المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "التكرار" في القرآن الكريم



بحب دينى
04-25-2013, 04:35 PM
في القرآن الكريم قصص تكررت أكثر من مرة، وآيات ترددت في مواضع عديدة، وألفاظ وردت في مواطن متعددة، وغير ذلك من تساؤلات محورها التكرار في القرآن، هذا الموضوع الذي كثر الحديث عنه، وتعدد اللغو فيه، وأثيرت الشبهات حوله، وقامت الدنيا لأجله ولم تقعد بعدُ، ليس طلبًا للحقيقة، ولا حبًا في العلم ومعرفته، بل لمجرد التشكيك والتثبيط فحسب...فما حقيقة التكرار الواقع في كتاب الله، وما هو فيصل القول فيه، وما مدى صدق ما يقوله المشككون: إن القرآن إذا حُذف منه المكرر لم يبق منه إلا القليل ؟ تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا .

هذه هي الشبهة التي يثيرها المشككون بمسلَّمات هذا الدين، وينسجون حولها خيوط العنكبوت { وإنَّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون } (العنكبوت:41) .

إن التكرار في القرآن الكريم أمر واقع لاشك فيه، وهو حق لا ريب فيه أيضًا، سواء ظهرت لنا الحكمة من وراء هذا التكرار أم لم تظهر، هذا على سبيل الإجمال. أما على وجه التفصيل، فنقول:

إن التكرار في القرآن يقع على وجوه؛ فهناك التكرار في القصة الواحدة، كقصة آدم عليه السلام، وهناك التكرار في الآية الواحدة، كقوله تعالى: { فبأي آلاء ربكما تكذبان } (الرحمن:13) وهناك التكرار في اللفظ الواحد، وهناك التكرار في الأوامر والنواهي، ونحو ذلك .

إلا أن التكرار الواقع في القرآن الكريم، يباين التكرار الكائن في كلام البشر؛ إذ إن هذا الأخير لا يَسْلَمُ عادة من القلق والاضطراب، ويُعدُّ عيبًا في الأسلوب، يُعاب عليه الكاتب .

والتكرار في كلام الله سبحانه ليس هو التكرار المعهود والمذموم في كلام البشر، إذ هو تكرار محكم، ذو وظيفة يؤديها في النص القرآني؛ يعرف ذلك كل من خَبَر طبيعة النص القرآني وخصائصه. ونستطيع أن نقول هنا: إن التكرار في القرآن يؤدي وظيفتين اثنتين، الأولى: وظيفة دينية، غايتها تقرير وتأكيد الحكم الشرعي، الذي جاء به النص القرآني؛ أما الوظيفة الثانية للتكرار، فهي وظيفة أدبية، تتمثل في تأكيد المعاني وإبرازها وبيانها بالصورة الأوفق والأنسب والأقوم .

ولبيان وظيفة التكرار في القرآن نمثِّل لذلك بأمثلة، بادئين ذلك بالتكرار الواقع في الأداة؛ فمن ذلك قوله تعالى في سورة النحل: { ثم إِنَّ ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إنَّ ربك من بعدها لغفور رحيم } (النحل:110) فتكرار الأداة { إنَّ } في الآية، يوهم أن ثمة تكرارًا في الآية لا مسوِّغ له، والتدقيق والتحقيق يدفع إلى القول بخلاف ذلك؛ وبيانه كما قال أهل العلم: إنه لم طال الفصل بين الأداة { إنَّ } وخبرها، حَسُنَ تكرار الأداة { إنَّ } مرة أخرى، فاقتضت البلاغة إعادتها لِتُلْحَظَ النسبة بين ركني الجملة ( الاسم والخبر ) ويُنبئك بأهمية التكرار هنا، أنك لو قُرأت الآية من غير إعادة الأداة { إنَّ } لوجدت الأسلوب ركيكًا ضعيفُا مضطربًا .

والشيء نفسه يقال في قوله تعالى بعدُ: { ثم إنَّ ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إنَّ ربك من بعدها لغفور رحيم } (النحل:119) .

قال أهل العلم في هذا السياق: إذا وردت ( إنَّ ) وكان بين اسمها وخبرها فسحة طويلة من الكلام، فالبلاغة والفصاحة إنما تكون بإعادة تلك الأداة وتكرارها .

وعلى وفق هذا قول الشاعر:

وإن امرأً طالت مواثيق عهده على مثل هذا إنه لكريم

فقد أعاد الأداة ( إنَّ ) لما طال الفصل في الكلام بين اسمها وخبرها، فاقتضت البلاغة الإعادة والتكرار .

هذا على مستوى تكرار الأداة في القرآن، أما على مستوى تكرار الكلمة، فالمثال عليه قوله تعالى: { أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون } (النمل:5) ففي الآية الكريمة تكرار كلمة {هم} وهي ضمير رفع منفصل، جيء بها لتأكيد النسبة بين الطرفين، الذين لهم سوء العذاب، والأخسرين .

وعلى هذا المنحى يجري قوله تعالى: { أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } (الرعد:5) ففي الآية الكريمة تكرار لكلمة { أولئك } ثلاث مرات، ولهذا التكرار وظيفة، حاصلها أن مجيئها في الموضع الأول قُصِدَ به الإخبار عن شأن منكري البعث، وأنهم كفروا بربهم بهذا الإنكار؛ ومجيئها في الموضع الثاني فلبيان حالهم، وأن الأغلال في أعناقهم؛ أما مجيئها في الموضع الثالث، فإنما كان لبيان مآلهم ومصيرهم الذي صاروا إليه، وهو العذاب الخالد والمهين...ولو أنك أسقطت هذا اللفظ في موضع من المواضع الثلاثة لضَعُفَ المعنى، واضطراب الأسلوب، وتجافى عن الذوق السليم. ولأجل ما تقدم حَسُنَ التكرار في هذا الموضع، تبيانًا للمعنى، وتأكيدًا للعلاقة بين المواضع الثلاثة .

أما ما جاء من تكرار في الآية القرآنية الواحدة، فنقف في ذلك عند ثلاث سور لهذا التكرار .

في سورة القمر تكرر فيها قوله تعالى: { فكيف كان عذابي ونذر } (القمر:16) وهذه السورة قصَّ الله علينا فيها أخبار قوم نوح ، و عاد ، و ثمود ، و لوط ؛ وما جاء في كل واحدة من هذه القصص من التخويف والتحذير مما حلَّ بتلك الأقوام، فكان المقام والحال يستدعي هذا التكرار، إيعاظًا لأهل القرآن، وتحذيرًا للمعرضين عنه من التمادي في غيِّهم وإعراضهم، وأن عاقبتهم إذا ما استمروا على ما هم عليه عاقبة أولئك الأقوام، الذين قصَّ القرآن علينا خبرهم، وما كان من أمرهم ومآلهم .

وفي سورة الرحمن تكرر فيها قوله تعالى: { فبأي آلاء ربكما تكذبان } (الرحمن:13) حيث المقام في هذه السورة كان مقام تعداد عجائب خلق الله، وبدائع صنعه، ومبدأ الخلق والمعاد، وذكر النار وشدائدها، ووصف الجنان ونعيمها، فاقتضى كل ذلك هذا التكرار للآية الكريمة، تنبيهًا على نِعَمِ الله، وتقديرًا لِمُوْجِد هذه النعم حق قدره، وحثًا على شكره .

أما ما جاء في سورة المرسلات من تكرار لقوله تعالى: { ويل يومئذ للمكذبين } (المرسلات:15) فلأنَّ كل واحد من هذه التكرارات ذُكِرَ عقيب آية غير الآية الأولى، فلا يكون تكرارًا مستهجنًا، ولا إعادة لا فائدة منها؛ بل لو لم يكن هذا التكرار للآية لكان الوعيد حاصلاً لبعض دون بعض .

وعلى هذا الأساس، يمكن بيسير عقل وإعمال فكر، إدراك علة التكرار الوارد في سورة الشعراء، في قوله تعالى: { إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم } (الشعراء:103-104) وغير ذلك من سور القرآن الكريم .

أما عن تكرار القصص القرآني، فلا يمكن أن يُفهم حق الفهم إلا إذا عُلِمَ الهدف من القصص القرآني، ومن ثم عُرفت خصائص هذا القصص، وبالتالي يتضح لنا الحكمة من هذا التكرار .

ومجمل القول في ذلك بأن نقول: لما كان من أغراض القصة في القرآن، إثبات وحدة الإله، ووحدة الدين، ووحدة الرسل، ووحدة طرائق الدعوة، ووحدة المصير الذي يلقاه المكذبون...نقول: لما كان الأمر كذلك، استدعى المنطق القرآني هذا التكرار، لتحقيق تلك الأغراض، وتثبيتها في قلوب المؤمنين، وتحذير المعاندين من مغبَّة الإعراض عنها. فنشأ عن خضوع القصة لهذه الأغراض - كما يقول سيد قطب رحمه الله - أن يُعْرَض شريط الأنبياء والرسل الداعين إلى الإيمان بدين واحد، والإنسانية المكذبة بهذا الدين الواحد، مرات متعددة، بتعدد هذه الأغراض؛ وأن يُنشيء هذا ظاهرة التكرار في بعض المواضع .

ونوضح المقصود بهذا، بقصة نوح عليه السلام؛ يقول تعالى: { لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذابَ يوم عظيم * قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين * قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسولٌ من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون * أَوَ عَجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم تُرحمون * فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قومًا عَمين } (الأعراف:59-64) .

فكلما تكرر هذا الاستعراض، كان هناك مجال لتملي هذا الشريط، الذي يقف مرة عند كل نبي، ثم يمضي في عرضه مطردًا...حتى يقف محمد صلى الله عليه وسلم أمام كفار قريش، فاذا هو يقول القولة الواحدة، وإذا هم يردون ذلك الرد المكرور .

ثم لما كان الغرض من القصص القرآني غرض ديني في المقام الأول، اقتضى الأمر أن تعرض منه الحلقات التي تقتضيها هذه الأغراض. فآخر حلقة تُعْرَض - بحسب ترتيب السور - تتفق مع أظهر غرض ديني، صيغت القصة من أجله .

فمثلاً، قصة موسى عليه السلام ورد أول ذِكْرٍ لها في سورة البقرة، وكان موضوعها ذبح البقرة وتشديد بني إسرائيل على أنفسهم، فشدد الله عليهم؛ ثم جاء ذكر لها في سورة المائدة وفيها عرض لحلقة التيه. فهؤلاء بنو إسرائيل قد أغدق الله عليهم نعمته، وأملى لهم في رحمته؛ ثم ها هم أولاء في النهاية لا يحافظون على النعمة، ولا يدخلون الأرض المقدسة، وقد جهد موسى عليه السلام ما جهد لردهم إليها؛ فيكون تأديبهم على هذا الموقف، تركهم في التيه لا مرشد لهم ولا معين، حتى يأتي الأجل المعلوم .

وهذا الهدف الديني للقصص، هدف ملحوظ ومقصود في باقي القصص القرآني؛ كقصة آدم ، وقصة إبراهيم ، وقصص باقي الأنبياء، على نبينا وعليهم الصلاة والسلام؛ هذا ناهيك عما يرافق هذا الهدف الديني من تناسب واقعي لأحداث القصة، وتناسق فني في سياقاتها المتكررة والمتعددة .

ونشير ختامًا، إلى أن من القصص القرآني ما لا يأتي إلا مرة واحدة، مثل قصة لقمان ، وقصة أصحاب الكهف؛ ومنه ما يأتي متكررًا حسب ما تدعو إليه الحاجة، وتقتضيه المصلحة، ولا يكون هذا المتكرر على وجه واحد، بل يختلف في الطول والقصر، واللين والشدة، وذكر بعض جوانب القصة في موضع دون آخر. وأن من الحكمة في هذا التكرار: بيان أهمية تلك القصة، لأن تكرارها يدل على العناية بها وتوكيدها؛ لتثبت في قلوب الناس. ومن الحكمة في هذا التكرار مراعاة الزمن وحال المخاطبين بها، ولهذا نجد الإِيجاز والشدة غالبًا فيما أتى من القصص في السور المكية، والعكس فيما أتى في السور المدنية. فضلاً عما في هذا التكرار من ظهور صدق القرآن، وأنه من عند الله تعالى، حيث تأتي هذه القصص على رغم تكرارها على أتم وجه، وأفضل تناسب، دون تناقض في المضمون، أو تعارض في سرد الحدث القصصي .

فإذا تبين هذا، عُلِمَ ضَعْفُ هذه الشبهة ووَهْنَها، وكذلك تساقطها؛ وتبين أيضًا أن ما يقوله أصحابها إنما هو قول بغير علم؛ وهو أقرب إلى أن يكون جعجعة لا تُسمن ولا تغني من جوع. وأن الحق أحق أن يُتَّبَعَ لو كانوا يعلمون .( 1)

هذه بعض المباحث اليسيرة في " التكرار في القرآن " ، وهي تتناسب مع طبيعة الموقع ، ويمكنك التوسع في الموضوع فيما نحيل عليه من مراجع ، ومن كتب علوم القرآن عموماً .
أولاً : تعريف التكرار لغة واصطلاحاً .
قال ابن منظور :
الكَرُّ : الرجوع ، يقال : كَرَّه وكَرَّ بنفسه ، يتعدّى ولا يتعدّى ، والكَرُّ مصدر كَرَّ عليه يَكُرُّ كرًّا ... والكَرُّ : الرجوع على الشيء ، ومنه التَّكْرارُ ... ( قال ) الجوهري : كَرَّرْتُ الشيء تَكْرِيراً وتَكْراراً .
" لسان العرب " ( 5 / 135 ) .
التكرار في الاصطلاح : تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرة لمعاني متعددة كالتوكيد ، والتهويل ، والتعظيم ، وغيرها .
ثانياً :التكرار من الفصاحة .
اعترض بعض من لا يفقه لغة العرب فراح يطعن بالتكرار الوارد في القرآن ، وظن هؤلاء أن هذا ليس من أساليب الفصاحة ، وهذا من جهلهم ، فالتكرار الوارد في القرآن ليس من التكرار المذموم الذي لا قيمة له – كما سيأتي تفصيله – والذي يرد في كلام من لا يحسن اللغة أو لا يحسن التعبير .
قال السيوطي – رحمه الله - :
التكرير وهو أبلغ من التأكيد ، وهو من محاسن الفصاحة خلافاً لبعض من غلط .
" الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 280 ) طبعة مؤسسة النداء .
ثالثاً :أنواع التكرار .
قسَّم العلماء التكرار الوارد في القرآن إلى نوعين :
أحدهما : تكرار اللفظ والمعنى .
وهو ما تكرر فيه اللفظ دون اختلاف في المعنى ، وقد جاء على وجهين : موصول ، ومفصول .
أما الموصول : فقد جاء على وجوه متعددة : إما تكرار كلمات في سياق الآية ، مثل قوله تعالى (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ) المؤمنون/36 ، وإما في آخر الآية وأول التي بعدها ، مثل قوله تعالى ( وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا . قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً ) الإنسان/15 ، 16 ، وإما في أواخرها ، مثل قوله تعالى ( كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً ) الفجر/21 ، وإما تكرر الآية بعد الآية مباشرة ، مثل قوله تعالى ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) الشرح/5 ، 6 .
وأما المفصول : فيأتي على صورتين : إما تكرار في السورة نفسها ، وإما تكرار في القرآن كله .
مثال التكرار في السورة نفسها : تكرر قوله تعالى ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) في سورة " الشعراء " 8 مرات ، وتكرر قوله تعالى ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) في سورة " المرسلات " 10 مرات ، وتكرر قوله تعالى ( فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) في سورة " الرحمن " 31 مرة .
ومثال التكرار في القرآن كله : تكرر قوله تعالى ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) 6 مرات : في " يونس " ( 48 ) و "الأنبياء" ( 38 ) و " النمل " ( 71 ) و "سبأ" ( 29 ) و " يس " ( 48 ) و " الملك " ( 25 ) ، وتكرر قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) مرتين : في " التوبة " ( 73 ) و " التحريم " ( 9 ) .
والثاني : التكرار في المعنى دون اللفظ .
وذلك مثل قصص الأنبياء مع أقوامهم ، وذِكر الجنة ونعيمها ، والنار وجحيمها .
رابعاً : فوائد التكرار
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وليس في القرآن تكرار محض ، بل لابد من فوائد في كل خطاب .
" مجموع الفتاوى " ( 14 / 408 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في التعليق على تكرار قصة موسى مع قومه - :
وقد ذكر الله هذه القصة في عدة مواضع من القرآن ، يبين في كل موضع منها من الاعتبار والاستدلال نوعاً غير النوع الآخر ، كما يسمَّى اللهُ ورسولُه وكتابُه بأسماء متعددة ، كل اسم يدل على معنى لم يدل عليه الاسم الآخر ، وليس في هذا تكرار ، بل فيه تنويع الآيات مثل أسماء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قيل : محمد ، وأحمد ، والحاشر ، والعاقب ، والمقفى ، ونبي الرحمة ، ونبي التوبة ، ونبي الملحمة ، في كل اسم دلالة على معنى ليس في الاسم الآخر ، وإن كانت الذات واحدة فالصفات متنوعة .
وكذلك القرآن إذا قيل فيه : قرآن ، وفرقان ، وبيان ، وهدى ، وبصائر ، وشفاء ، ونور ، ورحمة ، وروح : فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الآخر .
وكذلك أسماء الرب تعالى إذا قيل : الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور : فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الذي في الاسم الآخر ، فالذات واحدة ، والصفات متعددة ، فهذا في الأسماء المفردة .
وكذلك في الجمل التامة ، يعبَّر عن القصة بجُمَل تدل على معانٍ فيها ، ثم يعبر عنها بجُمَل أخرى تدل على معانٍ أُخَر ، وإن كانت القصة المذكورة ذاتها واحدة فصفاتها متعددة ، ففي كل جملة من الجُمَل معنًى ليس في الجُمَل الأُخَر .
" مجموع الفتاوى " ( 19 / 167 ، 168 ) .
وقال السيوطي – رحمه الله - :
وله – أي : التكرار - فوائد :
منها : التقرير ، وقد قيل " الكلام إذا تكرَّر تقرَّر " ، وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله ( وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ) .
ومنها : التأكيد .
ومنها : زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول ، ومنه ( وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ . يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ ) ، فإنه كرر فيه النداء لذلك .
ومنها : إذا طال الكلام وخشي تناسي الأول أعيد ثانيها تطرية له وتجديداً لعهده ، ومنه (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا ) ، (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا ) ، ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) إلى قوله ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) ، ( لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ ) ، (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ ) .
ومنها : التعظيم والتهويل نحو ( الْحَاقَّةُ . مَا الْحَاقَّةُ ) ، ( الْقَارِعَةُ . مَا الْقَارِعَةُ ) ، (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) .
" الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 281 ، 282 ) طبعة مؤسسة النداء .
خامساً : فوائد تكرار بعض القصص والآيات
1. قال أبو الفرج ابن الجوزي – رحمه الله - :
فإن قيل : ما الفائدة في تكرار قوله : ( فبأيِّ آلاء ربِّكما تُكذِّبانِ ) ؟ .
الجواب : أن ذلك التكرير لتقرير النِّعم وتأكيد التذكير بها ، قال ابن قتيبة : من مذاهب العرب التكرار للتوكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار للتخفيف والإيجاز ؛ لأن افتنان المتكلِّم والخطيب في الفنون أحسن من اقتصاره في المقام على فنٍّ واحدٍ ، يقول القائل منهم : واللهِ لا أفعله ، ثم واللهِ لا أفعله ، إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع مِنْ أنْ يفعله ، كما يقول : واللهِ أفعلُه ، بإضمار " لا " إذا أراد الاختصار ، ويقول القائل المستعجِل : اعْجَل اعْجَل ، وللرامي : ارمِ ارمِ ، ... .
قال ابن قتيبة : فلمّا عَدَّد اللهُ تعالى في هذه السورة نعماءَه ، وأذكَرَ عِبَادَه آلاءَه ، ونبَّههم على قُدرته ، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين كل نِعمتين ، ليُفَهِّمهم النِّعم ويُقَرِّرهم بها ، كقولك للرجل : أَلم أُبَوِّئْكَ مَنْزِلاً وكنتَ طريداً ؟ أفتُنْكِرُ هذا ؟ ألم أحُجَّ بك وأنت صَرُورَةٌ [ هو من لم يحج قط ] ؟ أفَتُنْكِرُ هذا ؟ . " زاد المسير " ( 5 / 461 ) .
2. قال القرطبي – رحمه الله - :
وأما وجه التكرار – أي : { قل يا أيها الكافرون } - فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم ، كما تقول : والله لا أفعل كذا ، ثم والله لا أفعله .
قال أكثر أهل المعاني : نزل القرآن بلسان العرب ، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز ؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد ، قال الله تعالى : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ، ( ويل يومئذ للمكذبين ) ، ( كلا سيعلمون . ثم كلا سيعلمون ) ،
و ( فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا ) : كل هذا على التأكيد .
" تفسير القرطبي " ( 20 / 226 ) .

والله أعلم( 2)

----------------------------
1- موقع اسلام ويب
http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=68495

2- موقع الاسلام سؤال وجواب
http://islamqa.info/ar/ref/82856

السعيد شويل
04-25-2013, 06:31 PM
التكرار في القرآن الكريم أمر واقع لاشك فيه، وهو حق لا ريب فيه سواء ظهرت لنا الحكمة من وراء هذا التكرار أم لم تظهر،
.....
أخى الكريم :
هذا الإيجاز الذى أوجزته يشرح كل ما عداه
..
واسمح لى فى هذه الإضافة البسيطة عن كتاب الله :
إنه كتاب عظيم فيه نبأ الأولين والآخرين وما كان من قَصص الأمم والسابقين .
سُمّىَ بالكتاب للعناية بتدوينه كتاباً . وبالقرآن لحفظه وقراءته قرآناً .
لا يجوز ترجمته أو روايته بالمعنى لأن كلماته من عند الله
جعله الله بلسان عربى مبين وهذا اللسان لايدانيه أى لسان فى الفصاحة أو البيان .
( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) . ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )
كتاب واضحٌ سبيله راشدٌ دليله أعطى الحقوق ومنعها وأراق الدماء وحقنها وأباح الفروج وحظرها وأقام الحدود ودرأها .
نوره ساطعٌ غالب وحجته ثابتة واجبة يُهتدى بآياته ويقتدى ببيناته م
ن استضاء به أبصر ونجا ومن أعرض عنه زل وغوى .
( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) .
أدهش العقول وحير الألباب وأبهر فصحاء العرب وأمراء البيان وألسن أصحاب الكلام
وقف الإنس والجان أمامه حيارى مبهوتين . ا
لإعجاز والتحدى به كان قائماً وما زال قائماً وسيظل قائماً بهذا اللسان العربى المبين .
كرت الدهور ومرت العصور وقصرت مقدرة العباد وانعدمت حيلتهم على أن يأتوا بمثل هذا الكتاب .
عجزوا عن الإتيان بكتاب يضاهيه أو يماثله . وعجزوا عن الإتيان بعشر سور من مثله .
وعجزوا عن الإتيان بسورة واحدة . وعجزوا عن أن يأتوا بمجرد حديث يماثله أو يضاهيه أو يشبهه
عجزوا ومن تلاهم من سائر الأعصار والأزمان أعجز .

كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لن يعتريه تحريفٌ أو تبديل ولن يكون فيه كذِبٌ أو كتمان
لن يضاف عليه أو يحذف منه ولن يعدل أو يطور ولن يبدل أو يغير .
علِمه من علمه وجهِله من جهله لا يعلم به من جهله ولا يجهله من علمه . ي
أبواب العلم والحكمة فيه لا تحصى ولا تستقصى من أراد السبيل إلى إحصائها لن يبلغ إلى ذلك وصولا
ومن رام الوصول إلى استقصائها فلن يجد إلى ذلك سبيلا فلقد قال تبارك وتعالى : ( وَمَا أُوتيتمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً ) .
لو اجتمع كافة الإنس والجان منذ بدء الخليقة وحتى يوم الدين فلن يحيطوا بعلمه ولا بما فيه من بيان أو تبيان
ولن يأتوا بفصاحته أو طلاوته وليس لأىٍ منهم أن يحيطوا بوجوه لفظه أو بلاغته ولابمتانة أسلوبه أو لطائف إشارته .
*************
تحياتى وخالص دعواتى

مستفيد..
04-25-2013, 09:17 PM
بارك الله فيك أخي بحب ديني..
التكرار في القرآن باب واسع من أبواب الإعجاز لم يخض فيه كثيرون للأسف..ولعل أهم كتاب تناول هذه المسألة بإطناب هو كتاب "البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان" أو ما يُعرف الآن بعنوان "أسرار التكرار في القرآن" لمحمود بن حمزة الكرماني دراسة وتحقيق عبد القادر أحمد عطا..وهو كتاب قيم كشف اللثام عن جانب هام من أسباب وأسرار التكرار في آيات القرآن والفائدة من إعادتها والحكمة من تخصيص آية بذلك دون أخرى ..وما الموجب للزيادة والنقصان والتقديم والتأخير..وغيرها من الأساليب..كتاب ماتع بحق حوّل شبهة القوم إلى إعجاز بياني بلاغي يأسر الألباب..