المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ألي أستاذي أبو حب الله وأستاذي السرداب



عزيز بالاسلام
03-18-2013, 12:31 PM
في هذا الموضوع ياأساتذتي الكرام يفند د/ اياد القنيبي شبهات المرجئة وكنت أطلب منكما أيضا التعليق سواء كان بالاضافة أو بالنقد
وأتمني من الاخوة الذين ليس عندهم صبر علي طول القراءة والمطالعة أن يجهد نفسه بعض الشيء في قراءة هذا الموضوع لأنه متصل باأصل من أصول الايمان وهو توحيد الله وأفراده بالألوهية والربوبية
ولعل أحدنا يكون مشرك بالله عز وجل وهو لايعلم !!!!!!!!!!!
ويمكنهم أيضا مشاهدة حلقات علي قناة د/ اياد القنيبي علي اليوتيوب
http://www.youtube.com/playlist?list=PL44059A4A92B22D67
================================================== ======================
الحلقة الأولى: لمن يقول: يجب حل مشاكل المجتمع قبل تطبيق الشريعة
هذه السلسلة هي صوت من الأصوات المنادية لإخواني العاملين للإسلام في البلدان التي سقطت فيها الأنظمة فأُعطوا فيها الفرصة لقيادة الشعوب، أن أيها العاملون للإسلام احذروا من الانزلاق وتقديم التنازلات.

وكذلك صوت أن أيتها الشعوب الإسلامية: الإسلام لم يدخل المعركة بعد في كثير من الساحات التي ينادى فيها بطروحات يقال أنها إسلامية. فإذا ما أخفق الإسلاميون في محاولاتهم لإنقاذكم فلا تقولوا (جربنا الإسلام فيما جربنا ولم ينفعنا)! فكثير من هذا الذي ترون ليس تمثيلا صحيحا للإسلام، وإخفاقه ليس إخفاقا للإسلام.

دفعني إلى البدء في هذه السلسلة ما نسمعه من بعض العاملين للإسلام هدانا الله وإياهم من أنهم إن وصلوا إلى الحكم فلن يفرضوا أحكام الشريعة دفعة واحدة بل سيتدرجون في تطبيقها. وهذا الظن أن لإنسان أن يتدرج في تطبيق الشريعة مما لا نرتضيه لمسلم أن يعتقده فضلا عن أن يقول به العاملون للإسلام. لذا فهذه مناصحة لإخواني أسأل الله تعالى أن يهدينا فيها إلى الصواب وأن يأخذ بنواصينا إلى الحق أخذا رفيقا.

وكون الموضوع متشعبا جدا فإني سأعالج في كل حلقة نقطة واحدة بإذن الله. وأتوقع أن تطول السلسلة لكنها نافعة بإذن الله. فلن يجد القارئ أو السامع مبحثا متكاملا في كل حلقة على حدة، ولا بد أن تثار لديه أسئلة كثيرة. لكن كل ما يثار عادة سيتم الإجابة عنه في حلقات أخرى بإذن الله.

1) الذين يقولون بالتدرج في تطبيق الشريعة من حججهم أنه لا بد بداية من القضاء على الفقر والبطالة والفساد وانعدام الأمن: أطعم الناس ووفر لهم الأمن ثم طبق الشريعة.
هذا الطرح مثخن بالجراح والتناقضات.

فأولا: نحن كمسلمين نؤمن بأن الفقر والبطالة والفساد هذه كلها من نتائج تغييب الشريعة. قال تعالى:
((ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)) من معاني الفساد كما ذكر المفسرون قلة البركة وضيق العيش وكساد السلع وغلاء الأسعار.

ما المطلوب حتى يُرفع هذا الفساد؟ ((لعلهم يرجعون)) أي إلى شريعة الله كاملة.

وقال تعالى: ((وضرب الله قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الخوف والجوع بما كانوا يصنعون)). وتغييب شريعة الله من الكفر بأنعمه...يتقلب العبد في نعم الله ثم لا ينصاع لأمره. هذا هو سبب الخوف والجوع.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه ابن ماجة والحاكم والبزار والمنذري:
((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا.

ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم
ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا
ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم
وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم))

انظر إلى الحال الموصوفة في هذا الحديث: كلها أشكال من تعطيل الشريعة: ظهور الفاحشة من نتائج تعطيل حد الزنا والسماح بما يسمى الحريات الشخصية، منع الزكاة لأن الدولة ليست إسلامية تفرض الزكاة على من تجب عليه، نقض عهد الله وعهد رسوله أوضح أشكاله ترك تطبيق الشريعة بشموليتها، ثم نص النبي على الحكم نصا فقال (وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله)...هذه المقدمات كلها هي أشكال من تعطيل الشريعة. ما نتائجها؟: الأمراض، جور السلطان (يعني الدكتاتورية)، منع المطر، احتلال البلاد وضياع الثروات، أن يكون بأس المسلمين بينهم، يعني الخوف والحروب وقطع الطرق وضياع الأمن.

هذه كلها نتائج تعطيل الشريعة...ما نعانيه اليوم هو من تعطيل الشريعة. وهؤلاء يقولون: أبق الشريعة معطلة إلى أن نتخلص من الفقر والفساد وانعدام الأمن! يريدون مداواة المرض بسببه!

في حديث ((إذا تبايعتم بالعينة)) الذي نعرفه كلنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم))...هذا هو الحل: أن نرجع إلى ديننا، أن نرجع إلى شريعتنا، وإلا سنبقى ندور في حلقة مفرغة، نريد علاج مشاكلنا بما يزيد هذه المشاكل! كالمستجير من الرمضاء بالنار.

ما الحل؟ الحل في إقامة شريعة الله. قال الله تعالى: (( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ( 96 ) )) (الأعراف). وقال تعالى:
(( ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ( 64 ) ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون ( 66 ) )) (المائدة).

فإذا كنا نريد القضاء على الفقر والبطالة والفساد والخوف والفوضى فليس لنا إلا شريعة الله تعالى، وإلا فالسراب والركض وراء الجزرة المربوطة بالعصا!

الخلاصة: لن تحل مشاكل المجتمع قبل تطبيق الشريعة.

وإلى لفتة أخرى في الحلقة القادمة بإذن الله.
http://www.youtube.com/watch?v=qJFbKl6RjLU&list=PL44059A4A92B22D67&index=1
=========================================
يتبع

عزيز بالاسلام
03-18-2013, 12:34 PM
لا تغضوا من قيمة الشريعة

ثم هذا الطرح: أن (دعونا نعالج مشاكل المجتمع ثم نطبق الشريعة)، فيه غض من قيمة دين الله تعالى! فإن كانت القوانين الوضعية والحلول البشرية المناقضة للشريعة...

إن كانت تصلح حياة الناس وتقضي على مشاكله، فما فائدة الشريعة إذن؟
هل يقصد بهذا الطرح أن علينا أن نصلح دنيانا بالقوانين الوضعية ثم نصلح آخرتنا بتطبيق الشريعة؟
وهل جاءت الشريعة إلا لصلاح الدنيا والآخرة؟ أليس مُنزل الشريعة سبحانه وتعالى هو الأعلم بما يحتاجه عباده في دنياهم؟ ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)).

ألم ينزل الله الشريعة رفقا بالناس ومراعاة لضعفهم ولعلمه تعالى بأنهم لا يستطيعون ان يسوسوا حياتهم دون هديه؟ قال تعالى بعدما فصل احكاما من الشريعة في سورة النساء: ((( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ( 26 ) والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما ( 27 ) يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ( 28 ) ))

- الله تعالى ينقذ عباده بالشريعة من قوانين وأهواء الذين يتبعون الشهوات فيقودون الناس إلى جحيم الدنيا قبل جحيم الآخرة. ويميلونهم عن صراط الهدى والبركة واليسر والخير ميلا عظيما. ثم قال تعالى: ((يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا ( 28 ) )) أنزل الشريعة لعلمه بأن الإنسان ضعيف. فأراد تعالى أن ينقذه من عنت ومشقة القوانين الوضعية والأحكام البشرية.

قال تعالى:
- ((( واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون ( 7 ) ))

هذا الخطاب موجه إلى الصحابة، أنقى الناس قلوبا وأرجحهم عقلا وأقلهم هوى. ومع ذلك يقول الله لهم أنه لو ترك نبيه يطيعهم في اختياراتهم لعنتوا، أي لأصابتهم المشقة في الدنيا. فما بالك بقوانين وضعية صاغها أناس لا نقاء قلب ولا تقوى لا يصوغون إلا عن هوى ومصالح شخصية. أنريد إصلاح أوضاع المجتمع بقوانين هؤلاء؟!
ثم قال تعالى: ((ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم))، ما هو الإيمان؟ دين الله، شريعة الله.

الخلاصة: القول بعلاج مشاكل المجتمع قبل تطبيق الشريعة فيه غض من قيمة الشريعة.
نقولات: اذا كان القصد –كما يقول أصحاب هذا الاتجاه-اعداد المجتمع الاسلامي وتهيئته ليكون مجتمعا صالحا في جميع نواحيه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية ....
قبل تطبيق الشريعة فلا شك أنه على الفرض الوهمي لو تحقق ذلك بدون تطبيقها فما مبرر تطبيقها اذن-فيما بعد- في نظر هؤلاء؟ (د. مفرح قوصي)

http://www.youtube.com/watch?v=AOnUeNprJYQ&list=PL44059A4A92B22D67
================================================== =======================
يتبع

عزيز بالاسلام
03-18-2013, 12:46 PM
المعنى الخطير للتدرج في تطبيق الشريعة

(نريد أن نحكم بغير ما أنزل الله لفترة من الزمن). هل هذه عبارة يقولها مسلم؟ هذه العبارة لا تختلف أبدا عن عبارة "نريد أن نتدرج في تطبيق الشريعة"، لأن هذا التدرج يعني: (نريد ألا نحكم بما أنزل الله في عدد من المسائل لفترة من الزمن)، وهي لا تختلف أبدا عن عبارة (نريد أن نحكم بغير ما أنزل الله لفترة).

فالذي سيصل إلى سدة الحكم لن يصل إلى فراغ. لو كان يصل إلى فراغ ليس فيه أنظمة ولا قوانين ولا أحكام لتصورنا أنه سيُطبق بداية 10% شريعة ثم 20% شريعة وهكذا إلى أن يصل إلى 100% شريعة، ودون أن يطبق قوانين وضعية خلال هذه الفترة. ولكان يمكن أن يقال هو يتدرج في تحكيم الشريعة ولا يَحكم بغيرها.

لكن الذي يصل إلى سدة الحكم سيصل إلى منظومة كاملة من القوانين الوضعية المحكَّمة في النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والجنائي، وهذه القوانين الوضعية مخالفة لشريعة الله تعالى.

فالذي يقول "أريد أن أتدرج في تطبيق الشريعة" كلامه يعني أنه سيحكم بداية بقوانين موافقة للشريعة بنسبة 50% مثلا بينما سيحكم بالقوانين الوضعية بنسبة 50%. هل لكلامه معنى آخر؟ أين يذهب حينئذ من قوله تعالى ((ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون))؟ ((فأولئك هم الظالمون))؟ ((فأولئك هم الفاسقون))؟

لن أدخل هنا في حكم من يحكم بغير ما أنزل الله ولن أناقش الاستحلال الفعلي والقولي ومسألة كفر دون كفر والفرق بين القضاء في المسألة مع الاعتراف بمرجعية الشريعة وتبديل الشرائع.

بغض النظر عن ذلك كله، ألسنا نتفق على أن الحكم بغير ما أنزل الله حرام على الأقل، وبكل أشكاله؟ هل يقبل الإسلاميون أن يقولوا هذه العبارة؟ "نريد أن نحكم بغير ما أنزل الله لفترة من الزمن"؟
هل هناك آية تثني عليهم حينئذ؟ هل هناك آية تقول: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم المحسنون أو المعذورون؟

هل الحكم بغير ما أنزل الله كان حراما على حسني مبارك ثم أصبح حلالا للإسلاميين لأن قصدهم شريف؟ ولأن نواياهم طيبة؟ ولأنهم في المقابل يحكمون بشيء مما أنزل الله؟

أليس منهم من كان ينادي بأن من حكم بغير ما أنزل الله فهو طاغوت جعل نفسه مشرعا ليتخذه الناس أربابا من دون الله؟
إن حكم الإسلاميون بغير ما أنزل الله مرحليا بنسبة مئوية معينة فما الذي يعفيهم من هذه الأوصاف؟ هل النية الطيبة وبعض الشريعة الذي يحكمون به كاف في أن يعفيهم؟

- إذن إخواني عندما نسمع هذه العبارة "نريد أن نتدرج في تطبيق الشريعة" دعونا نفهم معناها ولوازمها. لا تختلف أبدا عن عبارة (نريد أن نحكم بغير ما أنزل الله لفترة من الزمن نقدرها نحن بناء على المعطيات).

الخلاصة: القول بالتدرج في تطبيق الشريعة معناه الحكم بغير ما أنزل الله
http://www.youtube.com/watch?v=Ad2t3WEfGTQ&list=PL44059A4A92B22D67

عزيز بالاسلام
03-18-2013, 12:50 PM
قبل متابعة السلسلة أود أن أوضح مقصودي بالتدرج في تطبيق الشريعة حتى لا يحصل لبس. فبعد الحلقات الثلاثة الأولى جاءتني استفسارات واعتراضات يتلخص كثير منها في:

الاستدلال بشواهد صحيحة من الشريعة والسيرة على التدرج غير الشرعي المطروح هذه الأيام.
فالإخوة المعترضون يسمون هذه الشواهد تدرجا ويستدلون بها على صحة التدرج المطروح. وكأنني برفضي للتدرج أخالف هذه الشواهد التي يأتون بها.

بتفصيل أكثر:
مجمل ما يورده الإخوة من شواهد ويعتبرونه دليلا على التدرج إما أنه في الواقع دليل على ترتيب للأولويات في عرض الشريعة وبيانها للناس، أو دليل على وقف لحكم شرعي معين عملا بالشريعة، لأن شروط هذا الحكم الشرعية لم تتحقق فوجب العمل بحكم آخر.

أما ترتيب الأولويات في عرض الشريعة وبيانها فكاستدلالهم بحديث إرسال النبي معاذا إلى اليمن وتوجيهه أن يدعو الناس إلى الشهادتين أولا ثم الصلاة ثم الزكاة.

وأما وقف الحكم الشرعي عملا بالشريعة، فكوقف حد السرقة في حق السارق الجائع الفقير، أو كإسقاط بعض أشكال إنكار المنكر عن الحكومة الإسلامية لعجزها عنه وعدم قدرتها.

إخواننا يسمون ذلك تدرجا ثم يستدلون به على صحة التدرج المطروح في الساحة الإسلامية. ثم يقولون لي ما مفاده: إن كنت تنكر التدرج المطروح فأنت:

1) تنكر مراعاة ترتيب الأولويات في عرض الشريعة
2) تنكر وقف العمل بأحكام إسلامية عند عدم وجود شروطها
3) تنكر سقوط وجوب أحكام على الدولة لعدم قدرتها على تنفيذها

فتوضيحا لإخواني أود أن أبين أني لا أنكر أيا من هذه الأمور الثلاثة بل سأبين مشروعيتها في الحلقات القادمة بإذن الله. أنا لا أقول أن على الدولة الإسلامية الناشئة أن تبني المجتمع بناء إسلاميا في اليوم الأول وتقضي على المنكرات كلها بجرة قلم وتدخل في صراع على كل الجبهات دفعة واحدة.

لكنني في الوقت ذاته أقول: كل ما يطرحه إخواني ليس دليلا على التدرج غير الشرعي المطروح.
لأن التدرج المطروح والذي ننتقده ونقول بعدم مشروعيته في هذه السلسلة قد تحقق فيه واحد أو أكثر من المشاكل التالية:

1)لا تعلن فيه السيادة للشريعة بحيث تعتبر المرجعية العليا الحاكمة على القوانين من البداية أو

2)يُستأذن فيه مجلس الشعب في تطبيق الشريعة أو

3) تُقر فيه مرحليا قوانين وضعية مخالفة لأحكام الشريعة أو

4) تنفذ فيه قوانين مخالفة لأحكام الشريعة موروثة من الحكم غير الإسلامي أو

5) يقال فيه بالتدرج في التشريع وكأن الشريعة تتنزل من عند الله تعالى من جديد أو

6) يربط فيه تطبيق الشريعة بحل مشاكل الناس الاقتصادية أو الأمنية أولاً أو

7) يقال فيه أن علينا ترسيخ العقيدة والأخلاق الإسلامية لدي الناس قبل تطبيق الشريعة أو

8) يُربط فيه تطبيق الشريعة برضا القوى الداخلية أو الخارجية المعارضة للشريعة أو

9) يقدم فيه الإسلاميون في سبيل الوصول إلى الحكم تنازلات ستبقى آثارها وتمنعهم من تطبيق الشريعة إن وصلوا إلى الحكم

هذه هي المشاكل في التدرج المطروح.
وسنفرد حلقة خاصة لبيان عدم مشروعية كل منها بإذن الله.
تبقى هنا نقطة:

موضوعنا هذا ضخم ومتشعب للغاية. فلا بد من تفكيكه لعناصر صغيرة للرد على الشبهات واحدة تلو الأخرى ومن ثم بيان الحل الشرعي الذي على الأمة أن تنتهجه. وأنا الآن أسير بخطة معينة لذلك. فأتمنى على إخواني الذين يوردون الاعتراضات أن يناقشوا الجزئية التي أطرحها تحديدا بدلا من أن يستعجلوا الأمور بإيراد شبهة جديدة. فمثلا، في الحلقة الأولى بينت أنه لا يمكن حل مشاكل المجتمع قبل تطبيق الشريعة. هل هناك خلاف على ذلك؟ أتوقع ممن سيناقشني أن يناقش هذه النقطة بالذات، بأن يقول لي –مثلا-: (ما أوردته من أدلة لا يشهد لصحة استنتاجك، بل هناك ما يدل على أنه يمكن حلها قبل تطبيق الشريعة). لكن إخواني يتركون هذه النقطة ويقولون: (لكن عمر رضي الله عنه عطل حد السرقة عام المجاعة). إخواني هذه شبهة أخرى تماما سيأتي دورها إن شاء الله. إن ناقشتها مع المعترض على شكل رد مجتزأ فلن نوفي الموضوع حقه وسيختل الترتيب ويخرج القطار عن السكة!

كذلك في الحلقة الثانية بينت أن القول بحل المشاكل قبل تطبيق الشريعة فيه غض من قيمة الشريعة. هل طرحي هذا كان خاطئا؟ دعونا نناقش هذه الجزئية.

في الحلقة الثالثة بينت أن الذي يصل إلى الحكم لن يصل إلى فراغ بل سيحتاج إلى إنفاذ أحكام اجتماعية واقتصادية وسياسية وجنائية. فإن حكم بأحكام موافقة للشريعة في بعض ذلك فهو في المقابل سيحكم بغير ما أنزل الله في البعض الآخر. أتوقع من المعترض أن يناقش هذه الجزئية بالذات.

إخواني بغير ذلك لن نصل إلى عرض مرتب متكامل مؤسس على أسس صحيحة. وللمستعجلين جدا أقول: كنت قديما قد خطبت في سلسلة بعنوان (فقه التنازلات)، والسلسلة موجودة على موقع الفرقان. فللأخ المتعجل أن يرجع إليها وإن كانت لا تغطي جميع ما أود عرضه، لكنها قد تطمئنه إلى أن هناك جوابا لما يورد من شبهات.

إخواني الموضوع متعلق بأزمة الأمة وسبيل خلاصها وتحقيق عبوديتها لله بإخضاع الحياة لشرعه...المسألة متعلقة بسعادة الدارين. فتستحق منا بذل الجهد وطول النفس بارك الله فيكم.

فخطتنا المرحلية للحلقات القادمة بإذن الله أن نوضح أولا أن ما يطرحه إخواننا المدافعون عن التدرج هو في الحقيقة دليل على ترتيب للأولويات في بيان الشريعة أو سقوط أحكام شرعية معينة وعمل بأحكام شرعية أخرى من الشريعة، وليست أدلة على التدرج الذي يدافعون عنه. ثم نبين نقاط الخلل في التدرج المطروح نقطة بقطة بإذن الله.

والسلام عليكم ورحمة الله.

عزيز بالاسلام
03-18-2013, 12:56 PM
الحلقة الخامسة: تقديم الأولويات في بيان الشريعة

يحتج إخواننا المدافعون عن التدرج في تطبيق الشريعة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((إنك ستأتي قوما من أهل الكتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)). الحديث صحيح رواه البخاري.

لكن إخواني أين الدلالة فيه على التدرج المطروح في تطبيق الشريعة؟
هذا الحديث إنما يعلمنا مراعاة الأولويات في بيان الشريعة للناس. فالشهادتان أصل الإسلام وأساسه، فليس من الحكمة مخاطبة الناس بالصلاة وهم لم يقروا بالشهادتين. ثم الصلاة أهم الأركان وهكذا.
- لكن هل قال النبي لمعاذ: لا تعلن سيادة الشريعة على أهل اليمن لأن فئات منهم سترفض هذا الإعلان؟

- هل قال له: إلى أن يتعلم أهل اليمن الصلاة ويؤدوا الزكاة أبق قوانينهم المخالفة للشريعة على ما هي عليه واحكم بينهم بما تعارفوا عليه من هذه القوانين؟

- هل قال النبي لمعاذ: إن لم يطيعوك ولم يصلوا فتدرج معهم وفق جدول زمني مرسوم وأكد لهم أنك لن تفرض عليهم الشريعة فرضا بل ستستشيرهم في ما يأذنون بتطبيقه من الشريعة؟

- هل قال له: أعطيك الصلاحية بتقدير الوقت المناسب لإلغاء القوانين المعمول بها في اليمن وإحلال قوانين الشريعة بدلا منها؟

- هل قال له: بما أن القرآن لم يحرم الخمر دفعة واحدة فأنت كذلك لا تمنعها عن أهل اليمن دفعة واحدة؟
- هل قال له: إذا وجدت فقرا وقلة أمن في اليمن فوفر الطعام للمحتاجين وفرص العمل للعاطلين عن العمل وأثبت جدارتك الاقتصادية قبل تطبيق الشريعة؟

- هل قال النبي لمعاذ: ركز في البداية على الجانب العقدي والأخلاقي ولا تطبق الحدود لأن أهل اليمن قد يستثقلونها؟ فإن سرق سارق أو زنى زان فاحكم بينهم بأحكامهم التي تعارفوا عليها؟

- هل قال النبي لمعاذ: احرص على رضا أهل اليمن ولو على حساب الشريعة وأكد لهم أنك تحترم رأي أغلبيتهم لئلا ينقضوا عليك أو يتعاونوا مع الفرس والروم ضدك؟

هل قال له: طمئن أهل اليمن بأن الرافضين منهم للشريعة سيكونون فئة محترمة مصونة سيتم إشراكها في بناء المجتمع اليمني الجديد واتخاذ القرارات؟

هل هناك رواية من روايات الحديث لا نعرفها قال فيها النبي شيئا من ذلك؟ وهل يُتصور أن يأمر النبي معاذا بشيء من هذا؟

- ثم إن الحديث لم يذكر الصيام. فلو أن النبي أرسل معاذا في رمضان فهل يعني كلامه لمعاذ ألا يطالِب أهل اليمن بالصيام ذلك العام من قبيل التدرج؟ وهل لو طالبهم لأثم على اعتبار أنه خالف أمر النبي بالتدرج على حد تعبيرهم؟

- هل لو أُرسل معاذ قبيل شهر رمضان فإنه متروك له الحرية في تقدير أن يفرض عليهم صيام رمضان من ذلك العام أم لا لأنه المخول بتحديد سرعة التدرج؟

-ثم إن شرائع الإسلام كثيرة جدا، والنبي لم يذكر منها إلا الشهادتين والصلاة والزكاة. فماذا عن باقي الأوامر والاحكام؟ هل يُعقل أن النبي ترك لمعاذ تقدير الوقت المناسب لفرض الصيام والحج ونصرة المظلوم ومنع الربى والخمر والسرقة والتبرج والاحتكار والرشوة؟

ثم إن المنادين بالتدرج يقولون أنه ينبغي التركيز على الجانب العقدي بداية قبل تطبيق الأحكام والجوانب التشريعية من الشريعة، والنبي لم يذكر من الجانب العقدي إلا الشهادتين. فلو كان ما ذكره على سبيل الحصر، فإنه يعني أنه كان على معاذ أن يأمر أهل اليمن بالصلاة والزكاة قبل الإيمان باليوم الآخر والكتب والملائكة والقدر. فهل يعقل هذا؟

-ثم هل في الحديث ما يدل على ان أهل اليمن لو لم يجيبوا معاذا إلى الإقرار بالشهادتين فإن النبي كان سيقرهم على ذلك ويدعهم؟

إذن إخواني الحديث لا علاقة له بالتدرج المطروح. والمسألة واضحة بشيء من التدبر. وردت أحاديث كثيرة يأمر فيها النبي أقواما أسلموا بأمور وينهاهم عن أمور. ونلاحظ أنه نوع في أوامره ونواهيه. فمثلا عندما وفد عليه وفد عبد القيس أمرهم بِأَرْبَعٍ وَنَهاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: أَمَرَهُمْ بِالإِيمانِ بِاللهِ وَحْدَهُ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الإِيمانُ بِاللهِ وَحْدَهُ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهادَةُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقامُ الصَّلاةِ وَإِيتاءُ الزَّكاةِ وَصِيامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمغنَمِ الْخُمُسَ. وَنَهاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنِ الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالمُزَفَّتِ (وهي أوعية كان النبيذ يصنع فيها). والحديث متفق عليه.

فهنا ذكر النبي الصيام وإعطاء الخمس من المغنم ونهى عما يُصنع فيه الخمر بخلاف ما فعل مع معاذ. فهل هذا يدل على أنه تدرج بالتشريع أو التطبيق لوفد عبد القيس تدرجا مختلفا عما تدرجه مع أهل اليمن؟ المسألة لا علاقة لها بالتدرج. وهذه الأوامر والنواهي ليست على سبيل الحصر.

الحديث إنما يعلمنا أنك إذا أتيت أناسا يجهلون شرائع الإسلام فإنك ترتب الأولويات في عرض هذه الشرائع عليهم، حتى لا تزدحم عليهم هذه الشرائع فلا يستطيعوا تعلمها والعمل بها. فالصلاة أمر آني فوري يحتاجه أهل اليمن فلا بد لهم من تعلمه، أما الصيام فيمكن تأخير تعليمه وتعليم نواقضه إلى قبيل رمضان، وكذلك الحج فإنه واجب على التراخي مرة في العمر. ومن قواعد الأصوليين أنه يجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة إليه.

كذلك نفهم من الحديث مسألة مهمة جدا، وهي أن أهل اليمن بمجرد أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإنهم قد أعلنوا العبودية المطلقة لله وأقروا وخضعوا لسيادة الشريعة. فلا يؤمرون بأمر إلا ويمتثلون له لأنه أمر الله، ولا تستجد قضية بعد ذلك إلا ويحكم فيها معاذ بحكم الله. فأين هذا من التدرج الذي ينادي به البعض؟ إنما هو ترتيب في بيان وتعليم فرائض الإسلام، لا تدرج في العبودية لله والخضوع لأحكامه، فمن لحظة إعلان العبودية والخضوع المطلق بالشهادتين فقد طبقت الشريعة.

فإن لم يحج أحد من أهل اليمن بعد ذلك الإعلان لأن موسم الحج لم يأت بعدُ، وإن لم يزنِ أحد منهم فيقام عليه الحد، فهل نقول أن الشريعة لم تطبق بشكل كامل بعد؟ لا طبعا بل هي مطبقة تطبيقا كاملا. أين هذا من المناداة بإبقاء القوانين الوضعية على ما هي عليه والاحتكام إليها إلى حين أسلمتها من خلال العملية الديمقراطية؟!

ثم إخواني عبر تاريخ الفتوحات الإسلامية في عهد النبي والخلفاء الراشدين ومن بعدهم، هل ورد أنه حصل تدرج في تطبيق الإسلام بحيث يُسمح لمن دخل في الإسلام أن يشرب الخمر أو يزني سنة مثلاً ثم بعد ذلك يُمنع؟! بل كانت الأحكام تطبق كلها. وهذا متواتر مستفيض في تطبيق الأحكام على البلاد المفتوحة. هل عند أحد مثال من التاريخ لا نعرفه؟ فليأتنا به.


بقيت فائدة عظيمة في الحديث أود الحديث عنها. لكن حتى لا أطيل عليكم سنناقشها في الحلقة القادمة بإذن الله.
خلاصة الحلقة:
حديث معاذ دليل على ترتيب الأولويات في بيان شرائع الإسلام لأناس خضعوا لأحكام الله واستعدوا لتنفيذها، وليس دليلا على التدرج في تطبيق الشريعة.

عزيز بالاسلام
03-18-2013, 12:58 PM
الحلقة السادسة : لماذا قضيتنا رابحة؟

في الحلقة الماضية ذكرنا فوائد من حديث معاذ رضي الله عنه. واليوم نحن مع فائدة مهمة جدا.
المتابع لهذه الحلقات عندما يسمع أننا نطالب الإسلاميين بعدم تقديم التنازلات عن شيء من الشريعة قد يظن أننا نطالبهم بأن يخرجوا على الناس ويقولوا لهم:

"نحن إذا حكمناكم فسنفرض الحجاب على النساء ونمنع الخمر ونقطع يد السارق ونجلد الزاني".

في الواقع نحن نحذر إخواننا أصحاب المشروع الإسلامي من أن يُجَروا إلى نقاش الفرعيات بدلا من الأصوليات...من أن يُجروا إلى نقاش الأحكام بدلا من بيان العقيدة. نحن كأصحاب مشروع إسلامي لسنا مكلفين الآن أن نرد على توجسات الناس حتى نقنعهم باختيار الشريعة. قضيتنا الكبرى الآن هي أن نبين للناس أنهم عباد لله وحده...لا تحرر لهم إلا إذا عبدوا الله وحده.

وهذه العبودية لا تتحقق إلا بتطبيق الشريعة بمفهومها الشامل.

قضيتنا الكبرى هي أن نبين للناس أنه لا يصح إسلامهم إلا إذا خضعوا لشريعة الله، وأن قبول الاحتكام إلى غير الله شرك أكبر.

نحن إذا أغرقنا في الحديث عن تفاصيل الشريعة وفي الدفاع أمام العلمانيين عن نظام العقوبات الإسلامي...إذا استطردنا في الحديث عن الحلول التي تقدمها الشريعة لمشاكل الناس الاقتصادية والاجتماعية... فإننا نضيع قضية العبودية هذه...لأننا سنبدو حينئذ كتاجر يروج سلعته ويحاول إقناع الزبائن بميزاتها أو الدفاع عن عيوبها...كأننا نكرس لدى الناس مفهوم أن الشريعة خيار من الخيارات المطروحة يمكن مقارنته بالخيارات الأخرى بناء على ميزاتها الدنيوية... بينما علينا في الواقع أن نقول للناس: ألستم مؤمنين بالله؟ فليس لكم حينئذ إلا قوله تعالى:
((وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم))...فأيتها الشعوب... الشريعة لا غنى عنها ولا خيار غيرها!

نحن لا نبيع سلعة لنجد أنفسنا مضطرين أن نبين لزبائننا ما فيها حتى يشتروها على نور ولا يقولوا لاحقا أننا خدعناهم! نحن بالمناداة بالشريعة نطالب الشعوب الإسلامية أن تلتزم بتبعات (لا إله إلا الله) التي نطقت بها، والتي تعني الرضا بالله ربا ومشرعا وحاكما...((فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما))...نحن لسنا في مأزق حتى ندافع عن طرحنا، بل الذي يدعي الإسلام ثم يرفض الشريعة هو الذي في مأزق الازدواجية والنفاق والتناقض.

هذه الفائدة من حديث معاذ نفهمها من أنه عليه الصلاة والسلام لم يوجه معاذا أن يعرض تكاليف الشريعة كاملة على أهل اليمن ليدرسوها كخيار ويقارنوها بالخيارات الأخرى ثم يقبلوها او يرفضوها. إن شهدوا الشهادتين فليس من ثَم إلا الخضوع والتنفيذ.

إذن إخواني: نقطة مهمة جدا...لا ينبغي استخدام الحلول التي تقدمها الشريعة للمشاكل، والرفاهية التي تحققها للمجتمعات كميزة تسويقية للشريعة. هذه إنما هي بركات وهدايا تأتي تبعا...ميزة الشريعة أنها دين الله...((الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء)) هل العلمانيون يخلقون أو يرزقون أو يميتون أو يحيون؟ هل البرلمانات تفعل من ذلك شيئا؟ فكيف يشرعون؟

((الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون)).

ثم هنا مسألة مهمة جدا... نحن إن نادينا بتطبيق الشريعة على اعتبار أنها تحل مشاكل المجتمع وتحقق الرفاه الدنيوي، إذا استجاب الناس لدعوتنا هذه وقبلوا بتطبيق الشريعة... هل نكون قد حققنا المقصود حقيقة؟ أبدا! فالمقصود من تطبيقها هو العبودية لله تعالى. فإن اختارتها الشعوب لميزاتها الدنيوية فإنها لا تحقق معنى العبودية. ثم إن اختيار تطبيق الشريعة بصدق في بلد ما يتوقع أن يعقبه فترة من التضحيات أمام أعدائها في العالم، وهي فترة كفيلة بأن تجعل من اختار الشريعة للدنيا ينكص على عقبيه.

إخواني هذا دين الله! أجلُّ من أن يعرض على الرف مع غيره ويعدَّل فيه ليوافق أهواء الزبائن!
في هذه السلسلة سأبين –بإذن الله- أنه ليس هناك شيء من الشريعة نستحيي منه. بل والله كل جانب منها بحد ذاته مفخرة نرفع بها رؤوسنا. وبإذن الله سأبين جمال نظام العقوبات الإسلامي ورحمته! نظام العقوبات! نعم نظام العقوبات. لكن علينا أن نعلم أن هذا كله ليس ما نُقنع به الشعوب. لا يجوز أن نعرض هذه المفاضلة على أنها ميزتنا التسويقية! نقارن شريعة الله بحثالات أفكار واضعي القوانين الوضعية الوضيعة؟!

ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا!
إنما ميزة الشريعة أنها دين الله...((أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا)).

طيب إذا سأل المماحك حول نظام العقوبات مثلا: ماذا تفعلون بمن يخالف الشريعة؟ يقال له: ولماذا يخالفها؟ من يسأل سؤالا كهذا فهو دلالة أنه يبطن سوءا، لأنه يريد مخالفة أحكام الله. فلماذا يخالفها؟ إخواني، الذين كانوا يبايعون النبي على الإسلام ما كانوا يسألونه (ماذا ستفعل بنا إن خالفنا أوامر الشريعة، بين لنا قبل أن نبايعك) لأنهم يعلمون أن هذا سؤال لا يُسأل بل هو يدل على عدم الجدية في المبايعة.

ونحن يُراد لنا من مناوئي الشريعة أن نُغرق في الردود على الشبهات المثارة عن الشريعة ونلتهي عن طرح ميزتها العظمى...ألا وهي أنها شريعة الله، خالق الإنسان والأعلم بما يَصلح له ويُصلحه. هذه هي الميزة التي تجعل قضيتنا هي الوحيدة الرابحة والتي ينبغي أن نركز عليها.

إذن عند الحديث عن الشريعة كنظام يجب أن تحتكم إليه الشعوب الإسلامية علينا أن ننتبه إلى عدم الانشغال بالدفاع عن جزئيات الشريعة أمام الشبهات.
قد تقول: لكن المعارضين للشريعة سيتهموننا حينئذ بأننا نخبئ أجندة سرية...أيها الإخوة!
المعارضون للشريعة لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم. إن رفضنا الانشغال با لردود وركزنا على

العبودية فسيقولون: أجندة سرية، والذي يرد على الشبهات يجادلونه فيها جدالا يضيع قضية العبودية، والذي يعدهم باحترام رغباتهم حال استلام الحكم سيقولون أنه يبطن غدرا فيدعي احترام قواعد اللعبة الديمقراطية لكنه سينقلب عليها إذا مُكن. ولن يرضوا عن أحد حتى يتبع ملتهم. فلنلزم الحق لنكسب معية الله.

خلاصة الحلقة : الشريعة ليست خيارا يقارَن بالأنظمة الوضعية، وميزتها هي أنها دين الله، خالقنا ورازقنا ومميتنا ومحيينا.

من النقولات: (ان تطبيق الشريعة الإلهية لا يراد منه اصلاح المجتمع الانساني فحسب بل هوتنفيذ أمر الله وتحقيق العبودية له فالمسلم لا ينظر الى تطبيق الشريعة على أنه مجرد احلال نظام جديد صالح محل نظام ثبت عدم صلاحيته بل ينظر اليه-أيضا-نظرة ايمانية وهي : أنه أمر من الله تعالى واجب التنفيذ لا يصح التوقف فيه لأي مبرر كان سواء كان المجتمع مهيئا أو غير مهيئ كما أن الأخذ به وتطبيقه من لوازم الايمان بالله تعالى ومن لوازم الاقرار بحاكميته على عباده والانقياد له فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه) (د. مفرح القوصي).

عزيز بالاسلام
03-18-2013, 01:01 PM
شبهة تعطيل حد السرقة عام المجاعة

السلام عليكم ورحمة الله. إخوتي متابعي سلسلة (نصرة للشريعة)، دعونا نرتب أفكارنا. في الحلقة الرابعة بعنوان (عن أي تدرج نتكلم) وهي حلقة مهمة أرجو متابعتها مرة أخرى، ذكرت أن مجمل ما يورده المدافعون عن التدرج في تطبيق الشريعة هو أحد اثنين:

-إما أنه في الواقع دليل على ترتيب للأولويات في عرض الشريعة وبيانها للناس، لا على التدرج، وقد بينت ذلك في الحلقتين السابقتين.

- أو أنه دليل على وقف لحكم شرعي معين عملا بالشريعة، لأن شروط هذا الحكم الشرعية لم تتحقق فوجب العمل بحكم آخر.

هذا ما سنبدأ بنقاشه في هذه الحلقة.

إخواني، أكثر اعتراض وردني إلى الآن على هذه السلسلة هو أن عمر رضي الله عنه أوقف حد السرقة عام المجاعة. كيف يفهم الإخوة هذه المسألة؟ أن عمر عندما رأى الناس قد أصابهم الفقر والجوع فسرقوا لينقذوا حياتهم حكَّم عقله ونحى جزءا من الشريعة جانبا لأنه رأى أن الظرف لا يسمح بتطبيق هذه الجزئية من الشريعة.

طبعا هذا الفهم خاطئ جداً!
بداية، أود أن أنبه إلى أن هذا الأثر في أن عمر أوقف حد السرقة في عام المجاعة لم يثبت عنه أصلا. فقد رواه ابن أبي شيبة في مصنفه بإسناد فيه مجهولان كما قال الألباني في (إرواء الغليل).
وعلى كل، فهذا لا يؤثر في مسألتنا لأنه لو حصل فعلا أن الناس سرقوا عام المجاعة مضطرين فإن عمر ولا بد لم يكن لينفذ فيهم حد السرقة. لماذا؟ لأن الشريعة تأمره بألا ينفذ حد السرقة في هذه الحالة.

فلا بد من توافر شروط دلت عليها الأدلة الصحيحة لتطبيق حد السرقة:
أن يكون أخذ الشيء على وجه الخِفْيَةِ، وأن يكون المسروق مالا محترماً لا عينا محرمة، وأن يبلغ المسروق النصاب وأن يأخُذَ السارق ما سرقه من حرزه الذي يحفظ فيه عادة وثُبُوتِ السرقة بشهادة عَدْلَيْنِ أو بإقرار السارق على نفسه مرتين وأن يطالب المسروق منه بماله وألا يكون للسارق شبهة في المال.

إذا لم تتوفر هذه الشروط فلا يجوز للحاكم شرعا أن يقطع يد السارق.
- إذن قلنا من الشروط أن يبلغ الشيء المسروق النصاب، وهو ربع دينارِ ذهب. دينار الذهب 4.25 غرام ذهب. فربع الدينار حوالي غرام ذهب، يعني أكثر من 300 جنيه، أو أكثر من 50 دولار أمريكي هذه الأيام. فالذي يسرق ليأكل لن يحتاج أن يسرق هذا المبلغ أو طعاما بهذه القيمة.

والشريعة لا تأمر بالقطع على سرقة ربطة خبز أو دجاجة أو ما يُسد به الجوع.

دعونا نفترض أنه في عام المجاعة غلت الأطعمة جدا وسرق الفقير مضطرا ما يبلغ النصاب، سرق طعاما أو ثمن طعام يبلغ غرام الذهب. هنا الشريعة تمنع من إقامة الحد على هذا السارق لأن من شروط الحد ألا يكون للسارق شبهة في المال. والسارق مضطر فهذه شبهة تمنع إقامة الحد عليه بأمر الشريعة.

إذن إخواني المسألة ببساطة أن الشريعة هي التي منعت عمر رضي الله عنه من إقامة الحد على السارق المضطر، فليس له إلا أن يذعن للشريعة فلا يقطع في هذه الحالة. هذا حكم من داخل الشريعة، لا أن عمر عطل الشريعة وعمل برأيه. فالحد لم يجب أصلا ليسقطه عمر أو يعطله.

فعمر لم يقل سنقنن أو نطبق قانونا بشريا من خارج الشريعة هذه السنة لأن الوضع لا يسمح بتطبيق الشريعة! بل هو طبق الشريعة لا شيء غير الشريعة. فإن الله تعالى لم يجعل حد السرقة لمن سرق حتى ينقذ نفسه من الهلاك أو مشقة الجوع الشديدة. ومعلوم أن الضرورة الملجئة تبيح للإنسان ما لا يباح لغير المضطر, فالذي لا يجد ما يأكله له أن يأكل الميتة والدم ولحم الخنزير! وإن لم يعطه الغني طواعية جاز لهذا الجائع الفقير أن يسرق ما ينقذ به نفسه.

بمعنى آخر، لو أقام نظام مسلم الحد في هذه الحالة لأثم! لاحظ: لو أقام نظام مسلم الحد في هذه الحالة لأثم! لأنه لو أقام الحد فإنه عمل بخلاف الشريعة.

الآن لو قتل مسلمٌ مسلما آخر خطأ. فما حكمه في الشريعة؟ عليه الكفارة وعلى عاقلته الدية. هل يُقتل؟ طبعا لا يقتل لأنه قَتل خطأ. إذا جاء الحاكم وقتله، هل يكون مصيبا؟ لا طبعا بل يأثم ويكون قد ارتكب جريمة قتل تعاقب عليها الشريعة. فهل نقول: على الحاكم أن يعطل حكم الشريعة في الاقتصاص من القاتل؟ لا طبعا! هو لا يعطل حكم الشريعة. بل نقول أن شرط تعمد القتل لم يتحقق حتى يسمح الحاكم بالقصاص. فهذا القاتل له حكم آخر من الشريعة ذاتها. حكمه الكفارة والدية على عاقلته. وهكذا مسألتنا هذه. السارق المضطر ليس حكمه القطع في الشريعة، بل الشريعة تمنع من إقامة الحد عليه.

فالمسألة إخواني مسألة فقهية بحتة، لا إعمالٌ للعقل بدلا من الشريعة. سؤال يطرح نفسه: بيننا وبين عمر أكثر من 14 قرنا. هل قال عالم واحد من علماء الأمة عبر هذه القرون أن رواية عمر هذه دليل على جواز التدرج في تطبيق الشريعة؟ هل فهم عالم واحد هذا الفهم الذي أصبحنا نسمعه في هذه الأيام؟

هل قال عالم من سلفنا الصالح أن عمر أوقف العمل بشيء من الشريعة؟ هل قال بذلك أبو حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد أو ابن تيمية أو الغزالي أو أي واحد من علماء الأمة؟

بل انظروا كيف يعرض العلماء هذه المسألة:
قال ابن القيم في إعلام الموقعين: (فإن السَّنة إذا كانت سنة مجاعة وشدةٍ غلب على الناس الحاجة والضرورة، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد به رمقه. ويجب على صاحب المال بذل ذلك له، إما بالثمن أو مجانا، على الخلاف في ذلك; والصحيح وجوب بذله مجانا; لوجوب المواساة وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج، (إذن يجب على الغني أصلا أن يبذل المال للفقير عند المجاعة)

وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج، لا سيما وهو مأذون له في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسد رمقه (أي يجوز للفقير أن يأخذ المال او الطعام من الغني عنوة في هذه الحالة).

وعام المجاعة يكثر فيه المحاويج والمضطرون، ولا يتميز المستغني منهم والسارق لغير حاجة من غيره، فاشتبه من يجب عليه الحد بمن لا يجب عليه، فدُرئ. (أي أنه على فرض أن عمر لم يقطع يد أي سارق عام المجاعة فإن هذا لأنه كان يصعب عليه أن يعرف من يسرق مضطرا ممن يسرق غير مضطر). (ثم قال ابن القيم): نعم، إذا بان أن السارق لا حاجة به وهو مستغن عن السرقة قُطع)...لاحظ! إذن المسألة ليست إيقافا للعمل بالحد عموما.

إنما أوقف العمل به لتعذر معرفة المضطر من غيره. لكن لو بان أن شخصا بعينه غير مضطر ولا حاجة به إلى السرقة وتحققت الشروط الأخرى فإنه حينئذ يقام عليه الحد.

-إخواني، لقد جعل الله تعالى شريعته سمحة تراعي أحوال الناس. تراعي الاضطرار والإكراه والجهل الذي يُعذر الإنسان به. فالرفق بالناس إنما هو بإعمال الشريعة على ما هي عليه.

فالذي يريد أن يعطل الشريعة إشفاقا على الناس من شدتها إما أنه يجهل أحكام الشريعة ومراعاتها للاضطرار والإكراه والعذر بالجهل، وإما أنه يسيء الظن بالشريعة ويظن نفسه أرفق بالعباد من ربهم سبحانه وتعالى.

- هناك بيئات لا تصلها الأحكام الشرعية. رأينا مثلا كيف أن هناك مناطق في صعيد مصر لا يعرف الواحد أن يقرأ الفاتحة ولا يعرف اسم النبي صلى الله عليه وسلم نتيجة التجهيل الذي مارسه النظام العفن لعقود طويلة. الآن لو قام حكم إسلامي وأتى إلى هذه المناطق فرأى الناس يشربون الخمر ويتعاطون الحشيش ويتعاملون بالربا وهم يجهلون حرمة هذه الأشياء، هل يقيم عليهم حد الخمر ويعزرهم على تعاطي الحشيش والربا؟ لا طبعا! لأن الناس جهلوا حرمة هذه الأشياء جهلا لعل كثيرين منهم معذورون به لأنهم نشأوا في بيئات مجهلة فقيرة نائية عن العلم. ومن شروط العقوبة على العمل المحرم أن يعلم فاعله أنه محرم. فإنما يجب على الدولة حينئذ أن تُعلم الناس في هذه المناطق حرمة هذه المنكرات. فإن شرب أحد الخمر بعدئذ جلد لان شروط الحد مستكمَلة.

فلو تصورنا أن نظاما أتى وقطع يد السارق المضطر وجلد شارب الخمر الجاهل المعذور بجهله فإننا سنكون أول من يقف في وجه هكذا نظام ونؤلف فيه سلسلة بعنوان (نصرة للشريعة) أيضا لأنه لا يعمل بالشريعة! فإعمال حكم لم تتحقق شروطه وترك الحكم المناسب للحالة هو أيضا تعطيل للشريعة. عدم أخذ الاضطرار والإكراه والجهل بعين الاعتبار هو مخالفة للشريعة. جلد من لا ينبغي جلده وعقاب من لا يستحق العقاب هو من تعطيل الشريعة.


خلاصة الحلقة: لم يقم عمر حد السرقة عام المجاعة عملا بالشريعة، لأن شروط الحد الشرعية لم تتوفر. ولم يعطل عمر شيئا من الشريعة أو يعمل رأيه بدلا منها.

عزيز بالاسلام
03-18-2013, 01:05 PM
تطبيق الشريعة وقصة الرجال الثلاثة

السلام عليكم ورحمة الله.
إخوتي الكرام تصوروا معي ثلاثة رجال عادوا إلى بيوتهم فرآوا فيها نارا! والوضع في كل بيت من البيوت الثلاثة على النحو الآتي: الماء في الحديقة قليل، بينما من أضرموا النار يمدونها بالوقود ليزيدوا اشتعالها. الجيران لا يريدون أن يساعدوا، وصلت النار إلى غرفة الأولاد وهم محاصرون بها. الزوجة تكاد تختنق من الدخان، والنار في طريقها إلى الخزانة التي فيها تحويشة العمر.

أصيب كل رجل من الثلاثة بالذهول! فهو لا يعرف ماذا يفعل! أيبدأ بإطفاء النار؟ وأيَّة نار يطفئ بالماء القليل؟ أم هل ينشغل بقتال الذين يصبون الوقود على النار؟ أم بإسعاف زوجته؟ أم بإخراج أولاده من غرفتهم؟ أم بإنقاذ تحويشة العمر؟ أم بإقناع جيرانه القساة واسترحامهم ليهبوا لنجدته؟
هنا تصرف كل رجل من الثلاثة بطريقة مختلفة:

الأول رأى زوجته المختنقة في رمقها الأخير فأخرجها من البيت ليسعفها بملابسها البيتية والرجال حوله يشاهدونها، كما أنه ترك النار تأكل الخزانة التي فيها تحويشة العمر لأنه انشغل بإخراج أولاده المحاصرين بالنار. هل هذا الأول مسيء ؟ لا طبعا ليس مسيئا. فهو انشغل بالأهم عن المهم. فحفظ نفس زوجته مقدم على سترها، وحفظ نفوس أولاده مقدم على حفظ المال.

الثاني انشغل بإطفاء النار المتوجهة إلى خزانة ماله وترك زوجته المختنقة وأولاده المحاصرين، ثم صلى ركعتي نافلة وأطال السجود ودعا الله أن يطفئ النار بخارقة من عنده! هل هو مسيء؟ طبعا مسيء! لأنه انشغل بحفظ المال عن حفظ النفس. ومع أن الصلاة أحب القربات إلى الله، لكنها في هذه الحالة شغلته عن واجب الوقت الذي لا يجوز الانشغال عنه، ألا وهو إنقاذ زوجته وأولاده. فلا يجوز له أن يصلي في هذه الحالة.

الثالث كانت زوجته في الأصل مدخِّنة وأولاده يضيعون أوقاتهم على ألعاب الكمبيوتر وجيرانه يكرهونه لأنه لم يكن يسمح لهم بإقامة حفلات رقص وغناء وشرب في بيته. والآن، العصابة التي تصب الوقود على النار تطالبه بأن يعيرهم زوجته ليلة واحدة.

فقبل أن يدخل البيت نادى زوجته وقال لها: يا زوجتي تعاوني معي في إخراج نفسك وأعدك ألا أمنعك من التدخين، يا أولادي اسمحوا لي أن أساعدكم وأعدكم بالسماح لكم باللعب على الكمبيوتر كما تشتهون. يا جيراني، تعالوا ساعدوني في إطفاء الحريق وسأعطيكم نسخة من مفتاح البيت تفعلون فيه ما تشاؤون. أيتها العصابة الموقدة للنار توقفي وسأدرس موضوع إعارة زوجتي لكم ليلة واحدة!
ما رأيكم في تصرف هذا الرجل الثالث؟ ألا يبدو فعله هذا سخيفا مستهجنا؟!

ما المقصود بالرجل الأول والثاني والثالث؟ دعونا اليوم نبدأ بالأول.
ما نطالب به أي إسلاميين يمكن ان يحكموا بلدا من بلاد المسلمين في يوم من الأيام هو أن يكونوا كالرجل الأول. عندمايستلم إسلاميونَ الحكمَ في بلد ما يوما ما سيكون عليهم كم هائل من المسؤوليات:

مقاومة العدو الخارجي وكبت المناوئين للشريعة من العلمانيين والمنافقين والعملاء، و القضاء على الفتن والتنازعات الداخلية وبناء نظام اقتصادي إسلامي قوي وإبطال العقود المخالفة للشريعة ووقف تعاطي الربا و وتربية الجيش تربية إيمانية وتغيير قياداته الفاسدة وصناعة الأسلحة وإعداد العدة وتأسيس جهاز قضائي يحكم بالشريعة وإطعام الجياع وتوفير العلاج ومنع الاحتكار والرشوة والغش وتوفير العمل للعاطلين عن العمل والقضاء على الخمر والمخدرات والحشيش ومنع الاختلاط في أماكن التعليم والعمل وإشاعة أجواء عامة نظيفة لا تستثار فيها الغرائز وإعادة صياغة المناهج التعليمية والإعلام صياغة إسلامية صحيحة وإيقاف الجرائم وإقامة نظام العقوبات الإسلامي للمخالفين ورد المنتهبات التي انتهبتها الطبقة الفاسدة إلى المجتمع وتعليم الناس ما يلزمهم في دينهم ودنياهم وغير ذلك الكثير. هذا كله داخل في مصطلح تطبيق الشريعة.

هذا كله من تطبيق الشريعة.
هل يستطيع أي نظام إسلامي أن يفعل ذلك كله دفعة واحدة؟ وفي اليوم الأول من استلام الحكم؟ طبعا لا. إذن ما المطلوب منه؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى.

عزيز بالاسلام
03-18-2013, 01:10 PM
خلاصة الحلقة:-
----------------

إعلان تطبيق الشريعة من اللحظة الأولى هو الحق الأوحد وهو المفهوم المنضبط المحدد المقيس شرعاً والذي يحاسب عليه كل من الحاكم والمحكوم, وما عداه حكم جاهلية وباطل متشعب , ومفاهيم غير منضبطة ولا محددة وتؤدي إلى إنحراف الحاكم والمحكوم

==================================

الحلقة العاشرة:



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
إخوتى الكرام :
لازلنا في سلسلة ( نُصرةًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًََََََََََََ للشريعة ) ...

ذكرنا في الحلقة الماضية أن من يحمل مشروعاً إسلاميا ً- إن استلم الحكم - فلا مناص له
من إعلان السيادة المطلقة الكاملة المنفردة للشريعة ( ومن اللحظة الأولى ) .

وذكرنا أن هذا لا يعني بالضرورة إتيانه بالواجبات كلها , وإلغاء للمنكرات كلها دفعةً واحدة , لكن مادام القانون إسلامياً محضاً , والدولة تُطبق ما تقدر عليه , فالشريعة مطبقة , وذكرنا أمثلة عملية للنقلة الكبيرة التي يحدثها إعلان سيادة الشريعة , ثم وعدتكم بإستخلاص دروس مهمة.

تعالوا أحبتي الكرام نستعرض بعض هذه الدروس :

أولاً: -
-----
لاحظنا أن إعلان سيادة الشريعة يؤثر في كل شيئ في المجتمع , فالمجتمع يصبح مبنياً على العبودية المطلقة لله ؛
فبهذا الإعلان فإن أعمالاً كانت تُجرم في ظل القوانين الوضعية أصبحت مسموحة , وأخرى كانت مسموحة أصبحت جرائم ,

أيضاً فإن أشخاص وأملاك فقدت حصانتها , وأخرى اكتسبتها , وقضايا كانت رابحة تخسر , وأخرى كانت خاسرة تربح . اتفاقياتٌ تُلغى وأخرى تُبرم .
كل هذا بإعلان تطبيق الشريعة ومن اللحظة الأولى,
حتى وإن لم تستطع الدولة إنفاذ هذه الأحكام مرةَ واحدة فإن تسميتها وتوصيفها الشرعي يبقى ذا أثرٍ كبير .
فرقٌ كبير بين أن يعرف الفرد أنه يفعل شيئاً محضوضاً عليه وتشجعه الدولة , وبين أن يفعل شيئاً ممنوعاً يستوجب العقوبة , حتى وإن تأخرت المثوبة والعقوبة إلى حين قدرة الدولة واستطاعتها , فتوصيف الأفعال يبقى ذا أثرٍ كبيرٍ في سلوك المجتمع .

ثانياً:-
------
لاحظنا أن البديل عن إعلان سيادة الشريعة هو أن تحكم الدولة الإسلامية بالقانون الوضعي الجاهلي.
فعندما نقول: إسلاميون في الحكم ؛ فهم دولة وليس لهم أن يقفوا موقف المحايد من التصرفات والأشخاص والقضايا , فإما أن يحكموا بالإسلام , وإما أن يحكموا بالقوانين الوضعية الجاهلية .
( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون ). ولبيان ذلك أكثر برجاء مراجعة الحلقة الثالثة وهي بعنوان:
( المعنى الخطير للتدرج ).

فيا من تطالبون بعدم إعلان سيادة الشريعة من اللحظة الأولى , إعرفوا ما يؤدي إليه ذلك ؛ وهو أن تصبح الدولة الإسلامية حارسةً للقوانين الوضعية , منفذة لها ومعاقبة لمن يخالفها , ومثيبة للعاصي, ومعاقبة للمطيع . فماذا بقي لها من اسم ( اسلامية ) حينئذٍ , فهل تقبلون للدولة الإسلامية أن تفعل ذلك ولو ليومٍ واحد يا أصحاب التدرج .

وقد آلمني ما سمعته من أحد الدعاة وهو يقول لمستمعيه في المسجد :
( ما تظنوش إن الإسلاميين إذا وصلوا للحكم حيغيروا كل حاجة مرة واحدة ؛ يمكن مفيش حاجة من القوانين حتتغير أول سنتين تلاتة ,
لكن الناس حتبقى نضيفة )
وهذا كما ترون يا إخواني كلام خطيييييير للغاية , يدل على عدم وعي لمعنى أن تكون في الحكم , أو على تجويز أن يسوس المسلمون المجتمع بقوانين جاهلية وضعية .
إن لم يتغير شيئ من القوانين فستبقى الأماكن التي تمارس فيها المحرمات قانونية كما كانت في القانون الوضعي وتستحق من الدولة الحماية والرعاية ضد من يريدون إنكار منكرها . فهل يُتصور أن تعين الدولة الإسلامية في النهاية حراساً ملتحين على أبواب الخمارات والنوادي الليلية ( ما لكم كيف تحكمون )
فيا من تدافعون عن التدرج , إعرفوا عن ماذا تدافعون .

ثالثاُ :
--------

أما الفائدة الثالثة من الأمثلة التي ضربناها في الحلقة السابقة , وهي أن الحق واحد والباطل متشعب ؛ فإن لم يلتزم الدعاة بإعلان سيادة الشريعة , فإنهم سيتخبطون في البديل عن ذلك لأنهم فقدوا البوصلة بالتنازل عن الحق ( فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون)
فترى هذا الداعية يقول: قد لا نغير شيئاً من القوانين في أول سنتين أول ثلاثة .
وآخر يقدرها بأشهر , والثالث بمدة أكثر أو أقل . وآخر يقول : سنبدأ بأحكام الشريعة التي يتقبلها الشعب ونؤخر ما لا يتقبلها .
وآخر : يقول نبدأ بالأحكام المتعلقة بالأخلاق والسلوك ونؤخر الحدود .
وآخر ايضاً يقول: نقوي الإقتصاد ثم نطبق الشريعة.
وهكذا أصبحت المسألة خاضعة لتقديرات البشر, وهي أهم مسألة ؛ ألا وهي غبودية الله بتطبيق شرعه والخلافة في الأرض- أصبحت خاضعة للأهواء والتخمينات والتخريصات والظنون ( وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغنى من الحق شيئاً )
فهل يظن بالله تعالى أن يترك هذه المسألة المصيرية – مسألة العبودية لله بتطبيق شرعه -
أن يتركها لظنون البشر هكذا , فالحق واحد ( وهو في إعلان السيادة المطلقة التامة للشريعة من اللحظة الأولى ) ومن تخلى عن ذلك دخل في تشعبات و متاهات وتخبطات الباطل .

رابعاً:-
---------

إعلان السيادة للشريعة من اللحظة الأولى هو: ( عقدٌ بين الحاكم والمحكوم), وهو ملزمٌ للطرفين يمنع أياً منهما من التلاعب , وبه تسقط الحصانات الزائفة حتى عن الحكام لأنهم إن زاغوا عن تبعات هذا الإعلان فإن على الشعب أن يحاسبهم ويقيس أفعالهم على هذه المسطرة الواضحة (مسطرة الشريعة ) فالعاملون للإسلام ليسوا معصومين؛ فإن وصلوا للحكم , فما الذي يضمن أن لا تصيبهم لوثة السلطة والأبهة التي أصابت من شغل المناصب قبلهم ,
وهل هذا معقول ؟؟؟!!! نعم معقول , فلا عصمة لأحد فإن كنا نرى تنازلات قُدمت من البعض , وهذا وهم لم يصلوا بعد للحكم ,
فما الحال عندما تذاق حلاوة الألقاب والمشي على السجاد الأحمر .
ونحن مأمورون بأن نأخذ بظواهر الناس في الخير والشر, ولا يغنينا أن يقول قائل نيتي طيبة , أما النوايا فأمرها إلى الله عزوجل .
لذلك فنحن لا نقبل أبداً بالعبارات المائعة الرمادية التي تستخدم هذه الأيام بديلاً عن عبارة تحكيم الشريعة ومن اللحظة الأولى,

ومن هذه العبارات :
-------------------

*أجندة واضحة للتدرج في تطبيق الشريعة.
*سنطبق ما يتوافق مع روح الشريعة .
*فلان لديه توجه نحو تطبيق الشريعة .
*سنسن القوانين بما يحقق مقاصد الشريعة.
*الحزب الفلاني سيسعى بخطواتٍ حثيثة إلى تطبيق الشربعة .
*عليه أن يكون لديه نية جازمة لتطبيق الشريعة.
*جدية في الوصول بالمجتمع إلى تطبيق الشريعة .
*ستكون الدولة ذات مرجعية شرعية .

هذه العبارات كلها هلامية مائعة تهربية, حتى وإن استخدمت فيها كلمات الجدية والحزم والعزم والصدق , ولكنها تبقى مائعة هلامية غير مقبولة .
لأن يا إخواني تطبيق الشريعة عقدٌ ... فهل تقبل أن تكتب مع مالك شقة عقد إيجار صيغته: اتفق الطرفان على أن يدفع المستأجر 500 دينار شهريا مقابل أن يكون لدى المؤجِّر توجه واضح نحو تأجيره الشقة؟!
هل تقبل في عقد زواجك أن يُكتب: اتفق الطرفان على أن يدفع الرجل المهر مقابل أن يكون لدى ولي المرأة نية جازمة لتزويجه إياها؟!
هل تقبل بذلك؟؟؟!!! هل تُغني عندك النوايا حينئذٍ؟؟؟!!!
كذلك ؛ فإن تطبيق الشريعة عقدٌ بين الحاكم والمحكوم . فالمحكوم يبذل الطاعة والولاء ويتعبد لله بطاعة هذا الحاكم مقابل أن يلتزم الحاكم بتطبيق الشريعة , ثم هو قبل ذلك وفوق ذلك عقدٌ عبودية وخضوع مع الله عزوجل بتطبيق شرعه تعالى , ولاتنفع فيه مثل هذه العبارات الهلامية ,و إن كنت لاتقبل مثل هذه العبارات في عقد زواج أو استئجار فمن باب أولى ألا تقبلها في أخطر ما تعيش من أجله وهو العبودية لله تعالى بتطبيق شرعه.

كلمة تطبيق الشريعة هي كلمة منضبطة يمكن قياسها , أما عبارات التوجه, والتدرج , والنية , والرؤية , والمرجعية , كلها كلمات ليست منضبطة, ولا يمكن قياسها ,
فإذا استلم من يرفعون هذه الشعارات الحكم في يوم من الأيام ثم قست قلوبهم وأصابتهم لوثة الكرسي وأردوا مداهنة الغرب –لاخوفاً على شعبهم بل خوفاً على كراسيهم – فكيف سيحاسبهم شعبهم؟؟؟
فنجد أنهم إن فرطوا في أوامر الشريعة وطالبهم البعض بتنفيذها , فما الذي يمنع هؤلاء الحكام الإسلامييين من أن يقولوا نحن لدينا توجه حقيقي ونية صادقة في تطبيق الشريعة لكن في تقديرنا أن الشعب غير مهيئ, والمرحلة لا تناسب ونرى من المصلحة أن لانطبق هذه الجزئية من الشريعة الآن
ونحن مازلنا نتدرج في تطبيق الشريعة حسب أجندة واضحة , وفي أجندتنا أن علينا البقاء عند هذه المرحلة للأشهر القليلة القادمة , فإذا طرأ هذا الإنحراف على الحكام الإسلاميين وبرروا بمثل هذه المبررات , فما الذي يمنعهم؟ خاصةً وأن عقدهم مع شعوبهم كان هلامياً من البداية ... فسنجد أنفسنا ندخل حينئذٍ في معركة الحكم على النوايا والإختلاف في تقدير الوضع يسمح أو لا يسمح وما إلى ذلك .

ملخص النقاط الأربعة السابقة:
-------------------------
1- إعلان سيادة الشريعة يُحدِث إنقلاب في موازين ومفاهيم وقوانين المجتمع من اللحظة الأولى.
2- البديل عن هذا الإعلان هو أن تحكم الدولة بالقانون الوضعي الجاهلي.
3- من تخلى عن إعلان سيادة الشريعة فسيدخل في متاهات الباطل المتشعب.
4- إعلان سيادة الشريعة عقدٌ لا تقبل فيه العبارات الهلامية .

عزيز بالاسلام
03-18-2013, 01:15 PM
الأهداف السامية تفجر طاقات الشعوب
السلام عليكم ورحمة الله.
أحبتي هل تذكرون في الحلقة التاسعة عندما قلت لكم:
================================================== ============
خلأصة الحلقة
إذا لم يكن أصحاب المشروع الإسلامي واثقين من قدرة دينهم على تفجير طاقات الشعوب وتحقيق العجائب فهم ليسو أهلا بعدُ لقيادة هذه الشعوب ولن تسمح سنة الله لهم بقيادتها. لا بد أن يكون الإسلام عظيما في نفوسهم ليكون عظيما في نفوس الشعوب التي يقودونها، وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه.

كانت هذه دروسا من الرجل الأول في قصة الرجال الثلاثة. الرجل الأول كان صاحب طموح عظيم، يريد أن ينقذ زوجته وأولاده من النار وأن يقاتل أعداءه، فأعلن ذلك وسعى فيه بوسعه وطاقته. ماذا عن الرجل الثاني؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله.

خلاصة الحلقة: لأي حكم إسلامي يقوم...وضع هدف عظيم سيكون خير وسيلة لاستخراج طاقات الشعوب وتربيتها والتخلص من مشاكلها وفطمها عن عاداتها السلبية وتوحيدها على هذا الهدف.
================================================== ================================================== ======================
"قد لا يطالَب العاملون للإسلام بإعلان الجهاد لتحرير بلاد المسلمين المحتلة من اليوم الأول من استلامهم للحكم" وقلت لكم في حينه: "(قد) هذه لها قصة تأتي"... ما قصة "قد"؟
عندما استلم صلاح الدين الأيوبي حكم مصر كان وضعها أليما قد لا يختلف كثيرا عن وضعها الحالي. فقد كانت ترزح تحت احتلال الدولة العبيدية المسماة بالفاطمية 200 سنة، وهي دولة مارقة من الإسلام عملت على طمس عقيدة أهل السنة والجماعة في مصر وعلى نشر الفسق والفجور. وكانت بلاد المسلمين الأخرى تتعرض لحملات الصليبيين. وعندما استلم صلاح الدين الحكم بدأ الصليبيون يشنون الحملات على مصر. ماذا فعل صلاح الدين؟ هل هادن الصليبيين وقال أتدرج في تعليم الناس الدين فقد طمست معالمه أثناء حكم العبيديين؟ بل أعلن الجهاد ووضع لشعب مصر هدفا واضحا: تحرير القدس وباقي بلاد المسلمين المحتلة. كان نور الدين قد صنع منبرا ليوضع في الأقصى. فأصبح لدى أهل مصر هدف سام عال واضح هو وضع المنبر في الأقصى.

شعب مصر المنهك المجوَّع المروَّع الممزق نتيجة حكم دولة الزندقة العبيدية لمئتي عام، عندما وضع له هدف سام عظيم: (تحرير بلاد المسلمين) أصبح شعبا عظيما، تطلعاته عظيمة، اهتماماته عظيمة، معنوياته عظيمة...فتلاشت آثار الحكم العبيدي، وكان خلاص القدس على يد هذا الشعب...فجيش حطين كان معظمه من المصريين.

هذا درس عظيم لأي حكم إسلامي سيقوم يوما من الأيام: ضع للناس هدفا عظيما تتلاشى المشاكل الصغيرة.
الطرح السائد هذه الأيام أن أي حكم إسلامي يقوم عليه أن يصلح الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي ويتدرج في فطم الناس عن عاداتهم المحرمة قبل أن يخطو أية خطوة عسكرية.
بينما التاريخ يعلمنا أن ما يحصل عادة هو العكس! الهدف العظيم يشحن همم الناس ويفجر الطاقات ويستخرج مذخور القوى.

أبو بكر رضي الله عنه، عند وفاة النبي ورِدة القبائل...وضع لأهل مكة والمدينة والطائف، وكثيرٌ منهم حديث عهد بكفر لم يمر على إسلامه سوى سنتين، وضع لهم هدفا عظيما...بعْثَ أسامة لقتال الروم عملا بأمر رسول الله. قال له الصحابة: (يا أبا بكر رُد هؤلاء توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟!) فقال: (والذي لا إله إلا هو، لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رددت جيشا وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حللت لواء عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم). فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا لولا أن لهؤلاء قوة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبت على الإسلام كثير ممن فكر في الردة.

هدف عظيم: الطاعة المطلقة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

لم يكن هدفا واقعيا ولا منطقيا بحسابات البشر، لكنه فجر الطاقات وشحن العزائم.
تصور معي لو قام حكم الشريعة في مصر وأطلق الحكام شعار: (مصر أمل الأمة)، أو (خلاص الأمة على أيدينا)، أو (لن ننكسر لغير الله)، أو (سنعيدها خلافة على منهاج النبوة)...شعار أخروي عظيم عال على مستوى الأمة ... كم سيكون لذلك من أثر في نفوس أهل مصر أو أي بلد؟!

هل يُتوقع حينئذ أن يطالب أحد من شعب مصر حكامه بإعطاء الحرية للفنانين والمغنين؟! هل ستطالب المتبرجة بإعطائها الحق أن تلبس ما تشاء؟! هل ستثار قضية السياحة والشواطئ والدخل الذي تدره السياحة؟! هل ستثار قضية حرية التعبير في نقد الإسلام؟! بل بمجرد وضع هدف سام فإن الناس سينسون هذه الترهات والسخافات والرأي العام سيحتقر هذه الطروحات. نريد إنقاذ أمة الإسلام وأنت تقول غناء! تريدين أن تتبرجي في دولة تطمح لإقامة الخلافة من جديد؟!

أصحاب هذه الطروحات الهزيلة سيصبحون منبوذين لأنهم يتكلمون في الدون أمام شعب يطلب المعالي. بل إن الناس سيشكون في دوافعهم ويتهمونهم بالعمالة للقوى الخارجية ولأعداء الأمة، لأنهم بطروحاتهم هذه يوهنون الروح الجهادية في الأمة ويتلفون أخلاق شبابها، وهو ما يريده الأعداء. فلا خيار للعلمانيين والمنافقين ومتبعي الأهواء والشهوات...لا خيار لهم إلا أن يتبنوا الشعارات العالية، أو أن يلجموا أفواههم ويخفوا بضاعتهم الكاسدة المقيتة. فالمجتمعات عالية الطموح تنبذ مثل هذه الطروحات.

هل كان المنافقون يثيرون مثل هذه الطروحات في عهد النبي؟ طبعا لا، لأن المجتمع الجهادي المنشغل بالمعالي سينظر إليهم باشمئزاز واستهجان.

ثم هنا نقطة مهمة جدا...عندما يضع الحكم الإسلامي هدفا عظيما فإن الترهات والمحرمات التي كانت هدفا في ذاتها تصبح في نظر أصحابها عوائق تعيقهم عن هدفهم العظيم. فبدلا من أن تبدد الدولة جهدها في إقناع الناس بترك الاختلاط والتبرج والأغاني والدخان والموضات والتشبه بالكفار في اللباس وقصات الشعر، وتخاف ردة فعل الناس من فطمهم عن معتاداتهم دفعة واحدة، يصبح المسلمون ينظرون إلى هذه الترهات على أنها تعيقهم عن الهدف الأسمى الذي وُضع لهم. فيدوسونها ويمضون إلى هدفهم. كانت بحد ذاتها أهدافا عندما كان الشعب ضعيفا اهتماماته دونية وتطلعاته دونية. أما الآن فقد تحولت إلى عوائق عن الهدف السامي، فلا يجد أية صعوبة في التخلص منها بل يمقتها ويزدري نفسه إن زاولها.

والناس إن لم تشغلهم الدولة بالحق شغلوها بالباطل! الناس إن لم تشغلهم الدولة بالحق شغلوها بالباطل.

إخواني هذا الكلام ليس ضربا من الخيال، بل انظر كيف أن شعوبا كافرة وضعت لها أهداف كبيرة باطلة، ومع ذلك فجرت طاقاتها...القادة الشيوعيون وضعوا لشعب روسيا هدف القضاء على الطبقية فأصبحوا دولة عظمى مع أنه كان شعبا كافرا في معظمه والهدف في حقيقته باطل.
الشعوب الإسلامية نفسها عندما رفعت فيها شعارات كبيرة من قيادات ليست أهلا لها كانت ذات أثر كبير. انظر إلى أثر شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) عندما رفع في مصر مع أنه اقترن بالتغرير والانتفاش بالباطل وبأهداف قومية دونية. فكيف لو رفعته بصدق دولة إسلامية صادقة؟!

عندما يوضع نصب العيون هدف عظيم ويقف أمامك الأعداء في الطريق وتسقط الأقنعة ويظهر وجههم الكالح ويبدأ الشعب بتقديم التضحيات...حينئذ تشتعل روح التحدي والإصرار ويصبح ممنوع الأعداء مرغوبا. تأمل البلاد التي قامت فيها أنظمة إسلامية أو ترفع شعار الإسلامية بغض النظر عن صحة مناهج هذه الأنظمة...تأمل غزة وأفغانستان والصومال، على التباين بين هذه النماذج فقد قامت فيها جميعا نماذج هي في عرف الناس إسلامية. قامت الدنيا ولم تقعد، وضرب الحصار وكُثف القصف واستعلمت صنوف الأسلحة واستُعين بالطابور الخامس، ومع ذلك كله ما زاد ذلك شعوب هذه البلاد إلا إصرار على التمسك بمن رفع شعارا إسلاميا. وضع أمام هذه الشعوب الخيار: أسقطي هذه الأنظمة لتنالي الحياة والدعم والسلام، وإلا فالجوع والحرمان والذعر...فاشتعلت روح التحدي والتفت هذه الشعوب حول قياداتها التي نظرت إليها على أنها إسلامية، مع التباين بين هذه النماذج. المهم ان الشعب أحس أنه يتحدى في دينه ويساوم عليه ويُبتز. هذا مع ان هذه البلدان المذكورة ممزقة بالمجاعات والفقر والحروب الأهلية. لكن التحدي فجر طاقاتها.

المختصون بإدارة الذات يقولون ضع لنفسك رؤية ملهمة حالمة غير واقعية حتى تشحذ همتك. ولا يتأهل لقيادة الأمة إلا من لديه رؤية كذلك! حالمة في نظر القاصرين غير واقعية بمقياس البشر، لكنه يوقن أن الإيمان يصنع الأعاجيب، فكيف في هذا الزمان الذي سقط فيه الخوف وارتفعت فيه الهمم وقامت الحجة على المتخاذلين؟!

عزيز بالاسلام
03-18-2013, 01:24 PM
خلاصة الحلقة: لا يكفي إعلان تطبيق الشريعة، بل لا بد من الصدق في تطبيقها، وحسن سياسة الناس، والأخذ بالأسباب المادية للنجاح.
================================================
الأخذ بأسباب النجاح
أحبتي الكرام لا زلنا نسير مع قصة الرجال الثلاثة. انتهينا في الحلقة الماضية من الوقفة مع الرجل الأول. اليوم نحن مع الرجل الثاني.
دعوني أذكركم بالذي فعله الثاني عندما رأى بيته يحترق:
قلنا أنه انشغل بإطفاء النار المتوجهة إلى خزانة ماله وترك زوجته المختنقة وأولاده المحاصرين، ثم صلى ركعتي نافلة وأطال السجود ودعا الله أن يطفئ النار بخارقة من عنده!
ما المقصود بالرجل الثاني في واقعنا؟ المقصود ببساطة أنه لا يكفي إعلان تطبيق الشريعة. نحن نطالب أصحاب المشروع الإسلامي بإعلان سيادة الشريعة من اللحظة الأولى، لكن مما لا شك فيه أن هذا الإعلان وحده لا يكفي.
تحت هذه الصورة الرمزية تندرج عدة أمثلة:
المثال الأول: إعلان تطبيق الشريعة مع إهمال الأخذ بالأسباب الدنيوية لرعاية مصالح الناس. لا ينبغي للدولة الإسلامية أن تظن أنها بالتزام الشريعة ستنجح وسيكون الله تعالى معها وهي مهملة للأخذ بأسباب النجاح الدنيوية من حسن سياسة لأمور الناس وهمة ونشاط وسعي دؤوب في بناء الدولة اقتصاديا وعسكريا وتبني أصحاب التخصصات في المجالات المختلفة ومن يقيمون الفروض الكفائية، والتخطيط الدقيق وتوظيف علوم الإدارة والاتصال والإعلام والعمل المضني لتوفير احتياجات الناس الأساسية من مسكن ومأكل ورعاية صحية وتوفير فرص عمل. هذا كله من تطبيق الشريعة. وإن قصرت الدولة في استكماله حسب وسعها وطاقتها فليس لها أن تتوقع نصر الله لها.
أرأيت كيف أن الرجل الثاني ترك بيته يحترق وصلى ركعتي نافلة وأطال فيهما السجود وسأل الله أن ينقذ زوجته وأولاده بخارقة من عنده؟! أليس بذلك آثما مسيئا؟ فأصحاب المشروع الإسلامي عليهم أن يستنفدوا الوسع والطاقة ويُعدوا ما استطاعوا ثم الله بعد ذلك يبارك في جهودهم بركة عظيمة.
لذا فهذه تذكرة لمن يطالب بتحكيم الشريعة بينما تراه في كثير من أوقاته سبهللا لا في أمر دنيا ولا في أمر آخرة، ولا يحسن صنعة ولا حرفة. فشلُك في حياتك العلمية أو العملية يخذل الناس عن دعوتك إلى الشريعة مهما جملت لهم المقال وحشدت لهم الأدلة. فالناس لن يتصوروا أن رجلا عالة على مجتمعه سيقيم دولة قوية ترعى أبناءها. ولن يستطيع نؤوم الضحى أن يخرج الأمة من ليلها إلى فجر جديد.
فمن يدعون إلى الشريعة لا بد أن يكونوا أصحاب همة تحيي الأمة، جادين مخلصين في مجالهم أيا كان مجالهم، الدعوة أو العلوم أو الحرف أو غيرها.
المثال الثاني: من يعلن تطبيق الشريعة ويكون صادقا في تطبيقها آخذا بالأسباب المادية لكنه يسيء التعامل مع الناس ويستثير حفيظتهم أو يسيء ترتيبَ الأولويات ويتوقع لصدقه في تطبيق الشريعة أن يرقع كل خرق، وهذا يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال لمعاذ وأبي موسى رضي الله عنهما: ((يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا))، وإذ قال لمعاذ: ((وإياك وكرائم أموالهم)). فنحن وإن كنا نطالب أصحاب المشروع الإسلامي أن يقيموا دين الله ولا تأخذهم في الله لومة لائم ولا يتعذروا بردة فعل الشعب، إلا ان هذا لا يعني العنف في سياسة الناس. بل هم أولى الناس بالرفق والتلطف بالرعية. والقوةُ في إقامة الدين لا تعارض حسن سياسة الناس وتألُّفَ قلوبهم ومداراة سفيههم ضمن حدود الشريعة. بل انظر كيف جعل الله المؤلفة قلوبهم ممن تصرف إليهم الزكاة على الرغم من قيام الحجة وقوة الدين في ذاته...((إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)) (مسلم).
وبما أننا ذكرنا أن إعلان سيادة الشريعة وحده لا يكفي فقد بقي مثال ثالث أقل تعلقا بقصة الرجال الثلاثة لكن يحسن ذكره هنا تأكيدا على أنه ليس الإعلان وحده هو المطلوب.
هذا المثال الثالث: من يعلن تطبيق الشريعة لكنه في الواقع غير صادق في تطبيقها أبداً. وهذا من نواحٍ عدة لا يقل سوءا عن الاستعلان بعدم تطبيق الشريعة...فهذا طريق الهلاك...(( إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)).
لا يكفي إعلان تطبيق الشريعة. فما الفائدة من هذا الإعلان إن كانت ثروات الأمة تُعطى لأعدائها تحت غطاء عقود استثمار أجنبية جائرة وصفقات أسلحة لا تجرب إلا على أبناء المسلمين؟! ما فائدة إعلان تطبيق الشريعة في بلد إن كان يزود طائرات أعداء الشريعة بالوقود ويفتح لهم الأراضي ليقيموا فيها معسكراتهم ويعربدوا فيها وينطلقوا منها لقتل المسلمين وانتهاك أعراضهم والدوس على كرامتهم؟! ما الفائدة من هذا الإعلان إن كان الدعاة الغيورون على دين الله وعلى رسول الله الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر يُسجنون وينكل بهم، بينما يفتح المجال لكل أفاك ليتطاول على الشريعة ويبث سمومه؟! ما الفائدة منه إن كانت مساجد الله تُسلب دورها ويمنع حتى من الدعاء للمسلمين المستضعفين على منابرها إلا من سمح أعداء الأمة بالدعاء له؟! ما الفائدة منه إن كان معلنها يتخوض في مال الأمة بغير حق والملايين من المسلمين يموتون جوعا وعطشا ومرضا؟!
أليس هذا كله تعطيلا للشريعة بل حربا على الشريعة؟!
لا يرضى الله تعالى لإعلان تطبيق الشريعة أن يكون عباءة تمارس تحتها المعاصي. إنما يرضى عن هذا الشكل الممسوخ أعداء الله الصرحاء من الصليبيين وغيرِهم. فما دامت مصالحهم محفوظة وثروات المسلمين نهبا لهم وشباب الإسلام مكبلين في السجون فلا يضيرهم أبدا أن تطبق الدولة حد السرقة على الضعفاء باسم الشريعة!
بل إن هذه النماذج الممسوخة تُتخذ فزاعة للتنفير من تطبيق الشريعة، بحيث عندما ندعو إلى تطبيقها يُعيرنا البعض بهذه النماذج وكأننا نعترف بها!
ومن "يطبق الشريعة" بهذا الشكل يبرر القعود عن نصرة المسلمين، بل والمساهمة في البطش بهم، بعبارات شرعية متعلقة بحفظ الثروات والمصالح، كما التهى الثاني بإنقاذ خزانة المال عن إنقاذ زوجته وأولاده حتى احترقوا.

كانت هذه الوقفة مع الرجل الثاني في قصة الرجال الثلاثة. وقفتنا الأهم بإذن الله ستكون مع الرجل الثالث، وهي مليئة بالدروس والعبر، بغض النظر عما آلت وستؤول إليه الأحداث في البلاد التي أعطي فيها أصحاب المشاريع الإسلامية الفرصة ولكن عددا منهم فعل ما فعله الرجل الثالث، والله المستعان. فتابعوا معنا ففيها فوائد بإذن الله.

عزيز بالاسلام
03-18-2013, 01:27 PM
خلاصة الحلقة: نحتاج فهم الشريعة عبادةً لله تعالى ولنحصل معيته وتقوم دولة الإسلام على أرضنا.
================================================== ================================================== ===
لماذا تضررت الأحزاب الإسلامية؟

السلام عليكم ورحمة الله.


أحبتي الكرام لا زلنا مستمرين مع قصة الرجال الثلاثة. في الواقع أعلم أن كثيرين قد يقولون: ما الفائدة من الاستمرار في القصة بل وفي السلسلة كلها وقد تحول الربيع العربي إلى خريف ومات الأمل في تطبيق الشريعة؟




أقول إخواني وبالله التوفيق: بل نحن الآن أحوج ما نكون إلى الحديث عن هذا الموضوع. قال الله تعالى: ((وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا)). وها نحن نرى كيد المتآمرين على الإسلام يضر الحركات الإسلامية في دينها ودنياها. إذن، فبنص الآية، هناك مشكلة لدينا نحن العاملين للإسلام في الصبر وفي التقوى. لم يصبر الكثيرون على سلوك طريق النبي وتحمل عواقبها، ولم يحصلوا التقوى المطلوبة في التعامل مع الواقع وامتثال أمر الله في منهج النهوض بالأمة. ولهذا ضرنا كيد الكائدين جدا.




يا إخواني تعلمنا من كتاب ربنا ومن الأمثلة المتكررة في التاريخ الماضي والواقع المعاصر أن كيد الكفار والمنافقين لا يخيف ((إن كيد الشيطان كان ضعيفا))...أنا لست خائفا من مكر أمريكا والصهاينة وعملائهما في بلاد المسلمين ولا من الجيوش العميلة والمجالس العسكرية وغيرها...فالله قد حقر أمر هؤلاء في القرآن كثيرا...((ومكر أولئك هو يبور))، ((فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم))، ((ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله))، ((وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون))، ((إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون))...هذا مع أن لديهم مئات مراكز التخطيط الاستراتيجي، وآلاف العلماء في علوم النفس والاجتماع والسياسة والإعلام والحرب لا هم لهم إلا المكر بنا، وآلاف المحطات والإذاعات والمجلات والبرامج التي تهدف إلى هدم إسلامنا...ومع ذلك كله فلا والله لا يهمني كيدهم...لأن الله تعالى وهن من شأنهم وحقر من جهودهم وأمرنا بألا نخاف منها: ((فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين))، ((فلا تخشوا الناس واخشون))




إذن من ماذا الخوف؟ من أننا فقدنا معية الله! نعم، عموم الحركات الإسلامية فقدت معية الله. فأقل مكر حينئذ يؤذيها...قال تعالى ((ولا تك في ضيق مما يمكرون إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون))...ولا والله ما اتقى كثير منا الله في هذه الفترة الحرجة من حياة الأمة ولا أحسن اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم...فخسر معية الله.




قال تعالى: ((ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا))...وقد رأينا للكافرين علينا ألف سبيل، ولا يخلف الله وعده، فأين الخلل إذن؟ في إيماننا! إنما الوعد للمؤمنين...وكثير منا ضعف إيمانه بوعد الله وتعلق بالأسباب الأرضية وقدم التنازلات الذريعة واستطال طريق النبي وحرق المراحل واستعجل قطف الثمار وركن إلى الذين ظلموا...فكان ما كان من تردٍّ وفشل... ((وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون () يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا))...تعلقنا بالأسباب الأرضية الدنيوية الظاهرة وتركنا ما نضمن أن ينجز الله به وعده لنا.




وكَلَنا الله إلى أعدائنا فلم يقف مكرنا أمام مكرهم، فنحن دون معية الله أضعف منهم بكثير. ليس لدينا مركز تخطيط استراتيجي واحد وهم عندهم مئات! وليست هناك ولا دولة واحدة إسلامية الحكم وهم عندهم دول، وليس لدينا جيش إسلامي واحد وهم عندهم جيوش. ولو أننا ضمنا معية الله لكاد لنا ومكر لنا وكفانا شرهم. قال تعالى: ((إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا))...ولم يقل (إنهم يكيدون وتكيدون)...وقال تعالى: ((ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين))...ولم يقل: (ويمكرون وتمكرون)...يعلم تعالى أنا أضعف من أن نقف أمام كيدهم ومكرهم.. ((إن الله يدافع عن الذين آمنوا))، ((أليس الله بكاف عباده))...فليس لنا إلا أن نكون من الذين آمنوا ومن عباد الله بحق حتى يكيد لنا ويمكر لنا ويدافع عنا...
الخلل فينا ومنا نحن العاملين للإسلام...فالله لا يخلف الوعد، وكيد الكفار لا يضر المؤمنين، فليس لنا إلا أن نراجع أنفسنا. كثيرون الآن يمضون أوقاتهم في لطميات وتحسرات ويتفننون في لعن وشتم العساكر والمتآمرين ويجعل المشكلة في تآمرهم وكيدهم...لا يا أخي...((يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم))...لو كنا على هدىً فإن هؤلاء الضلال لن يضرونا. فلا تشغل نفسك بضلالهم بل اشغل نفسك باتباع الهدى لئلا يضرك ضلالهم.




كثيرون ينتقصون الشعب وتخاذله عن نصرة الإسلاميين وانخداعه بالإعلام الموتور...لا يا أخي...الخلل فينا. لو أننا انتهجنا منهج النبي في التغيير لأحبنا الله ولو أحبنا الله لوضع لنا القبول في الأرض كما في حديث مسلم...قال تعالى: ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا)). وقد رأينا هذا القبول للدعاة والعاملين للإسلام إلى أن تعلقوا بالأسباب الدنيوية وقدموا التنازلات فخسر كثير منهم معية الله ومحبة الشعب له.


أيها العامل للإسلام لا تضيع وقتك ولا تبحث عن شماعة تعلق عليها أخطاءك ودعك من عبارات اليأس والقنوط والإحباط...واجه نفسك، الخلل منك وفيك...((قل هو من عند أنفسكم))...فقدنا معية الله ولهذا ضرنا كيد أعدائنا في الدين والدنيا...

ولهذا كله أقول: نحن الآن أحوج ما نكون إلى الاستمرار في السلسلة، وإلى فهم الشريعة فهما صحيحا، وإلى معرفة منهجية التغيير التي يرتضيها الله تعالى، وإلى معرفة الأسباب التي نحصل بها معية الله لنا في معركتنا مع أعدائنا...فإنَّ قيام الشريعة في قلوب العاملين للإسلام ضروري ليقيمها الله تعالى في واقعهم...كيف؟ بالطريقة التي يدبرها الله لنا...رأينا في الربيع العربي كيف أن الله يقلب الموازين ويعطينا فرصة من حيث لا نحتسب.




أما عندما يكون فهمنا للشريعة مشوها، ونتصور أن لإنسان أن يتحكم فيما يطبقه أو لا يطبقه منها، عندما نتصور أنه يمكن الوصول إلى تطبيقها بوسائل غير شرعية، عندما ينفر من يرى نفسه عاملا للإسلام من بعض أحكامها...عندما نتنازل عن ثوابتها مجانا ومقدما قبل الوصول إلى الحكم...فحينئذ لن يمنحنا الله شرف أن تقام الشريعة على أيدينا..فالدعاة للشريعة ينبغي أن يكونوا ورثة الرسل...((الله أعلم حيث يجعل رسالته))...لا يختار لرسالته إلا كفئا، وكذلك لا يختار لتطبيق شريعته إلا الأكفاء.




إخواني، تعظيم الشريعة في نفوسنا هو أهم أهداف هذه السلسلة...بغض النظر قامت دولة الإسلام في زماننا أو لم تقم. أهم أهداف السلسلة أن نلقى الله بقلب سليم ليس فيه شائبة تجاه شريعته تعالى الذي تعبدنا بالإيمان بها وحبها وفهمها والقناعة بكل تفاصيلها.
كان هذا استطرادا لا بد منه قبل تفكيك رمزية الرجل الثالث

إلى حب الله
03-18-2013, 01:29 PM
لم أقرأ كل ما كتبت أخي أو نقلت لضيق الوقت ...

ولكن استشفيت بعض النقاط الهامة : وسأضعها لك في شكل أسئلة ...
وإن أخطأت : فصحح لي ...

1...
يتعلق تطبيق شرع الله تعالى بالقدرة والقوة على القيام به وحمايته ..

والسؤال - ولأن الكلام ينصب على الثورات كما أرى - :
في أي بلد إسلامي ممَن قامت فيهم الثورات : تم ترك المسلمين الذين وصلوا للحكم ليقرروا تطبيق شرع الله تعالى بغير مشاكل ؟!!..
سنأخذ مصر كمثال ...

هل المخابرات والجيش والشرطة هم (( فعليا ً)) في يد السلطة ؟!!!.. - أنا لست إخوانيا بالمناسبة -

هل تصلح حالة مثل هذه الحالة من الفتن الداخلية (( مكر إسرائيلي وكنائسي نصراني وبلطجي علماني وأذناب المخلوع إلخ )) :
هل تصلح مثل هذه الحالة ليتم فيها ما تقول ؟!!!!!!...

أم أن الأمر يتعرض ربما لفتنة أكبر ساعتها تأتي على الأخضر واليابس إلخ ؟؟
وربما صار حال الدين والشرع بعدها أسوأ في البلاد من ذي قبل ؟!!..

فإن كان الخنوع الظاهر للحكومة هو من باب المداهنة : فأنا لست معه وأرى أن القوة من أول يوم كانت كفيلة بإرهاب الكلاب !!!..
وأما إذا كان الحال بالفعل أسوأ مما يبدو (( أي أن الرئاسة بالفعل ليس لها قوة فعلية على أرض الواقع مثل الشرطة وغيره - والشرطة في عهد مبارك كان معظمها صنوا للبلطجة - )) : فهم معذورون .. ولعل سعيهم البطيء للتغيير والتدريج يأتي أكله ..

وهذا يعود بنا لسؤال آخر : مكانه قبل السؤال الأول وهو :

2...
ما رأيك - أو رأي الكاتب - في مرحلة ما قبل الثورة .. في الانتخابات الرئاسية مثلا ..
>>
هل هو مع ألا نشارك - كمسلمين ملتزمين - ونتركها للعلمانيين والكلاب ليحكمونا بقوانينهم ويتفننون كسابقيهم في قطف رؤوس الإسلاميين ؟!!..
>>
أم هو مع انتخاب شفيق وعمرو موسى والبرادعي : رغبة في البعد عن المشاكل - مع يقينه أنهم لن يحكموا بشرع الله لا الآن ولا في المستقبل ولا في نيتهم ولا بالهم أصلا ًفما هم إلا أذناب لليهود والأمريكان - ؟!!..
>>
أم هو مع انتخاب أي فصيل إسلامي على الساحة يعمل (( جاهدا ً)) على التوطئة (( قدر ما يستطيع )) لتمكين شرع الله : ولو بالتدريج : وهو (( كاره )) لكل ما يخالف شرع الله ولم (( يحن )) وقت (( التخلص منه )) أو (( تغييره )) بعد ؟!!!..

ومن هنا :
أرجو قراءة عدد من منقولات فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مثل هذه الحالات - وغيره من العلماء الأجلاء - في الرابط التالي :
http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?36976-%C7%E1%CB%E6%D1%C9-%C7%E1%E3%D5%D1%ED%C9-%E6%C3%CF%DA%ED%C7%C1-%C7%E1%D3%E1%DD%ED%C9-!

وإن كنت لا أحبذ التوسع في مثل هذه النقاشات في المنتدى هنا لإعلانه أكثر من مرة أن التعمق فيها خارج اختصاصه ..
وعذرا إن كنت تجاوزت في أي شيء ...

ولكن فقط :
لا يُتصور أن (( يتمكن )) مسلم بالفعل (( بكامل قوته وإعداده )) من تطبيق شرع الله : ثم يُحجم عنه ويفضل غيره عليه !!!..
وأما تنزيل هذه الحالة على كل أحد من المستضعفين العاملين اليوم :
فهو من الإجحاف بمكان !!!..

والله تعالى أعلى وأعلم ...