المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعلان الحكم الجليلة مما شرعه الإسلام من أحكام بخصوص الرقيق و الإماء



د.ربيع أحمد
03-10-2013, 01:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم






الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعـده ، وعلى آله وصحبه ، أما بعد :



فشرع الله مليء بالحكم و المصالح التي تعود على الملتزم به بالفوائد في العاجل و الآجل ، و هذا من نعم الله علينا أن يشرع لنا ما ينفعنا في الدنيا و الآخرة و ما هو خير لنا في الدنيا و الآخرة لو التزمنا به قال - سبحانه و تعالى - ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوْا مَا يُوْعَظُوْنَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيْتًا ﴾ ( سورة النساء من الآية رقم 66 ) .


الله يشرع لنا ما ينفعنا و ما هو خير لنا و لما لا و هو الذي خلق الخلق و هو أعلم بالخلق من أنفسهم و يعلم ما يصلحهم و ما يفسدهم قال - سبحانه و تعالى - : ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ (سورة الملك الآية 14 )


و مما شرع الله لنا من أحكام أحكام تتعلق بالرقيق و الإماء ، و مادام الذي شرع هو الله - رب الجميع - فلا يحق لأحد أن يعترض على حكم الله ، و قد قال الله - سبحانه و تعالى - : ﴿ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَ الأَمْرُ ﴾ ( الأعراف من الآية 54 ) فالخالق يتصرف في ملكه كما يشاء و كيف يشاء ،و مادام المشرع هو الله فأبشر بالخير و تيقن النفع العاجل و الآجل .



و قال الله - سبحانه و تعالى - : ﴿واللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وهُوَ سَرِيعُ الحِسَابِ ﴾ ( سورة الرعد من الآية 41 ) أي لَيْسَ أَحَدٌ يَتَعَقَّبُ حُكْمَهُ فَيَرُدُّهُ كَمَا يَتَعَقَّبُ أَهْلُ الدُّنْيَا بَعْضُهُمْ حُكْمَ بَعْضٍ فَيَرُدُّهُ .



و قال الله - سبحانه و تعالى - : ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ ( الأنبياء الآية 23 ) أي لا يحق لأحد أن يعترض ، و يقول لماذا يفعل الله كذا أو يقول لماذا يأمر الله بكذا أو يقول لماذا ينهى الله عن كذا فهذا سوء أدب مع الله و إن كان سائلا فليقل ما الحكمة من فعل الله كذا فأفعال الله لا تخلوا من حكمة ، و ما الحكمة من تشريع الله كذا فشرع الله لا يخلو من حكمة .



وما دام الله هو الذي شرع ، و الله يأمر بالعدل و أحكامه كلها عدل فالأحكام الخاصة بالرقيق و الإماء ليس فيها ظلم لهم بل هي عدل من الله قال - سبحانه و تعالى - :﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون ﴾ ( النحل الآية 90 )، و قال - سبحانه و تعالى - :﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ ( الكهف من الآية 49 ).



من هو الرقيق ؟

الرقيق في اللغة هو : المملوك ذكراً كان أم أنثى ، و الرق في اصطلاح الفقهاء هو : عجز حكمي يقوم بالإنسان سببه الكفر ، أو هو عجز شرعي مانع للولايات من القضاء و الشهادة و غيرها .

ومعنى العجز الحكمي أو العجز الشرعي أي ليس بعجز حقيقي أي أن الرقيق لا يقدر على أن يسافر إلا بإذن سيده ، ولا يبيع ولا يشتري إلا بإذن سيده، ولا يتزوج إلا بإذن سيده، وكذلك لا يتملك شيئاً إلا بإذن سيده و لو كان الرقيق من أقوى الناس في البدن، فهو عاجز حكماً، وإن لم يكون العجز حسياً.

د.ربيع أحمد
03-10-2013, 01:38 PM
ليس الإسلام هو المنشئ للرق بل الرق كان نظاما سائدا قبل الإسلام



من الثابت تاريخيا أن الرق كان نظاما سائدا مشروعا في جميع أمم الأرض قبل الإسلام فكان موجودا عند المصريين القدماء و عند الرومان و عند الفرس و عند الإغريق و عند البابليين و عند العرب و غير ذلك .


وقد نشأ الرق منذ عشرات الألوف من السنين وتحديدًا في فترة التحول من الصيد إلى الاعتماد على الزراعة المُنَظّمة كوسيلة لاكتساب الرزق .


ووجود الرق عند أمم الأرض قبل الإسلام كان لدواعٍ اقتصادية واجتماعية فكان سكان الصين وبلاد الرافدين والهند يستعملون الرقيق في الخدمة المنزلية أو العسكرية أو البنائية الشاقة .


وكانقدماء المصريين يستعملون الرقيق في تشييد القصور الملكية والصروح الكبرى .


وكان الهنود الحمريستخدمون الرقيق على نطاق واسع في الأعمال الشاقةوالحروب.
وفي بلادالإغريق كان الرق ممارسا علي نطاق واسع لدرجة أن مدينةأثينا رغمديمقراطيتها كان معظم سكانها من العبيد.


و كانت المذاهب الفلسفية لدى اليونان تصوغ المبررات الفكرية لنظام الرق فمذهب أرسطو في الرق يقضي بأن فريقاً من الناس مخلوقون للعبودية، لأنهم يعملون عمل الآلات التي يتصرف فيها الأحرار ذوو الفكر والمشيئة، فهم آلات حية تلحق في عملها بالآلات الجامدة.


و أفلاطون أستاذ أرسطو يقرر في جمهوريته الفاضلة أن العبيد ليسوا مواطنين، وهو يجبرهم على الطاعة والخضوع للأحرار.


وقد شرعت الحضارة اليونانية نظام الرق العام - وهو لمصلحة الدولة - ونظام الرق الخاص - وهو لمصلحة الأفراد - والرقيق عندهم مسلوب جميع الحريات الإنسانية [1] .





معاملة الرقيق قبل الإسلام



رغم الخدمات و الأعمال الشاقة التي كان يقوم بها الرقيق عند أمم الأرض قبل الإسلام إلا أنه كان يعيش في ذل و انحطاط و يلاقي أشد العذاب و الهوان ، و لم يكن للأرقاء حقوق عند من يمتلكهم فقدكان من حق من يمتلكهم أن يتعامل معهم كما شاء وكيفما شاء بل كان من حقه تعذيبهم وقتلهموالاعتداء عليهم وتسخيرهم لخدمته دون أدنى مقابل إلا قليل من الطعام يحصلونعليه كي يمكنوا من القيام بخدمة أسيادهم .


و في بعض الدول القديمة كالدولة الرومانية كان الرقيق يَخدمون في صمت، وربما قُدِّم بعضهم طعامًا للوحوش في بعض المناسبات .

و يقول الشيخ عبد الرحمن الميداني الدمشقي – رحمه الله - : « وكان للرومان مهرجانات محببة إليهم، يشهدون فيها المبارزات الحقيقية بين الأرقاء، وفي هذه المبارزات تتوجه طعنات السيوف والرماح إلى المتبارزين. حتى يقع بعضهم صريعاً أو تنهكه الجراحة، وعند ذلك تمتلئ قلوب المشاهدين من الرومان مسرّة واغتباطاً بآلام العبيد »[2] .





مصادر الرق قبل الإسلام




كان للرق مصادر عديدة قبل الإسلام بحق أو بباطل ، بحرب أو بغير حرب ، و كان إذا اشتد الفقر أو الخوف ببعض الناس تنازلوا عن حريتهم لمن يكفيهم ويؤويهم ويحميهم ، وكان المعسر المدين إذا عجز عن سداد دينه يصبح رقيقا عند الدائن و ربما أصبح الحر رقيقا عن طريق خطفه و بيعه .


و قال الشعراوي – رحمه الله - : « الإسلام جاء والرق موجود، وكان العبيد يُباعون مع الأرض التي يعملون بها، ولا سبيل للحرية غير إرادة السيد في عِتْق عبده، في حين كانت منابع الرقِّ كثيرة متعددة، فكان المدين الذي لا يقدر على سداد دَيْنه يبيع نفسه أو ولده لسداد هذا الدين، وكان اللصوص وقُطَّاع الطرق يسرقون الأحرار، ويبيعونهم في سوق العبيد. . إلخ.


فلما جاء الإسلام حرَّم كل هذه الوسائل ومنعها، ولم يُبْقِ إلا منبعاً واحداً هو السَّبْي في حرب مشروعة، وحتى في الحرب ليس من الضروري أن ينتج عنها رِقٌّ؛ لأن هناك تبادلَ أسري، ومعاملة بالمثل، وهذا التبادل يتم على أقدار الناس، فالقائد أو الفيلسوف أو العالم الكبير لا يُفتدى بواحد من العامة، إنما بعدد يناسب قدره ومكانته، واقرأ في ذلك قوله تعالى: ﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا ...﴾( سورة محمد من الآية 4) » [3].

و في بعض الدول كالدولة الرومانية والعبرانية كان يَحكمون بالعُبودية على مُقْترفِي بعض الجرائم .
[1]- أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها ص 552
[2]- أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها ص 552
[3]- تفسير الشعراوي 19/12111

د.ربيع أحمد
03-10-2013, 01:40 PM
تضيق الإسلام لمصادر الرق و فتحه لأبواب العتق



إن الناظر في أحكام الشريعة الإسلامية يجد أن الإسلام قد ضيق مصادر الرق فألغي كل مصادر الرق سوى الجهاد في سبيل الله بين المسلمين و الكفار و فيمن ولد من أمة من غير سيدها أي من تناسل الأرقاء ، وفيمن ملك من الرقيق بالشراء أو الهبة أو نحو ذلك ممن يملكه ملكاً صحيحاً .


فأسبَابُ تَمَلُّكِ الرَّقِيقِ عند علماء المسلمين ثلاثة :


أَوَّلاً: اسْتِرْقَاقُ الأسْرَى وَالسَّبْيِ مِنَ الأْعْدَاءِ الْكُفَّارِ ، وَ قَدْ اسْتَرَقَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَذَرَارِيَّهُمْ .


وَلاَ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ اسْتِرْقَاقِ الْمُسْلِمِ؛ لأِنَّ الإسلام يُنَافِي ابْتِدَاءَ الاِسْتِرْقَاقِ؛ لأِنَّهُ يَقَعُ جَزَاءً لاِسْتِنْكَافِ الْكَافِرِ عَنْ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَجَازَاهُ بِأَنْ صَيَّرَهُ عَبْدَ عَبِيدِهِ .


ثَانِيًا: وَلَدُ الأمَةِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ، سَوَاءٌ، أَكَانَ أَبُوهُ حُرًّا أَمْ عَبْدًا، وَهُوَ رَقِيقٌ لِمَالِكِ أُمِّهِ، لأِنَّ وَلَدَهَا مِنْ نَمَائِهَا، وَنَمَاؤُهَا لِمَالِكِهَا، وَلِلإْجْمَاعِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَدُ الْمَغْرُورِ وَهُوَ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَإِذَا هِيَ أَمَةٌ . وَكَذَا لَوِ اشْتَرَطَ مُتَزَوِّجُ الأمة أَنْ يَكُونَ أَوْلاَدُهُ مِنْهَا أَحْرَارًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ .


ثَالِثًا : الشِّرَاءُ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ مِلْكًا صَحِيحًا مُعْتَرَفًا بِهِ شَرْعًا ، وَ كَذَا الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْمِيرَاثُ وَغَيْرُهَا مِنْ صُوَرِ انْتِقَال الأموال مِنْ مَالِكٍ إِلَى آخَرَ .


وَلَوْ كَانَ مَنْ بَاعَ الرَّقِيقَ، أَوْ وَهَبَهُ كَافِرًا ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا فَيَصِحُّ ذَلِكَ أَيْضًا، وَقَدْ أَهْدَى الْمُقَوْقِسُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَارِيَتَيْنِ، فَتَسَرَّى بِإِحْدَاهُمَا، وَوَهَبَ الأخرَى لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْه -[1] .


أي أن الإسلام غاير أسباب إيجاد الرق التي كانت سائدة في العالم فلا رق في الإسلام ؛ إلا ما كان مصدر أخذ الأسير الكافر في أرض معركة بين المسلمين والكفار، وما عدا ذلك فليس هناك رق، فإذا ثبت عليه الرق انسحب عليه وعلى ذريته .


و قد حَرَّمَتِ الشَّرِيعَةُ الإسلامية اسْتِرْقَاقَ الْحُرِّ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " قَال اللَّهُ تَعَالَى : ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَل ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ " . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ .


وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: ثَلاَثَةٌ لاَ يَقْبَل اللَّهُ مِنْهُمْ صَلاَةً. . . وَذَكَرَ مِنْهُمْ وَرَجُلٌ اعْتَبَدَ مُحَرَّرًا قَال الْخَطَّابِيُّ : اعْتِبَادُ الْحُرِّ يَقَعُ بِأَمْرَيْنِ: أَنْ يَعْتِقَهُ ثُمَّ يَكْتُمَ ذَلِكَ، أَوْ يَجْحَدَهُ، وَالثَّانِي : أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ كُرْهًا بَعْدَ الْعِتْقِ . ا. هـ


وَكَذَلِكَ الاِسْتِرْقَاقُ بِخَطْفِ الْحُرِّ، أَوْ سَرِقَتِهِ، أَوْ إِكْرَاهِهِ، أَوِ التَّوَصُّل إِلَى جَعْلِهِ فِي حَبَائِل الرِّقِّ، بِأَيِّ وَسِيلَةٍ، كُل ذَلِكَ مُحَرَّمٌ، وَلاَ يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ، بَل يَبْقَى الْمَخْطُوفُ أَوِ الْمَسْرُوقُ حُرًّا إِنْ كَانَ مَعْصُومًا بِإِسْلاَمٍ أَوْ عَهْدٍ .


وَمَنِ اشْتَرَى مِنْ هَؤُلاَءِ وَاِتَّخَذَ مَا اشْتَرَاهُ رَقِيقًا أَوْ بَاعَهُ، حَرُمَ عَلَيْهِ مَا فَعَل، وَدَخَل فِي الَّذِينَ قَال رَسُول اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمْ : ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا، فَإِنْ وَطِئَ شَيْئًا مِنْ الْجَوَارِي الَّتِي ( اسْتُمْلِكَتْ ) بِهَذِهِ الطُّرُقِ الْمُحَرَّمَةِ فَهُوَ زِنًا، حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَا، مِنْ إِقَامَةِ حَدِّ الزِّنَا عَلَى الْوَاطِئِ، وَعَلَى الْمَوْطُوءَةِ إِنْ زَال الإكْرَاهُ وَرَضِيَتْ بِالْبَقَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَالْوَلَدُ الَّذِي يُولَدُ لَهُمَا وَلَدُ زِنًا، لاَ يَلْتَحِقُ نَسَبُهُ بِالْوَاطِئِ [2].

ورغم تضييق الإسلام لمصادر الرق اتخذ عدة وسائل لتحرير الأرقاء، ويلاحظ الباحثون فيها أنها كانت وسائل عملية لإلغاء نظام ملك اليمين بشكل فعلي تدريجي .

الوسيلة الأولى : المكاتبة ، و تعني المكاتبة إعطاء محجوز الحرية بالأسر فرصة زمنية يعمل خلالها بشكل حر، إذ ترفع عنه فيها جميع القيود الاقتصادية التي كانت مفروضة عليه، ليشتري حرية نفسه بمال يتفق هو وسيده عليه، ويسعى في اكتسابه خلال هذه المدة، ونلاحظ أن الله تبارك وتعالى أمر المسلمين عامة بمساعدة المكاتبين، عن طريق الزكاة والصدقات الأخرى، ليتمكنوا من تسديد ما التزموا به .

وقد نص كثير من الفقهاء على أنه يجب على السيد مكاتبة عبده، إذا طلب ذلك منه، وراى فيه خيراً من صدق ووفاء وأمانة وأداء للحق، وإيمان صحيح، ودليلهم في ذلك من القرآن الكريم قول الله تعالى في سورة النور :

﴿ وَ الَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ....﴾ ( سورة النور من الآية 33 )

ففي هذه الآية أمر لأوليائهم بمكاتبتهم، وأمر لأوليائهم ولسائر المسلمين بإيتائهم من مال الله الذي آتاهم، مساعدة لهم على تسديد أقساطهم التي يتوقف عليها تحريرهم .


الوسيلة الثانية : جعل عتق الرقبة كفارة لطائفة من الجرائم والجنايات والأخطاء والأيمان، إذ نلاحظ في الشريعة الإسلامية أن عتق الرقبة كفارة لمن قتل مؤمناً خطأ، قال الله تعالى في سورة النساء :

﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴾ ( سورة النساء الآية 92 )

ونلاحظ أيضاً أن عتق الرقبة كفارة من ظاهر من زوجته، أي: حرمها على نفسه كحرمة أمه أو أخته أو غيرهما من محارمه ، بأن حلف يمين الظهار منها، ثم أراد أن يعود لما قال بالنقض، فيرجع زوجته إلى حكمها الذي شرعه الله من الحل، وفي ذلك يقول الله تعالى في سورة المجادلة :

﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ( سورة المجادلة الآيات 3-4 )

ونلاحظ أيضاً أن عتق الرقبة إحدى كفارات اليمين، وفي ذلك يقول الله تعالى في سورة المائدة :

﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ ( سورة المائدة الآية 89 )


الوسيلة الثالثة : الحض على عتق الرقاب ابتغاء مرضاة الله، قال الله تعالى في سورة البلد :
﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴾ ( سورة البلد الآيات 11 – 17 )


وروى البخاري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : "أيما رجل أعتق امرأً مسلماً استنقذ الله تعالى بكل عضوٍ منه عضواً منه من النار " .

الوسيلة الرابعة : تخصيص الإسلام قسماً من الزكاة لتحرير الرقاب، قال الله تعالى في سورة التوبة :

﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ ( سورة التوبة الآية 60 )


الوسيلة الخامسة: حثُّ المسلمين على توجيه قسم من صدقاتهم العامة غير المفروضة لتحرير الرقاب، قال الله تعالى في سورة البقرة :


﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (سورة البقرة الآية 177 )


الوسيلة السادسة : إنجاب الأمة من سيدها، إذ يكون ولدها سبباً في تحريرها بعد موت سيدها .

الوسيلة السابعة: سريان العتق إلى الكل متى عتق بعض الرقيق إذا كان معتقه موسراً، كأن يكون اثنان شريكين في عبد، فيعتق أحدهما حصته، وعندئذ يحكم الإسلام بأنه قد عتق كله، وتقوم قيمة سائره على من أعتقه ، حرصاً على أن لا تتجزأ الحرية .

الوسيلة الثامنة : جعل عتق الرقيق كفارة ضربه مقدار حدٍ شرعي، أو كفارة إهانته باللطم. روى الإمام مسلم عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله يقول : "من ضرب غلاماً له حداً لم يأته أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه".[3].

و من هنا يمكن أن نقول أن الإسلام لم يأمر بالرق لكن حض على العتق و تصفية الرق .

[1] - الموسوعة الفقهية الكويتية 23/13 باختصار يسير جدا
[2] - الموسوعة الفقهية الكويتية 23 / 13-14
[3]- أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها ص 558 - 561

د.ربيع أحمد
03-10-2013, 01:42 PM
اتخاذ أسرى الحرب المشروعة رقيقا فيه معاملة للعدو بالمثل



حكم الاسترقاق و المن و الفداء داخل في أحكام السياسة الشرعية ، و منوط برأي الحاكم المسلم ، يراعي فيه المصلحة العامة للمسلمين .

والحكمة في أن يتخذ الاسترقاق محله بين هذه الخصال التي يخير بينها هي أنه سلاح موجود في أيدي الأعداء بالنسبة لأسرانا عندهم .


فكان من أسس العدالة أن يملك المسلمون هذا السلاح نفسه، ثم يعطي الحاكم صلاحية استعماله، بمجرد أن يري ضرورة لذلك، كأن يجد أعداءنا قد استرقوا أسرانا، وأنت تعلم أن القانون الدولي يقر مبدأ التعامل بالمثل فيما يتعلق بالأسري .


وكان من الإجحاف أن ينسخ هذا السلاح (الاسترقاق الناتج عن الحرب) نسخاً شاملاً، مع استعمال الأعداء له، وشعورهم بالسعادة لكونهم وحدهم الذين يملكون هذا السلاح[1].


و قال الشعراوي – رحمه الله - : « فليس من المعقول أن يأخذ عدو لي أولادي يسخرهم عنده لما يريد، وأنا أطلق أولاده الأسرى عندي، ولكن المعاملة بالمثل فإن منّوا نُمنّ، وإن فدوا نفد »[2].


و قال عبد الرحمن الميداني الدمشقي – رحمه الله - : « جاء الإسلام فألغى بحزم معظم وسائل الاسترقاق السائدة بين الناس على اختلافها، ولكن لم يكن بوسعه أن يلغي نظام أسرى الحروب غير الداخلية، وما يستتبع ذلك من استرقاق غير مقصود لذاته، لأن إلغاء نظام الأسرى مرتبط بإلغاء الحروب نفسها، وبإلغاء دواعيها.

وليس في استطاعة أيّ نظام أو أيّ مجتمع أن يلغي ذلك إلغاء تاماً، ما دام في العالم أنظمة ومجتمعات أخرى تضطره إلى أن يدخل معها في حروب، فتأخذ أسراه فتسترقهم ولا مندوحة له في مقابل ذلك إلا أن يعامل أسراهم بالمثل، ولكنّ الإسلام مع اضطراره إلى إجراء المعاملة بالمثل من جهة الصورة الظاهرة، قد ارتقى بمفهوم أسير الحرب مرتقى لم تبلغه أحدث الأنظمة التي تواضعت عليها شعوب العالم المتحضر في القرن العشرين »[3].



و قال الدكتور وهبة الزحيلي : « و الحكمة من الإبقاء على مشروعية الرق في النصوص الشرعية هو مراعاة الأوضاع القائمة في المجتمعات القديمة، لأن الرق كان عماد الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولا يعقل أن يحرمه الإسلام ويبقى مباحاً عند الأمم الأخرى التي تسترق أسرى المسلمين، ولا يعاملهم المسلمون بالمثل.


والمعاملة بالمثل كان منهج الشريعة والخلفاء في العلاقات الخارجية، عملاً بأحكام السياسة الشرعية المؤقتة، وتحقيقاً للمصلحة الإسلامية العامة، ولكن الإسلام أيقظ الضمير العالمي بتنبيه الناس إلى علاج مشكلة الأرقاء وضرورة الإحسان إليهم في المعاملة والتخلص التدريجي من هذه الظاهرة بالعتق وفتح منافذ دينية له، حتى إن العتق من أفضل القربات إلى الله تعالى »[4].


إلى من يشنع على إباحة الإسلام لبعض صور الرق كيف لا نسترق أسرى الكفار و هم يسترقون أسرانا و كان استرقاق الأسرى نظاما سائدا عالميا إلى أن ألغي الرق في العصور المتأخرة ؟!!

ولو أن الإسلام ألغى استرقاق الأسرى لكان هذا إجراء مقصورا على أسرى الكفار الذين يقعون في أيدي المسلمين، بينما أسرى المسلمين الذين يقعون في أيدي الكفار يلاقون مصيرهم السيّء في عالم الرق هناك وفي هذا إطماع لأعداء الإسلام في أهل الإسلام.











اتخاذ أسرى الحرب المشروعة رقيقا فيه حقنا لدمائهم و رحمة بهم



إلى من يشنع على إباحة الإسلام لاسترقاق الكافر المحارب إن الكافر المحارب كان حريصا على قتلنا و رغم ذلك لم نقتله بل اتخذناه رقيقا حقنا لدمه و هذا أخف الضررين و أهون من القتل و معاملة بالمثل .


قال الشعراوي – رحمه الله - : « وعلى المجتمع الظالم الذي ينتقد الإسلام في هذه الجزئية أن يعلم أن الذي أَسرْتَه في المعركة قد قدرْتَ عليه، وتمكَّنْتَ منه، وإنْ شئت قتلتَهُ، فحين يتدخَّل الشرع هنا ويجعل الأسير مِلْكاً لك، فإنما يقصد من ذلك حَقْن دمه أولاً، ثم الانتفاع به ثانية، إما بالمال حين يدفع أهله فديته، وإما بأنْ يخدمك بنفسه.


إذن: المقارنة هنا ليستْ بين رِقٍّ وحرية كما يظن البعض، إنما هي بين رِقٍّ وقتل .


إذن: مشروعية الرق في أسرى الحرب إنما جاءتْ لتحقِنَ دم المأسور، وتعطي الفرصة للانتفاع به »[5] .
[1]- الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى 8/132
[2]- تفسير الشعراوي 8/4808
[3]- أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها ص 551
[4]- الفقه الإسلامي و أدلته 8/5916
[5]- تفسير الشعراوي 19/ 12112

د.ربيع أحمد
03-10-2013, 01:43 PM
اتخاذ الأسير الكافر رقيقا فيه معاملة له بسوء قصده و هذا من العدل



لم يبيح الإسلام استرقاق كل كافر لكن أباح استرقاق الكافر المحارب معاملة له بسوء قصده و جرم فعله فقد وقف في وجه دعوة الإسلام و حارب الله و رسوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، لصد الناس عن دعوة الحق ليبقوا أرقاء عبيداً لغير الله تعالى فحكم الله عليه بما يستحقه و أباح أن يكون مملوكا لعبد من عباده المؤمنين .

أمّا إذا لم يحارب المسلمين فإنه يُقَرُّ على ملته – إن كان من أهل الكتاب أو المجوس - ويُعْطِي الجزية .





الاسترقاق أهوَنَ من تعذيب الأسير في سجون من يدعون حقوق الإنسان بل فيه رحمة بالأسير


إلى من يشنعون على إباحة الإسلام استرقاق الأسير ، ويدعون أن منظمة حقوق الإنسان هي التي أعطت للأسير حقه ألم يقرأ أن في الحرب العالمية الثانية لم تُعرَف مصائر الألوف المُؤلَّفة من أسرَى الروس لدَى الألمان أو أسرى الألمان لدَى الفرنسيين فإن كان ذلك وقع أيام التحضُّر والارتقاء فما ظنُّك بما كان يقع قديمًا ؟



و حدث و لا حرج عن تعذيب المصريين في سجون الإنجليز أيام الاحتلال فإن كان ذلك وقع أيام التحضُّر والارتقاء فما ظنُّك بما كان يقع قديمًا ؟ .

و حدث و لا حرج عن تعذيب الفلسطينيين في سجون إسرائيل إلى الآن فإن كان ذلك وقع أيام التحضُّر والارتقاء فما ظنُّك بما كان يقع قديمًا ؟.


و حدث و لا حرج عن تعذيب العراقيين في سجن أبو غريب و غيره على أيدي الأمريكيين فإن كان ذلك وقع أيام التحضُّر والارتقاء فما ظنُّك بما كان يقع قديمًا ؟.


و حدث و لا حرج عن تعذيب الجزائريين في سجون الفرنسيين أيام احتلال الجزائر فإن كان ذلك وقع أيام التحضُّر والارتقاء فما ظنُّك بما كان يقع قديمًا ؟.


و قد منح الإسلام الرقيق العديد من الحقوق فأوجب حسن معاملتهم وأن لا يضربوهم، ولا يهينوهم، ولا يعذبوهم، ولا يشتموهم، ولا يكلفوهم من الأعمال ما يغلبهم، وتوجب على المسلمين أن يطعموهم مما يأكلون ويلبسوهم مما يلبسون .


وبهذه التربية الإسلامية العظيمة صار كثير من الموالي الأسرى من كبار علماء المسلمين وفقهائهم، ومن كبار صلحائهم، واتسع الأمر بعد ذلك فكان المماليك هم قادة الحكم في بعض عصور التاريخ الإسلامي، وكان من خلفاء المسلمين من أمهاتهم كن أسيرات .


وهل تفسح دولة من دول الأرض في العالم المتحضر الحديث مجالاً مثل هذا المجال لأسراها؟ أم تضعهم في سجون الإهانة والتعذيب والتقتير في حاجات العيش والحرمان من ضرورات أخرى، مع تكليفهم ما يشق من الأعمال ؟[1].


إن اتخاذ أسرى الحرب رقيقا فيه رحمة من الله بهؤلاء الرقيق ؛ لأن البديل عن رق الأسرى رق المقدور عليهم هو قتلهم و إنهاء حياتهم و حريتهم أو سجنهم و تعذيبهم و تقييد حريتهم و تكليفهم من الأعمال ما لا يطيقون أما اتخاذ الأسير رقيقا فالرقيق سيعيش في بيت المسلم ، وقد أوجب الشرع له الحقوق الكثيرة و أوجب الإحسان إليه و حسن معاملته وعدم تكليفه من الأعمال مالا يطيق و أن يطعمه مما يطعم ويلبسه مما يلبس، وله إمكانية الزواج وهو رقيق، وله أمل في التحرر إما بلا مقابل أو عن طريق المكاتبة أو التدبير ، وهذا بلا شك أسهل عليه من أن يعيش مقيدا مأسورا في السجن بين أربعة جدر لا أمل له في نجاة .
[1]- أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها ص 557 – 558 بتصرف و اختصار

د.ربيع أحمد
03-10-2013, 01:45 PM
اتخاذ الأسير الكافر رقيقا عند المسلمين فيه مصلحة ترغيبه في دخول الإسلام


اتخاذ الأسير الكافر رقيقا عند المسلمين فيه مصلحة ترغيبه في دخول الإسلام فإن الأسير الكافر إذا استرق و عاش بين المسلمين و خالط المسلمين ورأى سماحة الإسلام في معاملته - لاسيما إذا كان من يملكه من أهل الإسلام على قدر من الخلق وحسن المعاملة - ربما شرح صدره للدخول في الإسلام ، ويحبب الله إليه الإيمان، و يكره إليه الكفر والفسوق والعصيان .

و مخالطة الأرقاء للمسلمين و معيشتهم بينهم في الماضي أدت إلى إسلام معظمهم ، ومن تتبع سير علماء المسلمين وقادتهم وجد الكثير منهم كان من الأرقاء .

و من القادة طارق بن زياد كان مولى من البربر، و موسى بن نصير كان والده من سبي عين التمر ، ومن العلماء نافع مولى ابن عمر ، و ربيعة الرأي وهو من شيوخ الإمام مالك، ومن الموالي العلماء أيضا مجاهد بن جبر مولى قيس المخزومي ، وعكرمة مولى ابن عباس ، ومن الموالي العلماء أيضا الحسن البصري كان أبوه مولى زيد بن ثابت .


بينما لو أطلق سراح الأسرى الكفار وعادوا إلى بلادهم فيندر أن يسلموا فضلا عن أن يصيروا قادة و علماء .


قال الشنقيطي – رحمه الله - : « وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَجِلَّاءِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمُحَدِّثِيهِمُ الْكِبَارِ كَانُوا أَرِقَّاءَ مَمْلُوكِينَ، أَوْ أَبْنَاءَ أَرِقَّاءَ مَمْلُوكِينَ فَهَذَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ كَانَ أَبُوهُ سِيرِينُ عَبْدًا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَ هَذَا مَكْحُولٌ كَانَ عَبْدًا لِامْرَأَةٍ مِنْ هُذَيْلٍ، فَأَعْتَقَتْهُ و َمِثْلُ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ » [1].


و في سؤال وجه للجنة الدائمة لماذا لا يحرم الإسلام الرقيق ؟ فكان جوابها : « لله كمال العلم والحكمة واللطف والرحمة فهو عليم بشؤون خلقه رحيم بعباده، حكيم في خلقه وتشريعه. فشرع للناس ما فيه صلاحهم في الدنيا و الآخرة ، و ما يكفل لهم السعادة الحقة والحرية والمساواة .


لكن في نطاق عادل وهدي شامل وفي حدود لا تضيع معها حقوق الله ولا حقوق العباد. وأرسل بهذا التشريع رسله مبشرين ومنذرين فمن اتبع سبيله واهتدى بهدى رسله كان أهلاً للكرامة ونال الفوز والسعادة.


ومن أبى أن يسلك طريق الاستقامة نزل به ما يكره من قتل أو استرقاق، إقامة للعدل وتحقيقاً للأمن والسلام و محافظة على النفوس والأعراض والأموال من أجل ذلك شرع الجهاد أخذاً على يد العتاة وقضاء على عناصر الفساد، وتطهير الأرض من الظالمين .


ومن وقع منهم أسيرا في يد المسلمين كان الإمام مخيرا فيه بين القتل إن فحش شره ولم يرج صلاحه، وبين العفو عنه أو قبول الفدية منه إن كان المعروف يملكه، ويسهل به إلى خير، وبين أن يسترقه إن رأى أن بقاءه بين أظهر المسلمين يصلح نفسه، ويقوم اعوجاجه، ويكسبه معرفة بطرق الهدي والرشاد، وإيمانا بها، واستسلاما لها؛ لما يراه من عدل المسلمين معه، وحسن عشرتهم، وجميل معاملتهم له، ولما يسمعه من نصوص التشريع في أحكام الإسلام وآدابه، فينشرح صدره للإسلام، ويحبب الله إليه الإيمان، ويكره إليه الكفر والفسوق والعصيان .


وعند ذلك يبدأ حياة جديدة مع المسلمين يكون بها أهلا لكسب الحرية بطريق الكتابة كما قال - تعالى - : ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ ( سورة النور من الآية 33 ) أو بطريق العتق في كفارة يمين أو ظهار أو نذر ونحو ذلك أو بطريق العتق ابتغاء وجه الله ورجاء المثوبة يوم القيامة إلى غير ذلك من أنواع التحرير .


وبهذا يعلم أن أصل الاسترقاق إنما هو عن طريق الأسر أو السبي في جهاد الكافرين لإصلاح من استرقوا بعزلهم عن بيئة الشر وعيشتهم في مجتمع إسلامي يهديهم سبيل الخير وينقذهم من براثن الشر ويطهرهم من أدران الكفر والضلال ويجعلهم أهلاً لحياة حرة يتمتع فيها بالأمن والسلام، فالاسترقاق في حكم الإسلام كأنه مطهرة أو سوق حمام يدخله من استرقوا من باب ليغسلوا ما بها من أوساخ ثم يخرجوا من باب آخر في نقاء وطهارة وسلامة من الآفات »[2] .
[1]- أضواء البيان 7/250
[2] - فتاوى اللجنة الدائمة 16/571

د.ربيع أحمد
03-10-2013, 01:46 PM
اتخاذ الأسير الكافر رقيقا فيه أخذ الحذر من الأسير



قال عبد الرحمن الميداني الدمشقي – رحمه الله - : « لقد ظهر الإسلام وجميع الشعوب المتحضرة وغير المتحضرة تقر نظام الرق بمختلف عناصره، وتقر مختلف الوسائل التي تفضي إلى الاسترقاق ، فنظر إلى مفهوم الرق السائد بين الأمم فألغاه، ولم يبق منه إلا ما تدعو إليه ضرورة أسرى الحرب، حذر تآمرهم وخيانتهم من الداخل .

ونظر إلى وسائل الاسترقاق المختلفة فألغاها كلها بحزم، إلا ما تدعو إليه ضرورة أسرى الحرب، التي تقوم بين المسلمين وغيرهم لأسباب لا يملكون دفعها .


وبهذه الطريقة الإسلامية تغير مفهوم الرق تغيراً كلياً عما كان عليه، وأصبح نوعاً من حجز حرية الأسرى، حذر أن يكونوا مصدر شغب وفتنة وخيانة وتآمر على المسلمين من داخل صفوفهم »[1] .


و قال عبد الرحمن الميداني الدمشقي – رحمه الله – أيضا : « وفي علاج مشكلة أسرى الحرب لا مندوحة من اللجوء إلى أحد الحلول التالية :

الحل الأول : قتلهم والتخلص من مشكلتهم نهائياً، وقد يكون هذا هو الحل الأسلم لأمة ناشئة ليس لها ثبات ورسوخ في الأرض .

الحل الثاني: المن عليهم بإطلاق سراحهم، وقد وضع الإسلام هذا الحل في يد القيادة الإسلامية، وقدمه القرآن تقديماً يشعر بترجيحه، وتلجأ القيادة الإسلامية إلى هذا الحل إذا لم تر منه ضرراً على المسلمين، ولا سيما إذا رأته نافعاً في كسب صداقة الأسرى وذويهم، وجذب قلوبهم إلى الإسلام، فليس للإسلام غرض أساس في مقاتلة الناس وإذلالهم بين أيدي المسلمين، وإنما غرضه هداية الناس جميعاً إلى الحق والخير، وتفادي خطر المعادين قدر الإمكان.

الحل الثالث: فداؤهم بأسرى من المسلمين في يد عدوهم، أو فداؤهم بمال أو سلاح أو علم، أو إخضاع لشروط صلح معينة، أو أي أمر يقدم للمسلمين فائدة ما، وذلك إذا لم تجد القيادة الإسلامية في إطلاق الأسرى خطراً على المسلمين، وقد وضع الإسلام هذا الحل في يد القيادة الإسلامية .


الحل الرابع: استبقاؤهم أسرى تحت أيدي المسلمين، وذلك حينما يكون المنّ عليهم أو فداؤهم يتضمن خطراً على المسلمين بشكل عام، وقد وضع الإسلام هذا الحل في يد القيادة الإسلامية أيضاً، وأذن لها أن تختاره ضمن حدود المصلحة العامة الدينية أو السياسية أو العسكرية أو الاجتماعية.

ومضمون هذا الحل هو ما اضطر الإسلام إلى عدم إلغائه من الأنظمة التي تجعل الأسير الذي هو قيد الأسر محجوز بعض الحريات المدنية فقط.

ولا تخلو حال أسرى الحرب - حينما لا تكون المصلحة بالمن عليهم أو افتدائهم - من أن يكونوا تحت الرقابة الدقيقة، لئلا يكونوا مصدر فتنة وشغب وخيانة وتآمر على المسلمين من داخل صفوفهم.

وهذا يستدعي أن لا يمنحوا جميع حرياتهم المدنية، وليس أمام الجهة التي أسرتهم إلا طريقان :

الطريق الأولى : أن يحتجزوا داخل سجون جماعية يقدم لهم فيها طعام خاص بهم، مع الاحتفاط بكرامتهم الإنسانية من أن يكونوا عرضة للإهانة والتعذيب، وقد يضاف إلى ذلك تكليفهم القيام ببعض الأعمال النافعة، التي تشغل أوقاتهم، وتستغل طاقاتهم، وتكون رياضة لأجسامهم.

وهذا حل من الحلول التي يضعها الإسلام بين يدي القيادة الإسلامية، لها أن تختاره إذا وجدت فيه مصلحة للمسلمين وللأسرى ولأهداف الدعوة الإسلامية.

أما تعريضهم للإهانة والتعذيب، وتقتير النفقة، وتكليفهم الأعمال الشاقة - وهو ما تمارسه دول كثيرة متحضرة - فهذا أمر لا يسمح به الإسلام .


الطريقة الثانية: أن لا يحتجزوا داخل سجون جماعية، بل يوزوعون على الأسر الإسلامية، ويكونون جزءاً من كيانها، يأكلون مما تأكل، ويشربون مما تشرب، ويلبسون مما تلبس، ويزوج رجالهم من نسائهم، وقد تكرم الأسيرة فتكون كإحدى زوجات مولاها، رعاية لحاجتها الطبيعية إلى زوج، وسبيلاً إلى تحريرها إذا حملت منه، وتكلف كل أسرة النفقة على من لديها من الأسرى، ومراقبته حذر خيانته وتآمره، ولها في مقابل ذلك أن تكلفه من الأعمال ما يحسن ويطيق من غير إعنات ولا إثقال.

وبهذه الطريقة يتسنى لهؤلاء الأسرى من غير المسلمين أن يطلعوا على نظام الإسلام، والأخلاق الإسلامية، وعقيدة المسلمين وعبادتهم وحسن معاملتهم.

وتمنح للأسرى حرية الدين والعبادة والتعلم، وقد تمنح لهم حرية العمل والتملك إذا أذن لهم أولياؤهم بذلك، أو كاتبوهم لتحرير أنفسهم بما يكسبون من مال.

وقد وضع الإسلام هذا الحل بين يدي القيادة الإسلامية، فلها أن تختاره إذا وجدت فيه مصلحة وخيراً للإسلام والمسلمين، ومصلحة للأسرى نفسهم »[2].





اتخاذ الأسير الكافر رقيقا فيه تخفيف العبء عن كاهل الدولة الإسلامية





إن في اتخاذ الأسير الكافر رقيقا فيه تخفيف العبء عن كاهل الدولة الإسلامية فوضع الأسرى في سجون سيحتاج إلى بناء سجون و مستشفيات للأسرى السجناء و مطاعم لإطعام الأسرى السجناء و مصانع ملابس للأسرى السجناء و حراس للأسرى السجناء و غير ذلك من النفقات .



أما اتخاذ الأسير الكافر رقيقا فالأرقاء يتكفل سادتهم بجميع نفقاتهم بدون أي أعباء على كاهل الدولة .



و اتخاذ الأسير الكافر رقيقا أضمن من تركه في مُدُنِ المسلمين يعيش حياته كما يريد و يدبر للدولة الإسلامية كما يريد و حريته في بلاد المسلمين إن كانت مثل حرية أبناء الدولة ألا تجعله يتحول إلى مخرب في الدولة الإسلامية
ومَن المسئول عنه ؟ومَنِ الذي يُراقبه ؟ و إن قمنا بإرجاعه لبلاده الكافرة فما فائدة أسره ؟!!






الحكمة من عدم تحريم الإسلام الرق بشكل نهائي



قد يسأل سائل لماذا لم يحرم الإسلام الرق بشكلنهائي ؟ و الجواب أن الحِكم من إباحة استرقاق الكافر المحارب تنادي بأعلى صوت بضيق أفق و قصور عقل من يريد منع الرق نهائيا لأن الرق كان نظاما عالميا سائدا فمادامت الدولة المحاربة للإسلام تجيزه فدولة الإسلام تجيزه معاملة بالمثل أي إذا لم يتوقف الكفار المحاربونعن استرقاق أسرى المسلمين فلا مجال لأن يتوقف المسلمون عن استرقاق أسراهم و مُعاملة الأسرى ليست تشريعًا مَحَلِّيًّا يصدر مِن جانبٍ واحد أو طرف واحد أي مُعاملة الأسرى ليست تشريعًا يصدر مِن جانبٍ المسلمين فقط .


و اتخاذ الأسير الكافر رقيقا فيه تخويف من يريد محاربة المسلمين و إعاقة دعوة الحق فاحذر أيها الكافر أن تحارب الإسلام و تصد الناس أن يعبدوا الله فستعامل بسوء قصدك و شناعة فعلك وستعرض نفسك للقتل أو الاسترقاق .


و في عدم إلغاء الرق نهائيا دليل على واقعية الشريعة و مراعاتها حق المالك و حق الرقيق فتحريم الرق دفعة واحدة سيضر المالك و يضر المملوك و يؤدي لتفويت مصالح معتبرة تخص المالك والمملوك بخلاف تحريم الخمر أو الربا فلا مصالح معتبرة تفوت بتحريم الخمر أو الربا .


و كان عدد الرقيق كبير و قد يكون للرجل عشرات الأرقاء فتحريرهم دفعة واحدة معناه إهدار مال مالكهم واضطراب مصالحه التي كانت تعتمد على الأرقاء الذين يملكهم .


و تحرير الأرقاء دفعة واحدة معناه إخراج عدد كبير ممن لا حرفة له و لا يجيد إلا الرق لكي يعيش و لا مسكن لهؤلاء الأرقاء و لا مال عند هؤلاء الأرقاء و هذا عبء على المجتمع و قد يؤدي لظهور السرقة و نهب الأموال و تقاتل أبناء المجتمع الواحد في سبيل الحصول على المال و الطعام والمسكن.


و لا ننسى الحرب الأهلية التي نشبت بين الشمال الأمريكي الذي كان يدعوا إلى تحريم الرق و الجنوب الذي كان يرفض تحرير العبيد .

و ليس في مصلحة كل العبيد التحرير الفجائي فهناك من العبيد من لا يستطيع القيام على نفسه ، و عندما ألغي الرق بعض من الأرقاء رجعوا إلى من كانوا يملكونهم بملك اليمين و ظلوا يخدمون عندهم إلى أن ماتوا .


و قال محمد البشير – رحمه الله - : « الإسلام جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد، فإذا وجدت قضية عامة يتجاذبها الصلاح والفساد- وهما ضدّان- فهنا تأتي حكمة الإسلام وبعد نظره ودقته في الترجيح.

والإسلام لم يخترع الاسترقاق ولم ينشئه، وإنما وجده فاشيًا في العالم، درجت عليه الأمم كلها من أحقاب قديمة متطاولة، ودخل في حياتهم وتمكّن، ونزل منها منزلة الضرورات الحيوية.

وتعوده الفريقان السادة والعبيد، و بنى كل واحد منهما أمره على ما قسم له من الأعمال، ورأى أن الخير فيه، وأن خروجه منه مضيعة له وقضاء على حياته، واطمأن إلى هذا كله من يوم أدرك وعقل.

وقد فصلت الحياة وقوانينها والمواضعات العرفية وظائف الفريقين في عشرات القرون، فأصبح الخروج عنها كالخروج من الحياة .

ولكل من السيادة والعبودية آثار متطرفة في نفوس أصحابها لا يجمعها وسط، فالسادة تعوّدوا الاعتماد على العبيد في تصريف مصالحهم الحيوية المتنوّعة شريفها وخسيسها من منزلية وفلاحية، فإذا فارقهم العبيد ضاعت تلك المصالح كلها إذ لا يستطيع القيام بها بنفسه ، فضاعت المصالح فاختلّ التوازن الاجتماعي، والعبيد تعوّدوا الاعتماد على السادة في معاشهم و كسوتهم و تدبير ضرورياتهم كلها فإذا فارقوهم وتحرّروا دفعة واحدة لم يستطيعوا الاستقلال بالحياة ، واختلّ التوازن الاجتماعي أيضًا »[3].

[1]- أجنحة المكر الثلاثة وخوافيها ص 553 - 554
[2]- أجنحة المكر الثلاثة و خوافيها ص 554 - 556
[3]- آثَارُ الإِمَام مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي 4/364 - 365

د.ربيع أحمد
03-10-2013, 01:48 PM
الحكم من إباحة وطء الأمة بملك اليمين





أباحت الشريعة الإسلامية لمن ملك جارية ليس بينه وبينها محرمية من نسب أو رضاعٍ أن يطئها بملك اليمين من غير حاجة إلى عقد أو إشهاد، وتسمى سرية له لا زوجة مع العلم أن المسبية من عبدة الأوثان وغيرهم من الكفار الذين لا كتاب لهم لا يحل وطؤها بملك اليمين حتى تسلم .


و لا يجوز لمن ملك أمة ملكاً شرعياً أن يستمتع بها إلا بعد استبرائها بحيضة إذا كانت حائلاً أو بوضع حملها إن كانت حاملاً .


و من تُسبى من النساء لا تكون متعةً مشاعةً لكل أحد من المسلمين، بل هي لمن تقع في سهمه من المسلمين فقط، فهي رقيقة مملوكة لسيّد واحد منهم، لا يجوز له أن يُجبرها على معاشرة غيره من المسلمين .


و إذا سُبي الرجل مع زوجه، ووقعا تحت ملك رجل واحد من المسلمين، فيبقى زواجهما على ما هو عليه، لا يجوز لمالكها معاشرتها، إلا أن يفرق بينهما ببيع أحدهما لمالك آخر، فيكون هذا كالطلاق، فيحق لمالك المسبية أن يعاشرها بعد الاستبراء ؛ للتأكد من عدم حصول حملٍ من زوجها قبل معاشرة مالكها لها .


و الحرة لا يجوز لها أن تستمتع بعبدها إجماعاً، ولكن لها أن تعتقه وتتزوجه إذا شاءت ذلك.


والاستمتاع بوطء الأمة بملك اليمين أمر مشروع و كان معروف قبل الإسلام وبعده ، و عجبا لمن يبيح زواج المثليين و يبيح الزنا و يشنع على ما أحل الله !!.


و إذا كان العرف السائد في الحروب إلى وقت ليس ببعيد سبي النساء و اتخاذهن رقيقا و معاشرتهن بلا ضابط و بلا آداب فلما يشنع على الإسلام معاملته للعدو بالمثل و إباحته للتسري بالأمة الكتابية لكن بشروط وضوابط و آداب ؟!!


ورغم إلغاء الغرب للرق إلا أن الإعلام قد فضح ما يفعلونه بأسيرات المسلمين من اغتصاب و تعذيب و امتهان ثم يشنعون على المسلمين إباحتهم للتسري بالأمة بملك اليمين بشروط وضوابط و آداب .


و في وطء الأمة بملك اليمين التعفف للمالك وللمملوك، كما أنه يؤدي إلى إزالة الحواجز بين السيد ومملوكته، وشعورها هي بأنها ليست أقل من غيرها لقربها من سيدها .


و وطء المملوكة بملك اليمين قد يؤدي إلى حملها من سيدها فتصبح أم ولد لا يجوز بيعها، وتعتبر حرة بوفاة سيدها ، ولا يخفى ما في هذا من إكرامها وحفظ حقوقها وحقوق ولدها، حيث تنال حريتها ويثبت نسب ابنها إلى أبيه وهذا أفضل من أن تتزوج عبد فتلد عبيدا .


و قال الشعراوي – رحمه الله - : « للأَمَة – و هي في بيت سيدها - وضعها خاصاً ، فهي ترى سيدتها تتمتع بزوجها، وترى البنت تتزوج، فيأخذها زوجها إلى بيت الزوجية، إلى آخر مثل هذه الأمور، وهي تقف موقف المتفرج، وربما أخذتها الغيرة من مثل هذه المسائل، فيكرمها الله حين يُحلّها لسيدها، فيكون لها ما لسيدتها الحرة، فإذا ما أنجبتْ لسيدها ولداً صارت حُرَّة به، وهذا منفذ آخر من منافذ القضاء على الرق » [1] .


و قال محمد البشير – رحمه الله - : « والحكمة الواضحة في التسري تتألف من عدة عناصر ، فهو تأليف بين العنصرين المتفاوتين و هم السادة و العبيد بعلاقة نفسية جسمية، وتقريب بينهما، وتنقيص من النفور الطبيعي بملابسة طبيعية، ولا يخفى ما في هذا من طي المسافة بين السيادة والعبودية .


ومن الحكم الظاهرة فيه أنه خطوة واسعة إلى التحرير ووسيلة قوية من وسائله، فإن الأمة إذا ولدت من سيّدها ترتفع درجة عن العبودية حتى في الاسم فتسمّى أم ولد ، وترتفع إذًا بطريق شرعية إلى التحرير، فهي من الذرائع المحققة لحكمة الإسلام في العتق ولمقصده في التشوّف للتحرير.


وكل هذا زيادة على ما تحصل عليه أم الولد من سيّدها من الاستيلاء على قلبه والحظوة عنده، ولقد وصل كثير من أمهات الأولاد من طريق هذه الحظوة إلى درجات رفيعة لم تبلغها الحرائر .


وأما المبالغة في الإكثار منهن إلى درجة مستهجنة بناء على عدم تحديد الشرع لعدد خاص- فهذا من سوء تصرّف المسلمين- لا من حسن تصريف الإسلام »[2] .


و يقول الدكتور صلاح عبد الفتاح الخالدي في رده على عبد الله الفادي النصراني المشتعل :

« فإِذا انهزَمَ الكفارُ في الحربِ فقد يَقَعُ بعضُ رجالِهم ونسائِهم المقاتلين بأَيْدي المسلمين ، فيكونون عَبيداً وأَرِقّاء ، سواءً كانوا رجالاً أَو نساء!.

كيفَ يكونُ وَضْعُ هؤلاءِ العبيدِ بينَ المسلمين ؟

هل يُتْرَكونَ على رُؤوسهم ، لينْشُروا المفاسِدَ بين المسلمين ؟

الحلُّ هو أنْ " يُوَزَّعوا " على المسلمين ، ليكونوا عَبيداً لهم ، تُؤَمَّنُ لهم حاجاتُهم! وبذلك تَكونُ السبايا المقاتِلاتُ الكافراتُ في بيوتِ المسلمين ، وتُصبحُ الواحدةُ منهنَّ أَمَةً جارِيَةً في بيتِ سَيِّدِها ، يتكفَّلُ سَيِّدُها بكلِّ حاجاتها.
ومن ذلك حاجتُها الجنسية ، حيثُ يَتَسَرَّى بِها ويُعاشرها وتكونُ " مِلْكَ يَمينِه " ، فإِنْ أَنجبَتْ منه وَجَبَ عليه أَنْ يُعتِقَها ويُحَرِّرَها ، لأَنَّها أُمُّ وَلَدِه! هل هذا إِذلال لها وإِفسادٌ للمجتمع ؟

كما يقول الفادي المفتري!.

ما هو الحَلُّ عند الفادي وأَمثالِه ، الذينَ يُحاربونَ التَّسَري والاستمتاعَ بالجاريةِ مِلْكِ اليَمين ؟


نساءٌ كافراتٌ مُقاتِلات انهزمْنَ في المعركةِ وأُلقيَ القبضُ عليهنّ ؟


وبعدَ كُلّ معركة تُؤْخَذُ عَشَراتٌ من النساءِ بهذهِ الطريقة ، بحيثُ يَصِلُ عَدَدُهن إِلى أُلوف ! ماذا يُفْعَلُ بِهِن ؟


هل يُتْرَكْنَ في مُدُنِ المسلمين ، يَتَجَوَّلْنَ ويَعِشْنَ حياتَهُن كما يُرِدْن ؟


ومَن المسؤولُ عنهنّ ؟


ومَن المتكفّلُ بهنّ ؟


ومَنِ الذي يُراقبهُن ؟


أَلا يتحَوَّلْنَ إِلى مُخَرِّباتٍ فاسِداتٍ مُفْسِدات ؟


أَلا يُتَاجِرْنَ بأَعراضِهنَّ لإِغواءِ أَبناءِ المسلمين ؟


ألا يَنْشُرْنَ الفاحشةَ والرذيلةَ بين المسلمين ؟


ومَنْ هو المسلمُ العاقلُ الذي يرضى بهذا ؟.



لقد ضَبَطَ الإِسلامُ حياتَهُن ، بأَنْ أَعطى كُل واحدةٍ لرجلٍ مسلم ، فصارَ مَسؤولاً عنها ، ومتكَفِّلاً بحاجاتِها ، ومنها الحاجة الجنسية ، ودَعاهُ إِلى عِتْقِ ما في مُلْكِ يَمينهِ من هؤلاء النساء بمختلفِ الأَسبابِ والصور ! هذا هو الحَل الصَّوابُ والتصرفُ السليم ، و هو الذي شَرَعَهُ اللّهُ العليمُ الحكيم »[3].

[1]- تفسير الشعراوي 19/ 12113
[2] - آثَارُ الإِمَام مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي 4/368[3] - القرآن و نقض مطاعن الرهبان ص 393 -394

د.ربيع أحمد
03-10-2013, 01:49 PM
الحكمة من ترهيب الشرع إباق المملوك



ترهيب الشرع من إباق العبد وتشديده في ذلك هو للمحافظة على حقوق الناس وممتلكاتهم لما يؤدي إليه تضييعها من المشاحة وعدم استقرار المجتمع كما هو الحال في الترهيب من نشوز المرأة و خروجها عن طاعة زوجها .







كيف يصح استرقاق المسلم لأخيه المسلم ؟!



المسلم يصح استرقاقه، لكن بشرط أن يكون إسلامه طارئا بعد استرقاقه، أو يكون ورث الرق عن أمه ،ولم يجعل الإسلام مجرّد دخول الموالي في الدين سبباً للعتق ؛ حسماً للكذب و ادّعاء اعتناق الإسلام ، و لو كان العبد إذا أسلم أعتق لتلاعب الحربيون الذين يسترقهم المسلمون بهذا، فكلما استرق أحدهم ادعى الإسلام نفاقا فيعتقه المسلمون لأنهم لا يستروحون لاسترقاق مسلم! ، ثم لا يلبث أن يعود محاربا .


و كون بعض الأرقاء يبقون في العبودية مع إسلامهم فهذا بلاء من الله تعالى حل بهم سببه كفرهم السابق أو كفر آبائهم من قبل فالكفر هو الذي أوقعهم في استرقاق المسلمين لهم، وعليهم الصبر على البلاء، فكما يبتلى المسلم بالسجن والفقر والمرض يبتلى بالرق.


و قال عبد الرحمن الميداني الدمشقي – رحمه الله - : « و لم يفرض الإسلام تحرير كل من تظاهر بالإسلام من الأسرى، خشية أن يتخذ الأسرى ذلك ذريعة لكسب حريتهم، وانطلاقهم داخل المجتمع الإسلامي أحراراً يدبرون المؤامرات على المسلمين، وهم في مأمن من الرقابة »[1] .


و قال الشنقيطي – رحمه الله - : « فَإِنْ قِيلَ : إِذَا كَانَ الرَّقِيقُ مُسْلِمًا فَمَا وَجْهُ مِلْكِهِ بِالرِّقِّ ؟ مَعَ أَنَّ سَبَبَ الرِّقِّ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ وَمُحَارَبَةُ اللَّهِ وَرُسُلِهِ قَدْ زَالَ ؟


فَالْجَوَابُ : أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَعْرُوفَةَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَكَافَّةِ الْعُقَلَاءِ : أَنَّ الْحَقَّ السَّابِقَ لَا يَرْفَعُهُ الْحَقُّ اللَّاحِقُ ، وَالْأَحَقِّيَّةُ بِالْأَسْبَقِيَّةِ ظَاهِرَةٌ لَا خَفَاءَ بِهَا ، فَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَمَا غَنِمُوا الْكُفَّارَ بِالسَّبْيِ ثَبَتَ لَهُمْ حَقُّ الْمِلْكِيَّةِ بِتَشْرِيعِ خَالِقِ الْجَمِيعِ ، وَ هُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ .


فَإِذَا اسْتَقَرَّ هَذَا الْحَقُّ وَثَبَتَ ، ثُمَّ أَسْلَمَ الرَّقِيقُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ حَقُّهُ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الرِّقِّ بِالْإِسْلَامِ مَسْبُوقًا بِحَقِّ الْمُجَاهِدِ الَّذِي سَبَقَتْ لَهُ الْمِلْكِيَّةُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، وَلَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ رَفْعُ الْحَقِّ السَّابِقِ بِالْحَقِّ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ ، نَعَمْ ، يَحْسُنُ بِالْمَالِكِ وَيَجْمُلُ بِهِ أَنْ يُعْتِقَهُ إِذَا أَسْلَمَ ، وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ بِذَلِكَ وَرَغَّبَ فِيهِ، وَفَتَحَ لَهُ الْأَبْوَابَ الْكَثِيرَةَ »[2] .






تناقض دول الغرب في تحريم الاسترقاق الفردي مع أنهم يبيحون لأنفسهم الاسترقاق الجماعي للأفراد


إن الواحد منا ليتعجب كيف لدول الغرب تحارب الإسلام و أهله و تستعبد دول و تسترق شعوب بأكملها ثم تدعي بعد ذلك أنها تحارب استرقاق الأفراد، ولو كان بآداب الإسلام هذه الآداب التي ما عرفها الغرب و لا سمعت بها حضارته !!


و قد أصبح رقيق الزمن الماضي أسعد حالًا وأوفر كرامة من أحرار هذا الزمن ، و أصبح الأحرار في هذه الأيام يسامون سوء العذاب من قبل بعض الدول المتحضرة .


و الحضارة القائمة الآن لا تسبي النساء والأطفال في حروبها ، لكنها ترتكب ما هو شر من السبي، وهو القتل الذريع الشنيع للضعيفين المرأة والطفل، وتأسر المقاتل، والأسر استرقاق في أبشع صوره، ولا تزال الألوف المؤلفة من أسارى الحرب الأخيرة تحت أيدي الغالبين يسخّرونهم في أشقّ الأعمال[3].


و قال محمد البشير – رحمه الله - : « ما لهؤلاء القوم المشنعين على الإسلام لا يمنعون تجارة ( الرقيق الأبيض ) المتفشية بينهم، والمسجّلة عليهم وعلى حضارتهم عارًا لا يمحى؟ وما بالهم يرون القذاة في أعين غيرهم، ولا يرون الخشبة المركوزة في أعينهم؟


وما بال إنسانيتهم انحصرت في الإشفاق على عشرات أو مئات أو آلاف من العبيد يملكهم المسلمون بإحسان، ولم تتسع رحمتهم وإشفاقهم لمئات الملايين من الشعوب التي استعبدوها في أفريقيا وآسيا، فأذلوا رقابهم، ومسخوا معنوياتهم، وجرّدوها من كل أسباب الحياة ؟ »[4] .


و قال محمد البشير – رحمه الله - أيضا : « ثم إن لنا موقفًا نصفّي فيه الحساب مع هؤلاء الكتّاب الناعقين، ومن وراءهم من الحكومات المتفقة على إبطال الاسترقاق، ونردّ عليهم دعواهم وزعمهم أن ذلك القانون هو أشرف عمل إنساني تمّ على أيديهم وسبقوا إليه كل من مضى ومن حضر من الدول والأديان، وأنه هو الغرة اللائحة في جبين هذه الحضارة، والصفحة المشرقة في تاريخها، إلى آخر ما يفيضونه من النعوت على هذه (العملية).


نقول لهم أولًا: أمن الإنسانية ما تفعله أمريكا مع الزنوج إلى اليوم، وما تفعله جنوب أفريقيا مع الزنوج فيها؟


ونقول لهم ثانيًا: أمن الإنسانية والتحرير، استعماركم لأفريقيا وآسيا؟ وما فعلتموه من الفضائح في فتحهما، وما تفعلونه من الموبقات إلى اليوم في استعباد أهلها؟


قد يكون كلامكم في إلغاء الاسترقاق صحيحًا ومعقولًا عند الناس لو لم تقرنوه بجريمة الاستعمار في آن واحد، فلم تزيدوا على أن سفهتم أنفسكم، ونقضتم قولكم بفعلكم، وصيّرتم تلك الغرة المزعومة، عرّة معلومة، من الذي يصدقكم في تحرير الآلاف من العبيد، بعد أن استعبدتم مكانهم مئات الملايين؟ فكأنكم ما وضعتم ذلك القانون إلا تلهية للعالم، وتغطية عن الجريمة التي ارتكبتموها، وكأنكم ما رضيتم للشعوب الضعيفة أن تسترق أفرادًا، فألغيتم ذلك النوع الفردي، وأبدلتموه بالاسترقاق الجماعي (وبالجملة) على لغة التجّار .

فكان حقًا عليكم- لولا النفاق- أن تزيدوا كلمة في عنوان ذلك القانون فيصير (إلغاء الاسترقاق الفردي) ولو فعلتم لكنتم صادقين في الواقع، وإن كذبتم على الحقيقة والتاريخ، والكذب في الشر يصيّره شرّين .


إن هؤلاء القوم لم يزيدوا على أن حرّروا العبد زعمًا، واستعبدوا الأحرار فعلًا، ثم لجوا في الزعم سترًا للشناعة وتغطية عن الشر، وإلهاء للأغرار، وهيهات أن تغطى الشمس بالغرابيل.

وإذا كان إلغاء الرقيق عملًا إنسانيًا، فاستعباد الأحرار بماذا يسمّى ؟ وأنهار الدماء التي سالت بالأمس القريب في الهند الصينية وفي كوريا، والتي تسيل اليوم في شمال أفريقيا وشرقها ... تسيل، في أي سبيل؟ » [5].




حديث أخطأ المغرضون فهمه
يستدل بعض المغرضين بحديث في صحيح مسلم على أن الإسلام حبب الاسترقاق بدليل أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رد العتق على رجل مِنْ بَنِي عُذْرَةَ .


و نص الحديث عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: «أَلَكَ مَالٌ غَيْرُهُ؟» فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: «مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟» فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْعَدَوِيُّ بِثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ، فَجَاءَ بِهَا رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا» يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ[6] .


و الحديث كما قرأتم غاية ما فيه رد العتق على رجل محتاج أعتق عبدا عن دبر ليس له مال غيره ، وهذا من حكمة الشرع ، و قد بوب العلماء لهذا الحديث باب الِابْتِدَاءِ فِي النَّفَقَةِ بِالنَّفْسِ ثُمَّ أَهْلِهِ ثُمَّ الْقَرَابَةِ فليس من الحكمة التصدق على الغير مع عدم وجود ما يكفي لحاجة الإنسان المتصدق نفسه .


و بعض الروايات صرحت بأن سبب بيع هذا الرقيق هو الِاحْتِيَاج إِلَى ثمنه ، و في بعض الروايات بينت أن وجه الاحتياج لبيعه هو الدين و المسألة بسطها ابن حجر في فتح الباري[7].


و قال بدر الدين العيني – رحمه الله - : « أَنه - صلى الله عَلَيْهِ وَسلم - إِنَّمَا رد على الْمُتَصَدّق الْمَذْكُور صدقته مَعَ احْتِيَاجه إِلَيْهَا لأجل ضعف عقله ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ من مُقْتَضى الْعقل أَن يكون الشَّخْص مُحْتَاجا فَيتَصَدَّق على غَيره ، فَلذَلِك أَمر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور أَن يتَصَدَّق على نَفسه أَولا .


ثمَّ: إِن فضل من ذَلِك شَيْء فَيتَصَدَّق بِهِ على أَهله، فَإِن فضل شَيْء فَيتَصَدَّق بِهِ على قرَابَته، فَإِن فضل شَيْء يتَصَدَّق بِهِ على من شَاءَ من غير هَؤُلَاءِ. قَوْله: (رد على الْمُتَصَدّق) أَي: رد على الْمُتَصَدّق الْمَذْكُور فِي حَدِيث جَابر: صدقته مَعَ احْتِيَاجه إِلَيْهَا. قَوْله : (ثمَّ نَهَاهُ) أَي: عَن مثل هَذِه الصَّدَقَة بعد ذَلِك .



وَقَالَ مالِكٌ إذَا كانَ لِرَجُلٍ علَى رجُلٍ مالٌ ولَهُ عَبْدٌ لَا شيْءَ لَهُ غَيْرُهُ فأعْتَقَهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ »[8] .



و قال القسطلاني – رحمه الله -: « أنه عليه السلام باع على الرجل ماله لكونه مدينًا ومال المدين إما أن يقسمه الإمام بنفسه أو يسلمه إليه ليقسمه بين غرمائه »[9] .
[1]- أجنحة المكر الثلاثة و خوافيها ص 557
[2]- أضواء البيان 3/31
[3]- آثَارُ الإِمَام مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي 4/363
[4]- آثَارُ الإِمَام مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي 4/369
[5]- آثَارُ الإِمَام مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي 4/369
[6] - رواه مسلم في صحيحه 2/692 حديث رقم 977
[7] - انظر فتح الباري 4/421
[8] - عمدة القاري 12/255
[9] - إرشاد الساري 4/226

د.ربيع أحمد
03-10-2013, 01:51 PM
الرق و الكرامة الإنسانية و الحرية


يشنع بعض المغرضين على إباحة الإسلام للرق بدعوى أن الرق ينافي كرامة الإنسان و ينافي حرية الإنسان و هو نوع من أنواع الذل و الامتهان من الإنسان لأخيه الإنسان و هذه الدعاوي تصح لو كان الرق في الإسلام هو الرق الذي كان معروفا عند أمم الأرض قبل الإسلام و شتان بين معاملة الرقيق في الإسلام و معاملة الرقيق عند غير المسلمين .


أما الرق في الإسلام فلا ينافي كرامة الإسلام ؛ لأن الإسلام أمر بالإحسان إلى الرقيق و حسن معاملته و إطعامه مما يطعم سيده و لبسه مما يلبس سيده و لا يكلف من العمل ما لا يطيق و العبرة في الإسلام بالتقوى و قد جعل الإسلام الرقيق أخًا لمالكه ليستشعر الكرامة والعزة ، فترتفع معنوياته ، فيصبح إنسانًا في المجتمع لا بهيمة كما كان .


أما بالنسبة للحرية فالحرية التي تكون سببا للظلم و الفساد غير مقبولة سواء عند المسلمين أو عند غيرهم و الإنسان ليس حرا فيما يضر به الآخرين ، و هذا الأسير الكافر المناوئ للحقَ والعدل كان ظالمًا أو معينًا على ظلم أو أداة في تنفيذه أو إقراره كانت حرِّيَّته فرصةً لفشوِّ الطغيان والاستعلاء على الآخرين[1] .


و قد عامل الإسلام الأسير الكافر بشيء من سوء قصده فالكافر المحارب أراد قتل المسلمين و إذاء المسلمين و محاربة الله و رسوله و قد وقع في أسر المسلمين فهل نطلق حريته ليحارب المسلمين من جديد ، وهل من المنطق أن يترك الإنسان عدوه الذي سعي لقتله بعد أن قدر عليه ؟!! .


و كما أن الكفار يجعلون من أسرانا عبيدا عندهم و يلاقونهم أشد العذاب و الهوان و الذل فمعاملة بالمثل نأخذ أسراهم أرقاء لكن لا نعاملهم بما يعاملون به أسرانا ؛ لأن ديننا أمرنا بالإحسان ،و ليس من المنطق إطلاق أسرى عدونا و هم لا يطلقون أسرانا .


و إن كان الكفار في العصر الحالي ألغوا الرق فقد فعلوا ما هو أسوأ من الرق من امتهان و تعذيب بشع للأسرى و تفنن في ذل الأسرى و تفنن في إلام الأسرى و الإعلام يخرج علينا من حين لآخر بما يفعله الكفار في سجونهم بأسرى المسلمين .
و إن كان الكفار يشنعون على الرق فهم يستعبدون شعوب بأكملها و يبيدون شعوب بأكملها .


و قال الشنقيطي – رحمه الله - : « ولو فرضنا - ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى ﴾( سورة النحل من الآية 60 ) أن حكومة من هذه الحكومات التي تنكر الملك بالرق ، و تشنع في ذلك على دين الإسلام - قام عليها رجل من رعاياها كانت تغدق عليه النعم، وتسدي إليه جميع أنواع الإحسان ، ودبر عليها ثورة شديدة يريد بها إسقاط حكمها ، و عدم نفوذ كلمتها ، والحيلولة بينها و بين ما تريده من تنفي أنظمتها، التي يظهر لها أن بهما صلاح المجتمع ، ثم قدرت عليه بعد مقاومة شديدة فإنها تقتله شر قتلة .


و لا شك أن ذلك القتل يسلبه جميع تصرفاته وجميع منافعه فهو أشد سلبا لتصرفات الإنسان ومنافعه من الرق بمراحل .


والكافر قام ببذل كل ما في وسعه ليحول دون إقامة نظام الله الذي شرعه ليسير عليه خلقه فينشر بسببه في الأرض الأمن والطمأنينة. والرخاء والعدالة، والمساواة في الحقوق الشرعية، وتنتظم به الحياة على أكمل الوجوه وأعدلها وأسماها ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾( سورة النحل الآية 90 ) فعاقبة الله هذه المعاقبة بمنعه التصرف. ووضع درجته وجريمته تجعله يستحق العقوبة بذلك » [2] .

الغرض من وراء تجريم الغرب للرق


إن المتتبع لأحوال الغرب و سعيهم في إلغاء الرق الفردي يجد أن تاريخيهم مليء بما يثبت سوء نياتهم و سوء قصدهم فلا يمكن أن يكون سعيهم في إلغاء الرق الفردي صادرا عن حب للإنسان الأسير أو رحمة للإنسان الأسير - إن كان منهم - وحسب فقد عملوا و مازالوا يعملون جاهدين على تمزيق شمل الدولة الإسلامية و إضعاف الدولة الإسلامية بالغزو المادي و الفكري قديما و حديثا .


و استرقاق أسرى الكفار عبر التاريخ كان سببا في إسلام الكثير منهم و إعتاق الكثير منهم و تناسلهم مما يؤدي إكثار عدد المسلمين بل من الأرقاء من أصبحوا قادة للمسلمين و من أصبحوا علماء للمسلمين ومن أصبحوا مجاهدين يحاربون الكفار أنفسهم فكان من سياسة الكفر الماكرة إلغاء الرق و التشنيع على من يبيحه و بهذا يسد باب عظيم من أبواب تكثير سواد المسلمين .


هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و كتب ربيع أحمد حامدا لله و مصليا على نبيه - صلى الله عليه وسلم - الأربعاء 24 /ربيع الأول/1434هـ ، 6/فبراير/2013م[1]- تلبيس مردود في قضايا حية ص 52
[2]- أضواء البيان 3/30