المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إعلان خواطر حول الإلحاد ( متجدد )



أبو جعفر المنصور
07-11-2014, 01:21 PM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد :

فهذا موضوعي الأولى في المنتدى ولعله الأخير!

شاركت في هذه الشبكة دون ذكر اسمي الحقيقي لئلا يكون لذلك أثر على المتلقي ، ولعل من فضول القول أنني أراقب ساحات العراك الفكري منذ زمن طويل ، وقرأت الكثير الكثير من الكتب الإسلامية_ لجميع الفرق المنتسبة للإسلام _ وكتب اليهود والنصارى ونظرت في أطروحات الملحدين وقرأت في الروايات والشعر ، وأنا مسلم سلفي والحمد لله عن اقتناع تام ومتخصص في أمر العقيدة والحديث مع مشاركة في أمر الفقه والتفسير ، وفي هذه الخواطر أحاول أن أوجد حلقة مفقودة في كثير من الحوارات الدائرة هنا أو في أماكن أخرى وسأحاول قدر المستطاع أن تكون لغتي خفيفة على الجميع ، وأدعو كل ملحد ولا أدري أو ربوبي أو مسلم أن ينظر في هذه الخواطر بعين الإنصاف فلعلها تغير شيئاً من قناعاته أو تفتح له آفاقاً للتفكير ، ولا تزهد في خمسة عشر عاماً قضيتها في حلبات الصراع الفكري أضع لك خلاصات هنا لعلها ستغنيك عن كثير من الحوارات وبعضها خواطر بالمعنى التقليدي للخواطر أي أنها آمال وهموم وتساؤلات يحسب كاتبها أنها مشروعية


الخاطرة الأولى : الإنصاف المفقود

مبررات الإلحاد كثيرة وكلها غير منطقية بل راجعة لعلل نفسية ( هذا ما يقوله كل المتدينين في الدنيا ) ، ولكن تلك النظرة القاتمة للدين وأنه سبب كذا وكذا من القلاقل نظرة اجتزائية ، أفرأيت لو كان لك صديق يحمل صفات حميدة كثيرة ولكن فيه خصلة أو خصلتان أو ثلاثة أحدثت الخلاف بينك وبينه وهو يدعي أنه لا شيء فيها وأنت تخالفه فهل يعني هذا أن تختزله في هذه الصفات وتترك الصفات التي حملتك قديماً أو حملت غيرك على مصاحبته

في الواقع هذا يمثل النظرة الإلحادية المجتزأة للدين

فعلى سبيل المثال في الإسلام الدين الذي أدين به ، هناك تشريعات عديدة اعتنت بمواساة الفقير والمسكين

فمن ذلك جعل حصة معينة لهم في الزكاة التي تؤخذ من الذهب والفضة وبهيمة الأنعام والزروع والثمار ، والزكاة أمرها عظيم في الإسلام لهذا هي مذكورة في القرآن ومذكورة في السنة في مواطن كثيرة لهذا لا ينكرها أحد من المنتسبين للإسلام سواءً كانوا سنة أو شيعة أو إباضية أو زيدية أو غيرها من الفرق

ثم إنها عمليى منظمة جداً يبين تنظيمها ما يوجد في الكتب الفقهية التي لا يمكن مع كل هذه الدقائق أن يكون مصدرها رجل مريض بمرض نفسي فالمريض النفسي لا يقوم بشئون نفسه فضلاً عن شئون غيره ، ولا يعرف للعرب نظام دقيق في أمور العبادات والمعاملات والأخلاق يعرفه مثقفوهم فضلاً عن أن يعرفه رجل أمي منهم لبث فيهم أربعين عاماً دون أن يظهر منه شيء في ذلك ، وإنما كانت عندهم أخلاق في الجملة يشوبها ما يشوبها

وهناك أيضاً تشريع كفارة الحنث في اليمين إذ تلزم بعتق أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات

وهنا لفتة عجيبة : وهي أن الحلف بالله ثم الحنث خطأ في حق الله عز وجل فلماذا يكون التكفير عن الخطأ في حق بالإحسان إلى خلقه ؟

ألا يدل هذا على أنه رؤوف رحيم بعيداً عن تلك النظرة السطحية التي تحدثك عن وجود الشر في الكون وكأنه لا يوجد يوم قيامة يختص فيه حتى للشاة الجماء من الشاة القرناء

وكيف ستعرف قيمة الخير إن لم يوجد الشر

وهناك أيضاً تشريع من جامع امرأته في نهار رمضان أو قتل نفساً خطأ أو ظاهر من زوجته

كل هذه الأمور لا بد فيها من عتق رقبة مؤمنة فإن لم يوجد فإطعام ستين مسكيناً

وهناك أيضاً تشريع حق الفقراء من الخمس والفيء

وهناك أيضاً الحث المطلق على الصدقة حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بأن الصدقة تقع في كف الرحمن قبل أن تقع في كف السائل فيربيها كما يربي أحدكم فلوه فيأتي يوم القيامة فيجدها كأمثال الجبال ، وقال ( ما نقص مال من صدقة ) وهذا تعبير بليغ جداً في التهيئة النفسية للصدقة وذلك أن المرء يحمله على البخل خوفه على ماله من النقصان فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن ماله لا ينقص لأن الله يخلف عليه ولأنه يجد الثواب في الآخرة ، وأيضاً قال المؤمن في ظل صدقته يوم القيامة

قال أبو داود في سننه 2620 - حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ثنا أبي قال ثنا شعبة عن أبي بشر عن عباد بن شرحبيل قال
: أصابتني سنة ( السنة المجاعة تصيب الناس ) فدخلت حائطا من حيطان المدينة ففركت سنبلا فأكلت وحملت في ثوبي فجاء صاحبه فضربني وأخذ ثوبي فأتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له " ما علمت إذ كان جاهلا ولا أطعمت إذ كان جائعا " أو قال " ساغبا ( الساغب الجائع ) " وأمره فرد علي ثوبي وأعطاني وسقا أو نصف وسق من طعام.

وهناك تشريعات أخرى كثيرة في هذا الباب ، وقد انعكست هذه التشريعات بصورة إيجابية جداً على حياة الصحابة والتابعين ، بل وعلى حياة المسلمين بشكل عام

فلا يمكن لأحد أن ينكر أنه على مدى أربعة عشر قرناً لم ينتفع أحد الملايين من الفقراء بهذه التشريعات ، والحرية التي ينادي بها كثير من الناس يقيدها أمور كثيرة من أهمها الفقر والانصاف يقتضي أن يقال أن الإسلام حارب الفقر حرباً عظيمة

وتلك اللجان الخيرية التي تملأ الدنيا ألا تغيث أحداً

بل ليس هذا فقط بل نهى عن عن التمنن على الفقير واعتبر ذلك مبطلاً للأجر ونهى أيضاً عن التصدق بالأمر الرث فقال ( ولا تتيموا الخبيث منه تنفقون ) بل بالإنفاق مما يحب المرء ، وحث على صدقة السر وجعلها أجرها أعظم لما فيها من الحفاظ على مشاعر الفقير وتحقيق الإخلاص لله عز وجل

وقد تم إيقاف جشع التجار بنهيهم عن الربا والاحتكار والغش وغيرها من الأمور

فمن السخف بعد هذا كله أن يركز على مسألة قطع يد السارق دون النظر إلى هذا كله ، ومسألة قطع يد السارق ينظر إليها بسطحية لا متناهية وللكلام عليها مقام آخر ، يكفيك أن تعلم الآن أنه لا يقطع إلا عند سرقة نصاب معين وهو ما يعادل 1.1 جرام من الذهب وأن يكون ذلك من حرز وألا يكون في مجاعة

فالدين حمل الكثيرين على مواساة الفقراء رجاءً للثواب الأخروي فإن عارضت الدين أو لم تؤمن به فلا بد أن تنصفه في هذه النقطة كما أنك إذا تكلمت عن الغرب تتكلم دائماً عن النقاط الإيجابية وتترك كل النقاط السلبية ، وأنا أدعوك لئن تذكر الإيجابي وما تراه سلبياً معاً فالحوار له أدبيات لا ترتكز فقط على ترك السب والشتم بل إن الإنصاف هو الركن الأساسي للحوار الهادف على أنني لا أرى كبير جدوى من حوار من يحاول إشباع رغبة نفسية بالشعور بالأفضلية عن طريق مخالفة الشائع

وليس في هذا الحث على الكسل وسؤال الناس فإن هذه الحال قد أصابها التقريع النبوي فقال ( اليد العليا خير من اليد السفلى )

وقال ( لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي )

فالفقر حورب بالحث على العمل والحث على مواساة الفقير وتجفيف ينابيع إنتاج الفقر كالربا وغيره مع وجود نظام قضائي دقيق يحمي حقوق الناس

فإن قلت : وماذا أيضاً عندك تزعم أنه من محاسن دينك ومما غير به وجه العالم ولا يذكره الملحد أو المخالف أو يهمله في نظرته للدين

فأقول : الحفاظ على مشاعر الإنسان

فإن قيل : كيف هذا ؟

فيقال : الحديث الذي يتغنى به كثيرون وهو حديث ( رأيتكن أكثر أهل النار ) ما سبب هذا ؟

ذكر سببين هامين وهما كثرة اللعن والثانية قول المرأة لزوجها ( ما رأيت منك خيراً قط )

فكفران العشير من أكثر الأمور التي تحطم الإنسان وله على نفسه أثر سلبي يفوق أثر الضرب بكثير ، ولا يوجد قانون في العالم يعاقب على مثل هذه الكلمة فجاء الوعيد الإلهي

ولا داعي لتذمر بعض الجاهلات من هذا الحديث فيكفي لكي لا تكوني داخلة فيه أن تتركي هذا الذي نهي عنه ، والرجل إذا أكثر اللعن وكفر امرأته داخل في هذا الوعيد باتفاق ، وإنما يكثر الأمر في النساء والله المستعان

وكذلك حد القذف حتى أن قذف الرجل بأمه يكون من أكثر الأمور استفزازاً في جميع بلدان العالم حتى تلك التي تزعم الحرية فالرجل هناك إذا أراد أن يغيض رجلاً قال له ( سن أف .....)

وكذلك المرأة من أشد ما يغيضها رميها بالعهر

فجاءت التشريعات الإلهية في النهي عن هذا الأمر والتوعد فيمن يصنعه

ونهى عن ترويع المسلم بأخذ حاجته على جهة المزاح وإخفائها عنه

بل جاء النهي عن السخرية والغيبة والنميمة بشكل صريح في القرآن فالسخرية من شكل الإنسان أو ملابسه محرم شرعاً

غير أنه إذا سبك أو شتمك جاز لك الرد بالمثل دون اعتداء ( المستبان على الأول ما لم يبغ الآخر ) والعفو أفضل باتفاق ولما كان بعض الناس يظن أن العفو ذل قال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما ازداد عبد بعفو إلا عزاً ) وشتم أب الرجل وأمه محرم مطلقاً وهذا محل اتفاق

والنظرة السطحية للأخلاق عند كثير من الملاحدة إن لم يكن كلهم تحصر حسن الخلق بترك ما يعاقب عليه القانون في باب المحظور

والكفر بحد ذاته سوء خلق لأنه تكذيب للصادق وجحد لحق صاحب الحق

وأيضاً حقوق الخدم

قال البخاري في صحيحه 2545 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الْأَحْدَبُ قَالَ سَمِعْتُ الْمَعْرُورَ بْنَ سُويْدٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ


فهذا أبو ذر يلبس كما يلبس خادمه عملاً بوصية النبي صلى الله عليه وسلم

وقد حث على العفو عن الخدم

قال الترمذي في جامعه 1949 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي هَانِئٍ الخَوْلَانِيِّ، عَنْ عَبَّاسٍ الحَجْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمْ أَعْفُو عَنِ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَمْ أَعْفُو عَنِ الخَادِمِ؟ فَقَالَ: «كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً»

وفي الإسلام إذا أردت أن يعفو الله عنك فاعف عن الناس وهذه قيمة إنسانية عالية لا أعلم لها نظيراً في غيره من الأديان ( وربما وجد )

وقال مسلم في صحيحه 4319- [34-1659] حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ الْجَحْدَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ : كُنْتُ أَضْرِبُ غُلاَمًا لِي بِالسَّوْطِ ، فَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ خَلْفِي ، اعْلَمْ ، أَبَا مَسْعُودٍ ، فَلَمْ أَفْهَمِ الصَّوْتَ مِنَ الْغَضَبِ ، قَالَ : فَلَمَّا دَنَا مِنِّي إِذَا هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِذَا هُوَ يَقُولُ : اعْلَمْ ، أَبَا مَسْعُودٍ ، اعْلَمْ ، أَبَا مَسْعُودٍ ، قَالَ : فَأَلْقَيْتُ السَّوْطَ مِنْ يَدِي ، فَقَالَ : اعْلَمْ ، أَبَا مَسْعُودٍ ، أَنَّ اللَّهَ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَى هَذَا الْغُلاَمِ ، قَالَ : فَقُلْتُ : لاَ أَضْرِبُ مَمْلُوكًا بَعْدَهُ أَبَدًا.

وهذه طريقة منطقية في تعليم الأخلاق فلكي تعلم الشخص كيف يعفو الناس أخبره بخطئه في حق الله ومحبته لئن يعفو عنه

بل كفارة ضرب المملوك على وجهه أن يعتق كما في حديث معاوية بن الحكم السلمي حين ضرب جارية على وجهها فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أعتقها معاوية ، وعبد الله بن عمر لما ضرب مملوكاً له أعتقه ثم قال ( ليس لي فيه أجر ) لأنه إنما فعل ذلك كفارة لصنيعه وهذا رواه البخاري في الأدب المفرد

ثم يأتي السطحي ويهمل هذا كله ويحدثك عن ( الجواري في الإسلام ) ويضع صوراً لنساء عواري يلتف حولهن الرجال وهذا ما حرمه جميع المذاهب المنتسبة للإسلام حتى القرامطة فلا أدري من أين جاء به ؟

وأسطورة القضاء على الرق بقرار الأمم المتحدة هي نموذج آخر من من نتاج السطحية الفكرية

فإن الرق له صور متعددة من أهمها استغلال فقر الفقير وحمله على ما يكره أو ما ينافي الأخلاق كالتجارة بأجساد النساء تحت الإغراء المادي ، والاستغلال لفقرهن وهذا حتى منظمات حقوق الإنسان تصنفه في تجارة البشر

وهذا حرمه الإسلام منذ قرون طويلة بل وجميع الأديان كي نكون منصفين

بل من تزعم أن النساء المسلمات جواري ، هلا نظرت إلى المضيفات في الطائرات والفنادق ، والسكرتيرات وفتيات الإعلانات والنادلات في البلاد المتقدمة !

المكابر فقط من ينكر أن هؤلاء النسوة في كثير من الأحوال يتعرضن لامتهان أنوثتهن وللسطوة الذكورية ، والمظهر الخارجي لهن حاكم في كثير من الأحيان في طبيعة العمل

وصاحب العمل هو من يحدد لها ما تلبس في أكثر هذه الوظائف فتهرب من قوامة الزوج إلى قوامة رب العمل ومن خدمته إلى خدمة العديد من الرجال ، ويكون في العادة المقصود به استخدام جسدها لإثارة الرجال وتحصيل الزبائن

بل حتى مهنة التمريض في العالم الغربي _ بل والعربي في بعض الأحيان للأسف _ يسمها طائف من هذا

ناهيك عن الدعارة المنظمة والإغراء المنظم وسيأتي الكلام على أمر النساء بتوسع

ولو كان هؤلاء منصفين لطالبوا بإنقاذ هؤلاء النسوة أيضاً وعدم استغلال عوزهن للمتاجرة بأجسادهن

وإذا كان الرق لم يتم إلغاؤه إلا بقرار لم يمض عليه مائة عام بعد ، فإذن البشرية بمختلف توجهاتها كانت تقر بهذا النظام على مدى مئات الآلاف من السنين

ولكن الجديد في الإسلام أن عتق العبد عبادة يتعبد بها لله عز وجل

وهناك عقد المكاتبة الذي قال الله تعالى فيه ( فكاتبوهم إن علمتهم فيهم خيراً ) أي إن كانوا مسلمين ، والمكاتبة أن يشتري العبد نفسه من سيده

وحرمة ضربه بغير وجه حق ، وجعل كفارة ضربه عتقه وحرمة التفريق بين المرأة الرقيق وولدها

والجديد فيه أيضاً أنه لا يجوز ضرب العبد لى وجهه ولا ضربه بلا جناية ومن فعل ذلك فعليه أن يكفر عن خطيئته بعتقه ، وأنه ينبغي أن يلبسه مما يلبس ويطعمه مما يطعم ، وأن الكبر يمنع المرء من دخول الجنة والسلامة من الكبر تكون بالأكل مع الخادم

في تشريعات أخرى مبهرة ، مع إعفاء العبد المسلم من الحج وصلاة الجماعة وإقامة حد الزنا التام عليه إذا زنا بل عليه نصف ما على الحر ، ومع كونه إذا أطاع سيده وأطاع ربه فله أجران وإعفائه من الجهاد أيضاً

وجعل الأمة التي تلد من سيدها أم ولد تعتق بمجرد موت السيد

وهذا كله خاص بالعبد المسلم الذي لا يجوز استرقاقه ابتداءً ولكنه إذا كان في بداية حياته كافراً ثم أسلم أو كان والداه كافرين ثم كان هو مسلماً ، وأما الكافر فقد هرب من الرق الذي خلق له فكان من عقوبته أن يكون رقيقاً لأن الكفر في الشرع جريمة تستوجب العقوبة وهذا ما لا يفهمه كثيرون من المعترضين على العديد من الأوامر الشرعية كالجهاد والرق وغيره والغاية الأسمى من استرقاقه أو حتى عقد الذمة مكثه بين المسلمين ليرى محاسن الدين وقد كان هذا سبباً في إسلام الكثيرين

ولا أجدني مضطراً لذكر ما في دين الإسلام من الحث على السعي على الأرملة والمسكين حتى شبه بالمجاهد ، وكذلك الحث على كفالة الأيتام وإكرام الضيف والجار وترك الفحش والغيبة والنميمة والفخر بالأنساب وغيرها من الأمور

ولكن لا بد من الكلام على الرأفة بالحيوان

قال أحمد في مسنده 15592 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ مِخْرَاقٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَأَذْبَحُ الشَّاةَ، وَأَنَا أَرْحَمُهَا - أَوْ قَالَ: إِنِّي لَأَرْحَمُ الشَّاةَ أَنْ أَذْبَحَهَا - فَقَالَ: «وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ» وَالشَّاةُ إِنْ رَحِمْتَهَا رَحِمَكَ اللَّهُ

وقال أحمد في مسنده 1754 - حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي يَعْقُوبَ، يُحَدِّثُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَتَهُ، وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَبَرَّزَ كَانَ أَحَبَّ مَا تَبَرَّزَ فِيهِ هَدَفٌ يَسْتَتِرُ بِهِ، أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ، فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا فِيهِ نَاضِحٌ لَهُ. فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ وَسَرَاتَهُ، فَسَكَنَ فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟» فَجَاءَ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ: «أَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَاكَ إِلَيَّ وَزَعَمَ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» ثُمَّ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْحَائِطِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ جَاءَ وَالْمَاءُ يَقْطُرُ مِنْ لِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ شَيْئًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا، فَحَرَّجْنَا عَلَيْهِ أَنْ يُحَدِّثَنَا، فَقَالَ: لَا أُفْشِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرَّهُ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ

وقال البخاري في صحيحه 2320 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ ح و حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ وَقَالَ لَنَا مُسْلِمٌ 2320 - (م) حَدَّثَنَا أَبَانُ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وقال أحمد في مسنده 17116 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَتَيْنِ: أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ، فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ، ثُمَّ لِيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ "

وفي الدول التي تسمونها متقدمة يكفيك أن ترى كيف يصنع الهمبرجر في بعض مقاطع يوتيوب التي يوضع عليها 18 عاماً فما فوق ؟

ولا بد أن أكلمك عن قضاء الإسلام على العنصرية وشأن بلال الحبشي

قال البخاري في صحيحه 3754 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ عُمَرُ يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا وَأَعْتَقَ سَيِّدَنَا يَعْنِي بِلَالًا

عمر بن الخطاب الرجل القرشي ومعلوم افتخار العرب بأنسابهم يصف رجلاً حبشياً بأنه ( سيده ) فما فعل محمد صلى الله عليه وسلم بالناس ؟

وعمر يقول هذه الكلمة وهو تقريباً حاكم على امبراطورية ضخمة

وهذا أسامة بن زيد الحب بن الحب الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يردفه في حجة الوداع كان أسوداً كالليل

قال أحمد في مسنده 23489 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ» ، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟» ، قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟» ، قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟» ، قَالُوا بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: «فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ بَيْنَكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ» ـ قَالَ: وَلَا أَدْرِي قَالَ: أَوْ أَعْرَاضَكُمْ، أَمْ لَا ـ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَلَّغْتُ "، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ»

أنت في فلسفتك أن هذا الدين اخترعه رجل أمي يرعى الغنم في الصحراء ويعاني من عقد نفسية ، لا يبدو هذا منطقياً ، ولكن من يصدق أن نسبه يرجع إلى سمكة وأن إنفجاراً هو ما أحدث هذا الكون الجميل فعقله قابل لاستيعاب ما هو أبعد من ذلك

ولكن السؤال : كم هو محتاج العالم إلى مثل هذه القيم وانتشارها ؟

فإن قلت : وماذا عن المرأة ؟

فأقول : دع المرأة وشأنها فالكلام عنها في العادة يكون في غاية السطحية

قال أحمد في مسنده 9666 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " اللهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ "

وفعلاً المرأة ضعيفة وما حوادث الاغتصاب والاعتداء بالضرب عليهن إلا أدل شاهد على ذلك ، بل إن كثرة الكلام على حقوق المرأة اقرار ضمني أنها ضعيفة وأنها لا تنال حقوقها إلا بنوع خاص من الوصاية

قال البخاري في صحيحه 3331 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَمُوسَى بْنُ حِزَامٍ قَالَا حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مَيْسَرَةَ الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ.

والمرأة إما أن تكون أماً

فالدين الوحيد الذي يذكر المرء باستمرار بالصعوبات التي لاقتها أمه في ولادته دين الإسلام

قال الله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)

وقال تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)

ثم إن الوصية ببر الأم معروفة جداً

قال مسلم في صحيحه 6593- [2-...] حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ : أُمُّكَ ، ثُمَّ أُمُّكَ ، ثُمَّ أُمُّكَ ، ثُمَّ أَبُوكَ ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ.

فهنا المرأة مقدمة على الرجل

بل قال ابن عباس أنه لا يعلم عملاً يقرب إلى الله أكثر من بر الوالدة ( وخص الوالدة بالذكر )

بل حتى في حال كفرهما أمر بالإحسان إليهما

قال تعالى : (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)

وقد نهى عن أن تقول لها ( أف ) فضلاً عن كلمة مؤذية أكثر من ذلك

ولهذا كان محمد بن المنكدر التابعي المعروف يقول بأنه بات ليلة وهو يغمز رجل أمه ( يعني يدلكها ) وبات أخوه يصلي وهو يرى أنه أحسن من أخيه لأنه يبر أمه

وابن سيرين لم يكن يكلم أمه إلا كشبه الهمس من فرط التوقير

وإما تكون المرأة ابنة

فهذه كان العرب يتمعرون منها والفقراء منهم كانوا يقتلونها وبعض الأغنياء يفعلون ذلك

قال مسلم في صحيحه 6788- [149-2631] حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا ، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ.

وقال أحمد في مسنده 11924 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْشَى، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بُشَيْرٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ، وَرَحِمَهُنَّ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ»

وإما أن تكون زوجة وهذه حقوقها كثيرة والمرأة أمام أحد خيارين إما أن تنسى فطرتها الأنثوية وتتبتل وهذا شبه مستحيل

وإما أن تجاري هذه الفطرة وهنا هي أمام أحد خيارين

إما السفاح والزنا وهذا لا يمكن أن يجعلها تنعم بأسرة في يوم من الأيام بل كثير منهن تتورط بأبناء لا يكون لهم معيل غيرها كما تجده في كثير من دول الغرب ، وإما أن تتزوج والزواج لا يكون إلا بدين ولهذا كثير من الغربيات تقضي حياة الصبا في لهو ولعب ثم بعد ذلك تقدم على الزواج وتذهب للكنيسة وإن كانت ملحدة ، ولكن كثرة الأصدقاء القدماء تثير غيرة الزوج عند حصول أي لقاء وتسبب لها إشكالية المقارنات الكثيرة بين الزوج والأصدقاء السابقين الذين لا يمكن أن تكون هذه المقارنة منصفة لأن زوجاً يتحمل مسئولية المرأة ويعيش معها بشكل مستمر ليس كرجل العلاقة معه عابرة ويخيم عليها شبق الشباب والرغبة في قضاء الوطر

والمرأة في الإسلام أمر الرجل بأن يدفع إليها المهر ونهي الولي والزوج على حد سواء بأخذ هذا المهر منها ، ونهوا عن تزويجهن إلا برضاهن

ولا يعزل عنها إلا بإذنها

ونهي الزوج عن إعضالها بمعنى تركه لها كالمعلقة لا مزوجة ولا مطلقة

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبغض الرجل المرأة لبعض ما يراه من أخلاقها إذا كانت على إيمان وتقوى وأرشده لعلاج نفسي ناجع

قال مسلم في صحيحه 3639- [63-1469] وحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ ، حَدَّثَنَا عِيسَى ، يَعْنِي ابْنَ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَفْرَكْ _ يعني يبغض _ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ ، أَوْ قَالَ : غَيْرَهُ.


ونهى عن ضرب المرأة على وجهها بل نهى ضرب عن كل البشر على وجههم وعن وسم الدابة على وجهها

بل في حال نشوزها لا تضرب إلا بعد الموعظة والهجر ثم يكون الضرب غير مبرح كما اتفق عليه المفسرون

وامرأة يضربها زوجها ليل نهار بنشوز أو غيره ستجد متنفساً في مثل هذه التشريعات

وقال سبحانه ( وعاشروهن بالمعروف ) وهذا يشمل كل صور الإحسان للزوجة فالمرء بإمكانه بنيته أن يحول حياته مه زوجته إلى عبادة مستمرة مع ما فيها من اللذة المباحة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( وفي بضع أحدكم صدقة ) يعني جماعه وقال ( خير نفقة المرء نفقته على أهله )

وأعطاها حق الخلع إذا أبغضت الرجل مع كونه لا مشكلة في أخلاقه أو دينه

وأوجب على الرجل النفقة عليها ، وأوجب عليه جماعها حتى إنه إذا حلف ألا يجامعها لأكثر من أربعة أشهر فإن هذا يسمى إيلاء ويوقف الرجل عند القاضي فإما أن يعود في يمينه أو يطلق

وأوجب على الرجل النفقة على المرأة في حال طلاقه ، وجعل لها حق حضانة الصبي ما لم تتزوج

وإذا طالبنا بالمساواة فسنلغي جميع هذه الحقوق

ودعوة المرأة للخروج للعمل على الطريقة الغربية يجعلها تتحمل مسئوليتين معاً مسئولية حقوق الزوج والأبناء ومسئولية العمل ، والمرأة لها قدرة عجيبة على إدارة شئون البيت أودعها الله فيها حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم ( والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها )

وأما إذا كان الرجل يعمل وينفق والمرأة تعمل فمن يكون للأبناء ؟

ومشاكل الخدم معلومة كثيرة

ولا ينبغي أن ينظر للمرأة التي تؤثر أداء دورها في البيت في رعاية أبنائها على أنها عاطلة عن العمل أو مقهورة بل هي تقوم بعمل عظيم

ومن أعظم المهازل التي تواجه عمل المرأة ما علم أن صورة المرأة تؤثر في قبولها للعمل أو عدمه أكثر من المؤهلات أو بشكل مواز للمؤهلات فالكل يعلم أن المرأة الحسناء تحصل على وظيفة بشكل أسرع بكثير من المرأة التي ليست كذلك فتغطية المرأة وجهها يوفر جواً من العدالة والبعد عن التأثير العاطفي والانجذاب الذكوري للصورة الحسنة الذي لا يمكن إنكاره

هذا يشبه فريق كرة قدم الكل فيه يريدون أن يصيروا مهاجمين ولا أحد يحب الدفاع فأي هجمة مرتدة ستكون نتيجتها هدف

وخداع المرأة بأنها نجحت في أعمال كثيرة نجح فيها الرجل ، فهذه نظرة سطحية فنجاحها هل سببه ذكاؤها أم سببه كثرة ساعات العمل مع القضاء على حياتها الشخصية كأم مسئولة عن أسرتها

ولا تأتني بالشذوذات فالتشريعات العامة تأخذ بالأغلب كما هو الشأن في القوانين الوضعية فكثيرون هم الذين يتخطون الإشارة الحمراء ولا تحصل حوادث وكثيرون هم الذين يدخنون ولا يموتون بمرض القلب ولكن هذا لا ينفي أن تخطي الإشارة الحمراء سبب للحوادث كما أن التدخين سبب للموت

وأنا أعلم جيداً أن عمل المرأة يجوز بقيود وضوابط معروفة لا تجعلها عرضة للابتزاز أو تقضي على حياتها الشخصية يعني بغير النموذج الغربي وهذا ما لا يخالف فيه أحد تقريباً ، ولكننا نتحدث عن الصورة التي يزعم أن تحرر المرأة لا يكون إلا بها ، ومع كثرة كليات البنات في الخليج يأتي الرجل المتدين ويطلب امرأة لتوليد زوجته فلا يجد في كثير من المستشفيات الحكومية فيتساءل عما خرجته كل تلك البعثات

وقال مسلم في صحيحه 3895 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي، وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ»

وقال ابن أبي شيبة في المصنف 25971- حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ ، عَنْ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ ، قَالَ : خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ ذَكَرَ النِّسَاءَ فَوَعَظَهُمْ فِيهِنَّ فَقَالَ : إلاَمَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمَ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الأَمَةِ ، ولَعَلَّهُ أَنْ يُضَاجِعَهَا مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ.

وبعض من يتشدق بمسألة شهادة المرأتين بشهادة الرجل وهذا حق لا ينكر ، ينسى أن ألف فاسق من الرجال لا تقبل شهادتهم وتقبل شهادة المرأتين في الأموال والمرأة الواحدة في أمر الرضاع إذا كانت صالحة

وقد قبل المحدثون أحاديث أم الحسن البصري ومعاذة العدوية وحفصة بنت سيرين وحفصة بنت سعد بن أبي وقاص في الوقت الذي ردوا فيه أحاديث رجال أخيار عباد لأنهم لا يضبطون الحديث مثل يزيد الرقاشي وصالح المري

ودارون نفسه أقر بتفوق الرجل بيولوجياً على المرأة وعندنا في الإسلام قد تصير المرأة الصالحة خيراً من عامة رجال أهل الأرض غير الصلحاء بل حتى تكون أفضل من كثير من الصلحاء إذا فاقتهم في العبادة، وعندنا أمهات المؤمنين القدوة المعروفة وعائشة فقهها لا زال يدرس ولا يتخلف فقيه عن الاحتجاج بأقوالهم أو على الأقل ذكرها

ورؤية الرجل الأعزب أو غيره لمفاتن المرأة يثيره ويجعله يشعر بالرغبة الجنسية وهذا أمر لا ينازع فيه أحد في رأسه عقل وهذا يمكن أن يسمى بالابتزاز الجنسي وهي حالة ينبغي أن تصنف على أنها جريمة نفسية ، ولهذا نهيت المرأة عن إظهار ما قد يثير الرجال ومما قد يحمل الأشرار منهم على الاغتصاب أو غيرها من الممارسات المخلة ولهذا كانت ( عورة ) بمعنى أن ما يظهر من جسدها يثير الرجال وهذا لا يمكن إنكاره ولا يمكن إنكار أثره النفسي السيء على الرجال ، وعند النظر في أشعار الشعراء الغزليين نجد أن كل ما يبدو من المرأة يلفت انتباههم

علماً بأن عورة المرأة مع محارمها ونسائها تختلف عن عورتها مع الأجنبي ولا عورة لها مع الزوج ، والرجل نفسه لباسه مضبوط بضوابط شرعية ، والعجيب في البلدان الغربية أن الرجال يسترون أجسادهم بنسبة أكثر من النساء بكثير ، والذي اعتاد عليه الناس في جميع الحضارات منذ قرون أن تتميز المرأة بلباس مختلف عن الرجل ويكون في العادة أستر لمفاتنها

والمرأة التي تعترض على بعض التشريعات مكابرة للفطرة فلتعترض على كونها تحيض والرجل لا يحيض وعلى كونها تحمل تسعة أشهر والرجل لا يشعر بشيء من هذا ، وعلى فترة النفاس والرضاع والعجيب أن هناك قراراً في البيت يفرض على جميع نساء الدنيا وهو ما يقارب مدة الحمل والخروج منها ، ولتعترض على طبيعة الأعضاء التناسلية في بني آدم والتي تجعل الرجل هو المتحكم بالعملية

ومن اعترض على إرادة رب العالمين الشرعية فليخرج عن إرداته الكونية إن استطاع فإن عجز فليعلم أنه عبد !

بمعنى أنه لا يمكنه دفع المرض أو الموت أو البرد أو الحر او المصائب عن نفسه مع كرهه لها ولكن من يعيش في أرض الله عليه أن يخضع لإرادته الكونية ، والعاقل من يخضع لإرداته الشرعية أيضاً لينال ثوابه والأحمق من يتمرد على الإرادة الشرعية مع عجزه عن مقاومة الإرادة الكونية

وأنني لأعجب من حادثة تلك المرأة السعودية رحمها الله التي قتلها رجل بريطاني لأجل حجابها بدليل أنه لم يأخذ منها مالاً ومثلها حادثة التشيلية المسلمة التي هشم جمجمتها رجل ناقم على الإسلام كيف لا تقوي هذه الحادثة أهمية وجود المحرم للدفاع عن المرأة ، بل لو هددها بالسلاح الأبيض وأخذ منها ما يريد من الأمور المادية أو غيرها من يمنعه

ثم في تلك الدول رفع قضية اغتصاب سيقابله دعوى أن ذلك حصل بالتراضي وسيكلف هذا تعيين محامي وليس كل الناس يملكون تلك التكلفة الباهضة للمحامي فتؤثر كثير من النساء السكوت بحسرتهن

وكثير منهن تؤثر السكوت لئلا يرغب عنها حبيبها أو زوجها لعلمه أنها كانت فريسة لرجل آخر ولو رغماً عنها فالغيرة طبع إنساني لا يمكن العدول عنه بسهولة ولو حتى ببعض افرازاته الغريبة

ويدندن كثير من الجهلة على مسألة التعدد مع أنها في صالح المرأة والمجتمع وينسى أن رب العالمين قد قال ( وإن خفتم إلا تعدلوا فواحدة ) فنص على العدل وهذا الدين الوحيد الذي ينص على هذه القيمة السامية فلو كان مجتمعاً ذكورياً بحتاً فيما قيمة مثل هذا الاشتراط

يؤمن كثير من الملاحدة بنظرية التطور ، ولنقل أنك جئت إلى مجتمع منغلق يضربون النساء ويؤذونهن ويستغل كثير منهم إماءه جنسياً كما كان عبد الله بن أبي يفعل ولا يورثونهن بل هن من الميراث نفسه لذا إذا مات الرجل في الجاهلية يتزوج امرأته ابنه إن لم تكن أمه ، والمجتمع فيه عنصرية طافحة وربا وغيرها من الأمور

أفترى أن من العقل أن ينادوا بفعل النقيض لهذا من مساواة المرأة للرجل على الطراز الغربي ( مع أنه هو نفسه فيه ظلم بين للمرأة ) دون المرور بمراحل لترويض أخلاقهم من باب ( التطور الأخلاقي ) إن فرضنا أن نظرية المساواة الغربية صحيحة

والأمر نفسه في الحروب فإن الحروب قائمة لا محالة في كثير من الأحيان فبعد كل القوانين التي سنت لتنظيم الحروب أمريكا وبريطانيا ترتكبان جرائم حرب في العراق وأفغانستان ، والجهاد في الإسلام له أخلاقيات معروفة من حرمة قتل المرأة والوليد والشيخ الفاني وحرمة نقض العهد وغيرها من الأخلاقيات وتحريم نقض العهود

فحتى في هذا الزمن هذه الدول في تحالفاتها العسكرية وحروبها تقر بأنه لا يمكن القضاء على الشر وتحقيق الخير المطلق إلا بحصول بعض التضحيات ، وهذا عين الأمر في الإسلام إلا أن الخير المطلق هو توحيد الله وحكم الشريعة الإسلامية

وخذ مثالاً البلاد النجدية كانت مشهورةً جداً بكثرة الحروب بين أهلها البدو وكان البد لا يورثون النساء ، وكان قطع الطريق من المفاخر فلما جاءت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب حاربت هذا كله حتى صارت على ما ترى الآن بلد يعمها الأمن والأمان ، فتلك الدماء التي سفكت في الحروب التي ابتدأها الأعداء لدعوة الشيخ كانت سبباً لحقن دماء أكثر في المستقبل والأمر نفسه حصل بشكل أوسع في الفتوحات الإسلامية مع بسط الشريعة الإسلامية بكل ما فيها من محاسن

ثم هنا عدة أسئلة للعاقل

لماذا لا يعترض الرجال على جواز الذهب والحرير للنساء من دونهم ؟

ولماذا لا يعترضون على وجوب صلاة الجماعة عليهم دون النساء ؟

ولماذا لا يعترضون على إسقاط طواف الوداع عن النفساء والحائض وإيجابه على الرجال ؟

ولماذا لا يعترضون إلى إيجاب إعطاء الأجرة للمطلقة إذا أرضعت ولدها من طليقها وهو ولدها ؟!

ولماذا لا يعترضون على حق الحضانة لها ؟

ولماذا لا يعترضون على أنها ترث من الرجل ولا تعقل عنه ( يعني لا تدفع في دية الخطأ عنه إذا ألزم أهله بالدفع عنه ) ؟

ولماذا من عال ثلاث بنات أو اثنين دخل الجنة وليس ذكرين ؟

وإذا كان دين الإسلام دين توسع وجشع

لماذا الجزية تؤخذ بشكل سنوي وليس شهرياً ؟

ولماذا يؤخذ من الأرض العشر فقط وتترك تسعة أعشار لصاحب الأرض الذمي ؟

ولماذا تسقط الجزية عن المرأة والصبي والشيخ الفاني ولا تسقط عن الرجل المحارب ؟

ولماذا لا يلزم الرجل القادر على الاكتساب بدفع الجزية عن زوجته وأولاده كما يلزم المسلم بدفع زكاة الفطر عنهم ؟

ومقدار الجزية كما رواه ابن أبي شيبة عن عمر في المصنف على رءُوس الرجال على الغني ثمانية واربعين درهمًا، وعلى المتوسط اربعة وعشرين درهمًا، وعلى الفقير اثني عشر درهمًا

وغيرها من الأسئلة التي تبين لك سطحية الاعتراض على كثير من التشريعات

ما أريد قوله للملحد أنك بإهمالك كل هذا ، تهمل العامل الذي يحمل الناس على التمسك بالدين فالفقراء والنساء المغلوبات على أمرهن والخدم والزنوج ونبلاء الناس لا يهمهم الثرثرة في التطور وذلك الترف المعرفي وإنما يهمهم ما يشعرهم بالأمان والمواساة ويحيمهم من الظلم ولو بقدر معين

قال البخاري في صحيحه 5641و5642 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ

مثل هذا الحديث يجعل الموحد يتسلى عن كل ما يصيبه ، وأنا شخصياً لي أخ معاق ذهنياً يسبب لنا أذى عظيماً في البيت بسبب تصرفاته حتى أنه أحياناً يضع الخبر ويبول عليه أو يقطع ملابسنا أو يكسر الآنية

سمعت أبي مرةً يقول لأمي : سيدخلنا الله الجنة بصبرنا عليه

ولهذا يعاملانه بكل حب وحنان من منطلق إيماني وإن كان الأمر يصحبه جزع أحياناً يعقبه استغفار وإنابة

قال ابن القيم في مدارج السالكين :" ويحكى عن امرأة من العابدات أنها عثرت فانقطعت إصبعها فضحكت فقال لها بعض من معها : أتضحكين وقد انقطعت إصبعك فقالت : أخاطبك على قدر عقلك حلاوة أجرها أنستني مرارة ذكرها إشارة إلى أن عقله لا يحتمل ما فوق هذا المقام من ملاحظة المبتلي ومشاهدة حسن اختياره لها في ذلك البلاء"

وهذه بعض المحاسن التي تجعل الناس يتمسكون بالدين ، وعند كلام غير المتدين عليها لا يصنع شيئاً سوى السخرية من بعض الأمور التي لا يفهمها مع عدم وجود نموذج مقابل جيد فالنموذج الغربي فيه شيء كثير عرضة للنقد

بل هل تقبل أن أختزل الغرب بأسلحة الدمار الشامل والشذوذ الجنسي والربا والدعاة والمافيات وصالات القمار ، وبما أنك ملحد أقول بتلك الصلبان على الأعلام والكنائس التي تملأ دول العالم الغربي ، وبشركات صناعة التبغ ( الدخان ) والرياضات الوحشية كالمصارعة والملاكمة وغيرها

فإن قيل : ألا ترى حسناً في الإلحاد لتذكره

فأقول : في الواقع أرى ظلماً للخالق والمخلوق معاً وطريقة غريبة في الاستدلال وكأنه يقول للناس ( اثبتوا على إيمانكم ) فرجل يقول دعوت الله أن يثبتني فلم يستجب وآخر يقول تحديت الله أن يميتني

فهذه الحجة السخيفة يقابها مليون موحد ليقول : دعوت الله فاستجاب لي إذن هو موجود !

ظلمني فلان فرأيت عاقبته وجوزي بظلمه إذن الله العدل موجود

وشخص آخر يقول أصيب قريب لي بالمس وقريء عليه القرآن فشفي إذن الله موجود

وآخر يقول رأيت رؤيا فتحققت إذن الله موجود

وآخر يقول رأيت شخصاً حسوداً أصاب فلاناً بعين إذن الله موجود إذ حذرنا منها

وآخر يقول قلت أذكار ما قبل النوم فلم تأتني كوابيس إذن الله موجود

وغيرها من الحالات التي قد يوجد لها في المجتمعات العربية فضلاً عن غيرها مئات الآلاف إن لم نقل الملايين

وآخر يقول : ماذا قدم الرب لرجل قطعت يده سوى الدعوة للصبر والسلوان

فيقال : وكأن إلحاده سيعيد يده له ! ، ولو فرضنا أن هناك من اخترع يداً صناعية فالأخلاق الغربية تفرض عليه أن يبيعها بمقابل مادي ، ولو كان هذا الأقطع فقيراً فمن سيساعده فالعادة الفقراء المحتاجين للعلاج وغيره يقفون في المساجد ويسألون الناس فلم يقصدون هذه البقعة بالذات !

وتجد من يستدل بحديث ( جئتكم بالذبح )

ويتناسى سياق الحديث وأنه إخبار لأقوام معينين كانوا هم من بدأ بالاعتداء على النبي صلى الله عليه وسلم وخططوا لقتله وآذوا المسلمين ثم في حرب متكافئة تم ذبحهم وتحققت النبوة غير أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدر على بقايا المشركين في عام الفتح عفا عنهم وخلى سبيلهم غير أن القراءة الاجتزائية السخيفة تجري في عروق هؤلاء بشكل مقزز

وليعذرني القاريء على هذه اللغة التي استخدمتها أخيراً إذ أن الظلم من أكثر الأمور التي تثيرني

حتى مثلاً وصفهم لبعض الناس أنه يقتل نفسه من أجل حورية ، وكأن المسلمين وحدهم من يحاربون

معلوم في اعتقاد المسلمين أهل السنة أن أعظم نعيم الجنة رؤية الله عز وجل وأن كل من يرغب في الجنة فأعظم مناه هذا ، ثم يأتي بعد ذلك التلذذ بملذات الجنة الأخرى من مطاعم ومشارب ومناكح والطقس الحسن وسلامة الصدر من كل ما ينغصه ، فهذه النظرة الاجتزائية لنظرة المسلم للجنة غريبة ، فإن الشهيد لا يخير بين الحور فقط بل يشفع في سبعين من أهله فلماذا لا يكون يطلب من أجل هذا كله لا من أجل الحورية فقط وإن فعله فلا ضير فهذا تسلسل منطقي فإنه آمن بوجود الله كما آمن به كل المتدينين في الدنيا ثم آمن بالوحي وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم صدق وعده وهذا تسلسل منطقي ظاهر ، فكونه لم يقتنع بنظرية التطور التي يحاربها اليوم العديد من المنتسبين للعلم الحديث وآمن بنظرية أخرى وهي نظرية التصميم الذكي ثم تسلسل منطقياً حتى وصل إلى هذا الحد ما الذي يجعله مثاراً للسخرية ولا إرادة حرة على قول دوكنز ، علماً بأن من يفجر بنفسه وإن كنت أختلف في قتال يعتقد أن غايته نبيلة غير ممن ينتحر بلا غاية أو يقتل نفسه قتلاً بطيئاً بالتدخين أو الكحول أو غيرها ، وماذا عن صنيع الدول المستعمرة قديماً وحديثاً وماذا عن الأسلحة الفتاكة التي لا تفرق بين مدني وعسكري

غير أن العجيب أن الله في القرآن ذكر أن الكفار يسخرون من الذين آمنوا والآية العجيبة أن هذا الأسلوب متبع إلى يومنا هذا مما يجعل المؤمن يجد في نفسه حاجة إلى قراءة القرآن والتسلي بما ذكره رب العالمين عن سخرية الكفار بالمؤمنين وتصبير المؤمنين

ولا يمكن للناس أن يتركوا جميع هذه القيم من أجل نظرية التطور ! التي يتم مهاجمتها رياضياً وفيزيائياً وبيولوجياً هذه الأيام وهي بحاجة لمن يذب عنها ولا شك أن هذا الذاب هو دوكنز وأضرابه وليس الملحد العربي الذي وظيفته ترديد ما يقول هؤلاء في هذا الشأن لا أكثر وربما أقل ثم يتشدق بتمرده على الموروث ! وهذا شيء كالموروث نظرية قيل لك أنها صحيحة ثم صرت تتعامل معها كما يتعامل أي متدين مع عقيدته ترفض نقدها وعند أي إيراد عليها تفكر في الجواب عليه قبل التفكير بهذا الإيراد وقوته

أو يترك الناس الدين من أجل عدم قبول عقلك لبعض الأمور التي لم يرفضها حتى أشد النبي صلى الله عليه وسلم واحرصهم على قتله

مع ما يقترن مع الأمر من كثرة الكلام عن الإعجاز العلمي وغيره ودلائل النبوة وغيرها من الأمور لذا أرى أن مهمتك صعبة جداً

وخصوصاً أنني رأيت كتاباً في دلائل النبوة لرجل اسمه سعيد باشنفر يذكر أنه جمع سبعة آلاف دليل نبوة ، لا شك أن واحد بالمائة منها يكفي أن يعطي المسلم دفعة إيمانية لا تزيحها الجبال الرواسي

وخصوصاً أن كثيراً مما يرفضه عقلك لا ترفضه عقول الآخرين وبعضهم يلجأ إلى إنكار بعض الأحاديث التي لا تناسبه أو الأحكام مع الإبقاء على جوهر الشريعة ، وبعضهم يقر بمحدودية المعرفة البشرية أمام العلم الإلهي الذي تيقن أنه من الله لذا لا يعترض على بعض الأمور خصوصاً وأن العلم الحديث قد يثبت لها معنى كحديث الذبابة أو الحكمة من خلق الزائدة الدودية ( وهذا المنهج السليم )

وهذا دوكنز لما آمن بنظرية التطور لم يحفل ببعض الأمور التي لم يستطع تفسيرها بشكل علمي دقيق كمسألة الأصل الذي جاءت منه الخلية الأولى ، وعدم وجود آلاف الأحافير التي تؤكد نظرية التطور لأنها نظرية كل شيء في الكائنات الحية

ويومياً يسلم المئات من غير الناطقين بالعربية وهناك الملايين من المسلمين وما أنت وأمثالك إلا ظاهرة ضئيلة ستفقد جاذبيتها في محل نشأتها ، غير أن المؤسف حقاً أن يهتدي غير المتكلم بالعربية لعجائب القرآن ومحاسن الشريعة وأنت المتكلم بالعربية يخفى عنك ذلك غير أن الهداية بيد الله يؤتيها من يشاء فاثنان من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم كانا كافرين وجاء نبأهما في القرآن لبيان هذا المعنى ، غير أن المخزي حقاً إذا اكتشفت أن تلك الشبكة التي تنصر فيها الإلحاد ربما كان يديرها علوي أو درزي أو يهودي غاية أمره النقمة على الإسلام ويستغلك ، وإن لم يكن كذلك وهو ملحد صرف فلو أنفق ماله على ملذاته خيرٌ له من الصراعات الفكرية المزعجة فليس له إلا حياة واحدة ولا يدري متى تنتهي

والمشكلة أن الإلحاد والهجوم على الدين يجعل المسلمين يرغبون في الدفاع عن دينهم لذا تنشأ منتديات كاملة وحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي للدفاع عن الدين بجهود مثيرة للإعجاب حتى يصل الأمر إلى ترجمة كل مقال أجنبي في مهاجمة نظرية التطور أو إثبات التصميم الذكي ولكل فعل ردة فعل مساوية بالمقدار ومعاكسة بالاتجاه ، بل كثير من المسلمين يتناسون خلافاتهم في حرب الإلحاد ( وليس هذا منهجاً سليماً ) فالواقع أن تلك الشبكات الإلحادية لها أثر إيجابي مع أثرها السلبي

ووهم الحرية المطلقة الذي ينادى به لا حقيقة له فلا يوجد إنسان إلا وهو مقيد ببعض القيود كقيد المستوى المادي وقيد العرف الاجتماعي العام ، بل لا يعمل في وظيفة إلا ويقيد في الغالب بساعات عمل معينة ووقت انصراف وقدوم محدد إذا خرمه يتعرض للمساءلة أو الطرد ، والعجيب أنهم يمدحون التنظيم في أوروبا وهو واقعه لا يتم إلا بفرض قيود صارمة ، وفي النهاية هناك قيد القانون


فتلك الصورة التي يصورها أحدهم أنه إذا ألحد فكأنه يصير يعيش في كوكب آخر يستطيع أن يتنفس فيه المزيد من الأكسجين ما هو إلا خيال وأسطورة

ويضحكني كثيراً قول دوكنز أنه إذا لقي الله فسيقول له ( أي واحد منهم كنت ) يعني مما يعبده الناس وماذا لو كان الجواب ( المهم أنني حقيقة وأنت جحدتي فتستحق العذاب )

وأضحكني كثيراً قوله عن الإله العبري في التوراة أنه ( مصاب بداء العظمة ) وهذا إغراق في السطحية لأن الإله لا بد أن يكون عظيماً فلا يحتاج لئن يصاب ب(داء العظمة )! الذي هو حالة نفسية تخيلية

وهذا الذي ذكرته من محاسن الدين ما هو إلا جزء منها وللأخوة أن يضيفوا ما عندهم في موضوع هذه الخاطرة

وإلى اللقاء مع خاطرة أخرى وستكون أقصر بكثير إن شاء الله تعالى

المدافع عن الاسلام
07-11-2014, 02:57 PM
بارك الله فيك

أبو جعفر المنصور
07-11-2014, 03:15 PM
وفيك بارك

هناك كلمات ساقطة في المقال وبودي لو كنت أستطيع التعديل

الدكتور قواسمية
07-11-2014, 06:22 PM
بارك الله فيك
أعجبني المقال كله
انه في قمة الاقناع والروعة
وخاصة كفارة اليمين التي هي خطأ في حق الله سبحانه وتعالى لكن الله عز وجل جعل كفارة هذا الخطأ في الاحسان لخلقه

الدكتور قواسمية
07-11-2014, 06:24 PM
ويضحكني كثيراً قول دوكنز أنه إذا لقي الله فسيقول له ( أي واحد منهم كنت ) يعني مما يعبده الناس وماذا لو كان الجواب ( المهم أنني حقيقة وأنت جحدتي فتستحق العذاب )

رائع جدا

مشرف 7
07-11-2014, 07:13 PM
أهلا بك أخانا الكريم ، وبمقالك الشامل الماتع


هناك كلمات ساقطة في المقال وبودي لو كنت أستطيع التعديل

يمكنك أن تعيد كتابة المقال بأكمله وتتدارك ما فيه وتضعه في قسم الحوارات الخاصة أو في قسم الشكاوى ونحن نعدله لك هنا بإذن الله - ولا ترسله لي على الخاص لأنه سيرهقك بتقسيمه على أكثر من رسالة - بالتوفيق

د. هشام عزمي
07-12-2014, 02:15 AM
روعة ! جزاك الله خيرًا ونفع بك ..

أيمن إسكندر
07-12-2014, 03:52 AM
بارك الله فيك ونفع بك
اتمنى ألا تنقطع عن هذا المنتدى المبارك

أبو يحيى الموحد
07-12-2014, 01:19 PM
موضوع رائق...
بارك الله فيك ..

ابن سلامة القادري
07-12-2014, 01:52 PM
هذا هو الإحسان أحسن الله إليكم أخانا الأستاذ أبا جعفر .. على أمل و إلحاح منا أن لا تنقطع و تحرمنا و عامة الناس من أمثال دررك هاته.

و هذه من أبي جعفر للزميل قيصر :


ا
ولو كان دين الإسلام دين توسع وجشع

لماذا الجزية تؤخذ بشكل سنوي وليس شهرياً ؟

ولماذا يؤخذ من الأرض العشر فقط وتترك تسعة أعشار لصاحب الأرض الذمي ؟

ولماذا تسقط الجزية عن المرأة والصبي والشيخ الفاني ولا تسقط عن الرجل المحارب ؟

ولماذا لا يلزم الرجل القادر على الاكتساب بدفع الجزية عن زوجته وأولاده كما يلزم المسلم بدفع زكاة الفطر عنهم ؟

ومقدار الجزية كما رواه ابن أبي شيبة عن عمر في المصنف على رءُوس الرجال على الغني ثمانية واربعين درهمًا، وعلى المتوسط اربعة وعشرين درهمًا، وعلى الفقير اثني عشر درهمًا

وغيرها من الأسئلة التي تبين لك سطحية الاعتراض على كثير من التشريعات

أبو جعفر المنصور
07-12-2014, 07:40 PM
شكراً على التشجيع

والخاطرة الثانية تحتاج إلى وقت

وأمر بقائي في المنتدى أقول فيه البركة في الأخوة وأنا هنا في مهمة أنجزها وأعود من حيث أتيت

أبو جعفر المنصور
07-13-2014, 12:38 PM
الخاطرة الثانية : العلم الحقيقي !

في هذه الخاطرة سأكتب كلاماً ربما لا يفهمه إلا الموحدين فاعتذار مقدم لأصحاب القلوب المتحجرة

الكلام على القوانين الفيزيائية التي تفسر حدوث العديد من الظواهر الكونية ، أو الكلام على دلالات تعقيد الخلق غير القابل للاختزال الذي يتكلم عنه العلماء القائلون بالتصميم الذكي وإن كان جيداً إلا أنه الخطوة الأولى فقط

بل كثير منه بمنزلة القشر للب هذه الأشياء

وهذا الذي يصلون إليه بالبحث المطول نتيجته يصل إليها الكثير من الناس بالفطرة المجردة أو بدلالات أخرى

فإن الخالق الذي خلق هذه الأشياء هو وحده القادر على الإجابة إجابة مستوفية عن سبب كون الحياة تسير بهذا الشكل

ثم بعد ذلك يأتي الربط بين الحقيقة الكونية والحقيقة الشرعية اللتان تسيران بتناغم تام

ودعني أضرب لك بعض الأمثلة لأحل لك هذه الأحجية

ظاهرة الليل والنهار ما العبرة منها وما دلالتها على وجود خالق ثم كيف تتحول هذه الحقيقة إلى قيمة شرعية ثابتة في حياة الموحد

لنرجع إلى كتاب الله في الأرض لنفهم الأمر

قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)

أقول : سبحانه فالليل والنهار لنعلم عدد السنين والحساب وتناقص القمر لنعلم في أي يوم في الشهر نحن

هذه الحقيقة الكونية اتصلت بها حقائق شرعية كالصلوات الخمس منها النهاري ومنها الليلي

ومنها صيام شهر رمضان الذي يكون متصلاً برؤية الهلال ، ومنها صيام الأيام البيض ( وهو نافلة ) والذي يكون متصلاً باكتمال القمر

ومنها صلاة الكسوف والخسوف ، ومنها دخول أشهر الحج ، ومنها عدة المطلقة والمختلعة ممن لا تحيض

ومنها حول الزكاة

كل ذلك يعرف بمشاهدة الشمس والقمر فتأمل هذا الربط بين الحقيقة الكونية والحقيقة الشرعية وكيف أن الله عز وجل لما خلق هذه الآيات أراد أن تكون رؤيتها علامة على خضوع العبد لأوامره ونواهيه

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تستعيذ بالله من شر من القمر لأنه الغاسق إذا وقب

وهذا عجيب فكيف يمكن للقمر أن يكون سبباً في أذية أهل الأرض

قد أثبت العلم أن القمر متصل بظاهرة المد والجزر في البحر والذي إذا زاد عن حده المعلوم يتحول إلى كارثة

ولا شيء أمام الملحد هنا سوى الدخول إلى معبد الوهم والسجود لصنم الصدفة

وخذ أيضاً مثلاً تسخير بهيمة الأنعام لبني آدم ، لو قارنت بين جسد الجمل وجسد الغزال لرأيت أن الجمل أقوى بكثير وأقدر على أذية البشر ، ولكن الطفل الصغير يتحكم به ببعض التدريب وهذه آية

قال الله تعالى في القرآن الكريم (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ)

وقال الله تعالى : (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِن رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)

وتأمل قوله تعالى بعد أن ذكر الخيل والبغال والحمير قال ( ويخلق ما لا تعلمون ) وهذه إشارة بينة لوسائل التنقل الحديثة فمن الذي أعلم الأمي بهذا ، وتأمل لو قال ( والسيارات ) لسخر القرشيون من هذا الذي لا يعرف ولكن قال ( ويخلق ما لا تعلمون ) فكانت آية باهرة

هذه هي الحقيقة الكونية أن هذه الكائنات مسخرة لمنافع البشر ، فما هي الحقيقة الشرعية التي اتصلت بهذا كشكر على هذه النعمة

فأقول : قال الله تعالى : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)

فأوجب عليهم سفراً إلى بيته العتيق ، وكانت زكاة بهيمة الأنعام والأضحية والهدي وغيرها ربطاً بين الحقيقة الكونية والحقيقة الشرعية

قال الله تعالى : (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)

وتأمل كيف أن شكره سبحانه بإطعام عباده الفقراء سبحان الرؤوف الرحيم

على أن بهيمة الأنعام منافعها كثيرة جداً لا تقتصر على أكلها أو على السفر عليها

والكلام على خلق الإنسان وما فيه من الدقة من أكثر ما يحبذه القائلون بالتصميم الذكي وخصوصاً الكلام على حمض الدي أن أي وتعقيده واستحالة حصول ذلك بالصدفة أو بدون مصمم وهذا جيد

ولكن هل خطر لك أن خلقك يعلمك التواضع ؟

قال أم المؤمنين عائشة ( إنكم تغفلون عن أعظم العبادة التواضع )

وقد قال أبو بكر الصديق ( يا ابن آدم كيف تتكبر وقد خرجت من موضع البول مرتين )

وقد قال الله تعالى : ( ألم نخلقكم من ماء مهين )

وحتى نبي الله نوح خاطب قومه بالربط بين الحقيقة الكونية والحقيقة الشرعية ( ما لكم لا ترجون لله وقاراً وقد خلقكم أطواراً )

والعجيب في خلق الإنسان أن رأسه هو محل شرفه ففيه بصره وسمعه وتذوقه وشمه ، ولهذا إذا أريد إهانة المرء بصق على وجهه أو لطم

ولكن الأعجب أن يستقذر ما يخرج من أذنيه وما يخرج من أنفه ومن يخرج من فمه ، وهذه حقيقة تأملها يدعو للتواضع فعلاً

ولهذا كان أعظم العبادة السجود لله عز وجل بوضع أشرف ما في الإنسان على الأرض وهذا ربط مذهل بين الحقيقة الكونية والحقيقة الشرعية

وكذلك خلقك يعلمك الزهد ، فقد كان أبي بن كعب يخبر الناس بأن الدنيا تشبه الطعام الذي يأكله ثم بعد ذلك ما يصير !

فإن قيل : أليس الزهد في الدنيا يمنع من التقدم والعمل

فأقول : هذا ما يفهمه من يخلط بين الزهد والرهبانية فالزاهد في الدنيا لا يحقد ولا يحسد ولا ينافس منافسة غير شريفة فغدره مأمون وفجوره مأمون وكذبه مأمون وفحشه مأمون فضلاً عما هو أعظم من ذلك ، لأن التنافس على الدنيا والطمع والحسد والجشع والكبر هي الأخلاق التي تحمل على كثير مما نرى من الشر ، ومن أساسيات الزاهد ألا يكون في قلبه شيء من هذا ، ولو فرضنا أن الأديان انتهت فإن الحروب لن تنتهي لأن الطمع سيبقى موجوداً في البشر فحب السيطرة على موارد الحياة سيكون محركاً لحروب كثيرة ، وهذا ما ارتكزت عليه الفلسفة الشيوعية التي دعت إلى التشارك في كل شيء وأن يكون شائعاً لئلا تحصل الحروب ( وهذا مستحيل طبعاً )

ولا يختلف الناس أن عمر بن الخطاب وعمر بن العزيز كانا زاهدين وهما كانا أميرين على امبراطورية عظيمة وكانا مثالاً للعدل والإنصاف

وقبلهما كان النبي صلى الله عليه وسلم

وكثيراً ما يتكلم الباحثون فيما يسمى بالإعجاز العلمي في القرآن عن قوله تعالى ( بلى قادرين على أن نسوي بنانه ) ، ثم يذكرون أن بصمات لا تتساوى أبداً وأن كل إنسان له بصمته الخاصة المختلفة عن غيره من البشر

وهذا وقوف عند الحقيقة الكونية ، غير أننا إذا تجاوزنا إلى الحقيقة الشرعية رأينا أن في هذا الخلق إشارة إلى كون كل إنسان مسئول عن أعماله وحده وأنه سيحاسب وحده ، وله كتابه الذي سيكتبه بنفسه ويسأل عنه يوم القيامة فهذه بصمته بالمعنى الشرعي

قال الله تعالى : (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)

وقد تنبه السلف إلى الربط بين الحقيقة الكونية والحقيقة الشرعية

قال ابن أبي الدنيا في الصمت 616 - حدثني عبيد الله بن محمد ، قال : بشر بن الحارث ، رحمه الله قال : « قال الله عز وجل لآدم عليه السلام : يا آدم ، إني قد جعلت لفمك طبقا ، فإذا هممت أن تتكلم بما لا ينبغي فأطبقه ، وجعلت لعينيك طبقا ، فإذا رأيت ما لا ينبغي فأطبقهما ، وقد سترت فرجك بستر ، فلا تكشفه إلا عندما يحل لك »

فإن قال قائل : وماذا عن السمع ؟

فيقال : هذا جعل مفتوحاً ليكون مفتاح الإيقاظ لبني آدم عند النوم

قال الله تعالى في أصحاب الكهف ( وضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً )

قال الله تعالى : ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون )

وخذ مثالاً أيضاً أمر الرياح وهنا أترك المجال لسلفي آخر أن يحدثك وهو ابن القيم !

قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة :" فإذا شاء سبحانه وتعالى حركه بحركة الرحمة فجعله رخاء ورحمة وبشرى بين يدي رحمته ولاقحا للسحاب يلقحه بحمل الماء كما يلقح الذكر الانثى بالحمل وتسمى رياح الرحمة المبشرات والنشر والذاريات والمرسلات والرخاء واللواقع ورياح العذاب العاصف والقاصف وهما في البحر والعقيم والصرصر وهما في البر وإن شاء حركه بحركة العذاب فجعله عقيما وأودعه عذابا اليما وجعله نقمة على من يشاء من عباده فيجعله صرصرا ونحسا وعاتيا ومفسدا لما يمر عليه وهي مختلفة في مهابها فمنها صبا ودبور وجنوب وشمال وفي منفعتها وتاثيرها اعظم اختلاف فريح لينة رطبة تغذى النبات وابدان الحيوان واخرى تجففه واخرى تهلكه وتعطبه وأخرى تشده وتصلبه وأخرى توهنه وتضعفه ولهذا يخبر سبحانه عن رياح الرحمة بصيغة الجمع لاختلاف منافعها وما يحدث منها فريح تثير السحاب وريح تلقحه وريح تحمله على متونها وريح تغذى النبات ولما كانت الرياح مختلفة في مهابها وطبائعها جعل لكل ريح ريحا مقابلتها تكسر سورتها وحدتها ويبقى لينها ورحمتها فرياح الرحمة متعددة وأما ريح العذاب فإنه ريح واحدة ترسل من وجه واحد لاهلاك ما ترسل باهلاكه فلاتقوم لها ريح اخرى تقابلها وتكسر سورتها وتدفع حدتها بل تكون كالجيش العظيم الذي لا يقاومه شيء يدمر كل ما اتى عليه وتأمل حكمة القرآن وجلالته وفصاحته كيف طرد هذا في البر وأما في البحر فجاءت ريح الرحمة فيه بلفظ الواحد كقوله تعالى هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان فإن السفن إنما تسير بالريح الواحدة التي تأتي من وجه واحد فإذا اختلفت الرياح على السفن وتقابلت لم يتم سيرها فالمقصود منها في البحر خلاف المقصود منها في البر إذ المقصود في البحر ان تكون واحدة طيبة لا يعارضها شيء فأفردت هنا وجمعت في البر ثم انه سبحانه اعطى هذا المخلوق اللطيف الذي يحركه اضعف المخلوقات ويخرقه من الشدة والقوة والباس ما يقلق به الاجسام الصلبة القوية الممتنعة ويزعجها عن اماكنها ويفتتها ويحملها على متنه فانظر اليه مع لطافته وخفته إذا دخل في الزق مثلا وامتلأ به ثم وضع عليه الجسم الثقيل كالرجل وغيره وتحامل عليه ليغمسه في الماء لم يطق ويضع الحديد الصلب الثقيل على وجه الماء فيرسب فيه فامتنع هذا اللطيف من قهر الماء له ولم يمتنع منه القوي الشديد وبهذه الحكمة امسك الله سبحانه السفن على وجه الماء مع ثقلها وثقل ما تحويه وكذلك كل مجوف حل فيه الهواء فإنه لا يرسب فيه لان الهواء يمتنع من الغوس في الماء فتتعلق به السفينة المشحونة الموقرة فتأمل كيف استجار هذا الجسم الثقيل العظيم بهذا اللطيف الخفيف وتعلق به حتى امن من الغرق"

وهذا كلام جميل وهذا الكتاب مليء بمثل هذا

وقد أمر المرء عند ركوب الدابة أن يقول ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين )

وخذ مثلاً خلق النار

قال ابن القيم في شفاء العليل :" وكذلك الحكمة في خلق النار على ما هي عليه كامنة في حاملها فإنها لو كانت ظاهرة كالهواء والماء والتراب لأحرقت العالم وما فيه ولم يكن بد من ظهورها في الأحايين للحاجة إليها فجعلت مخزونة في الأجسام توري عند الحاجة إليها فتمسك بالمادة والحطب ما احتيج إلى بقائها ثم تخبوا إذ استغنى عنها فجعلت على خلقه وتقدير وتدبير حصل به الاستمتاع بها والانتفاع مع السلامة من ضررها ثم في النار خلة أخرى وهي أنها مما خص به الإنسان دون سائر الحيوان فإن الحيوانات لا تستعمل النار ولا تستمتع بها ولما اقتضت الحكمة الباهرة ذلك اغتنت الحيوانات عنها في لباسها وأقواتها فأعطيت من الشعور والأوبار ما يغنيها عنها وجعلت أغذيتها بالمفردات التي لا تحتاج إلى طبخ وخبز ولما كانت الحاجة إليها شديدة جعل من الآلات والأسباب ما يتمكن به من إثارتها إذا شاء ومن إبطالها ومن حكمها هذه المصابيح التي يوقدها الناس فيتمكنون بها من كثير حاجاتهم ولولاها لكان نصف أعمارهم بمنزلة أصحاب القبور وأما منافعها في إنضاج الأغذية والأدوية والدفء فلا يخفى وقد نبه تعالى على ذلك بقوله: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ} أي تذكر بنار الآخرة"

أرجو تأمل هذا الكلام الحسن وما فيه من ثمار التفكر اليانعة التي انتهت إلى إدراك الحقيقة الكونية كما هي تماماً ثم الربط بينها وبين الحقيقة الشرعية

ومثل هذه النماذج التي ذكرتها تبدو محاولات العلم الحديث لتفسير الأمور الكونية بدائية أمامها إذ غايتها إدراك كيفية حصول هذا الأمر فقط وأما لم حصل هذا الأمر على هذه الصورة ؟

وما الذي يمكن للإنسان أن يستفيده من معرفة الحقيقة الكونية أكثر من الانتفاع البدائي في تحقيق منافع العيش البيولوجية التي يشترك فيها الإنسان والحيوان ؟

هذا لا يمكن إدراكه إلا بالوحي

وتأمل ذلك الوجه الذي ذكره ابن القيم في الفرق بين البشر والحيوانات مما لو تأمله العاقل لوجده من أقوى ما يرد على دعوى وجود الأصل الواحد المشترك بين الإنسان والحيوان

وتأمل قوله تعالى : (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

وما فيه من الربط بين الحقيقة الكونية وهي كون المطر إذا نزل على الأرض كان سبباً في حسنها وزينتها ثم لا يمكن أن يخلد هذا الحسن بل لا بد أن يزول في يوم من الأيام ، وكيف أن هذا هو مثل الدنيا

وسبب ذكري لأمر الحقيقة الكونية وربطها بالحقيقة الشرعية والأمثلة على ذلك كثيرة جداً وإنما اكتفيت بالبعض ، لأن ذلك من أحسن ما يرد به على الربوبيين وأما الملاحدة فشبهتهم أهون من أن يتكلف لها مثل هذا

وأرى كثيراً من إخواننا ممن يشتغل بالرد على الملاحدة يغلب عليه الاشتغال بالحقيقة الكونية ويغفل في أحيان عديدة عن الحقيقة الشرعية

وخذ مثلاً ( أنتوني ) الملحد الذي آمن بوجود الخالق بعد أن هرم لم يدرك إلا الحقيقة الكونية ولم يستطع التفاعل معها بأكثر من الإقرار اللساني

فقول الله تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)

وقوله تعالى (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

وغيرها من الآيات ليس المقصود منها الوقوف عند معرفة أن الله عز وجل هو الخالق فهذا أمر كان يعلمه أبو جهل وأبو لهب ومسيلمة الكذاب ، وفطرة التدين في كل الخلق تقضي على الإلحاد بالبقاء محصوراً في أماكن معينة ، وإنما المراد الإشارة إلى الربط بين الحقيقة الكونية والحقيقة الشرعية وإبطال شرك المشركين وتنديد المندديين

وفي القرآن يوجد الكلام على الجبال والحكمة من خلقها والنجوم والحكمة من خلقها والسماوات والأرض والشمس والقمر والنباتات والحيوانات وكل الظواهر الكونية

وليس السبب في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان محباً لعلم الطبيعة والجيولوجيا والفلك وغيرها من العلوم الكونية

وإنما السبب في ذلك ان منزل هذا الكتاب هو خالق هذه الأشياء كلها وهو الذي أودع فيها أسرار قدرته ودلالاتها على إرادته الشرعية ، فما كان ليترك شيئاً منها إلا ويذكره في آياته التي لا يعقلها إلا من فتح على قلبه

وهذا من أعظم البراهين للعقلاء أن هذا الكتاب كلام الله حقاً وصدقاً وهذا باب مختلف عن باب الإخبار بالغيبيات وما يسمى بالإعجاز العلمي أو الإعجاز البلاغي أو حتى التشريعي

فأبلغ ما يقوله العلماء القائلون بالتصميم الذكي تجده في القرآن بأبلغ بيان يشترك في فهمه جميع الناس والجزء العلمي الدقيق منه يشار إليه إشارة يفهم منها الشخص البسيط ما ينفعه ثم يأتي العالم ليدرك المعنى الدقيق وهذا من أبلغ ما يكون

بل حتى ما يسمونه بالكوارث الطبيعية

قد بين الله عز وجل سببه

قال الله تعالى : ( وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً )

بل ذكر سبحانه كيف حول النعم إلى نقم في عذاب الأمم السابقة (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)

ولولا حصول الزلازل لما علم المرء عظيم المنة في قوله تعالى ( ألم نجعل الأرض مهاداً ) والآيات الأخرى التي في هذا الباب

وبين سبب تفاوت الناس وكونهم منهم غني وفقير

قال الله تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)

فبين أن في هذا حكمة اختبار الغني أيعين الفقير أم لا يفعل أيستكبر عليه أم لا يفعل أم لا يصبر ، واختبار الفقير هل يصبر أم يحسد الغني ويعتدي عليه وبهذا يتميز المؤمن من الفاسق

قال الله تعالى : (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)


وأخيراً أقول : لمن يتحدى رب العالمين أن يهلكه أو يميته

من قال لك أن رب العالمين لم يقبل التحدي ، بل الواقع أنه هو تحداك قبل أن تتحداه

قال الله تعالى : (وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (49)
• قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا (51) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا)

وقال تعالى : (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ)

غير أن أمد هذا التحدي هو موتك

قال الله تعالى : (قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)

وأما سبب تأخيره لك في هذه الحياة الدنيا بعد تطاولك عليه فقد بين لنا السبب

قال الله تعالى : (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)

وقال الله تعالى : (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)

ثم إنه سبحانه غفور رحيم يعطيك فرصة لتأوب

قال الله تعالى : (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ موئلاً )

اللهم ارحمنا برحمتك

وإلى اللقاء في خاطرة جديدة وهذه الخاطرة كان ينبغي أن تكون من الأخريات ولكن خشيت من تفلت الأفكار مني فوضعتها الآن ، وأرجو أن يفتح هذا باباً للأخوة للتفكر والربط بين الحقيقة الكونية والحقيقة الشرعية وكما قال أبو الدرداء تفكر ساعة خير من قيام ليلة

عَرَبِيّة
07-13-2014, 06:30 PM
تبارك الرحمن! أسلوب رائع جدًا، زادكَ الله فقهًا وعملاً.

إلى حب الله
07-14-2014, 12:40 AM
بارك الله فيك أخانا الكريم على ما جادت به يداك ..
ولو في نهاية هذه الخواطر بإذن الله - أو من الآن إن شئت - تقوم بعمل تلخيص كل خواطرك في نقاط بعد استبعاد الشرح :
لصار من السهل الرجوع إليها للكثيرين ..
بالتوفيق ..

أبو جعفر المنصور
07-14-2014, 01:25 AM
هذا عمل صعب يا صديقي

وهي في الأساس مكتوبة بطريقة مبسطة يفهمها عامة الناس

واختصار المختصر من أصعب الأمور

التوحيد غايتي
07-14-2014, 08:10 PM
السلام عليكم ورحمة الله
جزاكم الله خيرا ، حقا الموضوع فتح عينيّ لأمور عديدة ، خصوصا الربط بين الحقيقة الكونية والشرعية
فتح الله عليكم ونرجوا مواصلة الخواطر

أبو جعفر المنصور
07-15-2014, 01:49 PM
الخاطرة الثالثة : ومن الحرية ما قتل !

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فمن ألطف ما يقع للمرء عند النظر في الفكر الإلحادي أن باب الحجة عليهم ليس محصوراً في النص بل هو واسع جداً فكل شيء ممكن أن يصير حجة ، وكثيراً ما نسمعهم يتحدثون عن حروب المتدينين طارحين الإلحاد كحل لإيقاف هذه الحروب ، ولإخواننا المشتغلين بالرد عليهم ردود عديدة من أقواها وأفلجها ذكر جرائم الملحدين

وذكر الحقيقة الثابتة أن! 1,763 حربا موثقة: 93% لأسباب لادينية و7% لأسباب دينية

ولكنني عند نظرية أخرى وجواب آخر تماماً

فإن قلت : ما هي ؟

قلت لك : أنا أزعم أن الحرية المطلقة تفتك بالبشر أكثر من الحروب سواءً كانت ذات مقدمات دينية أو غير دينية

فإن قلت : كيف ذاك

أقول : دعنا نأخذ ظاهرتين فقط انتشرتا في العالم الغربي الذي يبهر القوم ولا يرون فيه إلا كل حسن

وهما ظاهرة الإجهاض ولنأخذ أمريكا فقط في العام هناك مليون حالة إجهاض بحسب التقارير المتخصصة ، ولنأخذ ظاهرة إدمان الخمر في العام الماضي مات مليونان ونصف جراء إدمان الخمر في كل العالم

فهذه ثلاثة ملايين ونصف وتذكر أنني لم أتحدث عن الإجهاض في كل العالم

ولم أتحدث عن أثر الخمر على السلوك وعلى العنف الأسري وعلى الحوادث المرورية فقط أتحدث عن قتلى إدمان الخمر

وهذا كله في عام واحد فقط

ولنأخذ مثالاً على حرب من أشهر الحروب العصرية الحديثة ، وهي حرب الثورة الليبية التي كانت بين جيشين وقد تدخل فيها الناتو وكانت في عامة معاركها في مناطق الأصل فيها أنها مأهولة واستخدمت فيها الأسلحة الحديثة ( غربية الصنع ) ، حصيلة القتلى في هذه الثورة من الطرفين على أقصى تقدير وقد دامت الحرب قرابة العام 50 ألفاً يعني لا يشكلون عشر من يقتلهم إدمان الخمر

أفرأيت لو كانت هذه البلاد التي ينتشر فيها الزنا الذي هو السبب للإجهاض مع كل مقدماته من تبرج واختلاط وخلوة ، وينتشر فيها الخمر ، أرأيت لو كان الإسلام يحكمها أرأيت لو كانت فتحت في معركة مات فيها ألف أو ألفان ألم يكن ذلك إذا ما قورن بحماية حياة الملايين فيما بعد هو المصلحة والخير

وكان يمكن أن نستغني عن القتال بعقد الجزية أو الهدنة مع بسط سلطان الشريعة ويسلم الأكثر من هذه البلدان كما حصل لشعوب كثيرة ، وللفائدة اليمن كانت يهودية ومصر والشام والحبشة وبلاد المغرب كانت نصرانية مع خلط من اليهود ، وبلاد فارس والعراق والبحرين كانت مجوسية وكلها صارت ذات أغلبية إسلامية في أقل من خمسين عاماً وبقي بقية من غير المسلمين للدلالة على أن البقية أسلموا طوعاً لا كرهاً ، ولو نظرت إلى أسبانياً فلن تجد مسلماً له أربعة أجداد مسلمين في أسبانيا وذلك بفضل محاكم التفتيش فتأمل الفرق

أرأيت لو كانت الدول الإسلامية على مر التاريخ غرقت في الخمر والرذيلة كغرق تلك المجتمعات أكان أعدادها الآن كما هي ؟

أرأيت مدمن الخمر والخمر يفتك في أعضائه ويريد أن يقلع فلا يستطيع أتراه كان يتمنى أن لو كان الدولة قد منعت هذا السم وأنه لم يعرفه في حياته قط ؟

كلام عاطفي ولكنه واقعي

وأنا هنا لم أتكلم عن القمار وعن الدعارة والأمراض الجنسية ولا عن التدخين ولا عن المخدرات ، التي حتى البلدان الإسلامية دخل إليها هذا من البلدان الغربية

وعند الكلام على التقدم والتخلف لا بد من أخذ هذه الأمور بالحسبان مع النظر في الأواصل الاجتماعية وألا ينظر في تقدم الآلة فقط أو تقدم الإنسان في بعض النواحي وتأخره في بعض آخر

والعجيب أنه مع كثرة كلام الملاحدة عن الحروب يثنون على العالم الغربي الذي تشكل الآلة العسكرية الفتاكة جزءً كبيراً من بنيته الصناعية والحضارية وهذا فيما أرى تناقض فإنك إن هاجمت الحروب فعليك أن تهاجم من طور الآلة حتى صارت قادرة على قتل الآلاف في لحظة واحدة ، خصوصاً وقد ثبت استخدامه في مناسبات عديدة

وبهذين المثالين فقط ! دون غيرها يتبين أن من الحرية ما قتل وأن الدعوة للتحرر من القيود الإسلامية أو الدينية ككل مع عدم وجود مرجعية إلحادية علمية ناضجة وعدم وجود مشروع إلحادي أخلاقي واضح هو فتح لباب القضاء على الذات باسم الحرية

خصوصاً مع حرب تعدد الزوجات

فيقول قائل : ما دخل تعدد الزوجات هنا

فيقال : الإحصائيات قاضية بأن عدد النساء في العالم يفوق عدد الرجال ومع حرب تعدد الزوجات تكون معظم أرحام النساء الصالحة للإيلاد معطلة ولا تستفيد منها البشرية شيئاً

فمع السكوت أو التساهل في التعامل مع الظواهر الفتاكة كإدمان الخمر والسعار الجنسي مع ما يصاحبه من الأمراض الجنسية القاتلة أو حالات الإجهاض الجنونية والتي تكون في الغالب لأن الجنين نتيجة لعلاقة جنسية عابرة لا يراد منها تشكيل ارتباط وثيق بين الطرفين ، ومع آلة الحرب الفتاكة والتي بسبب الجشع المادي صارت في يد المافيات والعصابات الكبيرة ( والتي يقل وجودها في العالم الإسلامي ) ، إذا أضفنا إلى هذا منع تعدد الزوجات بل محاربة الزواج ككل من طرف خفي نعلم أن هذا من حقيقته من وحي الشيطان الذي يريد إفناء الجنس البشري قدر المستطاع

قال الله تعالى : (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُون)

وهنا الملحد يحل حبوته ويحدثك عن بني قريظة

وأقول : قبل الكلام على أي تشريع أو أي حادثة لا بد أن يعلم أن هذا ناشيء عن تسلسل منطقي متكون من الإيمان بوجود الله ثم الإيمان بضرورة الوحي ثم الإيمان بصدق الوحي الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ثم التسليم للأحكام الشرعية الناشئة عن هذا التسلسل المنطقي لأن الله علمه غير محدود والبشر علمهم محدود

ثم النظر بعد ذلك إلى كون هذه التشريعات من باب تصرف المالك الحكيم في ملكه

قال إِيَاس بن مُعَاوِيَة مَا ناظرت بعقلي كُله إِلَّا الْقَدَرِيَّة قلت لَهُم مَا الظُّلم قَالُوا أَن تَأْخُذ مَا لَيْسَ لَك قلت فَللَّه كل شَيْء

وأمر الجهاد ينظر إليه المسلمون على أنه رحمة !

ولعل قائلاً : أتسخر كيف يكون رحمة ؟

فأقول : السطحية ملازمة لكم في كل الأحوال ، الله عز وجل قادر على إهلاك الخلق الآن وعدم إمهال الكافر بأي صورة من الصور ، وما الزلازل والفيضانات والبراكين إلا نموذج يسير عما يمكن أن يحصل ، وقد حصل للبشر في الزمن القديم ما خمن بعض منكري النبوات أنه اصتدام كوكب بالأرض ، وأما القائلون بالنبوات فيرون أنه من آثار عقوبة الأمم السابقة

إذا فهمت هذه الحقيقة فافهم أن الجهاد بالمعنى الإسلامي الذي يسبقه الدعوة ثم بعد يخير العدو بين الجزية والإسلام والقتال ، وإذا قبل بالجزية استمرت الدعوة معه وغيرها من التشريعات التي ليس هذا محل بسطها رحمة إذا ما قورن بالهلاك العام أو الحروب التي يقصد منها الإبادة العامة ويتم فيها حتى قتل الصبيان والنساء أو اغتصابهن

ومع ما ينتج عن هذا الجهاد من الخير العظيم فيما بعد كما شرحته في الخاطرة الأولى ، وقد رأيت طرفاً من آثار غياب الشريعة الإسلامية عن بعض المجتمعات في هذه الخاطرة

والكافر شخص يعيش في أرض الله ويأكل من الخيرات التي خلقها له ثم يسبه ، ولا بد أن يكون لها فعل ضريبة وتبعه على الأقل ضريبة النفس الذي يتنفسه ، ونفس الإنسان ملك لله عز وجل وهو من يحدد العدل في إخراجها أو إبقائها

ثم بعد ذلك تأتي فائدة الجهاد على أهل الإيمان وهي تمييز المؤمن القوي من المؤمن الضعيف والمنافق وظهور آيات الله وآثار أسمائه وصفاته ، وحصول الاختبار لأهل الإيمان ورفع درجاتهم إذا بذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله

قال الله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)

وقال الله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)

وقال الله تعالى : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)

وقال ابن كثير في تفسيره :" فإن قيل: فأيّ رحمة حصلت لمن كَفَر به؟ فالجواب ما رواه أبو جعفر بن جرير: حدثنا إسحاق بن شاهين، حدثنا إسحاق الأزرق، عن المسعودي، عن رجل يقال له: سعيد، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس في قوله: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } قال: من آمن بالله واليوم الآخر، كُتِبَ له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن بالله ورسوله عُوِفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف .
وهكذا رواه ابن أبي حاتم، من حديث المسعودي، عن أبي سعد -وهو سعيد بن المرزبان البقّال-عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فذكره بنحوه، والله أعلم"

وأما بنو قريظة فقوم وقعوا على وثيقة دفاع مشترك مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم غدروا ونقضوها ولم يكتفوا بذلك حتى ألبوا المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وكان يوم الأحزاب حيث اجتمع المشركون على المسلمين وأرادوا استئصال شأفتهم وسبي نسائهم وكل ذلك بفعل أيدي الغدر القريظية فلما انكفأ المشركون بآية باهرة ليس هذا محل بسطها ، هاجم الصحابة بني قريظة وكان الحكم أن يفعل بهم ما أرادوا أن يفعل بالمسلمين من سبي الذرية وقتل المقاتلة وهذا حكم عدل فيمن نقض المواثيق وغدر بالإضافة إلى جريمة كتمان صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والتي اعترف بها عبد الله بن سلام وكعب الأحبار وغيرهم من علمائهم

وكان من أظهر منهم الإسلام يتركه النبي صلى الله عليه وسلم على عادته في كل من يقاتله مهما فعل بالمسلمين فإنه بمجرد إظهار إسلامه يعفو عنه كما فعل بوحشي قاتل عمه

فهذه حالة خاصة في ظرف استثنائي ، والحال العام من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعفو في حق نفسه

فقد عفا عن رجل أراد اغتياله

قال البخاري في صحيحه 2913 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنَا سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ وَأَبُو سَلَمَةَ أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَهُ ح و حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ قُلْتُ اللَّهُ فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ

وسراقة بن مالك أيضاً أراد اغتياله وعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم

وعفا عن ذي الخويصرة الذي طعن في أمانته ، وكان بعض الصحابة يريد قتله

وعفا عن حاطب بن أبي بلتعة الذي ثبت عليه أنه جس للمشركين ( يعني صار جاسوساً لهم ) وهذه في القوانين الوضعية الحديثة تسمى الخيانة العظمى وكثير منهم يعاقب عليها بالقتل

وهؤلاء بنو النضير أرادو اغتياله فأجلاهم ولم يقتلهم وسمح لهم بأخذ أزوادهم معهم واكتفى بتركهم للنخل

وعفا عن اليهودية التي وضعت له سماً في الطعام

قال البخاري في صحيحه 2617 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا فَقِيلَ أَلَا نَقْتُلُهَا قَالَ لَا فَمَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بل المذهل أكثر من هذا كله عفوه عن مشركي قريش الذين قاموا بتعذيب أصحابه قبل الهجرة بل قتلوا بعضهم ، وقاطعوا بني هاشم من أجله ومن أشد ما يقع على المرء أن يرى أهله يؤذون من أجله ، ثم إنهم هجوه بالشعر ووصفوه بالمجنون وخططوا لاغتياله حتى هاجر وطاردوه في هجرته ثم لما آواه الأنصار هددوهم ثم بدأوهم بالقتال وفي يوم أحد شج رأس النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته ، وقتلوا في هذه الحروب العديد من أصحابه وصدوه عن المسجد الحرام وقتلوا عامر بن فهيرة وخبيب بن عدي بعد أن عطوهم الأمان بعد هذا كله وغيره كثير عفا عنهم في الفتح وقال ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) [ وهذه القصة احتج بها الإمام الشافعي وهي متلقاة بالقبول عند أهل السير وفي صحيح مسلم ما يؤيد صحتها من ذكر وصف الطلقاء ]

وقال ( من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن ) وقال ( قد أجرنا من أجرت يا أم هانيء )

ثم في غزوة حنين أعطى هؤلاء الذين عفا عنهم حصة الأسد من الغنائم تأليفاً لهم

والمواقف في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا النوع كثيرة

قال البخاري في صحيحه 2125 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلَالٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو ابنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قُلْتُ أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ قَالَ أَجَلْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا * تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ هِلَالٍ وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ هِلَالٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ سَلَامٍ {غُلْفٌ} كُلُّ شَيْءٍ فِي غِلَافٍ سَيْفٌ أَغْلَفُ وَقَوْسٌ غَلْفَاءُ وَرَجُلٌ أَغْلَفُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَخْتُونًا.

وقد تعلم منه الصحابة هذا الخلق

ال البخاري في صحيحه 4145 : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ:
قَالَ ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ
فَقَالَتْ لَا تَسُبَّهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ كَيْفَ بِنَسَبِي قَالَ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنْ الْعَجِينِ

4146 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعِنْدَهَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ
وَقَالَ حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ
قَالَ مَسْرُوقٌ فَقُلْتُ لَهَا لِمَ تَأْذَنِينَ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فَقَالَتْ وَأَيُّ عَذَابٍ أَشَدُّ مِنْ الْعَمَى
قَالَتْ لَهُ إِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أقول : حسان كان قد وقعت منه زلة في حادثة الإفك وتاب منها ، لذا كان عروة ابن أخت عائشة حاملاً عليه غير أن عائشة عفت عنه وأثنت عليه بدفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم إذ أنه أهم عندها من نفسها

وقال البخاري في صحيحه 4642 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ مِنْ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ يَا ابْنَ أَخِي هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الْأَمِيرِ فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ قَالَ سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَاسْتَأْذَنَ الْحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ هِيْ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ وَلَا تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالْعَدْلِ فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ } وَإِنَّ هَذَا مِنْ الْجَاهِلِينَ وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلَاهَا عَلَيْهِ وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ

فهذا رجل يصف عمر بأنه غير عادل والملك غير العادل لا يقبل أن يوصف بهذا في وجهه فكيف برجل كعمر ولكنه يعفو ويسكت تأدباً بأدب القرآن وقد كان يحكم امبراطورية ضخمة


فيترك الجاهل هذا كله ويتمسك بموقف يتطلبه الحزم والحفاظ على الدولة فإن المسلمين روعوا أيما ترويع بعدما حصل يوم الأحزاب فكان لا بد من فعل حازم عادل يرجع للدولة هيبتها ويكون عبرة لمن يعتبر

وهناك عدة مغالطات ترتكب عند الكلام على الحروب وهي

الخلط بين أتباع الديانات المختلفة وهذا لا يجوز فكل مسئول عن ملته

وعدم التفريق بين المعتدي والمعتدى عليه

وحصر أسباب الحروب بالأسباب الدينية ، وهذا لا يقوله حتى أقل الناس خبرة بأحوال الأمم فحرب البسوس مثلاً كانت من أكثر الحروب وحشية فيما شهدته الجاهلية وكان سببها الحقيقي غياب حكم القصاص وحلول منطق الثأر محله

ولذا قال الله تعالى : ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ) ، أي أن القصاص يمنع من ذلك التسلسل الجاهلي في أمر الثأر والذي يؤدي لحروب متوالية وهذا أمر معروف مشاهد حتى في بعض البلدان المنتسبة للإسلام والله المستعان لما ابتعدت عن الشريعة وعادت للجاهلية التي لا يقبلها أي دين

وكذلك الحرب العالمية في نسختيها لم تكن لها مقدمات دينية

على أنه لو جاء شخص واستدل ببعض الأدلة على ممارسة معينة ، وخالفه قوم من أهل ملته وأقاموا الأدلة على غلطه لم يجز نسبة فعل هذا الرجل للملة

وهذا الظلم يمارسه القوم بشكل مستمر

ولو فرضنا أن عامة الحروب قام بها المتدينون أو المؤمنون بالخالق فسبب ذلك أن هؤلاء هم الناس !

بمعنى أن الملحدين شرذمة قليلون لم يكن لهم في التاريخ دولة أو كيان متماسك بل هي حالات فردية في غالبها لا تستمر في النسل بمعنى أنك لا تكاد تجد ملحداً له ستة أجداد أو خمسة في الإلحاد لأنه في الغالب ينشأ عن عقد نفسية لا تستمر ولا تورث للأجيال التي تليها

الذي أريد قوله أن الناس إذا خاضوا الحروب سواءً كانت مقدماتها دينية أو غيرها فإنهم في العادة لم يفرضه وضع الحرب من الخوف يستغيثون بالآلهة التي يعتقدون بها بل ترى أن لاعب كرة القدم اليوم يصلي ويدعو وهذه حالة معروفة في الناس وليس معناها أن الفعل مقدمته دينية بمعنى استسلام للنص أو فهم صحيح للنص

وليعلم أن الحروب غير الدينية في الغالب تكون ناشئة عن ثلاث أسباب رئيسية

الأول : الحرب على الملك

الثانية : الحرب العنصرية بين القبائل والأعراق المختلفة

الثالثة : على المال

وهذه الحروب في الإسلام يشملها اسم ( حرب الفتنة ) وقد نهي عن المسلم عن الدخول فيها بأي شكل من الأشكال

قال مسلم في صحيحه 4816- [54-...] وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ ، عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ ، عَنْ زِيَادِ بْنِ رِيَاحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ ، ثُمَّ مَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ، وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ ، يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ ، وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ ، فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أُمَّتِي ، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا ، لاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا ، وَلاَ يَفِي بِذِي عَهْدِهَا ، فَلَيْسَ مِنِّي.

وجاء النهي حتى عن بيع السلاح في الفتنة

وقال أحمد في مسنده 21325 - حَدَّثَنَا مَرْحُومٌ، حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: رَكِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، وَقَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ شَدِيدٌ لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إِلَى مَسْجِدِكَ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ " قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "تَعَفَّفْ "
قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ شَدِيدٌ يَكُونُ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْعَبْدِ، يَعْنِي الْقَبْرَ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ " قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "اصْبِرْ "
قَالَ: "يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يَعْنِي حَتَّى تَغْرَقَ حِجَارَةُ الزَّيْتِ مِنَ الدِّمَاءِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟ " قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ، وَأَغْلِقْ عَلَيْكَ بَابَكَ ". قَالَ: فَإِنْ لَمْ أُتْرَكْ؟ قَالَ: "فَأْتِ مَنْ أَنْتَ مِنْهُمْ، فَكُنْ فِيهِمْ " قَالَ: فَآخُذُ سِلَاحِي؟ قَالَ: "إِذَنْ تُشَارِكَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ، وَلَكِنْ إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَرُوعَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ طَرَفَ رِدَائِكَ عَلَى وَجْهِكَ حَتَّى يَبُوءَ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ.

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم جفف يتابيع الفتنة

فأمر بالسمع والطاعة في المنشط والمكره لولي الأمر المسلم قطعاً لدابر الطمع في الملك والتقاتل عليه

ونهى عن الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والعصبية الجاهلية وعن كل ما يثير العداوة والبغضاء بين المسلمين

وحرمة أخذ مال المسلم بغير حق معلومة

وإنني لأتعجب من شخص يرجع نسبه إلى البدو ( كشأني ) ثم يتحدث عن الحروب الدينية تقليداً لبعض الغربيين الذين لا يعرفون عن الشرق كبير شيء فمعلوم أننا معاشر البدو قبل قرابة المائة كنا في اقتتال دائم منشؤه العصبية وكان قطع الطريق مهنة الشرفاء والصانع الذي يصنع بيده محتقر ولا يزوج ومعظم ألقاب القبائل العامة سببها أداؤهم في الحروب ، ثم جاءت دعوة المجدد محمد بن عبد الوهاب في شبه الجزيرة وأقامت دولة كانت سبباً لحلول الأمن والأمان وزوال كثير من الجاهليات الأعرابية

بل نهي المرء في قتاله الإسلامي أن تكون نيته تشبه نية أصحاب الأطماع

قال البخاري في صحيحه 2810 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ

ويعني أن الآخرين ليسوا في سبيل الله ولا يثابون

وقد قال الله تعالى : (وَإِنْ طائفتان مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

ولو نظرنا إلى ظاهرة عصرية تنتشر في الغرب وهي ظاهرة العصابات المنظمة ، وما يسمى ب( المافيات ) تلك الظاهرة التي ألهب انتشارها مخيلة الكثير من الكتاب السينمائيين ، والتي في تراكم نتائجها ما يقارب نتائج الحروب أو يفوقها ولا شك أن هذه الظاهرة بعيدة كل البعد عن التدين بل لا يمكن أن تجتمع مع التدين الصحيح

ويضحكني كلام بعض القوم عن تقدم السويد بسبب الإلحاد ، ويا ليت شعري ما يصنع الصليب على علمها إذن ، وهي أيضاً سجلت أكبر معدلات اغتصاب في أوروبا ويبدو أن هذا من بركات الإلحاد والحرية !

وقد ذكرت أمر الصليب على العلم لأشير أن أوروبا في كثير من أهلها لا زالت متمسكة بنصرانيتها ولكن بطريقة عجيبة إذ أن تدينهم محصور بالأعياد وطريقة الزواج المخترعة التي لا وجود لها في كتبهم المقدسة ، والإيمان بالخرافة وترك أحسن ما في دين النصارى من الحث العام على الأخلاق والعفة

وأخيراً أذكر حديثاً لطيفاً كلم فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعض المسلمين بالحجة العقلية وضرب المثل في تحريم الخمر

قال مسلم في صحيحه 26- [26-18] حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مَنْ لَقِيَ الْوَفْدَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ ، قَالَ سَعِيدٌ : وَذَكَرَ قَتَادَةُ أَبَا نَضْرَةَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، فِي حَدِيثِهِ هَذَا : أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : يَا نَبِيَّ اللهِ ، إِنَّا حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ ، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ ، وَلاَ نَقْدِرُ عَلَيْكَ إِلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأْمُرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا ، وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ إِذَا نَحْنُ أَخَذْنَا بِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ : اعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ ، وَآتُوا الزَّكَاةَ ، وَصُومُوا رَمَضَانَ ، وَأَعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْغَنَائِمِ ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ : عَنِ الدُّبَّاءِ ، وَالْحَنْتَمِ ، وَالْمُزَفَّتِ ، وَالنَّقِيرِ قَالُوا : يَا نَبِيَّ اللهِ ، مَا عِلْمُكَ بِالنَّقِيرِ ؟ قَالَ : بَلَى ، جِذْعٌ تَنْقُرُونَهُ ، فَتَقْذِفُونَ فِيهِ مِنَ الْقُطَيْعَاءِ ، قَالَ سَعِيدٌ : أَوْ قَالَ : مِنَ التَّمْرِ ، ثُمَّ تَصُبُّونَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ شَرِبْتُمُوهُ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ ، أَوْ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَضْرِبُ ابْنَ عَمِّهِ بِالسَّيْفِ قَالَ : وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ كَذَلِكَ قَالَ ، وَكُنْتُ أَخْبَؤُهَا حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : فَفِيمَ نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللهِ ، ؟ قَالَ : فِي أَسْقِيَةِ الأَدَمِ الَّتِي يُلاَثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ ، وَلاَ تَبْقَى بِهَا أَسْقِيَةُ الأَدَمِ ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ ، وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ ، وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ قَالَ : وَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ : إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ : الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ.

الشاهد قوله (ثُمَّ تَصُبُّونَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ شَرِبْتُمُوهُ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ ، أَوْ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيَضْرِبُ ابْنَ عَمِّهِ بِالسَّيْفِ)

هذه إيقاظة يسيرة في بعض الأمور والمسائل جاءت في هذه الخاطرة على ما اتفق ، وأحب فيها أن أذكر الجديد الذي لم أره في تعليقات الأخوة على هذه المسائل ، وقد ذكرت في هذه الخاطرة العديد من مآثر النبي صلى الله عليه وسلم

وأجد العاطفة تدفعني دفعاً إلى الوقوف عن مخاطبة السفهاء ثم الصلاة والسلام عليه

اللهم صل على الرحمة المهداة

اللهم صل على اليتيم الذي أعطى الدنيا معانيها

اللهم صل على من زعزع أركان الشرك وحطم الأصنام بيده

اللهم صل على من تفطرت قدماه في الصلاة خضوعاً لعظمتك

اللهم صل على من ائتلفت على محبته القلوب المتوضئة بماء الإيمان

اللهم صل على من بكى من أجلنا

قال مسلم في صحيحه 419- [346-202] حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّدَفِيُّ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، أَنَّ بَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ ، حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَلاَ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ : {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} الآيَةَ ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ : {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي ، وَبَكَى ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ ، فَقَالَ اللَّهُ : يَا جِبْرِيلُ ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ، فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ ، وَلاَ نَسُوءُكَ.

أبو جعفر المنصور
07-17-2014, 03:00 PM
الخاطرة الرابعة : شبهات أم دلائل نبوة

للمسلمين شغف بأمر دلائل النبوة إذ أنها من أكثر الأبحاث متعة زيادة للإيمان ، ولكن ما لا يتصوره كثيرون أن كثيراً من الشبه وما يراه بعض الناس مواطن ضعف في الأمة هو من دلائل النبوة ، يظهر ذلك إذا دققت النظر

ولنضرب بعض الأمثلة لأمور رآها الناس شراً وهي خير من وجه

منها مثلاً القتال الذي حصل يوم الجمل وصفين

هذا الضرب من القتال من أقوى الأدلة على أن السنة النبوية محفوظة !

فإن قلت كيف ذاك

قلت لك قد اقتتل الناس ولم يتهم أحد منهم الآخر بأنه وضع حديثاً على النبي صلى الله عليه وسلم لتأييد ما هو عليه بل كان إذا احتج منهم على الآخر بحديث لا تجد من الطرف إلا محاولة تأويل النص وتوجيهه لا تكذيبه

فإذا كان الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم لم يظهر من الصحابة وأفاضل التابعين في مثل هذا الظرف فلا سبيل لظهوره في ظرف آخر

ومثلاً ظهور القاديانية هو جزء من نبوة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيظهر متنبأون كذابون وسيكون له أتباع

ولنأتي لموضوع الخواطر : كثيراً ما يذكر بعض الشباب الذي سيطر على عقله الانبهار بشيء من صور التكنلوجيا الحديثة ، ويحدثك عن سبب تأخر المسلمين وتراجعهم وتقدم غيرهم ثم يفسر بعضهم هذا التقدم (المحصور في عقله في بعض الأمور فقط ) بأنه نتيجة لترك الدين !

وكأنه لا يرى كل تلك الكنائس والحملات التنصيرية وعلى ماذا قامت دولة إسرائيل وما الذي كتب على الدولار ولم يقرأ عن أكثر الأديان انتشاراً في الصين والصلبان التي تملأ أعلام عدد من الدول الأوربية وما يسمى بأحزاب اليمين المتطرف وعدد الأصوات التي يأخذونها في الانتخابات !

ولعله سيقول : هؤلاء كلهم كفار عندك وسيدخلون النار

فيقال : وعلى مذهبنا ومذهبهم سيذهب الملحد للنار هذا ما لا نختلف فيه جميعاً ، وإذا كانت الأديان خرافة فكل خرافة في مقياسك تعيق التقدم لا فرق بين خرافة وأخرى ، وهذا سبب إيراد ما تقدم عليك

غير أن الجديد هنا أن هذا الذي تظنه شبهة هو دليل من دلائل النبوة عند كثير من المسلمين إذ أن نبيهم أخبرهم عن هذه الحال في أحاديث عدة

قال أحمد في مسنده 22397 - حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ، حَدَّثَنَا مَرْزُوقٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْصِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا» . 10 قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ» . قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: «حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ»

وقال أيضاً 5007 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَنَابٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَئِنْ تَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، وَأَخَذْتُمْ بِأَذْنَابِ الْبَقَرِ، وَتَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، لَيُلْزِمَنَّكُمُ اللَّهُ مَذَلَّةً فِي رِقَابِكُمْ، لَا تَنْفَكُّ عَنْكُمْ حَتَّى تَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ وَتَرْجِعُوا عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ»

وقال الطبري في تهذيب الآثار 344 - حدثني عبد الله بن أبي زياد القطواني ، حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني أبو هانئ ، حدثني شفي الأصبحي ، عن عبد الله بن عمرو ، قال : ليأتين على الناس زمان تكون قلوبهم فيه قلوب الأعاجم . فقيل له : وما قلوب الأعاجم ؟ قال : حب الدنيا ، وسنتهم سنة الأعراب : ما آتاهم الله من رزق جعلوه في الحيوان ، يرون الجهاد ضرارا ، والصدقة مغرما

وقال مسلم في صحيحه 7380- [33-2896] حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، وَاللَّفْظُ لِعُبَيْدٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ مَوْلَى خَالِدِ بْنِ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنَعَتِ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا ، وَمَنَعَتِ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا ، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ.

هذا الحديث فيه إشارة إلى أن المسلمين سيعودون إلى دويلات كما كان أن الأمر في بداية الدعوة ، وأن ما كانت تفعله الدول المذكورة من إعطاء الزكاة للوالي ليوزعها على الفقراء أمر سينتهي

وهذه الأحاديث ليس فيها ذكر سبب الوهن فقط دون أي علاج بل في كل مرة يتكلم فيها النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب التراجع يذكر سبباً من أسبابه

قال ابن ماجه في سننه 4019- حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيُّ ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ :
لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا.
وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَؤُونَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ.
وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا.
وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ.
وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ، إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ.

تأمل الفقرتين الأخريين من الحديث جيداً

فإن قيل : أتزعم أن ما في المسلمين بسبب ذنوبهم وهل الكفار عندك قوم صالحون حتى يسلطهم الله على عبيده المسلمين

فيقال : هذا سؤال جيد ، تسليط الكافر على المسلم ليس مكافأة للكافر بقدر ما هو اختبار للمسلم ودعوة له للرجوع إلى الله عز وجل ، ولا ينبغي عند الكلام على الأديان إهمال النظرة الأخروية فالكافر هالك في الآخرة غير أن الموحد إذا عصى ضره ذلك في آخرته فكان من المناسب أن ينبه الموحد بطريقة تجعله يصلح ما بينه وبين الله ولا أشد على المرء من تسلط عدوه عليه ، ثم إن ذلك استدراج للكافر أيضاً ، والمعركة ما انتهت بعد وكل ما يحصل جولات

خذ مثلاً قصة حنين لما أعجب المسلمين كثرتهم هزموا في بداية الأمر حتى يتنبهوا أن النصر ليس من عندهم ، ففي الإرادة الالهية الشرعية لئن يهزم الموحد فيبتهل إلى الله ويتضرع خيرٌ من أن ينتصر انتصاراً يشبه انتصارات غيره ممن يحاربون على الأطماع الدنيوية عمدتهم فيها الاعتماد على قوتهم ، ولن يلبث الموحدون إذا اعتمدوا على هذا المقياس حتى يبطشوا ويصيروا كأولئك تماماً

وهنا إفادة للموحدين أرجع بعدها لمخاطبة أهل الإلحاد ، ويمكن للملحد البقاء هنا !

هذه الإفادة أذكرها من كلام ابن تيمية يبين فيها الحكمة من حصول الهزيمة للموحدين في بعض المواطن وكيف أن هرقل اعتبر ذلك من دلائل النبوة

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العقيدة الأصبهانية ص96 :" وسألهم هرقل عن محاربته ومسألته فأخبروه أنه في الحرب تارة يغلب كما غلب يوم بدر وتارة يغلب كما غلب يوم أحد وإنه إذا عاهد لا يغدر فقال لهم: وسألتكم كيف الحرب بينكم وبينه فقلتم إنها دوال يدال علينا المرة وندال عليه الأخرى وكذلك الرسل تبتلى وتكون العاقبة لها قال: وسألتكم هل يغدر فقلتم إنه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر فهو لما كان عنده من علمه بعادة الرسل وسنة الله فيهم أنه تارة ينصرهم وتارة يبتليهم وأنهم لا يغدرون علم أن هذا من علامات الرسل فإن سنة الله في الأنبياء والمؤمنين أنه يبتليهم بالسراء والضراء لينالوا درجة الشكر والصبر كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له" والله تعالى قد بين في القرآن ما في إدالة العدو عليهم يوم أحد من الحكمة فقال: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}.
فمن الحكم تمييز المؤمن عن غيره فإنهم إذا كانوا دائما منصورين لم يظهر لهم وليهم وعدوهم إذا الجميع يظهرون الموالاة فإذا غلبوا ظهر عدوهم قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قَالُوا لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَأُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وقال تعالى: {الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}إلى قوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} وقال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} وأمثال ذلك ومن الحكم أن يتخذ منكم شهداء فإن منزلة الشهادة منزلة عليه في الجنة ولا بد من الموت فموت العبد شهيدا أكمل له وأعظم لأجره وثوابه ويكفر عنه بالشهادة ذنوبه وظلمه لنفسه والله لا يجب الظالمين.
ومن ذلك أن يمحص الله الذين آمنوا فيخلصهم من الذنوب فإنهم إذا انتصروا دائما حصل للنفوس من الطغيان وضعف الإيمان ما يوجب لها العقوبة والهوان قال تعالى: {إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً} وقال تعالى: {إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تقيمها الرياح تقومها تارة وتمليها أخرى ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تزال ثابتة على أصلها حتى يكون انجفافها مرة واحدة".
وسئل صلى الله عليه وسلم أي الناس أشد بلاء؟ فقال: "الأنبياء ثم الصالحون ثم الأمثل فالأمثل يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه رقة خفف عنه وإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه ولا يزال البلاء بالمؤمن في نفسه وأهله وماله حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة".
وقد قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} وفي الأثر فيما روي عن الله تعالى: "يا ابن آدم البلاء يجمع بيني وبينك والعافية تجمع بينك وبين نفسك" وفي الأثر أيضا: "إنهم إذا قالوا للمريض اللهم ارحمه يقول الله كيف أرحمه من شيء به أرحمه" وقد شهدنا أن العسكر إذا انكسر خشع لله وذل وتاب إلى الله من الذنوب وطلب النصر من الله وبرىء من حوله وقوته متوكلا على الله ولهذا ذكرهم الله بحالهم يوم بدر وبحالهم يوم حنين فقال: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وقال تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}.
وشواهد هذا الأصل كثيرة وهو أمر يجده الناس بقلوبهم ويخشونه ويعرفونه من أنفسهم ومن غيرهم وهو من المعارف الضرورية الحاصلة بالتجربة لمن جربها والأخبار المتواترة لمن سمعها ثم ذكر حكمة أخرى فقال {وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} وذلك أن الله سبحانه إنما يعاقب الناس بأعمالهم والكافر إذا كانت له حسنات أطعمه الله بحسناته في الدنيا فإذا لم تبقى له حسنة عاقبه بكفره والكفار إذا أديلوا يحصل لهم من الطغيان والعدوان وشدة الكفر والتكذيب ما يستحقون به المحق ففي إدالتهم ما يمحقهم الله به" انتهى كلام الشيخ رحمه الله
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في شرح كشف الشبهات ص48 :"

ولا تظن أنه يرد عليه تسليط أهل الشر في هذه الأزمان، فإنه بسبب إضاعته، وإلا دينُ رب العالمين محفوظٌ مؤمِّنٌ بحفظ من يقوم به. ولا تظن أنه يرد عليه إدالة أهل الباطل بعض الأحيان فإنه تمحيصٌ ورفعة وغرور لأهل الباطل"


ويقال أيضاً أن تأخر المسلمين في هذه الأعصار إذا كان دليلاً أنهم على باطل فليكن تقدمهم في الأعصار السابقة دليلاً على أنهم على حق ! وإذا قارنت بين حال المسلمين اليوم وحال السلف من جهة تطبيق الدين تبين لك الأمر على وجهه

على أن التقدم في صناعة معينة خاضع لقاعدة كونية معروفة وهي أن جهد في شيء فإنه ينال النتيجة ، وهذه القاعدة بحد ذاتها دليل على وجود العدل الإلهي

والملاحدة يشبهون صبياً يريد أن يدخن وينهاه أخوه الأكبر منه ، فدخل أخوه اختباراً فرسب فيه ، ودخل آخر مدخن ولكنه قد اجتهد وذاكر فنجح

فقال الأصغر للأكبر : أرأيت المدخن نجح !

فالربط بين نجاح الطالب وتدخينه كربط سخفاء الملاحدة بين كون فلان مثلياً وكون اخترع اختراعاً أو طوره

وإنما الأمر أن هذا الإنسان اجتهد فحاز النجاح وإن كانت عنده سلوكيات أخرى غير مرضية

قال الله تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)


على أن هناك حقيقة هامة وهي أن عامة العلوم الموجودة اليوم هي نتاج تراكم جهود علماء على مدى قرون ، هؤلاء العلماء كانوا ينتمون إلى مجتمعات غير ديمقراطية ! وإلى تلك المجتمعات المتدينة التي يصورها الملحد بأنها تتقاتل دائماً على الدين

فالكل يعرف فضل اليونان في الطب والعلوم الطبيعية مع كونهم كانوا من أكثر الناس إيماناً بالخرافة والأساطير ولهم أطروحات كثيرة مضحكة في باب الإلهيات ، ويكفيك أن أرسطو كان يقول بقدم الأفلاك وأزليتها وخالفه كل من تقدمه ولكن كلامه هذا انتشر فيمن بعده وكانوا يعتقدون صحته بسبب تعظيمهم له وكونه له كلام كثير جيد صحيح في العلوم التجريبية التي تعتمد على الحس والمشاهدة والتحليل ، وهذا عين ما يحصل اليوم لبعض المنبهرين بالتقدم التكنلوجي الغربي والآسيوي ( المتمثل بالصين واليابان ونظيراتها )

ودعني أوقد لك بعض الشموع في طريق المعرفة لتبدد ظلمات الجهل عندك

الشمعة الأولى : التقدم التكنلوجي بحد ذاته دليل على وجود الله عز وجل وفيه نقض لدعوى الأصل الواحد بين الإنسان وغيره من المخلوقات ، إذ أن فيه توكيداً على تميز الإنسان عن باقي المخلوقات بقدرته على الإبداع وقد نصت جميع الكتب السماوية على فضل الإنسان على غيره من المخلوقات ، وفيها توكيد الحقيقة التي في القرآن والسنة أن كل ما في الأرض مسخر لفائدة الإنسان ، وهذا إما أن يكون بطريق مباشر وإما بفعل الإنسان الذي جعل فيه المقدرة عليه ، فمثلاً مضع الطعام نعمة جعلها في الإنسان ، وأما هضمه وتنفسه فأمر يحصل تلقائياً ، وهكذا هي الأمور المسخرة منها ما يعمل بشكل تلقائي لنفع الإنسان ، ومنها ما يحتاج إلى مباشرة وعمل

الشمعة الثانية : التقدم الغربي محصور في أمرين الصناعية التكنلوجية ومقدرتها على الاستفادة من الموارد الطبيعية ، وصناعة الترفيه وهذه الأخيرة ينفق عليها مليارات لو أنفق عشرها على الفقراء في العالم لانتهى الفقر ثم بعد ذلك يحدثونك عن حملات إغاثة ، والسبب في كون صناعة الترفيه ( في الرياضة والفن وألعاب الفيديو ) تحظى بهذا الاهتمام اعتقادهم أن الإنسان بحاجة إلى هذا الأمر وإلى إجمام نفسه ، والذي يعتقده ملايين المتدينين وهم أغلبية في هذا العالم أنهم يحتاجون إلى الدين في حياتهم أكثر من حاجتهم إلى الترفيه وبعضهم ظن أن الأمر متوازي لما هم معلوم من كون الدين الصحيح يسبب للمرء الطمأنينة والراحة ويحدد له هدفاً يعيش من أجله ويجعله يشعر بالترابط مع أقوام آخرين

الشمعة الثالثة : نظرية دارون والأحفورات لا علاقة لها بالتقدم التكنلوجي ولم تضف فيه أي شيء بل هي مجرد بحث في أصل الخليقة ولا يد للإنسان في صنع أي شيء في هذه العملية فهذه النظرية من هذا الوجه تقف على نفس المستوى من التكنلوجيا مع الدين ( في وجهة نظرك ) ، فهي مجرد اعتقاد ! غير أن الدين يزيد بأنه حياة كاملة وتنظيم لهذه الحياة ، فلماذا نراكم تعظمون دارون أكثر من أي مخترع الطيارة والسيارة والكهرباء وجهاز الحاسوب

وماذا لو جاء شخص وزعم أن علم الأحياء أفيون الشعوب وأنه لا فائدة منه في تحقيق تطور فعلي ملموس ، أو على الأقل قال ذلك في نظرية دارون أو نظرية الأكوان المتعددة

الشمعة الرابعة : تقدم الآلة مع ضعف الأخلاق أو عدم وجود مرجعية لها يجعلها أداة للفتك أو الإزعاج فلا بد من الدين لضبط الأمر ، وهذا ما شعر به غربيون كثر أسلموا

الشمعة الخامسة : ألا تجد في المدرسة رجلاً ينجح في الرياضيات ويرسب في اللغة الانجليزية مثلاً وآخر بعكسه ، لماذا لا يكون حال الغرب مع الشرق هكذا ، العلوم الغربية ليست مقتصرة على العلوم التجريبية أو التكنلوجيا أو الطب بل هناك علوم تعنى بالعلاقات الإنسانية كعلم النفس وعلم الاجتماع والواقع أن الدين يضبط ذلك كله ، وخذ مثلاً الولايات المتحدة الأمريكية مع كل ما عندها من التقدم التكنلوجي تعد دولةً فاشلة اقتصاديا فهي من أكثر الدول المديونة في العالم ومرت بأزمة اقتصادية ، وهذا ما لا تجده في أكثر دول الخليج ، والمراد قوله أن التقدم في باب لا يعني التقدم فيها كلها

الشمعة السادسة : التقدم التكنلوجي لا يجيب على الأسئلة الهامة : لماذا نحن هنا وما هو هدفنا وإلى أين سنذهب ؟

الشمعة السابعة : قد يكون عدد من المخترعين ملحدين ، وبعضهم شاذ جنسياً ولكن المؤكد أنه ليس بينهم ملحد عربي كل همه سب الدين

وإليك المفاجأة : يوجد في المملكة العربية السعودية جمعية للمخترعين السعوديين وسجلت براءات اختراع في عدد من الاختراعات ولهم صفحتان على تويتر

فدراسة متون التوحيد لم تؤثر عليهم أثر الحشيش على عقول بعض الملحدين

وهناك المخترعة المصرية المسلمة ليلى عبد المنعم التي حصلت على وسام الاستحقاق من مؤتمر جلوبل بعد توصلها لأكثر من مائة اختراع

وقد قالت بالنص في لقاء صحفي معها :" و للقرآن الكريم فضل كبير في اختراعات عدة مثل حوائط التبيومين مع الحديد المنصهر والساعة الكونية والسبحة الألفية، فقد ساعدني حفظ القرآن في الوصول لهذه الاختراعات وغيرها مثلما توصلت إلى تجربة فيزيائية تثبت قول الله تعالى : " رفع السماء بغير عمد ترونها " فالبحار رغم كروية الأرض لا تسقط منها المياه لأن عليها أعمدة هوائية تضغط بقوة إلهية على المياه حتى لا تسقط"

ولا يوجد في النساء الغربيات أجمع واحدة كهذه المرأة ، ولا أدري إن كانت تعتقد في الكائنات الفضائية التي يعتقد فيها دوكنز هل كانت ستصل إلى هذا

وأيضاً الدكتورة حياة سندي السعودية التي تحفظ القرآن وهي مخترعة معروفة

وقرأت عن شاب مغربي اسمه عبد الله محمد شقرون مزداد قدم 25 اختراعاً ولم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره ، وهو يحفظ القرآن

وأيضاً المخترع السعودي الأعمى مهند أبو دية وهو أعجوبة من أعاجيب هذا العصر وقد أطلق لحيته وصار متطرفاً فيما يبدو !

والواقع أن ليس هذا ما نؤمله بل نؤمل ما هو أعظم ولا زلنا بحاجة إلى المزيد

الشمعة قبل الأخيرة : قد كاتب نصراني مقالاً أسماه ( نعم اللاهوت ) أرجع فيه التقدم الأوروبي لبركة النصرانية ! فالظاهرة نفسها تفسر عدة تفسيرات ، ولو جاء من يدعي أن النفط في دول الخليج الذي جعلهم يعيشون في مستوى عال من الرفاهية يحلم فيه الكثيرون من ( نعم الله ) على الأمة المتشددة ! لكان من الباب نفسه وأكثر منطقية من الربط بين الشذوذ الجنسي واختراع الحاسب

الشمعة الأخيرة : ليس الاستبداد الديني ما يعيق الابداع في نظر الملحد بل الاستبداد السياسي أيضاً

فهل الصين ديمقراطية أم دولة قمعية ؟

ابحث وأعطني النتيجة ، ودعني أحيلك على تقرير منظمة العفو الدولية الذي حذرت فيه من تصاعد حملات القمع في الصين

هذا هو المثال الأول

والمثال الثاني : ما يذكره لك من أن المسلمين مختلفون أو أهل الأديان ومختلفون

فيقال على اختلافهم هم يعتقدون أنك أغبى مخلوق على وجه الأرض ، وهذا الاختلاف لا يبرر لك الإلحاد أو الكفر

أرأيت لو أن شخصين اختلفا في أرض كل منهم يزعم أنها له فهل يكون الحل إنكار وجود هذه الأرض

ثم إن التعددية من القيم الديمقراطية التي تؤمن بها وصراع الأحزاب السياسية وخلافاتهم لو جعلها المرء سبباً للكفر بالديمقراطية وعدم المشاركة فيها لأنكرتم عليه

ولو أن شخصاً ذهب إلى طبيب فشخص له تشخيصاً ثم إلى طبيب آخر فأخبره أن تشخيص الطبيب السابق خطأ ( وما أكثر ما يحصل هذا ) هل سيكون الحل بأن يترك العلاج ويقاطع المستشفيات

ولو قرأ رجل مقبل على دراسة البيولوجيا أو الفيزياء خلاف العلماء في وجود الله واختلاف أنصار نظرية التطور وأضدادها ، فهل سيكون الحل الكفر بعلم البيولوجيا أو الفيزياء أو مهاجمة العلماء من الطرفين

على أن هذا الذي تذكره دليل من دلائل النبوة

إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه من سيعش فيرى اختلافاً كثيراً وأوصى بالمخرج وهو ترك المحدثات واتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين

وكذا في حديث الافتراق أخبر بالأمر

وكذا في حديث الطائفة المنصورة وحديث أنه سيأتي على رأس كل مائة سنة من يجدد للأمة أمر دينها وهذه آية متجددة

ومن رحمة الله بالأمة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبرهم بأنه سيفترقون فقط بل أخبرهم بالمخرج ولكن الهوى هو الذي يبقي على الخلاف

بل اللطيف أن الملحد والليبرالي نفسه دليل من دلائل النبوة !

فكثير منهم منافق يظهر خلاف ما يبطن

قال الله تعالى : (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)

وهذا حالهم في كثير من المجتمعات بل هذه ألفاظهم التي سجلت عليهم في منتدياتهم دعوى أنهم يظهرون الإيمان استهزاءً

وقال الله تعالى : (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ)

أليس هذا حال الملحد أو الليبرالي مع والديه في غالب أحيانه ؟

بل هو إلى اليوم يستخدم مصطلح ( خرافة ) و ( أسطورة )

فسبحان الله العليم بكل شيء

قال البخاري في صحيحه 3276 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ مَنْ خَلَقَ كَذَا مَنْ خَلَقَ كَذَا حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ

وقال مسلم في صحيحه 266- [...] وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ الرُّومِيِّ ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ ، وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى ، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَزَالُونَ يَسْأَلُونَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ حَتَّى يَقُولُوا : هَذَا اللَّهُ ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ؟ قَالَ : فَبَيْنَا أَنَا فِي الْمَسْجِدِ إِذْ جَاءَنِي نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ، هَذَا اللَّهُ ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ؟ قَالَ : فَأَخَذَ حَصًى بِكَفِّهِ فَرَمَاهُمْ ، ثُمَّ قَالَ : قُومُوا قُومُوا صَدَقَ خَلِيلِي.

فهذا السؤال الإلحادي لم يكن مطروحاً في تلك الأيام بل عامة الناس كانوا يؤمنون بوجود ، فظهور من يسألون هذا السؤال دليل من دلائل النبوة والحمد لله

وقال البخاري في صحيحه 3456 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ.

والليبرالية والإلحاد والعلمانية والديمقراطية أول ما ظهرت في أهل الكتاب ثم قلدهم قوم عندنا ، بل والتقليد فيهم ظاهر حتى سموا ( تغريبيين ) فكانوا تصديقاً للحديث النبوي الشامل للكثير من أحوال الأمة اليوم والله المستعان

وقد بين رب العالمين ارتباط النفاق ( الزندقة ) بحب انتشار الفاحشة في أهل الإيمان

قال الله تعالى في سورة النور وهو يتكلم عن المنافقين : (وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِن الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)

وقال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (26) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا)

وما ينادون به من تحرير المرأة والدعوة للاختلاط ثم تطور الأمر في بعض البلدان إلى الدعوة تقنين الدعارة ، مما هو مصداق لهذه الآيات

فسبحان الله العليم بكل شيء

وقال الله تعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)

سبحان الله لم يستطع المنافقون الخروج من سياق المنافقين الأول الألفاظ نفسها أو المعاني نفسها بألفاظ متقاربة

وقال مسلم في صحيحه 6880- [9-...] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَابْنُ بَشَّارٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، سَمِعْتَ قَتَادَةَ ، يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعَهُ مِنْهُ إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ ، وَيَفْشُوَ الزِّنَا ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ ، وَتَبْقَى النِّسَاءُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ.
6881- [...] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ (ح) وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ وَأَبُو أُسَامَةَ ، كُلُّهُمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ بِشْرٍ وَعَبْدَةَ : لاَ يُحَدِّثُكُمُوهُ أَحَدٌ بَعْدِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَذَكَرَ ، بِمِثْلِهِ.

وفشو الزنا والربا في العالم حتى صار منظماً أمر ظاهر

وهذا يكون وجود الليبرالي والعلماني والملحد سبباً لزيادة الإيمان والحمد لله على توفيق( مستفاد )
وأخيراً أختم بالتعليق على كلمة لبعض جهلة الملاحدة يصف فيها الحياة بأنها اختبار صعب وأن رب العالمين وضع اختباراً صعباً ( معرضاً بعدله سبحانه )
أقول : نعم هو اختبار صعب ولكنه جعل لك مدة مفتوحة في الحل طوال عمرك

قال الله تعالى : (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)

وأرسل إليك رسلاً يخبرونك بالأجوبة الصحيحة وأيدهم بالآيات الباهرة ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً )

وأخبرك أنك إذا استعنت به صادقاً فسيعينك ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم )

وأخبرك أن عند الحيرة عليك أن تسأل أهل الذكر ، فلم يجعل الاختبار كاختبارات لا يسمح فيها بالاستعانة بصديق ولها مدة قصيرة بل إنك مهما قلت من كلام الكفر ومهما فعلت من المعاصي إذا تبت توبة صادقة فإنك ستغفر لك كل تلك الذنوب وأما في محاكم الدنيا فتوبتك الصادقة لا ترفع عنك العقوبة في الغالب

أبو جعفر المنصور
08-01-2014, 06:33 AM
الخاطرة الخامسة : ماذا لو كان كلامهم صحيحاً ؟

أبدأ هذه الخاطرة بسرد ثلاثة أخبار هامة في تاريخ العلم ثم التعليق

تحت عنوان 700 عالم يطالبون بحقهم في نقد الدارونية نشر ما يلي

” في الصين يحق لنا نقد الدارونية لكن لا يحق لنا نقد الحكومة، في أمريكا تستطيع نقد الحكومة ، أما النظرية الدارونية فلا”
العالم الجيولوجي الصيني يون يوان شين

(1)

ما يقول البروفيسور يوان شين ليس من المزاح في شيء ، وهو ليس تلاعبا أو بهلونية في الكلام… بل هي حقيقة واقعة تقلق الأوساط العلمية الأمريكية.
هذا ما جعل مجموعة من العلماء على رأسهم هنري “فرتز” شيفر الأستاذ بجامعة جيورجيا والذي رُشح أكثر من أربع مرات لنيل جائزة نوبل يكتبون وثيقة تتعلق بالدارونية. يحتج هؤلاء على فكرة أن تكون الدارونية هي النظرية الوحيدة التي تدرس وتشرح للناس والطلبة أصل وتطور الكائنات الحية . وكان مجموعة من العلماء قد عبروا عن استيائهم من الفكرة التي تقول أن كل رافضي الدارونية هم من المتعصبين الدينيين.
وفي استقتاء أجرته مؤسسة زغبي الأمريكية بطلب من مؤسسة ديسكفري التي تقوم بنشر البرامج العلمية يظهر أن أكثر من 80 بالمائة من الأمريكيين يدعمون فكرة النقد الممكن للنظرية الدارونية على المستوى العلمي. هذا و لم تزد نسبة الذين يطالبون بأن تكون الدارونية هي النظرية الوحيدة التي يجب قبولها على ال 10 بالمائة.

(2)

لا يرتبط نقد النظرية بالدبن بل ثمة علماء يطالبون بفكرة التصميم الذكي كواحدة من النظريات الممكنة.
يطالب هؤلاء العلماء ب”دمقرطة” الموضوع وخاصة في جانبه العلمي والتعليمي.
وتجمع القائمة كثيرا من علماء وأساتذة جامعات في مجالات عديدة منها: البيولوجيا، والفيزيا، والكيمياء، والرياضيات، والجيولوجياـ


(3)

يعاني كثير من الباحثين الجامعيين الشباب من المضايقات بسبب أفكارهم المضادة للدارونية.

يقول جيد ماكوسكو ، وهو باحث شاب في البيولوجية الجزئية في جامعة كاليفورنيا بيركلي ” أعتقد أن الوقت حان للمدافعين عن الداروينية أن يفتحوا حوارا جديا ويتقبلوا النقد العلمي للنظرية، فالعلم لا يمكن أن يتقدم ما دام هناك من يضعون بوابات مراقبة أمام الأفكار الجديدة لمنع وصولها للناس”

وتم توقيع تلك الوثيقة التي تعبر عن رفض الدارونية من قبل مائة عالم في كافة المجالات… من هؤلاء:

البروفيسور هنري شيفر: أستاذ الكيمياء في جامعة جيورجيا.
البروفيسور فرد سيجورث: أستاذ الفسيولوجيا الجزئية والخلوية بجامعة يل
البروفيسور فرنك تبلر أستاذ الفيزيا الرياضية بجامعة تولان
البروفيسور ميشيل بيهي : أستاذ العلوم البيولوجية بجامعة لوهيج وصاحب كتاب “صندوق داروين الأسود”
البروفيسور دين كينيون: أستاذ البيولوجيا بجامعة سان فرنسيسكو
البروفيسور جيمس كيسلنج: أستاذ الرياضيات بجامعة فلوريدا
البروفيسور كارل كوفاك: أستاذ الكيمياء والكيماء الحيوية بجامعة كولورادو
البروفيسور توني جلسما: أستاذ البيولوجيا بدورت كوليج
البروفيسور جيمس كينر: أستاذ الرياضيات بجامعة أوتاه
البروفيسور روبرت ماركس: أستاذ بجامعة واشنطون
البروفيسور لورنس جوستون: أستاذ الفيزياء بجامعة ايداهو
وغيرهم كثيرون…
لمزيد من الأسماء يمكن الإطلاع على المصادر التالية:
القائمة الأولى شملت مائة عالم عام 2001

http://www.reviewevolution.com/press/pressRelease_ 100Scientists.php


أرتفع العدد ليشمل 700 عالم وقعوا الوثيقة عام 2007
تشمل تلك القائمة الجديدة عددا هائلا من علماء الجمعية الوطنية للعلوم في كل من أمريكا وروسيا وتشيكيا … وأيضًا عددا كبيرا من العلماء في مختلف جامعات العالم
أعتبر الحدث تمردا علميا على الداروينية

أقول : يا للهول سبعمائة دفعة واحدة !

وبعضهم يتكلم عن واحد فقط ! ويزعم أن المسألة حقيقة علمية مسلمة مجمع عليها

أن يكون المرء جاهلاً في الدين ويتكلم عنه أمر اعتدنا عليه ، وأما أن يكون جاهلاً بأهم المخاطر التي تواجه نظرية التطور ثم يبني عليها اعتقاداً خطيراً كالإلحاد هذا أمر عجيب

ثم يتحدث بكل ثقة ويتحدى أن يوجد عالم واحد ينكر نظرية التطور

هل سمعت عن رجل اسمه جيري جيرمان

هذا الرجل كان تطورياً وكفر بالتطور لم يستسلم للمألوف والعادة وأعمل عقله ، وصنف كتاباً عن المنشقين شرح فيه الإرهاب الذي مورس ضده من قبل المتطرفين التطوريين الذي يشرح لك بكل وضوح سبب عدم معارضة كثيرين للنظرية مع رؤيتهم عيوبها

وخذ هذا الخبر قائمه من العلماء جمعهم الدكتور جيري بيرجمان (http://creationwiki.org/Jerry_Bergman) صاحب كتاب (Vestigial Organs Are Fully Functional) وصله عددهم الى 3000 من مختلف المجالات يرفضون نظريه التطور ويشككون بها
darwinskeptics.pdf

ثلاثة آلاف لو كتب كل منهم ثلاثة أوراق في نقد التطور لخرجنا بتسع مجلدات ، وهذا القدر أعلم جيداً أن عامة الملحدين العرب لم يقرأوه في حياتهم

وهنا رابط لخبر فيه أن 1000 طبيب يعترضون على نظرية التطور http://www.pssiinternational.com/

فأين ذهبت العقلية التشككية الإلحادية التي تشكك في كل شيء ؟

ماذا لو كان كلام كل هؤلاء صحيحاً ؟

هذا معناه أن الأديان حق وأن مصيرك الخلود في جهنم ؟

وأما اللاأدري فهو يشهد على نفسه أن هناك احتمالاً 50 بالمائة أنه سيخلد في النار

والعقل الذي يقول ( ماذا لو كان الإسلام ليس صحيحاً )؟

ألا يسألك ( ماذا لو كان كل هؤلاء العلماء صادقين والتطور خرافة والإسلام صحيح ؟ )

المسلم قدم له شيئاً أحسن من الإسلام إن وجدت

فالمسلم ليس مستعداً أن يترك دينه من أجل أن يعبد بقرة أو فرج أو إله لا يعرفه ويترك الخالق العظيم الذي له الأسماء الحسنى

وليس مستعداً أن يترك دينه لكي يؤمن بأن هناك شعباً مختاراً لا يبلغ المرء مبلغهم مهما كان حسن الأخلاق والتقوى

وليس مستعداً أن يترك دينه لكي يؤمن بأن الله أو ابنه صلب على خشبة ليكفر خطيئة لم يفعلها

وليس مستعداً أن يترك دينه لكي يؤمن أنه هو والقرود أبناء عمومة ، وأن هذا الكون كله بلا مدبر وجاء بالصدفة وأن الفرق بينه وبين النملة بعض الحظ وأن سمكة خرجت من الماء ولم تمت كانت أصلاً لعامة الأحياء الموجودة

العلم الحديث كائن متغير اليوم يؤكد نظرية وغداً ينقضها قد كان أرسطو ومن معه من الفلاسفة ، قد وصلوا إلى قمة الهرم العلمي التجريبي في زمنهم وآمنوا بأزلية الأفلاك وقلدهم ابن سينا ومثله ، وهب عليهم علماء المسلمين واعتبروا ذلك مناقضاً للنصوص واليوم حتى الملاحدة يعتقدون أن هذه كانت خرافة ، وتمدد الكون صار أمراً قطعياً

فأي عاقل يعلق مصيره على ورقة يانصيب

ولن يترك المسلم دينه ويستمع لرجل يتكلم عن عدل دول تحتفظ بحق الفيتو هي دون غيرها ، وتحتفظ بحق امتلاك الأسلحة هي دون غيرها ، وتخضع لأزمات اقتصادية سببها الربا ، وحالات الإجهاض فيه تبلغ المليون

ولن يترك المسلم دينه الذي يشمل جميع نواحي حياته ليؤمن بنظرية يطعن فيها الآلاف من العلماء ، ثم بعد ذلك تكون حياته سبهللا

ولن يستجيب المسلم لرجل يفاخر بعاهرة ملحدة تساعد مسناً أمام الكاميرات ( بحركة إعلامية واضحة ) ، وينسى من أين أتت بهذا المال الوفير وأنه لا يمكن لامرأة لا تجعل من جسدها متجراً أن تحصل عليه ، وينسى كم ينفق من الأموال على الترفيه وتجارة الأجساد إذ تقدر بالمليارات ولو أنفق عشرها على المجاعات لانتهت ، وينسى هذا الرجل انساناً يكد ويتعب ويقاسم الفقير شيئاً من ماله ومال أبنائه ائتماراً بأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم

ولن يستجيب المسلم لرجل كلما ذكروا ما يحصل للمسلمين من مجازر يقتل فيها الطفل والمرأة والأعزل حدثك عن بني قريظة حيث لم يقتل الأطفال والنساء ! ، وعندما يتم تهجير نصارى في الموصل لا يستحضر محاكم التفتيش وفتكها بالمسلمين والإبادة الجماعة ، وما حصل في المسجد الأقصى على يد الصليبيين( وهذا مجرد إلزام لبيان الازدواجية والمسألة لها بحث علمي آخر )

ولن يستجيب المسلم لرجل يسكت على منع كوريا الشمالية لتداول أي كتاب ديني ، واضطهاد المسلمين في الصين ، وما يحصل في بورما ونيجيريا ، ومنع الحجاب في فرنسا ومنع المنارات في سويسرا وامتهان المرأة في الغرب عن طريق البغاء المنظم وغيره ثم يكلمك عن قيادة المرأة للسيارة

ولن يستجيب المسلم لرجل ينظر إلى مجتمع تظهر فيه الرشوة والفساد الإداري والعصبية القبلية والظلم ، والسرقة من كبار المسئولين ويضعف تمسك عامة أهل هذه البلاد بالدين ، فيربط بين تأخر هذه البلاد والدين الذي يحارب كل هذه الأمور !

ولن يستجيب المسلم لرجل يثني على الضرائب في النظام الغربي التي تؤخذ بشكل شهري وبعضها يؤخذ متعلقاً بالخدمات ولا يعترض على معاقبة تاركها ، ويبرر أنها مقابل خدمات ثم هو يعترض على حكم الجزية الذي يؤخذ كل عام ولا يؤخذ من المقاتلين فقط فلا تؤخذ من الأطفال ولا النساء ولا الشيوخ

ولن يستجيب المسلم لرجل يتهم رجلاً بالشهوانية لأنه تزوج عدة نساء عامتهن بعد أن تجاوز الثالثة والخمسين من عمره ولا يعرف عنه في شبابه في أوج الشهوة زنا ولا خنا وكان لا يصافح النساء ويأمرهن بالاحتجاب وعامة من تزوجهن لم يكن أبكاراً وترك من هن أجمل منهن ، ثم لا يتهم الغرب الذي تتعرى فيه النساء وتظهر فيه الدعارة المنظمة والأفلام الإباحية وغيرها من البلايا لا يتهمهم بالشهوانية

ولن يستجيب المسلم لرجل يربط بين الاختراع والشذوذ الجنسي ! ربطاً غبياً ثم يتناسى أن عامة المخترعين والعلماء المؤثرين في تاريخ البشرية كانوا رجالاً مما يؤيد نظرية التفوق الذكوري على الأنثى الذي يحاربون الأديان من أجله

ولن يستجيب المسلم لشخص لا يرى مندوحة من الشذوذ الجنسي إذا كان برضا الطرفين مع كل ما يسببه من أمراض ، ويعترض على زواج النبي بفتاة بالغة عمرها تسع سنين ( وهذا ثابت طبياً أن البلوغ ممكن في هذا السن) وقد كان برضا أهلها ولم يسبب أي أمراض أو أعراض جانبية ولم ينتقده أحد من أعداء الدعوة ولم يستشكله أحد من أنصارها ، مما يدل على أنه عرف اجتماعي لا يمكن أن نعتدي عليه بما ارتكز في أذهاننا مع أنه إلى عهد قريب لم يكن مثل هذا ظاهرة غريبة أبداً

ولن يستجيب المسلم لرجل يتكلم عن فضل الغرب في اختراعاتهم والتي لا يعطونها لنا إلا بمقابل مادي مما يجعل بائع الخبز له فضل علينا أيضاً ، ثم يجحد فضل الله عز وجل الذي منحه كل النعم

وقول القائل أنه لا يؤمن إلا بالمحسوس معناه أنه لا فرق بين الإنسان والحيوان وأنه لا وجود للتحليل العلمي والاستدلال بالشاهد على الغائب ، فأنت حين تقرأ خبراً في الجريدة لماذا تصدقه ؟

لعلك تثق بالجريدة ويمكن أن تكون كاذبة أو تستدل بقرائن تلحق بالخبر تدل على صدقه أو كذبه ، وكذلك الأنبياء سمعوا من الملائكة والملائكة سمعوا من الله ، فالنقل مصدره الحس ثم هناك قرائن وأدلة دلت على أن الأنبياء لا يكذبون وأن مثلهم لا يمكن أن يأتي بهذا الوحي من عند نفسه

وأزيدك لأقول الأحافير التي تراها من أين لك أنها ليست مزيفة أو تم تزييفها ( وقد وقع هذا أيضاً ) ثم إن المعطيات التي حددت هوية الأحفورة من أين لك أنها معطيات صحيحة ففي النهاية أنت تؤمن بالغيب

والاستدلال بالأحفورة على التطور استدلال بشاهد على غائب كاستدلال المتدينين تماماً

والحلقات المفقودة والأكوان المتعددة كلها غيبيات أنت تؤمن بها

ودعنا من هذا الحوار الحماسي الذي يصطبغ بصبغة الجدل ، ولنتكلم بكلام هاديء فإن باب الجدل حول نظرية التطور قد أشبعه الأخوة ، ولست أعني الكلام عنها بالذات وإنما أتحدث عن منهجية البحث الخاطئة أصلاً

دعني أحكي لك حادثتين تاريخيتين ثم ننتقل إلى نمط ثالث في الحوار

لقد هجم التتر على بغداد وقتلوا في يوم مليون شخص وفي سامراء قتلوا 600 ألف شخصاً في يوم واحد وأذلوا المسلمين إذلالاً عظيماً كانوا يقتلون لمجرد القتل ولإفناء النوع

فإن قلت : ما الفائدة من ذكر هذا

فسأقول : فائدتان

الأولى أن حال المسلمين اليوم قد مروا بما هو مثله في السوء أو قريب منه أو أسوأ واستطاعوا الانتصار فالمسلمون غلبوا التتر فيما بعد وليس هذا الانتصار الحقيقي بل الانتصار الحقيقي أن عامة التتر أسلموا

الفائدة الثانية : التتر لا يؤمنون بأي دين وكان من أطروحات جنكيزخان أن اليهودية والنصرانية والإسلام ليس فيها ما يحتكر الحقيقة بل هي بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين

فيمكن تصنيفهم بأنهم لادينيين وارتكبوا هذه الجرائم بماذا يذكرك هذا

والحادثة الثانية هي استيلاء الصليبيين على المسجد الأقصى الذي إذا ما قورن باستيلاء اليهود اليوم سيظهر فضل اليهود عليهم في عدة نواحي أهمها أن الصليبيين منعوا الصلاة في المسجد الأقصى لقرابة القرن

وانتصر المسلمون بعد ذلك

فلا ينبغي الاغترار بحال المسلمين في حقبة معينة من الزمن أو حال العدو ثم بناء مقدمات نفسية غريبة على مثل هذا

قال الله تعالى : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)

وقال تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)

ويبدو أن هذا الامتحان يرسب فيه أناس من أظهرهم من ينحاز لجانب الأقوى ويتنكر للعقيدة

ولننتقل إلى نقطة أخرى وهي هل تزعم أنك تحترم الإنسان وأنت تسخر من عقيدته ؟

المرء أهم شيء عنده عقيدته فالاستهزاء بها استهزاء به ألا ترى أنني لو قلت ( خرافة التطور ) يحفظك هذا ( يعني يغضبك )

وقد نصت مواثيق الأمم المتحدة على أنه يجب احترام الأديان والعادات العامة لكل مجتمع وهذا معناه أن الملحد العربي مستحق للمطاردة القانونية من أجل سخريته المستمرة التي يهرب به من أي نقاش علمي عقلاني

وأخيراً لنتكلم عن لغز محير وهو ذلك الرجل الذي بلغ الأربعين من عمره ولم يقرأ ولم يكتب ولم يكن معروفاً بالنقاش في الفلسفة اللاهوتية العقلية الجدلية

ثم يأتي بعد ذلك ويأتي بأطروحة متفردة فيها محاورات عقلية عميقة للخصوم مع إرث روحي عجيب

فمن أين جاء بفكرة الأسماء الحسنى التي تجعل العبد مرتبطاً بربه على كل حال ؟

ومن أين جاء بتلك الأدعية الملأى بالضراعة ؟

ولا يوجد في اليهودية والنصرانية مثل ذلك

ومن أين جاء بتلك الأجوبة على شبه منكري البعث والتي ملخصها أن من خلق الخلق من عدم أهون عليه أن يعيده مرةً أخرى ، وله كمال العلم والقدرة والحكمة المقتضية لذلك

ومن أين جاء بذلك الخطاب الاستعلائي الذي يملأ القرآن ؟

والعجيب أن بعض نصوصه تقرأها فكأنها نزلت اليوم وعامتها كأنها تخاطب أقواماً الآن ظهروا

قال الله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ)

كأنه تصف حال الملحد

وقوله تعالى : (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) إِنَّ هَذَا مَا كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ)

كأنه يصف حال الملحد واللاأدري والربوبي

وقوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)

وقوله تعالى : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ? (50))

وقوله تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)

كلها دامغة للربوبي

وسبحان الله كيف يستطيع المسلمون الاقتباس من هذا الكتاب متى ما أرادوا في الكثير من الأمور التي لم يرها محمد صلى الله عليه وسلم


وهو رجل عبقري باتفاق فكيف يورط نفسه بدعوة إلى قراءة وحفظ كتاب هو ألفه وتدبره جيداً فإن ذلك يفضح الكذب بسهولة

وكيف يراهن على جماعة من علماء بني إسرائيل ويظهر جمع غفير منهم يؤيده كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار

وكيف يورط نفسه بالكلام على أحداث غيبية ستحصل في آخر الزمان ، ثم تشكل هذه الأخبار وقوداً إيمانياً لأتباعه في آخر الزمان إذ يرون عامة ما تكلم عنه يتحقق

وكيف تفاعل مع هذه الفكرة فكان زاهداً بالدنيا يتقلل من الأكل والشرب جداً حتى أنه كان يمر عليه الشهر والشهران ولا يوقد في بيته نار ويواصل في الصيام ( وهذا يناقض اتهامه بالشهوانية ) ومقدرته في الجماع مع قلة طعامه آية حقيقية تخرق جميع المعطيات الطبية المعروفة ( وقد نبه على هذا ابن الجوزي في كتاب مشكل الصحيحين )

وكثيرون يعرفون أنه تزوج تسعة ولكن الذي لا يعرفه كثيرون أنه هجرهن شهراً كاملاً وأنه يتركهن في العشر الأواخر للعبادة وهذه أفعال تناقض الشهوانية

وحين قالت له امرأة تزوجها ( أعوذ بالله منك ) عظم اسم الله ولم يقترب منها وطلقها فأين هذا الفعل من الشهوانية

بل ثبت أنه خيرهن جميعاً بين البقاء معه أو مفارقته ، ولا يختلف العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم حرمت النساء في مدة من الزمن واختلفوا هل أحللن له أم لا

وكان يطيل في الصلاة حتى تتفطر قدماه ويحب الصلاة جداً وينام على حصير يؤثر في جنبه ، ويعادي أهله وأقرباءه ويتعرض للإهانة بشكل مستمر حتى أظهره الله على عدوه ، وكان يعيش في حجرات صغيرة وكانت تأتيه فترات لا يستطيع النفقة على أزواجه ويشد الحجر على بطنه من الجوع

وما الذي فعله بالناس حتى أسر قلوب الملايين الذين لم يروه وكلهم يعتقد أنه أفضل مخلوق مطلقاً وبمجرد أن تقص عليهم حادثة كحادثة الإفك أو حادثة توبة كعب تراهم يبكون؟

ولماذا هو الشخص الوحيد الذي يدعو له الملايين في صلاتهم وترتج الآفاق في كل الدنيا بالشهادة له بالنبوة عند كل أذان ؟

وكيف استطاع أن يخلف في أمته رجالاً كالصحابة والتابعين كلما قرأت سيرة رجلاً من أعيانهم رأيت أموراً استثنائية واتفاقاً عجيباً بينهم على الزهد ومحبة القرآن ومحبة الإسلام والدعوة إليه وبذل كل شيء من أجله وكلهم يزعم أنه لا يبلغ عشر معشار ذلك الرجل الأمي ؟


وكيف زرع فيهم أمر الدعوة حتى أنه دينه الأسرع انتشاراً اليوم وجميع المسلمين يفرحون بدخول غير المسلم للإسلام كفرحهم بالعيد أو أكثر ، ولهذا النقاش بين الملحد والمسلم حقيقته أن شخصاً يدعو آخر للخلود معه في الجنة والنجاة من النار وأما الملحد فلا يدعوه لشيء فمصير الملحد والموحد في عقيدة الملحد شيء واحد ؟

ولماذا هذا هو الرجل الوحيد في تاريخ الدنيا الذي خضعت الأقوال المروية عنه إلى منهج نقدي دقيق فجمعت أقواله في كتب معينة ورويت بأسانيد كل رجل يروي كلمة عن هذا الرجل تكتب له ترجمة تذكر فيها المعلومات الكافية عنه ولا يقبل خبره حتى يكون عدلاً ضابطاً ولا يروي ما ينافي الأخبار الأخرى مما رواها الأكثر ولا بد أن تكون متصلة مع قواعد نقدية أخرى ؟


الإجابة على هذه الأسئلة وغيرها هو ما جعل كثيراً من المسلمين إيمانهم عظيم على مدى التاريخ وما يسمى بالإعجاز العلمي أو الإخبار بالغيبيات هذا النوع من الإعجاز خاص بأصحاب الذهن الكثيف ، وأما أصحاب الروح الرقراقة فيكفيهم البحث عن إجابة الأسئلة السابقة وغيرها من الأسئلة

فالعبقريون كثر وهذا العبقري وحده من صنع ما ذكرت ، والعبقرية لا بد ان تصقل بالتعلم والمدارسة والحصول على أطروحة متفردة في علم ما لا بد فيه من تتلمذ على متخصصين وكثرة قراءة ومدارسة فلماذا هذا هو العربي الوحيد الذي استطاع هذا مع كونه أمياً ولم يظهر ذلك منه إلا بعد الأربعين فجاءت أطروحة متكاملة فلسفياً واقتصادياً وسياسياً وروحياً وافقتها أو خالفتها فقد كانت الأساس لبناء امبراطورية عظيمة ، وهي إن زال تماسكها السياسي إلا أن ترابطها الروحي لا زالت آثاره موجودة

ولكي تجد الجواب على هذه الأسئلة اذهب واقرأ القرآن بدون تلك النظرة المسبقة وأي كتاب تفسير معتمد ، واقرأ الصحيحين واقرأ السيرة النبوية واقرأ ما شئت لكي تعرف الجواب على الأسئلة السابقة ، اعتبره بحثاً معرفياً بحتاً

اسمع لقصص الذين أسلموا من الغرب إذ أن تعظم القوم جداً لماذا معظم الداخلين من النساء ؟!

أحسب أنهن لمسن بأيديهن ما يراد بتحرير المرأة

ولماذا هذه الأعداد الهائلة ؟

لماذا لا يرون في الإسلام ما يخالف التقدم أو اضطهاداً للمرأة وهم الذين يعيشون في عالم متحضر ؟

حاول أن تجيب على هذه الأسئلة بأجوبة مقنعة من خلال استماعك لتجارب هؤلاء وتحليلها

ولماذا المواقع الإلحادية تركز الهجوم على الإسلام أكثر من غيره ؟

لا شك أن هذا يشعرنا بالإطراء أمام غيرنا من المتدينين

ولماذا لا زال القرآن يؤثر بأناس من من مختلف المستويات العلمية والثقافية والعرقية

وأخيراً أود التعليق على شيء رأيته في صفحة دوكنز في تويتر ، وهو أنه ذكر من باب نقده للمسلمين أن الخميني جوز اغتضاب الرضيعة

وهذا يبين المستوى العقلي والمعرفي عند هذا المختلف ، ففتيا الخميني هذه أول من أظهرها أهل السنة الذين انتقدوه ، والإمامية الاثناعشرية أقلية في المنتسبين للإسلام وكثير منهم يعترض على هذه الفتيا

إلا أن دوكنز قد ارتكب الكذب وبالنسبة لرجل عواقبي الكذب على الناس ما دام لا يعاقب عليه القانون فلا مشكلة

فالخميني لم يجوز اغتصاب بل جوز زواج متعة

ثم إنه لم يجوز جماعها الذي يفهم من كلمة ( اغتصاب ) وإنما جوز تفخيذ الرضيعة وهذا يختلف عن الجماع بل هو أمر لا يسبب أذى كبيراً ( على حد تعبير دوكنز في أمر التحرش بالأطفال )

ثم أوحى إليه متخلف آخر بالكلام على سن زواج عائشة بالنبي صلى الله عليه وسلم لما أحرجه بعض المسلمين بأن هذه فتيا فردية ولا تمثل إلا الخميني

ولا أدري أي تخلف هذا

يقيس فتاة ناضجة على رضيعة

ويقيس الزواج على الاغتصاب

ولكن من يعتقد أن جده سمكة يخرج منه أي شيء

والكذب على الخميني _ لعنه الله _ أو على المسلمين لا يخرج نظرية التطور من المآزق التي تمر بها ، والرجل جاهل بمسألة مقارنة الأديان ولم يفقه فيها شيئاً فلماذا يتكلم في غير تخصصه

وسواءً أخطأ الخميني أم أصاب فإن ذلك لا يلغي الضرورة الفطرية لوجود إله والتي تجعل الإلحاد منحسراً دائماً

ثم ما فائدة الكلام على الأخلاق والمرجع الحقيقي لها الفطرة التي فطرها الله عز وجل فالكلام فيها إقرار ضمني بوجود الله عز وجل

وقد رأيت بعض الملاحدة يزعم أن بعض القبائل تجيز زنا المحارم ، وهذا كذب فإنها تجيز الزواج وليس الزنا وليس الاغتصاب ولا أحد يجيز الخيانة الزوجية مما يدل على وجود مرجعية أخلاقية موحدة

وبالنسبة لنظرة عواقبية أي علاقة لا يعاقب عليها القانون ولا تسبب ضرر جسدي لكلا الطرفين أو أحدهما لا ينبغي انتقادها

وأخيراً أهنيء إخواني الموحدين بالعيد وأقول تقبل الله منا ومنكم وأتذكر قول الأنوك ( تخيل لو أن الدنيا بدون أديان ) فأقول : ( إذن لن تكون هناك فرحة تغمر قلوب الملايين في آن واحد فرحة العيد )

د. هشام عزمي
08-04-2014, 05:49 PM
هل تسمح لنا يا مولانا أن نأخذ من هذه الخواطر ما يصلح لإخراجه في صيغة فيديوية ؟

أبو جعفر المنصور
08-04-2014, 08:53 PM
حياك الله بالسلام

تفضل ولكن اصبر حتى أكمل

أبو جعفر المنصور
08-04-2014, 11:21 PM
الخاطرة السادسة : مهارة قلب الأدلة ...

في هذه الخاطرة سأعرف القاريء على لعبة فكرية كان ابن تيمية يحب ممارستها وهي قلب الدليل على الخصم ، وهي باختصار تحويل دليل الخصم ضده واعتباره دليلاً لك والتزم شيخ الإسلام أن أهل الباطل في كل دليل عقلي أو نقلي يكون هذا الدليل ناقضاً لقولهم أو مقوياً لقول الخصم من حيث لا يشعرون بشرط أن يكون دليلاً فيه درجة من الصحة أو المصداقية

وقد حاولت أن أقوم بشيء من هذا عند قولي ( شبهات أو دلائل نبوة ) ولكنني الآن سأستخدم هذا الأمر بشكل أدق

فالملحد يستدل مثلاً على صحة نظرية التطور بوجود تشابه بين جميع المخلوقات على صحة التطور

ويقابله المؤمن بالتصميم الذكي بأن هذا دليل على وحدة الخالق فالدي أن أي بمثابة التوقيع للمصمم الذكي وهذا قلب جيد

وأما المسلم فيقول قال الله تعالى : (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)

فالله عز وجل يقول لك في هذه الآية أن هناك قدراً مشتركاً بين جميع الكائنات فلم تأت أنت هنا بجديد ، وخلق الزوجين ووجود النطفة

قال ابن كثير في تفسيره :" { وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) } .
يذكر تعالى قدرته التامة وسلطانه العظيم، في خلقه أنواع [المخلوقات] (4) . على اختلاف أشكالها وألوانها، وحركاتها وسكناتها، من ماء واحد، { فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ } كالحية وما شاكلها، { وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ } كالإنسان والطير، { وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ } كالأنعام وسائر الحيوانات؛ ولهذا قال: { يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } أي: بقدرته؛ لأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ ولهذا قال: { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } "

ثم هذا لا يعني أن الماء لم يختلط به شيء آخر عند تتميم الخلق ، فالطين الذي خلق منه الآدمي ماء وتراب ، فأرجع التشابه لاستواء المادة الأولية عند التخليق

ثم إن الإنسان تميز عن بقية الكائنات بأمور عدة لا يمكن تفسيرها تطورياً ، كوجود اللغات واختلاف الألسنة

قال الله تعالى : ( علمه البيان )

وقال تعالى : (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ)

فجعلها رب العالمين آية ، وكذلك البصمة الوراثية ( بل قادرين على أن نسوي بنانه ) وقد فسره السلف بتحويل يد الإنسان كحافر الحيوان ، وهذا يدل على أن في يد الإنسان شيء زائد

ثم إن التطور لا يفسر خضوع الأنعام للآدمي وتسخير كل شيء في الكون له

فكون الإنسان فيه أمور تشبه الحيوانات دلالة على وحدة الخالق ثم بعد ذلك لينظر في الخصائص التي اختصها به ولو شاء لأذهبها عنه وجعله كبقية الحيوانات وليشكر الله عز وجل عليها

وانظر إلى قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)

الإنسان منتصب القامة ، وصور الآدميين فيه اختلاف بين يفوق أي مخلوق من جنس آخر


وأيضاً يستدل الملحد بمعضلة الشر على عدم وجود الخالق

وهذا من أعظم ما يستدل به المؤمن على ضرورة وجود يوم القيامة لكي يجازى الظالمون بظلمهم

قال تعالى : (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)

ولا تعرف قيمة الخير إلا بوجود الشر فيدل ذلك على وجود الحكمة والإرادة ، ثم إن النصوص في جميع الكتب السماوية تكلمت عن حكمة وجود الشر

ولو أقررنا بوجود الشر ثم أنكرنا وجود الخالق لوصلنا إلى نتيجة محبطة وهي أن الشرير أو الظالم قد ينجو بفعلته !

ولا يمكن أن يحفز الظالم أو الشرير أكثر من هذه النتيجة فتأمل هذا جيداً

وأيضاً يستدل بوجود الأمراض أو المجاعات أو العاهات على عدم وجود الخالق

وهذا بحد ذاته دليل على وجود الخالق عند أهل الإيمان ، لأنه سبحانه بهذا الشكل يبين للآدمي أن سمعه وبصره أو ماله ليس بكده وإنما هو تفضل منه عليه ولو شاء لجعله كأولئك الذين أصابتهم الآفات ، وهذا يدعوه للتواضع والشكر ، فلولا وجود العميان والمرضى والصم لما علم كثير من الأصحاء المبصرين نعمة الله عليهم ولظنوا أن السمع والبصر من ضروريات الحياة كالنفس

ثم إن سبحانه وعد بتعويض المصابين بهذه الأمراض إذا ما صبروا واتقوا أن يجزيهم أجراً عظيماً

ثم إنه أيضاً اختبار للبشر هل يساعد بعضهم بعضاً

قال مسلم في صحيحه 6648- [43-2569] حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ ، حَدَّثَنَا بَهْزٌ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلاَنٌ ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ ، فَلَمْ تَسْقِنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلاَنٌ فَلَمْ تَسْقِهِ ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي.

وكثير من الناس ربما سخط البنات فإذا رأى غيره جاءه ابن معاق حمد الله على أن عنده بنت صحيحة ، وبعضهم يكره كثرة الأولاد مطلقاً

ثم إن هناك تأديبات فردية لبعض البشر الذين يستكبرون فتأتي بعض الابتلاءات لتكسرهم وتعرفهم قدرهم

وأيضاً اعتراضه على بعض الأمور التي يراها لا أخلاقية أو مخالفة للعقل أو الفطرة

هي في نفسها دليل على وجود الله عز وجل فكون الناس جميعاً يعتبرون الكذب أمراً سيئاً والخيانة الزوجية أمراً سيئاً ، وتكذيب الصادقين أمراً سيئاً ، وتعذيب البريء أمراً سيئاً

فهذا بحد ذاته يدل على من وجود من زرع فينا هذه القيم العليا وهو الله عز وجل وقد جاءت جميع الكتب السماوية تؤكد هذا

وحتى اعتراضهم على المعجزات ( واسمها الصحيح الآيات ) هو اعتراض مبني على إقرار بوجود قوانين كونية لا تنخرم فلا مجال للطفرات الخلاقة التي هي بحد ذاتها معجزات وهذا يقتضي وجود مقنن ( الخالق ) وهو سبحانه في الآيات يقول أنا وضعت هذه القوانين ولا أحد يخرمها غيري

ولهذا يعتبر الملحد حسب التعريف الديني من أسوأ الأشخاص

لأنه يكذب الصادقين ( الأنبياء )

ويدعو الناس للهلاك ( الكفر وبعده النار )

وينكر الجميل ( جميل الرب الذي خلقه وميزه )

ويبعد الناس عن اللذة التي من أجلها خلقوا ( لذة العبودية )

ويحدث عند الناس تشويشاً في ترتيب القيم وحقيقتها ( إذ شكك في أصلها )

ويخبرهم أن المظلوم الضعيف إذا كان ظالمه أقوى منه فلن ينفعه الدعاء ( لأن الله غير موجود ) ولن يؤخذ حقه لا في الدنيا ولا في الآخرة وهذا سيؤدي بكثير منهم إلى الانتحار من شدة اليأس

في أمور أخرى تجعل الناس ينظرون للملحد على أنه إنسان خطير وسيء مهما ادعى من ودية

الملحد يقدر الاكتشافات العلمية ولكن لا يسأل نفسه من الذي أودع في الإنسان هذه القدرة من دون بقية المخلوقات !

والملحد يعظم العقل مع أن عقول البشر جعلتهم قابعين في الخرافة على مدى عشرات القرون حتى جاء دارون ! وعقله وحده هو الذي أدرك الحقيقة من دون ملايين البشر فتباً للعقول إلا عقل دارون

والملحد يقول بأن الناس كانوا يعتقدون بأن أرض مسطحة ثم اكتشف العلم خلاف هذا فقد يكون الأمر نفسه مع الرب !

ويقال وقد يكتشف العلم بطلان نظرية التطور

وأما استدارة الأرض فالناس عندنا يعلمون منذ ألف وأربعمائة سنة أنها كروية

قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (6/595) :" وليست السموات متصلة بالأرض لا على جبل قاف ولا غيره بل الافلاك مستديرة كما أخبر الله ورسوله وكما ذكر ذلك علماء المسلمين وغيرهم فذكر أبو الحسين بن المنادى وأبو محمد بن حزم وأبو الفرج بن الجوزى وغيرهم اجماع المسلمين على أن الافلاك مستديرة وقال ابن عباس فى قوله كل فى فلك يسبحون قال فى فلكه مثل فلكه المغزل والفلك فى لغة العرب الشىء المستدير يقال تفلك ثدى الجارية اذا استدار
وقد خلق الله سبع أرضين بعضهن فوق بعض كما ثبت فى الصحاح عن النبى أنه قال من ظلم شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة وقد ذكر ابو بكر الانبارى الاجماع على ذلك واراد به إجماع أهل الحديث والسنة"

وقال أيضاً (5/150) :" اعْلَمْ أَنَّ " الْأَرْضَ " قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا كُرَوِيَّةُ الشَّكْلِ وَهِيَ فِي الْمَاءِ الْمُحِيطِ بِأَكْثَرِهَا "

وليعلم أن الوحي جاء ليتمم مكارم الأخلاق وليعلم الناس كيف يعبدوا ربهم وليبين لهم أموراً من الأخلاق قد تخفى عليهم

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الناس بالمنطق والإقناع وتارة بالترغيب والترهيب

قال أحمد في مسنده 22211 - حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَرِيزٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. فَقَالَ: «ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا» . قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟» قَالَ: لَا. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ» . قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟» قَالَ: لَا. وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ» . قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟» قَالَ: لَا. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ» . قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟» قَالَ: لَا. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ» . قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟» قَالَ: لَا. وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ» . قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ» فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.

وهذا تعليم للعفة وهذه القيمة لو زرعت في قلوب الناس لما حصل الاغتصاب ولا الاعتداء ولا الفضائح ، ولا حتى بالغ أحد في ضرب زوجته لأنه لا يرضى ذلك لأخته مع زوجها أو أمه مع زوجها

وقال البخاري في صحيحه 5305 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وُلِدَ لِي غُلَامٌ أَسْوَدُ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنَّى ذَلِكَ قَالَ لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ قَالَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ

فهذا عالج مرض الشك في نفسه بقياس منطقي

وقال البخاري في صحيحه 6114 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ

قد استقر في نفوس الناس أن إمضاء الغضب دليل على أن رجولة الشخص وقوته ، فعكس النبي صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم وبين لهم أن قهر النفس عند الغضب هو الشدة وهو درس بليغ في الحلم

وقال أحمد في مسنده 9008 - حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»

يمنع الناس من الصدقة خوف ذهاب المال فقال لهم النبي ( ما نقص مال من صدقة ) بمعنى أنك تثاب عند الله ويخلفك خيراً

ويمنع بعض الناس من العفو ظنهم أنه ذل فأبطل هذا وقال لهم ( وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً )

وطلاب الرفعة يبتعدون عن التواضع فأخبرهم أن طريق الرفعة هو التواضع

وهكذا في أخبار كثيرة ، وهذا باب جديد في دلائل النبوة وهو باب التأهيل النفسي الواضح في النصوص الشرعية والذي عليك أن تقنع نفسك بأن رجلاً أمياً بقي أربعين سنة لم يتعلم من أحد شيئاً علمه لوحده ثم طبقه تطبيقاً عجيباً حقق فيه طفرات ( أخلاقية ) لم يشهد التاريخ مثلها ( وها أنا أستخدم لغة تطورية )

وأكتفي بهذه الخاطرة القصيرة وأود لو تعلم الأخوة هذه المهارة الجدلية ( مهارة قلب الأدلة ) وهي مع بعض التمرين تصبح سجية عندك عند الحوارات العلمية الهادفة

المدافع عن الاسلام
08-04-2014, 11:44 PM
الله و اللدي نفسي بيده ان كلامك شافي و كافي لطالب الحق
الله يبارك و يزيد

YaCiine
08-07-2014, 12:54 AM
بارك الله فيك مجهود وخواطر تستحق النظر ..

أبو جعفر المنصور
08-10-2014, 09:04 PM
الخاطرة الأخيرة : حل لغز الهداية !

هذه الخاطرة موجهة للموحدين بالدرجة الأولى ، وهي جواب على سؤال يتبادر إلى الذهن لماذا بعض الناس أمام القليل من الأدلة يذعن للحق وأناس آخرين أمام الآلاف من الأدلة لا يذعن بل تراه يحاول دفع هذا الدليل بأي طريقة

فكل ما يقال فيما يسمى بالإعجاز العلمي تلفيق كل تلك المقالات ومئات بل آلاف الدعاوى والمؤتمرات تلفيق ولا يوجد شيء منها صحيح

غير أن أدلة التطور كلها صحيحة لا تلفيق فيها

ومحمد صلى الله عليه وسلم أخذ تكون الجنين من أرسطو ، والعجيب أنه لم يأخذ منه القول بأزلية الأفلاك وأنه لم يوجد عند العرب أطباء يتكلمون في التشريح على طريقة اليونان إلا بعد ترجمة كتبهم بعد مائتي من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، والمعلومات الدقيقة في الكتب لا يعرفها عوام الناس من القراء فضلاً عن أمي لم يعرف بعلاقة بالطب أو التشريح لمدة أربعين عاماً ، وطب بقراط لم تعرفه العرب إلا بعد الترجمة واقترن ذلك بانتشار معتقدات الفلاسفة بينهم في الإلهيات والتي كانت معدومة تماماً قبل الترجمة مما يقطع طريق أي دعوى لتواصل ثقافي قبل ذلك

وكل تلك الظواهر يمكن مشاهدتها ورصدها بالعين المجردة ولا أدري لماذا تدرس في المدارس إذن

ويمكنك معرفة أن الطفل مخلوق من ماء أمه وماء أبيه بالنظر إلى طفل مجهض وجالينوس كان أعمى إذ لم يدرك ذلك !

وسؤالنا ( من خلق الله ) يهدم مذهب الخلقيين ؟

وسؤال من أين جاءت الخلية الأولى ومن أين اكتسبت صفاتها لا يخدش في الإلحاد أبداً !

ولا نؤمن بمعجزات الأنبياء وإنما نؤمن بمعجزة الصعود إلى القمر حيث أعد مجموعة من البشر المعدات التي دفعتهم إلى القمر ، وتجولوا هناك قليلاً ووجدوا أمراً أعدته لهم الطبيعة يوفر لهم الرجوع من القمر إلى الأرض ! ، وعجيبة هذه المعجزة التي لم تتكرر مرةً أخرى ولكن ما دام وكالة ناسا المقدسة والتي ليس لها أي أغراض أيدلوجية فيما تنشره ذكرته فنحن نؤمن عفواً ( نعلم ) أنه صواب

وليس رحيماً أبداً ذلك الإله الذي يوقد ناراً يلقي بها من كفر به بعد إشهاده في الميثاق أنه إلهه وإيداعه الفطرة ، واشتراطه ألا يعذبه إلا بعد مجيء الرسل الذين يؤيدهم بالبراهين ويحذرونه من النار ، وكونه أعطاه الفرصة طوال عمره للرجوع كل هذا لا يشاهد فيه آثار الرحمة ولا حتى آثار الحكمة التي تقول بأن هذا الإنسان لو خلد في الدنيا لخلد كافراً ساباً لإلهه فاستحق العذاب بما عزمت عليه نيته

وتلك الجنة التي يخلد فيها عباده الصالحون وأعمالهم لا تماثل ما فيها من الثواب لا تقنعني أنه رحيم ، وجعله الحسنة بعشر أمثالها والمصائب كفارات والسيئة لا تجزى إلا مثلها وشرعه الكثير من كفارات الذنوب وجعله الشفاعات يوم القيامة وأمره الملائكة أن يستغفروا للمؤمنين كل هذا غير مقنع

وليس علمياً أن تقول لي أن الرب خلق الخلق وأن هناك معجزات ولكن علمي أن أقول لك بأن أي سمكة تراها في البحر قد تصير سلفاً لإنسان يأتي في المستقبل بعد ملايين السنين وأن نجوم السماء جادت علينا بالكربون المشع

وحينما نتكلم عن زي الغربيات الفاتن للرجال المثير لغرائزهم فإن ذلك من شأنهن ولا ينبغي لأحد الكلام في هذا ، ولكننا نسخر من المسلمات في لباسهن للجلباب ونشبهه بأكياس القمامة

ونسخر أيضاً من نقابها ونقول ( كيف تأكل ) وكأن الأكل لا يكون إلا في الشارع ولكن إذا قامت امرأة غربية بإرضاع طفلها في مكان عام عن طريق ستر ثديها بواق بحيث لا يراه الناس ويتمكن الطفل من لقمه فذلك قمة الروعة

ونسأل لماذا لا تعطى أموال بناء المساجد للمجاعات ؟ ولا نسأل لماذا لا تعطى عشر أموال الملاعب والسينمات والضرائب ومزادات أدوات المشاهير الغبية أو القمح الذي يرمى بالبحر للمجاعات

ولا نسأل لماذا لا يطبق المسلمون الزكاة والصدقة ولماذا لا يطبقون ( ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً )

وحين يتكلم بعض الملاحدة عن القتل الرحيم للأطفال المرضى لا نرى هذا الكلام بهذه البشاعة مع أن الأطفال لم يختاروا المرض ، ولكن حين يأتي الكلام على حد الردة فذلك بشع مع أن المرتد هو اختار ذلك

الذي أريد قوله هنا ( لماذا يفكر الإنسان بهذه الطريقة العدائية للحق ولماذا يصير فكره أحادي الجهة ولماذا يصف شيئاً بأنه خرافة ثم يؤمن بما هو أبعد منه ) ؟

ولماذا غيره ليس كذلك ؟

لماذا إذا كتبت كلمة علم باللغة الانجليزية على ظرف وأدخلت فيه ورقة كتبت فيها حقيقة ما فإنه سيتلقى هذه الحقيقة برحابة صدر ، وإذا كتبت على الظرف ( دين ) باللغة العربية فإنه سيحاول معاكسة هذه الحقيقة بكل ما أوتي من قوة هذا إن لم يهزأ بها

هذا لغز محير للكثيرين خصوصاً المشتغلين في مجال الدعوة وحل هذا اللغز في آية في القرآن الكريم

( سأصرف عن آياتي الذين يستكبرون في الأرض بغير الحق )

إذن السبب في عدم تقبل الحق هو ( الكبر ) وهو الخلية الأولى لمادة الشبهات ! ( لغة تطورية )

والله عز وجل هو الطرف الأقوى في الصراع بين الكفر والإيمان ، وله تقديرات معينة تجعل الأمر ممتعاً ، فكان سبحانه وتعالى إذا كان الناس على درجة عالية من الكبر يقيض لهم رسولاً على صفة تناقض الكبر الذي في نفوسهم ، حتى يصير إيمانهم قضاء على الكبر في اللحظة نفسها

فقوم شعيب كانوا تجاراً وذوي أموال كثيرة وهذه صفة تثير الكبر في النفوس ، فبعث الله لهم نبياً أعمى وهو شعيب

وقد ذكر رب العالمين استهزاءهم به إذ قالوا له ( وإنا لنراك فينا ضعيفاً ) لم يكن غنياً وكان أعمى ولكنه جاء بالحق

وفرعون أرسل له موسى وهارون من القوم الذين كان يستعبدهم ويحتقرهم لأنه كان من أعظم الناس استكباراً

وقد قال فرعون وقومه كما في القرآن (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ)

وقد قال كسرى للنبي صلى الله عليه وسلم كلمةً نحوها بعد أن جاءه كتابه

والنبي صلى الله عليه وسلم كان فقيراً وأمياً وعربياً فكانت الصفة الأولى تمنع طبقة الأغنياء من اتباعه والثانية تمنع طبقة المثقفين المغرورين المتكبرين من اتباعه والثالثة تمنع اليهود من اتباعه

وقد اقترح المشركون على رب العالمين إرسال غيره (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)

ولكن حكمة الله تقتضي أن يأتي الأمر على غير ما يهوون لتواضعوا أولاً ثم يؤمنوا ثانياً

بل كان إيمان الضعفاء بالرسل ابتداءً مانعاً للمتكبرين من الإيمان

قال الله تعالى : (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ)

وقال تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ)

واليوم قد سادت الحضارة الغربية ( إن صحت تسميتها حضارة ) وصار أهلها ينظرون إلى من سواهم نظرة دونية تظهر في سخريتهم وفي فلتات اللسان وإن زعموا أنهم إنسانيون

وكالعادة قد وجد في الوطن العربي من يفتتن بالطرف الأولى كما حصل مع الشيوعية والاشتراكية قديماً حتى تكلف بعضهم الخلط بين الإسلام والاشتراكية حتى إذا سقط الاتحاد السوفييتي وسيطرت الرأسمالية صار كثير منهم من عملاء الرأسمالية

واليوم الأمر نفسه يحصل ويمنع الكثير منهم اتباع الحق أنه سيجعله مضطراً إلى التشبه بالعرب الذين يستقذرهم أو يتبع رجلاً أمياً مات قبل 1400 سنة إنه يفضل أن يكون ابن عم للقرود على ذلك

لقد كان كبار الفلاسفة يعتقدون أن الأفلاك أزلية وجاء العلم الحديث ليثبت أن العجايز والرهبان كانوا أعلم ببداية الخلق من أرسطو وابن سينا

وإذا أنكروا نظرية التطور واعترفوا بعيوبها فهذا يعني أن المشايخ والرهبان والحاخامات الذين لم يدخلوا مختبراً في حياتهم كانوا أعلم منهم كما كانوا أعلم من كثير العلماء الذين اعتقدوا أزلية العالم أو أزلية الأفلاك كأرسطو وآلاف العلماء الذين تبعوه

وهذا تأباه النفوس المتكبرة وتعتبره إهانة عظيمة وهذا يعني أنهم قضوا عمراً يسمون بعض الخرافات علماً وأن بعضهم ينبغي أن يكون بروفسوراً في الخرافة ! التي لطالما زعم أنها متصلة بالأديان

وهذا ما هو سبب ذلك التشنج الشديد أمام أي نقد لنظرية التطور ومنع من يتكلم بالتصميم الذكي والانهيال عليه بالسب والشتم فإن هذا ليس حباً في دارون أو في الإلحاد وإنما هو حب بالنفس التي اكتسبت مكانة علمية من هذا الأمر الذي يراد التشكيك به

وهنا لنقف وقفة : الله عز وجل هو الطرف الأقوى في الصراع غير أنه يترك أعداءه يصنعون ما يريدون استهزاءً بهم ( الله يستهزيء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) لأنهم ضعفاء جداً أمام قدرته والقدرة التي فيهم إنما اكتسبوها منه

وقد كان من حكمته أن تظهر للمتكبرين على لسان من يحتقرون

فلو أخذت بحثاً يشكك في صحة نظرية دارون وكتبت على الغلاف اسم المؤلف العربي

فإن كثيراً من الدكاترة لن يأبه به وربما أطلق كلمات التحقير رأساً لأن الحقيقة لا يمكن أن تأتي من الشرق ، أو على الأقل لا يمكن أن تأتي بدون شهادتهم للمتكلم

وبهذه النفسية يتعامل أولئك الذين ألحقوا أنفسهم بالأمة الأقوى في نظرهم ، أعني الملاحدة العرب فللغة الانجليزية سلطان عجيب على نفوسهم فأي هراء ممكن أن يصدق إذا تكلم به ناطق بالانجليزية مع كونه يحمل شهادةً من جامعاتهم

حتى أنهم يستعيرون حتى طريقة الرد ، إذ لما تكلم زغلول النجار حول النظرية التطور قال بعضهم ( ما دخل الدكتور زغلول الذي يؤمن بأن عمر الأرض ستة آلاف سنة بهذا ) والواقع أن الدكتور لا يؤمن بهذا وإنما ينسب هذا للتوراتيين ولكن لما كان كل ما يستطيعه محاكاة دوكنز وأضرابه أخذ هذه من بعض ردودهم على التوراتيين

وهنا تنبيه السماوات والأرض وما بينهما خلقت في ستة أيام كما في القرآن الكريم غير أن الكائنات الحية بإجماع تأخر خلقها عن خلق السماوات والأرض إذ أن كثيراً منهم يخلط بين الأمرين خلطاً عجيباً ، ومن المشين ألا تكلم نفسك فهم قول مخالفك ثم تذهب تنقده أو تنسبه للكذب

وبإجماع المفسرين هذه الأيام الستة لا تقاس بمقاييس أيامنا المتعلقة بطلوع الشمس وغروبها ، لأنها تقدمت على خلق الشمس

وعوداً على موضوع الخاطرة أقول : رب العالمين يقدر تقديرات تجعل الأمر ممتعاً

من ذلك قوله ( ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ولو رزق المتوكل من حيث يحتسب لتعلق قلبه بذلك السبب

ومن ذلك قوله : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)

فتأخر النصر يختبر صبر المؤمنين ويجعل الكفار يتمادون في غرورهم وهذا يجعل الأمر ممتعاً جداً

ثم إن من حكمته أن يكون الكافر مساهماً في تدمير نفسه ومذهبه ( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار )

وذلك الذي يريد بحثاً في نقد التطور من مجلة معينة هو كمن اقترح على رب العالمين رجلاً من القريتين عظيم

ومن الطريف جداً انتشار الإسلام في بلاد ( عمام الملحدين ) الغربية وانتشاره بين النساء بالذات

والذي أراه أن أكثر شيء خدم انتشار الإسلام هناك

المادية الغربية

والدعاية السيئة ضد الإسلام في الإعلام

فالأولى جعلت الناس متعطشين بفطرتهم إلى ما يسمونه ب( الروحانية ) وقد رأوا انهيار الأخلاق وغيرها من الأمور التي قادتهم للإسلام

وأما الثانية فهي جذبت تعاطفاً مع المسلمين لكل من اكتشف أن القوم يكذبون ، ووفرت مادة دفاعية حاضرة عند كل داعية للإسلام وسرعان ما يتحول هذا التعاطف إلى اعتناق للدين

( يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار )

هذا الممتع في الأمر ، ولهذا الذي أراه أن هذه التقديرات الممتعة مستمرة في الحصول ودائماً سيأتي النصر من محل لم يكن يحتسب ، وستظهر الحقيقة على لسان من لا نتوقع أن تظهر الحقيقة على لسانه

وبما أننا تكلمنا عن الكبر فلا بد أن نذكر موقف إبليس من أبي البشرية حين قال ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) وحال إبليس يتكرر مع كل ملحد ومبطل لا يفهم الحكمة من بعض الأمور فينفي الحكمة كلها ويحارب رب العالمين ، ولما كان إبليس عنده عنده من كون رب العالمين خلق آدم بيديه وكرمه كان من المسعد له جداً أن يكون الإنسان حيوان متطور فقط يجتمع بأصل واحد مع كل البهائم


والآن لننتقل إلى نقطة أخرى

وهي تتعلق بالفقه المقاصدي فإن كثيراً من الناس إذا تكلموا عن مقاصد الشريعة ذكروا حفظها للدين والنفس والمال والعقل والعرض بشكل متوازن تماماً يجفف ينابيع الجريمة ويتوعد عليها بالعقاب الشديد بخلاف الأنظمة الوضعية التي تقوي أسباب الجريمة وتحارب نتائجها والعقوبات فيها ليست بتلك الشدة

ولكن لو كانت تصرفاتنا وانقيادنا للأوامر الشرعية من أجل المصلحة التي نراها كالحفاظ على الجسم من الضرر وحفظ الأنساب وغيرها من الأمور المشاهدة لم يكن هناك كبير فرق بيننا وبين الكائنات الأخرى

المقصد الأساسي من تأدية الأوامر الشرعية تقوية الصلة مع الله عز وجل

فالمرأة التي تلبس النقاب إنما تفعل ذلك لأن ربها يحب أن يراها كذلك ( هناك مقاصد أخرى ) ولكن هذا هو المقصد الأساسي ولأنها تثق بحكمة ربها

والرجل الذي يتصدق بماله فإنه يواسي الفقير ليقوي علاقته مع الله عز وجل

هذا هو الفارق بيننا وبين الحيوانات ، هذا هو الفرق بين ما نذهب إليه وبين الفلسفة النفعية التي تقتضي الاستغناء عن الرجل المسن إذا صار يستهلك الطعام ولا يفيد المجتمع وتقتضي الاستغناء عن الزوجة المسنة إذا فقدت جمالها ولم تعد تستطيع الإنجاب ، والتي تقتضي انعدام سلوك الإيثار لأننا جينات أنانية !

في الواقع أنا أدعو إخواني بكل قوة ألا يحملهم استهزاء الملحدين على الكف عن الشعور بالشفقة عليهم

لقد قرأت تلك الكلمات التي قالها دارون عن كونه لم يعد يستطيع الاستماع بقطعة شعرية بسبب العلم

والواقع أن الشعر والأدب والمعابد كلها خصائص بشرية ومن ( حيون ) الحقيقة البشرية وتمكنت تلك الخرافة من قلبه فإنه لن يستطيع أن يكون بشراً بعد اليوم

من المؤلم أن يعيش المرء في مجتمعات تنظر إليه على أنه فكرة مشوهة لا تجلب سوى التشويش وإذا مات فلن يحزن كثيرون بل سيفرح الكثير ، والمؤمن إذا أصابه نصب في حياته أو في دعوته فإنه يسلي نفسه بالثواب الذي سيجده عند رب العالمين وأما الملحد وخصوصاً في العالم العربي فإنه ينبذ ثم يموت ملعوناً من قبل الناس ، وأحسن أحواله أن يعيش منافقاً ، والواقع أن الكذب لا يضر في المذهب النفعي بل هو أخلاقي أكثر من الصدق الذي يورط !

وعوداً على موضوع الخاطرة ، تقوية العلاقة مع رب العالمين هي المقصد الأساسي الذي تشترك به جميع العبادات ولهذا كان من حكمة الرب إخفاء المصلحة من بعض التشريعات لاختبار انقياد عباده

والتقوى للعبادة كالنفط للصناعة وقد كان من مقصد الصيام تحصيل التقوى ( لعلكم تتقون ) ومن مقاصد الصلاة تحصيل التقوى ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) ومن مقاصد الزكاة تحصيل التزكية والطهر وهي من لوازم التقوى ، والتقوى هي اتقاء ما يغضب الله عز وجل

فهم هذا الأمر يجعلنا ندرك ما هي حقيقة لذة العبادة ويجعلنا نجيب على أسئلة كثيرة تتعلق بعبادات المسلمين ، ويبين لك فرقاً أساسياً بين مقاصد البشر ومقاصد الحيوانات وأهل الكفر

فالله عز وجل إنما خلق البشر لعبادته فمن فعل الأعمال الخيرية يريد بذلك الصيت في الدنيا أو تحصيل راحة نفسية في الدنيا فإن الله عز وجل بكرمه يعطيه منها ولكنه لا يفوز بالآخرة إلا إذا عمل لله عز وجل

قال الله تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)

وهل هذا عادل ؟

نعم عادل جداً بل فيه تفضل لأن الله عز وجل إنما منحك هذه الأعضاء لعبادته ومع كونك استخدمت هذه الأعضاء لمصلحتك الشخصية فإنه يثيبك على هذا بإعطائك كل ما أردت أو شيء مما أردت ، ولكن في الآخرة تحاسب على أنك جحدته وكفرت به

قال مسلم في صحيحه 7191- [56-2808] حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ ، قَالاَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً ، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا.


وأخيراً أود أن أذكر فكرة لما يستغربها البعض وهي أن فكرة نار جهنم تدل على وجود الخالق العظيم بل وعلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

فإن قلت : كيف هذا ؟

قلت لك : الفلسفة الإلحادية تقتضي بأن البشر اخترعوا فكرة الدين لتحصيل الطمأنينة ( وهذا اعتراف ضمني أنه لا طمأنينة إلا بإيمان ) أو ضبط سلوكيات الناس ( وهذا كثير منهم ينكره ) ، وفكرة النار العظيمة التي تحرق البشر هذه فكرة مرعبة تنافي فكرة الطمأنينة

فإن قيل : لعلهم اخترعوها لضبط بعض البشر

فيقال : لو كان كذلك لما ارتبطت بالإيمان بالله ولارتبط النجاة من النار بالسلوك الصالح فقط ، ولكن ربطها بالإيمان بالله يدل على أنها حقيقة من خالق عظيم غضب من الكفر به

وفكرة النعيم الأبدي قد تطمح لها مخيلة البشر ولكن الخلود الأبدي في النار فكرة مخيفة لدرجة أنه لا يمكن أن يفكر بها بشر أو يخترعها من مخيلته من لا شيء

وأما بالنسبة للنبي صلى الله عليه وسلم فحرصه على تشهد عمه أبي طالب مع أن ذلك لن يفيده شيئاً ، وكذلك حرصه على الطفل الذي اليهودي الذي كان يحتضر

بل شهادته على عمه بالنار وقوله ( إن أبي وأباك في النار ) مع ثنائه على مريم وعلى أم موسى وعلى زوج فرعون آسية

هذه هي خاطرتي الأخيرة والتي سأغادر المنتدى بعدها إن رغب الأخوة في استمرار الخواطر فليخبروني

د. هشام عزمي
08-11-2014, 04:26 AM
طبعًا لا نرغب في مغادرتك المنتدى يا مولانا :) .. لكني عندي سؤال : أين ورد أن نبي الله شعيب عليه السلام كان أعمى ؟

أبو جعفر المنصور
08-11-2014, 03:34 PM
بارك الله فيك

سأذكر أسبابي في مقالي الأخير

وكون شعيباً كان أعمى قد ورد ذلك عن ابن عباس في تفسير ابن أبي حاتم وعن سعيد بن جبير في تفسير الطبري والأصح على سعيد

وقد سماه مالك وسفيان ( خطيب الأنبياء ) لأنه كان من أبلغ الأنبياء في ردوده على قومه

وذهب بعض السلف إلى أنه أرسل إلى قومين معاً أصحاب الأئيكة وقومه الأصليون

عَرَبِيّة
08-11-2014, 04:04 PM
لا تغادرنا أخانا، إلاَّ إن أدرتَ التفرُّغ للطلب ثُم العوْدة بجديد نفائس فعذرك معك،
أمَّا أن تعتزلنا فهذا يعز على أحدنا ما علم علمك وأسلوبك زادكَ الله وباركك. وفقكَ الله أينما كنت دعواتنا بظهر الغيب تشملك إن شاء الله مهما كان قرارك أُخيَّ.

التوحيد غايتي
08-11-2014, 05:35 PM
جزاكم الله عنّا خيرا
الخاطرة الأخيرة مسّتني بشكل مباشر ، نسأل الله الهداية والثبات
وأرجو منكم -فضلا- إرشادًا لمن ابتلي بوساوس العقيدة ، ولا يدري إن كانت شبهات أم وساوس أم ماذا بالضبط لأنّها مرّات لا تذهب بالإطلاع والقراءة في كتب العقيدة بل مرات تزيد.
وماذا تنصحون من ابتلي بذلك في باب طلب العلم الشرعي ، لأنّه يخشى من الكفر والإلحاد والضياع والله المستعان ...

وجزاكم الله خيرا وجعلكم مُباركين أينما حللتم

أبو جعفر المنصور
08-11-2014, 05:42 PM
جزاكم الله عنّا خيرا
الخاطرة الأخيرة مسّتني بشكل مباشر ، نسأل الله الهداية والثبات
وأرجو منكم -فضلا- إرشادًا لمن ابتلي بوساوس العقيدة ، ولا يدري إن كانت شبهات أم وساوس أم ماذا بالضبط لأنّها مرّات لا تذهب بالإطلاع والقراءة في كتب العقيدة بل مرات تزيد.
وماذا تنصحون من ابتلي بذلك في باب طلب العلم الشرعي ، لأنّه يخشى من الكفر والإلحاد والضياع والله المستعان ...

وجزاكم الله خيرا وجعلكم مُباركين أينما حللتم

الوساوس أمر سلبي يشكك ولا يثبت لهذا لا ينبغي تصديقها

طلب العلم من مصادره الأصلية هو الحل من المصادر الأعلى القديمة الكتب المسندة وكتب ابن تيمية وابن القيم والتي ينفر منها كثيرون العلم الأسهل والأقوى في هذه لا في كتابات المعاصرين

هذه دعوى كبيرة أدعيها تناقض السائد ولكنها الحقيقة التي اكتشفتها بعد سنين

وكما قال ابن تيمية لابن القيم ( لا تجعل قلبك للشبهات كالسفنجة )

اسألوا الله عز وجل الهداية والتوفيق بكل صدق وستكتشف بعد ذلك أن هذه منة من الله عز وجل أن جعل لك سبباً لك لطلب العلم وطلب الهداية

والحرص كل الحرص على التقرب لله عز وجل بأعمال خفية لا يراها الناس خصوصاً الصدقة فإنه يثيب على هذا اليقين

فالمحن تستحيل منحاً والشبهات تتحول إلى يقين ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا)

أبو جعفر المنصور
08-12-2014, 03:28 PM
عندي إلحاقان يتعلقان بمسألة قلب الأدلة

الأول : هو أن خلق النار دليل على الرحمة ! وقد قال سفيان بن عيينة ( أن الله عز وجل خلقها رحمة يخوف بها عباده )

ولعل ساخراً سيسخر بهذا الكلام

غير أن كثيراً من البشر لا ينتهون عن الشر إلا بوجود عقوبات شديدة وصارمة ولهذا القوانين الحديثة لا تخلو من العقوبات

فإن قيل : لماذا لا يكون هذا العقاب تهديداً فقط ولماذا لا يكون مؤقتاً ؟

فيقال : الإله لا يكذب والكذب لا يناسب الألوهية وإذا كذب في العقاب كان يمكن أن يكذب في الثواب أيضاً ، وأما كونه مؤقتاً فهذا لا يفي بغرض الترهيب لبعض النفوس الطاغية ولهذا اليهود لما قالوا ( لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات ) كانت سمتهم الغدر والخيانة وغيرها من الصفات السيئة

الإلحاق الثاني يتعلق بذكر الملاحدة لاختلاف الأديان كدليل على بطلانها كلها

ويمكن قلب هذا الدليل بأن يقال أن كثرة الديانات واعتناق الغالبية العظمى من البشر لها على مر التاريخ يدل على وجود غريزة التدين في الناس ( وهذا ما أثبتته الدراسات النفسية ) وهذا يوجه ضربة قاضية للإلحاد وأما اختلافها فقد ذكر الله عز وجل لذلك عدة أسباب منها تدخل الشياطين وغلبة الحسد والبغي والكبر على بعض النفوس ، وكثير من البشر إنما يمنعهم من اعتناق الحق جهلهم به

لهذا قال رب العالمين لنبيه في آخر سورة نزلت من القرآن وهي سورة التوبة بعد آيات القتال ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون )

المهم أن البشر بطبيعتهم نزاعون إلى الإيمان بقوة عليا تحركهم وبحياة غيبية وهذا موطن الحجة سواءً كانت هذه الحياة الغيبية حقيقة أو شيء قارب الحقيقة

أبو جعفر المنصور
08-19-2014, 11:50 PM
خاطرة جديدة : كيف يفكر المتدينون ؟

بعد الترحاب الذي غمرني به الأخوة جزاهم الله خيراً ، بدا لي أن أكتب هذه الخاطرة كتوكيد للبقاء في هذه الشبكة

هذه الخاطرة تشرح للملحد أو اللاديني كيف يفكر المتدين تجاه بعض الشرائع ، التي يجد فيها إشكالاً ومناقضة للمعقول أو للمألوف عنده

وبهذا الاعتبار تكون هذه الخاطرة تثقيفية لهذه الفئة من الناس

ليعلم أولاً أن حكمنا على الأمور قد يتأثر بما نشأنا أو بفكرة مسبقة أو بطريقة طرح معين فلا تثق دائماً بإنصاف أحكامك على الأمور قبل أن تفهم ما وراءها

لا ينبغي سؤال المتدين من ملحد ( لماذا تحرمون كذا )؟ أو ( لماذا تستحبون كذا ؟ ) لأن هذا هو قفز عن موطن النزاع وعن الفكرة الأساسية إلى فكرة فرعية ،فإذا لا تؤمن بوجود قوة عليا تصدر الأوامر فلا فائدة أصلاً من مناقشة تفاصيلها لأن تهيؤك النفسي للاعتراض يجعلك تعترض على ما لا يكون الاعتراض مبرراً حقاً وعند شرحي لكيفية تفكير المتدين ستعلم أن البحث الأساسي هو في إثبات وجود إله أو لا

عليك أن تفهم أن المتدين يبصر الأوامر الشرعية باعتبار عدة أمور

الأول : أن الله عز وجل هو خالق هذا الكون وهو المالك له ، والمالك له حق التصرف في مملوكه ببداهة العقول

قال إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ قَالَ: مَا نَاظَرْت بِعَقْلِي كُلِّهِ أَحَدًا إلَّا الْقَدَرِيَّةَ، قُلْت لَهُمْ: مَا الظُّلْمُ؟ قَالُوا أَنْ تَأْخُذَ مَا لَيْسَ لَك، أَوْ أَنْ تَتَصَرَّفَ فِيمَا لَيْسَ لَك، قُلْت: فَلِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ

تأمل قوله ( بعقلي ) فالرجل عقلاني !

ثم إنهم يؤمنون بأن هذا الإله حكيم إذ لا يعقل أن خالق هذا الكون العجيب لا يكون كذلك وقد أظهر لهم من حكمه ما أبهرهم فلهذا ينظرون لأوامره بهذه العين

وقد رأوا أنه سخر هذا الكون كله لهم ، وأنعم عليهم نعماص عظيمة

فمثلاً لو أصابتك سعلة أو أي مرض وجاءك شخص ليس طبيياً ولم يعالج أحداً قبلك وذكر لك وصفة ما فيها شيء من الغرابة لن تنظر إليها نظرك لوصفة طبيب تعلم حرصه عليك وخبرته في الطب فإنك ستتقبل منه وصفةً أكثر غرابة ولن يكون سؤالك له عن معايير هذه الوصفة وكيفية علاجها لمرضك إلا من جهة زيادة العلم وإلا فأنت ستمتثل رأساً

ونظرة المؤمنين إلى خالقهم أعظم من نظرة الرجل العادي المريض إلى الطبيب الحاذق الشهير

فهنا دلالة صفة الملك عقلية على التسليم ، ودلالة صفة الحكمة والمحبة عقلية عاطفية على التسليم

الأمر الثاني : أن الخالق عندهم على كل شيء قدير ، والإيمان بالقدرة مفتاح للتسليم

فإن قلت كيف هذا ؟

قلت لك : آمن إبراهيم أن الله عز وجل لو شاء لأهلك ابنه الذبيح بمرض أو حادث أو أي شيء ولكن لما أمره بذبحه فإنه أراد بذلك أن يجعل في الأمر تكريماً واختباراً لإبراهيم مع العلم أن الذبح لم يتم وأن فداه بذبح عظيم

ونحن نؤمن أن الله عز وجل لو شاء لأهلك الكفار جميعاً أو أقام يوم القيامة أو ابتلى رؤوسهم بأمراض فتاكة ولو شاء لأخرسهم عن إلقاء الشبهات ولكنه أبقى على ذلك كله امتحاناً لنا ولصبرنا على الجهاد بنوعيه

قال الله تعالى :" تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآَتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ"

قال ابن تيمية في الجواب الصحيح (1/88) :" وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَعْدَاءِ الْأَنْبِيَاءِ مِنَ الْمُجْرِمِينَ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، الَّذِينَ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا إِذَا أَظْهَرُوا مِنْ حُجَجِهِمْ مَا يَحْتَجُّونَ بِهِ عَلَى دِينِهِمُ الْمُخَالِفِ لِدِينِ الرَّسُولِ، وَيُمَوِّهُونَ فِي ذَلِكَ بِمَا يُلَفِّقُونَهُ مِنْ مَنْقُولٍ وَمَعْقُولٍ - كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ ظُهُورِ الْإِيْمَانِ الَّذِي وَعَدَ بِظُهُورِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ بِالْبَيَانِ وَالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ ثُمَّ بِالسَّيْفِ وَالْيَدِ وَالسِّنَانِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25] .
وَذَلِكَ بِمَا يُقِيمُهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَ الْآيَاتِ وَالدَّلَائِلِ الَّتِي يَظْهَرُ بِهَا الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْخَالِيَ مِنَ الْعَاطِلِ، وَالْهُدَى مِنَ الضَّلَالِ، وَالصِّدْقَ مِنَ الْمُحَالِ، وَالْغَيَّ مِنَ الرَّشَادِ، وَالصَّلَاحَ مِنَ الْفَسَادِ، وَالْخَطَأَ مِنَ السَّدَادِ، وَهَذَا كَالْمِحْنَةِ لِلرِّجَالِ الَّتِي تُمَيِّزُ بَيْنَ الْخَبِيثِ وَالطَّيِّبِ. قَالَ تَعَالَى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: 179] .

وَقَالَ تَعَالَى: {الم - أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ - وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ - أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [العنكبوت: 1 - 4] .
وَالْفِتْنَةُ هِيَ الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ، كَمَا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: {إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الأعراف: 155] .
أَيِ امْتِحَانُكَ وَاخْتِبَارُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ خَالَفَ الرُّسُلَ وَتَهْدِي بِهَا مَنِ اتَّبَعَهُمْ.
وَالْفِتْنَةُ لِلْإِنْسَانِ كَفِتْنَةِ الذَّهَبِ إِذَا أُدْخِلَ كِيرَ الِامْتِحَانِ، فَإِنَّهَا تُمَيِّزُ جَيِّدَهُ مِنْ رَدِيئِهِ، فَالْحَقُّ كَالذَّهَبِ الْخَالِصِ، كُلَّمَا امْتُحِنَ ازْدَادَ جَوْدَةً، وَالْبَاطِلُ كَالْمَغْشُوشِ الْمُضِيءِ، إِذَا امْتُحِنَ ظَهَرَ فَسَادُهُ.
فَالدِّينُ الْحَقُّ كُلَّمَا نَظَرَ فِيهِ النَّاظِرُ، وَنَاظَرَ عَنْهُ الْمُنَاظِرُ، ظَهَرَتْ لَهُ الْبَرَاهِينُ، وَقَوِيَ بِهِ الْيَقِينُ، وَازْدَادَ بِهِ إِيْمَانُ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَشْرَقَ نُورُهُ فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ.
وَالدِّينُ الْبَاطِلُ إِذَا جَادَلَ عَنْهُ الْمُجَادِلُ، وَرَامَ أَنْ يُقِيمَ عُودَهُ الْمَائِلَ، أَقَامَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَنْ يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ
فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ، وَتَبَيَّنَ أَنَّ صَاحِبَهُ الْأَحْمَقَ كَاذِبٌ مَائِقٌ، وَظَهَرَ فِيهِ مِنَ الْقُبْحِ وَالْفَسَادِ، وَالْحُلُولِ، وَالِاتِّحَادِ، وَالتَّنَاقُضِ
والْإِلْحَادِ، وَالْكُفْرِ، وَالضَّلَالِ، وَالْجَهْلِ وَالْمُحَالِ، مَا يَظْهَرُ بِهِ لِعُمُومِ الرِّجَالِ أَنَّ أَهْلَهُ مِنْ أَضَلِّ الضُّلَّالِ، حَتَّى يَظْهَرَ فِيهِ مِنَ الْفَسَادِ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ أَكْثَرُ الْعِبَادِ، وَيَتَنَبَّهُ بِذَلِكَ مِنْ سِنَةِ الرُّقَادِ مَنْ كَانَ لَا يُمَيِّزُ الْغَيَّ مِنَ الرَّشَادِ، وَيَحْيَا بِالْعِلْمِ وَالْإِيْمَانِ مَنْ كَانَ مَيِّتَ الْقَلْبِ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِيِنَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ، فَإِنَّ مَا ذَمَّ اللَّهُ بِهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي كِتَابِهِ مِثْلُ تَكْذِيبِ الْحَقِّ الْمُخَالِفِ لِلْهَوَى، وَالِاسْتِكْبَارِ عَنْ قَبُولِهِ، وَحَسَدِ أَهْلِهِ، وَالْبَغْيِ عَلَيْهِمْ، وَاتِّبَاعِ سَبِيلِ الْغَيِّ، وَالْبُخْلِ، وَالْجُبْنِ، وَقَسْوَةِ الْقُلُوبِ، وَوَصْفِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِمِثْلِ عُيُوبِ الْمَخْلُوقِينَ، وَنَقَائِصِهِمْ، وَجَحْدِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ صِفَاتِ

الْكَمَالِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ الَّتِي لَا يُمَاثِلُهُ فِيهَا مَخْلُوقٌ، وَبِمِثْلِ الْغُلُوِّ فِي الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْإِشْرَاكِ فِي الْعِبَادَةِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْقَوْلِ بِالْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ الَّذِي يَجْعَلُ الْعَبْدَ الْمَخْلُوقَ هُوَ رَبُّ الْعِبَادِ، وَالْخُرُوجِ فِي أَعْمَالِ الدِّينِ عَنْ شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَالْعَمَلِ بِمُجَرَّدِ هَوَى الْقَلْبِ وَذَوْقِهِ وَوَجْدِهِ فِي الدِّينِ مِنْ غَيْرِ اتِّبَاعِ الْعِلْمِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ، وَاتِّخَاذِ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ، وَالْعُبَّادِ أَرْبَابًا يُتَّبَعُونَ فِيمَا يَبْتَدِعُونَهُ مِنَ الدِّينِ الْمُخَالِفِ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31] .
وَمُخَالَفَةِ صَرِيحِ الْمَعْقُولِ وَصَحِيحِ الْمَنْقُولِ، بِمَا يُظَنُّ أَنَّهُ مِنَ التَّنَزُلَّاتِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْفُتُوحَاتِ الْقُدْسِيَّةِ، مَعَ كَوْنِهِ مِنْ وَسَاوِسِ اللَّعِينِ، حَتَّى يَكُونَ صَاحِبُهَا مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: 10] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] "

وقال السعدي في تفسيره وهو يعدد فوائد قصة طالوت مع بني إسرائيل :" ومنها: أن الحق كلما عورض وأوردت عليه الشبه ازداد وضوحا وتميز وحصل به اليقين التام كما جرى لهؤلاء، لما اعترضوا على استحقاق طالوت للملك أجيبوا بأجوبة حصل بها الإقناع وزوال الشبه والريب"
الأمر الثالث : أن الأمر بالشيء شرعاً لا يعني أنه خال من المفسدة ، بل ذلك يعني أن مصلحته راجحة على مفسدته ، وفي الأوامر الشرعية ما هو من المفسدة تماماً

( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ) وما عاب عليهم رب العالمين كراهية مشقته لأنه أمر فطر عليه الناس ولا معيب فيه

وأن النهي عن الشيء شرعاً لا يعني أنه لا مصلحة فيه بل يعني أن مفسدته طاغية على مصلحته

قال الله تعالى : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)

ولولا ما في بعض المعاصي من اللذة لما كان في الأمر اختبار ، وهنا نعرض لمسألة الوازع الشرعي والوازع الطبعي

يقول العلماء المسلمون : ( كلما ضعف الوازع الطبعي قوي الوازع الشرعي )

فإن قلت : ما معنى هذا ؟

قلت لك : أن شرب البول محرم ، وشرب الخمر أيضاً محرم ولكن شرب الخمر فيه حد وشرب البول ليس فيه حد ، والسبب في ذلك أن الطبع يميل إلى شرب الخمر لما فيها من اللذة والنشوة بخلاف شرب البول فالوازع الطبعي فيه كاف

وكذا الأمر في السرقة ، والزنا والقتل كلها جعلت فيها الحدود أو القصاص ( وهذا في القتل ) ، لضعف الوازع الطبعي فيها في أحوال معينة

في حال الغضب بالنسبة للقتل

وفي حال الشبق بالنسبة للزنا

وفي حال العازة المادية أو الرغبة في الثراء السريع بالنسبة للسرقة

فجاء الوازع الشرعي قوياً في ذلك ليحدث نوعاً من الموازنة

وأيضاً عند الحكم على ظاهرة ما لا يكفي أن تأتيني بالشذوذ فالشذوذ لا يلغي القاعدة فتجاوز الإشارة الحمراء مع النجاة لا يعني أن الأمر آمن ، وكذلك خلوة المرأة مع الرجل أو حتى سفره إلى بلدان ينتشر فيها الخنا مع ضعف تدينه لغير غرض معتبر شرعاً فحتى لو أسلم على يده أحدهم ، فإن النظر إنما يكون للعموم لا للأفراد ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح

الأمر الرابع : أن المصلحة في نظر المتدينين ليست مقتصرة على الماديات بل لها تعلق بالقلب

فعلى سبيل المثال سرقة دينار من رجل يملك الملايين ربما لا يأبه بهذا الدينار ، وشراء لحم حلال بذلك

هل فيه أي أثر سيء على الصحة أو على الاقتصاد أو على نفسية المسروق منه ؟

بل في الشريعة إذا قبض فلن تقطع يده لأن الدينار المعاصر لا يبلغ النصاب

إنما أثره الأسوأ على قلب ذلك السارق الذي خالف أمر ربه وربما تطور به الأمر إلى ما هو أكبر ، وهذا أمر يراعى حتى في القوانين الوضعية ، بل إن المدرس إذا وجد مع الطالب أوراق يغش منها فلن يهمه إذا كان ما في هذه الأرواق جاء في الامتحان أو لم يأتِ وإنما البحث في المبدأ

ومن هذا تفهم ما ذكره رب العالمين من تحريمه على بني إسرائيل بعض الطيبات ، فإن ذلك كان عقوبة لعتوهم وتأديباً لهم وتعليماً لهم الصبر وفي هذا من المصلحة ما يفوق مصلحة تناول الطعام الطيب والذي لن يموت إذا ترك بعض أصنافه

الأمر الخامس : أن المصلحة في نظر المتدين لا تقتصر على الدنيا فقط بل هي متعلقة بالآخرة التي يؤمن بها ، فإنه يرى أن ربه لو أمره بما يضره مائة بالمائة ولا يعود بالنفع على أحد في مقابل أن يثيبه جنة الجلد لرأى أن تلك صفقة رابحة ، والواقع أن من رحمة الله عز وجل أنه لا يوجد أمر كذلك

بل يعتقد المتدين أن كل خير في الأمور المحرمة أودع رب العالمين مثله في المباحات لمن طلبها

وهذا أمرٌ يعتمد المعالجون النفسيون فإن بعض الناس إنما يحمله على إدمان التدخين الشعور بالتنفيس والراحة ، وكذلك استماع بعضهم للموسيقى الصاخبة وغيرها من الأمور

وربما استدل بعض المقيمين على الظواهر السيئة بما يجدونه من سعادة عند ممارستها ، كما كانت العرب قديماً تمدح الخمر بأنها تجعل المرء كريماً وشجاعاً ولكنهم لم يلتفتوا إلى مفاسدها

قال الشاعر الجاهلي عمرو بن كلثوم في الخمر

ترى اللحس الشحيح إذا أمرت *** عليه لماله فيها مهيناً

وهذه في المقاييس الأوربية حماقة وهي إنفاق المال بلا قيود ولكن هكذا كان يشعر الرجل العربي القديم في أوج جاهليته

وفي السياق السابق أقول : يخضع المرء في هذه الحياة لوظائف يلتزم فيها الإنسان بأمور ربما لا يقتنع فيها خصوصاً في العسكرية من أجل الأجر الدنيوي ، وفي هذا سياق يعمل المتدين في أمور يعلم حكمتها ولثواب لا يمكن تخيله

الأمر السادس : أن المتدين يعتقد أن الرب يخفي بعض الحكمة لحكمة اختبار التسليم

فالإنسان يأكل ويشرب ويناكح لفائدة يراها ، وربما ترك الخمر أو كثير من المحرمات لضررها على جسده ، فكان لا بد لأقوياء الإيمان من أمر يميز ظواهرهم كما تتميز بواطنهم

فجاءت عبادات عظيمة ذات أجر عظيم كالصلاة والصيام والحج ، ولها ثمرة يحسها أهل الإيمان حيث يحسون بالقرب من الله عز وجل وهذا يضفي عليهم من السعادة ما لا يمكن وصفه

والمرء أمام الأوامر الشرعية يراها على طبقات

منها ما تدرك مصلحته ببداهة العقل والفطرة

ومنها ما يدرك مصلحته بتنبيه خارجي فإذا عقل الحكمة منه صار كالأول بالنسبة له

ومنها ما يدركه بعض البشر دون بعض ويحتاج إلى تأمل وتفكر وهذا عند التقاء البشر وتبادل الخبرات بينهم يرتقي إلى الطبقة السابقة ثم إلى الطبقة الأعلى

ومنها ما تخفى حكمته غير أنه لا يكون له ضرر ظاهر على أهل الإسلام ،غير أنه إن خفيت حكمته المادية على الناس فحكمته الروحية ظاهرة لمن يمتثله من الناس ويرى لذلك أثراً

والأوامر الشرعية لا تخرج عن هذه الطبقات الأربع ، وهذا أمر ظاهر في الحقائق الدنيوية كلها ولو كان الإنسان ببداهة العقل يدرك كل شيء لما احتجنا إلى طبيب أو مهندس وما احتاج البشر إلى بعضهم البعض ولما احتاجوا إلى التعلم ولما احتاجوا إلى الوحي

الأمر السابع : أن التشريع في نظره وحدة واحدة وهذا ما أسميه ملاحظة ( بيئة التشريع )

فالمجتمع الذي يقطع يد السارق إذا سرق من حرز وبلغ المسروق نصاباً هو المجتمع الذي تفرض فيه الزكاة وتستحب الصدقة وللفقراء حق في الفيء والغنيمة

والمجتمع الذي يجلد فيه الزاني أو يرجم المحصن هو المجتمع الذي تحتجب فيه النساء ولا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ويحث فيه على الزواج ويؤمر فيه الرجال والنساء بغض أبصارهم ، ويمنع من فيه من اختلاط الجنسين من غير ضرورة

وهنا أقف عند مسألة كون دية المرأة على النصف من دية الرجل

وهذا من منظور داروني حكم مبرر فالرجل متطور أكثر من المرأة ، فهل تسوي القوانين الوضعية بين قتل الإنسان وقتل القرد ؟!

ولكنني سأتكلم هنا عن الحكمة حقاً

الدية الملزمة حكم خاص بقتل الخطأ وقتل شبه العمد ( الذي يقصد فيه الإيذاء دون القتل )

ويرى بعض الناس أن الرجل كونه معيلاً للأسرة فناسب تعويض أسرته بشكل أكبر ( وهذه ملاحظة لبيئة التشريع وهذا جيد )

غير أنني أرى بملاحظة أدق للتشريع أن حالات قتل الخطأ ، أو قتل شبه العمد يكثر في بيئة الرجال إذ أنهم يكثرون حمل الأسلحة الثقيلة ويكثر منهم الضرب فتكاً أو الصيد ( والذي يحصل منه قتل الخطأ )

والرجال آنذاك لا يختلطون بالنساء كاليوم ، والنساء أبعد عن هذا فناسب أن تضاعف عقوبة دية الرجل ليتقى هذا الأمر أكثر ، ولهذا فإن جراحات النساء في الدية تتساوى مع دية الرجل إلى الثلث فإذا زاد على ذلك تناصفت ، والسبب أن هذا القدر قد تحدثه النساء لبعضهن البعض بكثرة وأما ما هو أزيد فيكثر في الرجال

وأما في حال العمد فالأمر مستو بين الرجال والنساء ، لأن العمد متعلقه فيما هو في نفس القاتل ذكراً كان أو أنثى من غضب أو حقد ، وليس هو سوء استخدام للسلاح يكثر في الذكور دون الإناث

والآن لنطبق هذه المفاهيم في حوار افتراضي

يقول الملحد للموحد لماذا لا تسمع الموسيقى ؟

فيقول الموحد : لأن الله أمرنا بذلك وهو الذي خلق سمعنا ولو شاء لذهب به ، وهناك بدائل كثيرة أجمل وأنفع من أهمها القرآن ، ولأنه سبحانه حكيم وودود فيما يعلم ما ينفعنا وما يضرنا ، ثم إنه سيثيبنا في الآخرة بسماع أنغام هي ألذ من هذه بكثير ، أنت تراه تقييداً للحرية وأنا أراه أقل ما يقدم لمن من علينا بالحياة والنعم ، ثم إنه ثمن يسير لثواب عظيم مع من يورثه من راحة نفسية عجيبة

فلن يكون هناك جواب للملحد مقنع أو يستحق البحث سوى قوله ( ما يدريك أن الله موجود )

فنرجع للبحث الأساسي وهذا ما قصدته في بداية الخاطرة

وإنني لأستغرب من ذلك المذهب الذي يسمونه ( الإنسانية ) فإذا كانت الإنسانية ترادف فعل الخير ولا يتصور من الإنسان بحكم إنسانيته إلا الخير فلماذا يحتاج البشر إلى قوانين وإلى سلطة تعاقب من يخرج عن هذه القوانين

بل الحيوانات لا يوجد فيها من يقتل من بني جنسه ما يصنع الإنسان

فما هو مصدر هذا الشر ؟

الجواب رأساً يأخذك للأديان والتدين

وأي إنسانية تتحدث عنها وأنت تحكم على الإنسان بأنه بقي ملايين السنين كائناً خرافياً يؤمن بقوة عليا لا حقيقة لها وتنوعت تصوراته لذلك ولم يهتدِ إلى الحقيقة

وليعلم أن الإلحاد المعاصر من أسخف أنواع الإلحاد الذي مر على تاريخ الدنيا

فهناك من نفى الحكمة ولكن آمن بالله

وهناك من أنكر البعث من البشر ولكنه آمن بالله

وهناك من أنكر علم الله بالأشياء قبل وقوعها ولكن آمن بالله

وذلك أن الإيمان بالله أعظم من هذا كله

والملاحدة الأوائل قالوا بأزلية الكون أو الأفلاك فأتوا بتفسير لا ترد الإشكالات التي ترد على ( الخلية الأولى من أين جاءت ) أو ( التطور من أين جاء )

وهناك فرقة قديمة كانت تسمى السمنية لا تؤمن إلا بالمحسوسات ولكنها بعد ذلك آمنت بالتناسخ ، بمعنى أن روح المخلوق تنتقل إلى مخلوق آخر مع بعض الخبرات

والسبب الذي اضطرهم إلى القول بالتناسخ أنهم وجدوا بعض المخلوقات تولد عالمةً بمصالحها فأرادوا لذلك تفسيراً بعيداً عن الإله فآمنوا بالتناسخ

قال الشهرستاني في الملل والنحل :" فأما تناسخية الهند فأشد اعتقاداً لذلك؛ لما عاينوا من طير يظهر في وقت معلوم، فيقع على شجرة معلومة، فيبيض ويفرخ، ثم إذا تم نوعه بفراخه حك بمنقاره ومخالبه فتبرق منه نار تلتهب، فيحترق الطير، ويسيل منه دهن يجتمع في أصل الشجرة في مغارة، ثم إذا حال الحول وحان وقت ظهوره انخلق من هذا الدهن مثله طير فيطير ويقع على الشجرة وهو أبداً كذلك. قالوا فما مثل الدنيا وأهلها في الأدوار والأكوار إلا كذلك"

فبماذا يذكرك التناسخ ؟

إنه يحمل نقاط تقاطع مع الجين الأناني والانتخاب الطبيعي والتطور ككل

هو تفسير يحتاج إلى تفسير مثلها تماماً فمن أين جاءت القدرة على التناسخ ومن حدد صفات الجين ومن أعطى الكائنات القدرة على التطور

وكلها تفسيرات لا تستند إلى ركن ركين سوى محاولة الهروب من الله عز وجل ، وكلها إيمان بغيبيات استدلالاً بآثارها فوقعوا بما هربوا منه

ولكنها لا تنتج سلوكاً قويماً ولا شريعة ولا طمأنينة نفسية ولا هدف حقيقي للحياة بل كلها تجر إلى إسقاط إرادة الإنسان الحرة وتحويله إلى آلة

وأخيراً أود السخرية من ملحد يدعي أن الملحد تكون أخلاقه حسنة لأنه لا يريد أن يفقد ثقة الناس ، ( وكأن الموحد يريد فقدان ثقتهم )

وهو يشهد على ذلك بأنه في قلبه مستعبد للبشر يطلب رضاهم وثقتهم ولا يمكن إرضاؤهم جميعاً فلو جعل وجهة قلبه واحدة لارتاح ولتسلى بذلك عن كل شيء يصيبه في الدنيا

عَرَبِيّة
08-20-2014, 01:51 AM
بعد الترحاب الذي غمرني به الأخوة جزاهم الله خيراً ، بدا لي أن أكتب هذه الخاطرة كتوكيد للبقاء في هذه الشبكة
الحمد لله، بارك الله في إخوتنا وأساتذنا الأفاضل وجعلهم مفاتيح للخير مغاليق للشر، وجعل الله عملك خالصًا له وبارك فيك أستاذنا.
ولي عودة لقراءة الموضوع على مهل إن شاء الله.

أبو جعفر المنصور
09-14-2014, 01:18 AM
يرفع للمشاهدة

كريـم البرلسي
09-19-2014, 08:59 PM
شكر الله لك شيخنا الفاضل
استاذنك في النقل .

أبو جعفر المنصور
09-19-2014, 11:18 PM
حياك الله بالسلام

تفضل ما كتبته إلا لينتشر وأنت ما شاء الله تحمل اسم الشيخ الغالي

الدكتور قواسمية
11-14-2014, 04:18 PM
يرفع للفائدة

أبو جعفر المنصور
03-22-2015, 11:52 PM
يرفع للفائدة

muslim.pure
03-23-2015, 12:50 AM
كتاب خواطر حول الإلحاد (http://www.eltwhed.com/vb/showthread.php?59650-%DF%CA%C7%C8-%CE%E6%C7%D8%D1-%CD%E6%E1-%C7%E1%C5%E1%CD%C7%CF)