المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخطأ المنهجي في دليل الحدوث



كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-01-2013, 10:16 AM
مبحث هام جداً غير موجود على الشبكة كتابيا يتطلب نسخاً من مظانه
ملخص البحث
يعد دليل الحدوث أهم دليل عقلي في المنظومة الكلامية ، وأشهر أصل عارضوا به دلالات النصوص الشرعية ، وقد جعله المتكلمون معتمدهم في إثبات أكبر قضية علمية ، وهي وجود الله تعالى ، وتكون حقيقته عندهم على أصلين ، هما : الأول : إثبات حدوث العالم ، والثاني : إثبات كون المحدَث لا بد له من محدِث ، وخلصوا من هذا إلى أن العالم لا بد له من محدِث مختار ، وهو الله سبحانه وتعالى .
وقد كانت لذلك الدليل آثار علمية في جميع العلوم الإسلامية ، وآثار نفسية على عدد من المقتنعين به وهي آثار واسعة الانتشار ، فقد دخلت بعض مقدماته ولوازمه الخفية على عدد من اتباع المذاهب ، فأثرت على قدر من تقريراتهم العلمية ، مع أنه عند التأمل في تقريره ومنهج الاستدلال فيه نجد أنه مشتمل على أخطاء منهجية ضخمة ، يستحيل معها الاعتماد عليه أو الوثوق به.
ويقصد البحث إلى بيان تلك الأخطاء المنهجية ، وإبرازها ، وإقامة الأدلة الشرعية الواقعية على وجودها فيه أولا ، وعلى بيان وجه الخطأ فيها ثانيا ، وهذه المهمة تتطلب أن يقوم البحث فيها على فكرتين ، وهما : الأولى : حقيقة دليل الحدوث وبيان أصوله ومقدماته ، والثانية : تحديد مواطن الخلل المنهجي فيه ، ولأجل هذا كان البحث مكوناً من مبحثين

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-01-2013, 10:19 AM
يتبع ..

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-02-2013, 03:29 AM
قد ابتليت الأمة الإسلامية بحدوث علم الكلام فيها ، ونشأت بحدوثه منظومة غريبة مختلفة في تصوراتها ، وفي مجموع مكوناتها ، عن تلك المنظومة التي جاءت بها النصوص الشرعية واقتبسها المتقدمون من علماء الأمة من ذلك الوحي المعصوم .
وقد انتشر علم الكلام في الأمة ، وأخذ طوائف من الناس بما تضمه من دعاوى وأصول ، حتى غدوا ينسبون إليه ، فيقال لهم : المتكلمون .
وأخذ هؤلاء المتكلمون يؤلفون في علوم الإسلام المختلفة ، كأصول الدين والفقه وأصوله والتفسير والعربية بعلومها ، وكثرت تآليفهم فيها ، وكانوا يعتمدون أصول ذلك العلم الذي أقاموا عليه دينهم
وبنوا عليه عقيدتهم ، فالتزموا بتلك الأدلة في مقدماتها وأصولها ولوازمها ، فلا يبنون قاعدة ولا ينفون أصلاً إلا بناء على ما تقضيه تلك الأصول ، حتى أضحى علم الكلام المرجع الأصلي في تصحيح الصحيح وإبطال الباطل في تصورهم ...

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-02-2013, 03:42 AM
ومن أشهر تلك الأصول وأوسعها انتشارا ، وتوغلا في المنظومة الكلامية : دليل الحدوث ، ذلكم الدليل الذي يعد أصل الأصول التي تقوم عليها المنظومة الكلامية ؛ لأنه متعلق بمسألة هي الأم في كل العلوم ، ألا وهي مسألة وجود الله تعالى ؛ ولأجل هذا جعل له المتكلمون المكانة العالية ، وبوؤوه المنزلة الرفيعة ، وأوسعوه شرحا وتحريرا وتدليلا وبيانا ودفعاً لاعتراضات الخصوم عليه .
ومع ما له من منزلة إلا أنه دليل متشرب بالخلل المنهجي ، ومتشبع بالأخطاء المعرفية ، فقد توغلت فيه حتى وصلت إلى النخاع ، فشوهت صورته وأبطلت دلالته ، وأفسدت إمكان الاستفادة منه
وعطلت الوظيفة التي جيء به من أجلها .
وهذا البحث يقصد إلى بيان تلك الأخطاء المنهجية التي يعاني منها دليل الحدوث ، ويثبت وجودها فيه بالأدلة الشرعية والواقعية ، وهذا القصد يستوجب أن يكون البحث مكوناً من مبحثين ، وهما :
- المبحث الأول : حقيقة دليل الحدوث .
- المبحث الثاني : مواطن الخلل في دليل الحدوث .
وأسأله سبحانه بمنه وكرمه التوفيق لإتمام ما يستحقه كل مبحث ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-02-2013, 04:22 AM
المبحث الأول
حقيقة دليل الحدوث

توطئة :
انطلق المتكلمون في منظومتهم الكلامية من عد وجود الله تعالى قضية نظرية عند كل الناس ، ومن ثم لا بد من الاستدلال على إثبات صحتها ، وإقامة الأدلة عليها ، وقد تعددت الأدلة التي ذكرها المتكلمون في إثبات وجوده سبحانه ، وتنوعت طرائقهم في ذلك ، ومن أشهر أدلتهم وأكثرها اعتمادا عند جمهورهم : دليل الحدوث ، فهذا الدليل هو الحجة المعتمدة عند المعتزلة كما قال القاضي عبد الجبار ، وكذلك هو عند جمهور الأشاعرة ، وفي هذا يقول الباقلاني لما ذكر دليل الحدوث : ((وهذا الطريق من الكلام في حدوث الأجسام هو المعتمد في هذا الباب)).
ويقول ابن تيمية عن طريقة الاستدلال بطريقة الحدوث (( هي الطريقة المشهورة عند الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم من الأشعرية والكرامية ، ومن دخل في ذلك من الفقهاء : أتباع الأئمة الأربعة وغيرهم)).
وقد ذكر الأشعري والخطابي أن المتكلمين قد أخذوا هذه الطريقة من الفلاسفة ، ولكن هذه النسبة المطلقة غير دقيقة ؛ ((لأن كثيرا من الفلاسفة يبطل هذه الطريقة ، كأرسطو وأتباعه ، فلم يوجد عنهم ، ومن الفلاسفة من يقول بها ، والذين قالوا بها من أهل الكلام ليس كلهم أخذها عن الفلاسفة ، بل قد تتشابه القلوب ....وأكثر المتكلمين السالكين لها مناقضون للقول المشهور عن الفلاسفة لا موافقون لهم
بل يردون على أرسطو وأصحابه في المنطق والطبيعيات والإلهيات )) .
والبحث في هذا الدليل متشعب جداً ، من جهات كثيرة : من جهة نشأته وتاريخه وتطوره ، ومن جهة طرائق تقريره ، ومن جهة مقدماته ودلائلها ، ومن جهة لوازمه وآثاره ، وتفصيل القول في هذه الأمور كلها يحتاج إلى أوقات طويلة وجهود مضنية ، وقد اهتم المتكلمون وغيرهم بشرح ذلك مفصلا وذلك في كتب مفردة وفي ضمن كتب العقائد .
والبحث هنا لا يقصد إلى تفصيل القول فيه ، وإنما يقصد إلى إعطاء صورة مختصرة عنه ، مع بيان مواطن الخلل المنهجي التي وقعت فيه ، وتسببت في بطلانه واستحالة الاعتماد عليه كدليل على وجود الله تعالى .
وسيقتصر في بيان حقيقته على ثلاثة أمور ، هي :
- الأمر الأول : مفهوم دليل الحدوث وأسماؤه
- الأمر الثاني : منزلة دليل الحدوث عند المتكلمين
- الأمر الثالث : أصوله ومقدماته
وإنما اقتصر البحث على هذه الأمور ؛ لأنه بإدراكها يتحصل المرء على تصور كاف في معرفة حقيقة هذا الدليل .

إلى حب الله
02-02-2013, 05:18 PM
متابع ....

عمر خطاب
02-02-2013, 07:29 PM
السلام عليكم. وأنا كذلك متابع منذ رأيت الموضوع أمس. وعندي استفسار لم أكن أريد وضعه لعدم إفساد الموضوع!! كنت رأيت من أهل العلم - على ما أذكر - من وضع رابطًا يتحدث عن دليل حدوث أيضًا - في واحدة من الأسئلة في موقع فتاوى، والسوال عن وجود الخالق سبحانه وتعالى -، فهل الإشكال في طريقة المتكلمين أم في كل دليل حدوث؟ أقصد إثبات حدوث العالم بطريقة لا تتعارض مع الدين، بل كما يفعل كثير من الإخوة هنا، سواءً بالفيزياء الحرارية هذه، أو بوجود النقص أو تسلسل الحوادث وهذه الأمور، ثم كل هذه النقاط، هل هذا يدخل تحت مسمى البدعة كله أم فقط ما انتهجه أهل الكلام من مركب وغير مركب وحلول الحوادث - أو لا أذكر اسمها - وهذه الأمور فقط هي الممنوعة؟ بارك الله فيكم.

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-02-2013, 10:14 PM
أولا : مفهوم دليل الحدوث وأسماؤه.

درج كثير من الذاكرين لهذا الدليل على الشروع في مقدماته مباشرة من غير ذكر لتعريفه وبيان مفهومه ، ومع هذا يمكن أن يبين مفهوم هذا الدليل بأن يقال : هو إثبات حدوث العالم بوقوع التغير فيه ، والاستدلال على وجود الله تعالى بذلك ، بحيث إن المرء يستدل بوقوع التغير والتجدد في هذا العالم على ضرورة كونه مخلوقا ، وإذا كان مخلوقا ، فإنه لا بد له من محدث يجعله كذلك ، وهو الله سبحانه وتعالى .
وقد أطلق على هذا الدليل أسماء وألقاب كثيرة ، ومن تلك الأسماء : دليل الحدوث ، ودليل الجواهر والأعراض ، ودليل الأجسام ، ودليل حلول الحوادث ، ودليل حدوث الأجسام ، ودليل حدوث الأعراض ، وغيرها من الأسماء .

ثانيا : منزلة دليل الحدوث عند المتكلمين .

توارد كثير من المتكلمين على تعظيم دليل الحدوث والإعلاء من شأنه ، فجعلوه من أصول الدلائل الكبيرة التي لا يتحقق إيمان المرء إلا بمعرفتها وسلكه أكثرهم في إثبات وجود الله تعالى ، فلا يمكن العلم بوجود الله تعالى عند الماتريدي إلا بمعرفة حدوث العالم ، وفي هذا يقول (( والأصل أن الله تعالى لا سبيل إلى العلم به إلا من طريقة دلالة العالم عليه )) ، ويقول الغزالي : (( من لا يعتقد حدوث الأجسام فلا أصل لاعتقاده في الصانع أصلا )) ، ويقول النسفي : (( من المحال أن يكون من لا علم له بحدوث العالم وثبوت الصانع ووحدانيته وثبوت النبوة مؤمنا )) .
بل قد جعل القاضي عبد الجبار العلم به أول واجب على العبد ، لأنه محل النظر الذي هو طريق لمعرفة الله تعالى ، وفي هذا يقول : ((فإن قال قائل : فبينوا لي محل ما يلزم في التوحيد أن يعرفه ، قيل له : يدور ذلك على خمسة أصول : أولها : إثبات حدوث العالم )) .
وقرر بعض المتأخرين من المتكلمين أن العلم بحدوث العالم أصل كل العقائد ، وذلك لأن العلم بوجود الله تعالى لا يكون إلا بالعلم به ، والعلم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون إلا بعد العلم بوجود الله تعالى ، والشرائع لا تثبت إلا بالنبوة ، فصار دليل الحدوث أصلا لكل شرائع الدين على قولهم ، وفي هذا يقول السنوسي : ((اعلم أن حدوث العالم أصل عظيم لسائر العقائد ، وأساس كبير لما يأتي من الفوائد)) ، وبالغ بعض الأشاعرة في الاهتمام بهذا الدليل حتى ذكر ابن العربي أن مما يجب على المصلي ((عند الإحرام -بالصلاة- أن يذكر حدث العالم ، وأدلته وإثبات الأعراض ، واستحالة عرو الجواهر عنها ، وإبطال حوادث لا أول لها ، وأدلة العالم بالصانع ، وإثبات الصفات ، وما يجب له -تعالى-وما يستحيل وما يجوز...)) ، ويقول ابن تيمية مبينا منزلة حجة الحدوث عند المتكلمين :((جعلوا صحة دين الإسلام موقوفا عليها ، وذلك أنه موقوف على الإيمان بالرسول ، والإيمان به موقوف على معرفة المرسل ، وزعموا أن المرسل لا يعرف إلا بها ، قالوا : لأنه لا يُعرف إلا بالنظر والاستدلال المفضي إلى العلم بإثبات الصانع ، قالوا : ولا طريق إلى ذلك إلا بإثبات حدوث العالم)).

ثالثا: أصول دليل الحدوث ومقدماته :

تعددت طرائق المتكلمين في تقرير حقيقة دليل الحدوث ، وتنوعت أساليبهم في بيانه ، فمنهم من يجعله قائما على مقدمتين ، ومنهم من يفصل فيجعله قائما على أربع مقدمات ، ومن جعله كذلك اختلفوا في تحديد تلك المقدمات وترتيبها ، ومنهم من يزيد في مقدماته فيوصلها إلى سبع .
ويمكن أن يُحصل من مجموع كلامهم طريقة مختصرة تظهر بها حقيقة هذا الدليل وتتبين ، وذلك بأن يقال : إن دليل الحدوث قائم على أصلين كليين ، وهما:
-الأصل الأول: إثبات حدوث العالم.
-الأصل الثاني : إثبات كون المحدَث لا له من محدِث .
والمراد بالأصل هنا : القاعدة الكلية التي يبنى عليها غيرها ، وهذان الأصلان ترجع إليهما جميع المباحث التي يذكرها المتكلمون حول هذا الدليل .
أما الأصل الأول : وهو إثبات حدوث العالم ، فقد قرر جمهور المتكلمين أن العالم - وهو كل ما سوى الله تعالى - مكون من أمرين ، جواهر وأعراض ، وقرروا أن الجواهر لا يمكن أن تنفك عن الأعراض ، وأن الأعراض متغيرة ، فخلصوا من هذا إلى أن العالم لا بد أن يكون محدثا مخلوقا

وبهذا التقرير يُعلم أن الأصل الأول قائم على أربع مقدمات ، وهي :
المقدمة الأولى : إثبات الأعراض ، والأعراض جمع عرض ، وله في اصطلاح المتكلمين حدود كثيرة ، من أشهرها : أن العرض هو : ما يقوم بغيره.
قد استندوا إلى أدلة كثيرة في إثبات وجوده ، ومن أشهر أدلة وجوده عند الماتريدية والأشاعرة : هو أن الجسم تطرأ عليه التغيرات ، فهو تارة يكون ساكنا وتارة يكون متحركا ، وتارة يكون متلونا بلون معين ، ثم يتغير ذلك اللون إلى لون آخر ، وهذا التغير لا يصح أن يكون مرجعه الجسم نفسه ، لأنه لو كان كذلك لكان باقيا على أحواله دائما ، وفي بيان هذا الدليل يقول النسفي :((الجوهر قد يكون ساكنا ثم يتحرك ، وهكذا على القلب ، ولو لم تكن الحركة والسكون معنيين وراء ذات الجوهر ، بل كانا راجعين إلى ذاته لكان في الأحوال أجمع ساكنا متحركا لوجود ذاته الموجب لهما ، ولما اختص كل صقة بحالة على حدة )) .
وأما المعتزلة فقد استندوا على كون الجسم لا يخلو من الأكون الأربعة ، وهي : الاجتماع والافتراق ، والحركة والسكون ، وما لا يخلو من هذه الأكوان لا بد أن يكون مخلوقا .
ودليل المعتزلة في المآل مقارب لدليل الأشاعرة والماتريدية ، لأن الأكوان الأربعة جزء من الأعراض في الحقيقة .

المقدمة الثانية : إثبات حدوث الأعراض ، وهذه المقدمة اختلف فيها المتكلمون ، فمنهم : من يرى أن حدوث الأعراض ضروري لا يحتاج إلى دليل ، لأنه يقع بالمشاهدة والحس ، وهذا القول قال به الماتريدية كما ذكره النسفي وبعض الأشاعرة ، ومنهم : من يرى أنها نظرية لا تُعلم إلا بالدليل ، ومن هؤلاء : جمهور الأشاعرة ، وقد استندوا في إثباتها على دليل التعاقب ، وحاصله : أن الأعراض المتضادة تتعاقب في محالها ، ونحن نستيقن بناء على ذلك أن الوصف الطارئ حادث ، لأنه كان معدوما ، ونستيقن أن الوصف الزائل حادث أيضا ، لأنه زال بعد وجوده ، وما حدث بعد عدمه أو زال بعد وجوده فهو حادث ، وفي بيان هذا الدليل يقول الجويني : ((الدليل على حدوث الأعراض أنا نرى الأعراض المتضادة تتعاقب على محالها ، فنستيقن حدوث الطارئ منها ، من حيث وُجدت ، ونعلم حدوث السابق منها من حيث عُدمت ، إذ لو كانت قديمة لاستحال عدمها ، لأن القدم ينافي العدم)) ، وهذا الدليل استند إليه المعتزلة أيضا .

المقدمة الثالثة : استحالة تعري الجواهر من الأعراض ، وقد اختلف المتكلمون في تقرير دليلها ، فاستند الأشاعرة إلى أن الضرورة تقتضي أن الجسم يستحيل أن يخلو من الأوصاف المتضادة كالاجتماع والافتراق ، لاستحالة ارتفاع النقيضين ، وهذا يلزم من ضرورة اتصاف الجسم بأحد الوصفين ، وبالتالي يقتضي امتناع خلو الجسم من الأعراض ، وهذا التقرير استند إليه الماتريدية أيضا .
وأما المعتزلة فاستندوا إلى أن الجسم لا بد أن يكون متحيزا ، والجسم المتحيز لا يمكن أن يخلو من أحد الأكوان الأربعة ، وهذا يقتضي أن الجسم لا يخلو من الأعراض (الأكوان الأربعة).

المقدمة الرابعة : وهذه المقدمة اختلف المتكلون في تحديد صورتها على قولين :
القول الأول في صورتها : أن ما لم يسبق الحوادث فهو حادث ، وهذا القول قرره الباقلاني ، والقاضي عبد الجبار ، وغيرهما .
واستندوا في تقريره إلى أن الجسم إذا لم يمكن أن ينفك عن الأعراض ، فهو لا بد أن يكون معها أو بعدها ، وكل من المعية أو البعدية تقتضي عدم تقدم الجسم على الأعراض ، فالجسم إذن لا يمكن أن يسبق الأعراض ، وفي بيان هذه الحجة يقول الباقلاني :((إذا بطل أن يكون الجسم عاريا عن الحوادث ومنفكا من سائرها ، وجب أنه ليس له معها إلا حالان : إما أن يكون موجودا مع وجودها ، أو بعدها ، فإن كان موجودا مع وجودها ، ولوجودها أول ، فواجب أن يكون حكمه في الوجود عن أول ، وحصوله عن عدم حكمها ، وذلك يوجب حدوثه من حيث شركها في علة الحدوث متى لم يكن سابقا لها ، وإن كان موجودا بعدها ، كان أولى بالحدوث منها ، لوجوده بعدها)) .
وهذه الحجة فيها إجمال ، فهي لم توضح المراد بالحوادث هنا ، هل المراد بها جنس الحوادث أم أفرادها ؟ ، والديل لا يقوم إلا إذا كان المراد جنس الأعراض ، ولهذا حاول المتأخرون من المتكلمين الخروج من هذا الإجمال فقالوا بصورة أخرى لهذه المقدمة .

والقول الثاني : أن صورة المقدمة هي : استحالة حوادث لا أول لها ، وقد قال بهذا القول أبو الحسين البصري ، والجويني والشهرستاني والرازي وتوارد عليه كثير من المتكلمين من بعد .
وهم إنما قالوا بهذا القول حتى يتخلصوا من ذلك الإجمال الذي وقع فيه من سبقهم ، وفي هذا يقول ابن تيمية :((ولما تفطن كثير من أهل الكلام لما في هذه المقدمة من الإجمال والإبهام ، وأنه لا بد من بيان هذه المقدمة في هذا الموضع ، ميزوا بين النوعين كما فعل ذلك أبو الحسين البصري وأبو المعالي الجويني والشهرستاني والرازي وغيرهم ، فعرفوا أن المراد أنه ما لم يسبق جنس الحوادث لا عين الحوادث ، وأن ذلك لا يتم إلا ببيان أن الحوادث يجب أن يكون لها ابتداء ، وأنه يمتنع وجود حوادث لا يتناهى نوعها ، فأخذوا يحتجون على ذلك بما ذكرنا اعتراض الناس عليه في غير هذا الموضع ، ولهذا جعل أبو الحسين وأبو المعالي ونحوهما هذا الدليل مبنيا على أربع مقدمات : إثبات الأعراض ، وإثبات حدوثها وإثبات استلزام الجسم لها ، واستحالة حوادث لا أول لها ، وجعلوا النتيجة أن ما لا يسبق الحوادث فهو حادث)) .
وقد استند المتكلمون في تقرير هذا القول إلى أنواع من الأدلة ، ومن أشهرها ما يسمى بدليل التطبيق ، وحاصله : أنه لو فُرض وجود سلسلتين ، تبدأ إحداهما من زمن الطوفان إلى ما لا نهاية في الماضي ، والأخرى من زمن الهجرة إلى ما لا نهاية له في الماضي ، فإنه عند التطبيق بين هاتين السلسلتين بحيث يقع في مقابل كل حلقة من الأولى حلقة من الثانية ، فإن الأمر لا يخلو من حالين :
-الأول : أن تتساوى السلسلتين ، وهذا محال ، لأنه يلزم منه أن يكون الزائد مثل الناقص .
-والثاني: أن تتفاضل ، وهذا محال أيضا ، لأنه يلزم منه أن يقع التفاضل فيما لا نهاية له .
فإذا كان الأمر كذلك فإنه لا بد أن نقول أنها غير متناهية ، لأن هذا الأمر هو الأمر الذي لا تلزم عليه تلك المحالات ، وهذا يعني أن الحوادث لها ابتداء .
فهذه المقدمات الأربع قرر بها المتكلمون صحة الأصل الأول ، وهو حدوث العالم .
وأما الأصل الثاني : وهو أن كل حادث لا بد له من محدث ، فقد اختلف المتكلمون فيه ، فمنهم : من جعله من الأمور الضرورية التي لا تحتاج إلى استدلال ، ومن هؤلاء الغزالي والرازي في بعض كتبه ، ومنهم : من جعله من الأمور النظرية ، واستدلوا عليه بأدلة كثيرة ، ومن تلك الأدلة : القياس ، وقد بين صورته القاضي عبد الجبار إذ يقول :((يدل عليه تصرفاتنا في الشاهد ، فإنها محتاجة إلينا ومتعلقة بنا ، وإنما احتاجت إلينا لحدوثها ،فكل ما شاركها -يعني تصرفاتنا- في الحدث وجب أن يشاركها في الاحتاج إلى محدث وفاعل ، والأجسام قد شاركتها في الحدث ، فيجب احتياجها إلى محدث وفاعل )) ، واستدل بعض الأشاعرة بدليل التخصيص ، وحاصله أن الممكن جائز وجوده في كل وقت فلا فضل لوقت دون وقت ، فاختصاصه بالوجود في وقت دون وقت يحتاج إلى مخصص ، لاستحالة ترجيح أحد الممكنين بلا مرجح .
فلما قرر المتكلمون هذين الأصلين خلصوا إلى نتيجة وهي : أن خالق هذا العالم هو الله تعالى ، لأن الخلق لا يمكن أن يكون إلا من فاعل مختار وهو الله سبحانه .

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-03-2013, 10:47 PM
السلام عليكم. وأنا كذلك متابع منذ رأيت الموضوع أمس. وعندي استفسار لم أكن أريد وضعه لعدم إفساد الموضوع!! كنت رأيت من أهل العلم - على ما أذكر - من وضع رابطًا يتحدث عن دليل حدوث أيضًا - في واحدة من الأسئلة في موقع فتاوى، والسوال عن وجود الخالق سبحانه وتعالى -، فهل الإشكال في طريقة المتكلمين أم في كل دليل حدوث؟ أقصد إثبات حدوث العالم بطريقة لا تتعارض مع الدين، بل كما يفعل كثير من الإخوة هنا، سواءً بالفيزياء الحرارية هذه، أو بوجود النقص أو تسلسل الحوادث وهذه الأمور، ثم كل هذه النقاط، هل هذا يدخل تحت مسمى البدعة كله أم فقط ما انتهجه أهل الكلام من مركب وغير مركب وحلول الحوادث - أو لا أذكر اسمها - وهذه الأمور فقط هي الممنوعة؟ بارك الله فيكم.
سيظهر لك الجواب إن شاء الله وبقي تقريبا عشر مشاركات مني وينتهي ..

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-03-2013, 11:31 PM
المبحث الثاني
الأخطاء المنهجية في دليل الحدوث

نقد المحققون من العلماء دليل الحدوث وبينوا ما فيه من خلل ونقص ، وأكدوا عدم صلاحيته لما وُضع له ، وفي هذا يقول ابن تيمية عن دليل الحدوث (( المحققون على أنها طريقة باطلة ، وأن مقدماتها فيها تفصيل وتقسيم يمنع ثبوت المدعي بها مطلقا ، ولهذا تجد من اعتمد عليها في أصول دينه أحد الأمرين له لازم : إما أن يطلع على ضعفها ويقابل بينها وبين أدلة القائلين بقدم العالم فتتكافأ عنده الأدلة ، أو يرجح هذا تارة وهذا تارة كما هو حال طوائف منهم ))
والنقد الذي يوجه إلى هذا الدليل يمكن أن يكون بطريقين ، هما :
الأول : طريق منهجي ، والمراد به : أن تبين الأخطاء الكلية (المنهجية) التي وقعت في ذلك الدليل من غير نظر إلى ما وقع في آحاد أدلته ومقدماته على جهة الخصوص ، وإنما يبين صفات الدليل الصحيح فيه ومدى مطابقته لما وضع له على سبيل العموم .
والثاني : طريق تفصيلي ، والمراد به نقد كل جزء من مكوناته التي وقع فيه الغلط سواء أمقدمة كانت أم دليلا أم نتيجة ، وهذا النوع من النقد هام جداً ؛ لأنه يثبت به بطلان كثير من مقدماته وأصوله التي يقوم عليها ، كالبول باستحالة حوادث لا أول لها ، والقول بالجوهر الفرد وتماثل الأجسام ، والقول بأن القابل للضدين يستحيل خلوه من أحدهما ، ونحو ذلك من المقدمات والأصول التي يقوم عليها دليل الحدوث ، وقد تتبع عدد من العلماء تلك المواطن في دليل الحدوث وبينوا عدم صحتها .
والطريق الذي سيُسلك هنا هو الطريق المنهجي ، وهذا الطريق هام جداً أيضاً ؛ لأن الأخطاء الكلية المنهجية تعد أصلا وأساسا للأخطاء التفصيلية التي وقعت في دليل الحدوث ، فبيانها والتدليل على خطئها يمثل الخطوة الأولى الأساسية في بيان عطبه وفساد تركيبه وبناءه ، وذلك أن البحث في الأخطاء المنهجية هو في حقيقته بحث في مدى توفر شروط صحة الدليل ومعالمه الأساسية التي ينبغي لكل دليل أن يتصف بها ويسير على مقتضاها ، ويدل فقدانها من الدليل على تشوه صورته وتعثر طريقه في الوصول إلى المقصود منه بكل يسر وسهولة .
فمن المعلوم كل دليل لا بد أن تتوفر فيه أوصاف يكون بها طريقا صحيحا سليما ، وتلك الأوصاف : إما أن تكون راجعة إلى مستند الدليل ومستمده ، وإما أن تكون راجعة إلى صحة مقدماته وأصوله
وإما أن تكون راجعة إلى طريقة تركيبه ، وكيفية الانتقال فيه بين مقدماته ونتائجه ، وإما أن تكون راجعة إلى مناسبته لأحوال المستدلين ، وإما أن تكون راجعة إلى ما يستلزمه من لوازم ، ومن يتأمل طريقة القرآن في الاستدلال يجد أنها متصفة بكل أوصاف الكمال التي لا بد من توفرها في الدليل
وفي بيان تلك الأوصاف يقول ابن القيم : (( والله سبحانه حاج عباده على ألسن رسله وأنبيائه فيما أراد تقريرهم به وإلزامهم إياه بأقرب الطرق إلى العقل وأسهلها تناولا وأقلها تكلفا وأعظمها غناء ونفعا وأجلها ثمرة وفائدة فحججه سبحانه العقلية التي بينها في كتابه جمعت بين كونها عقلية سمعية ظاهرة واضحة قليلة المقدمات سهلة الفهم قريبة التناول قاطعة للشكوك والشبه ملزمة للمعاند والجاحد ولهذا كانت المعارف التي استنبطت منها في القلوب أرسخ ولعموم الخلق أنفع
وإذا تتبع المتتبع ما في كتاب الله مما حاج به عباده في إقامة التوحيد وإثبات الصفات وإثبات الرسالة والنبوة وإثبات المعاد وحشر الأجساد وطرق إثبات علمه بكل خفي وظاهر وعموم قدرته ومشيئته وتفرده بالملك والتدبير وأنه لا يستحق العبادة سواه وجد الأمر في ذلك على ما ذكرناه من تصرف المخاطبة منه سبحانه في ذلك على أجل وجوه الحجاج وأسبقها إلى القلوب وأعظمها ملاءمة للعقول وأبعدها من الشكوك والشبه في أوجز لفظ وأبينه وأعذبه وأحسنه وأرشقه وأدله على المراد))

فالدليل الذي يراد منه اثبات قضية شرعية - لا سيما إن كانت اثبات وجود الله تعالى - لا بد أن تتوفر فيه نفس الأوصاف التي تتصف بها براهين الشرع ؛ إذا هي المثل الذي يحتذى به ، وكلما فقد الدليل وصفا من تلك الأوصاف كلما نقصت منزلته وساءت حاله وصفعت دلالته .
ومن يتأمل أكثر طرق المتكلمين في الاستدلال ، وخاصة دليل الحدوث - الذي محل البحث هنا - يدرك بأدنى نظر أنها فاقدة لأوصاف الدليل الصحيح ومتشربة للأخطاء المخالفة لما ينبغي أن يكون الدليل عليه .
والأخطاء المنهجية التي اشتمل عليها دليل الحدوث متنوعة : منها ما يرجع إلى مستنده ومستمده
ومنها ما يرجع إلى منطلقه وغرضه الأصلي ، ومنها ما يرجع إلى فقدان مناسبته لأحوال المكلفين ، ومنها ما يرجع إلى لوازمه المعرفية .
والنقد المنهجي لدليل الحدوث هو في مآله إبراز لما فقده من أوصاف الدليل الصحيح ، ولما تلبس به من أوصاف مخالفة لطريقة البراهين السليمة ، وإثبات لتوغل الأوصاف المنافية لمنهجية الاستدلال في بنيته المعرفية ...

الحناوي
02-04-2013, 04:47 AM
متابع

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-04-2013, 10:56 PM
ويتحصل ذلك النقد المنهجي ببيان مواطن الخلل الكلية فيه ، وهي كما يلي :
الخلل الأول : أن هذا الدليل بدعة في دين الله تعالى ، لم يدع إليه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا التابعون لهم ، ولم يستعملوه في دينهم ، وهذا معلوم من حالهم بالضرورة ، فلو كان دليلا معتبرا في معرفة الله تعالى لدعوا إليه ولاستعملوه ، ولكنهم لم يفعلوا شيئا من ذلك فكيف يكون هذا هو الدليل المعتمد في معرفة الله-تعالى- كما زعموا ، فهل يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرفه ولم يدع إليه أحدا ممن كان يسلم على يديه؟ ، ولم يعرفه أحد من أصحابه ولا أحد من التابعين لهم بإحسان ، ثم يكون مع ذلك دليلا معتمدا في معرفة الله ؟! ، ودليل الحدوث بهذا الحال فاقد للمستند الشرعي الذي يؤهله لأن يكون دليلا معتمدا على قضية شرعية كبيرة .
ولهذا فقد قرر كثير من العلماء بدعية هذا الدليل وعدم شرعيته ، ومن هؤلاء : الأشعري ، فقد نقل ابن تيمية عنه أنه يرى أن :((تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم ليس موقوفا على دليل الأعراض ، وأن الاستدلال به على حدوث الأعراض من البدع المحرمة في دين الرسل)).
وممن صرح ببدعية هذا الدليل : الخطابي إذ يقول : ((إنا لا ننكر أدلة العقول والتوصل بها إلى المعارف ، ولكنا لا نذهب في استعمالها إلى الطريقة التي سلكتموها في الاستدلال بالأعراض وتعلقها بالجواهر ، وانقلابها فيها على حدوث العالم وإثبات الصانع ، ونرغب عنها إلى ما هو أوضح بيانا وأضح برهانا ، وإنما هو الشئ أخذتموه عن الفلاسفة وتابعتموهم عليه)) .
وممن صرح ببدعية هذا الدليل أيضا : أبو القاسم الأصفهاني ، وفي بيان هذا يقول ((أنكر السلف الكلام في الجواهر والأعراض، وقالوا : لم يكن على عهد الصحابة والتابعين رضي الله عن الصحابة ورحم الله التابعين ولايخلو أن يكونوا سكتوا عن ذلك وهم عالمون به فيسعنا السكوت عما سكتوا عنه أو يكونوا سكتوا عنه وهم غير عالمين به فيسعنا أن لانعلم مالم يعلموه)) ، والمقصود من كلام الأصفهاني هو تقرير بدعية حجة الحدوث ، وأما ما ذكره من حجة فهي غير لازمة ، لأنه ليس كل ما لم يعلمه السلف يلزم أن يكون باطلا ومذموما .
وممن صرح ببدعية هذا الدليل : الغزالي في بعض كتبه ، وفي هذا يقول : ((فليت شعري من نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم قالوا لمن جاءهم مسلما ، الدليل على أن العالم حادث : أنه لا يخلو عن الأعراض ، وما لا يخلو عن الأعراض حادث)).
وممن صرح ببدعية ذلك الدليل ، وأعاد الكلام في ذلك كرة بعد كرة : ابن تيمية ، وكلامه في هذا كثير جدا ، ومن ذلك قوله ((فهذه الطريقة مما يعلم بالاضطرار أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يدع الناس بها إلى الإقرار بالخالق ونبوة أنبيائه ،ولهذا قد اعترف حذاق أهل الكلام كالأشعري وغيره ، بأنها ليست طريقة الرسل وأتباعهم ولا سلف الأمة وأئمتها ، وذكروا أنها محرمة عندهم )) ، وقال أيضا عن طريقة الحدوث :(( طريقة مبتدعة في الشرع باتفاق أهل العلم بالسنة)) .
ومما ينبغي أن ينبه عليه هنا أن هذا الوجه لا يقتضي بالضرورة بطلان تلك الطريقة ، وإن كان يقتضي ذمها وعدم شرعيتها ، ولهذا فإنه ليس كل من قال ببدعية دليل الحدوث يقول ببطلانه ، وهذا المعنى كرر ابن تيمية التنبيه عليه في مواطن ، ومن ذلك قوله عمن ذم دليل الحدوث : (( منهم من يذمها لأنها بدعة في الإسلام ، فإنا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع الناس بها ، ولا الصحابة ، لأنها طويلة مخطرة كثيرة الممانعات والمعارضات ، فصار السالك فيها كراكب البحر عند هيجانه ، وهذه طريقة الأشعري في ذمه لها والخطابي والغزالي وغيرهم ممن لا يفصح ببطلانها)) .
وقد حاول المتكلمون أن يبحثوا عن مستند شرعي لدليل الحدوث ، فتمسكوا بقصة إبراهيم عليه السلام ، حين استند إلى أفول الكواكب في إثبات إبطال إلهيتها ، ووجه تمسكهم : أن إبراهيم عليه السلام استدل على حدوث الكواكب والشمس والقمر بالأفول ، والأفول هو الحركة ، والحركة تقتضي التغير ، فيلزم من ذلك أن كل متغير محدث ، وتمسكهم بهذه القصة قديم ، فقد ذكره الدارمي عن المريسي ، ثم توارد المتكلمون على الاعتماد عليه .
ولكن تمسكهم هذا غير صحيح ، ولا ينفعهم في شيء ، وبيان ذلك : أن يقال : إن استدلالهم بالقصة مبني على مقدمتين خاطئين ، هما :
المقدمة الأولى : أن إبراهيم كان يقصد إثبات وجود الله تعالى ، وهذا غير صحيح ، لأن إبراهيم لم يكن يعتقد أن الكواكب يمكن أن تكون هي الخالقة لهذا الكون وأنها الرب الأزلي له ، ولا كان قومه يعتقدون ذلك ، بل كانوا مقرين بوجود الله تعالى وأنه الخالق المدبر ، فقوم إبراهيم لم يكونوا يعتقدون في الكواكب أنها تخلق أو تدبر ، وإنما يتخذونها أصناما يدعونها ويتقربون إليها بأنواع القربات ، وقد أخبر الله - تعالى - عنهم بأنهم كانوا مقرين بوجوده سبحانه ، كما في قوله تعالى : (( قال أفرءيتم ما كنتم تعبدون ، أنتم وأباؤكم الأقدمون ، فإنهم عدو لي إلا رب العالمين )) فاستثنى إبراهيم رب العالمين الذي كانوا يعبدونه ويقرون بوجوده وتبرأ مما سواه ، وكذلك فإن القرآن لم ينقل عنهم أنهم ممن ينازع في وجود الله - تعالى - فضلا عن أنه لم يُنقل عن أمة من الأمم أنهم كانوا يثبتون مع الله خالقا آخر ، فالمناظرة إذن لم تكن في سياق إبطال كون الكواكب خالقة مدبرة للكون ، وإنما في سياق إبطال كون الكواكب تستحق أن تصرف لها العبادة .
ومما يدل على أن القصة لم تكن في مقام إثبات وجود الله - تعالى - : أن سياق الآيات (سباقها ولحاقها) كله في إثبات تفرد الله - تعالى - باستحقاق العبودية ، وإبطال عبادة الأصنام ، فقد ابتدأ السياق بذكر دعوة إبراهيم لأبيه آزر لترك الأصنام وعبادة الله وحده ، وانتهى بإعلان إبراهيم البراءة من كل معبود سوى الله - تعالى - ، فهذا السياق يدل بوضوح على أن موضوع المناظرة كان في إثبات تفرد الله - تعالى - بالإلهية لا في إثبات وجوده - سبحانه - ، ويدل أيضا على أن إبراهيم لم يرد إثبات أن الكواكب ليست خالقة للكون ، وإنما أراد إثبات أن الكواكب ليست مستحقة للعبادة ، والفرق بين الأمرين ظاهر .
وأما وجه دلالة الأفول على انتفاء الإلهية عن الكواكب بناء على أنها كانت موضوع المناظرة : فلأن الأفول المستمر والمنتظم لتلك الكواكب المخلوقة يدل على أنها مسخرة من قبل غيرها ، لا تملك لنفسها شيئا ، وإنما هي خاضعة لمن جعلها كذلك ، فهي تظهر وتختفي كل يوم ، ولا تحيد عن ذلك يمينا أو شمالا ، ومن كان حاله كذلك فإنه لا يصلح أن يكون إله ، لأنه لا يملك لنفسه شيئا فكيف يملك لغيره ؟.
وأما المقدمة الثانية ، وهي : أن إبراهيم استدل على وجود الله - تعالى - بانتفاء الأفول عنه - الذي هو الحركة عندهم - ، وأنه جعل دليل وجوده - سبحانه - عدم قيام التغير به .
وهذا غير صحيح أيضا ، وتتبين عدم صحته بالأمور التالية :
1- أن الأفول ليس هو الحركة كما زعموا ، بل هو المغيب والاختفاء ، فإنه لا يقال لكل متحرك : إنه آفل ، فلا يقال للماشي مثلا أو للمصلي أنه تأفل ، فهذا لا يعرف في لغة العرب ، بل إن تفسير الأفول بالحركة مخالف لإجماع أهل اللغة ، فلم يفسره أحد منهم بذلك ، بل أجمعوا على تفسيره بالمغيب ، وفي هذه يقول الأزهري : ((يقال : أفلت الشمس تأفل ، وتأفل أفلا وأفولا ، فهي آفلة ، وكذلك القمر يأفل ، إذا غاب )) وقال ابن فارس : ((أفلت الشمس : غابت ، ونجوم أُفّل ، وكل شئ غاب فهو أفل.... وإبراهيم عليه السلام قال : ((لا أحب الآفلين)) ، حين غابت الكواكب واحتجبت)) ، وقد توارد أهل اللغة على تقرير هذا المعنى ولم يشذ منهم أحد .
وهو مخالف أيضا لما أجمع عليه المفسرون من الصحابة والتابعين وعلماء السلف ، فإنه لم يفسر أحد منهم الأفول بالحركة ، وإنما توادروا على تفسيره بالمغيب .
2- أن تفسير الأفول بالحركة مخالف لطريقة الاستدلال في القصة ، فإن إبراهيم عليه السلام لو أراد أن يعتمد على الحركة في إثبات بطلان ربوبية الكواكب لاستدل بأول بزوغها وتحركها ، فهو لم يبدأ في الاستدلال بها من أول ظهورها ، وإنما انتظر حتى الأفول كما قال تعالى : ((فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون ( 78 ) إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين )) فإبراهيم عليه السلام لم يجعل الحركة والانتقال مستنده في الاستدلال ، إذ لو كانت مستنده لقال : انظروا إليها كيف تبزغ وتتحرك ، من بداية بزوغها ، وهو أيضا لم يقل : إني لا أحب المتحركين .
ولأجل هذا المخالفة اعترف العز ابن عبد السلام بكون استدلالهم بالقصة مشكلا ، فقال عن اعتمادهم عليها : هو ((مشكل غاية الإشكال، لأن الدال على عدم إلهية الكوكب إن كان التغيير، فقد وجد قبل الأفول، فلا معنى لاختصاصه به، وإن كان الغيبة عن البصر فيلزم في حق الله سبحانه، وإن كان كونه انتقل من كمال – وهو العلو – إلى نقصان، فقد كان ناقصًا عند الإشراق، وأيضًا فذلك معلوم له قبل الأفول أنه يأفل. وأنه في المشرق مساو لحالته في المغرب)) .
وعند التأمل في طريقة إبراهيم عليه السلام فإنا نخلص إلى أمرين هامين ، وهما :
الأول : أن الأفول ليس هو مجرد حركة ، لأنه فرق بين البزوغ الذي يقتضي الحركة بالضرورة وبين الأفول .
والثاني : أن طريقة الاستدلال في القصة تدل على نقيض ما أراده المتكلمون منها ، وقد بين ابن تيمية وجه ذلك فقال : ((فإن كان إبراهيم إنما استدل بالأفول على أنه ليس رب العالمين -كما زعموا- : لزم من ذلك أن يكون ما تقدم الأفول - من كونه متحركا منتقلا - تحله الحوادث ، بل ومن كونه جسما متحيزا ، لم يكن دليلا عند إبراهيم على أنه ليس برب العالمين ، وحينئذ فيلزم أن تكون قصة إبراهيم حجة على نقيض مطلوبهم ، لا على نفس مطلوبهم )) .

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-05-2013, 10:47 PM
الخلل الثاني : أن هذه الطريقة تلبست بأوصاف مذمومة في الشرع والعقل ، ومن تلك الأوصاف : الصعوبة والغموض والتطويل والإجمال وكثرة التفصيلات ، فهذه الأمور تشرب بها دليل الحدوث وتشبعت بها مقدماته وأصوله ، وهو بتلك الأوصاف غدا طريقا وعرا ، السالك له لا يصل إلى مطلوبه إلا بعد أن يجتاز عقبات كبيرة هي غاية التعقيد والإشكال ، حار فيها كبار أئمة علم الكلام ، حتى صرح عدد منهم بتوقفه وقلقه ، ولا شك أن ذلك الحال يتناقض مع أصل المقصود من الاستدلال ، فمن المعلوم أن الغرض الأصلي من إقامة الأدلة : توضيح الفكرة وتبينها وتثبيتها وهذا القصد يتطلب الوضوح والاختصار والتبيين والانضباط كما هو الحال في أدلة الشرع المطهر ، ودليل الحدوث لم يتصف بشئ من ذلك بل هو على النقيض ، متصف بما هو مناقض لأصل الاستدلال ، فكيف يُطلب من الناس في معرفة ربهم وإقامة إيمانهم به أن يسلكوا طريقا وعرة غامضة طويلة كثيرة المهالك ؟!.
ولهذا فقد توارد كثير من العلماء على ذم هذا الدليل لتحقق الأوصاف المنافية للاستدلال فيه ، ومن هؤلاء : الأشعري ، فإنه قال في معرض ذمه لحجة الأعراض : ((الأعراض لا يصح الاستدلال بها إلا بعد رتب كثيرة ، يطول الخلاف فيها ويدق الكلام عليها ، فمنها ما يحتاج إليه في الاستدلال على وجودها ، والمعرفة بفساد شبه المنكرين لها ، والمعرفة بمخالفتها للجواهر في كونها لا تقوم بنفسها ولا يجوز ذلك على شئ منها والمعرفة بأنها لا تبقى ، والمعرفة باختلاف أجناسها ، وأنه لا يصح انتقالها من محالها ، والمعرفة بأن ما لا ينفك منها فحكمه في الحدث حكمها ومعرفة ما يوجب ذلك من الأدلة ...، وفي كل مرتبة مما ذكرها فرق تخالف فيها ، ويطول الكلام معهم فيها ))
وممن نص على ذمها من هذه الجهة : ابن رشد ، وفي هذا يقول عنها :((طريقة معتاصة ، تذهب على كثيرين من أهل الرياضة في صناعة الجدل فضلا عن الجمهور ، ومع ذلك فهي طريقة غير برهانية ، ولا مفضية بيقين إلى وجود الله تعالى)) .
ويقول ابن تيمية في ذم ذلك الدليل من جهة مقاصده : ((حاصلها بعد التعب الكثير ، والسلامة خير قليل ، فهي لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل ، ثم إنه يفوت بها من المقاصد الواجبة والمحمودة ما لا ينضبط هنا )) ، ويقول في ذمها من جهة وسائلها :((هذه الطرق كثيرة المقدمات ينقطع السالكون فيها كثيرا قبل الوصول ، ومقدماتها في الغالب إما مشتبهة يقع النزاع فيها ، وإما خفية لا يدركها إلا الأذكياء ، ولهذا لا يتفق منهم اثنان رئيسان على جميع مقدمات دليل إلا نادرا ، فكل رئيس من رؤساء الفلاسفة والمتكلمين له طريقة في الاستدلال تخالف طريقة الرئيس الآخر ، بحيث يقدح كل من أتباع أحدهما في طريقة الآخر ، ويعتقد كل منهما أن الله لا يعرف إلا بطريقته)) .
وقد اعترف الآمدي بصعوبة طريقة الجوهر الفرد ، ولهذا عقب عليها بقوله : ((وإن أمكن بيان ذلك ، فهو مما يطول ، ويصعب تحقيقه جدا على أرباب العقول)).

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-06-2013, 10:33 PM
الخلل الثالث : أن هذه الطريقة اشتغلت بالاستدلال على إثبات ما هو ضروري في نفسه ، وجعل المتكلمون ذلك مقصودا أصليا في الدليل فهم في هذا الدليل حاولوا أن يقيموا الأدلة على أمور ضرورية في نفسها لا تحتاج إلى أدلة تثبت صحتها ، ومن المعلوم أن الأمور الضرورية لا يستدل على صحتها ، وإن ذُكر الدليل عليها فإنما يذكر للتنبيه على كونها ضرورية فقط ، ومحاولة إقامة الأدلة على الأمور الضرورية يؤدي بالضرورة إلى التعب والتطويل والاختلاط .
وقد نص كثير من العلماء على أن الضروريات لا يقام عليها أدلة ، وفي هذا يقول الكندي : ((لا يطلب في إدراك كل مطلوب الوجود البرهاني فإنه ليس كل مطلوب عقلي موجدا بالبرهان ، لأنه ليس لكل شئ برهان ، إذ البرهان في بعض الأشياء ، وليس للبرهان برهان ، لأن هذا يكون بلا نهاية إن كان لكل برهان برهان ، فلا يكون لشئ وجود البتة ، لأن ما لا ينتهي إلى علم أوائله فليس بمعلوم ، فلا يكون علما البتة )) ويقول ابن حزم ((ما كان مدركا بأول العقل أو الحس فليس عليه استدلال أصلا ، بل من قِبَل هذه الجهات يبتدئ كل أحد بالاستدلال ، وبالرد إلى ذلك فيصح استدلال أو يبطل)) .
فالأشياء الضرورية مستغنية عن الأدلة ، بل إليها المنتهى في إقامة البراهين ، ومتى ما حاول المرء أن يسلك في إثباتها إقامة الأدلة أدى ذلك إلى تعذيب نفسه وإرهاقها ، وقد نبه ابن تيمية على هذا فقال :((الأمور الفطرية متى جعل لها طرق غير الفطرية كانت تعذيبا للنفوس بلا منفعة لها)) وهذا الصنيع فضلا عما له من آثار نفسية ، فإنه مخالف لطريقة القرآن ، فلم يكن القرآن يشتغل بإثبات الضروريات ، ولم يكن يذكرها في أدلته .

ابو ذر الغفارى
02-07-2013, 03:11 PM
ولهذا فإنه ليس كل من قال ببدعية دليل الحدوث يقول ببطلانه ، وهذا المعنى كرر ابن تيمية التنبيه عليه في مواطن ، ومن ذلك قوله عمن ذم دليل الحدوث : (( منهم من يذمها لأنها بدعة في الإسلام ، فإنا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع الناس بها ، ولا الصحابة ، لأنها طويلة مخطرة كثيرة الممانعات والمعارضات ، فصار السالك فيها كراكب البحر عند هيجانه ، وهذه طريقة الأشعري في ذمه لها والخطابي والغزالي وغيرهم ممن لا يفصح ببطلانها)) .


يبدو ان المؤلف اختلط عليه الأمر بين الإنكار على1
- بدعة ايجاب طريقة معينة فى حصول الإيمان
2- وبدعة طريقة المتكلمين فى اثبات الحدوث للأشياء (مثل الإجتماع والإفتراق وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث ومثل الحركة والسكون (التى نسبوا لسيدنا ابراهيم انه استدل بهذا التغير على أنه دليل على الحدوث وهو ليس كذلك لأنه ليس فيه زوال صفة ذاتية وتغيرها غلى صفة أخرى )

وبين الدليل الصحيح الذى هو معنى الخلق والقيومية والأولية والفقر والحاجة فى المخلوقات لربها واستدلال القرآن على الحدوث بالتغير ثم استدلاله بهذا الدليل على اثبات الصانع
وهذا كثير وأذكر شيء من كلام شيخ الإسلام بن تيمية

يقول ابن تيمية :« من المعلوم أن بعض أجزاء العالم يشاهد عدمه بعد الوجود ووجوده بعد العدم كصور الحيوان والنبات والمعدن وأنواع من الأعراض وهذا معلوم بالحس أنه ليس واجب الوجود بل هو ممكن الوجود لقبوله العدم »
بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية – ابن تيمية - ج 1 ص 430

الموجودات إما أن تكون كلها حادثة أو كلها قديمة أو منها الحادث والقديم، فالأول ممتنع لأن الحوادث تفتقر لمن يُحدثها، ومحدِث الموجودات لا يكون معدوما وهذا معلوم بالضرورة والثاني ممتنع أيضا لأنه خلاف المشاهد والضرورة الحسية، فلو كانت الموجودات كلها قديمة لما طرأ عليها التغير أو الفناء، فثبت إذا أن الموجودات تنقسم لقديم ومحدث، ولابد للمحدَث من محدِث قديم.

درء تعارض العقل والنقل – ابن تيمية - ج 3 ص104


وهنا بعض مقتطفات من كتاب النبوات لشيخ الإسلام بن تيمية فصل أن النبى لابد أن يبين أصول الدين
فهو رحمه الله بعد أن أنكر على المتكلمين إيجابهم على الناس الإستدلال بدليل معين لا يحصل الإيمان إلا به (لان هذا باطل والإيمان مقبول بأى طريقة ومنه الفطرى الذى بغير نظر من صاحبه) وبعد أن أنكر دليل الحدوث عندهم لما فيه من باطل وتغرات ذكر الدليل الصحيح الذى دل عليه القرآن
يقول (فالاستدلال على الخالق بخلق الإنسان في غاية الحسن والاستقامة، وهي طريقة عقليّة صحيحة. وهي شرعيّة؛ دلّ القرآن عليها، وهدى النّاس إليها، وبيّنها وأرشد إليها. وهي عقليّة8؛ فإنّ نفس كون الإنسان حادثاً بعد أن لم يكن، ومولوداً ومخلوقاً من نطفة، ثمّ من علقة، هذا لم يُعلم بمجرّد خبر الرسول، بل هذا يعلمه النّاس كلهم بعقولهم؛ سواء أخبر به الرسول، أو لم يُخبر. لكنّ الرسول أمر أن يُستدلّ به، ودلّ به، وبيّنه، واحتجّ به؛ فهو دليل شرعيّ؛ لأنّ الشارع استدلّ به، وأمر أن يُستدلّ به؛ وهو عقليّ؛ لأنّه بالعقل تُعلم صحته. وكثيرٌ من المتنازعين في المعرفة هل تحصل بالشرع، أو بالعقل لا يسلكونه. وهو عقليّ شرعيّ، وكذلك غيره من الأدلة التي في القرآن؛ مثل الاستدلال بالسحاب والمطر؛ هو مذكور في القرآن في غير موضع، وهو عقليّ شرعيّ؛ كما قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّاْ نَسُوْقُ الْمَاْءَ إِلَىْ الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعَاً تأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَاْمُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُوْنَ}1؛ فهذا مرئيّ بالعيون. وقال تعالى: {سَنُرِيْهِمْ آيَاْتِنَاْ فِيْ الآفَاْقِ وَفِيْ أَنْفُسِهِمْ حَتَّىْ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}2، ثمّ قال: {أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىْ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيْدٌ}3 .
فالآيات التي يُريها الناس، حتى يعلموا أنّ القرآن حق، هي آيات عقليّة؛ يستدلّ بها العقل على أنّ القرآن حقّ، وهي شرعيّة؛ دلّ الشرع عليها، وأمر بها. والقرآن مملوء من ذكر الآيات العقليّة التي يستدلّ بها العقل، وهي شرعيّة؛ لأنّ الشرع دلّ عليها، وأرشد إليها. )

والمقصود هنا: أنّ الأشعريّ بنى أصول الدين في ((اللمع))، و((رسالة الثغر)) على كون الإنسان مخلوقاً محدثاً، فلا بُدّ له من محدِث1، لكون هذا الدليل مذكوراً في القرآن، فيكون شرعيّاً عقليّاً.)
لكنّه في نفس الأمر سلك في ذلك طريقة الجهميّة بعينها2؛ وهو الاستدلال على حدوث الإنسان بأنّه مُركّب من الجواهر المفردة3، فلم يخل من الحوادث، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث؛ فجعل العلم بكون الإنسان محدَثاً، وبكون غيره من الأجسام المشهودة محدثاً إنّما يُعلم بهذه الطريقة؛ وهو أنّه مؤلّف من الجواهر المفردة، وهي لا تخلو من اجتماع وافتراق - وتلك أعراض حادثة4 - وما لم ينفكّ من الحوادث، فهو محدَث5 .
وهذه الطريقة أصل ضلال هؤلاء؛ فإنّهم أنكروا المعلوم بالحسّ، والمشاهدة، والضرورة العقليّة؛ من حدوث المحدثات المشهود حدوثها، وادّعوا أنه إنما يُشهد1 حدوث أعراض لا حدوث أعيان،
فلبّسوا هذا الباطل بالحقّ الذي جاء به الرسول؛ وهو الاستدلال بحدوث الإنسان وغيره
( من المحدثات التي يُشهد حدوثها. فصار في كلامهم حق وباطل،

(والأصل العقليّ الحسيّ الذي به فارقوا العقل والسمع، هو: حدوث ما يُشهد حدوثه؛ مثل حدوث الزرع، والثمار، وحدوث الإنسان، وغيره من الحيوان، وحدوث السحاب، والمطر، ونحو ذلك من الأعيان القائمة بنفسها، غير حدوث الأعراض؛ كالحركة، والحرارة، والبرودة، والضوء، والظلمة، وغير ذلك. بل تلك الأعيان التي يُسمّونها أجساماً وجواهر هي حادثة؛ فإنه معلوم أنّ الإنسان مخلوق من نطفة، ثمّ من علقة، ثمّ من مضغة، وأنّ الثمار تُخلق من الأشجار، وأنّ الزرع تُخلق من الحبّ، والشجر تُخلق من النوى؛ قال
تعالى: {إِنَّ اللهَ فَاْلِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَىْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللهُ فَأَنَّىْ تُؤْفَكُوْنَ فَاْلِقُ الإِصْبَاْحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنَاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاْنَاً ذَلِكَ تَقْدِيْرُ الْعَزِيْزِ الْعَلِيْمِ وَهُوَ الَّذِيْ جَعَلَ لَكُمُ النُّجُوْمَ لِتَهْتَدُوْا بِهَاْ فِيْ ظُلُمَاْتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَاْ الآيَاْتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُوْنَ وَهُوَ الَّذِيْ أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاْحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَاْ الآيَاْتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُوْنَ وَهُوَ الَّذِيْ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاْءِ مَاْءً فَأَخْرَجْنَاْ بِهِ نَبَاْتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَاْ مِنْهُ خَضِرَاً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبَّاً مُتَرَاْكِبَاً وَمِنَ)


إذ المقصود هنا التنبيه على أنّ أصل الأصول معرفة حدوث الشيء من الشيء؛ كحدوث الإنسان من المني، فهؤلاء ظنّوا أنه لا يحدث إلا الأعراض2) .
ولهذا لمّا ذكر أبو عبد الله بن الخطيب الرازي في كتبه (الكبار والصغار) الطرقَ الدالّة على إثبات الصانع لم يذكر طريقاً صحيحاً، وليس في كتبه وكتب أمثاله طريق صحيح لإثبات الصانع)

،
(وأما الاستدلال بالحوادث على المحدِث، فهي الطريقة المعروفة لكل أحد4،)


(وقد قال تعالى: {أَوَلا يَذْكرُ الإِنْسَاْنُ أَنَّاْ خَلَقْنَاْهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئَاً}5، وقال تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئَاً}6. فقد أمر الإنسان أن يتذكّر أنّ الله خلقه ولم يكُ شيئاً. والإنسان إذا تذكرّ إنّما يذكر أنّه خلق من نطفة)



(والخلق يشهدون إحداث الله لما يحدثه، وإفناءه لما يُفنيه؛ كالمني الذي استحال، وفني، وتلاشى، وأحدث منه هذا الإنسان؛ وكالحبة التي فنيت، واستحالت، وأحدث منها الزرع؛ وكالهواء الذي استحال، وفني، وحدث منه النار أو الماء؛ وكالنار التي استحالت، وحدث منها الدخان. فهو - سبحانه - دائماً يُحدث ما يُحدثه ويكوّنه، ويُفني ما يُفنيه ويُعدمه. والإنسان إذا مات وصار تراباً فَنِي وعُدِم، وكذلك سائر ما على الأرض؛ كما قال: {كُلّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}3، ثمّ يُعيده من التراب كما خلقه ابتداءً من التراب، ويخلقه خلقاً جديداً.
ولكنْ للنشأةِ الثانية [أحكامٌ]4 وصفات ليست للأولى.
فمعرفة الإنسان بالخلق الأول، وما يخلقه من بني آدم وغيرهم من الحيوان، وما يخلقه من الشجر والنبات والثمار، وما يخلقه من السحاب والمطر وغير ذلك: هو أصلٌ لمعرفته بالخلق، والبعث بالمبدأ والمعاد، وإن لم يعرف أنّ الله يخلقه كلّه من المنيّ؛ جواهره وأعراضه، وإلا فما عرف أنّ الله خلقه)
.
.
(ولا ريب أنّ النخلة ما هي من جنس النواة، ولا السنبلة من جنس الحبّة، ولا الإنسان من جنس المني، ولا المني من جنس الإنسان. وهو يخرج هذا من هذا، وهذا من هذا؛ فيخرج كلّ جنسٍ من جنسٍ آخر بعيدٍ عن مماثلته3، و {هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ})4.

.
(وخلقُ الشيءِ من غير جنسه أبلغ في قدرة القادر الخالق سبحانه وتعالى؛ كما وصف نفسه بذلك في قوله: {قُل اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْر إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ في النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ في اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَتُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب}3
وأيضاً: فكون الشيء مخلوقاً من مادّة وعنصر، أبلغ في العبودية من كونه خُلق لا من شيء، وأبعد عن مشابهة الربوبية؛ فإنّ الرب هو أحدٌ، صمدٌ، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد؛ فليس له أصل وجد منه، ولا فرع يحصل عنه.
فإذا كان المخلوق له أصلٌ وُجد منه، كان بمنزلة الولد له، وإذا خلق له شيء آخر، كان بمنزلة الوالد، وإذا كان والداً ومولوداً كان أبعد عن مشابهة الربوبية والصمدية؛ فإنه خرج من غيره، ويخرج منه غيره؛ لا سيما إذا كانت المادة التي خلق منها مهينة؛ كما قال تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ}1، وقال تعالى{فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِق خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ})2.

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-07-2013, 08:45 PM
ربما من الأفضل أن تكون التعليقات بعد الانتهاء من نسخ الموضوع ، لأن الحكم على الشئ فرع عن تصوره ، والتعليق السابق حكم على قضية لم تكتمل بعد ..

إلى حب الله
02-07-2013, 09:01 PM
ربما من الأفضل أن تكون التعليقات بعد الانتهاء من نسخ الموضوع ، لأن الحكم على الشئ فرع عن تصوره ، والتعليق السابق حكم على قضية لم تكتمل بعد ..

لهذا لم أتدخل حتى يفرغ محتوى الموضوع بكامله كما أراده صاحبه ..
ولاسيما وقد حدد عدد المشاركات في أوله بعدد معين ..
فالصبر الصبر ... :):
وفقكم الله ..

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-07-2013, 10:00 PM
لهذا لم أتدخل حتى يفرغ محتوى الموضوع بكامله كما أراده صاحبه ..
ولاسيما وقد حدد عدد المشاركات في أوله بعدد معين ..
فالصبر الصبر ... :):
وفقكم الله ..

بارك الله فيك ، كنت أريد أن أذكر مؤلف البحث ابتداء ولكني فضلت أن يتم في نهاية الموضوع وكان من الأفضل أن أذكره في البداية ، فالمؤلف اسمه سلطان العميري وله رسالة نال بها درجة الماجستير بتقدير ممتاز وبمعدل 99 % مع الوصاية بطبع الرسالة وتداولها بين الجامعات والتي كانت بعنوان : الحد الأرسطي أصوله ولوازمه وآثاره على العقيدة الإسلامية وهي موجودة على الشبكة ...

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
02-07-2013, 10:41 PM
والمواطن الضرورية في دليل الحدوث التي استعمل المتكلمون الدليل في إثباتها كثيرة ، منها :
الموطن الأول : وجود الله تعالى ، فقد اعتقد جمهور المتكلمين أن وجود الله تعالى ليس ضروريا عند كل الناس ، وأنه من الأمور النظرية التي لا بد من إقامة الدليل على صحتها ، وقد كان منطلق دخولهم في دليل الحدوث ، وهذا الاعتقاد غير صحيح ، وهو مخالف لمقتضى دلالات النصوص ولما يجده صاحب العقل السليم من ضرورة التسليم بوجود -تعالى- ولهذا فالقرآن لم يجعل قضية وجوده-سبحانه- محل بحث ، بل كان يتحدث عنها على أنها قضية بديهية ، يقيم عليها أدلته في إثبات استحقاق الله تعالى للعبادة ، وبطلان عبادة من سواه ، ويلزم المعاندين باعترافهم بوجود الله بما يقتضيه ذلك الاعتراف .
فمحصل جهد المتكلمين في قضية إثبات وجود الله -تعالى- هو أنهم حاولوا إقامة الدليل على صحة أمر ضروري ، وهذا فيه تضييع للوقت وإتعاب للنفس ، والغريب أن بعضهم اعترف بفطرية وجود الله -تعالى- ، ومع هذا فهو يستعمل دليل الحدوث ويراه صوابا ، ومن هؤلاء : الشهرستاني ، فإنه يقول: ((الفطرة السليمة الإنسانية شهدت بضرورة فطرتها وبديهة فكرتها بصانع عليم قادر حكيم ....- إلى أن قال - وأنا أقول ما شهد به الحدوث أو دل عليه الإمكان بعد تقديم المقدمات دون ما شهدت به الفطرة الإنسانية من احتياج في ذاته إلى مدبر هو منتهى الحاجات )) ، وممن اعترف بفطرية وجوده - سبحانه : الغزالي ، فإنه قرر أن وجود الله تعالى دلت عليه الفطرة ودلالات النصوص ، ومع هذا أخذ يستدل بدليل الحدوث اقتداء بالعلماء كما زعم ، فاستمع إليه يقول :((في فطرة الإنسان وشواهد القرآن ما يغني عن إقامة البرهان ، ولكنا على سبيل الاستظهار والاقتداء بالعلماء النظار)) ، ثم قرر دليل الحدوث .
الموطن الثاني : حدوث العالم ، فقد أجمع المتكلمون على أن حدوث العالم من الأمور النظرية ، وقصدوا إلى إقامة الدليل على حدوثه ، فذكروا تلك المقدمات ، وغفل هؤلاء عن أن حدوث العالم من القضايا الضرورية التي تُعلم بالمشاهدة والحس ، ولا تحتاج إلى إقامة البراهين على صحتها ، وهذا الخلل نبه عليه ابن تيمية في مواطن من كتبه ، واعتمد عليه في إبطال دليل الحدوث وبيان عدم جدواه ، وفي هذا يقول لما ذكر قصد المتكلمين إلى إثبات حدوث العالم : (( وأما المقدمة الأولى : وهو أن الإنسان والثمار والمطر والسحاب ونحو ذلك محدث ،فهذه مقدمة معلومة بالمشاهدة والضرورة )) ، ويقول أيضا : (( حدوث الحيوان والنبات والمعدن ونحو ذلك ، وحدوث أوائل ذلك ، كالنطفة والبيضة وطاقة الزرع ونحو ذلك ، أمر مشهود معلوم بالحس والضرورة )) ، وهذا المعنى كرره ابن تيمية كثيرا .
ومن يتأمل طريقة القرآن يجد أنه قد استدل بحدوث العالم على وجود محدثه ، ولم يركز على إثبات حدوثه ، لأنه من الأمور الضرورية ، فالقرآن يفرق إذن بين الاستدلال بحدوث العالم والاستدلال على حدوث العالم ، ف((الطريقة المذكورة في القرآن هي الاستدلال بحدوث الإنسان وغيره من المحدثات المعلوم حدوثها بالمشاهدة ونحوها على وجود الخالق - سبحانه وتعالى - فحدوث الإنسان يستدل به على المحدث لا يحتاج أن يستدل على حدوثه بمقارنة التغير أو الحوادث له ، ووجوب تناهي الحوادث ، والفرق بين الاستدلال بحدوثه والاستدلال على حدوثه بين ، والذي في القرآن هو الأول لا الثاني ، .... والعلم بحدوث هذه المحدثات علم ضروري لا يحتاج إلى دليل ، وذلك معلوم بالحس أو بالضرورة : إما بإخبار يفيد العلم الضروري ، أو غير ذلك من العلوم الضروية )) .. درء التعارض ....
فهؤلاء المتكلمون خلطوا بين الاستدلال بالشئ والاستدلال على الشئ ، فكانوا بذلك مخالفين لطريقة القرآن في إقامة براهينه وفي تحديد مواطنها أيضا .
الموطن الثالث : كون الحادث لا بد له من محدث ، فهذه القضية عمد كثير من المتكلمين إلى إقامة الأدلة عليها ، وهي من القضايا الضرورية التي لا تحتاج إلى شئ من ذلك ، ولهذا سلم بعضهم بضرورتها كما سبق بيانه ، ويقول ابن تيمية في بيان ضرورة هذه القضية :(( فإن كون الحادث يحدث نفسه من غير محدث يحدثه من أبين الأمور استحالة في فطر جميع الناس والعلم بذلك مستقر في فطر جميع الناس حتى الصبيان حتى أن الصبي إذا رأى ضربة حصلت على رأسه قال : من ضربني ؟ من ضربني ؟ وبكى حتى يعلم من ضربه وإذا قيل له : ما ضربك أحد أو هذه الضربة حصلت بنفسها من غير أن يفعلها أحد لم يقبل عقله ذلك وهو لا يحتاج في هذا العلم الفطري الذي جبل عليه إلى أن يستدل عليه بأن حدوث هذه الضربة في هذه الحال دون ما قبلها وما بعدها لا بد له من مخصص بل تصور هذا فيه عسر على كثير من العقلاء وبيان ذاك بهذا من باب بيان الأجلى بالأخفى)) .
ومع كون هذه القضية ضرورية فقد أتعب كثير من المتكلمين أنفسهم في الاستدلال عليها ، فكانوا بذلك مخالفين لطريقة العقلاء في بناء أدلتهم
الموطن الرابع : حدوث الأعراض ، فهذه القضية من الضروريات التي أتعب المتكلمون أنفسهم في الاستدلال عليها أيضا ، وغفلوا عن أنها لا تحتاج إلى أدلتهم التي بنوها ، وإنما يكفي أن يُدرك الحس ذلك .
وانشغال المتكلمين بإقامة الأدلة على إثبات ما هو ضروري ، فضلا عن أنه مخالف للطريقة الصحيحة في بناء الأدلة والبراهين ، فقد ألهاهم عن الاشتغال بالمقاصد الكبيرة التي جاءت الشريعة بتقريرها ، وهي تحقيق العبودية لله -تعالى- ووجوب إفراده -سبحانه- بالعبادة والاستعداد لليوم الآخر ، والحرص على إقامة الأدلة على ذلك ، وشرحها وتفصيلها ، ودفع اعتراضات المعترضين عليها ، وكشف ما يعترض طريقها من شبهات .

الحناوي
03-11-2013, 02:21 AM
اين ذهب الاخ المحب لأهل الحديث تركنا معلقين

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل
03-11-2013, 03:30 AM
انتو حبايبنا بس نخلص من الشغل إن شاء الله
:)