المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التربويون في أمريكا يسقطون نظرية «التطور»!



قلب معلق بالله
09-15-2012, 01:03 AM
كان يوم الأربعاء 11 أغسطس عام 1999م يومًا حاسمًا في تاريخ التعليم العام في الولايات المتحدة الأمريكية. فقد خرجت إدارة التعليم بولاية كانساس (Kansas) عن ما هو مألوف منذ عشرات السنين, عندما صوَّتَ ستةٌ من أعضائها العشرة لصالح قرار جريء يقضي بإسقاط نظرية «التطور» (Evolution) المتعلقة بأصل الإنسان, ونظرية «الضربة الداوية(وكان هذا القرار بمثابة «لطمة» لأنصار الداروينين (Darwinism) لا سيما وأنه جاء والعالم على أعتاب الألفية الثالثة, وقد هلل لهذا القرار أنصار نظرية «الخلق» الذين يؤمنون بأن «سفر التكوين» الذي جاء في الإنجيل (Bible's book of Genesis) - وليس «التطور» - هو الذي يفسر أصل الإنسان.
يقول أحد رجال الدين: «إنه لا توجد أي نظرية في الوقت الحاضر تستطيع أن تزعزع إيماننا الراسخ بأن الله هو خالق هذا الكون جميعه». كما طالب بعض المدرسين أن «يُمنحوا» من إدارات التعليم بعض الحرية كي يوضحوا لتلاميذهم العيوب والأخطاء التي تشوب نظرية التطور, ولا سيما تعارضها مع أبسط المبادئ العلمية الفيزيائية والرياضية والبيولوجية المعروفة.


أما الجماعات المناهضة لإدراج الدين في التعليم, فقد رأت في هذا القرار «نكسة والرجوع بالتعليم الأمريكي إلى الوراء مائة عام» - كما زعم أحدهم في مقابلة معه على محطة الـ CNN الإخبارية, - وقد أكدت ذلك إحدى المدرسات - أن «حذف نظرية التطور من مناهج التعليم لهو أشبه بحذف الجدول الدوري من علم الكيمياء, أو حذف الرئيس لينكولن من مادة التاريخ». هذا في الوقت الذي يرى كثير من المعتدلين بوجوب تدريس النظريتين معا, ربما من خلال مادة أو مادتين في تاريخ الأديان أو علم الأديان المقارن, التي تستطيع تناول حقائق العلم المعاصر وربطها مع فحوى الرسالات السماوية.

ولا شك أن الصيحات التي كانت تنادي بالعودة إلى الدين باتت تدوي في الآذان, وأصبح يسمع صداها الآن, لا سيما وأن تلك البلاد قد هبت عليها عواصف شديدة من العنف والقتل العشوائي داخل أروقة المدارس أودت بحياة عشرات التلاميذ خلال الأشهر الستة الماضية. مما نتج عنه تلك الصحوة والعودة إلى طريق التدين من جديد.

بدء الشرارة:

كان قرار ولاية كانساس بمثابة الشرارة الأولى للتعبير عن غضب كثيرين من المحافظين؛ الذين يرون أن عدم التمسك بأهداب الدين داخل المدارس هو من أهم أسباب التفسخ الاجتماعي, وجرائم العنف التي يرتكبها الشباب.

لذلك وعلى إثر صدور هذا القرار, أعلنت إدارة التعليم في كل من ولاية تينيسي (Tennesee) ولويزيانا (Louisiana) بأنه يحق للمدرسة الحكومية في هذه الولاية أن «تطرد» أي مدرس يقوم بشرح نظرية التطور على أنها حقيقة علمية مسلَّم بها. كما أصدر مجلس ولاية جورجيا (Georgia) قرارًا يقضي بأن على كل مدرسة حكومية في الولاية أن تضمن لتلاميذها دراسة نظريات أصل الحياة كلها, بما فيها نظرية «الخلق الخاص» من دون أفضلية. كذلك أعلنت المجالس التعليمية في كل من ولاية واشنطون (Washington), وأوهايو (Ohaio) بأنها توصي باستخدام الكتاب المدرسي المعنون «الباندا والناس» Pandas & People) الذي تحتوي كل صفحة فيه على هجوم عنيف على نظرية التطور.

والحقيقة أن قرار ولاية كانساس لا يعني أن نظرية «الخلق» سوف تحل محل نظرية التطور بين ليلة وضحاها. بل يعني هذا القرار أنه ليس هناك أي إلزام على المدارس لتدريس نظرية التطور, ولا إلزام على التلميذ أن يختبر فيها. فالقرار يمنع المدرسين من وضع أسئلة حول هذه النظرية في الاختبارات العامة, ويرى البعض أن من تبعات هذا القرار إعادة النظر في بعض المناهج الأخرى المثيرة للجدل, مثل «الثقافة الجنسية» (Sex Education) الذي استبدلته مؤخرًا بعض المدارس بمادة «تعليم حياة العائلة» (Famiy life education).

ويرجع تاريخ إدراج نظرية التطور في التعليم العام بالمدارس الأمريكية- ولا سيما علوم الأحياء- إلى نحو 30 سنة عندما أقرت المحكمة الفيدرالية العليا فصل الدين عن التعليم, ففي عام 1968م اتخذت هذه المحكمة قرارها على أساس مبدأ «حرية الرأي» وهو المادة الأولى للدستور, ثم توالت بعد ذلك عدة محاولات يائسة من بعض الولايات لتخطي هذا القرار وعدم الالتزام به ففي السبعينيات مثلاً, أعلنت ولايتا أركنساس (Arkansas) ولويزيانا (Louisiana) السماح بتخصيص وقتين متماثلين لتدريس كلتا النظريتين - «التطور» و«الخلق», ولكن تدخلت بعدها المحكمة العليا مرة ثانية, وأعلنت رفضها لهذا الإعلان.

وقرار ولاية كانساس الأخير يعد «ذكيًا» في حد ذاته, لأنه لم يرفض تدريس نظرية التطور صراحة, بل طالب بحذفها من القرار الإلزامي للتلاميذ.. فالمدرس يستطيع مناقشة هذه النظرية داخل الفصل إن رأى ذلك, ولكنه لا يلزم الطلبة بها في الاختبارات, وهذا ليس فيه خرق للدستور. والشعب الأمريكي منقسم على رأيه بصفة عامة حول هذه القضية. ففي آخر استطلاعات الرأي, قال 46% «نعم» لصحة نظرية التطور, و 68% قالوا نعم لنظرية «الخلق» أما التلاميذ في المراحل الأولى للتعليم فكان لهم رأي آخر. فقد أجمع أكثر من 80% على أن الله - جل جلاله - هو خالق هذ الكون بما فيه.

ولقد أحدثت هذه القضية ردود أفعال سياسية بالغة, واستخدمها بعض الساسة والمترشحين للرئاسة القادمة فرصة لكسب الأصوات, والتعاطف الشعبي. فقد ذكر المتحدث الرسمي للبيت الأبيض أن الرئيس كلينتون يرى ضرورة الالتزام بقرار المحكمة العليا الملزم بفصل الدين عن التعليم, «وأن لا نعمل ضد هذا القرار بأي شكل من الأشكال» أما نائب الرئيس آل جور, الذي يستعد لخوض انتخابات الرئاسة القادمة, فقد أعلن «أنه يفضل شخصيًا أن تلتزم المدارس بتدريس نظرية التطور التي تتفق مع الاكتشافات العصرية, مع منح وقت إضافي في كل مدرسة لتدريس نظرية «الخلق» إن أرادت». أما جورج بوش (الابن) حاكم ولاية تكساس الحالي ومرشح الحزب الجمهوري (الواعد), فقد صرح بأنه يرى وجوب السماح بتدريس النظريتين معا, وبدون أولوية, وأن يترك هذا الأمر برمته إلى إدارات التعليم المحلية دون تدخل فيدرالي. كما وصف المرشح الجمهوري المليونير ستيف فوربس, الرسومات التوضيحية المصاحبة لنظرية التطور في الكتب المدرسية بأنها «خدعة كبيرة» (Massive fraud) و(أكاذيب مضللة للحقيقة).

مرشح جمهوري آخر, هو بات بوكانون, قال في مقابلة مع الصحافي «المشاكس» سام دونالدسون في محطة ABC إنه «ليس من أصل قرد»! وأنه «يرفض نظرية التطور جملة وتفصيلا». كما أضاف بôأنه يجب ألا يتعرض التلاميذ الصغار لمثل هذه «الترهات» وبأنه «يؤمن بأن الله هو الذي خلق هذا الكون».

وحتى الآن لم تعلن أي دولة غربية عن استعدادها لتغيير مناهجها التي تعتمد على نظرية التطور لتفسير نشأة الحياة. فجميع هذه الدول - على ما يبدو - قد التزمت الصمت لأن إدارات التعليم فيها لا زالت على قناعة بأن هذه النظرية تتمشى مع المفاهيم المعاصرة للعلوم. يقول ستيف جولد في مقالة حديثة بمجلة «التايم» - الذي كان موضوع غلافها التطور وفي أعلاه العنوان التالي: «النهوض من القردة» (Up Form The Apes): «إن السبب في التمسك بنظرية التطور أنه لا يوجد بديل لها في الوقت الراهن, تمامًا مثل نظرية دوران الأرض حول الشمس.. هي حقيقة دون منازع».

نظريات أصل الحياة:

والحقيقة أنه ليس لدينا براهين مادية عن متى وكيف تكونت الحياة؟ فنحن لم نكن هناك لنشهد وقائعها, ولكن مع ذلك؛ فهناك أدلة حسيّة وعقائدية وعلمية منوعة تجعل البشر منقسمين في آرائهم حول هذه القضية. وهذا ما أدى إلى وضع كثير من الافتراضات والنظريات لتفسير نشأة الحياة. من هذه النظريات مثلا, ما يعرف «بالنشوء الذاتي» (Spontaneous generation) وهي تنادي بأن الحياة تنشأ من مواد غير حية, فالفئران مثلا تتولد من أكداس القمامة, والذباب يتولد من الجبن المتعفن.. وهكذا. علمًا بأنه قد أثبت لويس باستير (1822 - 1895م) وغيره فشل هذه النظرية. ثم هناك نظرية أخرى تعرف باسم «الحقبة الكونية» (Cosmic Beriod) وتنادي بأن «بذور الحياة» قد هبطت على الأرض من عوالم كونية أخرى عبر رحلة زمنية طويلة.

وهي نظرية غير مقنعة على أية حال, لأنها لا تدخل في اعتبارها ظروف المناخ غير المواتية للحياة خارج كوكب الأرض, إلى جانب أنها لا تفسر أيضا كيف نشأت «بذور الحياة» نفسها.

تبقى النظرية الثالثة المهمة, وهي نظرية التطور الكيميائي (Chemical evolution) التي تنص على أن الحياة بدأت منذ أمد طويل بعدما استقرت أحوال الأرض من جراء ما يعرف «بالضربة الداوية». وتبعًا لهذه النظرية, فإن الحياة نشأت من مواد بسيطة غير حية داخل بحر «بدائي» (Premodial Sea) يختلف في طبيعته وتركيبه عن مياه البحر التي نعرفها الآن. وترى نظرية «التطور العضوي» (Organic evolution) وهي امتداد لهذه النظرية - أن كل كائن حيّ قد أتى إلى الوجود من كائن سلفي آخر, كان يعيش قبله. وأن هذا التغيير أو التبديل في الهيئة يحتاج إلى ثلاثة شروط هي: «العزل الجغرافي» (geographic isolation) و«الانتخاب الطبيعي» (natural selection) والأمد الزمني الطويل. وتقترح هذه النظريات المعروفة إجمالا بنظرية «التطور» (evolution) التي وضع أساسها تشارلز داروين في القرن الماضي (1809-1882م) أن الاختلافات الطبيعية في الخصائص الوراثية بين أفراد كل كائن حي يمكن أن تؤدي تحت ظروف العزل والبقاء للإصلاح إلى تكوين أفراد أخرى تتمتع بصفات جديدة, قد تتفوق بها على أقرانها. وبمرور الوقت تنقرض الأفراد الضعيفة, بينما تبقى القوية تنقل صفاتها عبر الأجيال المتعاقبة, والمفروض ألا تتوقف عملية التطور في جميع الكائنات الحية فيما عدا الإنسان. فأصحاب هذه النظرية يرون أن الجنس البشري قد توقف عن التطور, لأن شرط «العزل الجغرافي» غير موجود بحجة أن الإنسان كنوع (واسمه العلمي Homo sapiens) الذي يعني الإنسان العاقل) لا يعيش الآن بمعزل عن «البشرية».

ويرى كثير من الناس أن نظرية التطور كما يفسرها «العلماء الماديون» تعد انتهاكًا لحرمة العقائد المقدسة, لأنها ببساطة تتعارض مع «نظرية الخلق».

ومن أكبر الهيئات العلمية المناهضة لفكرة التطور في أمريكا, «هيئة أبحاث الخلق» (The Institute for Creation Research) في كاليفورنيا؛ وقد تأسست هذه الهيئة عام 1975م وتضم في مجلس إدارتها ثمانية علماء أفذاذ في حقل تخصصهم العلمي. ومن أهم أهدافها المعلنة: «العودة إلى سفر التكوين» (Back to Genesis). ومن أنشطتها البارزة إقامة الندوات والمحاضرات وعقد اللقاءات مع تلاميذ المدارس وأساتذتهم «لنشر الدعوة بالعودة إلى الله - خالق هذا الكون». وفي مقابلة مع برنامج (Insight) الذي تقدمه يوميًا شبكة CNN قال أحد أعضاء هذه الهيئة: «نحن كعلماء في الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا, نرفض تمامًا نظرية التطور لأنها لا تتفق مع أبسط المبادئ العلمية, لا سيما إخلالها بمبادئ «القانون الثاني في الديناميكا الحرارية» (The Second Law of Thermodynamics) الذي ينص على «أن جميع التغيرات الفيزيائية والكيميائية التي تعتري أي نظام تتجه حيث تزداد «العشوائية» (Entropy) حتى يصل هذا النظام إلى نقطة الاتزان» ويعني هذا القانون أنه كلما زادت فوضى (أو عشوائية) النظام فإنه ما يلبث بمرور الوقت أن يَبْلى ويتلاشى. فالأنظمة المختلفة تميل دائمًا إلى أن تصبح عديمة النظام؛ أي تصاب بالفوضى بمرور الوقت. والسبب في ذلك أن هناك سبلاً كثيرة لإحداث هذه الفوضى, بينما لا توجد إلا سبيلاً محدودة لإعادة النظام. فنظام ترتيب الذرات والجزيئات ثم تجميعها لبناء الخلايا والأعضاء - الذي تنادي به نظرية التطور - لو ترك بدون تدخل من الله - سبحانه وتعالى - لما كان. ومما يؤكد عليه أيضًا هؤلاء العلماء أن عمر الأرض ليس 4.5 بليون سنة كما يدعي أصحاب التطورية اللا إلهية (Godles evolution) بل 10.000 سنة فقط وهي لا تكفي لوقوع التطور المزعوم.

كما أن «مخطط الحياة» المعروف باسم «الدنا» (DNA) لا يمكن أن يكون قد نشأ إلا من خلال «عامل ذكي» (Intelligent agent) خارق للعادة. هكذا يقول علماء «هيئة أبحاث الخلق».

ونحن كمسلمين, لا نتفق إجمالا مع نظرية التطور - إن لم تدخل في اعتبارها القدرة والمشيئة الإلهية - والنصوص التي وردت في الكتاب والسنة تؤكد ذلك, فلقد ورد في كثير من نصوص الشريعة الإسلامية في مجال خلق الإنسان, أن الله - سبحانه وتعالى - قد بدأ خلقه من طين, ثم من حمأ مسنون, ومن صلصال كالفخار, وورد أنه خلقه من ماء. وتفيد ظواهر هذه النصوص وغيرها أن الله خلق الإنسان نوعا (مستقلا) لا بطريق النشوء والارتقاء من نوع آخر لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) التين -4) ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين (المؤمنون - 12). وكذلك فكل ما في هذا الكون هو من خلق الله: (
هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم
) (البقرة - 29). ويرى الكثير من العلماء اليوم أن الخالق - سبحانه وتعالى - خلق الإنسان وكل نوع آخر من الكائنات خلقًا مستقلًا - كلاً على حده - وأنه يتمتع بنفس الهيئة التي خُلِقَ عليها. ومما يرتكزون عليه في هذا الرأي أنه لا يوجد أي دليل على وجود مراحل وسطية في تطور أي كائن حي تشير إلى أنه مر عليها من قبل. كما أن «الحلقة المفقودة» في تطور الإنسان لا زالت «مفقودة» حتى اليوم. فبعد الاكتشاف الأخير في الحبشة, والذي عثر فيه على عظام أحفورية قديمة ظن العلماء للوهلة الأولى أنهم عثروا على الحلقة المفقودة في سلم تطور الإنسان؛ ثم اتضح فيما بعد أنها عظام حيوان «آكل النمل» التي تشبه هيكل الإنسان. كما أن نظرية التطور في الحقيقة ليست علمًا في حد ذاته, لأننا لا نستطيع أن نخضعها للتجربة, ولا نستطيع أن ندعي بأنها سوف تتكرر مستقبلا.

* أستاذ جامعي وكاتب علمي معروف.
المصدر
http://www.eajaz.org/component/content/article/63-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D9%85%D8%B3/567-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%88%D9%8A%D9%88%D 9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D9%8A%D8%B3%D9%82%D8%B7%D9%88%D9%86-%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B7%D9%88%D8%B1