المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القانون الطبيعى والمعرفة البشرية والعولمة



Eslam Ramadan
05-10-2013, 06:56 AM
1390

أشكال المعرفة الإنسانية عند جون لو (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AC%D9%88%D9%86_%D9%84%D9%88%D9%83)ك هى (معرفة حسية ، معرفة حدسيه ، ومعرفة برهانية " (1)
وهى فى مجملها معرفة مؤسسة على الخبرة الحسية ، أى الأفتراض الأولى أن العقل البشرى فى بدايته يكون كالصفحة البيضاء ويحصل على هذه المعارف عن طريق الخبرة الحسية .
لكن جون لوك يناقض نفسه حينما يتبنى فكرة القانون الطبيعى ، التى هى الفكرة الناظمة لفلسفة لوك الإجتماعية والإقتصادية ، والتى يعتقد بها ان الأخلاق أمر فطرى تماماً لا يحتاج إلى توجيه بل الناس فى اى مكان سيوجهون للفعل الخلقى بموجب شىء أجبارى سماه (القانون الطبيعى )
وايضاً بجانب النظرة الذرية للمجتمع والسوق (أى افتراض ان المجتمع هو مجرد ذرات متناثرة (افراد متناثرين كالذرات ) لا يربطهم أى رابط مع الآخر ، وفى الإقتصاد يفترض أن السوق مكون من الكثير من المنتجين ، والذين لا يستطيعون ممارسة الأحتكار أو السيطرة على الإقتصاد لأنهم كثرة كبيرة (كعدد الذرات ) وليس بينهم أى شىء مشترك (2)
لكن لوك يعتقد بأن الذى سيحمى الإقتصاد والمجتمع بشكل عام ويجعل النسق الخاص به
لا يتعرض للإختراق أو الهدم هى فكرة القانون الطبيعى "
القانون الطبيعى الذى يعتقد لوك فيه أنه قانون فطرى (مع أنه ينكر أى معرفة فطرية ) فى اساس فلسفته
مكمن التناقض هنا ، تبنى لوك لفكرة " ميتافيزيقية بحته " أى لا دليل على وجودها فليس هناك قانون طبيعى يجعل المجتمع منظبط من ذاته أو يحمى المجتمع من الخلل ، وليس هناك ما يسمى بالقانون الطبيعى الذى يحمى قوانين السوق ويظبط إيقاع الواقع الإقتصادى - فى التحليل الأخير لمنهج لوك نجده يتمسك بأفكار لا اساس تجريبى عليها - بل هى فى جوهرها ميتافيزيقيه لم تخضع لإى نوع من التجارب الحسية التى حصر فيها لوك المعرفة .
منهج لوك فى المعرفة يتناقض كلياً مع الأساس الفكرى الذى أتخذه لعقده الإجتماعى والذى تسير على أساسه الكثير من المناهج الليبرالية الآن - ويعتبرونه مرجعية أساسية لفكرهم - وما بُنى على باطل فهو باطل بكل تأكيد ..
بالأضافة إلى النظرة الذرية التى يرى لوك فيها المجتمع - والتى تعنى أن المجتمع مجرد تجمع من ذرات - لا تشترك فى اى شىء لكل ذرة حق مدارها الخاص وحركتها الخاص - وهو اساس فكرة حرية الفرد المتقدمة على المجتمع - بإعتبار ان نظرة مؤسس الفكر الإجتماعى الليبرالى يرى أسبقية الفرد على المجتمع - وليس اسبقيته فقط بل أهميته - فما هو ضرورى للفرد هو ضرورى للمجتمع - وما هو ضرورى لحماية المجتمع هو ليس بضرورى ولا مجبر للفرد -وبطبيعة الحال لم تتخلص المناهج الفلسفية المتتالية بعد جون لوك من داء الفردانية المتطرفة فى النطاق المجتمعى - وفى نطاق الإقتصاد لم تتخلص من فكرة القانون الطبيعى حتى مع أشداد الأزمات المالية - ومع ظهور النظرية الكنزية - وزيادة تدخل الدول فى بعض الفترات وبعض الازمات - لكن فى النهاية تعود الأمور إلى طبيعتها الأولى وهى أن الدولة ليس لها أن تتدخل فى إيقاع السوق أو تحاول ظبطه أو الأشراف عليه وحماية اطرافه - بل تتحول الدولة مجرد أداة فى يد المسوقين واعضاء السوق (التجار) من أجل المزيد من التسهيلات والمزيد من الإعفائات الضريبية والمزيد من أزالة الحواجز الجمركية - تحت ذريعة أن السوق الإقتصادى يحكمه قانون طبيعى لن يجعله يتعرض للإنحراف "بطبيعته " .- ويحل محل الدولة ودورها الشركات الكبرى والمتعددة الجنسيات التى تقوم بدور الدولة وترشد الإنسان وتوجهة حيث ما تريد دون أدنى محاول مجتمعية من الدولة لإنقاذ الإنسان من دائرة الإستهلاك ودائرة الذوبان داخل المادية - هذا القانون الذى سبب المشاكل للإنسان وأسس عليه الفكر الإقتصادى والإجتماعى الغربى هو فى الحقيقة مناقض تماماً للفكر الغربى المتمركز حول الأشياء والنازع نحو المعرفة التجريبية والنافى لأى نوع غير التجريب كمصدر معرفة (وأعظم نموذج له هو لوك ) وتناقضه قد ظهر جلياً بعد المقارنة بين المنهج الأبيستمولوجى للوك وبين المنهج التطبيقى المجتمعى والإقتصادى للوك والذى بدوره هو اساس المنهج الليبرالى سواء القديم أو الحديث (الأكثر شراسه ولا إنسانية (3)

القانون الطبيعى من المنظور الإسلامى :
قال سيد البشر أجمعين :
(مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا؛ كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ, فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا, وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا, فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِن الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ, فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا, فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا, وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا (4 ))
جوهر الفلسفة الإجتماعية فى الإسلام مبنى على أن الإجتماع الإنسانى متقدم على الفرد البشرى الحر وأن ما يضر المجتمع هو بطبيعة الحال يضر الفرد (بطريقة مباشرة وغير مباشرة ) - ولكن ما يضر الفرد ليس بالضرورة قد يسبب ضرر للمجتمع - وكذلك الحال فى سعادة الإنسان ورخائه -والركيزة الأهم فى فلسفة الإجتماع الإسلامى هو كون المجتمع ليس مجرد ذرات متناثرة لا علاقة لبعضها ببعض -بل المجتمع المسلم هو جسد كامل لا إنفصال لعضو عن آخر - يؤثر الجزء فى الكل ويؤثر الكل فى الجزء - هذه النظرة الشمولية للإسلام مع الحفاظ على الحقوق الفردية - جعلت من الإسلام منهج إجتماعى متكامل لا يمكن مقارنة بأى منهج آخر - فهو يجمع بين حماية الفرد وحقوق وحرياته وبين حماية المجتمع والمحافظة عليه واستقراره .

من الناحية الإقتصادية :
فالإقتصاد الإسلام أكثر واقعية من المناهج الإقتصادية الأخرى - بعيد عن التجريد وبعيداً عن اى فكرة ميتافيزيقية لا يمكن التحقق منها - حتى الزكاة التى هى فرض دينى من جانب - هى من جانب آخر عامل إقتصادى مهم لا يمكن لمجتمع أن يصل للمساواة من دونه - أخلاق البيع والشراء - الحفاظ على أخلاق التجارة (الصدق - الأمانة ) - الغاء هامش الديون الربوية من على كاهل المقترض - فى الإقتصاد الإسلامى ايضاً تجد الثنائية التى تجمع بين حقوق التاجر وحقوق المستهلك - حتى يستطيع التاجر أن يتحرك فى السوق الإقتصادى دون قيود -(إلا القيود التى قد تضر المجتمع ) - وفيه يكون المستهلك صاحب حق وله كل الحقوق - وليس مجرد ترس فى عجلة الإستهلاك توجهه وتنمطه وسائل الإعلام من أجل حفنة من الدولارات..

من أجل منهج اسلامى متكامل :

يتعذر تحقيق المنهج الإسلامى على ارض الواقع ليس لعجز فى المنهج ولكن لوجود مؤثرات تحيل دون الوصول إلى كماله وإلى تطبيقه ، فى المجال الإقتصادى الدول المسلمة لا تستطيع الإنفكاك من الهيمنة الأمريكية على الإقتصاد - لذلك هى مرتبطه إرتباط كلى بالفكر الليبرالى ومفروض عليها بالقوة -فى ظل هذا الخضوع من جانب الدول المسلمة والهيمنة من جانب حضارة رعاة البقر يظل الأمر غاية فى الصعوبة أن نتصور نموذج إسلامى حقيقى يتبلور على ارض الواقع .

الجانب الإجتماعى : نجد أن الأمر لا يقل صعوبة عن سابقه - فالحضارة الأمريكية (إن صح تسميتها بحضارة ) هى فى الحقيقة (البلدوزر) أو (وابور الزلط (5) ) الذى يسوى كل الحضارات بالقيم الأمريكية وينزع عن كل الثقافات قيمها وروحها ويسوى كل شىء فى النهاية بالقيم الأمريكية التى هى فى الحقيقة سلب لكل القيم وسلب لكل الأخلاقيات - وإلقاء للإنسانية فى بحر المادية المتقلب والمتغير والذى بدوره سيلقى بك فى النهاية فى دوامة العدمية والفناء الإنسانى ..

والله أعلى وأعلم

By :Eslam Ramadan 10/5 2013
__________________________________

أنظر :الدين والسياسة فى فلسفة الحداثة (الفصل الأول ) د/ فريال حسن جامعة عين شمس

2- نقد الليبرالية : دكتور الطيب بوعزة فصل النظرية السياسية الليبرالية (50-59)

3-جلال أمين العولمة الفصل الخامس (العولمة وحضارة السوق ) 180-188

4- صحيح البخارى

5- التعبير لجلال أمين (العولمة ) وهو بالعامية المصرية ، وهى فى الأصل "vapour " بالفرنسية ، ومعناها البخار( بخار الماء) وأستخدمت فى التركية والعامية المصرية بلفظ "وابور" وكانت تطلق على الآلات البخارية أنظر بالتفصيل (اورهان باموق اسطنبول الذكريات والمدينة )