المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العجز أمام اعجاز القرآن: 1- نزول الحديد الى الأرض



الدكتور قواسمية
04-30-2015, 01:25 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العجز أمام اعجاز القرآن: نزول الحديد الى الأرض
من المعروف أن الاعجاز لا يكون كاملا الا اذا ثبت العجز أمامه لذلك لننقل محاولة نصراني عامي يحاول بذل المجهود واستخدام التدليس للتغلب على اعجاز القرآن في اخباره عن نزول الحديد للأرض
يقول النصراني المشكك
"يتصور المسلمون بأن قرآنهم يحوي معجزات علمية حديثة، وهم في محاولتهم تلك يلوون عنق اللغة العربية ويجعلون القرآن ينطق بما لم يخطر على بال كاتبه، في مثالنا هذا حول المعجزة المزعومة في القرآن بأن الحديد أتى إلينا من الفضاء الخارجي نجد المحاولة الخائبة من المسلمين مفضوحة تماماً بلا ستر أو أستار، لأن القرآن نفسه ينقضها نقضاً واضحاً، تقول سورة الحديد: ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ [الحديد: 25]"، ويحاول مسلم هذا العصر أن يقول لنا بأن مقصد القرآن بأن الحديد أنزل من السماء ولم يتكون على الأرض، ولكني يجب أن أتوقف عند آية مشابهة وأفحصها هي الأخرى، تقول سورة الزمر الآية 6: ﴿وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾، يقول ابن كثير في تفسير الآية: وقوله تعالى: ﴿وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ [الزمر: 6] أي وخلق لكم من ظهور الأنعام ثمانية أزواج وهي المذكورة في سورة الأنعام، ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الأنعام: 143].

إذاً من الواضح لنا تماماً بأن هذه الأنعام ليست إلا حيوانات: إبلاً، بقراً، ضأناً، ومعزاً. إذًا لا أؤمن أن {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ} تعني نزوله من الفضاء الخارجي إلى الأرض أو يجب علي أن أؤمن بأن الإبل، والبقر، والضأن، والمعز كلهم قد هبطوا إلى أرضنا من الفضاء الخارجي أيضاً؛ لأن القرآن يقول: {وَأَنزَلَ لَكُم}.

الرد العلمي
الحمد لله وبعد
اذا جاءك مستقبلا نصراني و قال لك " اليوم جرحت عيني" فقل له "لا.... لم تجرح عينك" بل "لقد جرحت جاسوسك "
و هاهو الدليل القاطع " أرسل الملك عيونه الى المدينة" فمادام معنى العين في هاته الجملة هو الجاسوس اذن فقد جرح النصراني " جاسوسه"
كما لا يمكن استبعاد أن النصراني جرح صنبور الماء
وهنا الدليل القاطع " انفجرت العين بالماء".

وبهذا يتضح التدليس الذي لجأ اليه النصراني الملحد فهو أحضر معنى آخر لكلمة "أنزلنا" من سياق لغوي آخر ويحاول فرضه على آية الحديد ليصرف اللفظ القرآني عن معناه في السياق الذي ورد فيه.
ولذلك إذا أخذنا كلمة (أنزلنا) فيجب أن نحكم على معناها من سياق الآية التي وردت فيها ولا نقارنها بآية أخرى وردت فيها نفس الكلمة لأن سياق الآية الأخرى قد يكون مختلف فتختلف معه كلمة (أنزلنا) .قال تعالى ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيد﴾ [الحديد: 25] من أين جاءت الكتب السماوية؟ ألم تنزل من السماء على أنبياء الله إلى الأرض ألم ينزل الزبور وألواح التوراة على داوود وموسى إلى الأرض إذن كلمة ﴿أَنزَلْنَا مَعَهُمُ﴾ معناها أنها نزلت من السماء إلى الأرض وبالتالي فإن سياق الآية يتجه إلى بيان بعض ما انزله الله على عباده من السماء وجاءت ﴿أَنزَلْنَا مَعَهُمُ﴾ معطوفة على ما قبلها لتبين استمرارية الآية في عرض صورة أخرى من صور الإنزال من السماء على الأرض بعد إنزال الكتاب والميزان...إذن أنزلنا الحديد معناه هبوطه من السماء.
أما سورة الزمر فالآية تتحدث عن خلق الإنسان ثم جاء ذكر الأنعام: ﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ [الزمر: 6] إذن سياق الآية تتحدث عن الخلق لذلك (أنزلنا) معناها هنا الخلق.
ولست أدري لماذا ترك النصراني كلمة "أنزلنا" التي تعني الهبوط الى الأرض التي وردت في نفس الآية فهو سياقها وذهب يبحث عن آية بعيدة ولماذا ترك أكثر من ثلاثمئة آية في القرآن الكريم ورد فيها لفظ " أنزلنا " بمعنى الهبوط ولم يستشهد بها أم أن هاته الآيات غير موجودة في القرآن الكريم
قوله تعالى " وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا"
قوله تعالى : " وَلَوْ أَنَّنَا نَـزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى"
قوله تعالى "ولو أنزلنا هذا القرآن على جبل"
وقال تعالى "وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به"
وقوله تعالى" وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ"
.....الخ

الخلاصة
و اذا أردنا التلخيص والاختصار العلمي -الشرح أوردناه للتبسيط بالنسبة للعوام- فاننا نقول
في اللغة : معنى اللفظ يؤخذ من السياق الذي ورد فيه ولا يمكن أخذ معنى للفظ من سياق محدد ورد فيه وفرضه على باقي السياقات الأخرى وهذا معروف لأبسط طالب لغة.
في التفسير: أهم قواعد التفسير في القرآن الكريم أن اللفظ القرآني لا يتم صرفه واستبعاده عن معناه الحقيقي والمباشر الا بقرائن صارفة وبما أنه ثبت لدينا في عصرنا أن نزول الحديد هو نزول حقيقي فقد زالت علة صرفه عن معناه الحقيقي الى معنى بعيد لأن بعض المفسرين القدامى لم يصرفوا اللفظ عن معناه الا لعدم استقامة المعنى المباشر ولو علموا أن نزول الحديد هو نزول حقيقي ما صرفوا اللفظ عن ظاهره الى معنى بعيد.
ولهذا السبب لم يصرف بعض المفسرين القدامى اللفظ على ظاهره فقالوا: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ..﴾ بمعنى أن الله أنزل الحديد كما أنزل آدم من السماء إلى الأرض، وهو قول ابن عباس وعكرمة وإليه ذهب الطبري والقرطبي والواحدي.استنادا الى الحديث الشريف أن آدم عليه السلام عند نزل الى الأرض أنزل معه بعض الأدوات الحديدية فما بالك لو علم المفسرون أن الحديد كله لا بعضه نزل الى الأرض.

القرآن الكريم...... معجزة المعجزات
لقد أخبرنا القرآن الكريم بإنزال الحديد وهو من أثقل مكونات الأرض في مقابل بيان إخراج المواد الأخف من الأرض نحو السطح في قوله تعالى: ﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا﴾ [النازعات: 30-32].
القرآن الكريم كتاب الله عز وجل هو آخر رسالة بعثها الله عز وجل لهداية البشرية لا يأتيه الباطل من بين أيديه ولا من خلفه...وقد انتهج القرآن الكريم منهجا فريدا في مخاطبة العقل وهدايته وهي الانطلاق من تدبر بعض المظاهر الكونية والتاريخية وعناصرالكون من جبال وريح وسحاب وبحار وعوالم النبات والحيوان والحشرات لبناء عقيدة التوحيد الصلبة وهذا المنهج الفريد في مخاطبة العقل والوجدان جعل الاشارات العلمية في القرآن الكريم غزيرة ومتنوعة وتشمل جميع المجالات.
والقرآن كلام الله عز وجل معجز في بناءه اللغوي واللغة ليست سوى قالب المعلومات والأخبار فهو معجز في كل شيء أخبرنا به حول تاريخ الأمم وانباء الغيب وعناصر الكون والطبيعة وتشكل السحب والأمطار والبرد ومراحل تخلق الجنين البشري التي وصفها في الآيات الكريمة.
وبهذا الأسلوب المتميز المرضي للعقل والوجدان غزى الاسلام قارات العالم الخمس وأصبح هو العدو الوحيد للمادية والالحاد في الشرق والغرب.

انتظرونا مع مواضيع أخرى ان شاء الله تعالى........

خطاب أسد الدين
04-30-2015, 06:24 PM
وكم من عائب قولا صحيحا ...وافته من الفهم السقيم.

فهؤلاء لم يعرفوا ولن يعرفوا اللغة وجمال اللغة العربية ...
فالسياقات مقيدات وكذلك القرائن .
فعندما نقول رأيت أسد .
فالجميع سيعلم وسيفهم ان الاسد هنا حقيقى بدلالة السياق والقرائن .

وعندما نقول رأيت أسدا يحمل سيفا ويقاتل .
الجميع سيعلم ويفهم ان المقصود الاسد هو الرجل الشجاع .
وذلك من خلال السياق وقراءن الاحوال ,فاللفظ حقيقة فى كلا الجملتين .
وهو استعمال فى اللغة العربية
وليشخ الاسلام مبحث صغير فى لفظة النزول

خطاب أسد الدين
04-30-2015, 06:27 PM
ولفظ ‏[‏النزول‏]‏ حيث ذكر في كتاب الله تعالى فإن كثيراً من الناس فسروا النزول في مواضع من القرآن بغير ما هو معناه المعروف؛ لاشتباه المعنى في تلك المواضع، وصار ذلك حجة لمن فسر نزول القرآن بتفسير أهل البدع‏‏‏.‏

فمن الجهمية من يقول‏:‏ أنزل بمعنى خلق، كقوله تعالى‏:‏{ ‏‏وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ‏‏ }‏[‏الحديد‏:‏25‏]‏، أو يقول‏:‏ خلقه في مكان عال ثم أنزله من ذلك المكان‏‏‏.‏

‏ ومن الكُلابِيّة من يقول‏:‏ نزوله بمعنى الإعلام به وإفهامه للملك، أو نزول الملك بما فهمه‏‏‏.‏

‏ وهذا الذي قالوه باطل في اللغة والشرع والعقل‏‏‏.‏

‏ والمقصود هنا ذكر النزول، فنقول وبالله التوفيق‏:‏

النزول في كتاب الله عز وجل ثلاثة أنواع‏:‏ نزول مقيد بأنه منه، ونزول مقيد بأنه من السماء، ونزول غير مقيد لا بهذا ولا بهذا‏‏‏.‏

فالأول لم يرد إلا في القرآن، كما قال تعالى‏:‏ {‏‏وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ‏‏ }‏[‏الأنعام‏:‏114‏]‏، وقال تعالى‏:‏ {‏‏قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ‏ }‏[‏النحل‏:‏102‏]‏، وقال تعالى‏:‏ {‏‏تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ‏} ‏[‏الجاثية‏:‏2، الأحقاف‏:‏ 2‏]‏، وفيها قولان‏:‏ أحدهما‏:‏ لا حذف في الكلام، بل قوله‏:‏{ ‏‏تَنْزِيلُ الْكِتَابِ‏ }مبتدأ، وخبره ‏ ‏{مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم ‏ }‏‏‏.‏

والثاني‏:‏ أنه خبر مبتدأ محذوف، أي هذا ‏ {‏تَنْزِيلُ الْكِتَابِ‏ }، وعلى كلا القولين فقد ثبت أنه منزل منه، وكذلك قوله‏:‏ ‏تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ‏‏} ‏[‏الجاثية‏:‏1- 2، الأحقاف‏:‏ 1- 2 ‏]‏ وكذلك {‏‏حم تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ‏ } ‏[‏فصلت‏:‏1- 2‏]‏،{ ‏‏حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ‏} ‏[‏غافر‏:‏ 1- 2‏]‏ والتنزيل بمعنى المنزل، تسمية للمفعول باسم المصدر، وهو كثير؛ ولهذا قال السلف‏:‏ القرآن كلام الله ليس بمخلوق، منه بدأ‏‏‏.‏

‏ قال أحمد وغيره‏:‏ وإليه يعود، أي‏:‏ والمتكلم به‏‏‏.‏

وقال‏:‏ كلام الله من الله ليس ببائن منه، أي لم يخلقه في غيره فيكون مبتدأ منزلا من ذلك المخلوق، بل هو منزل من الله، كما أخبر به، ومن الله بدأ لا من مخلوق، فهو الذي تكلم به لخلقه‏‏‏.‏

‏ وأما النزول المقيد بالسماء، فقوله‏:‏ {‏‏وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء‏} ‏[‏المؤمنون‏:‏18‏]‏ والسماء اسم جنس لكل ما علا، فإذا قيد بشيء معين ‏[‏تقيد به‏]‏، فقوله في غير موضع من السماء مطلق أي في العلو، ثم قد بينه في موضع آخر بقوله‏:‏ {‏ ‏أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ‏ }‏[‏الواقعة‏:‏69‏]‏، وقوله‏:‏ {‏ ‏فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ‏ } [‏النور‏:‏43‏]‏ أي أنه منزل من السحاب‏.‏ ومما يشبه نزول القرآن قوله‏:‏ ‏‏{يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ‏ } ‏[‏النحل‏:‏2‏]‏، فنزول الملائكة هو نزولهم بالوحي من أمره، الذي هو كلامه وكذلك قوله‏:‏ ‏ ‏تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا‏ }‏[‏القدر‏:‏4‏]‏ يناسب قوله‏:‏‏{ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} ‏[‏الدخان‏:‏4- 5‏]‏ فهذا شبيه بقوله‏:‏‏‏{ ‏‏قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ‏}‏[‏النحل‏:‏102‏]‏‏.

‏‏ وأما المطلق، ففي مواضع، منها‏:‏ ما ذكره من إنزال السكينة بقوله‏:‏‏{ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ‏[‏الفتح‏:‏ 26‏]‏ قوله‏:‏‏‏{ ‏‏هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ‏ }‏[‏الفتح‏:‏4‏]‏ إلى غير ذلك‏.

‏‏ ومن ذلك‏:‏ إنزال الميزان، ذكره مع الكتاب في موضعين، وجمهور المفسرين على أن المراد به العدل، وعن مجاهد رحمه الله ‏:‏ هو ما يوزن به، ولا منافاة بين القولين‏.

‏‏ وكذلك العدل، وما يعرف به العدل، منزل في القلوب، والملائكة قد تنزل على قلوب المؤمنين، كقوله‏:‏‏‏{ ‏‏إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏12‏]‏ فذلك الثبات نزل في القلوب بواسطة الملائكة، وهو السكينة‏.

‏‏ ‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم "من طلب القضاء واستعان عليه وُكِل إليه، ومن لم يطلب القضاء ولم يستعن عليه أنزل الله عليه ملكا يُسَدِّدُه"‏ فالله ينزل عليه ملكا، وذلك الملك يلهمه السداد، وهو ينزل في قلبه‏.

‏‏ ‏ ومنه حديث حذيفة رضي الله عنه الذي في الصحيحين، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال {إن الله أنزل الأمانة في جَذْر قلوب الرجال، فعلموا من القرآن وعلموا من السنة‏"‏ و‏[‏ ‏[‏جَذْر‏]‏‏:‏ أي أصل‏]‏ ، والأمانة هي الإيمان أنزلها في أصل قلوب الرجال، وهو كإنزال الميزان والسكينة، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال {"ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله‏"‏‏ الحديث إلى آخره، فذكر أربعة‏:‏ غشيان الرحمة، وهي أن تغشاهم كما يغشى اللباس لابسه، وكما يغشى الرجل المرأة، والليل النهار‏.

‏‏ ‏ ثم قال {"ونزلت عليهم السكينة"‏ ‏ ‏ وهو إنزالها في قلوبهم، {"‏وحَفَّتْهم الملائكة‏‏"‏‏ أي‏:‏ جلست حولهم، ‏{‏"‏‏ ‏وذكرهم الله فيمن عنده‏‏ من الملائكة‏.

‏‏ ‏ وذكر الله الغشيان في مواضع، مثل قوله تعالى‏:‏‏‏{ ‏‏يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ‏}‏[‏الأعراف‏:‏ 54‏]‏، وقوله‏:‏ ‏‏‏‏{فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً‏}‏[‏الأعراف‏:‏189‏]‏، وقوله‏:‏ ‏‏‏‏{‏‏وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى‏ }‏[‏النجم‏:‏53- 54‏]‏، وقوله‏:‏‏‏{ ‏‏أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ‏ }‏[‏هود‏:‏5‏]‏ هذا كله فيه إحاطة من كل وجه‏.

‏‏ ‏ وذكر تعالى إنزال النعاس في قوله‏:‏‏‏{ ‏‏ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ‏} ‏[‏آل عمران‏:‏154‏]‏، هذا يوم أحد‏.

‏‏ ‏ وقال في يوم بَدْر‏:‏‏‏{ ‏‏إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ‏ }‏[‏الأنفال‏:‏11‏]‏، والنعاس ينزل في الرأس بسبب نزول الأبخرة التي تدخل في الدماغ، فتنعقد فيحصل منها النعاس‏.

‏‏ ‏ وطائفة من أهل الكلام منهم أبو الحسن الأشعري ومن اتبعه من أصحاب مالك والشافعي وأحمد جعلوا النزول والإتيان والمجيء حدثاً يحدثه منفصلا عنه، فذاك هو إتيانه واستواؤه على العرش، فقالوا‏:‏ استواؤه فعل يفعله في العرش يصير به مستويا عليه من غير فعل يقوم بالرب، لكن أكثر الناس خالفوهم، وقالوا‏:‏ المعروف أنه لا يجيء شيء من الصفات والأعراض إلا بمجيء شيء، فإذا قالوا‏:‏ جاء البرد أو جاء الحر، فقد جاء الهواء الذي يحمل الحر والبرد، وهو عين قائمة بنفسها، وإذا قالوا‏:‏ جاءت الحمى، فالحمى حر أو برد تقوم بعين قائمة بسبب أخلاط تتحرك وتتحول من حال إلى حال، فيحدث الحر والبرد بذلك، وهذا بخلاف العَرض الذي يحدث بلا تحول من حامل، مثل لون الفاكهة؛ فإنه لا يقال في هذا‏:‏ جاءت الحمرة والصفرة والخضرة، بل يقال‏:‏ أحمر وأصفر وأخضر‏.‏

‏‏ وإذا كان كذلك فإنزاله تعالى العدل والسكينة، والنعاس والأمانة وهذه صفات تقوم بالعباد إنما تكون إذا أفضى بها إليهم، فالأعيان القائمة توصف بالنزول، كما توصف الملائكة بالنزول بالوحي والقرآن، فإذا نزل بها الملائكة قيل‏:‏ إنها نزلت‏.‏

‏‏ وكذلك لو نزل غير الملائكة، كالهواء الذي نزل بالأسباب، فيحدث الله منه البخار الذي يكون منه النعاس، فكان قد أنزل النعاس سبحانه بإنزال ما يحمله‏.

‏‏ ‏ وقد ذكر سبحانه إنزال الحديد، والحديد يخلق في المعادن‏.

‏‏ ‏ وما يذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن آدم عليه السلام نزل من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد؛ السندان والكلبتان والمنقعة، والمطرقة، والإبرة، فهو كذب لا يثبت مثله‏.

‏‏ وكذلك الحديث الذي رواه الثعلبي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم‏ " إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض، فأنزل الحديد والماء والنار والملح‏" حديث موضوع مكذوب، في إسنـاده سيف بـن محمـد ابـن أخت سفيان الثوري رحمه الله وهو من الكذابين المعروفين بالكذب.

‏‏ ‏ قال ابن الجوزي‏:‏ هو سيف بن محمد ابن أخت سفيان الثوري، يروي عن الثوري وعاصم الأحول والأعمش، قال أحمد رحمه الله‏:‏ هو كذاب يضع الحديث، وقال مرَّة‏:‏ ليس بشيء‏.‏ وقال يحيى‏:‏ كان كذاباً خبيثاً، وقال مرة‏:‏ ليس بثقة.

‏‏ وقال أبو داود‏:‏ كذاب‏.

‏‏ ‏ وقال زكريا الساجي‏:‏ يضع الحديث‏.

‏‏ ‏ وقال النسائي‏:‏ ليس بثقة ولا مأمون‏.

‏‏ ‏ وقال الدارقطني‏:‏ ضعيف متروك‏.

‏‏ ‏ والناس يشهدون أن هذه الآلات تصنع من حديد المعادن‏.‏ فإن قيل‏:‏ إن آدم عليه السلام نزل معه جميع الآلات فهذه مكابرة للعيان‏.

‏‏ وإن قيل‏:‏ بل نزل معه آلة واحدة، وتلك لا تعرف، فأي فائدة في هذا لسائر الناس‏؟‏‏!‏ ثم ما يصنع بهذه الآلات إذا لم يكن ثَمَّ حديد موجود يطرق بهذه الآلات، وإذا خلق الله الحديد صنعت منه هذه الآلات مع أن المأثور‏:‏ ‏[‏إن أول من خطَّ وخاط إدريس عليه السلام‏]‏ وآدم عليه السلام لم يخط ثوباً فما يصنع بالإبرة.

‏‏ ‏ ثم أخبر أنه أنزل الحديد، فكان المقصود الأكبر بذكر الحديد هو اتخاذ آلات الجهاد منه، كالسيف والسنان والنصل وما أشبه ذلك، الذي به ينصر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه لم تنزل من السماء‏.

‏‏ ‏ فإن قيل‏:‏ نزلت الآلة التي يطبع بها، قيل‏:‏ فالله أخبر أنه أنزل الحديد لهذه المعاني المتقدمة والآلة وحدها لا تكفي، بل لابد من مادة يصنع بها آلات الجهاد، لكن لفظ النزول أشكل على كثير من الناس حتى قال قُطْرُب رحمه الله ‏:‏ معناه جعله نزلا، كما يقال‏:‏ أنزل الأمر على فلان نزلا حسنا‏:‏ أي جعله نزلا‏.

‏‏ ‏ قال‏:‏ ومثله قوله تعالى‏:‏{ ‏‏وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ‏} ‏[‏الزمر‏:‏6‏]‏ وهذا ضعيف؛ فإن النزل إنما يطلق على ما يؤكل لا على ما يقاتل به، قال الله تعالى‏:‏{ ‏‏فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ‏} ‏[‏الواقعة‏:‏93‏]‏، والضيافة سميت نزلا؛ لأن العادة أن الضيف يكون راكباً فينزل في مكان يؤتي إليه بضيافته فيه، فسميت نزلا لأجل نزوله، ونزل ببني فلان ضيف؛ ولهذا قال نوح عليه السلام ‏:‏ {‏‏وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ‏} ‏[‏المؤمنون‏:‏29‏]‏؛ لأنه كان راكباً في السفينة، وسميت المواضع التي ينزل بها المسافرون منازل؛ لأنهم يكونون ركبانا فينزلون والمشاة تبع للركبان، وتسمى المساكن منازل‏.

‏‏ وجعل بعضهم نزول الحديد بمعنى الخلق لأنه أخرجه من المعادن وعلمهم صنعته، فإن الحـديد إنما يخلق في المعـادن، والمعـادن إنما تكون في الجبـال، فالحديد ينزله الله من معادنه التي في الجبـال لينتفع به بنـو آدم، وقـال تعالـى‏:{ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنْ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاج‏‏}.

‏‏ ‏ وهذا مما أشكل أيضاً‏.

‏‏ ‏ فمنهم من قال‏:‏ جعل، ومنهم من قال‏:‏ خلق؛ لكونها تخلق من الماء، فإن به يكون النبات الذي ينزل أصله من السماء وهو الماء، وقال قُطْرُب‏:‏ جعلناه نزلا‏.

‏‏ ‏ ولا حاجة إلى إخراج اللفظ عن معناه المعروف لغة؛ فإن الأنعام تنزل من بطون أمهاتها، ومن أصلاب آبائها تأتي بطون أمهاتها، ويقال للرجل‏:‏ قد أنزل الماء، وإذا أنزل وجب عليه الغسل، مع أن الرجل غالب إنزاله وهو على جنب، إما وقت الجماع، وإما بالاحتلام، فكيف بالأنعام التي غالب إنزالها مع قيامها على رجليها وارتفاعها على ظهور الإناث‏؟‏‏!‏ ومما يبين هذا، أنه لم يستعمل النزول فيما خلق من السُّفْلِيَّات، فلم يقل‏:‏ أنزل النبات، و لا أنزل المرعى، وإنما استعمل فيما يخلق في محل عال، وأنزله الله من ذلك المحل، كالحديد والأنعام‏.

‏‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً‏ } الآية ‏[‏الأعراف‏:‏26‏]‏، وفيها قراءتان‏:‏ إحداهما بالنصب، فيكون لباس التقوى أيضاً منزلاً، وأما على قراءة الرفع فلا، وكلاهما حق‏.‏ وقد قيل فيه‏:‏ خلقناه، وقيل‏:‏ أنزلنا أسبابه‏‏.

‏‏وقيل‏:‏ ألهمناهم كيفية صنعته، وهذه الأقوال ضعيفة؛ فإن النبات الذي ذكروا لم يجئ فيه لفظ ‏[‏أنزلنا‏]‏، ولم يستعمل في كل ما يصنع أنزلنا، فلم يقل‏:‏ أنزلنا الدور، وأنزلنا الطبخ ونحو ذلك، وهو لم يقل‏:‏ إنا أنزلنا كل لباس ورياش، وقد قيل‏:‏ إن الريش والرياش المراد به اللباس الفاخر كلاهما بمعنى واحد، مثل اللبس واللباس، وقد قيل‏:‏ هما المال والخصب والمعاش، وارتاش فلان‏:‏ حسنت حالته‏.

‏‏ ‏ والصحيح أن ‏[‏الريش‏]‏ هو الأثاث والمتاع، قال أبو عمر‏:‏ والعرب تقول‏:‏ أعطاني فلان ريشه، أي كِسْوته وجهازه‏‏.

‏‏ وقال غيره‏:‏ الرياش في كلام العرب‏:‏ الأثاث وما ظهر من المتاع والثياب والفرش ونحوها‏‏.

‏‏ وبعض المفسرين أطلق عليه لفظ المال، والمراد به مال مخصوص، قال ابن زيد‏:‏ جمالا؛ وهذا لأنه مأخوذ من ريش الطائر وهو ما يروش به ويدفع عنه الحر والبرد وجمال الطائر ريشه، وكذلك ما يبيت فيه الإنسان من الفرش وما يبسطه تحته ونحو ذلك، والقرآن مقصوده جنس اللباس الذي يلبس على البدن وفي البيوت، كما قال تعالى‏‏:{ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً} الآية ‏[‏ النحل‏:‏80 ‏]‏، فامتن سبحانه عليهم بما ينتفعون به من الأنعام في اللباس والأثاث، وهذا والله أعلم معنى إنزاله؛ فإنه ينزله من ظهور الأنعام،وهو كسوة الأنعام من الأصواف والأوبار والأشعار، وينتفع به بنو آدم من اللباس والرياش‏‏‏.

‏ فقد أنزلها عليهم، وأكثر أهل الأرض كسوتهم من جلود الدواب، فهي لدفع الحر والبرد، وأعظم مما يصنع من القطن والكتان‏‏.

‏‏ والله تعالى ذكر في سورة النحل إنعامه على عباده، فذكر في أول السورة أصول النعم التي لا يعيش بنو آدم إلا بها، وذكر في أثنائها تمام النعم التي لا يطيب عيشهم إلا بها، فذكر في أولها الرزق الذي لابد لهم منه، وذكر ما يدفع البرد من الكسوة بقوله‏ ‏:{‏‏وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ‏ }‏[‏النحل‏:‏5‏]‏، ثم في أثناء السورة ذكر لهم المساكن والمنافع التي يسكنونها‏:‏ مساكن الحاضرة والبادية، ومساكن المسافرين، فقال تعالى‏:{ ‏‏وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً‏}‏ الآية، ثم ذكر إنعامه بالظلال التي تقيهم الحر والبأس فقال‏‏:{ ‏‏وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً‏ }إلى قوله‏‏ ‏:{‏‏كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ‏ }‏[‏النحل‏:‏81‏]‏.

‏‏ ولم يذكر هنا ما يقى من البرد؛ لأنه قد ذكره في أول السورة، وذلك في أصول النعم؛ لأن البرد يقتل فلا يقدر أحد أن يعيش في البلاد الباردة بلا دفء، بخلاف الحر فإنه أذى، لكنه لا يقتل كما يقتل البرد؛ فإن الحر قد يتقى بالظلال واللباس وغيرهما، وأهله أيضاً لا يحتاجون إلى وقاية كما يحتاج إليه البرد، بل أدنى وقاية تكفيهم وهم في الليل وطرفي النهار لا يتأذون به تأذيا كثيرا، بل لا يحتاجون إليه أحياناً حاجة قوية، فجمع بينهما في قوله‏‏ ‏:{‏سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ‏} ‏[‏النحل‏:‏81‏]‏‏‏.

‏‏ ‏ولا حذف في اللفظ ولا قصور في المعنى، كما يظنه من لم يحسن حقائق معاني القرآن، بل لفظه أتم لفظ، ومعناه أكمل المعاني، فإذا كان اللباس والرياش ينزل من ظهور الأنعام، وكسوة الأنعام منزلة من الأصلاب والبطون كما تقدم فهو منزل من الجهتين؛ فإنه على ظهور الأنعام لا ينتفع به بنو آدم حتى ينزل‏‏.

‏‏ فقد تبين أنه ليس في القرآن ولا في السنة لفظ نزول إلا وفيه معنى النزول المعروف، وهذا هو اللائق بالقرآن؛ فإنه نزل بلغة العرب، ولا تعرف العرب نزولا إلا بهذا المعنى، ولو أريد غير هذا المعنى لكان خطاباً بغير لغتها، ثم هو استعمال اللفظ المعروف له معنى في معنى آخر بلا بيان، وهذا لا يجوز بما ذكرنا؛ وبهذا يحصل مقصود القرآن واللغة الذي أخبر الله تعالي أنه بينه وجعله هدى للناس، وليكن هذا آخره، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيراً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الثاني عشر.
http://ar.islamway.net/fatwa/16828/%D9%81%D8%B5%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D9%86%D8%B2%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86

خطاب أسد الدين
04-30-2015, 06:32 PM
والنزول عند ابن تيمية هو الهبوط من العلو فلا مجال للقول ان النزول معناه الخلق.
لذلك يقول ان النزول فى القرآن هو ماكان من جهة العلو .
ودائما ابن تيمية يقول ان اللفظ حقيقة بسياقه وقرائن النص والحال

لذلك يقول فى اخر جوابه (فقد تبين أنه ليس في القرآن ولا في السنة لفظ نزول إلا وفيه معنى النزول المعروف، وهذا هو اللائق بالقرآن؛ فإنه نزل بلغة العرب، ولا تعرف العرب نزولا إلا بهذا المعنى، ولو أريد غير هذا المعنى لكان خطاباً بغير لغتها، ثم هو استعمال اللفظ المعروف له معنى في معنى آخر بلا بيان، وهذا لا يجوز بما ذكرنا؛ وبهذا يحصل مقصود القرآن واللغة الذي أخبر الله تعالي أنه بينه وجعله هدى للناس، وليكن هذا آخره، والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيراً.)


يقول شيخ الاسلام ابن تيمية عن انزال الحديد وارتباطها بانزال الكتاب:
"الكتاب والحديد وإن اشتركا في الإنزال ،فلا يمنع أن يكون أحدهما نزل من حيث لم ينزل الآخر حيث نزل الكتاب من الله ....والحديد نزل من الجبال التي يخلق فيها" .
التحفة العراقيه في الاعمال القلبية بتحقيق الدكتور يحيي الهنيدي ص 3040
اى ان الحديد والقرآن مختلفان و لكنهما اشتركا فى لفظ النزول الذى معناه الهبوط من علو ,ويحتمل انهما نزلا معا من نفس المصدر من السماء نزولا من السماء الى الارض ويحتمل انه واحد نزل من الله من السماء الى الارض والاخر نزل من اعالى الجبال .
لأن الانزال معناه الهبوط من العلو الى السفل

الدكتور قواسمية
04-30-2015, 07:50 PM
بارك الله فيك أخي خطاب الدين.....
يجب أن تثري جميع المواضيع التي أكتبها ان توفر لديك الوقت
اللهم ارحم شيخ الاسلام ابن تيمية وارحم أول رجل أطلق عليه لقب "شيخ الاسلام"
ما من مسألة طرحت في القرن العشرين الاوقد سبق اليها ابن تيمية بأحسن تفسير

خطاب أسد الدين
05-01-2015, 12:14 AM
بارك الله فيك أخي خطاب الدين.....
يجب أن تثري جميع المواضيع التي أكتبها ان توفر لديك الوقت
اللهم ارحم شيخ الاسلام ابن تيمية وارحم أول رجل أطلق عليه لقب "شيخ الاسلام"
ما من مسألة طرحت في القرن العشرين الاوقد سبق اليها ابن تيمية بأحسن تفسير


وفيك بارك دكتور قواسمية
فمواضيعك مميزة ينجذب العقل اليها والعقل لا تهديه الا الادلة .
وقد قرأت معظمها من نقدك للتطور رياضيا الى نظرية الكون الهولوغرامى ,,
ومشاركاتك وملاحضتك المميزة وخصوصا الاخيرة عن الشبهات
يعنى مشالله وتبارك الرحمن ...علم على علم .

* إسلامي عزّي *
05-01-2015, 09:34 PM
جزاكم الله خيرا دكتور قواسمية .
أدناه ردّي على منصّر طاعن مشكّك ،،

الحديد أنزل من السماء ،،
التوثيق من قناة ديسكفري ،

الشاهد موجود في :

1- التوقيت 3:44

الحديد أنزل من السماء مع آخر إصدام أرضي بواحد من الكوكيبات !

2- التوقيت 29 :5

كويكب يصدم بالأرض حاملا معه الحديد من السماء ،
الحديد لم ينتشر فوق سطح الأرض فقط بل نفذ إلى أعماقها بفعل الأصطدام المباشر و الشديد !

3- التوقيت 6:31

معادن أخرى من بينها الحديد استمرت في النزول من السماء بفعل تصادم الارض مع أجسام فضائية أخرى .

و السؤال :

كيف علمَ الرسول الأمّي الذي كان يعيش في بيئة بدوية خالصة بهذه الحقيقة العلمية ؟؟


https://www.youtube.com/watch?v=7JyzaKZJr1g

aboabd
05-01-2015, 09:39 PM
جزاكم الله خيرا على هذا التوضيح للاعجاز اللغوى فى الاية الكريمة : ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾(الحديد:25

ويقول الدكتور زغلول النجار عن الاعجاز العلمى فى هذه الاية :
ونحن نعرف اليوم أن عنصر الحديد هو أكثر العناصر انتشارًا في كوكب الأرض ككلٍّ، حيث يكون الحديد وحده أكثر من 35% من مجموع كتلة الأرض المقدّرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طنًّا (5974 × 1018 طن)؛ وهو رابع عنصر انتشارًا في قشرة الأرض، حيث تصل نسبته إلى 5,6%، وهذا التوزيع معناه أن أغلب حديد الأرض مركّز في قلبها وأوشحتها الداخلية. وقد ثبت بالفعل أن للأرض لبًّا صلبًا داخليًّا تصل نسبة الحديد فيه إلى 90%، ونسبة النيكل إلى حوالي 9% وهو من مجموعة عناصر الحديد، بالإضافة إلى حوالي 1% عناصر خفيفة من مثل الكبريت والفوسفور والسيليكون. ثم يلي ذلك اللب الصلب إلى الخارج لب سائل له نفس التركيب الكيميائي، ثم أربعة أوشحة متمايزة تتناقص فيها نسبة الحديد من الداخل إلى الخارج بالتدريج حتى تصل إلى قشرة الأرض وبها 5,6% حديد.

وهنا يبرز التساؤل الهام؛ كيف أنزل حديد الأرض إليها من السماء؟ وكيف اخترق غلافها الصخري؟ وكيف تركز في قلب الأرض؟ وكيف تناقصت نسبته بانتظام من مركز الأرض إلى سطحها؟
وللإجابة على هذه الأسئلة لابد من النظر إلى الأرض بصفتها جزءًا من الكون المحيط بها، والذي أثبتت الدراسات مؤخرًا، أن الغالبية العظمى من تركيبه تتمثل بغاز الإيدروجين والذي يشكل أكثر من 74% من مادة الكون المنظور. والإيدروجين هو أخف العناصر المعروفة وأقلها بناءً، ويلي الإيدروجين كثرة في الجزؤ المدرك من الكون غاز الهيليوم الذي يكون حوالي 24% من مادة الكون المنظور، وأن باقي 108 عناصر يعرفها إنسان اليوم تكون أقل من 2% من مادة الكون المنظور.

هذه الملاحظات أكدت أن نوى ذرات الإيدروجين، هي اللبنات الأساسية التي تخلقت منها ولا تزال تتخلق كل العناصر الأخرى، بعملية تسمى باسم عملية الاندماج النووي، وأن هذه العملية الاندماجية لنوى الذرات تمثل وقود النجوم، لأنها عملية مطلقة للطاقة، وأنها السبب الرئيسي لتوهج النجوم.

وعملية الاندماج النووي في شمسنا، لا تكاد تتعدى إنتاج الهيليوم، بالإضافة إلى نسب ضئيلة من عناصر أعلى في وزنها الذري لا تصل أبدًا إلى الحديد، ولا تكاد تتجاوز إنتاج بعض نوى ذرات الألومنيوم والسيليكون. ولكن الشمس، بها نسبة من الحديد لا تتعدى (0037,-%) سببها كتل النيازك الحديدية التي تسقط على الشمس كما تسقط على الأرض.

وهناك أدلة كثيرة على أن الأرض وباقي أجرام المجموعة الشمسية قد انفصلت أصلا من الشمس، وأن الشمس لا تصل فيها عملية الاندماج النووي أبدًا إلى مرحلة إنتاج الحديد، بل تتوقف قبل ذلك بمراحل كثيرة. وهنا برز السؤال الهام: من أين جاء هذا الكم الهائل من حديد الأرض والذي يقدر بأكثر من ألفي مليون مليون مليون طن (2145 مليون مليون مليون طن)؟

وشمسنا نجم متواضع تصل درجة حرارة سطحه إلى ستة آلاف درجة مئوية، ودرجة حرارة جوفه إلى حوالي 15 مليون درجة مئوية، بينما تقدر درجة الحرارة اللازمة لإنتاج الحديد بعملية الاندماج النووي بخمسة بلايين درجة مئوية على الأقل، وذلك اتجهت أنظار العلماء في بحثهم عن مصادر للحديد في عدد من النجوم التي تفوق درجة حرارتها درجة حرارة الشمس بمعدلات كبيرة؛ من مثل النجوم العملاقة (التي تقدر كتلة الواحدة منها بعشرة مرات قدر كتلة الشمس على الأقل) وتصل درجة حرارتها في مراحل انفجاراتها الأخيرة إلى بلايين الدرجات المئوية. وقد لاحظ علماء الفلك والفيزياء الفلكية في المراحل المتأخرة من انفجار النجوم العملاقة والمعروفة باسم "المستعرات العظمى"، أن عملية الاندماج النووي للإيدروجين، تتواصل حتى تنتج نطقًا تترتب من الخارج إلى الداخل من الإيدروجين، ثم الهيليوم، ثم الكربون، ثم الأكسجين، ثم السيليكون، ثم الكبريت حول قلب من نوى ذرات الحديد.

وعندما تصل عملية الاندماج النووي إلى إنتاج الحديد، تتوقف العملية بالكامل وينفجر النجم لتتناثر أشلاؤه في صفحة السماء وأهمها الحديد، الذي تصل شظاياه إلى مختلف الأجرام السماوية التي تحتاج إلى ذلك العنصر، بينما تتخلق العناصر الأعلى في وزنها الذري من نوى ذرات الحديد السابحة في صفحة السماء باصطيادها عددًا من اللبنات الأولية للمادة. وبذلك ثبت الأصل السماوي للحديد في أرضنا، بل في مجموعتنا الشمسية كلها .

وأنه قد تخيل السابقون من المفسرين الذين وقفوا عاجزين عن تفسير إنزال الحديد إلى الأرض فقالوا: إن الفعل "أنزلنا" هنا قد يكون بمعنى "أوجدنا" أو "خلقنا" الحديد بتلك الصفات التي أعطته البأس الشديد والمنافع العديدة للناس.

وجاء العلم الكسبي في قمة من قممه، مؤكدًا دقة التعبير القرآني الذي يقول فيه ربنا تبارك وتعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾(الحديد:25)، ومؤكدًا أنه إنزال حقيقي وليس إنزالا مجازيًّا. اهـ

الدكتور قواسمية
05-01-2015, 10:25 PM
في خبر علمي عنوانه " امطار حديدية على الارض البدائية " قام باحثون بتجربة مخبرية لمحاكاة الطريقة التي ترسب بها الحديد الذي أمطرته النيازك على الارض البدائية.
وتهدف التجربة لفهم الآلية التي اخترقت بها "الامطار الحديدية" ونفذت الى الماغما.
وقد أشرف على التجارب العلمية علماء من جامعة لوس أنجلس ونانت الفرنسية وكاليفورنيا. ويقول الباحثون أن ملايين الأطنان من النيازك الحديدية تهاطلت بشكل عنيف على الأرض البدائية محدثة محيطا كبيرا من الحديد الذي ترسب الى باطن الارض وفق عمليات ميكانيكية وكيميائية.

http://www.3rbz.com/uploads/416f490caeaf1.jpg (http://www.bnatgames.info/)العاب بنات (http://www.bnatgames.info/)
صورةللتجربة المخبرية التي توضح ترسب الأمطار النيزكية الحديدية داخل الماغما في باطن الأرض.

الخبر العلمي بالفرنسية
http://www.pourlascience.fr/ewb_pages/a/actu-une-pluie-de-fer-sur-la-terre-primitive-33203.php
موقع انجليزي
أمطار حديدية تساقطت على الأرض في بداية تكوينها
http://www.isciencemag.co.uk/news/iron-rain-fell-on-early-earth/
أمطار حديدية على الأرض المبكرة
https://share.sandia.gov/news/resources/news_releases/iron_rain/#.VUPSG45_Oko

Northern Bird
05-04-2015, 11:09 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا

أليس من الممكن أن تكون أسلاف الأنعام نزلت من السماء أيضا؟ فقد جاء في بعض التفاسير أن الأنعام خُلقت في الجنة ثم أُنزلت إلى الأرض

وهذا موضوع بقلم الشيخ بسام جرار:

جاء في الآية 25 من سورة الحديد: "... وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ... " ، وجاء في الآية 6 من سورة الزمر :" ... وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ... " .
جاء في شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي المتوفى عام 792 هـ :" ... فالحديد إنما يكون من المعادن التي في الجبال، وهي عالية على الأرض، وقد قيل إنّه كلما كان معدنه أعلى كان حديده أجود. والأنعام تُخلق بالتوالد المستلزم إنزال الذكور الماء من أصلابها إلى أرحام الإناث، ولهذا يقال: أنزل ولم يقُل نزّل، ثم الأجنّة تنزل من بطون الأمهات إلى وجه الأرض. ومن المعلوم أنّ الأنعام تعلو فحولها إناثها عند الوطء، وينزل ماء الفحل من علو إلى رحم الأنثى، وتُلقي ولدها عند الولادة من علو إلى سُفل ... "[1].
لا يختلف موقف ابن أبي العز عن موقف الكثير من المعاصرين الذين يصرفون معاني الألفاظ عن الحقيقة اللغوية لأنهم ببساطة لا يقبلون القول بنزول الحديد والأنعام من السماء، وهم بذلك يُحكّمون معارفهم القاصرة في كلام الله العزيز الحكيم. فمن أين لهم القول بأنّ الأنعام قد خلقت في الأرض ؟! وهل يستحيل في العقل أن يُنزّل الخالق القدير ما شاء من المخلوقات لحكمة يريدها ؟! وإذا كنا لا نتصور ذلك فكيف أمكننا أن نتصور حادثة الإسراء والمعراج، وحادثة نزول آدم وزوجه إلى الأرض. أمّا أهل الإلحاد فإنهم أسرى الواقع المحسوس ويذهلون عن كل ما وراءهُ من أسباب وعلل.
ذكر الأستاذ زغلول النجار – وهو مختص في هذا الباب – بأنّ العلماء يجزمون بأنّ الحديد لم يتكون في الأرض ولا في المجموعة الشمسية، لأنه يحتاج إلى طاقة هائلة لا تتوافر في المجموعة الشمسية ... ومن هنا نجدهم يُقدّمون تفسيراً لوجود الحديد في الأرض يتمثل في انفجار بعض النجوم المحتوية على عنصر الحديد وتناثر مكوناتها في الفضاء مما أدى إلى نزول الحديد بكثافة على الأرض، وذلك في الوقت الذي كانت فيه الأرض هشة غير متماسكة، وفي الوقت الذي لم يكن الغلاف الجوي قد تكوّن. مما أدى إلى اختراق ذرات الحديد لطبقات الأرض المختلفة.
وبغض النظر عن صدق ذلك علمياً إلا أنّ هذا التفسير يجعلنا نفهم من غير حيرة ولا ارتباك قوله تعالى:" وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ "، فلا داعي للتأويل، ولا داعي لصرف الألفاظ عن ظاهرها وحقيقتها اللغوية.
وما يقال في الحديد يُقال في الأنعام، إلا أنّ نزول الأنعام وتميُّزها على باقي الحيوانات والدواب يدفعنا إلى التنبّه إلى ضرورة إجراء دراسات مستفيضة تتعلق بالأنعام، لأنّ الآيات الكريمة وضعت أيدينا على بداية الخيط الذي يمكن أن يقودنا إلى اكتشاف بعض أسرار الخلق.
جاء في الآية 6 من سورة الزمر:" ... خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ... ".
يذهب أهل التفسير إلى أنّ النّفس الواحدة هنا هي نفس آدم، عليه السلام، والذي خُلق خلقاً متميزاً، كما هو الأمر في خلق المسيح، عليه السلام: "...ž إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ... " آل عمران: 59 وكذلك الأمر في خلق حواء التي خُلقت من نفس آدم على خلاف القاعدة في باقي الأحياء، ثم كان خلق باقي البشر وفق قاعدة التزاوج. وهذا يدل على كرامة المخلوق البشري وأهميته ودوره القادم في سيادة الكون.
" ... وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ... ": من الضأن اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين. واللافت أنّ الكلام عن نزول الأنعام جاء بعد الكلام عن خلق آدم وحواء وقبل الكلام عن قانون الزوجية، وقد يشير ذلك إلى أنّ نزول الأنعام كان قبل نزول الإنسان وتمهيداً لنزوله، وذلك لأهمية الأنعام التي ذللها الخالق الحكيم: " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (73)" يس: 71-73 واللافت هنا قوله تعالى: " ... مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا ..." وكيف لا يكون الأمر لافتاً ومثل هذا التعبير لم يرد في القرآن الكريم إلا في الآية 75 من سورة ص، وذلك في حق آدم، عليه السلام :"t قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ " فمثل هذا التعبير يشير إلى خصوصية لهذا الخلق الكريم. أمّا خصوصية خلق الأنعام فقد ترجع إلى أهميتها للإنسان المستخلف في الأرض.
جاء في الآية 132–133 من سورة الأنعام:" وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ (133) ": واللافت هنا تقديم الأنعام على البنين، وهذا يعزز ما ذهبنا إليه من إنزال الأنعام قبل أن يحصل التزاوج والإنجاب لآدم وحواء على الأرض.
جاء في الآية 28 من سورة فاطر:" وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ" فاللافت هنا تمييز الأنعام عن باقي الدواب، وقد يعزز هذا ما ذهبنا إليه من الخلق الخاص للأنعام. والمتدبر للقرآن الكريم يلاحظ أهمية الأنعام للإنسان، وهذه الأهمية تزداد إلى درجة أنك اليوم لا تكاد تحصي المنافع التي يُحصِّلها الإنسان المعاصر من هذه الأنعام. وبذلك ندرك بعض أسرار محاربة الإسلام للعقائد الشركيّة التي كانت تُحرم بعضاً من الأنعام في صورة البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ... بل لا تزال آثار هذه العقائد الفاسدة تعمل سلبياً في حياة بعض الأمم، مثل الهندوس الذين يُقدّسون البقرة.
لا شك أنّ تذليل الأنعام وتدجينها للإنسان من الأمور اللافتة في خلقها، فكأنّ واقعها يقول: لقد خُلِقتُ لخدمة هذا الكائن المكرم، وجُعلت قريبة منه. بل هي بحاجة إلى رعاية الإنسان وحمايته، فانظر إلى الخراف، مثلاً، هل تملك لنفسها شيئاً أمام اعتداء الحيوانات المفترسة، على خلاف ما هو عليه الغزال من سرعة وحذر.
إنها دعوة مُوجّهة إلى أهل العلم والنظر لعلنا نعيد تقييم نظرتنا إلى أصل هذه الكائنات ووظيفتها وما يحمله خلقها من أسرار. ولا يفوتنا في النهاية أن ننبه إلى أنّ السورة السادسة في ترتيب المصحف هي سورة الأنعام، وأنّ أطول سورة من سور القرآن الكريم هي سورة البقرة.

http://www.islamnoon.com/enzal.htm