د. هشام عزمي
09-17-2013, 11:50 PM
(( بالرغم من أن تاريخ ظاهرة الإلحاد في المجتمعات الإنسانية يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد ، إلا أن التحريرات الغربية المُحكمة لمصطلح "الإلحاد " بصورته الحديثة التي يُعنى بها هذا الكتاب تعود إلى القرن التاسع عشر ، فبينما كان الإلحاد ذو صورة فلسفية محضة تقترب من اللاأدرية الرومانسية في العصر الإغريقي كما يظهر من آثار الملاحدة الأوائل مثل ثِيوُدِرُوسْ Theodorus الملحد و بُروتَاجُورَاسْ Protagoras، اتخذ الإلحاد في القرن التاسع عشر تحديداً صورة مغايرة تماماً ، فبدأ يرتبط بالوضعية و بدأ يتم تحرير مفاهيمه بشكل يتماشى كلياً مع الثورتين العلمية و الصناعية اللتان أعادتا إحياء أوروبا ، و من ثمَّ فقد أصبح "الإلحاد" بمفهومه الجديد قضية فكرية رصينة في الفكر الأوروبي الحديث بعد أن كان لايعدو أن يكون "هرطقة" أو "شذوذ فكري" في العصور القديمة ؛ الوثنية و المسيحية على حد سواء ، فتطلعنا دورية "المتعقل The Reasoner" البريطانية على خطاب مطول من وِيلْيَام شِلْتُون Chilton جاء فيه : "إن الإلحاد يحتوي على قيم سلبية وأخرى إيجابية ، فالقيم السلبية هي التي تنفي وجود خالق لهذا العالم ، القيم السلبية هي التي تنفي الحقائق المفترضة للإيمان بالخالق ، والقيم الإيجابية هي التي تثبت الحقائق المتعلقة بالإلحاد. إن الإلحاد يتعلق بشكل محوري بإنكار وجود الإله ، لكنه بالرغم من ذلك مبدأ عقدي تأكيدي بنفس درجة المبدأ الإيماني : فالإلحاد مبدأ إيجابي ، حالة إيجابية للعقل واقتناع ثابت ومستقر."أ.هــ
تفيض كلمات شِلْتُون باليقين الذي صاحب الداروينية في عصر البخار ، هذا اليقين الذي جعل إنسان القرن التاسع عشر يرى حضارته الهشة المتداعية على أنها بالغة الكمال لدرجة جعلت هـ.ج. وِلْز Wells يتصور نهاية الجنس البشري في رائعته "آلة الزمن" التي عكست رؤية الإنكليز المتغطرسة لمقدار التقدم الذي وصلت إليه تقانة البخار آنذاك ، هذا التقدم الذي رآه وِلْز يمتلك القدرة على مسخ نصف الجنس البشري وتحويله إلى وحوش تلتهم النصف الآخر والذي تحول بدوره إلى دواجن بشرية بسبب تأثير الحضارة الغربية المبهرة على نمط حياته و مجتمعه. سنقف في هذا الكتاب وقفة مطولة مع ذلك اليقين الذي صاحب عصر البخار في موضع لاحق حين التعرض لحتمية القوانين الطبيعية كما تراها المدرسة التجريبية ، ومن ثمَّ الوضعية ، لفلسفة العلوم ، والتي مهدت العقل الأوروبي لاعتناق الإلحاد خلال القرن التاسع عشر. ))
--- سطور من كتاب "الإلحاد الحديث و فلسفة العلوم" للدكتور خالد صقر ، والذي سينشر بعد شهور قليلة بإذن الله ..
تفيض كلمات شِلْتُون باليقين الذي صاحب الداروينية في عصر البخار ، هذا اليقين الذي جعل إنسان القرن التاسع عشر يرى حضارته الهشة المتداعية على أنها بالغة الكمال لدرجة جعلت هـ.ج. وِلْز Wells يتصور نهاية الجنس البشري في رائعته "آلة الزمن" التي عكست رؤية الإنكليز المتغطرسة لمقدار التقدم الذي وصلت إليه تقانة البخار آنذاك ، هذا التقدم الذي رآه وِلْز يمتلك القدرة على مسخ نصف الجنس البشري وتحويله إلى وحوش تلتهم النصف الآخر والذي تحول بدوره إلى دواجن بشرية بسبب تأثير الحضارة الغربية المبهرة على نمط حياته و مجتمعه. سنقف في هذا الكتاب وقفة مطولة مع ذلك اليقين الذي صاحب عصر البخار في موضع لاحق حين التعرض لحتمية القوانين الطبيعية كما تراها المدرسة التجريبية ، ومن ثمَّ الوضعية ، لفلسفة العلوم ، والتي مهدت العقل الأوروبي لاعتناق الإلحاد خلال القرن التاسع عشر. ))
--- سطور من كتاب "الإلحاد الحديث و فلسفة العلوم" للدكتور خالد صقر ، والذي سينشر بعد شهور قليلة بإذن الله ..