المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرد على شبهة حول حديث ( إن أخر هذا فلن يدركه الهرم حتى ..)



IbnTaimiya
06-06-2015, 10:48 AM
من أمثلة أخطاء الدكتور عدنان إبراهيم في جرأته على الصحيحين , لا بالتخطيء فقط , بل باستجهال واستغفال الإمامين الجليلين البخاري ومسلم :

ذكر الدكتور حديث أنس رضي الله عنه : ((أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله , مَتَى السَّاعَةُ قَائِمَةٌ ؟ قَالَ : وَيْلَكَ ! وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا ؟ قَالَ : مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ الله وَرَسُولَهُ , قَالَ : إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ . فَقُلْنَا: وَنَحْنُ كَذَلِكَ, قَالَ : نَعَمْ . فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحًا شَدِيدًا . فَمَرَّ غُلَامٌ لِلْمُغِيرَةِ , وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي, فَقَالَ : إِنْ أُخِّرَ هَذَا فَلَنْ يُدْرِكَهُ الْهَرَمُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ )) .

وهذا حديث صحيح في البخاري وسلم .

وانتقده الدكتور عدنان إبراهيم وادعى أنه كذب , بدعوى مخالفته القطعية للواقع ؛ لأن ذلك الغلام لو عمر مائة سنة بعد ذلك الحديث , فقد وقع تكذيب هذا الخبر بعدم قيام الساعة بعد شيخوخته , بل بعد موته , وحتى اليوم .

وفي الرد عليه أسأل هذا السؤال : تكذيب الواقع لهذا الخبر التكذيب القطعي متى سيظهر للعقلاء ؟

سيقال : بعد هرم الغلام , أو قل : بعد موت الغلام دون أن تقوم الساعة , .

فأقول : ولنفترض أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام في آخر سنة قبل حجة الوداع , يعني قبل موته صلى الله عليه وسلم بأشهر فقط , يعني في سنة عشر من الهجرة . فستكون سنة (110) هي آخر سنة يتبين فيها كذب هذا الخبر .

لكن الواقع أن البخاري ومسلما قد صححا هذا الحديث , بعد مرور هذا الأمد بنحو مائة وأربعين سنة . أي عندما صحح البخاري ومسلم هذا الحديث كان قد مر على ظهور كذبه (في رأي الدكتور) أكثر من قرن , ومع ذلك صححاه ! وليس هذا فقط , بل صححه جمع من أهل العلم , ورووه في كتبهم . وقبلهم رواه أئمة التابعين وأتباع التابعين , رغم مخالفته القطعية للواقع !! ورغم وضوح كذبه للأعمى !!

فإما أنهم جميعا مجانين , إذ كيف يصححون ما يظهر كذبه لأغبى الخلق وأعمى الناس عن الواقع ؟!

وإما أنهم لم يجدوا فيه ما يخالف الواقع , ولذلك صححوه .

ولا يرد هنا احتمال فوات هذا الأمر عنهم , ولا يحتمل أن يكونوا قد غفلوا عن هذا الأمر الواضح ؛ لأنه أمر في غاية الوضوح , كما ترون , ولأنه لو أصيب أحدهم بالعمى والغباء في هذا الحديث , فلا يمكن عقلا أن يتغابا المحدثون كلهم ويتعاموا عن هذا الأمر الواضح ممن رواه معتقدا صحته .

ولذلك : فمن أراد التشكيك في هذا الحديث بهذا الأمر الواضح , فعليه أن يعلم بأنه بتشكيكه هذا قد حكم على البخاري ومسلم بغباء مفرط , يصل أقصى حدود البلاهة , بل بالجنون ؛ لأن إدراك عدم قيام الساعة بعد موت هذا الغلام لا يحتاج إلا شخصا له أدنى درجات العقل وإدراك الحس .

وهذه أول فائدة نستفيدها من هذا التوضيح : وهو أن الحكم على هذا الحديث بالكذب بهذه الحجة هو حكم على كل الذين صححوه بالجنون !

فإن كان المشكك يعتقد أن البخاري ومسلما وغيرهم من أئمة الحديث ليسوا مجانين , فعليه أن يقرر أن لهم تفسيرا للحديث لا يتعارض مع الواقع , ولذلك صححوا الحديث .

ولا مانع بعد ذلك من أن يستضعف هذا التفسير , لكن لا يحق له أن يوهم أو يتوهم أن البخاري ومسلما ومن صحح الحديث كانوا غافلين عن هذا النقد الواضح , كأنه هو الوحيد الذي اكتشف أن القيامة لم تقم , رغم موت الغلام منذ قرون !

فإذا رجعنا للتفسير :

أولا : ذكر الإمام البخاري والإمام مسلم هذا التفسير في صحيحيهما , ومن كلام هشام بن عروة بن الزبير (ت145هـ) , وذلك في حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ((كَانَ رِجَالٌ مِنْ الْأَعْرَابِ جُفَاةً يَأْتُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْأَلُونَهُ : مَتَى السَّاعَةُ ؟ فَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى أَصْغَرِهِمْ , فَيَقُولُ : إِنْ يَعِشْ هَذَا , لَا يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ , حَتَّى تَقُومَ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ )) . قَالَ هِشَامٌ : يَعْنِي مَوْتَهُمْ .

إذن : فلو كان البخاري لا يعي من الكلام شيئا ولا يدرك أن الساعة لم تقم بعد موت الغلام ! فقد بين له هشام بن عروة هذا المعنى الواضح , وهو أن معنى الحديث : لن يهرم ذلك الغلام حتى يموت السائل , والموت هو ساعة كل إنسان .

وكان هذا المعنى مفهوما عند هشام بن عروة , ومفهوما عند البخاري وعند مسلم أيضا , فلا يمكن المزايدة عليهم في إدراك هذا المعنى .

ثانيا : كان هذا التفسير واضحا عند علماء الصحابة , قبل أن يهرم ذلك الغلام , وقبل أن يموت .

ففي الصحيحين من حديث عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما ، قَال : ((صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، صَلَاةَ الْعِشَاءِ، فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَوَهَلَ النَّاسُ [أي غلط الناس] فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ، فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ، عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ» يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ [ أي الجيل])) .

وعبدالله بن عمر رضي الله عنهما توفي سنة (73) , أي : إنه رضي الله عنه قد فهم هذا الفهم الصحيح من الحديث قبل أن يُقطع بمجيئ الوقت المحدد حسب ذلك المعنى الذي اعتبره الدكتور معنى قاطعا في الحديث . فهذا الصحابي الجليل فهم مراد النبي صلى الله عليه وسلم , رغم وقوع الغلط في فهمه منذ زمنه وفي حياته . حيث فهم رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم لا يعني به إلا موت جيله وأصحابه , لا أنه ميعاد لقيام الساعة الكبرى .

والغريب : أن المعنى الخاطئ الذي يتوهم من يسمع كلام الدكتور عدنان أنه معنى هو أول من اكتشفه , قد تبين أنه معنى قديم جدا , ولكنه معنى خطأ , ونبه على خطئه الصحابة والتابعون وتابعوهم والأئمة من بعدهم !! ولذلك صحح البخاري ومسلم الحديث , بناء على معناه الصحيح , لا على معناه الخطأ الذي نفاه الأئمة عن الحديث , ونزهوا كلام النبي صلى الله عليه وسلم منه , وفهمه الصحابة الفهم الصحيح قبل مجيء الموعد المضروب فيه , مما يعني أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم كان مفهوما عندهم , بغير حاجة إلى تأويل أدركوه من خلال الواقع .

وبهذا انتهينا : من أمرين :

الأول : أن معنى الحديث ليس فيه مخالفة للواقع كما ادعى الدكتور , فالمقصود بالساعة ساعة السائل , وهي ساعة موته كما بين ذلك راوي الحديث نفسه هشام بن عروة

الثاني : أن هذا المعنى لم نتأول به نحن الحديث للدفاع عن الصحيحين , ولا تعسفنا في تفسيره لكي لا نخطئ الشيخين (البخاري ومسلم ) , كما يوهمه كلام الدكتور , بل كان معروفا عند الصحابة والتابعين وتابعيهم , وعند الشيخين (البخاري ومسلم) , ولذلك صححوه .


الشيخ/ حاتم بن عارف العوني