المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرجاء المساعدة فى الرد ..!



محمد الحامى
06-10-2006, 03:22 PM
الحكاية الكبرى لأول الوهن!!(*)
هل الامة تعانى ازمة اول الوهل..؟


جاء في كتب الأخبار القديمة(السيرة النبوية لابن هشام، تاريخ الطبري، تاريخ ابن كثير...) أنه، بعد وفاة النبي مباشرة، أجتمع سادة الأنصار في سقيفة بني ساعدة للتشاور بشأن اختيار واحد منهم لخلافة الرسول بحسبانهم هم من نصره وحماه واعز دينه حتى دانت بسيوفهم له العرب. فاتفقوا ان يكون سعد بن عبادة خليفة للرسول. وأنهم، في حالة رفض قريش لاقتراحهم هذا، سينادون بأن يكون: "أذن منا أمير ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا الأمر أبدا..." وهنا علق سعد بن عبادة: هذا أول الوهن!

وعندما اُعلِم عمر بن الخطاب بما يدور في السقيفة، أهرع إلى بيت الرسول ونادى على علي بن أبي طالب، الذي كان يشرف، وقتها، على تجهيز جنازة الرسول المتوفى لتوه. وأرسل في طلب حضور أبي بكر لاجتماع قيادي طارئ، شرح خلاله ما يخطط له الأنصار قائلا:" من ينازعنا على سلطان محمد وأمارته ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مُدلٍ بباطل أو مُتجانف لاثم أو متورط في هلكة ( = مؤامرة ، بلغة اليوم!) " ثم مضوا مسرعين مع رهط من قريش لقطع الطريق على مخططات الأنصار "الانقلابية".! في سقيفة بني ساعدة، تجادل الحزبان ( الأنصار والمهاجرون ) وقد تمسك كل منهما بحقه في خلافة الرسول. ثم أضطر الأنصار إلى تقديم التنازلات للمساومة على شيء من المكاسب، فرفض سادة قريش أية تنازلات، وأصروا على حقهم القبلي الكامل في وراثة"سلطان" محمد بلا منازع.

كان وصف "أول الوهن"، الذي أطلقه سعد بن عبادة، تعبيرا نافذ البصيرة عن داء العصبية الذي بذر بذرته مبكرا في البنية الجنينية للدولة الإسلامية الناشئة لتوها، بينما كان الرسول/القائد يُغسَّل. وفي رواية أخرى ينازع رمقه الأخير. وقد صاحت فاطمة حينها في وجوه المتخاصمين:" تركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم. ".!

في سقيفة بني ساعدة تلك، تحولت الدعوة المحمدية الروحية/الأممية إلى غنيمة مُلك تتنازعه القبائل. فإلتبس الإسلام بالعصبية. وليوضع، في تلك اللحظة "الانقلابية"، الحجر الأساس لتاريخ طويل من تداعيات"أول الوهن" الذي أخذ في التضخم والتورم والتعفن، متغذيا على صراعات سياسية دموية لم تنقطع، استخدمت أطرافها الإسلام عباءة دينية، والقرآن خديعة على آسنة الرماح..!

ابتدأ"أول الوهن" بين الأنصار(الأوس والخزرج/أصحاب يثرب) من جهة والمهاجرين(قريش/أصحاب مكة) من جهة أخرى. ثم تحول إلى صراع، عائلي، داخل قريش نفسها، بين بني أمية وبني هاشم، في عودة لإحياء الصراع العائلي الجاهلي القديم بين بني هاشم وبني أمية، في صورة صراع سياسي بين امبراطوريتين(الأموية والعباسية) محمول على صراع ديني(بالمعنى المذهبي) بين السنة والشيعة.. وأما على المستوى الوعي التاريخي، فقد تولّد، ونما، صراع فكري/ايديولوجي بين إسلام السلطة وإسلام المعارضة، إسلام النقل وإسلام العقل.... الإتباع والإبداع...... وهكذا.... إلى أن هيمنت ثقافة الجمود على الموجود، والاجماع على الخنوع، توسلا بوجوب طاعة أولي الأمر.!

لذا كان "أول الوهن" الطعنة التي اصابت روح الشورى في مقتل، في تلك السقيفة. بمعنى إقصاء مبدأ الشوري عن تدبير الحكم واجتهاد الفكر. إذ تغلب منطق العصبية القبلية لثقافة ما قبل الإسلام على دولة الإسلام، التي تعتمد، في جوهرها، على مفهوم"التقوى" كمعيار للمواطنة في الأمة(أمة الإسلام) ، حيث لا فرق بين عربي أوأعجمي، أسود أو أبيض أو أحمر.. الخ، إلا بالتقوى. وفُرض نظام المبايعة الإلزامية الذي ألغى، عمليا، الحق في المعارضة,وربُطت طاعة أولو الأمر بطاعة الله، والدعوة للخليفة/السلطان، على منابر المساجد(ثم التلفزيون!!)، بالدعوة لله.!

ان أول الوهن الذي جرى في اجتماع بدوي مغلق سرعان ما سيتحول عبر تراكمات من الأوهان المركبة في الاعيان(الوقائع المادية التاريخية) والاذهان(الأفكار) إلى مستتبات قطعية الثبوت، بمعنى ان ثورة بني أمية المضادة التي تحققت على يد معاوية بن سفيان ، روضت الإسلام الثوري ليخدم مصالحها التجارية/الاقطاعية. بحيث لم تتوان في الكذب على النبي كي تثبت حكمها وتركزه في نسلها، وتأصل، بالتالي، ايديولوجيتها الصارمة ليتم الجمود على مسلماتها من أجل تبرير جمودية الحكم الأموي النمطي. وعندما انتقلت السلطة إلى العباسيين انتعش الاجتهاد الفكري(الفقهي والفلسفي) لبعض الوقت. ثم سرعان ما جرى قمع الحركة التنويرية، ليعود الجمود على الموجود، إلى ان يتحول الخلفاء العباسيين إلى دمى تافهة بيد السلاجقة والاتراك.. وتهيمن الخرافة على الواقع، وتنطمر مؤلفات الفكر العقلاني تحت غبار المكتبات الثقافة الرسمية.. وبالتالي عندما سقطت بغداد تحت سنابك المغول وتحولت مياه الفرات ودجلة إلى حبر ، لم يكن ذلك الحبر، في الواقع، إلا قيح ذلك الوهن الأول الذي أخذ يتورم قرونا تنطح قرونا بحيث بدا هولاكو مجرد مشرطا ضروريا بيد القدر التاريخي. طبعا لن اتوقف عند ان غزاة بغداد من المغول سرعان ما غزاهم الإسلام، دع عنك هزيمتهم الفظيعة في"عين جالوت" على يد قائد سلجوقي!

أتحدث عن الوهن الذي شل العقل الإسلامي(العربي، على الخصوص) فعَقَله، أي بمعنى عَقلَ الجمل: ثنى وظيفه مع ذراعه فشدّهما معا بحبل من العِقال.!

انه العقل المعتقل، الذي ظل، لقرون طوال، يجتر المنقول والمكرور والمنسوخ من العلوم الدينية، كما يجتر الخوف والخنوع والخمول، والشعوذة، في ظل جهل مطبق بالعلوم العقلية. إلى ان نزل نابليون بونابرت من سفينته الحربية، وأسمها الشرق بالمناسبة، على شواطيء الاسكندرية، مصحوبا بجيشه ومدافعه... ومطبعة عربية، كانت بمثابة عجيبة من عجائب الدنيا. وأول ما طبع عليها بيانه التاريخي إلى المصريين يبشرهم فيه بأنه جاء لتحريرهم من المماليك ونشر الحضارة والمدنية.! ونجد في تاريخ عبدالرحمن الجبرتي، مؤرخ الحملة الفرنسية من وجهة نظر عربية، إسلامية، وصفا دقيقا لما وصل إليه الوهن العربي/الإسلامي وهو يتلقى صدمة الحداثة الأولى، من خلال انطباعات الجبرتي المدهوش لما يرأه من مظاهر وطرائق عيش غير مألوفة عند الفرنسيس، وأدوات علمية غريبة(فلكية/كيميائية/طبية/هندسية.. ) تستخدم، بتعبيره، في :" أمور وأحوال وتراكيب غريبة ينتج منها نتائج لا يسعها عقول مثلنا.. "!

ويبقى، لا شك ان العرب والمسلمين حققوا، منذ اللحظة النابليونية تلك، تحولات تاريخية هائلة للحاق بالسباق الحضاري نحو المستقبل، لكن تراكمات "أول الوهن"، الهائلة ايضا، لا تزال تعتمل في النفوس والنصوص، في الأذهان والأعيان، في الفكر والعمل. وليس سقوط بغداد في زمن بوش، إلا إعادة لإنتاج سقوط بغداد في زمن هولاكو...!
فرج أبوالعـشة

________________________________________________

(*) سبق لي نشر هذا المقال في موقع "إيلاف"، الأثنين 5 يونيو 2006م.

سيف الكلمة
06-10-2006, 05:19 PM
أراك أغفلت رغبة محمد صلى الله عليه وسلم بإمامة أبى بكر فى مرضه حتى وإن كان الإمام البديل هو عمر
وحولت إيثار الأنصار أبا بكر على أنفسهم إلى صراع قبلى
وقفزت بأفكار متحيزة عبر التاريخ لتقول أن الموروث به هلكت الأمة
وأراك تلمع نابليون بونابرت والحداثة المرتدة عن هذا الدين وقد أتى فى فترة كانت أول قيام أعدائنا بعد سيادة ألف عام فى البحار والقارات للمسلمين وما كان بونابرت إلا عدو للمسلمين
كل هذا لتقول أن الحداثة (إن صحت التسمية) هى المخرج والملاذ لهذا المجتمع المسلم
فاعلم أننا ما ضيعنا بلادنا إلا بضياع هذا الدين من قلوبنا وباتباع سنن أعدائنا ومنهم بونا برت ومن حولوا انتمائهم لأعداء أمتهم من نوعيتك
المقال مليء بالمغالطات وقلب الحقائق
هؤلاء الذين تعتبرهم متصارعون على السلطة فتحوا ثلث العالم وانتصر الإسلام على الظلام الرومانى تحت قياداتهم وأزيل الظلام الفارسى بضرباتهم
أبو بكر وعمر وعثمان وعلى ومعاوية ومن جاء بعدهم من أمويين وعباسيين ومماليك وأتراك أناروا العالم وقت كان الظلام مخيما على كل الأمم ونشروا الدين والعلم فى بقاع المعمورة
وما نهضت أوروبا إلا بتلقى العلوم عن العرب
ظننت أنك أحطت بالتاريخ وقد انتقيت منه بتشويه للحقائق وإغفال لما يتعارض مع رأيك من الحقائق
أبمثل هذا التزوير تنهض الأمم
لا فما ضيع هذه الأمة إلا الكذابون
ومن الكذب عرض الجزء وتعميمه بما يقلب معنى الصورة
وهذه سمات عملاء العدو ومعاول الهدم عبر تاريخ الأمم

كل الأمم تعلو وتهبط حتى تضمحل
عدا الإسلام فإنه يحمل مقومات قيامه
ولن تزيده هجمة التشويه هذه إلا قوة وإصرارا على القيام
ما ضيعنا إلا من اتبع أهواءهم من أبناء جلدتنا بحثوا عن التقدم فى نظم الغرب والشرق ولم يجدوه
وقد بدأ المسلمون يعرفون أنهم لن يقوموا بغير ما قامت به أمتهم من قبل
وعلم المسلمون أنهم لن يزداد تأخرهم إلا باتباع عملاء الغرب وباتباع من ضلوا باعتناق طرق الأمم وتركوا طريق المسلمين
كتاب الله وسنة نبيه
بهما قامت الأمة
وبتركهما والتهاون فى الإلتزام بهما جاء الوهن بعد أكثر من ألف عام
وبالعودة إليهما ستقوم هذه الأمة مرة أخرى رغم محاولات تخريب الدين بأمثال هذه الكلمات التى تقلب الحقائق وتجعل الحق شرا وتنظر إلى أعداء الأمة ومنهم بونا برت على أنهم المثل الأعلى
وهم من قدموا السم فى العسل للقضاء على هذا الدين
الوهن كما عرفه سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم هو حب الدنيا وكراهة الموت
لا كما عرفه سعد الذى لم يشارك فى جهاد قط بعد يوم السقيفة
ولا كما يعرفه كاتب هذا المقال المتحيز
وبحب الموت قامت هذه الأمة من قبل وبحب الموت ستقوم مرة أخرى

احمد محمد حامد
06-11-2006, 01:50 PM
الاخ محمد الحامي ...

عندما يردّ المسلم فانه لا يردّ لمجرّد الردّ, بل لأن هناك ما رسم علامات استفهامات او تعجّب في الذهن ... ولا اشكّ ان هذا الكلام كان يحضر ذهنك وانت تطلب المساعدة على الردّ ...

فهلاّ ساعدت في تحديد مواطن الشك والاستفهام والتعجب في الموضوع الذي طرحت؟

محمد الحامى
06-11-2006, 09:01 PM
اولا بارك الله فيكم على المرور الكريم وجزاكم الله خير على جهدكم الطيب
القصد من الطلب اخى احمد حادثة السقيفة وماكان بين الصحابة رضى الله عنهم فهذه الحادثة لاتزال تشكل اشكالية فى شريحة واسعة لكثبر من المحسوبين على الوسط المثقف فلو نكرمتم بتناولها بشئ من التفصيل بارك الله فيك ونفعنا الله بما فتح به عابكم .

احمد محمد حامد
06-11-2006, 10:21 PM
الاخ محمد الحامي ...

في المقال المطروح هناك جانبان: جانب تاريخي وجانب تحليلي ...

اما بالنسبة للجانب التاريخي فمن المعلوم صعوبة الوقوف على دقّة وتفاصيل الاحداث, اما بالنسبة للخطوط العامة فأعتقد ان احدا لا ينكر ان النتيجة كانت تولية ابي بكر للخلافة ... اما بالنسبة للمجاذبات التي حدثت, فاخاف اننا لا نستطيع ان نعوّل عليها بالشيء الكثير ولا نستطيع ان نبني احكاما جازمة ... هناك اسئلة محقّة: هل اختفت العصبية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؟؟ في الحقيقة هي كانت موجودة طوال الوقت وكان الرسول يحاول لا ان يقهرها ويقمعها وانما ان يهذّبها ويجعل الاخوة دائما فوقها ومهيمنة عليها ... وقد شهدنا مواقف في حياة الرسول الكريم مع اصحابه حيث كانوا ينادي البعض بدعوى الجاهلية وهو بين اظهرهم ولا يخفى ما كان للمنافقين من دور في ذلك ايضا ...

هل ترك الرسول صلى الله عليه وسلم شكلا من اشكال الحكم بعد وفاته؟؟

اظن ان احدا لا يجروء ان يقول انه ترك, وان الذي حدث بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم انما اخذ مساره بحكم تركيبة المجتمع الذي كان قائما ... ان شكل الحكم يتطور بتطور المجتمع, وقد رأينا كيف ان فكرة الخليفة هي فكرة جيدة اذا كان الخليفة جيدا وكيف ان الخليفة نفسه قد يتحوّل الى دكتاتور ويهدّد المجتمع الاسلامي بأسره كما حصل مع يزيد .. لذلك نقول ان فكرة الخليفة انما جاءت ضمن صيغة التطور الاجتماعي الذي كان موجودا ومحكوما بتطور الادوات المعرفية, ولا يمكننا ان نطالب المسلمين في ذلك الوقت بأكثر من ذلك ...

يبقى الشقّ الاخر من المقال وهو الجانب التحليلي, وان كنا قد تعرّضنا له فيما قدّمنا .. هذا الشقّ يتعلّق بشكل اساسي بتوظيف التحليل, وماذا يريد الكاتب ان يبني على هذا التحليل !!!!!!!!!!!

الفرصة الأخيرة
06-13-2006, 06:01 PM
الأخ محمد الحامي معذرة للتأخر في تلبية مطلبك الذي سبق وطلبته مني فلم أدخل الشبكة من مدة ونسألكم الدعاء بالتيسير :emrose: :emrose:


الحكاية الكبرى لأول الوهن!!(*)
هل الامة تعانى ازمة اول الوهل..؟


جاء في كتب الأخبار القديمة(السيرة النبوية لابن هشام، تاريخ الطبري، تاريخ ابن كثير...) أنه، بعد وفاة النبي مباشرة، أجتمع سادة الأنصار في سقيفة بني ساعدة للتشاور بشأن اختيار واحد منهم لخلافة الرسول بحسبانهم هم من نصره وحماه واعز دينه حتى دانت بسيوفهم له العرب. فاتفقوا ان يكون سعد بن عبادة خليفة للرسول. وأنهم، في حالة رفض قريش لاقتراحهم هذا، سينادون بأن يكون: "أذن منا أمير ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا الأمر أبدا..." وهنا علق سعد بن عبادة: هذا أول الوهن! ورود الشيء في كتب الأخبار القديمة لا يعني صحته ابتداءًا فكان على قائل هذا الكلام أن يتعلم طرق تثبيت المعلومات من مصادرها .. وكيف تصح هذه المعلومات أو لا تصح؟ لأنه تاريخ لا يجوز الكلام فيه بغير الصحيح والثابت من المعلومات.
وعدم تمييز القائل لهذا الكلام بين الصحيح وغيره كان كافيًا بتجنب كلامه كله لما ينطوي عليه من مغالطات نتيجة عدم القدرة على فهم الصحيح من غيره من المعلومات من جهة.. ومن جهة أخرى نتيجة الخطأ الشنيع في التحليل.
لكن لا بأس بنظرة سريعة وعجلى على بعض فقرات الكلام هنا.

وقول القائل هنا:
((فاتفقوا ان يكون سعد بن عبادة خليفة للرسول. وأنهم، في حالة رفض قريش لاقتراحهم هذا، سينادون بأن يكون: "أذن منا أمير ومنكم أمير ولن نرضى بدون هذا الأمر أبدا...))
خطأ محض بل كذبٌ صريحٌ ومغالطة مكشوفة للرويات لأن الأنصار لم يصدر منهم هذا في بداية اتفاقهم ومشورتهم في تولية سعد عليهم .. كما أن الأنصار لم يحضروا هذه المشورة كلهم .. ولا اتفقوا كلهم على سعد.. وإنما اجتمع منهم نفر من الأنصار .. والمشكلة أن قائل هذا الكلام إنما اطلع على الروايات المختصرة للقصة فضم إليها بعض الروايات الغير صحيحة فخرج بهذه التحليلات.
ولو نظر إلى الروايات المطولة والمفصلة للقصة في كتب الصحاح والتواريخ وغيرها وضم بعضها إلى بعض بتجرد وإنصاف لظهر له أن الأنصار إنما قال بعضهم ذلك بعد ذهاب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لهم في السقيفة .. ولم يخرج ذلك من الأنصار هكذا ابتداءًا .. وإنما صدر منهم في أثناء المناقشة والحوار مع إخوانهم من المهاجرين رضي الله عنهم جميعًا.
وفي الحوار والنقاش أدلى كلٌّ منهم بما يعلمه برأيه حسبما وصله من نصوص وأخبار .. وحسبما يعلم من الدين.
ولما كان بعض الناس ملاصقًا للنبي صلى الله عليه وسلم كأبي بكر وعمر وبعضهم قليل الملازمة للنبي صلى الله عليه وسلم .. لما كان ذلك كذلك .. كان من الطبيعي جدًا أن يعلم البعض ما لا يعلمه الآخر .. وهذا لا إشكال فيه.. وكان على المتكلم عن هذه القصة أن يعي هذه الحقيقة ويتعلمها قبل أن يتكلم .. فللكلام أصول وليس الأمر مباحًا لكل من هب ودبَّ!!
المهم أن طبيعة العرب المشهورة كانت تقتضي أن يتولى كبير القبيلة أو القوم أمرهم فلما غاب عن بعض الأنصار الذين حضروا في السقيفة النصوص الشرعية في مسألة الخلافة وأنها من قريش رأوا أن يعينوا أحدهم عليهم .. فلما أخبرهم المهاجرون بأنه لا تكون الخلافة إلا في قريش .. بادر الحباب بن المنذر الأنصاري فقال رأيه الشخصي الذي لا يجوز أن ينسب كرأي عام للأنصار فقال الحباب لأبي بكر وعمر (منا أمير ومنكم أمير).
لكن هذا الرأي لم يجد رواجًا لدى الأنصار قبل المهاجرين بدليل عدم عملهم به .. لكونه يخالف النصوص الشرعية الجاعلة الخلافة في قريش دون غيرهم .. بخلاف الوزارة وغيرها فقد تركها المهاجرون لإخوانهم .. كما واستعمل المهاجرون إخوانهم الأنصار على الإمارات الخاصة في البلاد .
لو كانت المسألة مسألة قبلية أو نزاع على السلطة كما يحاول القائل هنا أن يصوره للناس لاستبعد المهاجرون الأنصار من المناصب .. خاصة توليتهم شئون البلاد البعيدة عن المدينة .. لأن الفرصة تكون سانحة جدًا للانفصال عن المدينة مركز الحكم والخروج عليها .. لكن هذا كله لم يحصل بحمد الله عز وجل .. لأن المسألة كلها كانت مجرد مشورات أخوية لا نزعة قبلية ولا تنازع على سلطات ولا خلافه.
ولهذا في روايات القصة عند البخاري وغيره نرى لفظ (إخواننا المهاجرين) (إخواننا الأنصار) يتكرر في القصة كثيرا.
فالمسألة مجرد حوار ومشورة أخوية لتحديد ما ينبغي أن يكون وتدبير الأمور لا أكثر.
ولما كانت النصوص الواردة تجعل الخليفة في قريش فقد انصاعت المهاجرين والأنصار جميعًا للحديث ولم يتردد الأنصار في بيعة أبي بكر رضي الله عنه وغيره من الخلفاء .. وحاشاهم من هذا وهم الأنصار المجاهدون رضي الله عنهم.

ولعلي أتعرض لهذا الموضوع مرة أخرى إن شاء الله إن سمح الوقت.

الفرصة الأخيرة
06-13-2006, 06:07 PM
وهذا سياق القصة مطولا من صحيح البخاري 6830 أثناء كتاب الحدود ونرى فيه الآتي بنصه:

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ أُقْرِئُ رِجَالًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَبَيْنَمَا أَنَا فِي مَنْزِلِهِ بِمِنًى وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا إِذْ رَجَعَ إِلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَوْ رَأَيْتَ رَجُلًا أَتَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَكَ فِي فُلَانٍ يَقُولُ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا فَوَاللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ فَغَضِبَ عُمَرُ ثُمَّ قَالَ إِنِّي إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيَّةَ فِي النَّاسِ فَمُحَذِّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورَهُمْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِي النَّاسِ وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ وَأَنْ لَا يَعُوهَا وَأَنْ لَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّنًا فَيَعِي أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا فَقَالَ عُمَرُ أَمَا وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عُقْبِ ذِي الْحَجَّةِ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجَّلْتُ الرَّوَاحَ حِينَ زَاغَتْ الشَّمْسُ حَتَّى أَجِدَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إِلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ فَجَلَسْتُ حَوْلَهُ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَلَمَّا رَأَيْتُهُ مُقْبِلًا قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّةَ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اسْتُخْلِفَ فَأَنْكَرَ عَلَيَّ وَقَالَ مَا عَسَيْتَ أَنْ يَقُولَ مَا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَائِلٌ لَكُمْ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعْقِلَهَا فَلَا أُحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَنْ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْرٌ بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكُمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ أَلَا ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ وَاللَّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقُلْتُ لِأَبِي بَكْرٍ يَا أَبَا بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ لَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ فَذَكَرَا مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ فَقَالَا أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ فَقُلْنَا نُرِيدُ إِخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَا لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ اقْضُوا أَمْرَكُمْ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالُوا هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقُلْتُ مَا لَهُ قَالُوا يُوعَكُ فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلًا تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْتَزِلُونَا مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ يَحْضُنُونَا مِنْ الْأَمْرِ فَلَمَّا سَكَتَ أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ وَكُنْتُ قَدْ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رِسْلِكَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ وَاللَّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا حَتَّى سَكَتَ فَقَالَ مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ وَلَنْ يُعْرَفَ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا كَانَ وَاللَّهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لَا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ تُسَوِّلَ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لَا أَجِدُهُ الْآنَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ فَكَثُرَ اللَّغَطُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فَقُلْتُ ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ ثُمَّ بَايَعَتْهُ الْأَنْصَارُ وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقُلْتُ قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ عُمَرُ وَإِنَّا وَاللَّهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لَا نَرْضَى وَإِمَّا نُخَالِفُهُمْ فَيَكُونُ فَسَادٌ فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُتَابَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا

الفرصة الأخيرة
06-13-2006, 06:09 PM
وهذا شرحه من فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر:


قَوْله ( عَنْ صَالِح ) وَهُوَ اِبْن كَيْسَانَ , وَوَقَعَ كَذَلِكَ عِنْد يَعْقُوب بْن سُفْيَان فِي تَارِيخه عَنْ عَبْد الْعَزِيز شَيْخ الْبُخَارِيّ فِيهِ بِسَنَدِهِ , وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيقه . قَوْله ( عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه ) فِي رِوَايَة مَالِك " عَنْ الزُّهْرِيّ أَنَّ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة أَخْبَرَهُ " وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي " الْغَرَائِب " وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان . قَوْله ( عَنْ اِبْن عَبَّاس ) فِي رِوَايَة مَالِك " أَنَّ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس أَخْبَرَهُ كُنْت أُقْرِئ رِجَالًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْهُمْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف " وَلَمْ أَقِف عَلَى اِسْم أَحَد مِنْهُمْ غَيْره , زَادَ مَالِك فِي رِوَايَته " فِي خِلَافَة عُمَر فَلَمْ أَرَ رَجُلًا يَجِد مِنْ الْأُقَشْعَرِيرَة مَا يَجِد عَبْد الرَّحْمَن عِنْد الْقِرَاءَة " قَالَ الدَّاوُدِيّ فِيمَا نَقَلَهُ اِبْن التِّين مَعْنَى قَوْله " كُنْت أُقْرِئ رِجَالًا " أَيْ أَتَعَلَّم مِنْهُمْ الْقُرْآن , لِأَنَّ اِبْن عَبَّاس كَانَ عِنْد وَفَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا حَفِظَ الْمُفَصَّل مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار , قَالَ : وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ خُرُوج عَنْ الظَّاهِر بَلْ عَنْ النَّصّ , لِأَنَّ قَوْله أُقْرِئ بِمَعْنَى أُعَلِّم . قُلْت : وَيُؤَيِّد التَّعَقُّبَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق عَنْ عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر عَنْ الزُّهْرِيّ " كُنْت أَخْتَلِف إِلَى عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَنَحْنُ بِمِنًى مَعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب أُعَلِّم عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف الْقُرْآن " أَخْرَجَهُ اِبْن أَبِي شَيْبَة وَكَانَ اِبْن عَبَّاس ذَكِيًّا سَرِيع الْحِفْظ , وَكَانَ كَثِير مِنْ الصَّحَابَة لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْجِهَادِ لَمْ يَسْتَوْعِبُوا الْقُرْآن حِفْظًا , وَكَانَ مَنْ اِتَّفَقَ لَهُ ذَلِكَ يَسْتَدْرِكهُ بَعْد الْوَفَاة النَّبَوِيَّة وَإِقَامَتهمْ بِالْمَدِينَةِ , فَكَانُوا يَعْتَمِدُونَ عَلَى نُجَبَاء الْأَبْنَاء فَيُقْرِئُونَهُمْ تَلْقِينًا لِلْحِفْظِ . قَوْله ( فَبَيْنَمَا أَنَا بِمَنْزِلِهِ بِمِنًى وَهُوَ عِنْد عُمَر ) فِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق " فَأَتَيْته فِي الْمَنْزِل فَلَمْ أَجِدهُ فَانْتَظَرْته حَتَّى جَاءَ " . قَوْله ( فِي آخِر حَجَّة حَجَّهَا ) يَعْنِي عُمَر , كَانَ ذَلِكَ سَنَة ثَلَاث وَعِشْرِينَ . قَوْله ( لَوْ رَأَيْت رَجُلًا أَتَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْم ) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه . قَوْله ( هَلْ لَك فِي فُلَان ) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه أَيْضًا , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق أَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِد وَلَفْظه " أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَنْصَار ذَكَرَا بَيْعَة أَبِي بَكْر " . قَوْله ( لَقَدْ بَايَعْت فُلَانًا ) هُوَ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه أَخْرَجَهُ الْبَزَّار مِنْ طَرِيق أَبِي مَعْشَر عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عُمَيْر مَوْلَى غُفْرَة بِضَمِّ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْفَاء قَالَا " قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْر مَالٌ - فَذَكَرَ قِصَّة طَوِيلَة فِي قَسْم الْفَيْء ثُمَّ قَالَ - حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِر السَّنَة الَّتِي حَجَّ فِيهَا عُمَر قَالَ بَعْض النَّاس : لَوْ قَدْ مَاتَ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ أَقَمْنَا فُلَانًا , يَعْنُونَ طَلْحَة بْن عُبَيْد اللَّه " وَنَقَلَ اِبْن بَطَّال عَنْ الْمُهَلَّب أَنَّ الَّذِينَ عَنَوْا أَنَّهُمْ يُبَايِعُونَهُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار وَلَمْ يَذْكُر مُسْتَنَده فِي ذَلِكَ . قَوْله ( فَوَاَللَّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَة أَبِي بَكْر إِلَّا فَلْتَة ) , بِفَتْحِ الْفَاء وَسُكُون اللَّام بَعْدهَا مُثَنَّاة ثُمَّ تَاء تَأْنِيث أَيْ فَجْأَة وَزْنه وَمَعْنَاهُ , وَجَاءَ عَنْ سَحْنُون عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولهَا بِضَمِّ الْفَاء وَيُفَسِّرهَا بِانْفِلَاتِ الشَّيْء مِنْ الشَّيْء وَيَقُول : إِنَّ الْفَتْح غَلَط وَإِنَّهُ إِنَّمَا يُقَال فِيمَا يُنْدَم عَلَيْهِ , وَبَيْعَة أَبِي بَكْر مِمَّا لَا يَنْدَم عَلَيْهِ أَحَد , وَتُعُقِّبَ بِثُبُوتِ الرِّوَايَة بِفَتْحِ الْفَاء وَلَا يَلْزَم مِنْ وُقُوع الشَّيْء بَغْتَة أَنْ يَنْدَم عَلَيْهِ كُلّ أَحَد بَلْ يُمْكِن النَّدَم عَلَيْهِ مِنْ بَعْض دُون بَعْض , وَإِنَّمَا أَطْلَقُوا عَلَى بَيْعَة أَبِي بَكْر ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرهَا فِي الْحَال الْأَوَّل , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق بَعْد قَوْله فَلْتَة " فَمَا يَمْنَع اِمْرَأً إِنْ هَلَكَ هَذَا أَنْ يَقُوم إِلَى مَنْ يُرِيد فَيَضْرِب عَلَى يَده فَتَكُون أَيْ الْبَيْعَة كَمَا كَانَتْ أَيْ فِي قِصَّة أَبِي بَكْر " وَسَيَأْتِي مَزِيد فِي مَعْنَى الْفَلْتَة بَعْد . قَوْله ( فَغَضِبَ عُمَر ) زَادَ اِبْن إِسْحَاق " غَضَبًا مَا رَأَيْته غَضِبَ مِثْله مُنْذُ كَانَ " . قَوْله ( أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أُمُورهمْ ) كَذَا فِي رِوَايَة الْجَمِيع بِغَيْنٍ مُعْجَمَة وَصَاد مُهْمَلَة , وَفِي رِوَايَة مَالِك " يَغْتَصِبُوهُمْ " بِزِيَادَةِ مُثَنَّاة بَعْد الْغَيْن الْمُعْجَمَة , وَحَكَى اِبْن التِّين أَنَّهُ رُوِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَضَمِّ أَوَّله مِنْ أَعْضَبَ أَيْ صَارَ لَا نَاصِر لَهُ , وَالْمَعْضُوب الضَّعِيف , وَهُوَ مِنْ عَضِبَتْ الشَّاة إِذَا اِنْكَسَرَ أَحَد قَرْنَيْهَا أَوْ قَرْنهَا الدَّاخِل وَهُوَ الْمُشَاش , وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَغْلِبُونَ عَلَى الْأَمْر فَيَضْعُف لِضَعْفِهِمْ , وَالْأَوَّل أَوْلَى , وَالْمُرَاد أَنَّهُمْ يَثْبُتُونَ عَلَى الْأَمْر بِغَيْرِ عَهْد وَلَا مُشَاوَرَة , وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ بَعْد عَلِيّ وَفْق مَا حَذَّرَهُ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . قَوْله ( يَجْمَع رَعَاع النَّاس وَغَوْغَاءَهُمْ ) الرَّعَاع بِفَتْحِ الرَّاء وَبِمُهْمَلَتَيْنِ الْجَهَلَة الرُّذَلَاء , وَقِيلَ الشَّبَاب مِنْهُمْ وَالْغَوْغَاء بِمُعْجَمَتَيْنِ بَيْنهمَا وَاو سَاكِنَة , أَصْله صِغَار الْجَرَاد حِين يَبْدَأ فِي الطَّيَرَان , وَيُطْلَق عَلَى السِّفْلَة الْمُسْرِعِينَ إِلَى الشَّرّ . قَوْله ( يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبك ) بِضَمِّ الْقَاف وَسُكُون الرَّاء ثُمَّ مُوَحَّدَة أَيْ الْمَكَان الَّذِي يَقْرُب مِنْك , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ وَأَبِي زَيْد الْمَرْوَزِيِّ بِكَسْرِ الْقَاف وَبِالنُّونِ وَهُوَ خَطَأ , وَفِي رِوَايَة اِبْن وَهْب عَنْ مَالِك " عَلَى مَجْلِسك إِذَا قُمْت فِي النَّاس " . قَوْله ( يُطِيرُهَا ) بِضَمِّ أَوَّله مِنْ أَطَارَ الشَّيْء إِذَا أَطْلَقَهُ , وَلِلسَّرَخْسِيِّ " يَطِيرُهَا " بِفَتْحِ أَوَّله أَيْ يَحْمِلُونَهَا عَلَى غَيْر وَجْههَا , وَمِثْله لِابْنِ وَهْب وَقَالَ يَطِيرَنَّهَا أُولَئِكَ وَلَا يَعُونَهَا , أَيْ لَا يَعْرِفُونَ الْمُرَاد بِهَا . قَوْله ( فَتَخْلُص ) بِضَمِّ اللَّام بَعْدهَا مُهْمَلَة أَيْ تَصِل . قَوْله ( لَأَقُومَنَّ ) فِي رِوَايَة مَالِك " فَقَالَ لَئِنْ قَدِمْت الْمَدِينَة صَالِحًا لَأُكَلِّمَنَّ النَّاس بِهَا " . قَوْله ( أَقُومهُ ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ وَالسَّرَخْسِيّ " أَقُوم " بِحَذْفِ الضَّمِير . قَوْله ( فِي عَقِبِ ذِي الْحِجَّة ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَة وَسُكُون الْقَاف وَبِفَتْحِهَا وَكَسْر الْقَاف وَهُوَ أَوْلَى , فَإِنَّ الْأَوَّل يُقَال لِمَا بَعْد التَّكْمِلَة وَالثَّانِي لِمَا قَرُبَ مِنْهَا , يُقَال جَاءَ عَقِبَ الشَّهْر بِالْوَجْهَيْنِ , وَالْوَاقِع الثَّانِي لِأَنَّ قُدُوم عُمَر كَانَ قَبْل أَنْ يَنْسَلِخ ذُو الْحِجَّة فِي يَوْم الْأَرْبِعَاء . قَوْله ( عَجَّلْت الرَّوَاح ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " بِالرَّوَاحِ " زَادَ سُفْيَان عِنْد الْبَزَّار " وَجَاءَتْ الْجُمُعَة وَذَكَرْت مَا حَدَّثَنِي عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف فَهَجَّرْت إِلَى الْمَسْجِد " وَفِي رِوَايَة جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِك عِنْد اِبْن حِبَّان وَالدَّارَقُطْنِيّ " لِمَا أَخْبَرَنِي " . قَوْله ( حِين زَاغَتْ الشَّمْس ) فِي رِوَايَة مَالِك " حِين كَانَتْ صَكَّة عُمَيّ ) بِفَتْحِ الصَّاد وَتَشْدِيد الْكَاف وَعُمَيّ بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْح الْمِيم وَتَشْدِيد التَّحْتَانِيَّة وَقِيلَ بِتَشْدِيدِ الْمِيم وَزْن حُبْلَى , زَادَ أَحْمَدُ عَنْ إِسْحَاق بْن عِيسَى " قُلْت لِمَالِك مَا صَكَّة عُمَيّ ؟ قَالَ : الْأَعْمَى قَالَ لَا يُبَالِي أَيّ سَاعَة خَرَجَ لَا يَعْرِف الْحَرّ مِنْ الْبَرْد أَوْ نَحْو هَذَا " قُلْت : وَهُوَ تَفْسِير مَعْنًى , وَقَالَ أَبُو هِلَال الْعَسْكَرِيّ : الْمُرَاد بِهِ اِشْتِدَاد الْهَاجِرَة , وَالْأَصْل فِيهِ أَنَّهُ اِسْم رَجُل مِنْ الْعَمَالِقَة يُقَال لَهُ عُمَيّ غَزَا قَوْمًا فِي قَائِم الظَّهِيرَة فَأَوْقَعَ بِهِمْ فَصَارَ مَثَلًا لِكُلِّ مَنْ جَاءَ فِي ذَلِكَ الْوَقْت , وَقِيلَ هُوَ رَجُل مِنْ عَدْوَان كَانَ يُفِيض بِالْحَاجِّ عِنْد الْهَاجِرَة فَضُرِبَ بِهِ الْمَثَل , وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّخْص فِي هَذَا الْوَقْت يَكُون كَالْأَعْمَى لَا يَقْدِر عَلَى مُبَاشَرَة الشَّمْس بِعَيْنِهِ , وَقِيلَ أَصْلُهُ أَنَّ الظَّبْي يَدُور أَيْ يَدُوخ مِنْ شِدَّة الْحَرّ فَيَصُكّ بِرَأْسِهِ مَا وَاجَهَهُ , وَ لِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن دَاوُدَ عَنْ مَالِك " صَكَّة عُمَيّ سَاعَة مِنْ النَّهَار تُسَمِّيهَا الْعَرَب " وَهُوَ نِصْف النَّهَار أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ . قَوْله ( فَجَلَسْت حَوْله ) فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " حَذْوه " وَكَذَا لِمَالِكٍ , وَفِي رِوَايَة إِسْحَاق الْغَرَوِيّ عَنْ مَالِك " حِذَاءَهُ " وَفِي رِوَايَة مَعْمَر ( فَجَلَسْت إِلَى جَنْبه تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَته " . قَوْله ( فَلَمْ أَنْشَبْ ) بِنُونٍ وَمُعْجَمَة وَمُوَحَّدَة أَيْ لَمْ أَتَعَلَّق بِشَيْءٍ غَيْر مَا كُنْت فِيهِ وَالْمُرَاد سُرْعَة خُرُوج عُمَر . قَوْله ( أَنْ خَرَجَ ) أَيْ مِنْ مَكَانه إِلَى جِهَة الْمِنْبَر , وَفِي رِوَايَة مَالِك " أَنْ طَلَعَ عُمَر - أَيْ ظَهَرَ - يَؤُمّ الْمِنْبَر " أَيْ يَقْصِدهُ . قَوْله ( لَيَقُولَنَّ الْعَشِيَّة مَقَالَة ) أَيْ عُمَر . قَوْله ( لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اُسْتُخْلِفَ ) فِي رِوَايَة مَالِك " لَمْ يَقُلْهَا أَحَد قَطُّ قَبْله " . قَوْله ( مَا عَسَيْت ) فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " مَا عَسَى " . قَوْله ( أَنْ يَقُول مَا لَمْ يَقُلْ قَبْله ) زَادَ سُفْيَان " فَغَضِبَ سَعِيد وَقَالَ مَا عَسَيْت " قِيلَ أَرَادَ اِبْن عَبَّاس أَنْ يُنَبِّه سَعِيدًا مُعْتَمِدًا عَلَى مَا أَخْبَرَهُ بِهِ عَبْد الرَّحْمَن لِيَكُونَ عَلَى يَقَظَة فَيُلْقِيَ بَاله لِمَا يَقُولهُ عُمَر فَلَمْ يَقَع ذَلِكَ مِنْ سَعِيد مَوْقِعًا بَلْ أَنْكَرَهُ , لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَم بِمَا سَبَقَ لِعُمَر وَعَلَى بِنَاء أَنَّ الْأُمُور اِسْتَقَرَّتْ . قَوْله ( لَا أَدْرِي لَعَلَّهَا بَيْن يَدَيْ أَجَلِي ) أَيْ بِقُرْبِ مَوْتِي , وَهُوَ مِنْ الْأُمُور الَّتِي جَرَتْ عَلَى لِسَان عُمَر فَوَقَعَتْ كَمَا قَالَ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي مَعْشَر الْمُشَار إِلَيْهَا قَبْل مَا يُؤْخَذ مِنْهُ سَبَب ذَلِكَ وَأَنَّ عُمَر قَالَ فِي خُطْبَته هَذِهِ " رَأَيْت رُؤْيَايَ وَمَا ذَاكَ إِلَّا عِنْد قُرْب أَجَلِي , رَأَيْت كَأَنَّ دِيكًا نَقَرَنِي " وَفِي مُرْسَل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فِي الْمُوَطَّأ " أَنَّ عُمَر لَمَّا صَدَرَ مِنْ الْحَجّ دَعَا اللَّه أَنْ يَقْبِضهُ إِلَيْهِ غَيْر مُضَيِّع وَلَا مُفَرِّط " وَقَالَ فِي آخِر الْقِصَّة " فَمَا اِنْسَلَخَ ذُو الْحِجَّة حَتَّى قُتِلَ عُمَرُ " . قَوْله ( إِنَّ اللَّه بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ ) قَالَ الطِّيبِيُّ : قَدَّمَ عُمَر هَذَا الْكَلَام قَبْل مَا أَرَادَ أَنْ يَقُولهُ تَوْطِئَة لَهُ لِيَتَيَقَّظ السَّامِع لِمَا يَقُول . قَوْله ( فَكَانَ مِمَّا ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " فِيمَا " . قَوْله ( آيَة الرَّجْم ) تَقَدَّمَ الْقَوْل فِيهَا فِي الْبَاب الَّذِي قَبْله , قَالَ الطِّيبِيُّ : آيَة الرَّجْم بِالرَّفْعِ اِسْم كَانَ وَخَبَرهَا " مِنْ " التَّبْعِيضِيَّة فِي قَوْله " مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه ) فَفِيهِ تَقْدِيم الْخَبَر عَلَى الِاسْم وَهُوَ كَثِير . قَوْله ( وَوَعَيْنَاهَا رَجَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " وَرَجَمَ " بِزِيَادَةِ وَاو وَكَذَا لِمَالِكٍ . قَوْله ( فَأَخْشَى ) فِي رِوَايَة مَعْمَر " وَإِنِّي خَائِف " . قَوْله ( فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَة أَنْزَلَهَا اللَّه ) أَيْ فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة الَّتِي نُسِخَتْ تِلَاوَتهَا وَبَقِيَ حُكْمُهَا , وَقَدْ وَقَعَ مَا خَشِيَهُ عُمَر أَيْضًا فَأَنْكَرَ الرَّجْم طَائِفَة مِنْ الْخَوَارِج أَوْ مُعْظَمهمْ وَبَعْض الْمُعْتَزِلَة , وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون اِسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إِلَى تَوْقِيف , وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْد الرَّزَّاق وَالطَّبَرِيّ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ عُمَر قَالَ " سَيَجِيءُ قَوْم يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ " الْحَدِيث . وَوَقَعَ فِي رِوَايَة سَعِيد بْن إِبْرَاهِيم عَنْ عُبَيْد اللَّه بْن عَبْد اللَّه بْن عُتْبَة فِي حَدِيث عُمَر عِنْد النَّسَائِيِّ " وَإِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ مَا بَال الرَّجْم وَإِنَّمَا فِي كِتَاب اللَّه الْجَلْد , أَلَا قَدْ رَجَمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى أَنَّ عُمَر اِسْتَحْضَرَ أَنَّ نَاسًا قَالُوا ذَلِكَ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ , وَفِي الْمُوَطَّأ عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد عَنْ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ عُمَر " إِيَّاكُمْ أَنْ تَهْلِكُوا عَنْ آيَة الرَّجْم أَنْ يَقُول قَائِل لَا أَجِد حَدَّيْنِ فِي كِتَاب اللَّه , فَقَدْ رَجَمَ " . قَوْله ( وَالرَّجْم فِي كِتَاب اللَّه حَقّ ) أَيْ فِي قَوْله تَعَالَى ( أَوْ يَجْعَل اللَّه لَهُنَّ سَبِيلًا ) فَبَيَّنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُرَاد بِهِ رَجْم الثَّيِّب وَجَلْد الْبِكْر كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيه عَلَيْهِ فِي قِصَّة الْعَسِيف قَرِيبًا . قَوْله ( إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَة ) أَيْ بِشَرْطِهَا . قَوْله ( إِذَا أَحْصَنَ ) أَيْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا قَدْ تَزَوَّجَ حُرَّة تَزْوِيجًا صَحِيحًا وَجَامَعَهَا . قَوْله ( أَوْ كَانَ الْحَبَل ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَة وَالْمُوَحَّدَة , فِي رِوَايَة مَعْمَر ( الْحَمْل ) أَيْ وُجِدَتْ الْمَرْأَة الْخَلِيَّة مِنْ زَوْج أَوْ سَيِّد حُبْلَى وَلَمْ تَذْكُر شُبْهَة وَلَا إِكْرَاه . قَوْله ( أَوْ الِاعْتِرَاف ) أَيْ الْإِقْرَار بِالزِّنَا وَالِاسْتِمْرَار عَلَيْهِ , وَفِي رِوَايَة سُفْيَان " أَوْ كَانَ حَمْلًا أَوْ اِعْتِرَافًا " وَنُصِبَ عَلَى نَزْع الْخَافِض أَيْ كَانَ الزِّنَا عَنْ حَمْل أَوْ عَنْ اِعْتِرَاف . قَوْله ( ثُمَّ إِنَّا كُنَّا نَقْرَأ فِيمَا نَقْرَأ مِنْ كِتَاب اللَّه ) أَيْ مِمَّا نُسِخَتْ تِلَاوَته . قَوْله ( لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ ) أَيْ لَا تَنْتَسِبُوا إِلَى غَيْرهمْ . قَوْله ( فَإِنَّهُ كُفْر بِكَمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ , أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكَمْ ) كَذَا هُوَ بِالشَّكِّ , وَكَذَا فِي رِوَايَة مَعْمَر بِالشَّكِّ لَكِنْ قَالَ " لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنَّهُ كُفْر بِكَمْ , أَوْ إِنَّ كُفْرًا بِكَمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِك " فَإِنَّ كُفْرًا بِكَمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ " . قَوْله ( أَلَا ثُمَّ إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فِي رِوَايَة مَالِك " أَلَا وَإِنَّ " بِالْوَاوِ بَدَل ثُمَّ , وَأَلَا بِالتَّخْفِيفِ حَرْف اِفْتِتَاح كَلَام غَيْر الَّذِي قَبْله . قَوْله ( لَا تُطْرُونِي ) هَذَا الْقَدْر مِمَّا سَمِعَهُ سُفْيَان مِنْ الزُّهْرِيّ أَفْرَدَهُ الْحُمَيْدِيّ فِي مُسْنَده عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ سَمِعْت الزُّهْرِيّ بِهِ , وَقَدْ تَقَدَّمَ مُفْرَدًا فِي تَرْجَمَة عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ أَحَادِيث الْأَنْبِيَاء عَنْ الْحُمَيْدِيّ بِسَنَدِهِ هَذَا وَتَقَدَّمَ شَرْح الْإِطْرَاء . قَوْله ( كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ) فِي رِوَايَة سُفْيَان " كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى عِيسَى " . قَوْله ( وَقُولُوا عَبْد اللَّه ) فِي رِوَايَة مَالِك " فَإِنَّمَا أَنَا عَبْد اللَّه فَقُولُوا ) قَالَ اِبْن الْجَوْزِيّ : لَا يَلْزَم مِنْ النَّهْي عَنْ الشَّيْء وُقُوعه لِأَنَّا لَا نَعْلَم أَحَدًا اِدَّعَى فِي نَبِيِّنَا مَا اِدَّعَتْهُ النَّصَارَى فِي عِيسَى , وَإِنَّمَا سَبَب النَّهْي فِيمَا يَظْهَر مَا وَقَعَ فِي حَدِيث مَعَاذ بْن جَبَل لَمَّا اِسْتَأْذَنَ فِي السُّجُود لَهُ فَامْتَنَعَ وَنَهَاهُ , فَكَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُبَالِغ غَيْره بِمَا هُوَ فَوْق ذَلِكَ فَبَادَرَ إِلَى النَّهْي تَأْكِيدًا لِلْأَمْرِ . وَقَالَ اِبْن التِّين : مَعْنَى قَوْله " لَا تُطْرُونِي " لَا تَمْدَحُونِي كَمَدْحِ النَّصَارَى , حَتَّى غَلَا بَعْضهمْ فِي عِيسَى فَجَعَلَهُ إِلَهًا مَعَ اللَّه , وَبَعْضهمْ اِدَّعَى أَنَّهُ هُوَ اللَّه , وَبَعْضهمْ اِبْن اللَّه . ثُمَّ أَرْدَفَ النَّهْي بِقَوْلِهِ " أَنَا عَبْد اللَّه " قَالَ وَالنُّكْتَة فِي إِيرَاد عُمَر هَذِهِ الْقِصَّةَ هُنَا أَنَّهُ خَشِيَ عَلَيْهِمْ الْغُلُوّ , يَعْنِي خَشِيَ عَلَى مَنْ لَا قُوَّة لَهُ فِي الْفَهْم أَنْ يَظُنّ بِشَخْصٍ اِسْتِحْقَاقَهُ الْخِلَافَةَ فَيَقُوم فِي ذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْمَذْكُور لَا يَسْتَحِقّ فَيُطْرِيهِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَيَدْخُل فِي النَّهْي , وَيَحْتَمِل أَنْ تَكُون الْمُنَاسَبَة أَنَّ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ فِي مَدْح أَبِي بَكْر لَيْسَ مِنْ الْإِطْرَاء الْمَنْهِيّ عَنْهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ : وَلَيْسَ فِيكُمْ مِثْل أَبِي بَكْر , وَمُنَاسَبَة إِيرَاد عُمَر قِصَّة الرَّجْم وَالزَّجْر عَنْ الرَّغْبَة عَنْ الْآبَاء لِلْقِصَّةِ الَّتِي خَطَبَ بِسَبَبِهَا وَهِيَ قَوْل الْقَائِل : " لَوْ مَاتَ عُمَر لَبَايَعْت فُلَانًا " أَنَّهُ أَشَارَ بِقِصَّةِ الرَّجْم إِلَى زَجْر مَنْ يَقُول لَا أَعْمَل فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة إِلَّا بِمَا وَجَدْته فِي الْقُرْآن وَلَيْسَ فِي الْقُرْآن تَصْرِيح بِاشْتِرَاطِ التَّشَاوُر إِذَا مَاتَ الْخَلِيفَة , بَلْ إِنَّمَا يُؤْخَذ ذَلِكَ مِنْ جِهَة السُّنَّة كَمَا أَنَّ الرَّجْم لَيْسَ فِيمَا يُتْلَى مِنْ الْقُرْآن وَهُوَ مَأْخُوذ مِنْ طَرِيق السُّنَّة , وَأَمَّا الزَّجْر عَنْ الرَّغْبَة عَنْ الْآبَاء فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْخَلِيفَة يَتَنَزَّل لِلرَّعِيَّةِ مَنْزِلَة الْأَب فَلَا يَجُوز لَهُمْ أَنْ يَرْغَبُوا إِلَى غَيْره بَلْ يَجِب عَلَيْهِمْ طَاعَته بِشَرْطِهَا كَمَا تَجِب طَاعَة الْأَب , هَذَا الَّذِي ظَهَرَ لِي مِنْ الْمُنَاسَبَة وَالْعِلْم عِنْد اللَّه تَعَالَى . قَوْله ( أَلَا وَإِنَّهَا ) أَيْ بَيْعَة أَبِي بَكْر . قَوْله ( قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ ) أَيْ فَلْتَة , وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَة إِسْحَاق بْن عِيسَى عَنْ مَالِك , حَكَى ثَعْلَب عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَأَخْرَجَهُ سَيْف فِي الْفُتُوح بِسَنَدِهِ عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر نَحْوه قَالَ : الْفَلْتَة اللَّيْلَة الَّتِي يُشَكّ فِيهَا هَلْ هِيَ مِنْ رَجَب أَوْ شَعْبَان وَهَلْ مِنْ الْمُحَرَّم أَوْ صَفَر , كَانَ الْعَرَب لَا يُشْهِرُونَ السِّلَاح فِي الْأَشْهُر الْحُرُم فَكَانَ مَنْ لَهُ ثَأْر تَرَبَّصَ فَإِذَا جَاءَتْ تِلْكَ اللَّيْلَة اِنْتَهَزَ الْفُرْصَة مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَحَقَّق اِنْسِلَاخ الشَّهْر فَيَتَمَكَّن مِمَّنْ يُرِيد إِيقَاع الشَّرّ بِهِ وَهُوَ آمِنٌ فَيَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ الشَّرّ الْكَثِير , فَشَبَّهَ عُمَر الْحَيَاة النَّبَوِيَّة بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْفَلْتَة بِمَا وَقَعَ مِنْ أَهْل الرِّدَّة وَوَقَى اللَّه شَرَّ ذَلِكَ بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْر لِمَا وَقَعَ مِنْهُ مِنْ النُّهُوض فِي قِتَالهمْ وَإِخْمَاد شَوْكَتهمْ , كَذَا قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَال : الْجَامِع بَيْنهمَا اِنْتِهَاز الْفُرْصَة , لَكِنْ كَانَ يَنْشَأ عَنْ أَخْذ الثَّأْر الشَّرّ الْكَثِير فَوَقَى اللَّه الْمُسْلِمِينَ شَرَّ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْشَأ عَنْ بَيْعَة أَبِي بَكْر شَرٌّ بَلْ أَطَاعَهُ النَّاس كُلّهمْ مَنْ حَضَرَ الْبَيْعَة وَمَنْ غَابَ عَنْهَا . وَفِي قَوْله " وَقَى اللَّه شَرَّهَا " إِيمَاء إِلَى التَّحْذِير مِنْ الْوُقُوع فِي مِثْل ذَلِكَ حَيْثُ لَا يُؤْمَن مِنْ وُقُوع الشَّرّ وَالِاخْتِلَاف . قَوْله ( وَلَكِنَّ اللَّه وَقَى شَرّهَا ) أَيْ وَقَاهُمْ مَا فِي الْعَجَلَة غَالِبًا مِنْ الشَّرّ , لِأَنَّ مِنْ الْعَادَة أَنَّ مَنْ لَمْ يَطَّلِع عَلَى الْحِكْمَة فِي الشَّيْء الَّذِي يَفْعَل بَغْتَة لَا يَرْضَاهُ , وَقَدْ بَيَّنَ عُمَر سَبَب إِسْرَاعهمْ بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْر لِمَا خَشَوْا أَنْ يُبَايِع , الْأَنْصَارُ سَعْد بْن عُبَادَةَ , قَالَ أَبُو عُبَيْدَة : عَاجَلُوا بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْر خِيفَة اِنْتِشَار الْأَمْر وَأَنْ يَتَعَلَّق بِهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقّهُ فَيَقَع الشَّرّ . وَقَالَ الدَّاوُدِيّ : مَعْنَى قَوْله " كَانَتْ فَلْتَة " أَنَّهَا وَقَعَتْ مِنْ غَيْر مَشُورَة مَعَ جَمِيع مَنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشَاوَر , وَأَنْكَرَ هَذِهِ الْكَرَابِيسِيّ صَاحِبُ الشَّافِعِيّ وَقَالَ : بَلْ الْمُرَاد أَنَّ أَبَا بَكْر وَمَنْ مَعَهُ تَفَلَّتُوا فِي ذَهَابهمْ إِلَى الْأَنْصَار فَبَايَعُوا أَبَا بَكْر بِحَضْرَتِهِمْ , وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَعْرِف مَا يَجِب عَلَيْهِ مِنْ بَيْعَته فَقَالَ : مِنَّا أَمِير وَمِنْكُمْ أَمِير , فَالْمُرَاد بِالْفَلْتَةِ مَا وَقَعَ مِنْ مُخَالَفَة الْأَنْصَار وَمَا أَرَادُوهُ مِنْ مُبَايَعَة سَعْد بْن عُبَادَةَ وَقَالَ اِبْن حِبَّان : مَعْنَى قَوْله " كَانَتْ فَلْتَة " أَنَّ اِبْتِدَاءَهَا كَانَ عَنْ غَيْر مَلَأ كَثِير , وَالشَّيْء إِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُقَال لَهُ الْفَلْتَة فَيُتَوَقَّع فِيهِ مَا لَعَلَّهُ يَحْدُث مِنْ الشَّرّ بِمُخَالَفَةِ مَنْ يُخَالِف فِي ذَلِكَ عَادَة , فَكَفَى اللَّه الْمُسْلِمِينَ الشَّرّ الْمُتَوَقَّع فِي ذَلِكَ عَادَة , لَا أَنَّ بَيْعَة أَبِي بَكْر كَانَ فِيهَا شَرٌّ . قَوْله ( وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَع الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْل أَبِي بَكْر ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُرِيد أَنَّ السَّابِق مِنْكُمْ الَّذِي لَا يُلْحَق فِي الْفَضْل لَا يَصِل إِلَى مَنْزِلَة أَبِي بَكْر , فَلَا يَطْمَع أَحَد أَنْ يَقَع لَهُ مِثْل مَا وَقَعَ لِأَبِي بَكْر مِنْ الْمُبَايَعَة لَهُ أَوَّلًا فِي الْمَلَأ الْيَسِير ثُمَّ اِجْتِمَاع النَّاس عَلَيْهِ وَعَدَم اِخْتِلَافهمْ عَلَيْهِ لِمَا تَحَقَّقُوا مِنْ اِسْتِحْقَاقه فَلَمْ يَحْتَاجُوا فِي أَمْره إِلَى نَظَر وَلَا إِلَى مُشَاوَرَة أُخْرَى , وَلَيْسَ غَيْره فِي ذَلِكَ مِثْله . اِنْتَهَى مُلَخَّصًا . وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى التَّحْذِير مِنْ الْمُسَارَعَة إِلَى مِثْل ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَكُون هُنَاكَ مِثْل أَبِي بَكْر لِمَا اِجْتَمَعَ فِيهِ مِنْ الصِّفَات الْمَحْمُودَة مِنْ قِيَامه فِي أَمْر اللَّه , وَلِين جَانِبه لِلْمُسْلِمِينَ , وَحُسْن خُلُقه , وَمَعْرِفَته بِالسِّيَاسَةِ , وَوَرَعه التَّامّ مِمَّنْ لَا يُوجَد فِيهِ مِثْل صِفَاته لَا يُؤْمَن مِنْ مُبَايَعَته عَنْ غَيْر مَشُورَة الِاخْتِلَافُ الَّذِي يَنْشَأ عَنْهُ الشَّرّ , وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ " تُقْطَع الْأَعْنَاق " لِكَوْنِ النَّاظِر إِلَى السَّابِق تَمْتَدّ عُنُقُهُ لِيَنْظُر , فَإِذَا لَمْ يَحْصُل مَقْصُوده مِنْ سَبْق مَنْ يُرِيد سَبْقه قِيلَ اِنْقَطَعَتْ عُنُقه , أَوْ لِأَنَّ الْمُتَسَابِقَيْنِ تَمْتَدّ إِلَى رُؤْيَتهمَا الْأَعْنَاق حَتَّى يَغِيب السَّابِق عَنْ النَّظَر , فَعَبَّرَ عَنْ اِمْتِنَاع نَظَره بِانْقِطَاعِ عُنُقه . وَقَالَ اِبْن التِّين : هُوَ مَثَل , يُقَال لِلْفَرَسِ الْجَوَاد تَقَطَّعَتْ أَعْنَاق الْخَيْل دُون لَحَاقه , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي مَعْشَر الْمَذْكُورَة " وَمِنْ أَيْنَ لَنَا مِثْل أَبِي بَكْر تُمَدّ أَعْنَاقُنَا إِلَيْهِ " . قَوْله ( مِنْ غَيْر ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " مِنْ غَيْر مَشُورَة " بِضَمِّ الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْوَاو وَبِسُكُونِ الْمُعْجَمَة وَفَتْح الْوَاو " فَلَا يُبَايَع ) بِالْمُوَحَّدَةِ , وَجَاءَ بِالْمُثَنَّاةِ وَهُوَ أَوْلَى " لِقَوْلِهِ هُوَ وَاَلَّذِي " تَابَعَهُ . قَوْله ( تَغِرَّة أَنْ يُقْتَلَا ) بِمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَة وَغَيْن مُعْجَمَة مَكْسُورَة وَرَاء ثَقِيلَة بَعْدهَا هَاء تَأْنِيث أَيْ حَذَرًا مِنْ الْقَتْل , وَهُوَ مَصْدَر مِنْ أَغَرَرْته تَغْرِيرًا أَوْ تَغِرَّةً , وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ غَرَّرَ بِنَفْسِهِ وَبِصَاحِبِهِ وَعَرَّضَهُمَا لِلْقَتْلِ . قَوْله ( وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ مِنْ الْخَبَر بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَة , وَوَقَعَ لِلْمُسْتَمْلِي بِسُكُونِ التَّحْتَانِيَّة وَالضَّمِير لِأَبِي بَكْر , وَعَلَى هَذَا فَيُقْرَأ " إِنَّ الْأَنْصَار " بِالْكَسْرِ عَلَى أَنَّهُ اِبْتِدَاء كَلَام آخَر , وَعَلَى رِوَايَة الْأَكْثَر بِفَتْحِ هَمْزَة " أَنَّ " عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ . قَوْله ( خَالَفُونَا ) أَيْ لَمْ يَجْتَمِعُوا مَعَنَا فِي مَنْزِل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَوْله ( وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيّ وَالزُّبَيْر وَمَنْ مَعَهُمَا ) فِي رِوَايَة مَالِك وَمَعْمَر " وَأَنَّ عَلِيًّا وَالزُّبَيْر وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا تَخَلَّفُوا فِي بَيْت فَاطِمَة بِنْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَذَا فِي رِوَايَة سُفْيَان لَكِنْ قَالَ " الْعَبَّاس " بَدَل " الزُّبَيْر " . قَوْله ( يَا أَبَا بَكْر اِنْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَاننَا ) زَادَ فِي رِوَايَة جُوَيْرِيَةَ عَنْ مَالِك " فَبَيْنَمَا نَحْنُ فِي مَنْزِل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بِرَجُلٍ يُنَادِي مِنْ وَرَاء الْجِدَار : اُخْرُجْ إِلَيَّ يَا اِبْن الْخَطَّاب , فَقُلْت إِلَيْك عَنِّي فَإِنِّي مَشْغُول , قَالَ : اُخْرُجْ إِلَيَّ فَإِنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ , إِنَّ الْأَنْصَار اِجْتَمَعُوا فَأَدْرِكُوهُمْ قَبْل أَنْ يُحْدِثُوا أَمْرًا يَكُون بَيْنكُمْ فِيهِ حَرْبٌ , فَقُلْت لِأَبِي بَكْر : اِنْطَلِقْ " . قَوْله ( فَانْطَلَقْنَا نُرِيدهُمْ ) زَادَ جُوَيْرِيَةُ " فَلَقِيَنَا أَبُو عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح فَأَخَذَ أَبُو بَكْر بِيَدِهِ يَمْشِي بَيْنِي وَبَيْنه " . قَوْله ( لَقِيَنَا رَجُلَانِ صَالِحَانِ ) فِي رِوَايَة مَعْمَر عَنْ اِبْن شِهَاب " شَهِدَا بَدْرًا " كَمَا تَقَدَّمَ فِي غَزْوَة بَدْر , وَفِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق " رَجُلَا صَدْق عُوَيْم بْن سَاعِدَة وَمَعْن بْن عَدِيّ " كَذَا أَدْرَجَ تَسْمِيَتَهُمَا , وَبَيَّنَ مَالِك أَنَّهُ قَوْل عُرْوَة وَلَفْظه " قَالَ اِبْن شِهَاب أَخْبَرَنِي عُرْوَة أَنَّهُمَا مَعْن بْن عَدِيّ وَعُوَيْم بْن سَاعِدَة " وَفِي رِوَايَة سُفْيَان " قَالَ الزُّهْرِيّ : هُمَا " وَلَمْ يَذْكُر عُرْوَة , ثُمَّ وَجَدْته مِنْ رِوَايَة صَالِح بْن كَيْسَانَ رِوَايَة فِي هَذَا الْبَاب بِزِيَادَةٍ , فَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ مِنْ طَرِيقه وَقَالَ فِيهِ " قَالَ اِبْن شِهَاب وَأَخْبَرَنِي عُرْوَة الرَّجُلَيْنِ فَسَمَّاهُمَا وَزَادَ : فَأَمَّا عُوَيْم فَهُوَ الَّذِي بَلَغَنَا أَنَّهُ قِيلَ يَا رَسُول اللَّه مَنْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه فِيهِمْ ( رِجَال يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ) قَالَ : نِعْمَ الْمَرْءُ مِنْهُمْ عُوَيْم بْن سَاعِدَة " وَأَمَّا مَعْن فَبَلَغَنَا أَنَّ النَّاس بَكَوْا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين تَوَفَّاهُ اللَّه وَقَالُوا وَدِدْنَا أَنَّا مُتْنَا قَبْله لِئَلَّا نُفْتَتَن بَعْده , فَقَالَ مَعْن بْن عَدِيّ : وَاَللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ لَوْ مُتّ قَبْله حَتَّى أُصَدِّقهُ مَيِّتًا كَمَا صَدَّقْته حَيًّا , وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ . قَوْله ( مَا تَمَالَأَ ) بِفَتْحِ اللَّام وَالْهَمْز أَيْ اِتَّفَقَ , وَفِي رِوَايَة مَالِك " الَّذِي صَنَعَ الْقَوْم أَيْ مِنْ اِتِّفَاقهمْ عَلَى أَنْ يُبَايِعُوا لِسَعْدِ بْن عُبَادَةَ . قَوْله ( لَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ ) لَا بَعْد أَنْ زَائِدَةٌ . قَوْله ( اِقْضُوا أَمْركُمْ ) فِي رِوَايَة سُفْيَان " امْهَلُوا حَتَّى تَقْضُوا أَمْركُمْ ) وَيُؤْخَذ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَنْصَار كُلّهَا لَمْ تَجْتَمِع عَلَى سَعْد بْن عُبَادَةَ . قَوْله ( مُزَمَّل ) بِزَايٍ وَتَشْدِيد الْمِيم الْمَفْتُوحَة أَيْ مُلَفَّف . قَوْله ( بَيْن ظَهْرَانَيْهِمْ ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَة وَالنُّون أَيْ فِي وَسَطهمْ . قَوْله ( يُوعَك ) بِضَمِّ أَوَّله وَفَتْح الْمُهْمَلَة أَيْ يَحْصُل لَهُ الْوَعْك - وَهُوَ الْحُمَّى بِنَافِضٍ - وَلِذَلِكَ زُمِّلَ , وَفِي رِوَايَة سُفْيَان , وُعِكَ بِصِيغَةِ الْفِعْل الْمَاضِي , وَزَعَمَ بَعْض الشُّرَّاح أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لِسَعْدٍ مِنْ هَوْل ذَلِكَ الْمَقَام , وَفِيهِ نَظَر لِأَنَّ سَعْدًا كَانَ مِنْ الشُّجْعَان وَاَلَّذِينَ كَانُوا عِنْده أَعْوَانُهُ وَأَنْصَارُهُ وَقَدْ اِتَّفَقُوا عَلَى تَأْمِيره , وَسِيَاق عُمَر يَقْتَضِي أَنَّهُ جَاءَ فَوَجَدَهُ مَوْعُوكًا , فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ حَصَلَ لَهُ بَعْد كَلَام أَبِي بَكْر وَعُمَر لَكَانَ لَهُ بَعْضُ اِتِّجَاهٍ لِأَنَّ مِثْله قَدْ يَكُون مِنْ الْغَيْظ , وَأَمَّا قَبْل ذَلِكَ فَلَا , وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ " قَالُوا سَعْدٌ وُجِعَ يُوعَك " وَكَأَنَّ سَعْدًا كَانَ مَوْعُوكًا فَلَمَّا اِجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فِي سَقِيفَة بَنِي سَاعِدَة - وَهُوَ مَنْسُوبَة إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ كَبِير بَنِي سَاعِدَة خَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَنْزِله وَهُوَ بِتِلْكَ الْحَالَة فَطَرَقَهُمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر فِي تِلْكَ الْحَالَة . قَوْله ( تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ ) لَمْ أَقِف عَلَى اِسْمه , وَكَانَ ثَابِت بْن قَيْس بْن شِمَاس يُدْعَى خَطِيب الْأَنْصَار فَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ هُوَ . قَوْله ( وَكَتِيبَة الْإِسْلَام ) الْكَتِيبَة بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَة وَزْن عَظِيمَة وَجَمْعُهَا كَتَائِبُ هِيَ الْجَيْش الْمُجْتَمِع الَّذِي لَا يَتَقَشَّر , وَأَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ مُبَالَغَة كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ أَنْتُمْ مُجْتَمَع الْإِسْلَام . قَوْله ( وَأَنْتُمْ مَعْشَر ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " مَعَاشِر " . قَوْله ( رَهْط ) أَيْ قَلِيل , وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُقَال لِلْعَشَرَةِ فَمَا دُونهَا , زَادَ اِبْن وَهْب فِي رِوَايَته " مِنَّا " وَكَذَا لِمَعْمَرٍ , وَهُوَ يَرْفَع الْإِشْكَال فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَة الرَّهْط وَإِنَّمَا أَطْلَقَهُ عَلَيْهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ أَيْ أَنْتُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا قَلِيل , لِأَنَّ عَدَد الْأَنْصَار فِي الْمَوَاطِن النَّبَوِيَّة الَّتِي ضُبِطَتْ كَانُوا دَائِمًا أَكْثَرَ مِنْ عَدَد الْمُهَاجِرِينَ , وَهُوَ بِنَاء عَلَى أَنَّ الْمُرَاد بِالْمُهَاجِرِينَ مَنْ كَانَ مُسْلِمًا قَبْل فَتْح مَكَّة وَهُوَ الْمُعْتَمَد , وَإِلَّا فَلَوْ أُرِيدَ عُمُوم مَنْ كَانَ مِنْ غَيْر الْأَنْصَار لَكَانُوا أَضْعَاف أَضْعَاف الْأَنْصَار . قَوْله ( وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّة مِنْ قَوْمكُمْ ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَة وَالْفَاء أَيْ عَدَد قَلِيل , وَأَصْله مِنْ الدَّفِّ وَهُوَ السَّيْر الْبَطِيء فِي جَمَاعَة . قَوْله ( يَخْتَزِلُونَا ) بِخَاءٍ مُعْجَمَة وَزَاي أَيْ يَقْتَطِعُونَا عَنْ الْأَمْر وَيَنْفَرِدُوا بِهِ دُوننَا , وَقَالَ أَبُو زَيْد : خَزَلْته عَنْ حَاجَته عَوَّقْته عَنْهَا , وَالْمُرَاد هُنَا بِالْأَصْلِ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنْ الْأَمْر . قَوْله ( وَأَنْ يَحْضُنُونَا ) بِحَاءٍ مُهْمَلَة وَضَاد مُعْجَمَة , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي " أَيْ يُخْرِجُونَا " قَالَهُ أَبُو عُبَيْد , وَهُوَ كَمَا يُقَال حَضَنَهُ وَاحْتَضَنَهُ عَنْ الْأَمْر أَخْرَجَهُ فِي نَاحِيَة عَنْهُ وَاسْتَبَدَّ بِهِ أَوْ حَبَسَهُ عَنْهُ , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي عَلِيّ بْن السَّكَن " يَخْتَصُّونَا " بِمُثَنَّاةٍ قَبْل الصَّاد الْمُهْمَلَة وَتَشْدِيدهَا , وَمِثْله لِلْكُشْمِيهَنِيّ لَكِنْ بِضَمِّ الْخَاء بِغَيْرِ تَاء وَهِيَ بِمَعْنَى الِاقْتِطَاع وَالِاسْتِئْصَال , وَفِي رِوَايَة سُفْيَان عِنْد الْبَزَّار " وَيَخْتَصُّونَ بِالْأَمْرِ أَوْ يَسْتَأْثِرُونَ بِالْأَمْرِ دُوننَا " وَفِي رِوَايَة أَبِي بَكْر الْحَنَفِيّ عَنْ مَالِك عِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ " وَيَخْطَفُونَ " بِخَاءٍ مُعْجَمَة ثُمَّ طَاء مُهْمَلَة ثُمَّ فَاء , وَالرِّوَايَات كُلّهَا مُتَّفِقَة عَلَى أَنَّ قَوْله " فَإِذَا هُمْ إِلَخْ " بَقِيَّة كَلَام خَطِيب الْأَنْصَار , لَكِنْ وَقَعَ عِنْد اِبْن مَاجَهْ بَعْد قَوْله " وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّة مِنْ قَوْمكُمْ " : " قَالَ عُمَر فَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ إِلَخْ " وَزِيَادَة قَوْله هُنَا " قَالَ عُمَر " خَطَأ وَالصَّوَاب أَنَّهُ كُلّه كَلَام الْأَنْصَار , وَيَدُلّ لَهُ قَوْل عُمَر " فَلَمَّا سَكَتَ " وَعَلَى ذَلِكَ شَرَحَهُ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ : قَوْله " رَهْط " أَيْ أَنَّ عَدَدكُمْ قَلِيل بِالْإِضَافَةِ لِلْأَنْصَارِ , وَقَوْله " دَفَّتْ دَافَّة مِنْ قَوْمكُمْ " يُرِيد أَنَّكُمْ قَوْم طُرَأَة غُرَبَاء أَقْبَلْتُمْ مِنْ مَكَّة إِلَيْنَا ثُمَّ أَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْنَا . قَوْله ( فَلَمَّا سَكَتَ ) أَيْ خَطِيب الْأَنْصَار , وَحَاصِل مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامه أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ طَائِفَة مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَرَادُوا أَنْ يَمْنَعُوا الْأَنْصَار مِنْ أَمْر تَعْتَقِد الْأَنْصَار أَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهُ وَإِنَّمَا عَرَّضَ بِذَلِكَ بِأَبِي بَكْر وَعُمَر وَمَنْ حَضَرَ مَعَهُمَا . قَوْله ( أَرَدْت أَنْ أَتَكَلَّم وَكُنْت قَدْ زَوَّرْت ) بِزَايٍ ثُمَّ رَاءٍ أَيْ هَيَّأْت وَحَسَّنْت , وَفِي رِوَايَة مَالِك " رَوَّيْت " بِرَاءٍ وَوَاوٍ ثَقِيلَة ثُمَّ تَحْتَانِيَّة سَاكِنَة مِنْ الرِّوَايَة ضِدّ الْبَدِيهَة , وَيُؤَيِّدهُ قَوْل عُمَر بَعْد " فَمَا تَرَكَ كَلِمَة " وَفِي رِوَايَة مَالِك " مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَة أَعْجَبَتْنِي فِي رَوِيَّتِي إِلَّا قَالَهَا فِي بَدِيهَته , وَفِي حَدِيث عَائِشَة " وَكَانَ عُمَر يَقُول : وَاَللَّه مَا أَرَدْت لِذَلِكَ إِلَّا أَنِّي قَدْ هَيَّأْت كَلَامًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيت أَنْ لَا يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْر " . قَوْله ( عَلَى رِسْلك ) بِكَسْرِ الرَّاء وَسُكُون الْمُهْمَلَة وَيَجُوز الْفَتْح أَيْ عَلَى مَهَلِك بِفَتْحَتَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانه فِي الِاعْتِكَاف , وَفِي حَدِيث عَائِشَة الْمَاضِي فِي مَنَاقِب أَبِي بَكْر " فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْر " . قَوْله ( أَنْ أُغْضِبهُ ) بِغَيْنٍ ثُمَّ ضَاد مُعْجَمَتَيْنِ ثُمَّ مُوَحَّدَة , وَفِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ بِمُهْمَلَتَيْنِ ثُمَّ يَاء آخِر الْحُرُوف . قَوْله ( فَكَانَ هُوَ أَحْلَمَ مِنِّي وَأَوْقَرَ ) فِي حَدِيث عَائِشَة " فَتَكَلَّمَ أَبْلَغُ النَّاس " . قَوْله ( مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْر فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْل ) زَادَ اِبْن إِسْحَاق فِي رِوَايَته عَنْ الزُّهْرِيّ " إِنَّا وَاَللَّهِ يَا مَعْشَر الْأَنْصَار مَا نُنْكِر فَضْلكُمْ وَلَا بَلَاءَكُمْ فِي الْإِسْلَام وَلَا حَقَّكُمْ الْوَاجِب عَلَيْنَا " . قَوْله ( وَلَنْ يُعْرَف ) بِضَمِّ أَوَّله عَلَى الْبِنَاء لِلْمَجْهُولِ . وَفِي رِوَايَة مَالِك " وَلَمْ تَعْرِف الْعَرَبُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا لِهَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْش , وَكَذَا فِي رِوَايَة سُفْيَان وَفِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق " قَدْ عَرَفْتُمْ أَنَّ هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْش بِمَنْزِلَةٍ مِنْ الْعَرَب لَيْسَ بِهَا غَيْرهمْ وَأَنَّ الْعَرَب لَا تَجْتَمِع إِلَّا عَلَى رَجُل مِنْهُمْ , فَاتَّقُوا اللَّهَ لَا تُصَدِّعُوا الْإِسْلَامَ وَلَا تَكُونُوا أَوَّل مَنْ أَحْدَثَ فِي الْإِسْلَام " . قَوْله ( هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَب ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " هُوَ " بَدَل " هُمْ " وَالْأَوَّل أَوْجَهُ , وَقَدْ بَيَّنْت فِي مَنَاقِب أَبِي بَكْر أَنَّ أَحْمَدَ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيق حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق أَنَّهُ قَالَ يَوْمَئِذٍ " قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَئِمَّة مِنْ قُرَيْش " وَسُقْت الْكَلَام عَلَى ذَلِكَ هُنَاكَ , وَسَيَأْتِي الْقَوْل فِي حُكْمه فِي كِتَاب الْأَحْكَام إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى . قَوْله ( وَقَدْ رَضِيت لَكُمْ أَحَد هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ ) زَادَ عَمْرو بْن مَرْزُوق عَنْ مَالِك عِنْد الدَّارَقُطْنِيِّ هُنَا " فَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَة بْن الْجَرَّاح " وَقَدْ ذَكَرْت فِي هَذَا الْحَدِيث مَفَاخِرَهُ . وَتَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّق بِذَلِكَ فِي مَنَاقِب أَبِي بَكْر . قَوْله ( فَقَالَ قَائِل الْأَنْصَار ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ " مِنْ الْأَنْصَار " وَكَذَا فِي رِوَايَة مَالِك وَقَدْ سَمَّاهُ سُفْيَان فِي رِوَايَته عِنْد الْبَزَّار فَقَالَ " حُبَاب بْن الْمُنْذِر " لَكِنَّهُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيق مُدْرَج فَقَدْ بَيَّنَ مَالِك فِي رِوَايَته عَنْ الزُّهْرِيّ أَنَّ الَّذِي سَمَّاهُ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب فَقَالَ " قَالَ اِبْن شِهَاب فَأَخْبَرَنِي سَعِيد بْن الْمُسَيِّب أَنَّ الْحُبَاب بْن الْمُنْذِر هُوَ الَّذِي قَالَ : أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّك " وَتَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي حَدِيث عَائِشَة " فَقَالَ أَبُو بَكْر : نَحْنُ الْأُمَرَاء وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاء . فَقَالَ الْحُبَاب بْن الْمُنْذِر : لَا وَاَللَّهِ لَا نَفْعَل , مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ " وَتَقَدَّمَ تَفْسِير الْمُرَجَّب وَالْمُحَكَّك هُنَاكَ , وَهَكَذَا سَائِر مَا يَتَعَلَّق بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْر الْمَذْكُورَة مَشْرُوحًا , وَزَادَ إِسْحَاق بْن الطَّبَّاع هُنَاكَ : فَقُلْت لِمَالِكٍ مَا مَعْنَاهُ ؟ قَالَ : كَأَنَّهُ يَقُول أَنَا دَاهِيَتهَا , وَهُوَ تَفْسِير مَعْنًى , زَادَ سُفْيَان فِي رِوَايَته هُنَا ( وَإِلَّا أَعَدْنَا الْحَرْب بَيْننَا وَبَيْنكُمْ خَدْعَة , فَقُلْت : إِنَّهُ لَا يَصْلُح سَيْفَانِ فِي غِمْد وَاحِد ) وَوَقَعَ عِنْد مَعْمَر أَنَّ رَاوِي ذَلِكَ قَتَادَةُ , فَقَالَ " قَالَ قَتَادَةُ قَالَ عُمَر : لَا يَصْلُح سَيْفَانِ فِي غِمْد وَاحِد , وَلَكِنْ مِنَّا الْأُمَرَاء وَمِنْكُمْ الْوُزَرَاء " وَوَقَعَ عِنْد اِبْن سَعْد بِسَنَدٍ صَحِيح مِنْ مُرْسَل الْقَاسِم بْن مُحَمَّد قَالَ " اِجْتَمَعَتْ الْأَنْصَار إِلَى سَعْد بْن عُبَادَةَ , فَأَتَاهُمْ أَبُو بَكْر وَعُمَر وَأَبُو عُبَيْدَة , فَقَامَ الْحُبَاب بْن الْمُنْذِر وَكَانَ بَدْرِيًّا فَقَالَ : مِنَّا أَمِير وَمِنْكُمْ أَمِير , فَإِنَّا وَاَللَّه مَا نَنْفَس عَلَيْكُمْ هَذَا الْأَمْرَ وَلَكِنَّا نَخَاف أَنْ يَلِيَهَا أَقْوَامٌ قَتَلْنَا آبَاءَهُمْ وَإِخْوَتَهُمْ . فَقَالَ عُمَر : إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَمُتْ إِنْ اِسْتَطَعْت " قَالَ الْخَطَّابِيُّ : الْحَامِل لِلْقَائِلِ " مِنَّا أَمِير وَمِنْكُمْ أَمِير " أَنَّ الْعَرَب لَمْ تَكُنْ تَعْرِف السِّيَادَة عَلَى قَوْم إِلَّا لِمَنْ يَكُون مِنْهُمْ , وَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَبْلُغهُ حُكْم الْإِمَارَة فِي الْإِسْلَام وَاخْتِصَاص ذَلِكَ بِقُرَيْشٍ فَلَمَّا بَلَغَهُ أَمْسَكَ عَنْ قَوْله وَبَايَعَ هُوَ وَقَوْمه أَبَا بَكْرٍ . قَوْله ( حَتَّى فَرِقْت ) بِفَتْحِ الْفَاء وَكَسْر الرَّاء ثُمَّ قَاف مِنْ الْفَرَق بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْخَوْف , وَفِي رِوَايَة مَالِك " حَتَّى خِفْت " وَفِي رِوَايَة جُوَيْرِيَةَ " حَتَّى أَشْفَقْنَا الِاخْتِلَاف " وَوَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق الْمَذْكُورَة فِيمَا أَخْرَجَهُ الذُّهْلِيُّ فِي " الزُّهْرِيَّات " بِسَنَدٍ صَحِيح عَنْهُ حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ عُبَيْد اللَّه عَنْ اِبْن عَبَّاس عَنْ عُمَر قَالَ " قُلْت يَا مَعْشَر الْأَنْصَار إِنَّ أَوْلَى النَّاس بِنَبِيِّ اللَّه ثَانِي اِثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَار , ثُمَّ أَخَذْت بِيَدِهِ " وَوَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود عِنْد أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيق عَاصِم عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْش عَنْهُ أَنَّ عُمَر قَالَ : يَا مَعْشَر الْأَنْصَار , أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَبَا بَكْر أَنْ يَؤُمّ بِالنَّاسِ , فَأَيّكُمْ تَطِيب نَفْسُهُ أَنْ يَتَقَدَّم أَبَا بَكْر ؟ فَقَالُوا نَعُوذ بِاَللَّهِ أَنْ نَتَقَدَّم أَبَا بَكْر وَسَنَده حَسَنٌ , وَلَهُ شَاهِد مِنْ حَدِيث سَالِم بْن عُبَيْد اللَّه عَنْ عُمَر أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا , وَآخَر مِنْ طَرِيق رَافِع بْن عَمْرو الطَّائِيّ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُسْنَد عُمَر بِلَفْظِ " فَأَيُّكُمْ يَجْتَرِئ أَنْ يَتَقَدَّم أَبَا بَكْر ؟ فَقَالُوا لَا أَيُّنَا " وَأَصْله عِنْد أَحْمَدَ وَسَنَده جَيِّد , وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ حَدِيث أَبِي سَعِيد قَالَ " قَالَ أَبُو بَكْر : أَلَسْت أَحَقَّ النَّاسِ بِهَذَا الْأَمْر ؟ أَلَسْت أَوَّل مَنْ أَسْلَمَ ؟ أَلَسْت صَاحِب كَذَا " . قَوْله ( فَبَايَعْته وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى قَوْل الدَّاوُدِيّ فِيمَا نَقَلَهُ اِبْن التِّين عَنْهُ حَيْثُ أَطْلَقَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَ أَبِي بَكْر حِينَئِذٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إِلَّا عُمَر وَأَبُو عُبَيْدَة , وَكَأَنَّهُ اِسْتَصْحَبَ الْحَال الْمَنْقُولَة فِي تَوَجُّههمْ , لَكِنْ ظَهَرَ مِنْ قَوْل عُمَر " وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ " بَعْد قَوْله " بَايَعْته " أَنَّهُ حَضَرَ مَعَهُمْ جَمْع مِنْ الْمُهَاجِرِينَ , فَكَأَنَّهُمْ تَلَاحَقُوا بِهِمْ لَمَّا بَلَغَهُمْ أَنَّهُمْ تَوَجَّهُوا إِلَى الْأَنْصَار , فَلَمَّا بَايَعَ عُمَر أَبَا بَكْر وَبَايَعَهُ مَنْ حَضَرَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى ذَلِكَ بَايَعَهُ الْأَنْصَار حِين قَامَتْ الْحُجَّة عَلَيْهِمْ بِمَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر وَغَيْره . قَوْله ( ثُمَّ بَايَعَتْهُ الْأَنْصَار ) فِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق الْمَذْكُورَة قَرِيبًا ثُمَّ أَخَذْت بِيَدِهِ وَبَدَرَنِي رَجُل مِنْ الْأَنْصَار فَضَرَبَ عَلَى يَده قَبْل أَنْ أَضْرِب عَلَى يَده , ثُمَّ ضَرَبْت عَلَى يَده فَتَتَابَعَ النَّاس " وَالرَّجُل الْمَذْكُور بَشِير بْن سَعْد وَالِد النُّعْمَان . قَوْله ( وَنَزَوْنَا ) بِنُونٍ وَزَاي مَفْتُوحَة أَيْ وَثَبْنَا . قَوْله ( فَقُلْت : قَتَلَ اللَّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ) تَقَدَّمَ بَيَانه فِي شَرْح حَدِيث عَائِشَة فِي مَنَاقِب أَبِي بَكْر , وَسَيَأْتِي فِي الْأَحْكَام مِنْ وَجْه آخَر عَنْ الزُّهْرِيّ قَالَ " أَخْبَرَنِي أَنَس أَنَّهُ سَمِعَ خُطْبَة عُمَر الْآخِرَة مِنْ الْغَد مِنْ يَوْم تُوُفِّيَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْر صَامِت لَا يَتَكَلَّم , فَقَصَّ قِصَّة الْبَيْعَة الْعَامَّة , وَيَأْتِي شَرْحُهَا هُنَاكَ . قَوْله ( وَإِنَّا وَاَللَّه مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا ) بِصِيغَةِ الْفِعْل الْمَاضِي . قَوْله ( مِنْ أَمْر ) فِي مَوْضِع الْمَفْعُول أَيْ حَضَرْنَا فِي تِلْكَ الْحَالَة أُمُورًا فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا أَقْوَى مِنْ سَابِقَة أَبِي بَكْر , وَالْأُمُور الَّتِي حُضِرَتْ حِينَئِذٍ الِاشْتِغَال بِالْمُشَاوَرَةِ وَاسْتِيعَاب مَنْ يَكُون أَهْلًا لِذَلِكَ , وَجَعَلَ بَعْض الشُّرَّاح مِنْهَا الِاشْتِغَال بِتَجْهِيزِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَفْنه , وَهُوَ مُحْتَمَل لَكِنْ لَيْسَ فِي سِيَاق الْقِصَّة إِشْعَار بِهِ , بَلْ تَعْلِيل عُمَر يُرْشِد إِلَى الْحَصْر فِيمَا يَتَعَلَّق بِالِاسْتِخْلَافِ . قَوْله ( فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ ) فِي رِوَايَة الْكُشْمِيهَنِيّ بِمُثَنَّاةٍ وَبَعْد الْأَلِف مُوَحَّدَةٌ . قَوْله ( عَلَى مَا لَا نَرْضَى ) فِي رِوَايَة مَالِك " عَلَى مَا لَا نَرْضَى " وَهُوَ الْوَجْه , وَبَقِيَّة الْكَلَام تُرْشِد إِلَى ذَلِكَ . قَوْله ( فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا ) فِي رِوَايَة مَالِك فَمَنْ تَابَعَ رَجُلًا . قَوْله ( فَلَا يُتَابَع هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ ) فِي رِوَايَة مَعْمَر مِنْ وَجْه آخَر عَنْ عُمَر " مَنْ دُعِيَ إِلَى إِمَارَة مِنْ غَيْر مَشُورَة فَلَا يَحِلّ لَهُ أَنْ يَقْبَل " . وَفِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ الْفَوَائِد غَيْر مَا تَقَدَّمَ أَخْذ الْعِلْم عَنْ أَهْله وَإِنْ صَغُرَتْ سِنّ الْمَأْخُوذ عَنْهُ عَنْ الْآخِذ , وَكَذَا لَوْ نَقَصَ قَدْرُهُ عَنْ قَدْره . وَفِيهِ التَّنْبِيه عَلَى أَنَّ الْعِلْم لَا يُودَع عِنْد غَيْر أَهْله , وَلَا يُحَدَّث بِهِ إِلَّا مَنْ يَعْقِلهُ , وَلَا يُحَدَّث الْقَلِيلُ الْفَهْمِ بِمَا لَا يَحْتَمِلهُ . وَفِيهِ جَوَاز إِخْبَار السُّلْطَان بِكَلَامِ مَنْ يُخْشَى مِنْهُ وُقُوع أَمْر فِيهِ إِفْسَادٌ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا يُعَدّ ذَلِكَ مِنْ النَّمِيمَة الْمَذْمُومَة , لَكِنَّ مَحَلّ ذَلِكَ أَنْ يُبْهِمهُ صَوْنًا لَهُ وَجَمْعًا لَهُ بَيْن الْمَصْلَحَتَيْنِ , وَلَعَلَّ الْوَاقِع فِي هَذِهِ الْقِصَّة كَانَ كَذَلِكَ وَاكْتَفَى عُمَر بِالتَّحْذِيرِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُعَاقِب الَّذِي قَالَ ذَلِكَ وَلَا مَنْ قِيلَ عَنْهُ , وَبَنَى الْمُهَلَّب عَلَى مَا زَعَمَ أَنَّ الْمُرَاد مُبَايَعَة شَخْص مِنْ الْأَنْصَار فَقَالَ : إِنَّ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَة لِقَوْلِ أَبِي بَكْر " إِنَّ الْعَرَب لَا تَعْرِف هَذَا الْأَمْر إِلَّا لِهَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْش " فَإِنَّ الْمَعْرُوف هُوَ الشَّيْء الَّذِي لَا يَجُوز خِلَافه . قُلْت : وَاَلَّذِي ظَهَرَ مِنْ سِيَاق الْقِصَّة أَنَّ إِنْكَار عُمَر إِنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ أَرَادَ مُبَايَعَة شَخْص عَلَى غَيْر مَشُورَة مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَلَمْ يَتَعَرَّض لِكَوْنِهِ قُرَشِيًّا أَوْ لَا : وَفِيهِ أَنَّ الْعَظِيم يُحْتَمَل فِي حَقّه مِنْ الْأُمُور الْمُبَاحَة مَا لَا يُحْتَمَل فِي حَقّ غَيْره , لِقَوْلِ عُمَر " وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُمَدّ إِلَيْهِ الْأَعْنَاق مِثْل أَبِي بَكْر " أَيْ فَلَا يَلْزَم مِنْ اِحْتِمَال الْمُبَادَرَة إِلَى بَيْعَته عَنْ غَيْر تَشَاوُر عَامّ أَنْ يُبَاح ذَلِكَ لِكُلِّ أَحَد مِنْ النَّاس لَا يَتَّصِف بِمِثْلِ صِفَة أَبِي بَكْر . قَالَ الْمُهَلَّب : وَفِيهِ أَنَّ الْخِلَافَة لَا تَكُون إِلَّا فِي قُرَيْش , وَأَدِلَّة ذَلِكَ كَثِيرَة . وَمِنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى مَنْ وَلِيَ أَمْر الْمُسْلِمِينَ بِالْأَنْصَارِ , وَفِيهِ دَلِيل وَاضِح عَلَى أَنْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْخِلَافَة , كَذَا قَالَ , وَفِيهِ نَظَر سَيَأْتِي بَيَانه عِنْد شَرْح بَاب الْأُمَرَاء مِنْ قُرَيْش مِنْ كِتَاب الْأَحْكَام . وَفِيهِ أَنَّ الْمَرْأَة إِذَا وُجِدَتْ حَامِلًا وَلَا زَوْج لَهَا وَلَا سَيِّد وَجَبَ عَلَيْهَا الْحَدّ إِلَّا أَنْ تُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى الْحَمْل أَوْ الِاسْتِكْرَاه . وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : إِقَامَة الْحَمْل عَلَيْهِ إِذَا ظَهَرَ وَلَدٌ لَمْ يَسْبِقهُ سَبَبٌ جَائِزٌ يُعْلَم قَطْعًا أَنَّهُ مِنْ حَرَام , وَيُسَمَّى قِيَاس الدَّلَالَة كَالدُّخَانِ عَلَى النَّار , وَيُعَكِّر عَلَيْهِ اِحْتِمَالُ أَنْ يَكُون الْوَطْء مِنْ شُبْهَة , وَقَالَ اِبْن الْقَاسِم : إِنْ اِدَّعَتْ الِاسْتِكْرَاه وَكَانَتْ غَرِيبَة فَلَا حَدَّ عَلَيْهَا , وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَالْكُوفِيُّونَ : لَا حَدَّ عَلَيْهَا إِلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَار . وَحُجَّة مَالِك قَوْلُ عُمَر فِي خُطْبَته وَلَمْ يُنْكِرهَا أَحَد , وَكَذَا لَوْ قَامَتْ الْقَرِينَة عَلَى الْإِكْرَاه أَوْ الْخَطَأ قَالَ الْمَازِرِيّ فِي تَصْدِيق الْمَرْأَة الْخَلِيَّة إِذَا ظَهَرَ بِهَا حَمْل فَادَّعَتْ الْإِكْرَاه خِلَاف هَلْ يَكُون ذَلِكَ شُبْهَة أَمْ يَجِب عَلَيْهَا الْحَدّ لِحَدِيثِ عُمَر ؟ قَالَ اِبْن عَبْد الْبَرّ : قَدْ جَاءَ عَنْ عُمَر فِي عِدَّة قَضَايَا أَنَّهُ دَرَأَ الْحَدّ بِدَعْوَى الْإِكْرَاه وَنَحْوه , ثُمَّ سَاقَ مِنْ طَرِيق شُعْبَة عَنْ عَبْد الْمَلِك بْن مَيْسَرَة عَنْ النَّزَّال بْن سَبْرَة قَالَ " إِنَّا لَمَعَ عُمَر بِمِنًى فَإِذَا بِامْرَأَةٍ حُبْلَى ضَخْمَة تَبْكِي , فَسَأَلَهَا فَقَالَتْ : إِنِّي ثَقِيلَة الرَّأْس فَقُمْت بِاللَّيْلِ أُصَلِّي ثُمَّ نِمْت فَمَا اِسْتَيْقَظْت إِلَّا وَرَجُل قَدْ رَكِبَنِي وَمَضَى فَمَا أَدْرِي مَنْ هُوَ , قَالَ فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدّ " وَجَمَعَ بَعْضهمْ بِأَنَّ مَنْ عُرِفَ مِنْهَا مَخَايِلُ الصِّدْق فِي دَعْوَى الْإِكْرَاه قُبِلَ مِنْهَا , وَأَمَّا الْمَعْرُوفَة فِي الْبَلَد الَّتِي لَا تُعْرَف بِالدِّينِ وَلَا الصِّدْق , وَلَا قَرِينَة مَعَهَا عَلَى الْإِكْرَاه فَلَا وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ مُتَّهَمَة , وَعَلَى الثَّانِي يَدُلّ قَوْله " أَوْ كَانَ الْخَبَلُ " وَاسْتَنْبَطَ مِنْهُ الْبَاجِيّ أَنَّ مَنْ وَطِئَ فِي غَيْر الْفَرْج فَدَخَلَ مَاؤُهُ فِيهِ فَادَّعَتْ الْمَرْأَة أَنَّ الْوَلَد مِنْهُ لَا يُقْبَل وَلَا يَلْحَق بِهِ إِذَا لَمْ يَعْتَرِف بِهِ , لِأَنَّهُ لَوْ لَحِقَ بِهِ لَمَا وَجَبَ الرَّجْم عَلَى حُبْلَى لِجَوَازِ مِثْل ذَلِكَ , وَعَكَسَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ : هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجِب عَلَى الْحُبْلَى بِمُجَرَّدِ الْحَبَل حَدٌّ لِاحْتِمَالِ مِثْل هَذِهِ الشُّبْهَة وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور , وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الْمُسْتَفَاد مِنْ قَوْل عُمَر " الرَّجْم حَقّ عَلَى مَنْ زَنَى " أَنَّ الْحَبَل إِذَا كَانَ مِنْ زِنًا وَجَبَ فِيهِ الرَّجْم وَهُوَ كَذَلِكَ , وَلَكِنْ لَا بُدّ مِنْ ثُبُوت كَوْنه مِنْ زِنًى , وَلَا تُرْجَم بِمُجَرَّدِ الْحَبَل مَعَ قِيَام الِاحْتِمَال فِيهِ , لِأَنَّ عُمَر لَمَّا أُتِيَ بِالْمَرْأَةِ الْحُبْلَى وَقَالُوا إِنَّهَا زَنَتْ وَهِيَ تَبْكِي فَسَأَلَهَا مَا يُبْكِيك فَأَخْبَرَتْ أَنَّ رَجُلًا رَكِبَهَا وَهِيَ نَائِمَة فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدّ بِذَلِكَ . قُلْت : وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ , فَإِنَّ عُمَر قَابَلَ الْحَبَل بِالِاعْتِرَافِ , وَقَسِيم الشَّيْء لَا يَكُون قِسْمه , وَإِنَّمَا اِعْتَمَدَ مَنْ لَا يَرَى الْحَدّ بِمُجَرَّدِ الْحَبَل قِيَامَ الِاحْتِمَال بِأَنَّهُ لَيْسَ عَنْ زِنًى مُحَقَّق , وَأَنَّ الْحَدّ يُدْفَع بِالشُّبْهَةِ وَاَللَّه أَعْلَمُ . وَفِيهِ أَنَّ مَنْ اِطَّلَعَ عَلَى أَمْر يُرِيد الْإِمَام أَنْ يُحْدِثهُ فَلَهُ أَنْ يُنَبِّه غَيْره عَلَيْهِ إِجْمَالًا لِيَكُونَ إِذَا سَمِعَهُ عَلَى بَصِيرَة , كَمَا وَقَعَ لِابْنِ عَبَّاس مَعَ سَعِيد بْن زَيْد . وَإِنَّمَا أَنْكَرَ سَعِيد عَلَى اِبْن عَبَّاس لِأَنَّ الْأَصْل عِنْده أَنَّ أُمُور الشَّرْع قَدْ اِسْتَقَرَّتْ , فَمَهْمَا أُحْدِثَ بَعْد ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُون تَفْرِيعًا عَلَيْهَا , وَإِنَّمَا سَكَتَ اِبْن عَبَّاس عَنْ بَيَان ذَلِكَ لَهُ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيَسْمَعُ ذَلِكَ مِنْ عُمَر عَلَى الْفَوْر . وَفِيهِ جَوَاز الِاعْتِرَاض عَلَى الْإِمَام فِي الرَّأْي إِذَا خَشِيَ أَمْرًا وَكَانَ فِيمَا أَشَارَ بِهِ رُجْحَانٌ عَلَى مَا أَرَادَهُ الْإِمَام , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ أَهْل الْمَدِينَة مَخْصُوصُونَ بِالْعِلْمِ وَالْفَهْم لِاتِّفَاقِ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف وَعُمَر عَلَى ذَلِكَ , كَذَا قَالَ الْمُهَلَّب فِيمَا حَكَاهُ اِبْن بَطَّال وَأَقَرَّهُ , وَهُوَ صَحِيح فِي حَقّ أَهْل ذَلِكَ الْعَصْر , وَيَلْتَحِق بِهِمْ مَنْ ضَاهَاهُمْ فِي ذَلِكَ , وَلَا يَلْزَم مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَسْتَمِرّ ذَلِكَ فِي كُلّ عَصْر بَلْ وَلَا فِي كُلّ فَرْد فَرْد . وَفِيهِ الْحَثّ عَلَى تَبْلِيغ الْعِلْم مِمَّنْ حَفِظَهُ وَفَهِمَهُ وَحَثُّ مَنْ لَا يَفْهَم عَلَى عَدَمِ التَّبْلِيغ إِلَّا إِنْ كَانَ يُورِدهُ بِلَفْظِهِ وَلَا يَتَصَرَّف فِيهِ . وَأَشَارَ الْمُهَلَّب إِلَى أَنَّ مُنَاسَبَة إِيرَاد عُمَر حَدِيثَ " لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ " وَحَدِيث الرَّجْم مِنْ جِهَة أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقْطَع فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ مِنْ الْقُرْآن أَوْ السُّنَّة , وَلَا يَتَسَوَّر بِرَأْيِهِ فِيهِ فَيَقُول أَوْ يَعْمَل بِمَا تُزَيِّن لَهُ نَفْسُهُ , كَمَا يَقْطَع الَّذِي قَالَ " لَوْ مَاتَ عُمَر بَايَعْت فُلَانًا " لَمَّا لَمْ يَجِدْ شَرْطَ مَنْ يَصْلُح لِلْإِمَامَةِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْكِتَاب فَقَاسَ مَا أَرَادَ أَنْ يَقَع لَهُ بِمَا وَقَعَ فِي قِصَّة أَبِي بَكْر فَأَخْطَأَ الْقِيَاس لِوُجُودِ الْفَارِق , وَكَانَ الْوَاجِب عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَل أَهْل الْعِلْم بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة عَنْهُ وَيَعْمَل بِمَا يَدُلُّونَهُ عَلَيْهِ , فَقَدَّمَ عُمَر قِصَّة الرَّجْم وَقِصَّة النَّهْي عَنْ الرَّغْبَة عَنْ الْآبَاء وَلَيْسَا مَنْصُوصَيْنِ , فِي الْكِتَاب الْمَتْلُوّ وَإِنْ كَانَا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّه وَاسْتَمَرَّ حُكْمُهُمَا وَنُسِخَتْ تِلَاوَتُهُمَا , لَكِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوص بِأَهْلِ الْعِلْم مِمَّنْ اِطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ , وَإِلَّا فَالْأَصْل أَنَّ كُلّ شَيْء نُسِخَتْ تِلَاوَته نُسِخَ حُكْمُهُ , وَفِي قَوْله " أَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَان " إِشَارَة إِلَى دُرُوس الْعِلْم مَعَ مُرُور الزَّمَن فَيَجِد الْجُهَّال السَّبِيل إِلَى التَّأْوِيل بِغَيْرِ عِلْم , وَأَمَّا الْحَدِيث الْآخَر وَهُوَ " لَا تُطْرُونِي " فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى تَعْلِيمهمْ مَا يُخْشَى عَلَيْهِمْ جَهْلُهُ , قَالَ : وَفِيهِ اِهْتِمَام الصَّحَابَة وَأَهْل الْقَرْن الْأَوَّل بِالْقُرْآنِ وَالْمَنْع مِنْ الزِّيَادَة فِي الْمُصْحَف , وَكَذَا مَنْع النَّقْص بِطَرِيقِ الْأَوْلَى , لِأَنَّ الزِّيَادَة إِنَّمَا تُمْنَع لِئَلَّا يُضَاف إِلَى الْقُرْآن مَا لَيْسَ مِنْهُ فَإِطْرَاح بَعْضه أَشَدُّ , قَالَ : وَهَذَا يُشْعِر بِأَنَّ كُلّ مَا نُقِلَ عَنْ السَّلَف كَأُبَيّ بْن كَعْب وَابْن مَسْعُود مِنْ زِيَادَة لَيْسَتْ فِي الْإِمَام إِنَّمَا هِيَ عَلَى سَبِيل التَّفْسِير وَنَحْوه , قَالَ : وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّل الْأَمْر ثُمَّ اِسْتَقَرَّ الْإِجْمَاع عَلَى مَا فِي الْإِمَام وَبَقِيَتْ تِلْكَ الرِّوَايَات تُنْقَل لَا عَلَى أَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي الْمُصْحَف . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ مَنْ خَشِيَ مِنْ قَوْم فِتْنَة وَأَنْ لَا يُجِيبُوا إِلَى اِمْتِثَال الْأَمْر الْحَقّ أَنْ يَتَوَجَّه إِلَيْهِمْ وَيُنَاظِرهُمْ وَيُقِيم عَلَيْهِمْ الْحُجَّة وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيث سَالِم بْن عُبَيْد اللَّه قَالَ " اِجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ يَتَشَاوَرُونَ فَقَالُوا : اِنْطَلِقُوا بِنَا إِلَى إِخْوَاننَا الْأَنْصَار , فَقَالُوا مِنَّا أَمِير وَمِنْكُمْ أَمِير , فَقَالَ عُمَر فَسَيْفَانِ فِي غِمْد إِذًا لَا يَصْلُحَانِ , ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْر فَقَالَ : مَنْ لَهُ هَذِهِ الثَّلَاثَة ( إِذْ يَقُول لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَن إِنَّ اللَّه مَعَنَا ) ؟ مَنْ صَاحِبُهُ ( إِذْ هُمَا فِي الْغَار ) مَنْ هُمَا ؟ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ النَّاس أَحْسَنَ بَيْعَةٍ وَأَجْمَلَهَا . وَفِيهِ أَنَّ لِلْكَبِيرِ الْقَدْر أَنْ يَتَوَاضَع وَيُفَضِّل مَنْ هُوَ دُونه عَلَى نَفْسه أَدَبًا وَفِرَارًا مِنْ تَزْكِيَة نَفْسه , وَيَدُلّ عَلَيْهِ أَنَّ عُمَر لَمَّا قَالَ لَهُ اُبْسُطْ يَدك لَمْ يَمْتَنِع . وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَكُون لِلْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ مِنْ إِمَام . وَفِيهِ جَوَاز الدُّعَاء عَلَى مَنْ يُخْشَى فِي بَقَائِهِ فِتْنَةٌ , وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ قَذَفَ غَيْره عِنْد الْإِمَام لَمْ يَجِب عَلَى الْإِمَام أَنْ يُقِيم عَلَيْهِ الْحَدّ حَتَّى يَطْلُبهُ الْمَقْذُوفُ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَعْفُو عَنْ قَاذِفه أَوْ يُرِيد السَّتْر . وَفِيهِ أَنَّ عَلَى الْإِمَام إِنْ خَشِيَ مِنْ قَوْمٍ الْوُقُوعَ فِي مَحْذُور أَنْ يَأْتِيهِمْ فَيَعِظهُمْ وَيُحَذِّرهُمْ قَبْل الْإِيقَاع بِهِمْ , وَتَمَسَّكَ بَعْض الشِّيعَة بِقَوْلِ أَبِي بَكْر " قَدْ رَضِيت لَكُمْ أَحَد هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ " بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْتَقِد وُجُوب إِمَامَته وَلَا اِسْتِحْقَاقه لِلْخِلَافَةِ , وَالْجَوَاب مِنْ أَوْجُهٍ : أَحَدهمَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَوَاضُعًا مِنْهُ , وَالثَّانِي لِتَجْوِيزِهِ إِمَامَةَ الْمَفْضُول مَعَ وُجُود الْفَاضِل , وَإِنْ كَانَ مِنْ الْحَقّ لَهُ فَلَهُ أَنْ يَتَبَرَّع لِغَيْرِهِ . الثَّالِث أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَرْضَى أَنْ يَتَقَدَّمهُ فَأَرَادَ بِذَلِكَ الْإِشَارَة إِلَى أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَا يَدْخُل فِي ذَلِكَ لَكَانَ الْأَمْر مُنْحَصِرًا فِيهِمَا , وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْت اِسْتَخْلَفَ عُمَرَ لِكَوْنِ أَبِي عُبَيْدَة كَانَ إِذْ ذَاكَ غَائِبًا فِي جِهَاد أَهْل الشَّام مُتَشَاغِلًا بِفَتْحِهَا , وَقَدْ دَلَّ قَوْل عُمَر " لَأَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَب عُنُقِي إِلَخْ , عَلَى صِحَّة الِاحْتِمَال الْمَذْكُور . وَفِيهِ إِشَارَة ذِي الرَّأْي عَلَى الْإِمَام بِالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّة بِمَا يَنْفَع عُمُومًا أَوْ خُصُوصًا وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرْهُ , وَرُجُوعه إِلَيْهِ عِنْد وُضُوح الصَّوَاب . وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِ أَبِي بَكْر " أَحَد هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ " أَنَّ شَرْط الْإِمَام أَنْ يَكُون وَاحِدًا , وَقَدْ ثَبَتَ النَّصّ الصَّرِيح فِي حَدِيث مُسْلِم " إِذَا بَايَعُوا الْخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخِرَ مِنْهُمَا " وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوَّلَهُ بِالْخَلْعِ وَالْإِعْرَاض عَنْهُ فَيَصِير كَمَنْ قُتِلَ . وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي قَوْل عُمَر فِي حَقّ سَعْد اُقْتُلُوهُ أَيْ اِجْعَلُوهُ كَمَنْ قُتِلَ .

الفرصة الأخيرة
06-13-2006, 06:21 PM
وقول عمر في الرواية السابقة للبخاري: فانطلقنا نريدهم فلما دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان فذكرا ما تمآلأ عليه القوم فقال: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا : نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم أن لا تقربوهم اقضوا أمركم.انتهى.
وهذا القول من الرجلين الأنصاريين يوضح لنا أمورًا مهمة جدًا في القصة:
الأول: أن جميع الأنصار لم يجتمعوا في سقيفة بني ساعدة وهذا ما قرره شراح الحديث .. فقال الإمام ابن حجر مثلا: (ويؤخذ من هذا أن الأنصار كلها لم تجتمع على سعد بن عبادة).
وهذا أمر في غاية الأهمية .. فالأنصار لم تجتمع على سعد بن عبادة .. ولا كان لها موقف قبلي أو نزاع قبلي موحد أو مفرق .. وإنما كانت المسألة مجرد اجتهاد ورأي شخصي من بعض الصحابة الأنصار الذين اجتمعوا في السقيفة .
الثاني: أن الأنصار بادروا وسارعوا ببيعة أبي بكر رضي الله عنه في السقيفة ثم بعد ذلك بايع الباقون مع غيرهم في بيعة الناس على المنبر في اليوم الثاني.
فهذا يدل على أنهم علموا أن الحق مع المهاجرين فيما ذهبوا إليه.. فكأن المسألة فتوى أو رأي رآه بعض الأنصار رضي الله عنهم حين لم يبلغهم العلم بالدليل والنص القائل بأن الخلافة في قريش ثم سرعان ما عادوا إلى النص حين علموه من إخوانهم من المهاجرين وبقية الأنصار رضي الله عنهم.


وربما أعود لمزيد مع هذه القصة الجميلة والمهمة في صدر الإسلام إن شاء الله عز وجل ويسر لي الوقت للعودة

محمد الحامى
06-14-2006, 11:38 PM
الله اكبر نشهد الله انى احبكم فيه وبارك الله فيكم على مروركم وتفاعلكم .
وعذرك معاك باشيخى الكريم وقد اجدت وافدت وكذلك الاخوة الافاضل تفعنا الله بكم جمبعا .
ونحن فى انتظار المزيد حفظكم الله ورعاكم وجعل الحنة مثواكم. امين
:emrose: :emrose: :emrose:

الفرصة الأخيرة
06-16-2006, 03:06 AM
وجزاكم الله خيرا أخي الحبيب ... وأحببكم الله الذي أحببتنا فيه .. ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعا عند حسن الظن .. وأن يستر علينا في الدنيا والآخرة ويرحمنا برحمته إنه جواد كريم.

وأرجع لفاصل آخر من مشاهد المسرحية الهزلية .. أو الكذبة الكبيرة التي كذبها أحدهم ليقول فيها متحدثا عما حصل في سقيفة بني ساعدة متابعًا لحديثه السابق:

لذا كان "أول الوهن" الطعنة التي اصابت روح الشورى في مقتل، في تلك السقيفة. بمعنى إقصاء مبدأ الشوري عن تدبير الحكم واجتهاد الفكر. إذ تغلب منطق العصبية القبلية لثقافة ما قبل الإسلام على دولة الإسلام، التي تعتمد، في جوهرها، على مفهوم"التقوى" كمعيار للمواطنة في الأمة(أمة الإسلام) ، حيث لا فرق بين عربي أوأعجمي، أسود أو أبيض أو أحمر.. الخ، إلا بالتقوى. وفُرض نظام المبايعة الإلزامية الذي ألغى، عمليا، الحق في المعارضة,وربُطت طاعة أولو الأمر بطاعة الله، والدعوة للخليفة/السلطان، على منابر المساجد(ثم التلفزيون!!)، بالدعوة لله.! .
هنا لابد أن تُسْكب العبرات لا على إراقة دم البحث العلمي .. وإزهاق روحه علانية .. وإنما على الفجر بالكذب علانية وبلا أدنى حياء من صاحبه!
لقد كان من المتوقع أن يكذب سرًا .. رغم فحش الكذب سرا وجهرا .. غير أنه فجر بالكذب علانية .. بل تعدى هذا كله فظن كذبه مثالا للبحث العلمي أو نتيجة علمية بنى عليها طابورا طويلا من التلفيقات المقلوبة .. وكم في دنيانا من مقلوبات؟!

يتباكى صاحب هذا الكلام على الشورى المهدرة في سقيفة بني ساعدة لأنه على حد قوله: (إذ تغلب منطق العصبية القبلية ... ... وفُرض نظام المبايعة الإلزامية الذي ألقى عمليا الحق في المعارضة....).
ولن نطيل في هذه المسألة كثيرا فهي أوضح من الشمس وحسبنا هنا أن نشير إلى عدة نقاط مهمة:
الأولى: أن الشورى تعني التشاور على أَمْرٍ ما للخروج بنتيجة .. يوافق عليها جمهور المتشاورين .. واختُلف في الشورى هل نتيجتها مُلْزِمَة أم مُعْلِمة؟
لكن المهم لنا أن سياق القصة فيما مضى يقرر بوضوح أن ما حصل في السقيفة هو عين الشورى .. فقد قام خطيب الأنصار وتكلم .. ثم خطب أبو بكر وتكلم .. وأدلى كل من الطرفين بما لديه .. ثم حصلت بيعة أبي بكر في السقيفة .. بايعه الأنصار والمهاجرون على السواء .. ولو لم يكن قد حصل الاتفاق ساعتئذ نتيجة الشورى والتراضي لما حصلت هذه البيعة لأنها ليس هناك ساعتها ما يجبر أحدًا على البيعة.
الثاني: لم يكن زمن السقيفة لدى المهاجرين أو الأنصار ما يجبرهما على بيعة أحد من الناس .. سوى الشورى والنصوص الشرعية الآمرة بتولية الخليفة من قريش .. ولم تكن هناك أية إجبارات إلزامية لأحد بالبيعة ... وأدل دليل على ذلك هو تخَلُّف بعض الصحابة عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه أول الأمر مع رضاهم به .. ولكن تخلف عليٌّ ومن معه في التجهيز لدفن النبي صلى الله عليه وسلم .. لكنهم بايعوا بعد مدة .. كما أننا نعلم يقينا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات في غياب بعض الصحابة من الأنصار والمهاجرين .. فكان بإمكان الأنصار الذين كانوا خارج المدينة لأمر ما أن يتجمعوا في الخارج وأن يخرجوا على الخليفة وعلى الدولة الناشئة بل ويحاربوها .. لكنهم لم يفعلوا .. بل دخول في البيعة برضى تام .. مما يدل على رضا الجميع بهذه البيعة .. فقول من يقول بعد ذلك بوجود إلزام أو إجبار هو الكذب بعينه .. للأدلة المذكورة هنا ولما سبق من أدلة في المداخلات السابقة.
الثالث: يتباكى الكاتب على التقوى .. وكأنه لم يسمع بمؤهلات أبي بكر رضي الله عنه الخليفة المنتخب .. تلك المؤهلات التي لخصها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأنه ليس ثمة من هو في منزلة أبي بكر رضي الله عنه وأكرر ما سبق ونقلته عن الإمام ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث الطويل في قصة السقيفة حيث يقول ابن حجر:

قَوْله ( وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَع الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْل أَبِي بَكْر ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ : يُرِيد أَنَّ السَّابِق مِنْكُمْ الَّذِي لَا يُلْحَق فِي الْفَضْل لَا يَصِل إِلَى مَنْزِلَة أَبِي بَكْر , فَلَا يَطْمَع أَحَد أَنْ يَقَع لَهُ مِثْل مَا وَقَعَ لِأَبِي بَكْر مِنْ الْمُبَايَعَة لَهُ أَوَّلًا فِي الْمَلَأ الْيَسِير ثُمَّ اِجْتِمَاع النَّاس عَلَيْهِ وَعَدَم اِخْتِلَافهمْ عَلَيْهِ لِمَا تَحَقَّقُوا مِنْ اِسْتِحْقَاقه فَلَمْ يَحْتَاجُوا فِي أَمْره إِلَى نَظَر وَلَا إِلَى مُشَاوَرَة أُخْرَى , وَلَيْسَ غَيْره فِي ذَلِكَ مِثْله . اِنْتَهَى مُلَخَّصًا . وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى التَّحْذِير مِنْ الْمُسَارَعَة إِلَى مِثْل ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَكُون هُنَاكَ مِثْل أَبِي بَكْر لِمَا اِجْتَمَعَ فِيهِ مِنْ الصِّفَات الْمَحْمُودَة مِنْ قِيَامه فِي أَمْر اللَّه , وَلِين جَانِبه لِلْمُسْلِمِينَ , وَحُسْن خُلُقه , وَمَعْرِفَته بِالسِّيَاسَةِ , وَوَرَعه التَّامّ مِمَّنْ لَا يُوجَد فِيهِ مِثْل صِفَاته لَا يُؤْمَن مِنْ مُبَايَعَته عَنْ غَيْر مَشُورَة الِاخْتِلَافُ الَّذِي يَنْشَأ عَنْهُ الشَّرّ , وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ " تُقْطَع الْأَعْنَاق " لِكَوْنِ النَّاظِر إِلَى السَّابِق تَمْتَدّ عُنُقُهُ لِيَنْظُر , فَإِذَا لَمْ يَحْصُل مَقْصُوده مِنْ سَبْق مَنْ يُرِيد سَبْقه قِيلَ اِنْقَطَعَتْ عُنُقه , أَوْ لِأَنَّ الْمُتَسَابِقَيْنِ تَمْتَدّ إِلَى رُؤْيَتهمَا الْأَعْنَاق حَتَّى يَغِيب السَّابِق عَنْ النَّظَر , فَعَبَّرَ عَنْ اِمْتِنَاع نَظَره بِانْقِطَاعِ عُنُقه . وَقَالَ اِبْن التِّين : هُوَ مَثَل , يُقَال لِلْفَرَسِ الْجَوَاد تَقَطَّعَتْ أَعْنَاق الْخَيْل دُون لَحَاقه , وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي مَعْشَر الْمَذْكُورَة " وَمِنْ أَيْنَ لَنَا مِثْل أَبِي بَكْر تُمَدّ أَعْنَاقُنَا إِلَيْهِ "
فهذا ما يتباكى عليه الكاتب لم يغب عن بال الصحابة الكرام رضي الله عنهم .. بل كانت التقوى والصلاح إحدى ركائز اختيار أبي بكر وتفضيله على غيره رضوان الله عنهم جميعًا .. مع ما ورد في ذلك من إشارات نبوية كريمة إلى تقديم أبي بكر رضي الله عنه على غيره.
فهل خفي ذلك عن الكاتب وجهله؟ أم علمه فأخفاه وكذب على القرآء؟
فإن كان علمه وكذب فلا يقبل من كذاب كلام.
وإن كان جاهلا فلا يحق لجاهلٍ أن يتكلم فيما لا يعلمه.
وبهذا أكتفي الآن .. ولعل الله ييسر العودة إلى هذا الموضوع إن شاء الله.