المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فِــتــيــان الفــلــسفــة



الطلحاوي
02-06-2015, 09:11 PM
السلام عليكم



بعض فتيان الفلسفة-أقصد بعض الأساتذة- يتمسحون بالعقلانية و مرونـة الفكر لكنكَ تجدهــم يسارعون إلــى الإلحـاد و إنكـار الغيب، فهــؤلاء الأطفال الفَــلْـسفَـوِيين يتعجلون في إصدار أحكـام من العيار الثقيل في حين كـان الجهـابذة يتأمـلون و يعجزون في تأويل العالم. قِشريات التعـاطي مـع مواضيع الفلســفـة عندنــا تُسبب في تشريد عقول بعض الأساتذة الذين يهضمون المفردات و يُدمنون علــى محاكاة الوافد المعرفي .

مساكين هـؤلاء، فقد حبسوا أنفسهم في زنـازن العقل المجرد و راحوا يدَّعون امتلاكهم أدوات تحليل الواقع، في حيـن تقليدياتهم لغيرهم تأســر عقلهم و تُبــلـــدُ مَلَكـاتهم النقدية. بمجرد أن يصبح الواحد منـا أستاذا للفلسفـة يركبُــهُ الغرور و يحسبُ نفســهُ كـادرا عقلانيا أوتي جوامع الكلم، و أحيانــا يتحول هـذا الفتــى إلــى قائد شيطـاني يُفتــي النـاس في أمور حـارَ فيهــا أباطرة الفكر و العلم، ربمـا السطحيـة الساذجــة التي تتسم بهـا قراءات البعض و الايحـاءات الشيطانية بامتـلاك ألغـاز تفسير العالم هي التي وراء هـذا الغباء الغريب...

فبسبب استسـلام فكرهم لفكر الآخرين و تقليد مستجدات النظريات القديمـة، يقوم بعض المُـتسرعين ممن نبتوا للتو في ميدان التفلسف بسلوكـات قوليــة و فعليــة يُــرادُ لهــا أن تُعَـبِّــر عـن مستوى ثقافتهــم، لكنهم في الواقــع يقدمون الدليل علــى انسحاقهم و تبعيتهم، فمعظم هـؤلاء من فتيان العقلانية -أساتذة الفلسفة- لا يجاوزون فكرهم فكر اليونـان و أسيادهم من مفكري العصر الحديث الغربي، لذلـك يحاولون أن يثبتـوا بتبعيتهم قدرتهم علـى أن يصبحوا مثلهم في التفكير الراقي...

فالبعض منهـم للأسف يمـارسون كِبــرا ملحوظـا في التعامـل مـع الـعـامـة، و يحسبُ أنهم يملكون رؤيـة ثاقبـة تتجاوز التقاليد الاجتماعية الموروثـة، فيمضون في السخريـة من الشعـائر أحيانـا و يُدمنزن علــى استهـلاك مـا قاله أفلاطون أو سقراط أو نيتشه أو شوبنهـاور أو مـاركس أو ... مُعتَقدين أن الالتصاق بهـؤلاء يعطي لـه السبق الفكري و الأمـان العقلي، أوهــام في أوهـام...

و مـا يُـميز بعض هـؤلاء الفتيـان أنهم يسخـرون من كـل مـا لـه صلـة بالجانب الدينـي، فسخريـة فتى الفلسفـة تتعـلق بالجـانب العقدي و نقد الأشكـال التعبدية التي بين المسلمين و التي تنتمــي مباشرة لفضاء الإسلام،فهذه السخريـة تبدأ عندمــا يزدري أستاذ من المصلــي العـادي فيعتبر ذلــك سلوكـات تنتمــي إلـى مراحـل مـا قبل المرحلـة العلمية أو يصنفهــا ضمن الظواهـر الاجتمـاعية التي تقبل التجاوز، تبتدأ عندمــا يركب فتـى الفلسفــة أطروحـات الغرب في التعـاطي مع كل الأديان فيشرع في ابتـلاع دوغمـائيات ماركس أو نيتشة أو كيرككارد أوسارتر ..دون أن يدرك بأن هـؤلاء المفكرين يتصرفون من منطلقات إلحـادية لا عـلاقـة لهـا بالتدين السليم، لذلـك وجبَ الحذر عند استخدام السخريـة كأسلوب نقدي، و البعض منهم يركبـه الغرور المفرط فيبدأ في تقليد منهجية السخريـة عند سقراط دون أن يُكلف نفسـه محـاولـة السياق و الأبعـاد، فسخرية سقراط في منهجه "التهكم و التوليد" مرتبــط بقيم عقدية تنتمـي إلـى الديانـة الأورفية ذات البعد الأسطوري البحت و مرتبط بعادات و ثنية اثينية سائدة في بيئة سادتهـا نزعـات السفسـطة و انحـلالات المجتمـع، لذلـك فهي كـانت سخريـة منهـجية تقوم علــى أساس استخراج الحقائق أو توليد الحقائق ممن أُسِروا بسلطــة الواقع المُشَرّد، سخريتـه سخريـة تتطلع إلـى إرسـاء قيم أخـلاقية رفيعـة تتأسس علـى العقل المجرد(و إن كنـا نرفض نزعـة الرهـان علـى العقل بإطلاق إذ أن شعاره الأخـلاقي كـان يقوم علـى فرضية ""الفضيلة علم والرذيلة جهل")أمـا عن بعض فتيان الفلسفة فسخريتهم لأسف مقلوبـة قد تمــجد الزنـى من باب العقلانية و تتكبر علــى الخضوع لله بدعوى الإلحـاد و تضحك من العباد لأنهم الغـوا عقولهم... سخريتهم بمن يقيم الصلاة أو ممن يقرأ القرآن أو ممن يؤمن بالغيب، و ليست سخريـة لأنمـاط القيم الاجتماعية المنـافية لأسس المجتمع السليم . لذلك إذا كـان و لا بـد انتهـاج مسلك "السخرية" فالمعنـى يجب أن ينصرف إلـى السخريـة المعرفية التــي توصـل للحق و تكشف للنـاس قيم الجمـال ولا تتنــاول أشكـال التدين السليم و إلا صـارت القضيــة منهجيـة إلحـادية تصرف النـاس عن مـا يؤمنون به .

إن أسلوب المـراهقـة في السخرية من عبادات الآخرين عندنـا معشر المسلمين لا تدانيهـا مراهقات الفلاسفة في شؤون المعارف الموروثة الفاسدة، فممارسة المراهقة العقلية في شؤون العقيدة تصبــح شأنـا عقائديا خطيرا لأنهــا لعب بحقائقٍ أوحـى بهـا الله لأنبيائه عليهم الســلام، فـلا يجب البتة الخلط بين من يمـارسون المراهقة الفلسفية و المنهجية لأجــل الارتقاء بالعقل إلـى مستويات الوعي العقلاني و بين من يمـارس المراهقـة لأجــل تخريب العقيدة الإسلامية التــي نطق بهــا الوحي الإلهــي، و محاكاة أسلوب مراهقات الفلاسفة الغربيين بدون ملاحظة الاختلافات البنيوية بين قيم المجتمعـات شيء يرفضــه العقل نفســه و يمجه الذوق السلــيم

لــو كـان لبعض فتيان الفلسفــة حدس نقدي حقيقي لكـانت اجتهـاداتهم النقدية قادرة علـى تخطــي آليات التسلط المعرفي الغربي و لَفهمـوا أن المراهقــة النقدية الموصلـة لاستخراج كنـه الحقيقـة تتخــذ مسارات متعددة لا تأخذ بالضرورة مسارات النقد الفلسفي الغربي للدين، لكن للأسف أسـتـاذ الفلسفة- أقول البعض بلا تعميم- لا زالَ مأسورا بسلـطة بروتاغوراس و ثراسيماخوس و أفـلاطون و سقراط و هلم جرا، لـم يستطع حتـى أن يتحرر من قيود سلطة اليونـان فــلا تجدُ لـهُ حديثـا غير الحديث عـن مواضيع تنتمــي لعـالم مشروخ في القيم ليحاكي مواقف فلاسفييهـا جُملــةً ...