المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأساطير فى القرآن الكريم



أسلمت لله 5
01-21-2014, 05:07 PM
بسـم اللـه الـرحمن الـرحيم


الأساطير في القرآن الكريم


ورد لفظ "أساطير" في تسع موارد متفرقة في القرآن الكريم، وهو تكرار يستحقّ بذل المجهود لدراسته واستخلاص المعاني المخبوءة فيه، ولنا أن نسأل: ما موضوع الآيات التي ذكرت الأساطير؟ ومن الذي قالها؟ وما دواعي القول؟ ولماذا ذُكِرَت الأساطير في تلك المواضيع دون غيرها؟ وهل أنّ الله سبحانه قد ردّ على من ذكر الأساطير، ولماذا؟ وما هي العناصر المشتركة في الآيات كلّها؟ وهل يمكن أن نفهم شيئاً عن مضامين الأساطير من خلال فهمنا للآيات؟ ولماذا لم تأتِ لفظ "أساطير" لوحدها بل جاءت في الآيات كلّها بـ"أساطير الأولين"؟

العنصر المشترك في جميع آيات "أساطير الأوّلين" أنّها وردت على لسان الكافرين لدعوة الحقّ، ولم ترد على لسان غيرهم من أهل الكتاب، كما أنّ كلّ الآيات قيلت في مناسبات الاحتجاج والجدال حول قضايا إيمانية عقلية منطقية تدعوهم إلى النظر في الدعوة الجديدة نظرة متجرّدة أبرزها الدعوة للتوحيد وقبول البعث والحساب، وأمام عجزهم عن ردّ الحجة بالحجة يلجأون إلى إغلاق باب الجدال بنسبة ما يسمعونه إلى أساطير الأولين، وفي ذلك إشارة واضحة أنّ هؤلاء كانوا يعلمون أنّ هناك تراثا مسطورا وضعه الأوّلون ويبدو أيضا أنهم كانوا يحتفظون في أذهانهم ببعض معالمه،ّ ودعوة الرسول قد ذكّرتهم بتلك المعالم، فأقرّوا بأنّ ما يعرفونه سابقاً عن أساطير الأولين يتضمّن معاني تقترب لما جاء به الرسول وهي تخالف معتقداتهم وما هم عليه، فقد حافظ التراث على مضامينه أو بعضها إلى عهد الرسول(صلى الله عليه وسلم) عبر تناقله شفهيا إذ لم تكن المدوّنات والرقم متداولة كونها بقيت مطمورة تحت الأرض لآلاف السنين قبل أن تكتشف في العصر الحديث.

سنتجوّل في بحثنا في الآيات القرآنية التي وردت فيها لفظ "أساطير الأولين" حسب تسلسلها في القرآن، في محاولة للإطلاع على الأسرار من ورائها:

أولا : سورة الأنعام:


قال تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) (25).

فقد وجدوا التشابه مع الأساطير، فلمْ ينف سبحانه قولهم، بل عقّب "وهم ينهون عنه وينأون عنه" مما يشعر الاستنكار عليهم إذا كان مثل أساطير أولّيهم فلماذا مع ذلك هم ينأون وينهون عنه، أانقطعوا عن أصولهم الأوّلية؟ والتشابه مع الأساطير كون الرسول يتحدث عن آيات الله، والإيمان بالبعث والحساب (لقاء الله)، يأتي بعدها قول الذين كفروا بأنّ هذا ما هو إلا "أساطير الأوّلين" للإشارة أنّ الذي تقوله موجود سابقاً، فانتحلته وادّعيتَ النبوّة، فعقّب سبحانه بأنّهم لا يكذّبونك بل يكذّبون بآيات الله وهذا ما جاءت به الرسل سابقاً، فهم ضدّ الرسول، وضدّ الرسالة التي وجدوا أنّها تُحاكي في أصولها أساطير الأوّلين واعترفوا بذلك ومع ذلك ينهون عنه وينأون.

ثانيا: سورة الأنفال:

قال تعالى: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)(31-32).

هنا أيضاً لمْ ينفِ سبحانه التشابه، فلقد حاكوا الحقّ الذي يسمعونه بالذي تقوله الأساطير، فكلاهما يصفان آيات الربوبيّة الواحدة، على خلاف الشرك الذي هم فيه، فليس جديدا ما يسمعونه، ولو شاءوا لقالوا مثله ولاعتقدوا بمثله، أليس هذا بالتمام (لاحظ أدوات القصر والحصر) ما تقوله أساطير الأولين، ثمّ استخفّوا بهذا الحقّ بدعائهم السخيف.

ثالثا: سورة النحل:

قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ)(24).

فأساطير الأوّلين حسب سياق الآيات، لمْ تأتِ بتعدّد الآلهة والأرباب والشركاء على خلاف ما يدّعيه مترجمو الأساطير، فالخالق واحد والإله واحد، وهي تدعو للإيمان بالآخرة وعدم الاستكبار، ولاحظ أنّهم حين سُئلوا "ماذا أنزل ربُّكم؟" لمْ يقولوا "أساطيرَ" بفتح الراء، ليكون جوابهم أنّ الله أنزل أساطير الأوّلين، فهم يرون التشابه، وهذا أحد الأسباب علاوةً على استكبارهم وهو الأصل الذي جعلهم لا يرون أنّ الله أنزل شيئاً، بل الأمر كلّه انتحال لأساطير الأوّلين التي تقول نفس الأمور. والله يُبيّن أنّ الذين تعاملوا بالاستكبار والمكر قبلهم مع حقائق ما يُسمّونه "أساطير الأوّلين" أهلكهم الله وعذّبهم من حيث لا يشعرون، والدليل أنّه مسطور منذ القدم في الأقوام التالية.

رابعا: سورة المؤمنون:

قال تعالى: (بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الأَوَّلُونَ * قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) (81-83).

يتُبيّن من الآيات في سورة المؤمنون أنّ الشرك والآلهة مع الله غير موجودة في الأساطير، بل هي افتراءات مضافة، والمشركون اعترفوا بأنّ التوحيد والبعث والوعود الإلهية موجودة في أساطير الأوّلين، وأنّ كلّ الذي تقوله وُعدْنا ووُعِدت آباؤنا بـ (هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ).

خامسا: سورة الفرقان:

قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) (4-6).

الأمر صار بيّناً؛ هم يكفرون بالتنزيل، ويؤمنون بأنّ نفي الشرك في الألوهية وفي الخلق، وقضايا الموت والبعث والنشور، موجودٌ في الأساطير، والنبيّ (ص) قام بافتراء النبوة ونسبة القرآن إلى الله، وهو في الحقيقة أساطير الأولين اكتتبها وأُمليت عليه.

سادسا: سورة النمل:

قال تعالى: (بَلْ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَئِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) (66-68).

فنفي الآلهة مع الله، والإعلام بالآخرة، والإيمان بالبعث، هذه أقوال ووعود موجودة في "أساطير الأولين"، ولمْ يتبّن صدقها ولمْ تثبت بل هي مزاعم كمزاعم الرسول الجديد محمد.

سابعا: سورة الأحقاف:

قال تعالى: (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ )(17).

فالإيمان بالله والبعث والحساب، موجود في أساطير الأوّلين ومعروف عند الجميع، وكلّ مرّة يُؤكّد بأنّ "هذا" أي مطالبة الإيمان بهذه القضايا موجود في كلام الأوّلين فهو قديم وبلى عليه الزمن الجديد.

ثامنا: سورة القلم:

قال تعالى: (أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) (14-15).

أقسم سبحانه في السورة بـ"يسطرون"، الذي يُسطّر القوانين وحقائق كلّ ما في الوجود ويُسطّر أعمال الإنسان وأقواله ليُحاسبه عليها، ثمّ يبعث الرسل بها، ليُقال عنهم "مجانين"، وفي القرآن لا يُقال لأيّ رسول "مجنون" إلاّ في قضية واحدة حصراً هي جعل الآلهة إلهاً واحداً ونفي الأنداد والأرباب مع الله، أي إحالة كلّ المظاهر الطبيعيّة الفاعلة فيهم والمتناقضة إلى ربٍّ وإلهٍ واحد، فهذا جنون في نظرهم المُكابِر (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ)، لكنّهم يُقرّون أنّه من مزاعم أساطير الأولّين، جاء يُكرِّرها.

تاسعا: سورة المطففين:

قال تعالى: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ) (10-13).

فما تدعو له آياتُ القرآن المتلوّة، الشاهدة على وحدانية الله، والرجوع إليه للجزاء في يوم الدين، والدعوة لكفّ الاعتداء والآثام، كلّ ذلك موجود فيما سطّره الأوّلون من ملاحم وأشعار (أساطير)، فما الجديد المُقنع سوى ادّعاؤك أنّك رسولٌ من الله بكلامٍ نقشته من أساطير أولئك؟!.

نستخلص من الآيات السابقة أنّ:

1- قضايا الرسل في جوهرها الاعتقادي (التوحيد) والأخلاقي (القيم) والاجتماعي (العدل والمعروف) موجودة في أساطير الأولين.

2- هناك نسبة موجودة بين أساطير الأولين والرسل القبْليّين، وقد أبرز تلك النسبة تشابه ما ورد في الأساطير مع رسالات الرسل وأقوال الأنبياء(عليهم السلام) باعتراف الكفّار أنفسهم.

3- لمْ تُستعمل "أساطير الأولين" مع أيّ نبيّ آخر غير محمّد (صلى الله عليه وسلم)، ما يعني أولا: أنّ هذا التراث (الأساطير) هو تراث الأنبياء والمصلحين والأحناف قبله. وثانيا: أنّ "الأساطير" كمفردة تاريخية صار لها وجود حاضر في عصر البعثة المحمدية لاشتهار التدوين (التسطير)، ولمْ تكن متاحة فيما سبق إلاّ بشكل خاص للخواص. ثالثاً: أنّ ابتعاد الزمن وتشوّه عقائده وتسفّل عاداته وتردّي الأخلاق جعل من هذه الكلمة نقيصة يلوكها الكافرون بالمذمّة، في الوقت أنّها في الزمن السابق القديم كانت رمز عقيدة صحيحة ورقيّ وحضارة وعلم، لا تندُّر.

4- نفى سبحانه في كتابه عن نبيّه (صلى الله عليه وسلم) ما ادّعوه عليه أنّه مجنون أو مفتون أو شاعر أو كاهن أو ساحر، كما نفى عن القرآن أنْ يكون مفتَرَياً، أو اكتتبها من أناس، أو قول شيطان رجيم، أو أيّ شيء، لكنه لم ينف وجود ذلك المضمون ولا مرّةً واحدة في أساطير الأولين.

5- أثبت سبحانه وجودها بشكلٍ مباشر في أساطير الأوّلين الصحيحة، وسمّاها (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ)(الشعراء:196)، (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى)(الأعلى:18)، وعدّ هذا التشابه بيّنة على صدق المصدر ووحدته (أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى)(طه:133).

6- لم يُسمِّ سبحانه مصادر الحقّ (الزُبر والصحف) "أساطير الأوّلين" لأنّ تسميتها تنفي نسبتها لله وتجعلها وكأنّها من اجتهادات أو خيالات الأوائل، وهو أمرٌ صحيح على مستوى الصياغة ففيها من المحسنات والإضافات والرموز والتمثيلات المقدار الكثير، لكنّ مضمونها هو مضمون كتب السماء من توحيد وإيمان بآخرة وبرسل وبملائكة وبالعدل والعمل الصالح والنظام الاجتماعي السويّ واحترام الطبيعة، والنظر إلى كلّ الأمور أنّها آياتٌ من الربّ، وهل القرآن يقول غير هذا؟ فأساطير الأولين ليست هي الصحف الأولى ولا الزُبر، بل هي إعادة صياغة لتلك القيم والاعتقادات في قوالب ملحميّة محبّبة لتُحفظ.

رابط المقال
http://www.tajdeed.org/article.aspx?id=10141

من كتـاب (( الأسطورة.. توثيق حضاري ))
http://asateralibaba.freehostia.com/images/image025.jpg

قسم الدراسات والبحوث

جمعية التجديد الثقافية الاجتماعية

مملكة البحرين

الطبعة الأولى

2005

مقدمة الكتاب مع الفصول
لتحميل الكتاب .

http://www.tajdeed.org/article.aspx?id=10128

http://www.goodreads.com/book/show/10249995