قلب معلق بالله
09-03-2012, 11:19 PM
السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ
أمَّا بَعْدُ؛
فَالحَمْدُ للهِ؛
اتَّفَقَ العُلَمَاءُ –بِلاَ خِلاَفٍ أَعْرِفُهُ- عَلَى عَدَمِ جَوَازِ النَّظَرِ في كُتُبِ أهْلِ البَاطِلِ والضَّلاَلِ، وأَنَّ هَذَا يُبَاحُ فَقَط لطَالِبِ العِلْمِ أَوِ العَالِمِ الَّذِي وَصَلَ لمَرْتَبَةٍ إِيِمَانِيَّةٍ وعِلْمِيَّةٍ تُمَكِّنُهُ مِنَ النَّظَرِ في هَذِهِ الكُتُبِ دُونَ أَنْ يَتَأثَّرَ إِيِمَانُهُ، ويَكُون نَظَرُهُ لسَبَبٍ وَاحِدٍ فَقَط: وهُوَ الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِهِم، سَوَاء الَّتِي يُثِيرُونَهَا ضِدَّ الإِسْلاَمِ اعْتِمَادًا عَلَى عَقَائِدِهِم، أَوِ الَّتِي يُثِيرُونَهَا لبَيَانِ صِحَّة عَقَائِدهم عِنْدَ دَعْوَتِهِم لدِينِ الإِسْلاَم، أَمَّا غَيْر ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ لأَحَدٍ النَّظَر في مِثْلِ هَذِهِ الكُتُب، ولا السَّمَاع لصَوتِيَّاتٍ أو مُشَاهَدَةِ مَرْئِيَّات لَهُم ولطُقُوسِهِم أَوْ كُلّ مَا فِيهِ تَعَرُّف عَلَى عَقَائِدِهِم، فَالمُسْلِم غَيْر مُطَالَب بالتَّعَرُّفِ عَلَى دِيَانَاتِ وعَقَائِدَ الآخَرِينَ والنَّظَرِ في كُتُبِهِم والبَحْثِ في أُمُورِهِم، ولهَذَا غَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمَّا رَأَى في يَدِ عُمَر بْن الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كِتَابًا أَخَذَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الكِتَابِ، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ أَمُتَهَوِّكُونَ (أي: مُتَحَيّرُونَ) فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي ] رَوَاهُ الإمْاَمُ أحْمَد، وحَسَّنَهُ الألْبَانِيُّ في إرْوَاءِ الغَلِيل (6/34).
ومِنْ هُنَا كَانَ مَنْعُ العُلَمَاءِ وتَحْرِيمُهُمْ عَلَى العَامِّيِّ وطَالِبِ العِلْمِ غَيْرِ المُؤَهَّلِ الدُّخُولَ في مُنَاظَرَاتٍ مَعَ غَيْرِ المُسْلِمِينَ، حِفَاظًا عَلَيْهِ مِنَ الزَّلَلِ في حَبَائِلِهِم الَّتِي لا يَعْلَمهَا، أَوِ الخَطَأ في دِينِهِ الَّذِي لَمْ يَتَمَكَّن مِنْهُ بَعْدُ، فَهَؤُلاَءِ القَوْم لَهُمْ طُرُقٌ وأَسَالِيبٌ في الإِضْلاَلِ وتَلْفِيقِ الشُّبَهِ بطَرِيقَةٍ تَبْدُو للسَّامِعِ العَامِيِّ غَيْر المُتَخَصِّص في مُنْتَهَى العَقْلاَنِيَّة والمَنْطِقِيَّة، ويُلْبِسُونَ لَهُ الحَقَّ بالبَاطِلِ، بَلْ هُنَاكَ مَنْ يَتَشَكَّكَ في الإِسْلاَمِ بسَبَبِ اقْتِنَاعه بتِلْكَ الخُرَافَات الَّتِي يُطْلِقُونَهَا مِنْ حَوْلِهِ مُعْتَمِدِينَ عَلَى جَهْلِهِ بأُمُورِ الدِّينِ وعُلُومِهِ، وعَدَم وُصُولِهِ إِلَى دَرَجَةٍ كَافِيَةٍ مِنَ العِلْمِ واليَقَظَةِ تُؤَهِّلُهُ لكَشْفِهَا وبَيَانِ بَاطِلهَا، لذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى العَامِّيِّ وطَالِبِ العِلْمِ غَيْر المُؤَهَّلِ أَنْ يَدْخُلَ في مِثْلِ هَذِهِ المُنَاظَرَاتِ أَوِ القِرَاءَة في كُتُبِ أَهْل الضَّلاَل، ذَلِكَ لأَنَّ الشُّبْهَةَ خَطَّافَةٌ، والشَّيْطَانَ مِنَ الإِنْسَانِ كَالذِّئْب مِنَ الغَنَمِ القَاصِيَةِ، فَإِنْ كَانَتِ الشُّبْهَة في الحَلاَلِ قَدْ تَجُرّ إِلَى الابْتِدَاعِ والضَّلاَلِ إِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَى عِلْمٍ ودَلِيلٍ صَحِيحٍ، فَكَيْفَ بالشُّبْهَةِ الَّتِي مَنْبَعُهَا البَاطِل والضَّلاَل بعَيْنِهِ؟ وفي المِثَالِ التَّالِي خَيْرُ دَلِيلٍ عَلَى مَا نَقُولُ، رَوَى الدَّارمِيُّ عَنْ عَمْرو بْن سَلَمَة قَالَ
[ كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ؟ قُلْنَا: لاَ، فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ، وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ للهِ إِلاَّ خَيْرًا، قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ، فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى، فَيَقُولُ كَبِّرُوا مِئَةً فَيُكَبِّرُونَ مِئَةً، فَيَقُولُ هَلِّلُوا مِئَةً فَيُهَلِّلُونَ مِئَةً، وَيَقُولُ سَبِّحُوا مِئَةً فَيُسَبِّحُونَ مِئَةً، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ وَانْتِظَارَ أَمْرِكَ، قَالَ: أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ! ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ، قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ، هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلاَلَةٍ، قَالُوا: وَاللهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ، قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ ]،
وهَؤُلاَءِ كَانُوا مِنَ المُسْلِمِينَ، لَكِنْ لَمَّا تَصَرَّفُوا بجَهْلٍ ابْتَدَعُوا فَضَلُّوا، فَكَيْفَ بمُسْلِمٍ لَيْسَ لَدَيْهِ عِلْم لا في اللُّغَةِ ولا التَّفْسِيرِ ولا الحَدِيثِ ولا الدِّيَانَاتِ ولا الفِقْهِ ولا حَتَّى في كَيْفِيَّةِ التَّنَاظُر، وقَدْ لا يَكُون يَعْرِف أَبْسَط الأَشْيَاء الضَّرُورِيَّة لَهُ كَمُسْلِمٍ في الوُضُوءِ أَوِ الصَّلاَةِ، كَيْفَ بهَذَا إِذَا وَاجَهَ مَنْ تَدَرَّبُوا لنَشْرِ الشُّبُهَاتِ والتَّبْشِيرِ؟ فَنَحْنُ أُمَّةٌ تَدْعُو عَلَى بَصِيرَةٍ لا عَلَى حَمَاسٍ فَقَطْ وإِلاَّ أَدَّى إِلَى الشِّرْكِ، قَالَ تَعَالَى [ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ] (يُوسُف: 108).
منقول
أمَّا بَعْدُ؛
فَالحَمْدُ للهِ؛
اتَّفَقَ العُلَمَاءُ –بِلاَ خِلاَفٍ أَعْرِفُهُ- عَلَى عَدَمِ جَوَازِ النَّظَرِ في كُتُبِ أهْلِ البَاطِلِ والضَّلاَلِ، وأَنَّ هَذَا يُبَاحُ فَقَط لطَالِبِ العِلْمِ أَوِ العَالِمِ الَّذِي وَصَلَ لمَرْتَبَةٍ إِيِمَانِيَّةٍ وعِلْمِيَّةٍ تُمَكِّنُهُ مِنَ النَّظَرِ في هَذِهِ الكُتُبِ دُونَ أَنْ يَتَأثَّرَ إِيِمَانُهُ، ويَكُون نَظَرُهُ لسَبَبٍ وَاحِدٍ فَقَط: وهُوَ الرَّدُّ عَلَى شُبُهَاتِهِم، سَوَاء الَّتِي يُثِيرُونَهَا ضِدَّ الإِسْلاَمِ اعْتِمَادًا عَلَى عَقَائِدِهِم، أَوِ الَّتِي يُثِيرُونَهَا لبَيَانِ صِحَّة عَقَائِدهم عِنْدَ دَعْوَتِهِم لدِينِ الإِسْلاَم، أَمَّا غَيْر ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ لأَحَدٍ النَّظَر في مِثْلِ هَذِهِ الكُتُب، ولا السَّمَاع لصَوتِيَّاتٍ أو مُشَاهَدَةِ مَرْئِيَّات لَهُم ولطُقُوسِهِم أَوْ كُلّ مَا فِيهِ تَعَرُّف عَلَى عَقَائِدِهِم، فَالمُسْلِم غَيْر مُطَالَب بالتَّعَرُّفِ عَلَى دِيَانَاتِ وعَقَائِدَ الآخَرِينَ والنَّظَرِ في كُتُبِهِم والبَحْثِ في أُمُورِهِم، ولهَذَا غَضِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمَّا رَأَى في يَدِ عُمَر بْن الخَطَّاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كِتَابًا أَخَذَهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الكِتَابِ، فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ [ أَمُتَهَوِّكُونَ (أي: مُتَحَيّرُونَ) فِيهَا يَا ابْنَ الْخَطَّابِ! وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيَّةً، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي ] رَوَاهُ الإمْاَمُ أحْمَد، وحَسَّنَهُ الألْبَانِيُّ في إرْوَاءِ الغَلِيل (6/34).
ومِنْ هُنَا كَانَ مَنْعُ العُلَمَاءِ وتَحْرِيمُهُمْ عَلَى العَامِّيِّ وطَالِبِ العِلْمِ غَيْرِ المُؤَهَّلِ الدُّخُولَ في مُنَاظَرَاتٍ مَعَ غَيْرِ المُسْلِمِينَ، حِفَاظًا عَلَيْهِ مِنَ الزَّلَلِ في حَبَائِلِهِم الَّتِي لا يَعْلَمهَا، أَوِ الخَطَأ في دِينِهِ الَّذِي لَمْ يَتَمَكَّن مِنْهُ بَعْدُ، فَهَؤُلاَءِ القَوْم لَهُمْ طُرُقٌ وأَسَالِيبٌ في الإِضْلاَلِ وتَلْفِيقِ الشُّبَهِ بطَرِيقَةٍ تَبْدُو للسَّامِعِ العَامِيِّ غَيْر المُتَخَصِّص في مُنْتَهَى العَقْلاَنِيَّة والمَنْطِقِيَّة، ويُلْبِسُونَ لَهُ الحَقَّ بالبَاطِلِ، بَلْ هُنَاكَ مَنْ يَتَشَكَّكَ في الإِسْلاَمِ بسَبَبِ اقْتِنَاعه بتِلْكَ الخُرَافَات الَّتِي يُطْلِقُونَهَا مِنْ حَوْلِهِ مُعْتَمِدِينَ عَلَى جَهْلِهِ بأُمُورِ الدِّينِ وعُلُومِهِ، وعَدَم وُصُولِهِ إِلَى دَرَجَةٍ كَافِيَةٍ مِنَ العِلْمِ واليَقَظَةِ تُؤَهِّلُهُ لكَشْفِهَا وبَيَانِ بَاطِلهَا، لذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى العَامِّيِّ وطَالِبِ العِلْمِ غَيْر المُؤَهَّلِ أَنْ يَدْخُلَ في مِثْلِ هَذِهِ المُنَاظَرَاتِ أَوِ القِرَاءَة في كُتُبِ أَهْل الضَّلاَل، ذَلِكَ لأَنَّ الشُّبْهَةَ خَطَّافَةٌ، والشَّيْطَانَ مِنَ الإِنْسَانِ كَالذِّئْب مِنَ الغَنَمِ القَاصِيَةِ، فَإِنْ كَانَتِ الشُّبْهَة في الحَلاَلِ قَدْ تَجُرّ إِلَى الابْتِدَاعِ والضَّلاَلِ إِنْ لَمْ تَقُمْ عَلَى عِلْمٍ ودَلِيلٍ صَحِيحٍ، فَكَيْفَ بالشُّبْهَةِ الَّتِي مَنْبَعُهَا البَاطِل والضَّلاَل بعَيْنِهِ؟ وفي المِثَالِ التَّالِي خَيْرُ دَلِيلٍ عَلَى مَا نَقُولُ، رَوَى الدَّارمِيُّ عَنْ عَمْرو بْن سَلَمَة قَالَ
[ كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلاَةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ؟ قُلْنَا: لاَ، فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ، وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ للهِ إِلاَّ خَيْرًا، قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ، قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ، فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى، فَيَقُولُ كَبِّرُوا مِئَةً فَيُكَبِّرُونَ مِئَةً، فَيَقُولُ هَلِّلُوا مِئَةً فَيُهَلِّلُونَ مِئَةً، وَيَقُولُ سَبِّحُوا مِئَةً فَيُسَبِّحُونَ مِئَةً، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ وَانْتِظَارَ أَمْرِكَ، قَالَ: أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ! ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟ قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ، قَالَ: فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ، هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلاَلَةٍ، قَالُوا: وَاللهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ، قَالَ: وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ ]،
وهَؤُلاَءِ كَانُوا مِنَ المُسْلِمِينَ، لَكِنْ لَمَّا تَصَرَّفُوا بجَهْلٍ ابْتَدَعُوا فَضَلُّوا، فَكَيْفَ بمُسْلِمٍ لَيْسَ لَدَيْهِ عِلْم لا في اللُّغَةِ ولا التَّفْسِيرِ ولا الحَدِيثِ ولا الدِّيَانَاتِ ولا الفِقْهِ ولا حَتَّى في كَيْفِيَّةِ التَّنَاظُر، وقَدْ لا يَكُون يَعْرِف أَبْسَط الأَشْيَاء الضَّرُورِيَّة لَهُ كَمُسْلِمٍ في الوُضُوءِ أَوِ الصَّلاَةِ، كَيْفَ بهَذَا إِذَا وَاجَهَ مَنْ تَدَرَّبُوا لنَشْرِ الشُّبُهَاتِ والتَّبْشِيرِ؟ فَنَحْنُ أُمَّةٌ تَدْعُو عَلَى بَصِيرَةٍ لا عَلَى حَمَاسٍ فَقَطْ وإِلاَّ أَدَّى إِلَى الشِّرْكِ، قَالَ تَعَالَى [ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ] (يُوسُف: 108).
منقول