المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طالب العلم في رمضان والغنيمة الباردة



قلب معلق بالله
07-04-2013, 10:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده, ونستعينه, ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ))
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً))
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)).
أما بعد : فإن خير الحديث كتاب الله، وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
وبعد:
ففي هذا الشهر المبارك -شهر رمضان- تختلف أنظار الخلق اهتماماتهم, فمنهم الموفق, ومنهم المحروم, وتتنوع المشارب, فمنهم المنكبُّ على اللهو, ومنهم العاكف الذاكر.. وليس استقبال أهل الإيمان للشهر كاستقبال أهل الفسوق, وليس استقبال طالب العلم كاستقبال العامي.
فناشد العالِمية ضاربٌ في كل خير بسهم, وله في كل موسم مغنمٌ... ولا شك بأن غنيمته في شهر رمضان خير الغنائم, وقسمه خير قسم. فله مع الشهر أسرار, وله فيه إنجازات, كما في سائر الشهور.
وقد يسَّر الله -عزَّ وجلَّ- جمع بعض الأفكار العملية التي يستغل بها ناشد العالِمية هذا الشهر المبارك.

ومن هذه الأفكار:
1- عرض القرآن على حاذق فيه, ماهر بقراءته:
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتدارس القرآن مع جبريل -عليه السلام-, كما في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-, حيث قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.
قال النووي رَحِمَهُ اللهُ:" قَالَ أَصْحَابُنَا: السُّنَّةُ كَثْرَةُ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ وَمُدَارَسَتِهِ، وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَ عَلَىٰ غَيْرِهِ وَيَقْرَأَ غَيْرُهُ عَلَيْهِ، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ" اه. ( )
وقال الحافظ ابن رجب رَحِمَهُ اللهُ عن الحديث: "وفيه دليلٌ على استحبابِ الإكثارِ مِن تلاوةِ القرآنِ في شهرِ رمضانَ" اه ( ).
2- أن يجعل مذاكرة شهر رمضان في مسائل تتعلق بالقرآن فهماً, وتأملاً, وتفسيراً:
فيربط بين المتشابهات في المعنى, ويستعرض القواعد الكلية في القرآن, وينظر إلى أمثال القرآن, ويجول بفكره في النداءات القرآنية, ويستخرج العِبَر والفوائد, وحبذا لو كانت مكتوبة في كراس.

3- أن يجعل شطراً من قراءته في تعلم كيفية الاستنباط, واستمطار الأحكام من النص الواحد:
فإن الفرصة قائمة والخلوة مع القرآن مستمرة, فكان على النابه أن يغتنمها بتعويد نفسه على استخراج الأحكام والقواعد, وما صنيع السَّلف عنا ببعيد.
• فقد استنبط الإمام الشافعي الدليل على حجية الإجماع من القرآن عندما أمعن النظر فيه ثلاثة أيام, فلما لا نغتنم ذلك؟!
• ذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" شرح حديث -المجامع في نهار رمضان-: وقد اعتنى به بعض المتأخرين ممن أدركه شيوخنا, فتكلم عليه في مجلدين, جمع فيهما ألف فائدة وفائدة( ).
قال الفخر الرازي في "تفسيره": اعلم أنه مرَّ على لساني في بعض الأوقات أن هذه السورة الكريمة -يقصد الفاتحة- يمكن أن يستنبط من فوائدها ونفائسها عشرة آلاف مسألة, فاستبعد هذا بعض الحساد, وقوم من أهل الجهل والغي والعناد, وحملوا ذلك على ما ألفوه من أنفسهم من التعلقات الفارغة عن المعاني, والكلمات الخالية عن تحقيق المعاقد والمباني ...إلى أن قال... فثبت بهذا الطريق أن قولنا {أعوذ بالله} مشتمل على عشرة آلاف مسألة, أو أزيد, أو أقل من المسائل المهمة المعتبرة( ).التفسير الكبير (1/15-16), وينبغي التنبه هنا إلى ما ذكر قبل هنا في عددين سابقين بعنوان "دلالة الإشارة وأثرها في الفقه الإسلامي" لكاتبه, من كون ذلك يجب أن يكون فيما تقتضيه قواعد العربية ويكون جرياً على قواعد السلف في الاستنباط؛ احترازاً عن التأويلات الكلامية والإشارات الصوفية.


4- جرد كتب الرقاق مع القراءة في كتب تراجم العلماء وسيرهم:
كمدارج السالكين, والداء والدواء, كلاهما للامام ابن القيم, وحلية الأولياء لأبي نعيم, وسير أعلام النبلاء للإمام الذهبي, ومحاولة تطبيق ذلك على النفس؛ إثارة للعمل, وحثاً على التطبيق؛ فإن القارئ سيجد من عبير أنفاس السلف, واجتهادهم, وصيامهم, وقيامهم حادياً لسلوك جادتهم, وتلمس خطاهم. فالفرصة مواتية والحال قريبة, فإنه صائم قائم, عفُّ اللسان, ذاكراً, فأشبه السلف في هذا, فلعله يسلك مسلكَهم دهراً, ويخبُتُ قلبه أبداً؛ فإن تعويد النفس على الخير وتكرار ذلك عليها يجعلها تألف ذلك الخير وتتقن الصنيعة لله.

5- استنبات قلب جديد:
فقد ثبت أن القلوب تصدأ, وأن للذنوب عليها تأثيراً, وأن لها وكتاً, وراناً, ويعتريها المرض بل الوفاة, وثبت أيضاً أن القلب يُطيَّب للعلم كما تطيب الأرض للزرع, أليس شهر رمضان فرصة جيدة لاستنبات قلب جديد, وغرسه بماء الإيمان والعلم. وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً, فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير, وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس, فشربوا, وسقوا, وزرعوا, وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماءً, ولا تنبت كلأً, فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به, فعلم وعلَّم, ومثل من لم يرفع بذلك رأساً, ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"( ).

وأخيراً أسأل الله تعالى أن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح, وأن يصلح حال إخواننا المسلمين, إنه وليُّ ذلك والقادر عليه..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


كتبه/ أبو مالك السَّعيد العيسوي