أمَة الرحمن
08-23-2013, 08:39 PM
لا يمكن تفسير ما يحدث في الغرب بخصوص القضية البيولوجية الكبرى في أصول اﻷنواع إلا بانفصال العقل عن العلم ..
فهذا فريق يضع العلم حكماً ليوفق معه تفسيراً عقلياً مهما كان سفيهاً مردوداً ..
و هذا فريق آخر يضع العقل حكماً ليوفق معه بضع نظريات علمية مهما كانت اﻷغلبية من العلميين لا تقبلها ..
و التطاحن بينهما شديد ..
لذا فمن غير المقبول أن يحاول أحدهم توفيق القرآن مع اﻷغلبية من كلا الفريقين المتناقضين باﻷعلى، فيجعل القرآن معروضاً على العلم و العقل و إن وجد تعارضاً ذهب لتأويله قسراً أو حتى رده كما يحدث مع السنة النبوية ..
العلم نفسه متطور .. و العقل لا نهاية لجدلياته ..
إن جعلت العقل و العلم حاكمين على الوحي لزمك التناقض ﻷنك جمعت تناقضي الحرب العالمية البيولوجية القائمة حالياً بين العلم و العقلانية..
فقد ترد من الوحي اليوم ما يثبته العلم غداً، و قد تثبت ما لا تدعمه العقلانية السائدة اليوم ..
اﻷصل أن لا تتجاهل العلم و لا العقل، لكن تضبطهم بمنهج أهل السنة .. إثبات الوحي و حاكميته ثم اﻹجتهاد في تفسيره بالعقل و العلم ..
هذا لا يعني أبداً إلغاء العقل و العلم ﻹثبات وحي .. لابد منهما و نحن مأمورون بالبحث فيهما .. القضية فقط في : من الحكم اﻷصلي في هذا المثلث ؟ العقل أم العلم أم الوحي ؟
و هذه قضية كبرى لها جذور في التاريخ اﻹسلامي و أغلب المذاهب و المشارب خرجت بسبب اﻹجابات المختلفة لهذه المسألة .. فالمعتزلة مثلاً قدموا العقل و جعلوه حكماً فردوا النقل .. و من حاول التوفيق بين العقل و النقل لجأ لتأويل الواضحات و رد بعض النقولات كي تليق بالتفسير العقلاني المريح في بعض المسائل الغامضة عليه ..
الجديد في هذا العصر أن المسألة البيولوجية أصبح فيها عقل و علم .. و كلا منهما له إتجاه .. فأصبح متوجباً على من يرفض حاكمية الوحي بلا تأويل أن يعرضه على العقل و العلم فيزيد البدع القديمة تشعباً !
من المفترض أن يرضى (أغلب علماء البيولوجيا) و (أغلب العقلانيين) عن الوحي قبل إقراره .. و هذه كارثة ﻷن اﻷغلبية هنا و هنا في صدام !
علماء و مفكري الغرب في أزمة : فالداروينية الملحدة يسندها كثير من تفسيرات أغلب العلماء البيولوجيين، لكن لا ساند (عقلاني) لها إلا قليل غير مقنع، و هذا ظاهر في ارتباك داوكينز مثلاً برغم إلحاده، فلا يعرف الكيفية التي بدأ بها الخلق نفسه..
بينما داروينية التصميم الذكي الخلقية يساندها العقل أولاً ثم بعض العلم لكن العقل في المرتبة الأولى أكبر مساند لها ﻷن ميلر و غيره من العلماء قاموا برد كثير من سندهم العلمي ..
و من أكبر أمثلة إنفصال (العقلانية) عن (العلم) هو فرانسيس كريك ، عالم البيولوجيا الجزيئية فائق الشهرة ، إن كنت قد درست الحمض النووي الجزيئي (dna) فلابد أنك تعرف نموذج (واتسون و كريك) الذي فسر الشكل الجزيئي المعقد له ، هذا هو (كريك) الذي نتحدث عنه أحد سلاطين العلم في التاريخ عامة و التاريخ الحديث خاصة ..
لكريك مكانة كبرى كعالم ، لكنه يواجه العقلانية بتحدي علمي غير عقلاني ، وكان يستعلي بعلمه فوقهم بينما كانوا يسخرون من لا عقلانية تفسيراته .. فما هو التحدي ؟
كان كريك يؤمن أنه بمجئ سنة 2000 (في توقعات قديمة قبلها) سيتواصل البشر مع الكائنات الفضائية التي نقلت بذور الحياة إلى اﻷرض و فجرت التسلسل الدارويني .. كائنات فضائية ؟ نعم .. فهو كان ملحداً مستعلياً بعلمه يرفض الروح و يرى النشاط المخي مجرد ظواهر كيميائية فلا داعي للتهويل بخرافات الروح .. و بالتالي لا داعي لخرافات وجود إله خالق .. إنما الكائنات الفضائية هي التي وجدت (بذور الحياة) متناثرة في الكون فنقلتها إلى كوكب اﻷرض ..
العقلانيين يضحكون في سخرية بينما أهل العلم لا يناقش أكثرهم أقوال أحد السلاطين الكبار عندهم .. و لا يمنع هذا وجود أقلية عقلانية في أهل العلم الغربي ترفض هذه التفسيرات المتحدية للإله .. لكن تبقى اﻹشكالية قائمة بوضوح : إنفصال العقل عن العلم و حاكمية العلم عليه .. أصبح يقبل الكثير من اللامعقول مادام العلم يميل إليه و يرفض المعقول مادامت التجارب العلمية أقل مساندة له ..
و المسلم لا يدخل في هذه المعركة بين العقل و العلم إلا مسلحاً بالوحي أولاً .. ما يحدث من البعض هو عدم فهم لهذه المعركة أو عدم معرفة بوجودها أصلاً ، و بالتالي يشارك فيها متخذاً خيار الجانب العقلاني الغربي .. معتقداً أنه بهذا يواجه (العلم الغير عقلاني) بـ(العلم و العقلانية) بينما اﻵخر يؤمن أنه على حق ﻷنه يواجهك (بالعلم الأكثر قبولاً في العالم كله) و لا ينتظر تفسيراً عقلانياً مناسباً اﻵن ..
من اتخذ الوحي مهيمناً على هذه المعركة لن يجد أي مشكلة كما قد يتخيل البعض .. فتطور النوع الواحد لا يناقض القرآن و السنة ، كتطور مناعة الحشرات و البكتيريا ، بينما التطور الناقل من نوع إلى آخر (البكتيريا إلى ذبابة مثلاً) فلا دليل عليه يدعمه أو يرفضه تماماً ، و اﻷغلب في التفسير يدعم الخلق المباشر لا التطور ..
لكن خلق اﻹنسان بالذات ، و هو مدار المعركة كلها ، فالسنة الشارحة للقرآن تنفيه يقيناً ، و لا مشكلة عقلانية حقيقية مع هذا النفي بالنسبة للمؤمن بالله بل و لا مشكلة علمية حقيقية أيضاً .. التجارب العلمية القائمة لم تخلق يعسوباً من خلية بكتيرية و لا حتى نملة .. هذا مع التعمد فمابالك بمن يقول بالصدفة .. و هي كذلك لا تدعم التصميم الذكي لهذه الدرجة .. هي تدعم الخلق المباشر أكثر بالصورة العقلانية و العلمية إن تم ضبطها بالوحي القرآني و السنة النبوية ..
إن أزمة الغرب الكبرى لابد من فهمها ، و ميزة المسلم تتمثل في انضباطه بالوحي و إجتهاد العقل في تفسيره و العلم في دعمه لا حاكميتهما عليه ..
بقلم: عمرو عبد العزيز
فهذا فريق يضع العلم حكماً ليوفق معه تفسيراً عقلياً مهما كان سفيهاً مردوداً ..
و هذا فريق آخر يضع العقل حكماً ليوفق معه بضع نظريات علمية مهما كانت اﻷغلبية من العلميين لا تقبلها ..
و التطاحن بينهما شديد ..
لذا فمن غير المقبول أن يحاول أحدهم توفيق القرآن مع اﻷغلبية من كلا الفريقين المتناقضين باﻷعلى، فيجعل القرآن معروضاً على العلم و العقل و إن وجد تعارضاً ذهب لتأويله قسراً أو حتى رده كما يحدث مع السنة النبوية ..
العلم نفسه متطور .. و العقل لا نهاية لجدلياته ..
إن جعلت العقل و العلم حاكمين على الوحي لزمك التناقض ﻷنك جمعت تناقضي الحرب العالمية البيولوجية القائمة حالياً بين العلم و العقلانية..
فقد ترد من الوحي اليوم ما يثبته العلم غداً، و قد تثبت ما لا تدعمه العقلانية السائدة اليوم ..
اﻷصل أن لا تتجاهل العلم و لا العقل، لكن تضبطهم بمنهج أهل السنة .. إثبات الوحي و حاكميته ثم اﻹجتهاد في تفسيره بالعقل و العلم ..
هذا لا يعني أبداً إلغاء العقل و العلم ﻹثبات وحي .. لابد منهما و نحن مأمورون بالبحث فيهما .. القضية فقط في : من الحكم اﻷصلي في هذا المثلث ؟ العقل أم العلم أم الوحي ؟
و هذه قضية كبرى لها جذور في التاريخ اﻹسلامي و أغلب المذاهب و المشارب خرجت بسبب اﻹجابات المختلفة لهذه المسألة .. فالمعتزلة مثلاً قدموا العقل و جعلوه حكماً فردوا النقل .. و من حاول التوفيق بين العقل و النقل لجأ لتأويل الواضحات و رد بعض النقولات كي تليق بالتفسير العقلاني المريح في بعض المسائل الغامضة عليه ..
الجديد في هذا العصر أن المسألة البيولوجية أصبح فيها عقل و علم .. و كلا منهما له إتجاه .. فأصبح متوجباً على من يرفض حاكمية الوحي بلا تأويل أن يعرضه على العقل و العلم فيزيد البدع القديمة تشعباً !
من المفترض أن يرضى (أغلب علماء البيولوجيا) و (أغلب العقلانيين) عن الوحي قبل إقراره .. و هذه كارثة ﻷن اﻷغلبية هنا و هنا في صدام !
علماء و مفكري الغرب في أزمة : فالداروينية الملحدة يسندها كثير من تفسيرات أغلب العلماء البيولوجيين، لكن لا ساند (عقلاني) لها إلا قليل غير مقنع، و هذا ظاهر في ارتباك داوكينز مثلاً برغم إلحاده، فلا يعرف الكيفية التي بدأ بها الخلق نفسه..
بينما داروينية التصميم الذكي الخلقية يساندها العقل أولاً ثم بعض العلم لكن العقل في المرتبة الأولى أكبر مساند لها ﻷن ميلر و غيره من العلماء قاموا برد كثير من سندهم العلمي ..
و من أكبر أمثلة إنفصال (العقلانية) عن (العلم) هو فرانسيس كريك ، عالم البيولوجيا الجزيئية فائق الشهرة ، إن كنت قد درست الحمض النووي الجزيئي (dna) فلابد أنك تعرف نموذج (واتسون و كريك) الذي فسر الشكل الجزيئي المعقد له ، هذا هو (كريك) الذي نتحدث عنه أحد سلاطين العلم في التاريخ عامة و التاريخ الحديث خاصة ..
لكريك مكانة كبرى كعالم ، لكنه يواجه العقلانية بتحدي علمي غير عقلاني ، وكان يستعلي بعلمه فوقهم بينما كانوا يسخرون من لا عقلانية تفسيراته .. فما هو التحدي ؟
كان كريك يؤمن أنه بمجئ سنة 2000 (في توقعات قديمة قبلها) سيتواصل البشر مع الكائنات الفضائية التي نقلت بذور الحياة إلى اﻷرض و فجرت التسلسل الدارويني .. كائنات فضائية ؟ نعم .. فهو كان ملحداً مستعلياً بعلمه يرفض الروح و يرى النشاط المخي مجرد ظواهر كيميائية فلا داعي للتهويل بخرافات الروح .. و بالتالي لا داعي لخرافات وجود إله خالق .. إنما الكائنات الفضائية هي التي وجدت (بذور الحياة) متناثرة في الكون فنقلتها إلى كوكب اﻷرض ..
العقلانيين يضحكون في سخرية بينما أهل العلم لا يناقش أكثرهم أقوال أحد السلاطين الكبار عندهم .. و لا يمنع هذا وجود أقلية عقلانية في أهل العلم الغربي ترفض هذه التفسيرات المتحدية للإله .. لكن تبقى اﻹشكالية قائمة بوضوح : إنفصال العقل عن العلم و حاكمية العلم عليه .. أصبح يقبل الكثير من اللامعقول مادام العلم يميل إليه و يرفض المعقول مادامت التجارب العلمية أقل مساندة له ..
و المسلم لا يدخل في هذه المعركة بين العقل و العلم إلا مسلحاً بالوحي أولاً .. ما يحدث من البعض هو عدم فهم لهذه المعركة أو عدم معرفة بوجودها أصلاً ، و بالتالي يشارك فيها متخذاً خيار الجانب العقلاني الغربي .. معتقداً أنه بهذا يواجه (العلم الغير عقلاني) بـ(العلم و العقلانية) بينما اﻵخر يؤمن أنه على حق ﻷنه يواجهك (بالعلم الأكثر قبولاً في العالم كله) و لا ينتظر تفسيراً عقلانياً مناسباً اﻵن ..
من اتخذ الوحي مهيمناً على هذه المعركة لن يجد أي مشكلة كما قد يتخيل البعض .. فتطور النوع الواحد لا يناقض القرآن و السنة ، كتطور مناعة الحشرات و البكتيريا ، بينما التطور الناقل من نوع إلى آخر (البكتيريا إلى ذبابة مثلاً) فلا دليل عليه يدعمه أو يرفضه تماماً ، و اﻷغلب في التفسير يدعم الخلق المباشر لا التطور ..
لكن خلق اﻹنسان بالذات ، و هو مدار المعركة كلها ، فالسنة الشارحة للقرآن تنفيه يقيناً ، و لا مشكلة عقلانية حقيقية مع هذا النفي بالنسبة للمؤمن بالله بل و لا مشكلة علمية حقيقية أيضاً .. التجارب العلمية القائمة لم تخلق يعسوباً من خلية بكتيرية و لا حتى نملة .. هذا مع التعمد فمابالك بمن يقول بالصدفة .. و هي كذلك لا تدعم التصميم الذكي لهذه الدرجة .. هي تدعم الخلق المباشر أكثر بالصورة العقلانية و العلمية إن تم ضبطها بالوحي القرآني و السنة النبوية ..
إن أزمة الغرب الكبرى لابد من فهمها ، و ميزة المسلم تتمثل في انضباطه بالوحي و إجتهاد العقل في تفسيره و العلم في دعمه لا حاكميتهما عليه ..
بقلم: عمرو عبد العزيز