المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خبر ماهية الدين



عقل
06-28-2013, 10:02 PM
(ماهية الدين)
اقترنَ مفهوم الدين بالطقوس والقيم والرمزيات، فأصبح جزءًا من تعريفه لدى الكثيرين.
بينما أجدُ أن الدين مفهومٌ أعمق، حتى على الصعيد اللغوي المشتق منه، فـ"الديدن" الطريقة المحدّدةُ سلفًا لسلوكها، وكذلك الدين.
والدين عندي هو ما يجيب حول أسئلة الوجود الثلاثة: من أين؟ وإلى أين؟ وما السبيل؟
الدين هو مجموعةِ الأفكار المسائِلة والمجيبةِ، وجودًا وعدمًا، حول الكينونة، والصيرورة، والسيرورة.
وبهذا المفهوم الشامل للدين –والذي أراه راجحًا-، يصبح (اللادينيون) دينيين كذلك(1)، فهم في كل أحوالهم، استبدلوا تصوراتٍ ما، حولَ مسائلَ ما، أجاب عنها الدين بصياغة مختلفة، وجودًا وعدمًا، إيجايًا ونفيًا. وكما يقول فراس السواح: (الإنسان كائن متدين)(2).
وإنما سُمِّيت اللادينية بهذا الاسم؛ لاختلافنا في تعريف الدين من الناحية الاصطلاحية، فهو -كما بيّنتُ- مصطلحٌ اقترنَ وجودُه بالطقوس والقيم والرمزيات.
وأما عن الأديان -بمفهومها الشائع- فليست كل التفاسير تنحو منحًى واحدًا إزاء تفسيراتها للدين، وتصوراتها عنه، بل إن تفسير الأديان ككلّ هو تفسيرٌ جدُّ عميق، قد يتذرّعه البعض لإثباتِ أمورٍ أيدولوجية مسبّقة، وقلّما نجدُ من الأديان ذاتها تفسيرًا لذات الأديان، أو نجدها تتسمُ بطابعٍ عمومي مسقِطٍ، يصعبُ التحقق من مصداقيته.
فالتفاسير التي تردُ بهذا الصدد افتراضات، وتنظيرات، ومن الصعب جدًا أن تكونَ حقائقًا يُبتّ فيها.
وهي بمجموعها تفسّر ظواهر معينة دينية، ولا تفسّر الدين ككل، خصوصًا أن منها ما يفسر الجانب الإلهي على سبيل الخصوص ويتذرعه، بينما نجد مفهوم الإله غائبًا تمامًا في الأديان التي تهتم بالجانب الأخلاقي كالبوذية والكونفوشية.
والواقع أنها تقدّم تفسيرًا لبعض الظواهر -كما بينّا-، ولكنها تفسّر الظواهر العميقة جدًا في الدين، خصوصًا فيما يتعلق بالجانب الإلهي منها، فالأديان الكبرى (المسيحية - الإسلام) مثلًا، يحتل فيها مفهوم الإله الدينَ كلّه تقريبًا، فهو إما عن الإله، أو مرتبطٌ به.
فمن تفسيرٍ يعتبر الدين ظاهرة طبيعية سيكولوجية صحية استدعاها الإنسان وبلورَها وطوّرها، خصوصًا عندما جابهَ في الطبيعة سلوكاتٍ مرعبة مخيفةً جعلته يتذرع بقوى خارقةٍ يعتقد بوجودها، ويعتقد بنصرتها له أمام الطبيعة القاسية التي عاملته بمثل ما عاملت كل الكائنات الحية، فكان لزامًا عليه أن يُشعِر ذاتَه أن معَهُ مناصرًا ما مختفيًا، قويًا، خارقًا، وخارقًا للغاية، كي يتجاوز محنته ومأزقه. ويصبح هذا التصوّر أكثرَ يقينًا عند الأخلافِ منه للأسلاف؛ لأن الدين عندهم يتطور، وعند الأسلاف يتبلور. ولذا فقد نشأ الدين من مخاوف الإنسان، ولكن لتكوّن الوعي عندَه اختلقَ نمطًا دفاعيًا استخدمَ فيه وعيَه الذكيْ لمجابهةِ المخاوِف. وقدْ صعُب بهذا التصوّر التفريق بين تكوّن الدين والسحر، على أنهما على طرفي نقيضٍ، وتقفُ الأديان الكبرى موقفًا معاديًا للسحرِ، إلا أن السحرَ بالفعلِ توظيفٌ إنسانيٌّ لقوى الطبيعة باسم قوًى خارقةٍ، يدّعي أنه تؤثّر في الطبيعة كي يسيّرها كما يرغب الإنسان، فتختلقُ المخاوفَ للعدو البشري، وتنزعُ المخاطر من حليفٍ وقع في مأزق. ولعلَّ استخدامَ الإنسان لأنماطِ المخيال الفكري والشعبذات المقالية في السحر دلالة قويّة على بدائيةِ هذه النزعة الإنسانية في الموظّفاتِ التي استخدمت هذا النمط الدفاعي برتبة هي أعلى من الحيوانات، أي بإضافة سلاحي النطق والمنطق، اللذين امتازَ بهما الإنسان. وكثيرًا ما نجدُ ممارساتٍ دينية تتسم إلى حد كبير بنفس سمات السحر.
وهذا التفسير يتعرض لظاهرة دينية أساسية هي ظاهرة وجودِ الإله، أو القوى الخارقة الخفية، ونجدُ فيه قدرًا كبيرًا من الوجاهة، خصوصًا في الأديان الوثنية القديمة.
وهناك تفسيرٌ لم يبعُد كثيرًا عن التفسيرِ السابق، إلا أنه أكّد على أن المسألة الدينية أعمقُ بكثيرٍ من كونها تعاويذَ وتراتيلَ تقدّم للقوى الخارقة لمجابهة المخاوِف، بل رأى الدينَ بمثابة تفسيرٍ للوجودِ ككل، أي بمثابةِ معرفة كاملة متكاملة، تضع لكل شيء في الوجود تفسيرًا، طبيعيًا أو ميتافيزيقيًا.
وهناك تفسيرٌ يؤكّد أن الأديان ظاهرةٌ اجتماعية، تبلورت اجتماعيًا لملاءمة كل مجتمع بحسب، ولكن سُرعان ما تحوّلت التنظيمات الاجتماعية بمجموعها إلى دينٍ يُنسب إلى نبي أو معلم أكبر اِستلهم المجتمعُ كلَّ قيمِهِ وتنظيماته وسلوكاته منه، ولا يَفْتأ الأخلاف في أن ينسبوا ذلك التنظيم بحذافيره إلى المعلم/النبي الأول، على أن أخلافهم كانوا يرونه ملهِمًا موجّهًا بشكلٍ عام، بعيدًا عن التنظيرات الاجتماعية التي تبلورت مع الأيام. والأديان -بهذا التفسير- كالقانون الدولي حاليًا، فهي لا تملك أنظمة مراقبة فاعلة كما يحصل اليوم في المجتمعات المتطورة، فلجأت إلى استحداث رقيب، إلهي، يثيبُ لأفعال يَعدّها المجتمع حسنة، ويعذب لأفعال يعدّها المجتمع سيئة، وبغرسه ذلك في الأخلاف تلقينًا ستكون ممارساتهم -إلى حد كبير- مرهونة باستشعار المراقبة، خصوصًا فيما يتعلق بالأمور التي يُكثّف بصددها الإنذار. وهذا التفسير أوجزه فولتير بقوله: (لو لم يكن الله موجودًا لوجب اصطناعه)، فالآلهة بشكل عام بمثابة منظم ومراقب على المجتمع، ويجب على المجتمع السير حسب ما يمليه المعلم أو النبي على لسان الآلهة، وبذلك يضمن المجتمع زوال السلوكيات المشينة، أو تقليلها، وتعزيز السلوكيات الحسنة.
وهذا التفسير وأمثالُه يفسر ظاهرة الأديان، لا دينًا بحياده، وهو يُنْبي عن إضمارٍ معقّدٍ بدا يومًا ما من مدعٍ كبيرٍ نشرَه، أي: إنه يؤكد وجودَ مصطنِع لفكرة الإله كي يسوس المجتمعات البشرية، وليس هو كالخوف -الذي سلف ذكره- الموجود عند كل البشر والذي ربما حصل بلا تخطيط مسبق، وإنما هو تفكيرٌ استراتيجي يُستبعد وجودُه أو إثباتُه على أشخاص معينين، أي: إنه يفسّر ربما تبلور الدين ودخوله في مخاض السياسة، كالمسيحية إبان العهد الروماني الذي تبناها لتسييس المجتمع وتماسكه، أو كالإسلام الذي تبنته الدول الأموية والعباسية لإنفاذ سياستها باسم خليفة الله في الأرض(3). ولذلك وجبَ التنويه إلى أن هذا التفسير -ذي النزعة الماركسية- ينظّر لتوظيف الدين في بلورة الدين! وهذا تخبّط واضح، فالدينُ وُظّف، ولم يتبلور لهذا الغرض.
وهناك تفسيرٌ أكد من وجهةِ نظرٍ بيولوجية –خلافًا للتفسير الأول الذي أوردناه، فهو سيكولوجي- أن الدين تكوّن بفعلِ الانتخاب الطبيعي الذي أضفى وعيًا بشريًا يستطيع به مجابهة المخاوِف والأحداث ككل، وسُرعانَ ما تطوّر هذا الوعي لاحتواء الأديان على صيغة تأملية أسهمت بشكلٍ فاعلٍ في تكوّن الوعي بحقائق الطبيعة (المنطقية) بشكل يتسارع لا يسرع فحسب.
وهذا التفسير معتمدٌ على (الانتخاب الطبيعي) المحرّك الأشهر والأقوى لنظرية التطور، والانتخاب الطبيعي أصلًا لا أجدُ دلائلَ منطقيةً سليمةً على كونهِ سلوكًا بفعل الطبيعة، إذ هو محضُ إسقاطاتٍ لما يرغب التطوريون في إثباته، والتطور فكرة بيولوجية حقيقة، لها دلائل كثيرة، ولكن الكيفية التي تكوّنت بها يخالطها إلى حد كبير غموضٌ شديد؛ لكونها تأريخية، أي افتراضات لا تعتمد التجربة الواقعية الكاملة بقدر ما تعتمد على شواهد تُستنبط. وموضعُ نقاشِ هذه النقطة يطول، وسنوردُه في موردِه.
وهناك تفسيرٌ أكّد أن الدين مغروسٌ طبعيًا في جينات الإنسان، أي في بنيته البيولوجية.
وهذا التفسير ينتج إشكالًا في الاستنتاج -بعيدًا عن الاستنباط-، حيثُ يوحي بصحة الفرضية القائلة بالانتخاب الطبيعي وأنه نمط دفاعي ووعي تتطور، وبصحة الفرضية القائلة أن الإنسان كائن ديني، أي متكوّن دينيًا، وهو يدعم الفرضية الغائية لعديد من الأديان.
وهناك مذهبٌ يفسّر الأديان بأنها محضُ تصورَات خاطئة، لم يَعُد لها على الإطلاق مكانٌ في عصر العولمة، بل ربما تجاوز ذلك ليعتبرها خطأ، وخطرًا، محدِقًا بالبشرية، ونمطًا فكريًا ضارًا، يُتَوراث بصورة (ميمية)(4)!
وهناك مذهبٌ يفسّر نشوءَ الدين بأن الله أرسل النبيين إلى كل أمة؛ بشرعية تلائمهم، ولكن الأمم غيّرت دياناتها وحرّفتها، ولذلك ما زالت الرسل تُرسل على نحو متكرر لتصحيح المعتقدات أو إنشاء دينٍ من الأساس -إن كانت أمةً أميّة لم يُرسل لها رسول-.
وجميع هذه التفسيرات والتصورات، وغيرها، تأخذ طابعًا جديًا وحقيقيًا ملموسًا، أوردتُ اعتراضاتي على بعضها دونَ بعض، وسأفنِّدُ لاحقًا -إن شاء الله- ما تيسَّرَ منها.


_________________________________
(1) حديثي ههنا عن المصطلح، لا عن التركيب اللغوي الذي يلزم منه كونُ اللادين نفيَ الدين، وإنما أتحدث عن مفهوم الدين الاصطلاحي، لا اللغوي، وقد بيّنتُ الاصطلاحَ الذي أرتأيه، ولستُ أنا الأول في هذا المضمار، بل قد سبقني الكثير في التأكيد على هذا المفهوم وتبنيه، وأطروحاتُ الملحد مايكل روز، بروفيسور في الفلسفة وعلم الحيوان في جامعة جيولف، تؤكّد تمامًا أن الداروينية بطبعها أصبحت دينًا بديلًا عن المسيحية، تجيب عن كل التساؤلات من كتاب (أصل الأنواع) بدلًا من (الكتاب المقدس). ويبدو هذا جليًّا عندما قال السيد جيش لِروز: (يا سيد روز، مشكلتكم أيها التطوريون إنكم لا تلعبون بشكل نظيف. تريدون أن تمنعونا نحن المتدينين من تدريس رؤانا في المدارس؛ بينما أنتم كالمتدينين تمامًا و لكن بطريقتكم. المسيحية تخبرنا من أين أتينا، وإلى أين سنذهب، وما يجب علينا فعله. إني أتحداك أن تثبت لي أي اختلاف فيها مع نظرية التطور التي تخبركم من أين أتيتم، وإلى أين ستذهبون، وما عليكم أن تفعلوه. أنتم لديكم الهكم، و اسمه تشارلز داروين).
وليسَ مستبعدًا على الإطلاق أن أؤكد كذلك أن اللادينية ليست دينًا فحسب، بل هي مذاهب متعددة، منها: الربوبية، واللاربوبية، واللاأدرية، والوجودية، والماركسية، والعدمية...الخ، مع التنويه إلى أن بعضَ المذاهب السالفة وغيرِها قد يُعدُّ فلسفة يتبناها المؤمنون بذاتهم بجانب معتقداتهم، مع وجود التناقض ربما.
(2) في كتابه (دين الإنسان).
(3) مع ملاحظة أن الإسلام وُظّف من قبل الدول الإسلامية لإنفاذ رغبات السياسيين، بينما المسيحية كانت كذلك في بدايتها، إلا أنها أخذت مع الأيام تهيمن على السياسة، وليس العكس كما هو الحال مع الإسلام.
(4) أوردَ هذا الطرحَ وناصرَه "ريتشارد دوكنز" في كتابه "الجين الأناني"، الذي افترض فيه "توراث الفكر"! وأطلق على المادة الفكرية التي تورِّثُ الفكرَ "ميمة" في مقابل "جين" التي تورث الصفات البيولوجية للإنسان، وقد أثار هذا المصطلح شغبًا كثيرًا في الأوساط العلمية، وأنا أعتقد أنه فكرةٌ "مضحكة". والحاصل أنه افترض أن الأديان "ميمات سيئة"، والميمات بمثابة الفيروسات، أي إنه فسَّر انتقالَ الميمة تفسيرًا فيروسيًا، واعتبر الأديان "فيروسات خطيرة" على حد تعبيره!
العجيب أن "دانيل دانيت" -تطوري ملحد- وافقه -حد ما في تفسيره-، في الوقت الذي يزعم فيه أن الأديان فكرة جيدة جدًا، ولكن في السابق!

مشرف 10
06-28-2013, 10:19 PM
عدلت المشاركة فلم أنتبه لكلامك يا رعاك الله ، وقد عدلت مشاركتي قبل أن تضع ردك عليها
راجع مشكورا الرسائل الخاصة
مع فائق الاحترام

عقل
06-28-2013, 10:22 PM
احترامي وودي أستاذي الكريم.
تمت مراجعة الرسائل.
سعدْت بك.