المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذ الإسلام؟... رؤية د.المسيري لتفرّد الإسلام عن باقي الملل والنحل



memainzin
01-08-2015, 11:34 AM
‏لماذ الإسلام؟... رؤية د.المسيري لتفرّد الإسلام عن باقي الملل والنحل
لماذا الإسلام؟

من أجمل ما قرأت عن الفارق الأساسي بين الإسلام وباقي الملل والنحل، ما ذكره الفيلسوف الراحل د.عبد الوهاب المسيري، في "رحلته في البذور والجذور والثمر"ـ

وسأحاول تبسيطه – في نقاط – قدر الإمكان، مع التعليق عليه.

يبدأ د.المسيري حديثه بالقول أن:ـ

الإنسان هو أكرم وأعلى المخلوقات.

يشترك الإنسان مع باقي المخلوقات في العديد من الصفات الحياتية، وحتى على المستوى التشريحي والفسيولوجي والجيني، ولكنه يختلف بشكل كبير على المستوى العقلي والإدراكي.

يمكن القول أن الإنسان يعيش في الطبيعة، ولكنه منفصل عنها، فهو بروحه وعقله يستطيع أن يتجاوز الطبيعة المادية وكأنه ينظر إليها من الخارج!ـ

صفات الطبيعة في الفكر الغربي هي ذاتها صفات المادة.

يتصف الوجود الذي نحيا فيه بثنائية أساسية يُسمّيها د.المسيري "ثنائية فضفاضة"، ويشرحها بثنائية الخالق والمخلوق.

ولماذا فضفاضة؟ (فضفاضة لغةً تعني واسعة، وهنا يقصد بها د. المسيري ثنائية تكاملية تفاعلية ولكنها غير متعادلة أو متساوية، وفي المقابل نجد الثنائية الصلبة أو العدائية أو الإستقطاب مثل الخير والشر، النور والظلام، السالب والموجب،،،،،الخ)ـ

إذاً، ما المقصود بأن ثنائية الخالق والمخلوق، فضفاضة؟

يوضح د. المسيري ذلك بقوله أن الإله مفارق للعالم، غير ملتبس به أو حالٌ فيه، ولكنه أيضاً لم يهجره ولم يتركه وشأنه.

كما أن الإله سابق للمخلوق، ولا يمكن أن يخضع وجوده لوجود المخلوق، كما أن صفاته لا يمكن تفسيرها بالمخلوق.

هذه الثنائية أساسية، وينتج عنها ثنائيات أخرى عديدة، مثل:ـ

ثنائية الإنسان والطبيعة: رغم أن الإنسان يعيش في الطبيعة بجسده إلا أنه منفصل عنها بعقله وروحه، ولا يمكن تفسير السلوك الإنساني كاملاً بقوانين الطبيعة المادية وحدها.

ويفسّر د.المسيري "إنفصال" الإنسان عن الطبيعة بأن الله –تعالى- خلقه وكرّمه وأسجد له ملائكته وسخّر له قوانين الطبيعة، فالله هو من جعل الإنسان منفصلاً عنها في وجه، وإن كان يعيش فيها بجسده.

وعليه، فالإنسان ليس مركز الكون، ولكنه وُضِعَ في مركز الكون.

الإنسان ليس مالكاً للطبيعة، بل هي مُسَخّرةٌ له من قبل الله تعالى، فهو خليفة من الله، وليس خليفة عن الله!

ولكي تتضح الصورة، يقارن د.المسيري هذه الثنائية بالإثنينية.

الثنائية كما سبق فيها عنصران يتفاعلان ويتدافعان ولكنهما منفصلان عن بعضهما.

أما الإثنينية، فالعنصران متضادان متصارعان ومتساويان في القوة (كإله الخير والشر، وإله النور والظلام، في العديد من المعتقدات الوثنية)، وعليه، فهما في صراع دائم.

والآن، نصل لنقطة هامة.. وهي:ـ

الفرق بين الثنائية الأساسية (ثنائية الخالق والمخلوق)، والنظرة المادية للوجود
.
الفكر المادي الغربي يؤمن بـ "الواحدية المادية"، أي أن الوجود بكل ما فيه (الإنسان والطبيعة) هو جوهر واحد



ومن هنا يبرز تعريف "الإنسان الطبيعي"، الذي يخضع لقوانين المادة، وتأتي هذه النظرة في مقابل "الإنسان الربّاني، أو الإنسان الإنسان" والتي ترى في هذا المخلوق سراً لا يعلّم كليّته إلا خالقه –سبحانه وتعالى.

هناك جزء في مفهوم "الإنسان الإنسان" يستطيع تجاوز المادة، ولا يخضع لقوانينها، ويبحر في عالم المُثُل والغيب وما قبل الوجود، رغم أن جسده مغروس في وحل الأرض وخاضع لقوانين الطبيعة من مرض وشيخوخة، إلا أن عقله وروحه تعيش خارج حدود الزمان والمكان.

هذا المفهوم يضرب فكرة الإنسان الطبيعي أو المادي.

وجود هذا الجانب المتجاوز للمادة في الإنسان، لا يمكن تفسيره إلا من خلال ثنائية الخالق والمخلوق، والتي تفترض وجود سابق للخالق، وأنه يُفسّر وجود المخلوق.. وعليه فوجود الله – جل وعلا – هو الضمان الوحيد لوجود "الإنسان الإنسان".ـ

فالله هو الجوهر الذي يتطلع إليه الجزء غير المادي، لينطلق ويفارق سجنه المادي.

ماذا سيحدث لو غابت فكرة وجود الله؟ ما ثمرة الإلحاد على الإنسان؟؟

سيتحول "الإنسان الإنسان" إلى "الإنسان الطبيعي"، مادة طبيعية وكائن مثله مثل باقي الحيوانات والنباتات،

خاضع بالكليّة لقوانين الطبيعة،

ويمكن تفسيره بمجموعة من المعادلات "قوانين علم الإجتماع"،

ويمكن التنبوء بأفعاله وتصرفاته (إذا حدث كذا، سيتصرف بالشكل الفلاني، أما إن فعلنا كذا فسيكون رد فعله هكذا،،،)،

وعليه تتحطم الميزة التي فضّل الله بها الإنسان عن باقي خلقه وهي حرية الإرادة والفعل، تتحطم على صخرة كل أيديولوجية ونظام يريد عزل الإله عن الإنسان، وتحويل الإنسان إلى ترس في آلة الدولة يتم تغذيته وتلبية شهواته المادية ليُنتج ثروة وعلم مادي، و لا يُسمح له بالخروج عن هذا النظام وتلبية ذلك النداء الخفي داخله "من أنا؟ ولماذا؟ وإلى أين المسير؟"

أعيد الآن طرح السؤال الأول: لماذا الإسلام؟
سأحاول إستخلاص إجابات من طرح د.المسيري عن "لماذا الإسلام دون غيره"؟ـ

==========================
ما الفرق الأساسي بين الإسلام وباقي الأيديولوجيات: نصرانية، ربوبية، علمانية، ،،،الخ
==========================
إذا أعدنا صياغة ما ذكره د. المسيري، يمكن القول أنه دحض كل العقائد والأيديولوجيات بنظرته لثنائية الإنسان الإنسان.

كيف؟
فالعقيدة النصرانية ترى بحلول الخالق في المخلوق، وليس ثمّة إنفصال بينهما، فصورة الإله الكامل المطلق المتجاوز غير واضحة في المعتقد النصراني، بل ومشّوشة إلى حد بعيد، ولا تكاد تختلف عن عقائد وثنية فرعونية ويونانية تؤمن بأن لله أبناء أنصاف آلهة.

وعليه أيضاً، يرفض د.المسيري كل من يقول بوحدة الوجود، وأن الله هو الوجود.

أمّا الإله الذي خلق الكون والإنسان، ثم تركه وشأنه ولم يتواصل معاه، كما قال أرسطو قديماً ويقوله الآن الربوبيون واللادينيون، فهذه النظرة لا تُلبي النزعة غير المادية داخل الإنسان، والذي يسعى دائماً للتواصل مع مرجعية متجاوزة له وللوجود المادي.

مفهوم "الإنسان الطبيعي" هو ما تسعى إليه العلمانية والليبرالية والإشتراكية والرأسمالية وغيرها من الأيديولوجيات السياسية والإقتصادية، الإختلاف بينهم فقط في التركيز على جانب مادي دون الآخر، فالليبرالية تجعل الإنسان مركزاً للكون ورغباته هي قدس الأقداس. الرأسمالية والإشتراكية يقفان على طرفي نقيض في نظرتهم للمال والملكية الفردية. العلمانية ترفض وتحارب الأساس الذي تقوم عليه ثنائية الخالق والمخلوق، فهي ترفض أي مرجعية متجاوزة للإنسان، والله تعالى في هذه الثنائية يُشكل المرجعية المتجاوزة.

تشترك كل هذه العقائد والإيديولوجيات في عزل الإنسان عن السماء، حتى في النصرانية أو العقائد الضالة كالبهائية وغيرها، فهي وإن قالت بوجود خالق "غير منفصل"، فهي وضعت بعض البشر واسطة بينه وبين الإنسان، فدائماً هناك إنسان آخر يقف بيني وبين الخالق.

هذا فضلاً عن الخلل في صورة الخالق كذات منفصلة عن المخلوق، غير ملتبسة به بأي حال من الأحوال..

ماذا عن الإسلام؟.
الإسلام، هو العقيدة الوحيدة التي تُفسر الوجود الثنائي للإنسان بشِقّيهِ المادي وغير المادي.

الإسلام يضع تصور واضح للإله، خالق للكون، وجوده سابق لوجود المخلوق، منفصل عنه، غير خاضع له، ولا يمكن تفسيره بقوانين الطبيعة.
ـ"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ"ـ
الله في الإسلام لم يترك الخلق وشأنهم، بل يتواصل معهم ويجيب عن تساؤلاتهم، دون أن يحل في هذا الكون، ودون أن يدخل معه في صراع، فهي علاقة تفاعلية، ولكن دون إمتزاج وتوحد، ثنائية وليست واحدية.
الإسلام هو الوحيد الذي يتصف بكل ما سبق، وهو الوحيد أيضاً الذي ينظم علاقة الإنسان "بوصفه خليفة من الله في الأرض"،

ينظمها على كافة المستويات الممكنة عقلاً، وفي كل مراحل الوجود الإنساني، و لا أقصد هنا الوجود المادي فقط، بل الوجود غير المادي، ذلك الوجود المتجاوز..

كيف؟

قبل وصول الإنسان كفرد لهذه الحياة، نجد في الإسلام أحكام تضمن لو وجود شرعي يحميه ويفرض على المجتمع إحترامه، فحرّم الزنا وشرع الزواج، ورسم معايير لإختيار الزوج والزوجة (الخلق والدين والكفاءة)، لينشأ هذا الإنسان داخل كيان أكبر يحتويه ويرعاه، روحياً ومادياً.ـ



كما حدث مع الإنسان كنوع، من تهيئة الكون والأرض بقوانينها لضمان جوده في بيئة مسالمة وخاضعة له، توفر له المأوى والغذاء.



ثم في نقاط سريعة:

جعل الإسلام للجنين حقوقاً.

نظّم الإسلام علاقة الفرد مع نفسه، ومع زوجه، ومع أسرته، ومع أرحامه، ومع المسلمين، وغير المسلمين بتفصيل حتى أنّه فرّق بين أهل كتاب و المشركين.

في الإسلام من الأحكام والشرائع ما ينظم حياة الفرد المسلم، والمجتمع، سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً، وأخلاقياً.

شرع الإسلام من القوانين التي تنظم حالة السلم والحرب، مع المسلمين ومع غيرهم.

في الإسلام تعاليم لكيفية تفاعل الإنسان مع الحيوان والنبات، والبيئة.
لبى الإسلام الجزء غير المادي في الإنسان بالآيات والأحاديث التي تتحدث عن علاقة الإنسان بالخالق سبحانه وتعالى، ونظرته لعالم الغيب من ملائكة وجن، ثم ما بعد الموت والحساب والجنة والنار.

لم يترك الإسلام فرصة للإنسان، حتى بعد وفاته (نهاية الجزء المادي)، فشرع ما يفيده (الجزء غير المادي) من دعاء وصدقة وعلم.
كما وضّح الإسلام الحلال والحرام في غذاء الأجساد، بيّنها أيضاً في غذاء الأرواح والأنفس (الدعاء، والذكر والصلاة)، وغذاء العقول الحائرة (تعرض القرآن للحجج المنطقية في الخلق والوجود).

((لا يوجد معتقد آخر على وجه الأرض يتصف بهذه الصفات!))

الخلاصة،
لن تجد منحى في الحياة ولا جانب يتعلق بالإنسان ككل، بشقّيه المادي وغير المادي، إلا وتعرّض له الإسلام.
الإسلام يقوم على عبودية الإنسان لله وحده لا شريك له، وبتحقيق هذه العبودية، يصبح الإنسان سيّداً وخليفة من الله في الأرض، هذه الحرية كما يراها الإسلام، في مقابل حرية غربية برفض العبودية لله، ليصبح الإنسان عبداً لقائمة طويلة من الآلهة مثل السلطة والمال والكرسي والشهوة والشهرة، والتي من المفتر
أن تكون وسائل خاضعة له، لا العكس!ـ
هذا ما يجعل الإسلام أكبر عدو لأي نظام أو أيديولوجية تريد أن تقضي على مفهوم "الإنسان الإنسان"، وتُبقي فقط على "الإنسان الطبيعي"..ـ
ولذلك يرى د. المسيري أن السبب الرئيسي لمحاربة الإسلام، هو محاربة فكرة "الإنسان الإنسان".
محاربة تخلص الإنسان من عبودية المادة، أيّا كان إسمهاـ.
محاربة محاولته الخروج من سجن الجسد، وإدراك حقيقة وجوده في هذه الدنيا.
محاربة خضوع الإنسان لله وحده، لأن هذا يعني مقاومة الخضوع لأي معبود آخر سوى الله.
وهذا الصراع قائم منذ أن رفض إبليس السجود لآدم، وهو يحاول جاهداً أن يصرف ذرية آدم عن خالقهم، ويجعلهم عبيداً له، بدلاً من أن يكون عبيداً لله،
فبعبادتنا لله وحده، نصبح سادة لكل شيء، وهو ما يّزعج الكثير من الطواغيت.
ـ"اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"ـالبقرة:257

والله تعالى أعلى وأعلم
د.أحمد جلال
6 يناير، 2015‏،
https://www.facebook.com/notes/770644026337941/?pnref=story