المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خواطر متفرقة حول أمراض التعلمن، وأمراض أعداء التراث



ابن عبد البر الصغير
04-07-2015, 12:28 AM
1- الذي قال : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا } كان واضحا قاطعا سبحانه وتعالى في استكمال الدين، ولم يقل أكملتُ لكم دينكم هذا القرن وعليكم تدبر أمركم في القرون اللاحقة، لهذا فلا تتفدلك علينا أيها المرجف ولسان حالك يقول :
وإني وإن كنت الأخير زمانه **لآت بما لم تستطعه الأوائل


2- طريق العلمانية يبدأ أول الأمر بنصرة منهج التجديد دون ضبط لشروطه ومصطلحاته، ثم سيقود إلى رد كلام أهل العلم، ثم إلى إسقاط التراث، ثم إسقاط تقعيد العلوم الإسلاميّة، ثم الضرب في الإجماع، وردّ قطعيات الإسلام، ثم رد أحاديث الآحاد، فينتهي إلى ردّ السّنة بأجمعها.


3- لتوي انتهيتُ من جلسةٍ في مناسبة زواج أحد الإخوة، ومن أقدار الله تعالى أن فتحنا موضوع التعلمُن وتأثر بعض الناس به، فكان أن شخصاً خاطبني بـ " أنتم تقدّسون التفاسير" ! فلا زال يجادلني بالباطل، حتى قلتُ له : طيب هب أننا رمينا كل التفاسير في البحر واخترناكم أيها المتعالمون لكي تجددوا لنا الدين .
فقاطعني قائلا : نعم هذا ما نريده أن تطلقوا أيدينا لنعيد تفسير المقدّس .
فقُلتُ له : طيب أنا سأطلق يديك لتفسّر لي قول الله تعالى : { والعاديات ضبحا * فالموريات قدحا * فالمغيرات صبحا * فأثرن به نقعا * فوسطن به جمعا } !
فسكت، ثم أعدتُ سؤاله، فقال لي : أنا لستُ متعمّقاً في اللغة العربيّة !
فقلتُ : هذا حال المرجفين يعرفون أنّهم لا يملكون أبسط العلوم التي ينبغي أن يضبطها المفسّرون، وينادون بإهمال التراث ورميِه ويحتقرون العلماء!


4- نخبة تأتي حاملة للشهادات من ديار الغرب! فتسمع منها وتنكر، نخبة متخصصة بتطويع الإسلام حسب المفاهيم الغربيّة، فأولئك داخلون في قول النبي صلى الله عليه وسلّم : " قومٌ يستنُّون بغيرِ سُنَّتي . ويَهدون بغير هديي . تعرف منهم وتنكرُ" - البخاري.
ومعناه الخلط في هذا التدين، فأولئك القوم -أصحاب الدخن- هذه صفاتهم، لا يهتدون بهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بل يمجدون المنهج الغربي، ولا يستنون بسنته، يعرف المرء منهم وينكر، فهم مسلمون لكن تظهر منهم أمور حق وأمور باطل.


5- المرجف عنده كل المتدينين سواء ... مجموعة من المسلمين لا عقول لهم متحجرين بل متوحشين.. وهو المتنور المتحضر المتعقل! ولا يعرف أن تحقير الناس هو الغباء الفكري بعينه.


6- أيها المرجف وصيّةٌ عن الإمام ابن الجوزي فاحفظها : "إنّما ينبغي للإنسان أن يتبع الدليل، لا أن يتبع طريقاً و يتطلب دليلها" - صيد الخاطر - .
قلتُ: وهذا ديدنُ المرجفين ومن شابههم، فإنّهم يعتنقون طريق تمجيد الغرب ثم يتطلّبون دليلها، فإن كان الغربيّ يُدين حدّ الردّة تجده اعتنق هذا الموقف ثم بدأ يتلمّس أشياء تنصر زعمه بالباطل في ثنايا الشريعة، وقس على ذلك في قضايا الحجاب، الجهاد، السياسة الشرعية، العقوبات والحدود، إلخ ...


7- المتبصّر في أطروحات المرجفين، يجدُ أن عقولهم تعاني من : هيمنة النموذج الثقافيّ الغربي، مع ضعفٍ في التسليم لله ورسوله، فيكون أنه يسلّم عقله لنصّ مفكّرٍ غربيّ، ويعترض على نصّ شرعيّ!
8- حينما يقرأ المرجف لجون جاك روسو أو دينيس ديديرو أو كتاباً للعروي، أو لأركون ... يحسب أنه وقع على ما لم يخطر ببال الأوائل، فيبدأ بإسقاط المنهج العَلماني على المنهج الإسلامي، فيتكوّن عنده كبرٌ وعجبٌ بالنّفس، يحتقر معه علم الأكابر، ويشنّع عليهم في الكبائر والصغائر! ولا يعلم المسكين أنه واقعٌ في قول الله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ }


9- كيف لعلماني لا يؤمن بقدسية القرآن والسنة ويتخذ من اللادينية منهجا للحياة أن يُستأمن على تفسير المقدس ؟


10- دعوة العلمانية إلى إعادة تفسير النصوص الإسلامية ما هي في حقيقتها إلا دعوة إلى هدم الدين كما فعلوا بالمسيحية حتى أصبحت ديانة لا علاقة بين تفسيراتها ونصوصها.


11- المعري في لحظة غرور أنشد :
وإني وإن كنت الأخير زمانه ** لآت بما لم يستطعه الأوائل
فجاءه صبيّ بعد ذلك وقال : زد حرفاً أو انقص حرفا !
فتعجّب المعرّي ولم يُجب، لأن الصبيّ كان حكيما، فالأوائل قعّدوا اللغة وضبطوا لها مناهجها، فكان أن المعري لن تتفتق ذهنيته إلا في فرعي من الفروع وليس في أصل من أصولها. والمعري لن يستطيع أن يضيف حرفا أو ينقص آخر لأنها اكتملت.
وكذلك اليوم من يدعي " التجديد" من منكري السنة والمتغرّبين فكريا وما جاورهم، فإن الدين مكتملة أركانه، فإما أنهم سيجتهدون في الفروع، أو سيزيدون أصلا أو ينقصون أصلا وبالتالي الابتداع في الدين أو محاولة هدمه .
لهذا تجدهم الآن يضربون في أصول الدين جهلا بغير علم . المساكين. { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً }


12- ما أسهل أن يرمينا مخالفونا بالتقليد، وما أسهل أن ينعتوننا بشتى أنواع الصفات الحجريّة والقِدميّة، وما أيسر أن يلصق بك مخالفك سلسلة من التهم المعلّبة الجاهزة والنّفسيّة الاستباقيّة، لكن عند المناظرة والمحاورة يستبين للناس أيّ الطائفتين أولى بالاتباع، وأيهما أقرب إلى الابتداع.


13- ما أسهل أن ننقض أصول الدين بجرة قلم، وبكلام مرسل، وما أصعب بأن نستدل على موقفنا الشاذ ذاك بكلام مأصّل ومدلّل .. فحسبك أيها الطالب الدليل، ومن لم يعطك شيئا فاضرب بكلامه الحائط ولا تبالي.


14- أرثي لحال المسلمين الذين يجترون النظريات الغربية دون وعي وعن جهل بخلفياتها وتأثر بزخرفاتها، دعوى لا يتأملونها، ولا يدركون مقاصدها وأهدافها، ولا يتفطنون لنتائجها وفحواها، { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ }


15- لكل من يدعو لإدخال المناهج الفلسفية في تفسير الإسلام أقول له : ما الذي تصبو إليه ؟ فهل مثلا تريد إنقاص الصلوات ؟ إلغاء التعدد ؟ إنكار حد السرقة ؟ إلغاء نظام المواريث ؟ إدخال النصارى واليهود للجنة ؟ القضاء على الولاء والبراء ؟ هل تريد إسلاما جديدا كما قال سيد قطب : " إنهم يريدون إسلاما أمريكيا " ؟ فهل التشبت بالنصوص الصريحة الصحيحة التي لا تقبل التأويل هو تقليد ؟ وتحريفها وإبطالها هو التجديد ؟ { أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ }

16- بعض الناس يحسب أن كل من ظهر على شاشة التلفاز وعقد أُربة عنق فكلامه حقٌّ لا يؤخذ منه ويرد، وهذه آفة من يستمع لعَلمانيي الإعلام الذين لا يحسنون قول جملة مفيدة دون لحن، واعلموا أن الغرب أعطى الضوء الأخضر لأزلامه كي يُفرغوا الإسلام من قيمه ومبادئه تحت مسمّى التجديد، ألا فإن التجديد الذي لا يصدر عن ثقة راسخ خالط العلم الشرعي لحمه وعظمه إنما هو تخريبٌ رويبضيّ، وقد أنذرتُ { ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم }

17 - المسلم يتعامل مع الانفتاح الفكري بقاعدتين :
- أن كلّ أمرٍ وافدٍ معترضٌ عليه، حتى يثبت بالدّليل صحّته .
- وكلّ أمرٍ مأصولٍ في الإسلام مسلّمٌ به، حتى يثبت بالدّليل فساده .
والمرجف يتعامل بقاعدتين :
- كل أمر وافدٍ - خاصّة من الغرب - مسلّمٌ به، ولا يثبت بطلانه .
- وكلّ أمرٍ مأصولٍ في الإسلام غير مسلّم به، حتى يثبت من قيم الغرب موافقته !

18- لا فرق بين العَلمانية المتشددة والعلمانية المعتدلة، فكلاهما قائمتان على أساس طرد الدين من كل مناحي الحياة، فقط الأولى تقوم بها بطريقة سريعة أساسها الفرض والإكراه، والثانية على طريقة أطول أساسها بث الشبهات وإضعاف التدين في المجتمع !

19- الإسلام وقع أسيرا بين بعض الغلاة الجامدين وبعض الإسلاميين المفرطين، فالأوائل مقلدة إلى حد الذم والآخرون مفرطون إلى حد التأثر بفلسفة الغرب !

20- لقد استطاع الإسلام لأكثر من 1400 سنة أن يضمن حقوق الأقليات ويحقق التعايش السلمي بينها .. فلا يحتاج اليوم للعلمانية حتى تريه كيف يفعل ذلك.

21- متى كان الخمر مشروبا روحيا يا بني علمان؟ إنما هو مُدوخ العقول، مُنتنُ الأنفاس، مفقر الجيوب، جالب الحوادث، مبطل الصلوات، مضعضعُ الإيمان، وهادمُ الأحلام .

22 -هناك شيء نجحت الفلسفة في تشريبه لعدد من المفكرين الإسلاميين المبتدئين، وهي مسألة " أني لا أمتلك الحقيقة "، لأن الفلسفة في حقيقتها هي تشكيكية في كل شيء وفي أي شيء، ومبدأ الشك عندها هو الأصل، ومن هذا الباب طعنت في وجود حق بالجملة، وكلمة " لا أدعي امتلاك الحقيقة " لعمري لو أدركوا معناها لاستحوا من ذكرها، فلا معنى أن تكون مسلما ولا تؤمن بأن دينك هو الحق الذي لا غبار عليه، وإلا أين هو اليقين ؟ : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِٱلْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ ٱلْجَحِيمِ } .. { ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } .. { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ * فسبح بسم ربك العظيم }.

23- ينادون بنقد التراث فتجدهم :
- يعتمدون الأدوات النقدية الغربية .
- الإنتقائية التاريخية .
- الفوضوية العلمية واعتماد عدة مناهج فلسفية .
- الإسقاط المتعسف لمفاهيم غربية لادينية على تراث الأمة الإسلامية .
- الجهل بالعلم الشرعي والأصول العلمية للإسلام.
فما الفرق بين أركون العَلماني وبين هيّان بن بيان الإسلامي ؟ فكلاهما سلك طريقاً واحداً يؤدي إلى نتيجة واحدة، إلا أن الأول يدري ما يفعل والثاني يحسب أنه يحسن صنعاً !

24- التراث الإسلامي يحمل في طياته ومناهجه آليات النقد والتجديد، وقد علم كقاعدة أصولية أن الاجتهاد لا ينقض باجتهاد، وإنما الخلاف فيما ليس فيه نص قطعي الدلالة سائغ ومعروفٌ، ولا قدسية إلا للنص، إنما العيب أن يتم الدعوة إلى عقد اجتماعي ذو أصول علمانية لنقض الدين تحت مبررات نقد التراث ! فهذا في حقيقته من الهدم والانهزامية والتأثر بالحضارة الأقوى وليس هو من النقد في شيء .