المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعلان التكفيــر قبل إقامة الحجة



ابن سلامة القادري
05-24-2014, 08:33 PM
قال أبو عمر ابن عبد البر في ((التمهيد 17/21)) فالقرآن والسنة ينهيان عن تفسيق المسلم وتكفيره ببيان لا إشكال فيه ومن جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له أن كل من ثبت له عقد الإسلام في وقت بإجماع من المسلمين ثم أذنب ذنبا أو تأول تأويلا فاختلفوا بعد في خروجه من الإسلام لم يكن لاختلافهم بعد إجماعهم معنى يوجب حجة ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر أو سنة ثابتة لا معارض لها وقد اتفق أهل السنة والجماعة وهم أهل الفقه والأثر على أن أحدا لا يخرجه ذنبه وإن عظم من الإسلام وخالفهم أهل البدع فالواجب في النظر أن لا يكفر إلا ن اتفق الجميع على تكفيره أوقام على تكفيره دليل لا مدفع له من كتاب أوسنة ))

وقال الإمام الشافعي: "لله أسماء وصفات لا يسع أحداً ردها، ومن خالف بعد ثبوت الحجة عليه فقد كفر، وأما قبل قيام الحجة فإنه يعذر بالجهل، لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل، ولا الرؤية والفكر")). فتح الباري (13/ 407).

وقَالَ أَبُو محمد بن حزم ((في الفصل في الملل والأهواء والنحل3/139)) وَكَذَلِكَ من قَالَ أَن ربه جسم فَإِنَّهُ إِن كَانَ جَاهِلا أَو متا وَلَا فَهُوَ مَعْذُور لَا شَيْء عَلَيْهِ وَيجب تَعْلِيمه فَإِذا قَامَت عَلَيْهِ الْحجَّة من الْقُرْآن وَالسّنَن فَخَالف مَا فيهمَا عناداً فَهُوَ كَافِر يحكم عَلَيْهِ بِحكم الْمُرْتَد وَأما من قَالَ أَن الله عز وَجل هُوَ فلَان لإِنْسَان بِعَيْنِه أَو أَن الله تَعَالَى يحل فِي جسم من أجسام خلقه أَو أَن بعد مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَبيا غير عِيسَى بن مَرْيَم فَإِنَّهُ لَا يخْتَلف اثْنَان فِي تكفيره لصِحَّة قيام الْحجَّة بِكُل هَذَا على كل أحد وَلَو أمكن أَن يُوجد أحد يدين بِهَذَا لم يبلغهُ قطّ خِلَافه لما وَجب تكفيره حَتَّى تقوم الْحجَّة عَلَيْهِ ))

وقال ابن حزم في الدرة فيما يجب اعتقاده (413) : (( لا يجوز أن يكفَّر أحد إلا من بلغه أمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصح عنده، فاستجاز مخالفته .. وأما من لم يبلغه الأمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس كافراً باعتقاده أي شيء اعتقده))
وقال سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَنِ الْإِرْجَاءِ، فَقَالَ: " يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ، وَنَحْنُ نَقُولُ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَالْمُرْجِئَةُ أَوْجَبُوا الْجَنَّةَ لِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُصِرًّا بِقَلْبِهِ عَلَى تَرْكِ الْفَرَائِضِ، وَسَمُّوا تَرْكَ الْفَرَائِضِ ذَنْبًا بِمَنْزِلَةِ رُكُوبِ الْمَحَارِمِ وَلَيْسَ بِسَوَاءٍ لِأَنَّ رُكُوبَ الْمَحَارِمِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَالٍ مَعْصِيَةٌ، وَتَرْكُ الْفَرَائِضِ مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ جَهْلٍ وَلَا عُذْرٍ هُوَ كُفْرٌ )) [السنة لعبد الله بن أحمد رقم 745]

وقال ابن حزم : ( وأما من كفر الناس بما تؤول إليه أقوالهم فخطأ، لأنه كذب على الخصم وتقويل له ما لم يقل به، وإن لزمه فلم يحصل على غير التناقض فقط، والتناقض ليس كفراً، بل قد أحسن إذ فر من الكفر)) الفصل (3/ 294).

يقول ابن حزم أيضا " ولا خلاف في أن امرءاً لو أسلم، ولم يعلم شرائع الإسلام، فاعتقد أن الخمر حلال، وأن ليس على الإنسان صلاة، وهو لم يبلغه حكم الله تعالى لم يكن كافراً بلا خلاف يعتد به، حتى إذا قامت عليه الحجة، فتمادى، حينئذ بإجماع الأمة فهو كافر )) المحلى (11/ 206).

ويقول الإمام الزركشي الشافعي في تحفة المحتاج في شرح المنهاج (9/ 88).
فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذَا وَلْيُحْذَرْ مِمَّنْ يُبَادِرُ إلَى التَّكْفِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مِنَّا وَمِنْهُمْ فَيُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْفُرْ؛ لِأَنَّهُ كَفَّرَ مُسْلِمًا اهـ

وقال زين الدين بن إبراهيم المعروف بابن نجيم المصري الحنفي في ((البحر الرائق 5/134)) رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا لَا يُخْرِجُ الرَّجُلَ مِنْ الْإِيمَانِ إلَّا جُحُودُ مَا أَدْخَلَهُ فِيهِ مَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ رِدَّةٌ يَحْكُمُ بِهَا بِهِ وَمَا يَشُكُّ أَنَّهُ رِدَّةٌ لَا يَحْكُمُ بِهَا إذْ الْإِسْلَامُ الثَّابِتُ لَا يَزُولُ بِشَكٍّ مَعَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَعْلُو وَيَنْبَغِي لِلْعَالِمِ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا أَنْ لَا يُبَادِرَ بِتَكْفِيرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ،)) وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْكُفْرُ شَيْءٌ عَظِيمٌ فَلَا أَجْعَلُ الْمُؤْمِنَ كَافِرًا مَتَى وَجَدْت رِوَايَةً أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ اهـ. ويقول: " وفي الخلاصة وغيرها: إذا كان في المسالة وجوه توجب التكفير، ووجه واحد يمنع التكفير، فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير، تحسيناً للظن بالمسلم"

و قال المليباري الهندي في ((فتح المعين بشرح قرة العين1/573)) ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظم خطره وغلبة عدم قصده سيما من العوام وما زال أئمتنا على ذلك قديما وحديثا.

وقَالَ أَبُو محمد بن حزم ((في الفصل في الملل والأهواء والنحل3/141)) {إِذْ قَالَ الحواريون يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء} إِلَى قَوْله {ونعلم إِن قد صدقتنا}، فَهَؤُلَاءِ الحواريون الَّذين أثنى الله عز وَجل عَلَيْهِم قد قَالُوا بِالْجَهْلِ لعيسى عَلَيْهِ السَّلَام هَل يَسْتَطِيع رَبك أَن ينزل علينا مائدة من السَّمَاء وَلم يبطل بذلك إِيمَانهم وَهَذَا مَا لَا مخلص مِنْهُ وَإِنَّمَا كَانُوا يكفرون لَو قَالُوا ذَلِك بعد قيام الْحجَّة وتبيينهم لَهَا))

و قال ابن العربي المالكي ((الجاهل والمخطئ من هذه الأمة، ولو عمل من الكفر والشرك ما يكون صاحبه مشركاً أو كافراً، فإنّه يعذر بالجهل والخطأ حتى تتبيّن له الحجة التي يكفر تاركها بياناً واضحاً ما يلتبس على مثله، وينكر ما هو معلوم بالضرورة من دين الإسلام، مما أجمعوا عليه إجماعاً قطعيّاً يعرفه كلّ المسلمين من غير نظرٍ وتأمّلٍ .. ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع)) محاسن التأويل (5/ 219 - 220).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى12/466) وليس لأحد أن يكفر أحدا من المسلمين وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة وتبين له المحجة ومن ثبت إسلامه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة.

وقال ابن القيم رحمه الله (751هـ) في طريق الهجرتين (ص:546) : "إنَّ العذاب يُستحقُّ بسببين :
أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادتها والعمل بها وبموجبها.
الثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها.
فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد، وأمَّا كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل")).

ويقول شيخ الإسلام في الرد على البكري (1/ 263). (( من ادعى دعوى وأطلق فيها عنان الجهل مخالفاً فيها لجميع أهل العلم، ثم مع مخالفتهم يريد أن يكفر ويضلل من لم يوافقه، فهذا من أعظم ما يفعله كل جهول مغياق"

ثم يقيس شيخ الإسلام التكفير على اللعن فيقول: "وكذلك التكفير المطلق والوعيد المطلق، ولهذا كان الوعيد المطلق في الكتاب والسنة مشروطاً بثبوت شروط، وانتفاء موانع". مجموع الفتاوى (10/ 330).

ويقول رحمه الله: " فتكفير المعين من هؤلاء الجهال وأمثالهم - بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار - لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية، التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر، وهكذا الكلام في تكفير جميع المعينين". مجموع الفتاوى (12/ 500)..

ويقول: " فقد يكون الفعل أو المقالة كفراً، ويطلق القول بتكفير من قال تلك المقالة، أو فعل ذلك الفعل، ويقال: من قال كذا، فهو كافر، أو من فعل ذلك، فهو كافر.
لكن الشخص المعين الذي قال ذلك القول أو فعل ذلك الفعل لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها. وهذا الأمر مطرد في نصوص الوعيد عند أهل السنة والجماعة، فلا يشهد على معيَّن من أهل القبلة بأنه من أهل النار، لجواز أن لا يلحقه الوعيد، لفوات شرط، أو لثبوت مانع". مجموع الفتاوى (23/ 345).

ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك بقوله: "أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير، وتفسيق، ومعصية، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية، والمسائل العملية)) مجموع الفتاوى (3/ 229).

وكذا ينبغي قبل الحكم بكفر المعين الجزم بانتفاء الموانع التي قد يرحمه الله ببعضها، وهي كثيرة، منها: توبة العبد التي ترفع الوعيد باتفاق المسلمين لورودها في صريح القرآن، ((ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين)).أخرجه البخاري (7416)

يقول ابن تيمية وهو يعدد بعض موانع لحوق الوعيد بالمعين: " ثم الشخص المعين يلتغي حكم الوعيد فيه بتوبة، أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة، والتكفير هو من الوعيد، فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم -، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة .. وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص، أو سمعها ولم تثبت عنده، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها، وإن كان مخطئاً" مجموع الفتاوى (3/ 231)

ويقول ابن القيم : والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل، فهذا مقطوع به في جملة الخلق، وأما كون زيد بعينه وعمرو قامت عليه الحجة أم لا، فذلك ما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه، بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول، هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه، هذا في أحكام الثواب والعقاب". طريق الهجرتين (610 - 611).

وعلى الرغم من اتفاق بل إجماع أهل السنة على كفر القول بخلق القرآن فإنهم لم يقولوا بكفر معين ممن شارك في فتنة خلق القرآن،
يقول شيخ الإسلام في((مجموع الفتاوى (23/ 349) : كان الإمام أحمد يكفِّر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته، لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ظاهرة بينة ... لكن ما كان يكفر أعيانهم ... ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية، ويدعون الناس إلى ذلك ويعاقبونهم، ويكفرون من لم يجبهم، ومع هذا فالإمام أحمد ترحم عليهم، واستغفر لهم، لعلمه بأنهم لمن يبين لهم أنهم مكذبون للرسول، ولا جاحدون لما جاء به، ولكن تأولوا فأخطأوا، وقلدوا من قال لهم ذلك))

وأخرج البخاري في صحيحة عَنِ ابن عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إله إِلاَّ اللَّهُ وإن مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فإذا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّ الإسلام، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»
قال ابن حجر((في فتح الباري (1/ 77). وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَرْكُ تَكْفِيرِ أَهْلِ الْبِدَعِ الْمُقِرِّينَ بِالتَّوْحِيدِ الْمُلْتَزِمِينَ لِلشَّرَائِعِ ))

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ليس كل من تكلم بالكفر يكفر، حتى تقوم عليه الحجة المثبتة لكفره ... فلازم المذهب ليس بمذهب، إلا أن يستلزمه صاحب المذهب، فخلق كثير من الناس ينفون ألفاظاً أو يثبتونها، بل ينفون معاني أو يثبتونها، ويكون ذلك مستلزماً لأمور هي كفر، وهم لا يعلمون بالملازمة، بل يتناقضون، وما أكثر تناقض الناس لا سيما في هذا الباب، وليس التناقض كفراً)) مجموع الفتاوى (5/ 306 - 307).
الله يعذر المؤمن بجهله، فلا يؤاخذه لسوء فهمه وخطئه، بل يعذره حتى تقام عليه حجة الله، وأما قبل ذلك فلا يعذب ولا يكفر.
فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها جهلت أمراً لا يسع المؤمن جهله، فأبانه لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما كفرها ولا عاقبها، لأن الجهل عذر يقبله الله، فقد سألت رسول الله فقالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ قال: ((نعم)).أخرجه مسلم (974)

قال ابن تيمية : (( وهذا يدل على أنها لم تكن تعلم ذلك، ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالم بكل شيء يكتمه الناس كافرة، وإن كان الإقرار بذلك عند قيام الحجة من أصول الإيمان، وإنكار علمه بكل شيء كإنكار قدرته على كل شيء ... فقد تبين أن هذا القول كفر، ولكن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها، ودلائل فساد هذا القول كثيرة في الكتاب والسنة )) مجموع الفتاوى (11/ 412 - 413).

كما عذر اللهُ الرجلَ الإسرائيلي الذي جهل قدرة الله وبعْثه للخلائق، فغفر الله له جهله، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - حاكياً خبره: ((كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت، قال لبنيه: إذا أنا متّ، فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً. فلما مات فُعِل به ذلك، فأمر الله الأرض فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائم. فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك. فغفر له)) ((أنظر التكفير وضوابطه ))

يقول ابن قتيبة: (( وهذا رجل مؤمن بالله، مقر به، خائف له، إلا أنه جهل صفة من صفاته، فظن أنه إذا أحرق وذري في الريح أنه يفوت الله تعالى، فغفر الله تعالى له بمعرفته ما بنيته، وبمخافته من عذابه جهلَه بهذه الصفة من صفاته)) تأويل مختلف الحديث (119).
يقول ابن تيمية ( فهذا رجل شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذُري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك)) مجموع الفتاوى (3/ 231)

ويقول أيضاً: (3/ 231) "فهذا الرجل اعتقد أن الله لا يقدر على جمعه إذا فعل ذلك، أو شك، وأنه لا يبعثه، وكل هذين الاعتقادين كفر، يكفر من قامت عليه الحجة، لكنه كان يجهل ذلك، ولم يبلغه العلم بما يرده عن جهله، وكان عنده إيمان بالله وبأمره ونهيه ووعده ووعيده، فخاف من عقابه، فغفر الله له بخشيته ))

وقال ابن القيم : (( وأما من جحد ذلك جهلاً، أو تأويلاً يعذر فيه صاحبه: فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه، وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح، ومع هذا فقد غفر الله له، ورحمه لجهله، إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه ولم يجحد قدرة الله على إعادته عناداً أو تكذيباً)) مدارج السالكين (1/ 338 - 339).

ودليل آخر على عذر الجاهل في قصة الليثيين الذين أكذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعذرهم - صلى الله عليه وسلم - لفرط جهلهم وبداوتهم.والقصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقاً فلاجّه رجل في صدقته، فضربه أبو جهم فشجه، فأتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: القود يا رسول الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا، فلم يرضوا، فقال: لكم كذا وكذا)). فرضوا.فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم)) فقالوا: نعم. فخطب رسول الله فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود، فعرضت عليهم كذا وكذا، فرضوا، أرضيتم؟)) قالوا: لا.
فهمّ المهاجرون بهم، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يكفوا عنهم، فكفوا ثم دعاهم فزادهم فقال: ((أرضيتم)) فقالوا: نعم. قال: ((إني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم)) قالوا: نعم.فخطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((أرضيتم؟)) قالوا: نعم)) أنظر التكفير وضوابطه))

قال ابن حزم : ((وفي هذا الخبر عذر الجاهل، وأنه لا يخرج من الإسلام بما لو فعله العالم الذي قامت عليه الحجة لكان كافراً، لأن هؤلاء الليثيين كذّبوا النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتكذيبه كفر مجرد بلا خلاف، لكنهم بجهلهم وأعرابيتهم عذروا بالجهالة، فلم يكفروا )) المحلى (10/ 410 - 411).

ويقول الإمام ابن القيم : ((وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل)). طريق الهجرتين (611).

ويقول ابن تيمية : (( من دعا غير الله، وحج إلى غير الله هو أيضاً مشرك، والذي فعله كفر، لكن قد لا يكون عالماً بأن هذا شرك محرم، كما أن كثيراً من الناس دخلوا في الإسلام من التتار وغيرهم، وعندهم أصنام لهم، صغار من لبد وغيره، وهم يتقربون إليها ويعظمونها، ولا يعلمون أن ذلك محرم في دين الإسلام، ويتقربون إلى النار أيضاً، ولا يعلمون أن ذلك محرم، فكثير من أنواع الشرك قد يخفى على بعض من دخل في الإسلام ولا يعلم أنه شرك، فهذا ضال، وعمله الذي أشرك فيه باطل، لكن لا يستحق العقوبة حتى تقوم عليه الحجة )) الرد على الأخنائي (61)

وقَالَ ابْنُ أَبِي العِزِّ الحَنَفِيِّ في ((شرح العقيدة الطحاوية)) : فَإِنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ شَرِبَ الْخَمْرَ بَعْدَ تَحْرِيمِهَا هُوَ وَطَائِفَةٌ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الْمَائِدَةِ: 93] الْآيَةَ. فَلَمَّا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، اتَّفَقَ هُوَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُمْ إِنِ اعْتَرَفُوا بِالتَّحْرِيمِ جُلِدُوا، وَإِنْ أَصَرُّوا عَلَى اسْتِحْلَالِهَا قُتِلُوا. وَقَالَ عُمَرُ لِقُدَامَةَ: أَخْطَأَتِ اسْتُكَ الْحُفْرَةَ، أَمَا إِنَّكَ لَوِ اتَّقَيْتَ وَآمَنْتَ وَعَمِلْتَ الصَّالِحَاتِ لَمْ تَشْرَبِ الْخَمْرَ.
وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِسَبَبِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمَّا حَرَّمَ الْخَمْرَ، وَكَانَ تَحْرِيمُهَا بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ، قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: فَكَيْفَ بِأَصْحَابِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ؟ فَأَنْزِلُ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، بَيَّنَ فِيهَا أَنَّ مَنْ طَعِمَ الشَّيْءَ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يُحَرَّمْ فِيهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ الْمُصْلِحِينَ، كَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. ثُمَّ إِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ نَدِمُوا وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ أَخْطَأُوا وَأَيِسُوا مِنَ التَّوْبَةِ. فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى قُدَامَةَ يَقُولُ لَهُ: {حم - تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ - غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} [غافر: 1 - 3]
[غَافِرٍ: 1 - 3] . مَا أَدْرِي أَيُّ ذَنْبَيْكَ أَعْظَمُ؟ اسْتِحْلَالُكَ الْمُحَرَّمَ أَوَّلًا؟ أَمْ يَأْسُكَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ثَانِيًا؟ وَهَذَا الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ.))

قال شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى7/609)) : وأما " الفرائض الأربع " فإذا جحد وجوب شيء منها بعد بلوغ الحجة فهو كافر وكذلك من جحد تحريم شيء من المحرمات الظاهرة المتواتر تحريمها كالفواحش والظلم والكذب والخمر ونحو ذلك وأما من لم تقم عليه الحجة مثل أن يكون حديث عهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه فيها شرائع الإسلام ونحو ذلك أو غلط فظن أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يستثنون من تحريم الخمر كما غلط في ذلك الذين استتابهم عمر. وأمثال ذلك فإنهم يستتابون وتقام الحجة عليهم فإن أصروا كفروا حينئذ ولا يحكم بكفرهم قبل ذلك؛ كما لم يحكم الصحابة بكفر قدامة بن مظعون. وأصحابه لما غلطوا فيما غلطوا فيه من التأويل. وأما مع الإقرار بالوجوب إذا ترك شيئا من هذه الأركان الأربعة ففي التكفير أقوال للعلماء ))

http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=2068992

للمزيد من البيان في هذه المسألة و هي غاية في الخطورة يرجى مراجعة الآتي :

شروط وموانع الحكم على المعين بالكفر (http://www.alukah.net/sharia/0/62923/)

[/URL]

[URL="http://www.alukah.net/Web/alshibl/0/64790/"]شروط وموانع تكفير المعين (PDF) (http://www.saaid.net/mohamed/4.htm)

السيف الصقيل
05-24-2014, 09:41 PM
تحرير الكلام وتوجيهه للازمه أمر لا بد منه قبل الفتيا !
وشتان بين مشرك أصلي يعبد ثلاثة أو الله وابنه والروح القدس أو أصناما آلهة ، وبين المسلم الذي يأتي عملا من أعمال الشرك وهو يجهل حكمه مثل الاستغاثة أو اعتقاد النفع والضر في غير الله
والسنة والأحاديث الصحيحة عن النبي فيها تبيان لكل ذلك لمن يقرأ ويستطيع أن يصنف ما يقرأ وينزل كل حالة على مظانها ، ويستطيع أن يفرق بين إطلاق الحكم العام بالعمل الكفري أو الشركي وبين شروط إطلاقه على المعين# متابعة إشرافية