعد يشك الآن في أن كل نوع من الأحياء له لغة خاصة بأفراده ، وهذا أمر واضح لكل من يراقب سلوك الطيور والحشرات ،بل إن بعض العلماء يذهبون إلى أن أنواع النبات هي الأخرى تملك لغة واتصالاً فيما بينها ، على نحو ما – مما لا يتسع المجال لتقرير القول فيه ، ولا يتطلبه.
فما العجب بعد هذا من أن تتكلم النملة ، ويتكلم الهدهد ، بكلام يفهمه سليمان عليه السلام لأنه – كما ورد في القرآن الكريم – علم منطق الطير وأوتي من كل شيء (النمل 16)
أما أنهم تكلموا بكلام يدل على شيء من العقل فإن من يراقب سلوك الطير والحشرات فسوف يدرك بغاية من الوضوح أن سلوكهم يجرى على نظم من الوعى والتدبير والعمل من أجل غايات تهديهم إليها غرائزهم وفطرهم ، وعلى المعاند في هذا أن يقراء شيء عن سلوك الحشرات والطيور في كتب العلم التجريبي ، وسوف يذهله ما يقرأ ، وعليه أن يراقب العمل والنطام في (مملكة النحل) أو في (عالم النمل وقراه التي ينشئها ) .. وليس ذلك كله إلا مصدقاً لقوله تعالي ( ربنا الذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدى ( [طه : 50] وقوله : ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ( [ الأنعام : 38 ] ، وهو الذي تدل عليه بحق كافة مشاهدات العلماء المحققين .
والمتشكك في ذلك إنما هو المستحق لسخرية الساخرين ! فما العجب إذن في أن تتكلم نملة ويتكلم هدهد ؟ وما العجب في أن يفهم عنهما من عرف لغة كل منهما ؟
ولا يجر ذلك – كما زعم الملاحدة الطاعنون – إلي شيء من السفسطة التي ذكروها ، فلم يقل القرآن الكريم بشيء من ذلك ، إنما قال بما تدل عليه ملاحظة هذه الأنواع ، وهو أن لها منطقاً ، أما علم الهندسة ، والنحو ، والتكاليف ، والمعجزات؛ فإنما هو من قول الملاحدة الذي يرد عليهم ، لأننا لا نحمل القرآن الكريم إلا ما نطق به لا ما قام في أوهام الملاحدة.
- فيما يتصل بطيران الهدهد من الشام إلي اليمن ، ثم الرجوع إلى الشام ، فالذي ورد في القرآن الكريم عنه قوله تعالى :( فمكث غير بعيد .. ( [ النمل : 22 ] ، وليس في القرآن الكريم تحديد أن الهدهد مكث " لحظة " كما يقول هؤلاء ، ولا يفهم من " غير بعيد " في سياقها إلا مدة تكفي للطيران ، وقد قرئت على فصحاء العرب من المشركين في عصر الرسالة – وهم أعلم باللغة ، وكانوا يعرفون اليمن والشام – فما أثاروا – فيما علمنا – هذا الاعتراض ، فعلم منه أن التعبير القرآني يخلو عن دواعي اعتراض هؤلاء الملاحدة .
- أما كيف خفي على سليمان حال مملكة سبأ – فإن القرآن الكريم لم يصفه بأنه كان يعرف الغيب ، وقد كان هذا غيبا بالنسبة إليه ، وليس فيما وصف القرآن الكريم به سليمان عليه السلام إلا تسخير الرياح والشياطين وتعليم منطق الطير وإيتاء الملك الذي لا ينبغي لأحد بعده ، لكن ليس فيه شيء من وصفه بعلم غير ما علمه الله له ، فما العجب في أن تكون في الأرض أشياء وممالك كان سليمان – مع عظمة ما أعطاه الله له – يجهلها ؟
إن القرآن الكريم لا يذكر شيئا عن أن سليمان - عليه السلام – كان ملك الدنيا كلها بأكملها – كما يزعم هؤلاء الطاعنون – ولعل مستندهم في هذا إنما هو بعض المبالغات الإسرائيلية التي لم يرد لها ذكر في الوحي القرآني .
أما إذا كان واحد منهم قد فهم ذلك من قوله تعالى :( وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ( [النمل : 16] ، فهو لا يعرف شيئاً عن أساليب البيان العربية ، لأن (من) هنا للتبعيض ، وليس المعني أن كل الأنس – دون استثناء – كانوا تحت ملكه .
ولعل الذي جر الطاعنين إلي طعنهم ما ذكروه هم من أنه كان تحت راية ملكة سبأ اثنا عشر الف ملك تحت راية كل منهم مائة ألف ‍!
وليس في نصوص القرآن الكريم شيء من هذا مطلقاً ، والعدد الذي ذكروه يجاوز بكثير جداً ما يمكن أن يكون موجوداً عندئذ من عدد السكان ، وهو يذكرنا بما نقده ابن خلدون من مبالغات المؤرخين القدماء ، وما حذر منه ( فيكو) من غرور الأمم حين تكتب تارخها – فكيف تحمل هذه المبالغات على نصوص القرآن الكريم التي لم تعرض لها إطلاقاً ؟
فلا عجب إذن أن يجهل سليمان - عليه السلام – أمر ملكة سباً مع كل ما أعطاه الله له ، لأنه لم يعطه علم كل ما في الأرض ، ولم تكن هناك اتصالات منتظمة بين المالك بحيث تعرف كل منها الأخرى ، وتتصل بها على النحو الذي نعهده في عصرنا والذي حدث بعد ذلك بحكم التطور العمراني ، ولم تكن الجن التي سخرت لسليمان – عليه السلام – أيضاً تعرف الغيب كما ورد في قوله تعالي : ( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( [سبأ : 14] .
(د) أما من أين حصل للهدهد معرفة الله تعالى ووجوب السجود له وإنكار سجودهم للشمس وإضافته إلي الشيطان وتزيينه؟ فإنما كان الهدهد من جند سليمان عليه السلام ، والآيات تتكلم عن أمر ( غيبي ) لا يقاس على معرفة البشر الآن بأحوال الطير ، وما المانع من أن تكون فطرة كافة المخلوقات عارفة بوجوب السجود لله تعالى وحده ، وقد جاء في القرآن الكريم شاهداً بذلك قوله تعالى : ( اولم يروا إلي ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ( [ النحل : 48-49] وقوله : ( والنجم والشجر يسجدان ( [الرحمن : 6] وقوله : ( الم تر ان الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ( [النور : 41] وقوله ( تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهم وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً ( [الإسراء : 44] ... فما العجب بعد هذا كله أن بكون الهدهد من جند سليمان – عليه السلام – عارفاً لوجوب السجود لله تعالى وحده منكراً السجود لغيره ؟
إن القضية – فيما نري قضية إخبار عن الغيب لا تصل معرفة البشر التجريبية أو العقلية إلى شيء يستند إليه إنكار هذا الإخبار الذي يجاوز حدود هذه المعرفة ، فالمؤمنون بالغيب وبصدق الوحي القرآني يؤمنون به ، والمكذبون ينكرون بكل ما لا يقع منهم تحت حس مباشر أو تجربة مادية ، لكنهم في مثل هذه القضايا الغيبية لا مستند لهم في إنكارهم إلا محض الشك والتكذيب وقياس الغائب على الشاهد وتحكيم عقولهم القاصرة فيما هو من علم الغيب ،... ولسنا نملك لهؤلاء وسيلة تحملهم على الإيمان بالغيب وعدم قياس الأمور فيه على علم الشهادة البشرية . ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الأخرة عذاب عظيم ( [المائدة : 41] .
.... وبهذا يتبين لنا أنه ليس فيما ورد من قصة سليمان في سورة النمل ما يطعن في صحة شيء مما ورد في القرآن الكريم).
دعوى تعارض القرآن مع الحقائق الكونية أو حقائق العلم التجريبي :
1
- لابد أن تكون هذه المعلومات التجريبية وصلت مرحلة الحقيقة العلمية المستقرة المتفق عليها ، فلا يجوز أن نجادل القرآن بنظريات تفسيرية لبعض ظواهر الكون ، أو أن القضية العلمية عبارة عن تجارب لم تصل إلى حد الحقيقة الثابتة القطعية ، مثل نظرية أن أصل الإنسان قرد ثم مر بمراحل حتى وصل إلى هذا المستوى ، التي تتعارض مع كون ابتداء خلق الناس كان من آدم الذي خلقه الله تعالى مرة واحدة من غير تدرج .
2-لابد أن يكون هذا التناقض من كل وجه بحيث لا يحتمل حمل اللفظ على معنى آخر ، فإن دلالة القرآن الظنية المعنى مما يمكن حملها على عدة معان ، ومن هذه المعاني معان لا تخالف العلم ، مثل دعوى أن الأرض تدور حول الشمس ، المناقض لقوله الله تعالى : ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن . .( فنسب فعل الدوران للشمس ، وهذا غير صحيح ؛ فإن اللفظ ليس قاطعا في هذا المعنى ، بل إنه ابتدأ بقول : (وترى الشمس( أي أن هذا الأمر بالنسبة لرؤية الإنسان ، وسياق الآية كما هو ظاهر ليس مقصودا في إثبات دوران الأرض حول الشمس أو العكس ، فلا ينبغي تحميل النص ما لا يحتمل .
فإذا كانت المسألة في حقيقة علمية ثابتة ، وهى تعارض نصا قرآنيا من كل وجه ، فهنا تحصل المناقضة .
وكعادتنا نبدأ أولا بالردود الإجمالية ثم التفصيلية :
1-إن المنصفين من أهل الملل الأخرى شهدوا بأن القرآن لا يتعارض مع العلم أبدا .
يقول إبراهيم خليل : ( يرتبط هذا النبي ( بإعجاز أبد الدهر بما يخبرنا به المسيح –عليه السلام- في قوله عنه : (ويخبركم بأمور آتية) . وهذا الإعجاز هو القرآن الكريم، معجزة الرسول الباقية ما بقي الزمان ، فالقرآن الكريم يسبق العلم الحديث في كل مناحيه ؛ من طب وفلك وجغرافيا وجيولوجيا وقانون واجتماع وتاريخ… ففي أيامنا هذه استطاع العلم أن يرى ما سبق إليه القرآن بالبيان والتعريف . . )(355) ، وقال : (أعتقد يقينا أني لو كنت إنسانا وجوديا ، لا يؤمن برسالة من الرسالات السماوية ، وجاءني نفر من الناس ، وحدثني بما سبق به القرآن العلم الحديث في كل مناحيه ؛ لآمنت برب العزة والجبروت ، خالق السماوات والأرض ولن أشرك به أحدا)(356) .
وقال بوتر : (عندما أكملت قراءة القرآن الكريم ، غمرني شعور بأن هذا هو الحق ، الذي يشتمل على الإجابات الشافية حول مسائل الخلق وغيرها ، وإنه يقدم لنا الأحداث بطريقة منطقية ، نجدها متناقضة مع بعضها في غيره من الكتب الدينية ، أما القرآن فيتحدث عنها في نسق رائع وأسلوب قاطع لا يدع مجالاً للشك بأن هذه هي الحقيقة ، وأن هذا الكلام هو من عند الله لا محالة )(357) .
وقال بوتر أيضا : (كيف استطاع محمد ( ، الرجل الأمي الذي نشأ في بيئة جاهلية ، أن يعرف معجزات الكون التي وصفها القرآن الكريم ، والتي لا يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى لاكتشافها ؟ لابد إذن أن يكون هذا الكلام هو كلام الله عز وجل )(358) .
وقال حتي : (إن أسلوب القرآن مختلف عن غيره ، ثم إنه لا يقبل المقارنة بأسلوب آخر ، ولا يمكن أن يقلد ، وهذا في أساسه ، هو إعجاز القرآن . . فمن جميع المعجزات كان القرآن المعجزة الكبرى)(359) .
ولقد ألف الدكتور مراد هوفمان –سفير ألمانيا السابق بالرباط- كتاب (الإسلام كبديل)(360)، وفيه شهادات كثيرة على إعجاز القرآن وصدقه وصدق النبي ( وكمال التشريع .
ومن الذين تخصصوا في هذا المجال ، وكان من أشد الناس عداوة للقرآن والرسول( الدكتور موريس بوكاي ، وكان كلما جاءه مريض مسلم يحتاج إلى العلاج الجراحي ، فإنه إذا أتم علاجه يقول له : ماذا تقول في القرآن ، هل هو من الله أنزله على محمد أم من كلام محمد نسبه إلى الله افتراء عليه؟ فإذا أجاب المريض بأنه من الله ، وأن محمدا ( صادق ، قال : أنا أعتقد أنه ليس من الله وأن محمدا ليس بصادق . وبقي على ذلك زمانا حتى جاءه الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية الراحل ، يقول بوكاي : فعالجته جراحيا حتى شفي ، فألقيت عليه نفس السؤال ، فقال لي : هل قرأت القرآن ؟ فقلت : نعم مرارا وتأملته . فقال لي : بلغته أم بترجمة ؟ فقلت : بالترجمة . فقال : إذن أنت تقلد المترجم ، والمقلد لا علم له ؛ إذ لم يطلع على الحقيقة ، لكنه أخبر بشيء فصدقه ، والمترجم ليس معصوما من الخطأ والتحريف عمدا ، فعاهدني أن تتعلم اللغة العربية وتقرأ القرآن بها وأنا أرجو أن يتبدل اعتقادك الخاطئ هذا . قال : فتعجبت من جوابه ، ووضعت يدي في يده وعاهدته على ألا أتكلم في القرآن حتى أتعلم العربية ، وذهبت من يومي إلى الجامعة الكبرى بباريس ، وتعلمت اللغة العربية في سنتين ، وأنا آخذ يوميا درسا حتى يوم عطلتي ، ثم قرأت القرآن بإمعان ، ووجدته الكتاب الوحيد الذي يضطر المثقف بالعلوم العصرية أن يؤمن بأنه من الله ، لا يزيد حرفا ولا ينقص ، وأما التوراة والأناجيل الأربعة ففيها كذب كثير لا يستطيع عالم عصري أن يصدقها)(361). وكانت ثمرة هذه الدراسة العميقة للقرآن تأليف كتابه المشهور "التوراة والإنجيل والقرآن بمقياس العلم الحديث" ، ومما قاله بوكاي في هذا الكتاب : (لقد قمت أولاً بدراسة القرآن الكريم ، وذلك دون أي فكر مسبق ، وبموضوعية تامة بحثاً عن درجة اتفاق نص القرآن ومعطيات العلم الحديث ، وكنت أعرف - قبل هذه الدراسة وعن طريق الترجمات - أن القرآن يذكر أنواعا كثيرة من الظاهرات الطبيعية ، لكن معرفتي كانت وجيزة ، وبفضل الدراسة الواعية للنص العربي استطعت أن أحقق قائمة أدركت بعد الانتهاء منها أن القرآن لا يحتوي على أية مقولة قابلة للنقد من وجهة نظر العلم في العصر الحديث)(362) .
- ثانيا : الرد التفصيلي :
وهذه هي الطعون العلمية التي ذكرها المجلس الملي النصراني ورد الدكتور شلبي عليها : -
2_ الأرض ثابتة لا تتحرك :
(جاء في سورة لقمان : (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم (. قالوا فكيف يقول القرآن إنها راسية وثابتة ؟
الجواب : (معنى تميد تضطرب وتتزلزل ، ولا يراد بالميدان مجرد حركة متزنة ، والمصدر الثلاثي (فعلان ) يأتي لإفادة هذا المعنى ، مثل ميدان وغليان وثوران وجولان . . . وهكذا ، والآية تذكر أن الله ثبت الأرض حتى يستطيع البشر أن يستقروا عليها في نومهم ، ويزرعوا ويرعوا ماشيتهم ، ولو كانت مضطربة ما استطاع الناس أن يطمئنوا عليها وأن يعملوا هذه الأعمال .
نحن ننام في الطائرة وفي القطار وفي السفينة ، فإذا اضطرب واحد منها استيقظنا وشعرنا بالتعب ، وقد نطلب من السائق أن يعمل شيئاً يسكنها لتثبت ، ولا يعني تثبيته أنه يقف ولا يتحرك ، بل أن ينقطع اضطرابه ، وسيذكر القوم بعد معترضين على القرآن أنه ذكر (وكل في فلك يسبحون (، و(كل (كلمة تشمل الشمس وتوابعها من القمر والأرض والكواكب الأخرى ، فالقرآن إذن يقرر حركة كل هذه الكواكب)(363) .
3_ الكواكب في حجم الحجارة :
(جاء في القرآن : (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين( [الملك:5] ، وجاء أيضاً : (ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين وحفظناها من كل شيطان رجيم إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين([الحجر:16-18] ، وقال رجال المجلس : إن القرآن جعل النجوم والكواكب في حجم الحجارة ، ترمي بها الملائكة الشياطين ، والعلم الحديث يثبت أن كل كوكب عالم ضخم .
والذي في الآية أن هناك أجساماً نارية تصيب الشياطين ، ولم يذكر أن الشيطان يسقط عليه نجم أو أن الملائكة ترميه به ، والعلم الحديث ، ورواد الفضاء يتحدثون عن النيازك التي ترى في الفضاء الواسع مذنبات مضيئة ، ومنها الناري الذي ينطفئ ويتفتت في سيره ، وبعضها يصل إلى الأرض ، وهي تشبه المقذوفات البركانية ، والذين درسوا جغرافية فلكية يعرفون هذا ، فهذه المقذوفات قطع تنفصل من الكواكب وتتحرك في الفضاء ، خصوصاً إذا كان النجم أو الكوكب قريبا من الأرض ، والله تعالى يصيب بها من يشاء ويحفظ بها من يشاء ، وقد تكون قطعاً باردة ولكنها مضيئة كالقمر . أما سمع نوابغ العصر أصحاب تيموثاوس أن الذين نزلوا على سطح القمر رأوا هناك جهات ساكنة نارها ، وأخرى ملتهبة ؟ وأنهم رأوا الأرض مشعة كما نرى نحن القمر ؟ وأن الفضاء مليء بقطع نارية سابحة ، ومنها ما يصل إلى الأرض ؟ .
4_ الفضاء سطح أملس قابل للسقوط وكذلك الأرض :
(ذلك لأنه جاء في القرآن (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن( [الطلاق:12] ، وجاء : (والله الذي جعل لكم الأرض بساطاً( [نوح:19] ، وجاء : (يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون([البقرة:21] ، ( الذي جعل لكم الأرض فراشاً( [البقرة:22] ، وجاء هذا ومثله في آيات أخرى ، وخطؤه في نظر رجال المجلس أن الأرض كوكب واحد وليس سبعة ، وكذلك السماء !
والآية الأولى جاءت في ختام سورة الطلاق ، وهي تلفت الأنظار إلى قدرة الله تعالى البالغة : (الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً ( .
آية عجيبة رهيبة تبين ضآلة الإنسان في هذا الكون العظيم ، ويقف غير واحد من الكتاب مذهولاً أمام التعبير ، وأمام مدلوله ، وأمام هذا الإعجاز القرآني .
ما هذه السماوات ؟ وما هذه الأرضين ؟كل ينظر من زاوية خاصة ، وكل يجد في الآية ما يبهره .
قد تكون السماء التي توصل علمنا إليها بكل ما فيها من كواكب ونجوم وأفلاك إحدى سماوات سبع ، والكرة الأرضية التي نعيش عليها هي أيضاً كذلك ! إن علم الفلك الحديث يؤيد هذا ، ويذكر أن المجموعة الشمسية التي يتعلق بها عالمنا هذا ليست إلا واحدة من مجموعات أخرى لا يعلمها إلا الله الذي خلقها .
وفي اللغة العربية يذكر العدد لإرادة التكثير ، ويعبرون عنه بأنه عدد لا مفهوم له ، وهذا كما تقول لصديقك : زرتك ألف مرة ولم تزرني . فأنت لا تريد ألفاً بعدده ، وإنما تريد زرتك مرات كثيرة ، فإذا حملنا العدد في الآية هذا المحمل ، فالمعنى أن الله خلق سماوات كثيرة وأرضين كثيرة ، وهذا حق وواضح .
وقد يكون المراد بالسبع الأرضين أنواعا مختلفة من تربة الأرض ، ويسمى كل نوع أرضاً ، وهذا وهذا كما تقول : أصبح فلان ثرياً يملك أراضي كثيرة ، والأرض أنواع بحسب تربتها وما بكل تربة من عناصر تكونت منها ، بعضها رملي وبعضها جيري ، وببعضها معادن حديدية وبالأخرى عناصر نحاسية وهكذا ، كما قال تعالى : (ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود( [فاطر:27] .
وقد يراد من أنواع الأرض ما تصلح لإنباته ، فأرض بها غابات وأرض بها زهور ، وثالثة قاحلة لا تنبت شيئاً .
وآية سورة البقرة : (الذي جعل لكم الأرض فراشاً( [البقرة:22]. . ليست الوحيدة التي تذكر هذا في القرآن ، بل هناك آيات أيضاً أخرى تذكر هذا ، ومعنى (فراشا( : أي مبسوطة تحت أقدامنا ، منبسطة كالفراش ، ننام عليها ونمشي ونزرع ، ونستقر أيضاً أنعامنا ومساكننا ، ولو جعلها الله سبحانه وتعالى كثيرة التعاريج شديدة التحدب ، ما استطعنا أن نستريح عليه ، ولا أن نجري كل هذه الأعمال ، فالآية تذكر نعمة من نعم الله علينا ، وليس في هذا ما يفيد أن الأرض قابلة للسقوط !
وأما الآية التي في سورة الأنبياء ، فقد جاءت ضمن آيات غاية في الروعة والإعجاز العلمي الفلكي ، ولها يعجب الكثيرون كيف قرر القرآن هذه الحقائق منذ ذلك الزمن السحيق . فاقرأ قوله تعالى : (أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شي حي أفلا يؤمنون وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون وجعلنا السماء سقفاً محفوظا وهم عن آياتها معرضون وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس كلٌ في فلكٍ يسبحون( [الأنبياء:30-33] . كانت السماوات العديدة والأرض جزءاً واحداً ، ففتقها الخالق وفصل بعضها عن بعض : تبارك الله ، وصدق نبيه الكريم ! ما كان ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى !!
أما التوراة فتقول : ( في البدء خلق الله السماوات والأرض ، وكانت الأرض خربة وخالية ، وعلى وجه الأرض ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه ) .
هكذا بدأ وأنشأ الله السماوات والأرض جميعاً دفعة واحدة ، ولم يذكر شيء عن الماء .
تعبير ساذج وتفكير وثني ، لا يفهم إلا الشيء المتجسد ؛ أين كان الله إن كانت روحه ترف وتحوم حول الماء ؟ أكان بلا روح ، أم هو الذي تجسد فصار هذا الحيز الضئيل كالحمامة ؟ خلق الكون كله وهو جزء صغير منه .
( وقال الله : ليكن نور . فكان نور ، ورأى الله النور أنه حسن ) !
لم يكن يعرف أنه سيكون حسناً ، ولكن لما ظهر له أعجبه . عمل من طريق الصدفة البحتة ، وتجربة نجحت وجاءت بشيء جميل .
أهذه هي البلاغة ؟! لا فصاحة تعبيرية ولا حقيقة علمية .
ونقرأ بقية هذه البداية فنجد : أن الله فصل بين النور والظلمة ، وسمى النور نهاراً والظلمة ليلاً ، وقال لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد ، ولتظهر اليابسة . ودعا اليابسة أرضاً .
وهكذا يمضي سفر التكوين مضطرباً في الكلمات القليلة التي بدأ بها .
في البداية خلق السماوات والأرض وكانت الأرض خربة ، وبعد ذلك خلق وسط الماء شيئاً جامداً أسماه أرضاً ، وسمى بعضاً منه سماء .
وهل يؤيد هذا علم أو يتسع له عقل ؟ خلق السماوات والأرض ، ثم خلق شيئاً سماه أرضاً وسماء!
كانت الفكرة القديمة أن العالم كله ماء ، وأن الأرض طافية فوق الماء كحبة العنب ، وهو تفكير نشأ عن نظر محدود . وسفر التكوين وبقية الكتاب المقدس _أو الذي يسمى الكتاب المقدس _ من وضع بشري متأخر .
ومع اضطراب التعبير ، وسقامة الأسلوب ، ومخالفة المعنى لحقائق العلم يعجب تيموثاوس التقي الذكي به ويعيب القرآن .
(أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون( [سورة الأنبياء :30 ].
(وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون( [سورة الأنبياء:32]. .
والسماء هي كل شيء نراه فوقنا ، وفهم تيموثاوس أن السماء لا تكون إلا بمعنى الفضاء ، وهو جهل فاضح ، لقد كان العرب يقولون لمحمد ( أسقط السماء علينا كسفاً ؛ أي قطعاً ، فهل كانوا يعنون الفضاء ؟
5-قرر القرآن أن جبل (( قاف )) يحيط بالأرض كلها
وذلك في أول سورة ( ق ) قي قوله تعالى : (ق والقرآن المجيد( . وهذا خطأ ؛ لأن العلم يبين أن أعلى قمة هيس ( إفرست ) .
أما القرآن فلم يذكر جبالاً ولا قمماً ، والحرف ( ق ) أحد الحروف الكثيرة التي بدئت بها سور من القرآن مثل : ص ، ن ، حم ، الر . . وهكذا .
ولكن الصيغة المادية البحتة التي تركتها التوراة المزيفة في ذهن القوم ، وجهت ذهنهم هذا الاتجاه المادي البحت ، وإذا كانت هذه خرافة منشؤها كتاب يهودي ، فكيف يؤاخذ بها القرآن ؟! إن كتب اليهود هي كتب المسيحيين ، فليوجه القوم اللوم إلى أنفسهم ، أما أن يكونوا هكذا جاهلين ، ثم يحملون جهلهم على القرآن ، فهذا ما لا يقبله غير عقولهم) .
6-قال ميلر : (من الذائع المشهور أن النتائج التي وصل إليها العلم الحديث عن أصول العلم ، تخالف كل المخالفة ما هو مقرر في الكتاب المقدس ، وفي القرآن من أن الله خلق العالم في ستة أيام ، صحيح أن القرآن يقرر أن يوما عند الله كألف سنة مما يعد الإنسان ولكن هذا لا يحل المعضلة ؛ فإن فترة الزمان المتطاولة التي مر بها الكون في وجوده ، لا يمكن أن تضغط في ستة آلاف أو ستة ملايين سنة) .
الجواب :
(أ- الآيات التي أشار إليها ميلر بروز تقرر أن الله تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ، لكنها لا تعرض لعمر الكون المخلوق منذ خلقه الله تعالى حتى يومنا هذا ، لكن ميلر بروز في كلامه السابق يخلط بين الأمرين ، مشيراً إلى ( معضلة ) لا وجود لها ، حيث يتكلم عن ( فترة الزمان المتطاولة التي مر بها الكون في وجوده ، والتي لا يمكن أن تضغط في ستة آلاف أوستة ملايين سنة ) ، فمال الآيات القرآنية التي يشير إليها وعمر الكون ؟!
إنها تقرر فحسب الزمن الذي خلق الله تعالى فيه الكون ، دون أن تعرض لما بعد الخلق من الزمن الذي مر على الكون المخلوق حتى يومنا هذا .
فالتناقض الذي يتكلم عنه هذا المستشرق إنما جاء نتيجة لخلطه بين الأمرين ، وتحميل الآيات القرآنية غير ما تحمله من معنى . وذلك أمر غاية في الوضوح لكل من يراجع نصوص الآيات المشار إليها ثم يراجع كلام المستشرق عنها) .
ب- إن ميلر بروز ـ أو غيره ـ لا يستطيع أن يعرض بشيء من التكذيب لما قررته هذه الآيات ، من أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش ؛ لأن فعل الخلق وزمانه سبقا الوجود البشري ، فلا يستطيع أحد إطلاقاً أن يزعم أنه شهد – بأي وسيلة – أو رصد كيفية خلق السماوات والأرض وزمانه ، وعلم البشر المادي – بكافة فروعه – نشأ بعد أن تم الخلق ، وليس هناك أمامه سبيل ما لمعرفة تفصيلات خلق السماوات والأرض وما بينهما – من حيث الزمان – إلا ما أخبر به الوحي الصادق عن الله تعالى في هذه الآيات ، وفيما يتصل بها من أحاديث نبوية صحت روايتها عن النبي ( ، ولا يملك الإنسان – في علمه البشري وسيلة أخرى يسترجع بها كيفية الخلق أو زمانه ليقيس عليها ما ورد في الوحي ، ومن هنا لا يستطيع العلم البشري بحال أن يصل في هذه القضية إلى شيء يستند عليه في تكذيب ما ورد في الوحي ؛ لأن الوحي يحكي هنا عن أمر ( غيبي ) لم يشهد البشر ولا يصل إليه علمهم المادي بحال ، كما قال تعالى : (ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضداً ( [سورة الكهف :30 ].
فكل زعم بمحاولة التشكيك في الله تعالى : خلق السماوات والأرض في ستة أيام زعم باطل بدءاً ، يستوي في بطلانه مع دعوى الكفار القدماء ، بأن الملائكة – الذين لم يشهدوا خلقهم أو يحيطوا بهم علماً – إناث ، وقد رد الله تعالى عليهم بقوله : (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً أشهدوا خلقهم سنكتب شهادتهم ويسألون(.
أما ما يشير إليه ميلر بروز من (النتائج التي وصل إليها العلم الحديث عن أصول العالم) فليس في هذه النتائج – وهي محض فروض في ذاتها – ما يعرض لشيء عن مقدار الزمن الذي خلق الله فيه السماوات والأرض ، وإن كان فيها تقديرات فرضية لعمر الكون المادي ، وتلك قضية أخرى كما سبق أن قررنا) .

طالعتنا وكالات الأنباء في أكتوبر 1974م (شوال 1394هـ) أن أعضاء بعثة الآثار الفرنسية البريطانية ، التي تقوم بسلسلة من الحفائر في إثيوبيا قد اكتشفوا بقايا هيكل عظمي لإنسان ، يرجع تاريخها إلى حوالي أربعة ملايين سنة ، وقال أعضاء البعثة إن هذا الكشف سيغير تماماً النظريات السابقة المعروفة عن أصل الإنسان ( جريدة الأخبار القاهرية في 28/10/1974 ص1) .
8- في قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا( [الكهف : 86] .
-الجواب :
قد قدمنا أن لا يصح الأخذ بالألفاظ المحتملة وادعاء أنها تعارض العلم ،
(فالتعبير القرآني المحكم المعجز يقول (وجدها تغرب )ولم يقل إنها تغرب ؛ حتى يكون هذا تعبيرا عن الحقيقة الكونية المطلقة )(364) .
قال ابن كثير –رحمه الله- : (قوله : (وجدها تغرب في عين حمئة( أي رأى الشمس في منظره تغرب في البحر المحيط ، وهذا شأن كل من انتهى إلى ساحله ، يراها كأنها تغرب فيه ، وهي لا تفارق الفلك الذي هي مثبتة فيه لا تفارقه )(365) .
وقال القرطبي –رحمه الله- : ( قال القفال : قال بعض العلماء : ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا ، ووصل إلى جرمها ومسها ؛ لأنها تدور مع السماء حول الأرض ، من غير أن تلتصق بالأرض ، وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض ، بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة ، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق ، فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة ، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض ؛ ولهذا قال : "وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا" ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم ، بل أراد أنهم أول من تطلع عليهـم)(366) .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

قائمة المراجع


--------------------------------------------------------------------------------

(321) انظر كتاب : رد مفتريات على الإسلام ، لشلبي ، ص:38، عن رسالة المجلس الملي القبطي الأرثوذكس بالإسكندرية ، دائرة المعارف البريطانية (ص:22).
(322) انظر لسان العرب (11/391)
(323) المفردات (ص:510).
(324) وهو أبو سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، التقَى بالنبي ( قبل أن يبعث، ومات قبل البعثة بخمس سنوات ، وهو من الباحثين عن الدين الحق .(انظر ترجمته في الإصابة لابن حجر (2/613)).
(325) أخرجه البخاري:(كتاب المناقب ، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، رقم :3614).
(326) أخرجه البخاري : كتاب المناقب ، باب حديث زيد بن عمرو ، برقم :3616.
(327) قال ابن القيم : وهو حديث ثابت عند أهل العلم بالحديث لا يختلفون في صحته , وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيحه، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة , والقصة مشهورة عند أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ والفقهاء، وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله ( وأيامه من المتكلمين. (التفسير القيم لابن القيم (ص:566).
(328) متفق عليه (البخاري : كتاب الطب، باب السحر ، رقم :5433، ومسلم: كتاب السلام ، باب السحر ، رقم :2189).
(329) ويرى الشيخ رشيد رضا أن هذا كان خاصا فقط في إتيانه أهله ، وأنه معنى قول عائشة:كان يخيل إليه أنه يأتي الشيء ولا يأتيه. كناية عن الجماع ،كما جاء في تفسيره في الرواية الثانية.(انظر تفسير الفاتحة وست سور من خواتيم القرآن ، لمحمد رشيد رضا ص:137).
(330) أخرجه أبو داود (كتاب العلم ، باب في كتاب العلم ،رقم:3646) والإمام أحمد في المسند (رقم:6474) والدارمي (المقدمة ، باب من رخص في كتابة العلم، رقم :484)، وهو صحيح ؛ انظر: صحيح سنن أبي داود للألباني (2/695) رقم:3099.
(331) القائل ابن حجر , رحمه الله .
(332) يعني أنه أُخبر .
(333) فتح الباري(10/237).
(334) انظر فتح الباري (10/239) .
(335) فتح الباري (10/238) .
(336) أخرجه مسلم (كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب تحريش الشيطان وبعثه سراياه لفتنة الناس، رقم :2812).
(337) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (9/174).
(338) انظر المرجع السابق ، و من وسائل الغزو الفكري ، لأستاذنا الدكتور نبيل غنايم (ص:589).
(339) هورفيس [ 1874-1931 ] مستشرق ألماني يهودي , تعلم في جامعة برلسين , وعين مدرساً فيها عام [ 1902 ] , و اشتغل في الهند من 1907 إلى 1914 مدرساً للغة العربية في كلية عليكرة الإسلامية , كما اشتغل أميناً للنقوش الإسلامية في الحكومة الهندية البريطانية , وعاد إلى ألمانيا عام 1914 , وعين مدرساً للغات السامية في جامعة فرانكفورت حتى وفاته , كانت رسالته للدكتوراه عن كتاب المغازي للواقدي , وتولى تحقيق جزأين من " طبقات ابن سعد " وألف كتاب " مباحث قرآنية " وغيرها من المؤلفات . انظر : موسوعة المستشرقين للدكتور عبد الرحمن بدوي ( ص : 621 ) بتصرف واختصار , دار العلم للملايين , بيروت , الطبعة الثالثة , 1993 .
(340) كارل بروكلمان [ 1868 – 1956 ] مستشرق ألماني مشهور , التحق بجامعة روستوك في 1886 , ودرس فيها العربية , وتتلمذ على نولدكة كثيراً , ونال الدكتوراه عام 1893 في برسلاو برسالة عن ابن الجوزي وكتابه تلقيح فهم أهل الآثار , وعن مؤلفاته المشهورة " تاريخ الأدب العربي " الذي ذكر فيه المخطوطات العربية وأماكن جودها , وهو في خمسة مجلدات , وبذل فيه جهوداً كبيرة ً , وكان يتقن إحدى عشرة لغة شرقية وست لغات غربية , وبلغت مؤلفاته ( 555) مؤلفاً . انظر موسوعة المستشرقين ( ص 98 ) باختصار .
(341) انظر المستشرقون والدراسات الإسلامية ،للدكتورمحمد حسين الصغير (74-75)،المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.
(342) انظر تفسير ابن كثير (2/167).
(343) الفن القصصي (ص:42).
(344) مدخل إلى علم التفسير (ص:213)و(ص:217).
(345) السابق ص:217.
346 الفن القصصي ، ص:28.
347 الخفاف : جمع خف وهو مايلبس على الرجل من الجلد .
348 القلانس : جمع قلنسوة ، وهي من ملابس الرأس .لسان العرب (6/181).
(349) أخرجه مسلم (كتاب الجنائز ، باب في عيادة المريض، رقم :925).
(350) أخرجه مسلم (كتاب الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم , وبيان ما يستحب من الأسماء ، رقم :2135)
(351) تفسير القرطبي (18/199).
(352) تفسير ابن كثير (2/555).
(353) مفاتيح الغيب 24/190-191
(354) وقد استخدم هذا تجريبيا في زجر الطير لاقط الحب عن أماكن هذه الحبوب باذاعة تسجيلات التحذير والفزع.
(355) محمد في التوراة والإنجيل والقرآن (ص : 47،48) .
(356) المرجع السابق (ص : 48) .
(357) قالوا عن الإسلام(ص55) .
(358) قالوا عن الإسلام(ص55)
(359) قالوا عن الإسلام (ص58)
(360) من منشورات مكتبة العبيكان ، الرياض ، الطبعة الثالثة ، 2001 .
(361) مقال في مجلة السمو العدد الثاني (نوفمبر/2001) ، للدكتور وليد الطبطبائي بعنوان "الملك فيصل يدعو الجراح العالمي موريس بوكاي للإسلام" ، في الصفحة الأخيرة ، وذكر في المقدمة أن هذه القصة موجودة في كتاب "نوادر التاريخ" لصالح محمد الزمام .
(362) قالوا عن الإسلام (ص56) .
(363) المصدر السابق (ص : 130) .
(364) مدخل إلى علم التفسير (ص : 233) .
(365) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (3/103) .
366 جامع أحكام القرآن للقرطبي (11/50) .
رد شبهات حول القرآن